عرض مشاركة واحدة
قديم 25-01-16, 10:24 PM   #26

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي


-








































الفصل السابع عشر


























. . .


































- ايش أسوي ..؟ علميني يا ماما ، ايش أسوي .. ؟



مسحتُ علی رأسِ فلذة فؤادي ، المختبئة بحجري .




لطالما شككتُ بمشاعرِها نحو ذاكَ الرجل ..

وهاهي خطوته اﻷخيرة ، تؤكد الشكوك لتحيلها إلی يقينٍ مُثبَت .



ﻻ فكرة لدي ؛ منذ متی وقلبها الغضّ .. يضخّ بتلك المشاعر العميقة ؟



طوال الوقت ، ونحن نتألم علی مستقبلها .. الذي أُنهِيَ علی يدَ ذاكَ ( المارِد ) !


مارِد ؟

أهو مارِدٌ ، حقاً ؟

أَظلمناهُ .. حقاً ؟



تساؤلاتٌ ، وشكوكٌ غفيرة .. لعِبت بعقولنا ..

مذ ظهر هذا الشاب الغريب في حياتنا ..



لم تُرسَم آنذاك في رؤوسنا ..

سوی تصوُّرٌ واحد ..



الطِّفلة استُغِلَّت !!



لم نكن في حاجة إلی إخضاعها للفحص ،

فكل شيء واضح للعين المجردة !


ابتداءً من آثار التعدِّي علی وجهها ..

انتهاء إلی عودتها برفقته ..



ظهوره برفقتها علی العلن ،

أملاً في التخلُّصِ من المخلوقة المريضة ...

أَوَ هذا ما افترضناه !



لم نُصدِّق إقدامه علی خطبتها ،

رمينا بها إليه ؛ بلا لحظة تردُّدٍ أو تفكير ..

متلهِّفون للتخلص من العارِ الذي لحِقَ بـ( ابنتنا ) ..



لم نفكر سوى بالتخلُّص من لقب ...

اﻻبنة المُغتصَبة !!



هي ذاتها كانت تبغضه !



كانت معارضة ، وبشدَّة .. لفكرة الزواج !



كانت تقلب البيت رأساً على عقِب ،

كلما قام أحدنا بفتح مسألة الزواج معها .



إلى أن استبدلت قرارها فجأةً !



لا أدري عن سبب تبدل قرارها ..

بين ليلة وضحاها !



لكن تأكَّدتُ جيِّداً .. بأن كانَ لذاك ( الرجُل ) ، يداً في الأمر !



لم ينبِس أحدٌ منَّا ... حرفـاً ... في أمرِ حادثتها ،

من بعد انتهاء إجراءات التحقيق في ذلك الحين .



أنا بذاتي ، ...

لم أجرُؤ بإلقاء أيّ سؤالٍ علی الصَّغيرة ..

خشية ... أن أبغضَ ابنتي !




وقريباً .. قريباً جداً فقط ؛!



تأتي إليَّ تلك البريئة ...



تأتي البريئة وتفصح لي عن الحقيقة !



الحقيقة التي غلَّفناها طوال السنين ( بهالة العار ) عن جهلٍ ..



أتت إليَّ ..



رغبةً في أن تُزيل كل ما حوی رأسنا

من تصورات مخجلة عنها ..

وعن رجلها الشاب ..



أتت إليَّ المسكينة ..

والخوف ، والخجل يملؤها ..



ذلك أول إشارةٍ كانت منها ..

أولُ إشارة تفضح عشقها بـ( ذاك الشَّاب ) ..



كان كريماً ، حتی بعد طلاقهِما ..

يشملها مع طفله .. بالنَّفقةِ الشهريَّة .



ومن ثُمَّ تكفَّلَ برسومِ دراستها الجامعيَّة ،

حالَ وصله خبر عودتها إلى الدِّراسة .



رغم أنه ليس مُجبراً مطلقاً ... ؛

للإنفاق على الفتاة ، بعد الولادة !





- ماما ! خلاص قررت !



تطلَّعتُها بقلبِ اﻷُمِّ الحنُون ..

ورحتُ أُزِيلُ الدُّموع ، عن صفحةِ الوجهِ المُحمرَّة .



- بأتزوج إبراهيم !

وينه إبراهيم ؟

جيبوه !



