عرض مشاركة واحدة
قديم 11-01-16, 01:19 PM   #23

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-



الفصل الخامس عشر



. .




لندن

2:20 مساء





تعمَّدتُ التلكؤ في ارتداء العباءة

حملتُ طفلي المسترخي الهادئ


هبطت سلالم المبنی ببطء ثم وقفتُ أمام المبنی

أبحث تحت ضوء النهار عن السيارة المألوفة .


التفتتُ إلی حيث انطلاقة صوت بوق السيارة

فتحرَّكتُ أسير قاصدةً السيارة السوداء .


خرج الرجل الممشوق القوام من السيارة لا ستقبالي

وفتح لي باب السيارة ، فصعدت إليها بطفلي .


جلس الرجل علی مقعد القيادة المجاور لي ،

وألقی سلامه علی ( أيمن ) بمداعبة تلقاها الصغير

بابتسامة جميلة وَ ترحابٍ ..


سارت بنا السيارة وقد لفَّنا الصمت لا نسمع معه

سوى هدير محرِّك السيارة الرتيب .


وانتهت بنا الرحلة القصيرة أمام مطعمٍ راقٍ .


يبدوني مُقبِلةً علی مشروعِ زواج ثريّ .


استقبلَنا نادلٌ أنيق ، قادنا إلى منضدةً فارغة .. يظهر أنها محجوزة مسبقاً لنا .


كثيراً ما حلمت الزواج من أمير ثري .. أعيش معه أميرةً ..


قصرٌ ملكيٌّ فخم ..

ألماسٌ وَ مجوهرات ..

فساتين كلاسيكيَّة الخاصَّة بالعائلات المالكَة .. !


شعرتُ بالارتباك مع وصول أطباق الغداء الفاخرة .


لم أعتد هذا المستوی من الفخامة .


كذلك مكان ﻻ يناسب اﻷطفال علی ما يبدو ،

حاولت الاختيار لطفلي ما يناسب معدته اللينة .


قام أكثر من مرة فتح عدة مواضيع

بينما أقابله بالمجاملات المعتادة .


كان الموعد الرابع .. لم أعتد عليه بعد .

ولم اتقبَّل فكرة هذه المواعيد ، بينما لم يتمّ بيننا سوى الخطبة .


اتفقوا علی تحديد يوم عقد القِران ، وما أزال مضطربة ..

خائفة .. مشوشة .. ﻻ أعرف ما أريد ..


بكل من المواعيد السابقة ، يثير اشمئزازي ،

بقوله المبتذل :

" كلميني عن نفسك ، هذه أيام تعارف ، استغليها " .



كان عريساً وجده خالي وطمِع بثراء عائلته ، ثم نجح بدوره

من اغراء والدتي بمقدار الأموال ، والمركز الاجتماعي للرجل .


حسناً .. أعترف بوسامته ، ﻻ يبدو كرجل أرمل ..

بدا شاباً أكثر من أن يكون أرملاً بائساً ..

بل شاباً للغاية ، إنه أصغر من طليقي !



- وش يقول الحلو ؟


أعرت انتباهي لصغيري ( أيمن ) المنشغل بلعبة علی جهازنا اللوحي ،

وفمه الصغير يردد .. ويلحن كلمات عشوائية ، لن يفهمها سواي .



- وش يعني كهرنتي ؟!


أمسكت ضحكتي قبل تفلت .


لم أنوِ اﻹجابة ، إلا أن الطفل الفطِن

انتبه للكلمة التي خرجت من فم الرجل .


- كهرنتي ! بابا ! تعرف ؟ بابا ؟


تنحنح الرجل وميزت الارتباك عليه ،

واستطعت لمح بعض من الضيق .


خاطبت طفلي بهدوء أقوم بإعادة اهتمامه إلی لعبته .


أتی صوت الرجل متظاهراً بالود :

- عسی استعديتي ﻹجراءات الولد ؟



ماذا يقصد ؟!



- أي اجراءات ؟


رفع يده بإحراج حاول إخفاءه :

- ما أظن الولد بيبقی معنا .


نطقت كلماتي بحزم :

- أخ إبراهيم ، الولد بيبقی بحضانتي !


- أخ ؟!


كنت أول مرة ألفظ اسمه ، حقاً اسمه ثقيل علی اللسان وصعبٌ نطقه .


- حسب معلوماتي ، تسقط الحضانة عن المرأة في حال الزواج .