ابتسمتُ بحُنُوٍّ وإشفاقٍ ، ثم أعربتُ بمُمازحة .


- إبراهيم ، ودعنا خلاص ..

ولو تبين متعب بعد يودعنا ..

حاضرين يا أميرة !



تكلَّمت العَاشِقَة الصَّغِيرَة ، بنبرةِ مقتٍ مُكابِرة :


- يودعنا ؟ ماما ، أنتي فاهمة غلط .

ماما .. مو هو ياللي تكرم يرجعني ..

أنا الغبية طلبته يرجعني ، وليتني ما تكلمت !



سُؤالي اﻵن ؛ هل يا تری ، الفتاة مُدرِكة .. لمقدارِ حُبِّ الشابّ لها ؟



رغم معرفتي القليلة له ، والتواصل النادر معه ،

لكن كان كافياً ﻹظهار كَمْ أنَّ الشَّابَ متورِّطٌ ..

وغارِقٌ في غرامِها حتی النُّخَاع !



- والحل بنظرك ؟


أجابت بقوة :

- الحل أطلع من حياته ، خلاص .



أنَّبتُها بحَزمٍ :


- وفاء ؟ استنتجت إنك عطيتي كلمة للرجال ،

صح واﻻ ﻷ ؟ الزواج مب لعبة ، وخاصة هالرجال !

لا تلعبين مع هالرجال بالذات ، يا وفاء نصيحة من أمك .



رفعت بصرها إلي باستغراب :

- ماما ، أنتي تعرفين متعب ؟



- نوعية دمّه باينة من وجهه ، هالرجال خطير يا وفاء .



- عرفتي شخصيته من وجهه بس ؟!

بس ماما ، متعب ملامحه بريئة ..

وجهه طيّب ، ما يبيّن شيء !



مططت شفتي :

- حقيقةً ، عرفت دمّه .. من أول فنجان قهوة وشاي .


- أنتي تقرأين الفنجان ، ماما ؟!

... وفيه فنجان شاي ؟!!!




صفعتُ الطِّفلة الحمقَاءَ علی رأسِها .




يا الله ... ؛

متى ستزول اﻷفكار السِّحرية المُخيفة ، عن هذا الرَّأس ؟!




- الضيف لما نضيفه ، وش المفروض يسوي ؟



ظلَّت تُحملِقُ في وجهي بغباوَة .



زفرتُ مُتضجِّرة ... ودون المُعاودة للتلميحات ، وضحت :


- رجلك المتكبر يا هانم ، مالمس فنجان قهوتنا في وﻻ زيارة .

هذا وهو منتف ، ومهر ما يزيد عن الثلاثين .. ورافع خشم !

سبحان الله .. لو ابن الوليد بن طلال ، وش كان بيسوي ؟!


بقيت محدِّقة بي ، ثم دُهِشتُ بها تجرؤ وتعترض :

- ماما ، تحكمين عليه من فنجان قهوة ؟!


- ﻻ يا حبيبتي ، تطمني ما تسرعنا ، عذرناه !

قدمنا له شاي قلنا يمكن ما يحب القهوة ، والله وﻻ لمسه !


- ماما ، أنتي كنتي معه ؟

كيف عرفتي لمسه ، واﻻ مالمسه ؟


- عندنا خدامة ؟

من بالبيت بيشيل بقايا الضيوف غيري ؟



غمرها الوجوم لهنيهات ...



ثُمَّ وجدتُها تحرِّك رأسها بضيق ،

حين تذكرت إساءتي إليه :


- ماما .. متعب مو منتف ، متعب استقلالي .

أهله ناس عندهم خير .. لكنه معتمد علی نفسه من زمان .



- أنا مو مضايقني يا ماما ... غير إنه بيجمعك معها بالسكن ،

حاولي طيب .. ؟ جربي تلمحين له بالتحايل .. ؟


- يا ماما ! متعب يا دوب يقدر يأكلني ويلبسني ، صعب عليه سكنين !



- هلا أيمن حبيبي !



دُهِشتُ بوجود ( حفيدي ) المُفاجئ ؛

والذي كان منهمكاً بالَّلعب في الحجرة المجاورة .



- بابا ..



لم أستوعب ما يرغب بقوله ؛

حتی وقعت عيني علی الهاتف بيده .



ياللهول !