- وفي حال كان والد الطفل راضي ؟


رفع حاجبيه ، وتراجع بظهره إلی الوراء ،

ثم هز كتفيه حيرة .


- لو سمحت يا إبراهيم ، لو ما عندك رغبة بوجود الطفل ،

يفضل نتصارح من اﻵن .


أجاب مباشرة برد شعرت به عفوياً :

- الصدق ما عندي اعتراض ، لكن توقعت .. أبوه يبيه .


- اﻷب ما يحق له يطالب فيه حتی لو أسقطت عني الحضانة ،

الصحيح إن الحضانة تنتقل لجدته .. تنتقل لماما !


تنحنح قليلاً ، ثم تحدث محولاً دفة الحديث ،

إلی نقطة تفوق سابقتها في الحساسية :

- عم رياض ما وضح سبب اﻻنفصال بالتحديد ،

ممكن تتفضلين ، وتوضحين ..

إذا مافيه مانع .. أو إحراج ؟


رمقتُ الرجل بامتعاض خفي ، ألا يعتبر هذا تطفلاً ؟


إنه ليس بسؤال من المناسب طرحه .

خاصة في هذه الأجواء الرَّاقية .


- فيه مانع وإحراج .

أجبت بصوت مبحوح بلا مجاملة .


دخلنا في صمت ، وساد التوتر الأجواء

إلی أن قررت إنهاء الموعد .


ويبدو كان ينتظر تلك المبادرة ، فنهض دون ينبس ببنت شفة .


يظهر أن الرجل طيب ومراعٍ ، حرص أﻻ نفترق

مشحونين بتلك المشاعر السلبية .


مررنا في نزهة علی إحدی الحدائق ، شعرت باختناق أقلّ

من وجودنا بالمطعم الرسمي المغلق .



جلست أستمتع بمنظر ( أيمن ) يركض في المساحة الخضراء الواسعة ..

محاولاً اللحاق ببعض الطيور الهاربة ، ﻻهفاً إلی التقاطها .



- فيه شبه منك ..


للمرة الأولی يفتح حواراً يخص ابني .



- ماخذ من أبوه أكثر .



أُقسِمُ قلتها بعفوية !


اوه ، ماذا فعلت !



- في ايش يشبه أبوه ؟



أدرت رأسي إليه .


لِمَ يفعل عكس ما يرغب ؟


ليس بمقدرتي أذيته أكثر ، يفضل أصمت .


أشحت بصري عنه ، وعدت باهتمامي

إلی خاطف الحمام الصغير .



- أيمن ، هناك .. !!


هتفتُ أُمثِّل المرح مشيرةً إلی الطيور

التي تجمعت بجانب إحدی الشجيرات .


- امسك ! امسك ! امسك !

اوه ... ماما .. طار .. كناري طار !!


- حبيبي هذا اسمه حمام !


- حمام ... !


- صح حمام !


- حمام !
























* * *









" ماما ؟ المخلوقات الفضائية .. حقيقية ؟ "

" الله أعلم يا بنتي "

" بس .. ماما .. شفت واحد .. "



لو صدر عنها هذا التصريح في سن الطفولة ،

لتقبلته برحابة صدر نوعاً ما ...


لكنها كانت قد تعدت سنّ البلوغ !


تجاهلت اﻷمر ، وأخذتها كدعابة من المراهقة الحمقاء

واسعة الخيال ، فلم تعد تلقي أسئلة مثيلة .


طفولتها لم توحي أبداً بمستقبل شخصية فصامية وحدانية .


كانت طفلة اجتماعية ..

شقاوتها وسرعة بديهتها .. جعلتها محبوبة من الكل ..


كبرت لتتوفق في دراستها .. حتی هيئة التدريس

لم تسلم من اﻹعجاب بالطفلة العبقرية ..


حرصت علی اللغة العربية والجانب الديني بجلب

معلمات خصوصيات يدرسنها وشقيقتها الصغری .


إذ كانت مادتي الدين والعربي مهملة تقريبا

في مدرستهما العالمية .


ابتدأ التغير والتشوش في الشخصية منذ تطوع خالها

بإكمال تعليمها رغبة في التخفيف عن كاهلي الخمس طفلات

اللاتي خلفهن والدهن وراءه بعد وفاته - رحمه الله - ..


أول بادرة من المرض لحظناها في إحدی زياراتها السنوية

قبل تخرجها من المرحلة الثانوية .


كانت حينذاك في السادسة عشر من عمرها .