منذ متی وهذا الصَّغير هنا ؟

أيكون من علی الخط سمعنا ؟



أشرتُ للطفل بالمجيء ..

بينما أُمَّه قد استغلَّت حضني لإخفاء وجهها الباكي .



تنفَّستُ الصُّعداء حالما استلمتُ الهاتف منه .



الطِّفل بالكاد يمكنه وضع الهاتف علی أذنه ،

فكيف باصبعه الضَّعيفَ التآزر .. القيام بمهمة كالرَّدِّ علی اتصالٍ ؟



- ماما .. ماما ؟ .. ماما .. ماما ؟ .. ايش في ماما ؟


طرح الطفل سؤاله علي بقلق ، وبراءة مطلقة ..

بعد أن كان يربت علی ظهرِ أمه ، يرجو جوابها .



- ماما تبي تنام ، نعسانة .



نهض إلي الطفل وعينه علی الهاتف باهتمام :

- بابا .. دق .. دق بابا .. الجوال ..



كنت قد علمت ذلك من المكالمات الفائتة الظاهرة علی شاشة الهاتف ...

من قبلما نقل ( الصُّحفيّ الصَّغير ) للخبر ، والاكتشاف الهامّ بالنسبة له .


فزِع الكُلّ وفَـزَّ .. حالما صعد رنينٌ عال لنغمةٍ مميزة ..

لتتزامنَ النَّغمَة مع ضحك الصَّغير علی هيئاتنا المذعُورة ..



وثُمَّ .. وفي لمحِ البصّر ...

إذ بي أجِدُ الهاتف وابنتي ..

اختفيَـا علی غفلةٍ مني ؛ ...

وكأنَّما اﻷرض قامت بابتلاعهما !
















. . .
















" ليه كهرمانتي تبكي ؟ "



ذبتُ على صوته الفَخم ، ورقَّتِه العَذبة .



بلعت ريقي أصفي من صوتي ،

ومع ذلك خرج متحشرِجاً :


- كنت نايمة ..



ردَّ صوته السَّاخِر .



فرددتُ عليه مُعانِدة :

- أحد يبكي وهو نايم ؟

صوتي متغير من النوم .



قطَّبتُ جبيني ، وأنا أستمع إلى طلبه .



- وش المناسبة ؟

غلفتُ حيرَتي بجفاءٍ كاذِب .



شددتُ بيدي على الهاتف بعد انتهاء الاتصال .




( مُفاجأة ؟! )




رحت أديرُ برأسي باحِثةً حولي ...



أي نوعٍ من المفاجآت تكون ؟



أيقصد بالمفاجأة .. ( هديَّة ) ؟



أرغمتُ نفسي على التجاهل .



لكن دقائق ؛ ووجدتُني أبتدئ البحث بلهفة .. !



لم يُلمِّح لي .. بأيِّ جُزءٍ من الشَّقة ، ستكون المفاجأة .

لكن اعتمدتُ على ذاكرتي ، بتذكُّر الأماكن الذي تواجدَ بها .



إممم ، حسناً .. إنه لم يطأ حجرة النوم مطلقاً ..

ولم يدخل المطبخ .. سوى في اليوم الذي دعوته للعشاء ..



إذن ، المواقع المحتملة ؛

إما في الصَّالة ... أو إمَّا ،

في حجرةِ الجلوس !



بعد محاولات البحثِ المتفرِّقة ...

؛ والذي تطلَّبَ مني اليوم بأكمله ...

استفردتُ بكنزي الذي عثرتُ عليه أخيراً ...



هل ينوي إحياء الذِّكريَات .. ؟

... مثلما كنتُ أنا أنوي ؟



قلَّبتُ بين يدايَ الطَّائِرة الورقيَّة ، الدَّقيقةُ الصُّنعِ ، بحجمِ الكفّ .


تفحَّصتُها بدقَّة ،

وأعدتُ قِراءة ما خُطَّ في إحدى طيَّاتها .




" HYPER JAPAN, 13th January "




دُهِشت من الهيكل الورَقي المٌعقَّد ، والمُتناسِق ..


لم أتخيَّل قطّ ؛ بأنَّ هذا الفظَّ .. يملِكُ أنامِلَ بمثلِ هذه الدِّقَّة .. !



لامَسَ شغَاف قلبِي اليدين النَّاعمتَين ، والمُرِيحتَين ..