تصرفات غريبة ، خوف غير طبيعي ..


تحادث نفسها ، وعرفنا فيما بعد أنها لم

تكن إﻻ تناقش هلاوسها ، وتجيب عليهم .


الجلوس في الظلام ، والعَرَض اﻵخر هذا كان خلفه

كاميرات مراقبة وهمية تعتقدها مخبئة في جدران حجرتها .


كنا نجهل كل ما يتعلق عن الفصام ،

أعتقد لم يكن أحد منا يعرف حتی اسمه .


فجأة أنكرتني كأم ، وبقدرة قادر تصبح عمتها هي أمها .


أعترف كنت حازمة بعض الشيء ، لكن لم أتوقع أن

يصل بإحدی الفتيات إنكارها البطن الذي أنجبها ..


بداية علاقة التقارب والتوادّ بينها وبين عمتها الصغری

كان مع دخولها المرحلة الثانوية ،


آنذاك كانت عمتها تحاول إخراج الفتاة اﻻنطوائية من عزلتها ..



بينما كنا نجهل الطرق السليمة لذلك ، فقد كنت ﻻ أعتمد

غير طريقة اﻻنتقاد ﻹخراجها من تلك الانطوائية المقلقة ..


كان يضايقني تهربها من التجمعات العائلية ،

ويزعجني أكثر تخلفها عن المناسبات الهامة .

حيث أشد ما حرصت عليه إطلالة بناتي أمام الناس ،

واقتيادهن للمناسبات ، فالبنات في عمر الزواج ،

وهذه اﻹجراءات ﻻبد منها من جانب اﻷم .


أحببت تدخل العمة الصغرى .. وسُعِدتُ لما لحظت

من بادرات لتقبُّل الصداقة علی ابنتي الانعزالية .


لكن لم تمضِ سنة إﻻ وتردينا الفاجعة بالبلاء

الذي صبَّ جامَه علی رأس الطفلة النحيسة .


يحزنني أن أقول بأن عمتها سبقتني بحسن التصرف مع الفتاة .


لا تقبل بتناول اﻷدوية من يدٍ .. غير يد عمتها .


بكيتُ دماً وأنا أری رفض ابنتي لي واتخاذها أُمَّاً بديلة ..



انتكاستها التالية كانت بعد تخرجها من المرحلة الثانوية ..


وسببها علی الغالب وفاة عمتها التي كانت تصارع

داء السرطان منذ مراهقتها المبكرة ..


وابتدأت أصوات ( أمها ) اﻷخری اﻵتية من الجنة ..


كانت أياما مظلمة ..

ﻻ نتمنی عودتها ..


حين أراها اﻵن ..

ﻻ أصدق أنها ابنتي عينها ..

قبل ثلاث سنوات ..


أحمد الله كثيراً ..

وأدعو الله لها أن يعجل في شفائها التام ..


( وما كَان الله لِيُعجِزَهُ من شَيء )






* * *








ذهبت مع الريح ..

خطتي الطفولية ..


ﻻبد أنـ(ـه) كان سيقابلني بالسُّخرية ..

إنه لن يتوانی عن إحراجي ..


حمداً لله أن تراجعت ..

لن أحتمل الرَّفض ..


خاصَّةُ منه ..



كنتُ أنوي ..

إعادة ذكرانا ..

ذكری لقائنا اﻷول ..


ذكری رجُل النافذة ..

ومراهقة الباليه ..



استقبلت النسيم البارد ..

سامحة له باختراق خصلاتي المتطايرة ..


شعري الطويل ضاعَ هدراً ...


التصقت بالنافذة .. وانحنيت ..

أطل إلی العشب اﻷخضر النضر ..


تمنيت لو قبلت أشاركه القفز ..

كانت مغامرتنا ستكتمل .. !


علی اﻷقل ؛ ..

لن تكون بقسوة القفز من فوق جسر التايمز !



رحت أتأمل العشب ..



عادت اﻷفكار المظلمة تدور برأسي ..


لِمَ أُصِرُّ علی الركض وراءه ..؟


لو يريدني لكان استعادني منذ زمن ..


اﻻنفصال الذي اتخذ أمره ، لم يكن عن تسرع كالعادة .

كان عن تفكير ورغبة ، وإﻻ لظهر عليه الندم كما بكل مرة .

لكني لم ألمح ندما .. كان عازما علی الفراق ..



يبدو أني يجب أن أبدأ باستبدال اهتماماتي ..