وهُما تُحيطانِ بعنُقي .. بنُعومة فائقة ، ولينٍ لذيذ ..



- زعلانة ؟ ماما ؟



لثمتُ ظاهر الكفّ ذات الرَّائحة العَبِقة ..



فطِنٌ ، مِثلُ والدِه ..

لم تنطلي عليه حيلةُ جدَّتِه ..



وابتسمتُ مُديرةً وجهي إليه :

- ماما فرحانة الحين ..



أتى أمامي باهتمامٍ ، عندما جذبه هيكل الطائرة الغريب .



- إش هذا ؟


- هذه طيارة .


- حق مين ؟


- حقنا ..


لمسَ الطائرة مطالِباً : أشوف !



مددتُ له بالطائرة بابتسامةٍ شغوفة .



يتفحصّها ، ويقلِّبها بفضول : مين سوى ؟



- بابا سواها !



- بابا ... ؟!



أومأتُ مؤكِّدةً : بابا سواها .


- .. بابا .. ! .. واو .. !


- حق مين .. بابا ؟


- حقنا .. هدية من بابا ..


- .. واو .. !






" هذا بابا ؟ "



أذكر كيف استغرق وقتاً ،

قبل أن يتهيأ لمناداةِ والده بــ" بابا " ..



كان دائم التكرارِ لنفس السُّؤال .


" ماما ، هذا بابا ؟ "

" ماما .. ماما .. هذا بابا ؟ "

" هذا بابا ، ماما ؟ "

" هذا بابا ؟ "



وفي كلِّ مرَّة أجيبه بإجابة واحدة وثابتة .


" صح ، هذا بابا ! "


لا أزيد حرفاً ، ولا أُنقِص .




دائماً ما تواجه الأم من الطِّفل تكرار الأسئلة ..

وغالباً ما أرى الأمهات يتضجَّرن !


مالمُتعِب أو المانِع ؛ في أن تجيب الأم ...

على السؤال البسيط لابنها ، بإجابة أبسط ؟



مهما كرَّر السؤال نفسه ، وأعاده ..

ليس عليها سوى إعادة الإجابة فحسب !

وليس عليها حتى أن تزيد حرفاً في الإجابة .



الطِّفل يلجأ إلى تكرار السؤال الواحد ، ليس لغبائه !

بل إنه يحاول التأكُّد من المعلومة ، ويودُّ تثبيتها .

وحينها يجب إعادة الإجابة على نفس السؤال ،

بنفس نمط إجابتنا السَّابقة على سؤالِه ،

دون أيّ إضافة ، أو تغيير .



فقط !

لن تستنزف ثوان إجابة .. من وقتنا الكثير !


































. . .





























" مهرجانك ملغي ، وشهر العسل ملغي . "



تنهدتُ ساخِرَةً ..

رغم أن صوته المهدِّد والغاضب ، على خطِّ الهاتف .. أخافني .




الأحمق ، أكَانَ حقاً يخطط لشهر العسل ؟

أهوَ جادّ ؟!



يا ويحي !

أخشى أن يخطط لحفل زفاف كذلك !!




ضممتُ ساقايَ إليَّ .. أتأفَّفُ قلِقة ..


عدت أفكر في الخطوة الشيطانيَّة التي اتخذتها ..



أتكونُ هذه أولى خطواتي في نشر الفتن ؟



فِتنُ الضُّرَّة !



هل سأكون الضُّرَّة الشِّرِيرة من بيننا ؟



مالخطب ؟


الأمر لا يستحق كل هذا التهويل ؟

فِعلتي ؛ لا تستوجب كل هذا الاستنكار !



من حقي ألجأ لهذا الفعل ، أليس كذلك ؟

هذا يُسمَّى دفاعاً عن النَّفس ، أليس كذلك ؟



وكذلك ؛ من حقِّ والدته أن تعلم بـ سرِّه الدَّنِيء !




أتتني مكالمة من والدته ، كانت سعيدة للغاية ...

لكن اكتشفت أن ﻻ خبَرَ عندها ..

عن التي ستصبح ( ضُرَّتي ) !



كدت أُلجِمُ لساني بالسُّكوت ..



إﻻ أن شياطين غيرتي تفوقت ،

ﻷصعق المرأة بفعلة ابنها ...

الذي تعتقده وحيداً ، وبائِساً .. طوال هذه السنين !



فليعتبِره انتِقاماً !

































. . .




























عدنا إلى أراضي الوطن ..

بعدما أتممتُ جلساتي العلاجيَّة ،

التي أخذت مِنَّا أشهر طوال .



لا يضايقني بقدر ما تضايقني ..

رحلات السفر من أجل المراجعة .


متعِبة حدّ الإرهاق .. ؛

حتى أنني أتخلَّف وأتجاهل

كثير من المواعيد .


وكلما مررتُ بانتكاسة ،

تتضاعف جلسات المرُاجعة ..

وكانَ اللهُ في عونِنا ..





توجَّهتُ إلی والدتي ..

المنشغِلة بمساعدة ( أيمن ) على الخلودِ للنَّوم .



- هللوا ، هللوا .. أيمن .. بينام .. نومه نوم الحمام ..

هللوا .. هللوا .. أيمن بينام .. نومه نوم الحمام ..



همستُ لها :

- ماما ، بأكلمك في موضوع .


- هللوا ، هللوا .. خلي الحمامة تنام أول ..



وانتظرتُ بصبرٍ ...

حتى غرِقَ الصَّغير في أحلامه ..



ثُمَّ نقلتُه بهدوءٍ ،

إلى حجرتنا ، حيثُ سريري .







تساءلت والدتي متعجِّبة :

- إبراهيم ؟! وش يبي ؟


غمغمتُ بضيق :

- يقول .. عيدي التفكير ..


- أي تفكير ؟! قلنا له مافي نصيب ، وانتهی الموضوع !


صارحت أُمِّي مباشرة :

- ماما ! لو منحتك الخيار .. ما بين متعب ، وإبراهيم .
من تختارين ؟


- حبيبتي ماما ، الخيار راجع لمصلحتك ، ومصلحة ولدك .

الولد مصلحته مع من ؟ مع الغريب ، والا أبوه ؟


- مع أبوه ، بس أنا مو مرتاحة !

صليت الاستخارة .. لكن فيني ضيقة ..

صليت مرة ثانية ، برضه الضيقة ملازمتني !

مو مرتاحة ! مابيه يا ماما ، خلاص هونت ..


- يا بنتي ، من قايل لك إن صلاة الاستخارة مسؤولة عن هذه الضيقة ؟

هذا القلق طبيعي يا ماما ، تلازم كل بنت مقبلة علی الزواج .


هززتُ رأسي بعدم اقتناع :

- غلط ، اﻻستخارة تخليني أحدد ، إذا مرتاحة أو لا .


- يا ماما ، يا بنتي ..

أنتي فاهمة اﻻستخارة غلط ، اﻻستخارة مالها علاقة بضيقة أو راحة .

فايدة اﻻستخارة .. إن الله بيوفقك بإذنه تعالی ، و بيتمم

زواجكم علی خير إن كان الرجل خير لك ، وإن كان شر ..

بقدرته سبحانه بيبعده عن طريقك .


هتفت بلهفة : والله ؟



طغت تراسيم أُمِّي ابتسامة ذاتَ مغزی ، أشعرتني بالخجل واﻹحراج .

شعرتُ بأن مشاعري أضحَت مفضُوحة ..



طرحتُ تساؤلي بتردُّد :

- طيب .. وإبراهيم ؟



ردَّت بتبرُّمٍ ، واقتضاب :

- أكدي له إن مافيه نصيب .



تذكرت صوته الرقيق والمتواضع علی الخط الهاتفي .

إنه طيِّبٌ ، ورقيقٌ لدرجةِ يصعب عليَّ القسوة عليه بهكذا رد !



لكِن من الأفضلِ له .. أن يبتعد عن مريضةٍ علی شاكلتي ..

ما زال شابَّاً في مقتبلِ العُمر ، وسيجد من تليق به وتسُرَّه ..

بدلاً من أن يورِطَ نفسه بي طوالَ العُمر ..



يُحزِنُني أنِّي ظلمتُه ..

أرجو ألا أكون قد سبَّبتُ حُزن للرَّجُل ..



لو كَانَ ( مِتعب ) ؛ لَمَا أشفقتُ عليه بهذا النَّحو ..



( مِتعب ) رجلٌ قاسِ القلب ، مُتحجِّره ..