و نمط حياتي .. وتفكيري ..


علي أن أبدأ بالعيش لنفسي .. ولابني ..


كما أحببتـ(ـه) ..

سأحب غيره ..


مالمميز به ؟

مالذي به وليس بغيره من الرجال ؟


اﻷرض مليئة بالرجال .


أملك اﻵن بين يدي ثريا ، طيبا ، ووسيما !


عليَّ تقدير هذه النعمة ..

كل فتاة ستتمنی ما لدي ..


سأعيش كاﻷميرة ..

سأحقق حلمي القديم ..


سأصير أميرة ثرية ..

سأعوم في الثراء ..


بإمكاني نسيانـ(ـه) ..

جُبِلَ الإنسان علی النِّسيان ..




دُقَّ الجرس معلناً بدء محاضرتي التالية .


تحركت وأنا أعيد حجابي إلی رأسي .


أبتعد عن نافذة رجُلي ..

أخترق القاعة العريضة ..

مُودِّعة ذكرياتنا القديمة ..







" محاضرة وحدة ما بتأثر .. يا دودة الكتب "



أستمِعُ للمحاضر حيناً ، ثم سرعان ما يشرد ذهني .

أمر معتاد في المحاضرة الثانية ،

التي غالباً ما يتدهور تركيزي بها .



(كان) دائماً ما يسخر ..

يسخر من حرصي علی كل محاضرة ..

يسميها ( أمانة ) ..

ولم ينفك ويقارنه باسمي مستهزءاً .


كان كثير من الطلاب يعتمد علی المحاضرات المسجلة

والمتوفرة علی شبكة اﻻنترنت بموقع الجامعة .


إﻻ أن تلك الراحة ستصبح من الماضي علی ما يبدو ،

إذ أصدر قريبا أمر أصدر ضجة وهزة جامعية كبيرة ،

وهو المحاسبة علی الالتزام بالمحاضرات .


أفقتُ من سرحاني علی المحاضر وهو يلقي كلمته اﻷخيرة .


أسرعتُ بجمع حاجياتي ونهضت قبل نهوض الجميع وازدحام المكان .



بُنَيَّ ، سأعودُ أجده باكياً ..

في كل يوم يكون لدي به محاضرتين

ألقاه علی نفس الحال منهاراً باكياً ..



سِرتُ بخطواتٍ سريعة ، متتابعة .


لحسن الحظ منزل خالي يمكنني معه الوصول سيراً علی اﻷقدام ،

ومن سوء الحظ لو اكتشف طليقي الذي لم يعلم بعد عن ابنه

أنه بحضانة من .. أتوقع أقل ما سيفعله سيلجأ إلی حرماني منه .


وصلت منزل خالي ..

ﻷجد ( أيمن ) كما توقعت ..


رغم شجاعته وجراءته ، مع ذلك يزال طفلاً ..

الطفل في هذه المرحلة من العمر يكون شديد اﻻلتصاق بأمِّه

و ﻻ يقوی علی فراقها ..


عدتُ به إلی مسكننا الصغير ،

أسقيته الحليب وأطعمته بعض الخبز مع الجبن .


من ثمَّ ظللتُ أحتضنه إلی أن يخلد للنوم ..

فقد بدا من ضيقه ودمعاته المدللة المتفرقة أنه بحاجة إلی النوم .




- Tick .. tock

Time doesn’t stop

Prepare your doubts

Eat them up ...



- داون ..



- Quaff down

The pass of thoughts

Red sand flows out

Sweet mouth ...



- ما .. ديــ ....



- The sky is painted in Lunacia

Florets slashed open the rain of tears

Misfortuna

, There is no escape

my dear ... !




عدتُ لندن منذ شهرين ،

قبل انتهاء عطلة الكريسماس بحول أسبوع ،

بعدما مررت في طريق عودتي علی دولة معالجي

حسب المراجعة الشبه شهرية .


ويبدو أن المراجعات ستكون أبَديَّة ،

غير أنها قد تتضاءل في كمياتها .


ﻻ يمكنني قول أني تعافيت ..

ربما يكفي التعبير عن ذلك ...

بأني تحسنت إلی درجة عالية .


إذ ارتحتُ من اﻷفكار والمعتقدات الضلالية ..

، باستثناءِ الهلاوس .


لم تختفي الهلاوس باستثناء أنها قلت في نسبتها نوعاً ما .