مهما فعلتُ به وعمِلت ..

سيعود ( مِتعب ) القَويّ ، والقَاسِي ..



هذِه القَسوَة .. هل يا تری ...

تعودُ إلی اضطِّرابِه ؟



إذا كَان هكَذا ، إِذنْ ؛

هل المَكر والتَّلاعُب ، والخِيانَة ...

يعد من أعراضِ هذا المَرَض كذلك ؟




( الثُّناقُطبي )


هكَذا أسماهُ مُعالِجي الخاصّ ،

اختصره عليَّ كثيراً !



كنتُ ﻻ أكفّ عن إزعاجِ مُعالِجي باستفسِاراتي ،

حولَ هذا اﻻضطراب الغريب ، والجديد ، بالنِّسبة إليّ ..


سألتُه مراراً إن كَان بإمكَان نوع العلاجِ خاصَّته

سيُفيدُ مع اضطِّراب ( زَوجي السَّابق )



إنَّه عجوزٌ طيِّب ..

تحمَّلَني كَثيراً ..



و فَرِحَ للغاية ..

بِبُشری عودتي إلی طلِيقي ..



كَان يُطربني دائِماً ثناؤهُ علی ( رَجُلي ) ..

وإشادته بحرصِه ، واهتمامهِ بي رُغم الظُّروف ..



وكان كريماً ، ومِعطاءً جداً .. بِحيثُ منحني بعض
النَّصائح القيِّمة في التعامُلِ مع اضطِّرابـ( ـه )

ودَعی لنا بالسَّعادةِ والتَّوفيق .. !



إنَّه علی عكسِ طبيبه البريطاني الفظّ !

الذي لم أخشَ كثرَ ما خشيتُ من أسئلتِه المُخِيفة

في الفترةِ قبل تحديدِ التَّشخِيص ..



كنا قد خُضِعنا في ذلك الوقت للمُقابلة معه فرداً ، فرداً ..

من أجلِ المُساعدة في تشخيصِ ، وتحديدِ اضطِّرابـ( ـه )

أنا ... ووالدتُه ، وشقيقه .



كنتُ آخر فردٍ يخضع للمُقابلة .. كنتُ خائِفة جداً ..


ولم يكن ينقصني الطَّبيب ، الذي زاد من الطِّينِ بِلَّةً .



مُعظم أسئلته تعلَّقت بالجانبِ العدواني !



عنيف ؟ مؤذي ؟ يحطِّم أثاث المنزل ؟

يلجأ للضَّرب ؟ للاغتصاب ؟

يستخدم تهديدات عدوانية ؟

كلامه جارح ؟



وكأنّ رَجُلي خُلِقَ مجرمٌ سفَّاح !



كُلُّ مافي الأمر ؛ أنَّه يصبح عَصَبيّ المزاجِ قليلاً ،

أم هل كُلّ عصبيٍّ جعلوه سفَّاحاً ؟!



وأُعلِنَ التَّشخيص عندما قامَ الطَّبيب باجتماعٍ نهائيٍّ شامل ، جمعنا ثلاثتُنا ..

قائِلاً ؛ بأن كُلّ الدلائل والأعراض ، التي يشير إليها الفحص يدلُّ

على ( الاضطِّراب الوِجداني الثُّنائي القُطب ) .




أذكُرُ جيِّداً كيف تخيَّلتُ الأمر حالما التقطت أُذُني

المُصطلح من فمِ الطَّبيب البدين .



تكوَّنت في رأسي الخرِب ، صورةً ..

صورة مقسومة إلى نصفين .



النِّصف الأول من الصورة كان

للقارَّةِ القطبية المتجمِّدة !



والنِّصف الآخر ...

شكلٌ غير واضح لمجموعة من الأسلاكِ الكهربائيَّة ،

وأقطابٍ مغناطيسيَّة زرقاءَ وحمراء .



لا أدري إن كان من شاركني المقابلة ..

تكوَّنت له نفس الصُّورة بمُخيِّلته ؟



ما يقلقني اﻵن ، هو تقلُّباتِه المزاجيَّة المتكرِّرة ..

تارَّة يُحاكيني باشتياقٍ وسرور ، ويُغرقني شِعراً وغَزَلاً ..

وتارَّة يُضيق صدري بجمودهِ وبروده ، وقسوتِه .