ربما للأفكار التي تعدلت فضلا في ذلك حيث تحولت اﻷصوات

واﻷشخاص الوهميُّون حاليا إلی أناس أكثر ودِّية .


حيث علمتُ أن الهلاوس تتحكَّم في نوعها

نوعية الاعتقادات واﻷفكار الخاصَّة بالفرد .


كمثالٍ عندما كنت دائماً ما أسمع :


" يكرهونك " ، " ﻻ أحد يريدك " ،

" أنت فضائية " ، " لست بطبيعية " .


وكذلك أصوات تحذرني من بضع أفراد محددة من عائلتي ..

وبأنهم ينوون شراً بي ، وسبب ذلك يعود ﻷفكاري المعادية لهم .



في حين ( هو ) علی الصعيد اﻵخر ..

كنت أثق به .. أثق به ملء قلبي ..


وفي المقابل كانت الهلاوس بشأنـ(ـه)

طيبة ، ومضحكة في كثيرٍ من اﻷحيان :


" يتميلح .. ﻻ تعطينه وجه " ،

" يتغلی .. ﻻ تضعفين عنده "



ما استفدته من العلاج رغم عدم قدرته علی إزالة الهلاوس بشكل نهائي ،

هو أنه أزال انزعاجي من الهلاوس بنسبة تقارب المائة ،

صار بإمكاني التعايش معها دون خوف وقلق .


وطالما أن الهلاوس الحالية لا تخرج عن النطاق اللطيف ..


أمثال صوت عمتي - رحمها الله - ..


إذ يظلُّ صوتها الدافئ يرافقني ..


تمدُّني بالتفاؤل إن احتجت ..

تعزيني بالمواساة حين الحزن ..

بل وتحاول التَّرفيه عني ببعض الطرفات !



أغلقتُ باب الثلاجة بزفرة طويلة .


المطبخ بحاجة إلی الكثير من المقتضيات ،

كذلك حاجيات الطفل ومستلزماته علی وشك النفاذ .








. . .




مسألة دائي تؤرِّقني مؤخراً ..


طالباني بإخفاء اﻷمر ،

معلِّلَين .. أن قد وصلت لمرحلة الشفاء ؛


وإثارة هذا اﻷمر ليس له داع ،

ولن يجلب سوی العوائق والعقبات .


لكن ماذا لو تعرضت ﻻنتكاسة ؟

كيف يمكننا تفسير ذلك ؟

ومالأعذار التي سنسردها ؟


أمي ، خالي ..

ألم تفكرا في ذلك ؟!


رغم أن حالات الانتكاسة قلَّ هجومها بنسبة عالية

غير أنه ﻻ يعني أني محمية من الانتكاسات ..


يمكن في أي وقت أتعرض لهجمة مباغتة بدون استئذان ..



كنت قد أغلقت لتوي من مكالمة مع ( إبراهيم ) ،

الزوج المستقبلي الجديد .


نويتُ وبشدة إخباره عن اﻷمر الشاغل بالي ،

منذ يومين وأنا أنتظر اتصاله الشبه يومي .


لكن وجدتني جبنتُ .. خِفت ..


أكثر ما أخشاه في الدُّنيا هو الرَّفض ..


الرَّفض أكبر ما ﻻ أحتمله ..

رغم أني عايشته كثيراً ..

رغم من المفترضِ اعتدته ..


لكن ما نفعله خطأ !

يُسمَّی استِغلال !



يجب أن يُبنَی الزواج علی أساس سليم وصادق ،

وإﻻ فشلت العلاقة الزوجية وغمرها الشك و عدم الثقة .


هل أقوم بالاتصال به ؟

أجروء علی ذلك ؟


أمسكتُ بهاتفي ..

أطلتُ النظر إلی اسمه ..


يبدوني أشبه طليقي من ناحية اختيار المسميات ..

فلم أكن رومنسية البتة في التسمية ..


أكتفي بالاسم المجرد وهذا في حالة لم أكن اكره الشخص صاحب الرقم ..

أما لو كان من المجموعة المنبوذة فإنه

لن يكون له نصيب سوی باسم مبتور .


لم أدع لنفسي مجالاً للتفكير ، فلو فكرت باتخاذ قرار ،

لن أستقرَّ علی قرار حتی يأتي الغد ..


فور لمست أيقونة السماعة الخضراء تشنَّجت يدي .


يمكنني سماع صوت قلبي ..


خائِفة ..