حاولت أكثر من مرَّةً سؤاله ؛

عن إن كانَ ملتزِماً بالدواء ؟


لكن في كل مرَّةٍ أجد الخجَلَ يعيقُ طريقي .


إنها مسألة حسَّاسة ..

ليس بالسُّهولة مناقشها ..

خاصَّةً مع مُغتَرٌّ مثلُه ..



ﻻ شكَّ في أنه سيرُدّني خائِبة ، بردٍّ قاسٍ كقَسوةِ قلبِه .

سيلقِّنُني درساً ... حتی ﻻ أجرُؤ في المستقبل

على التدخُّلِ في شؤونِه الخاصَّة .


لكنِّي ﻻ أريد بحالتِه أن تسُوء !



أتمنی لو يخضع معي للعلاج المعرفي السُّلوكي ..

أخبرَني معالجي بأنه سيفيد كثيراً لمن في حالتِه ..



كيف سيكونُ مستقبلنا معه ؟



كلَّا ، السُّؤال الذي من المفترض طرحُه ..

هو ، كيف سيكونُ مستقبل ( ابنُنَـا ) معنا ؟



كيف سينشأ طفلٌ نشأةً صحيَّة .. بين والدينِ مضطَّربَين ؟



رعاكَ الله يـَـا صغيرِي ..

































. . .




























عدَّلتُ من غطاءِ الصَّغير ، قبَّلتُه ..

وتركتُ باب الحجرةِ مفتوحاً ..



ثم خرجتُ إلی والدتي ..



- ماما ، إذا تأخرتْ .. ونعستي .. نامي جنب أيمن ..


- حاضر يا ماما ، الله معك . سلمي عليه ..



فتحتُ باب شقتنا ، وتخطَّيتُ الممرّ الضيِّق ،

لأُباغتَ به يقِفُ بقامته الفارِعة ، بمنتصفِ الدرَج .



- تأخرتي ، وين اللي طلبت ؟



بادر بأوامرِه الجافَّة بلا تحيَّة أو حتى سؤالٍ عن الأحوال .



أخرجتُ له من حقيبتي جواز السَّفَر ، وبعض اﻷوراق المستلزمة

والتي قام بطلبها من أجلِ إتمام إجراءات السَّفَر .



ناولتهم إليه في برودٍ ، فأخذ يتفحَّصهم .



ثم تحرَّك يأمرُني باللحاقِ به .



- متعب ، مطعم قريب .. طيب ؟

الوقت متأخر .. أيمن نايم ، وماما أخاف تنام ..

وأيمن أخاف يصحی .....


قاطعني بغلظة :

- أيمن وأيمن وأيمن ..

ارحميني من سيرته دقايق ، كلما كلمتك أيمن وأيمن !!



تبعته صامتةً مُكرَهة ،

واستغليتُ النِّقاب للتَّحريرِ عن تكشيرَتي الحاقِدة .




وانتهی بنا اﻷمر إلی أبعد مكانٍ ممكن ،

استمرَّ بنا الطريق نصف ساعة !



إنَّهُ يقصد معاندتي فحسب !!



تجرَّعتُ الصَّبر طوال النِّصف ساعة الماضية ، وطفح الكيل .



لا أستطيع ابتلاع لُقمةً واحدة ..

قبل مهاتفة والدتي ، واﻻطمئنانِ علی ( أيمَن ) .



- بتكلمين من ؟


- ماما ، شوي بس ..


- هاتي الجوال .


- شوي .. أيمن ....


- أص ! هاتي الجوال .


- بأتطمن .....


- ﻻ تحديني أرفع صوتي !



نويتُ تصويب الهاتف على رأسه وفقشِه ،

غير أن انتهى بي الأمر أناولُه إيَّاه برضوخٍ وإذعان .



ثم أمرني ببساطة :

- كلي .




كيف بمقدوري اﻷكل بهذه بساطة وقلبي عند بُنَيّ !

بالكادِ كنتُ أحتمل إيداعه في بيت خالي للسَّاعتَينِ القلائل ،

ولا أتوقف عن إزعاجهم للاطمئنان عليه بين دقائق وأخرى !



كنتُ مخطئة عندما اعتقدته مُرَاعٍ ..

كيف لـ بَشَريٍّ ألَّا يتفهَّم ( قلب اﻷم ) ؟




ألوك باللقمة ، وأبتلع ..