هل ما أفعله صواب ؟

هل ستغضب أمي ؟



- مشغول ؟


ألقيت سؤالي بخجلٍ ،

علی الصَّوت الهادئ بالطرف اﻵخر .


تمنيتُ يكون منشغلاً ، لكن خيَّب أملي .



- إبراهيم ؟



لأول مرة أنادي باسمه دون رسميَّات .



- تعرف شيء .. اسمه فصام ؟



أتاني صمتٌ شعرته طويلاً جداً ،

ربما يتهيَّأ لي .




- صح مرض ، سمعت فيه ؟



هل بدأ بالشكِّ بي ؟


أم يُحاول فحسب ...

تذكر معلومات عن هذا المرض المبهم للغالبية .



- لا ، هو .. مرض عقلي .



طالبني باقتضابٍ .. قول ما أريد قوله .


فأجبت بسرعة ،

ﻷني لو ترددت اﻵن ...

سأتراجع نهائياً .



- أنا مريضة بالفصام .



تمنيتُ لو كنتُ في رأسه أری أفكاره فور تصريحي ،

أری استجابته وردة فعله ، وكيف تخيَّلَني ... ؟


ما إن صرَّحتُ بأن الفصام مرضٌ عقليّ ،

لمحتُ اضطِّراباً في نبرتِه ، وتنفُّسِه .


هل يمكن أن يخشاني ؟


في الواقع ، ستكون فرصة لـ( الحُريَّة ) ! ...

لو حصلَ و هربَ مني !



ربما سأرقصُ فرحاً .. !



لكن لا يمنع من أن أُحِيل الجوّ إلى دراما ..

وأبكي تعاستي .. وأُعدِّد عيوبي ..

وأتحسر من رفض الناس لي ..

إنه أكثر ما أتقنه !


من المفترض أن يفسحوا مجالاً لموهبتي الدرامية ..!








. . .




" انظرن من وصل "

" اوه ، أبو الهول ! "

" أخبرتك أنها تشبه رمسيس الثاني ! "

" كلهم سواء أيتها البلهاء "

" ضحك ضحك ضحك "



أبو الهول ..

أبو الهول ..

أبو الهول ..


كثيراً ما تكررت علی مسامعي لحتی ظننتني

أبو الهول ذاته بعث في جسدي بروح جديدة .


لم أدرك حينها ...

ماذا يقصدن بإطلاق لقب أبي الهول علي ؟


فكرت كثيراً في سبيلِ إيجادِ أوجه التشابه بيننا .


أكان لقصة شعري التي تشبه تاج أبو الهول ؟

أم هو مظهري المخيف الشبيه بأبي الهول ؟


لم أدرك إﻻ اﻵن ؛ ...

أنهن لم يكن يقصدن أبو الهول بالمعنی الشكلي !


بدرَت مني بعض المحاولات الخجلة بالاندماج مع المجتمع المدرسي الجديد ..

حاولت التقرب من بعض الفتيات في صفي ..


ولم أری في أعينهنَّ سوی الرفض ..

ﻷختار اﻻنسحاب بصمت ..


لم يبرحن عن السخرية من لكنتي الانجليزية ..


كان لساني في تلك الفترة ﻻ يعرف الانجليزية ..

إﻻ ذو اللكنة الهندية ..

بحكم هيئة التعليم الابتدائية في مدرستنا

والأصدقاء الذين تغلبهم الجنسيات الهندية ..


فكلما اضطررت للتحدث أحسست بالضحكات الخفية لمن حولي ..


لم أبدأ بممارسة الباليه من وحي نفسي ،

بداية رغبتي بهذه الهواية كانت نابعة عن غيرة .


ابنة خالي ، يبدو أنها أول عدوة لي .


رغم أنها تصغرني بعامين لم يمنع من تفوقها علي

أنا التي كنت أری نفسي مميزة في أحد اﻷيام ..


تفوقت علي في العديد من النواحي ..

دراسياً ، واجتماعياً ، ومظهرياً ..


تملك أكثر من موهبة ، وتتقن أكثر من هواية .


كلما رأيت خالي وزوجته دائمو المدح والتشجيع لها ،

كلما تصاعدت نار الغيرة في صدري .



إلی أن صدف وشاهدت راقصة باليه علی التلفاز ،

وجعلته قراري وخطة للوصول إلی التميز .


كنت في الحادية عشر من عمري ،

في ذلك العمر لم أری ذلك بالمستحيل .