وكأني فقدتُ حاسَّة التذوُّق ..

لا مذاقَ بالطَّعام ..




عُقد القِرَان في اﻷسبُوع الماضي ..



حمداً لله أنَّ حفل الزِّفاف لم يكن من خُطِطه ..

وإﻻ لدفنتُ نفسي في التُّراب قبل إنشائها ..



لن أقبلَ حتی برداءٍ أبيض !



رغم أنِّي لم أتذوق حفل الزِّفاف ... كأيّ عروس أخری ،

إﻻ أن لهفتي لذلك ؛ لا تصل للحد الذي أرغب بحفلٍ

... بعد أن هرِمنا !



لقد شبنا ...

لم يعد حفل الزِّفاف بالمناسبِ لنا ...



عجوزٌ مُطلَّقة ..

تُنشِئُ حفل زِفاف !



سأصبح نُكتة العصر بلا شكٍّ !




- وش قال المعالج ؟



أخرجني من زحمةِ أفكاري بحديثه المفاجئ .



أخذتُ رشفة من الماء ، قبل أن أجيب :


- المراجعة مرتين شهرياً .



شعرتُ بزفرتهُ الحارَّة خرجت من أعماقِه .



من حقه أن يشعر باﻹرهاق ..


أنا بذاتي أُرهِقتُ من السَّفَريات لدولةِ ذاك المعالج ..


ألا يوجد غيرُه في العالَم ؟




طرحتُ أفكاري فوراً :

- مافيه معالج من نوعه في السعودية ؟



تراجع بظهره ، يُجِيبُ باسترخاءٍ غلَّفه بلا سببٍ :

- فيه يا قلبي .. مليان ، لكن اخترت لك أضمنهم .


ثم أردف بعدما تنبَّه :

- ليه تسألين عن اللي بالسعودية ؟ أحب أذكرك بمكان عملي ..


- بتتركني أكمل جامعتي ، صح ؟


رفع حاجباً مستنكراً :

- وش قالوا لك عني ؟



تنهدت في قرارةِ نفسي بارتياحٍ .



لكن يبدوني تحمَّستُ قليلاً .. جِداً :

- وأبي ماستر !!


- آسف .



وعلی الفور انسحبتُ ، وانكمشت مخذولة ، مُحبطة .


ليس من الغريبِ أن يرُدَّني خائِبة .. في أمرٍ كهذا !




( مِتعب ) المغرُور !

أَيُعقل و يسمحٍ ﻷحد بالتفوُّقِ عليه ؟!


لن يكُون ( مِتعب ) لو سمحَ بذلك !

أنانِيّ ، وطاغِيّ !!




- ماما تسلم عليك .



لم يُعيرني بالاً ،

ولم يمنحني حتی ردَّاً بنظرةٍ صغيرة .



إنه ﻻ يزال غاضبٌ من أسرتي .



لكن ما شأن والدتي ؟

أُقسِمُ أنَّها بريئة ...

و غافِلةٌ تماماً عن الأعمالِ الغير الشريفة لأخيها !



مهما أقنعتُه ..

سيظلُّ ﻻ يطيق أسرتي ..



أذكرُهُ ..

كان مختلفاً عند مقابلته لـ ( عمي ) ..

الشقيقُ اﻷكبر لوالدي - رحمه الله - ..



بدا عليه أنه يكنّ الاحترام له ..

وبدا بشوشا ، ومرتاحاً نوعا ماً ..



علی عكسه عند مقابلته ... لعائِلتي من والدَتي !




- يالله .



أمرَ وهو يستوي قائماً .

فلحقتُه بالقيامِ ، والاستعداد للمغادرة .



تطلَّعتُ إلی يدهِ الممدودة ..

وبتردُّدٍ ، منحتُه يَدي ..

لتغرَقَ في أعماقِه الدَّافِئة ..



ومشيتُ بجواره ..

جنباً إلی جنب ..



أشعرُ بدفءٍ لذِيذ ..

وراحَة جَمِيلة ..


يبدو أننَّا في النِّهايةِ ؛ نعودُ لبعضِنا ..

أعودُ لَه .. ويعودُ لِي ..



يبدو أنَّه مقدَّرٌ لنا ارتباطُنا ..

منذُ أوَّل لقاءٍ لنا ، أمامَ تلك