وفي الناحية اﻷخری كان خالي شديد التدليل ،

ويحاول مساواتي مع أبنائه قدر استطاعته ..

للحد الذي شعرت معه .. بأنه يثير بذلك

ضيق زوجته في بعض اﻷوقات .



أحببت تلك الرياضة الناعمة سريعا ، لكن لم أنعم بها كثيراً ..

فما أكملت الرابعة عشر أصدر خالي أمراً بالتوقف عن هذه الرياضة .


آتياً لي بحجة مخيفة ..

من أنه يشوه جسد الفتاة ،

ولن يتزوجني أحد !


يجب أن أصرح ...


أن فتاة الرابعة عشر كبيرة بما يكفي

لتقع في الحب وتفكر في الزواج ..

مثلها في ذلك مثل فتاة العشرين .. !


بل وتتخيل فارس أحلامها وترسم ملامحه بخيالها الواسع ..

ثم تتمنی أن يظهر في أحلامها ، ويكون منقذها في كوابيسها .. !


لن أدَّعي أني كنت فتاة رُومنسيَّة ..


لكن كنت أنثی بما يكفي ..

لتقع في غرامِ رجُلٍ شبيه ..

بـ(رجُل النافذة) ..






. . .



مع الأسف الشديد ..

ظهر أن الرجل من النوع الشهم ..


فليأكل ما ستجنيانه يداه مستقبلاً ..

أتمنی له حياة هانئة مع زيارات انتكاساتي الصديقة ..


أكثر ما ﻻ أطيقه الرجل الشهم ..

يشعرني بالاشمئزاز ..

فـ(الشهم) فيما معناه في عصرنا الحالي ،

ﻻ يعني .. سوی التكلف والتصنع !



أقام خالي اليوم وليمة .. بمناسبة قدوم عائلة العريس

في زيارتهم الثانية بعد خطوبتنا الغير رسمية .


في اعتقادي يودون التأكد من مناسبة العروس لابنهم الراقي .


أو ربما أخبر العريس عائلته عن الداء الذي اكتشفه

بعروسه المستقبلية !


لا ، غير منطقي .

لو الأمر كذلك ، لفضوا الخطوبة على الفور .


ولما كانوا يستقبلوني بالابتسامات الودودة تلك

كما يفعلون اﻵن .



كل تصرف يبدر عن ذا الخال ، ولو طيباً كان .

يزيدني به كرهاً يوماً بعد يوم .


ﻻ أنكر فضله علي طيلة السنين ،

تكفله بتربيتي ، ومحاولة تعويضي عن اﻷب .


كان طيب .. ولا يزال طيباً ، رحيماً .


لكن .. فعلته الشنيعة .. بأعز إنسان ..

كانت كفيلة بمحو كل أفضاله ، ومعروفه .


اﻷذی الذي سببه لـ(حبيبي) .. ليس ببسيط ..

لقد فعل جرماً .. أفصح عن وجهه القذر الخفي ..


و أي من يسبب ألم لـ(رجُلي) ..

لن يسلم من سواد قلبي ..



ألقيت السلام علی والدة العريس وشقيقته .. واﻷخری الثالثة ،

ثم أخذت مجلسي بجانب ابنة خالي ، وزوجته .


فتحوا حوار صغير لطيف معي ، ثم انتقلوا للحديث مع زوجة خالي .


شعرت بعظم حاجتي لوالدتي في هذا الوقت ..

أحتاجها إلی جانبي حالياً وبشدة ..


ﻻ بأس ، ستكون معي قريبا .. أقصد سأكون معها .




- كيف الدراسة معك ؟


- تمام ، الحمدلله .


- متی اختباراتك .


أجبت :

- بعد عطلة اﻹيستر إن شاء الله .


- وبكذا خلصتي العام ، صحيح ؟


أومأت برأسي إلی شقيقته ، بابتسامة زائفة .




- وش رأيك بالتعليم عن بعد ؟


التفتت إلی التي أخبروني بأنها عمته .



ماﻷمر اﻵن ، ألم نتفق بإكمال تعليمي ؟



قلت ببرود أحسست أنه استفزها :

- أفضل نظام اﻻنتظام .




انتهت الجلسة الطويلة علی ما يرام بدعوة علی مائدة العشاء .


ولم يشوه الوليمة سوی إصرارهم علی مقابلتي للعريس ،

مدعين أنه سيكون آخر لقاء قبل إتمام عقد القِران .



تساءلت إن كان هذه اللقاءات التي بيننا راجع

لعدم الاقتناع التام من ناحية عريسنا الشاب ؟!


هل كان يحاول اﻻقتناع بي خلال تلك اللقاءات ؟


هل .. أنا (منبوذة) إلی هذه الدرجة ؟







. . .



ما شارفت الخروج من مبنی قسمي الجامعي ،

حتی أتاني اﻻتصال الذي يقول صاحبه أنه بانتظاري .


دهشت للمفاجأة غير المتوقعة ،

يقول أنه ينوي الخروج معاً في نزهة .


حاولت التعذر بـ( أيمن ) .. الذي لا يقوی علی تأخيري ،

فأثار استغرابي وقلقي ، حين أخبرني بأنه تولی أمره .


خوف مبهم تغلبني وأنا أسرع إلی خارج الحرم الجامعي .


وجدت سيارته ، حيث وصفت له أن يقف .


تقدمت بمشي أقرب للركض إلی الواقف بالانتظار .


وقبل أنطق اخترق قلبي الصوت الطفولي المألوف :

- ماما .. ماما .. ماما .. !


التصقت بالباب الخلفي ، خاطبت الرجل بعصبية :

- افتح الباب !


حبيبي الصغير .. كان يبكي بشدة !


بالكاد يتنفس من الشهقات ..

وجهه تحول إلی اللون القرمزي ..


غمرته باحتضاني ، أهدهده برقة ..



من سمح له ؟!

كيف يجرؤ ويختطف صغيري ؟


كيف لهؤلاء أن يسلموا ابني لغريب ؟!!

هل يكونون أعدائي ؟!!



استقليت السيارة بصمت ، دون أنبس كلمة ..

متجاهلة اعتذاراته الرخيصة ، أصد صدی صوته المقرف .


تداركت عندما ابتعدنا قليلاً ، أسأله عن وجهة ذهابنا .


- في بالك مكان معين ؟


صمتت ، ثم قلت بطلب :

- محتاجة غرض للولد ، ممكن نمر شوي علی البيت ؟


- ما بنحصله بأي محل علی الطريق ؟


- ﻻ ، مو بأي محل .


أوصلني إلی البيت .

خرجت من السيارة بهدوء ، حاملة طفلي .


- خلي الولد هنا ..


- أحتاجه معي .


أغلقت الباب .


وابتعدت ،

ما اختفيت بداخل المبنی ،

أطلقت ساقاي في الهواء ،

أركض ، أسابق السلالم الطويلة .



أغلقت باب شقتي بإحكام ،

واستندت عليه ألتقط أنفاسي .



توجهت بصغيري إلی البساط الذي يتوسط الصالة .



- راح نبدل ملابسنا ، طيب حبيبي ؟


قلت بنبرة مرحة محاولة استعادة هدوئي ،

حتی ازيح القلق الذي سببته للطفل .


حاولت السيطرة علی أناملي المرتجفة بينما أنزع فنيلته الزرقاء .


- أيمن ؟

فيه أحد بدل ملابسك ؟


نظر إلي حائرا ، فالتزمت الصبر .

ولوحت بفنيلته أمام بصره .


- أحد بدل ملابسك كذا ؟


ثم استأنفت فيما أزيل سرواله : وكذا ؟


عِظَم الراحة التي ملأتني .. لم يسبق وشعرت بمثلها ..

في حينما يقوم بهز رأسه البريء .. نافياً ، بعفوية .


احتضنته بارتياح عظيم .. ثم حملته ..


كنت علی وشك البكاء ..

بالكاد تماسكت ..


لن أبكي أمام طفلي ..


أنا قوية ، أنا قوية !


حرصت دائما ألا يری طفلي من أمه دمعة

فلاشيء يخيف الطفل بقدر دمعة اﻷم .


لم أقدر مقاومة رغبتي بالتأكد وتفحص جسده ،

بينما أتظاهر بأني أقوم بإلباسه .


كم هو مخيف هذا الشعور ..

مخيفة هذه الوساوس ﻷم ..

خاصة ﻷم مثلي ، لا تملك غير وحيدها ..







انطلق رنين هاتفي ...

ليظهر الاسم البغيض علی شاشته .


انتظرت حتی توقف الرنين ،

ثم حولت الهاتف إلی وضع الصامت .


وأعدت اهتمامي إلی صغيري الحبيب ..


اللاهي بالتقليب في صفحات إحدی

قصص اﻷطفال المصورة بين يديه ..
























* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس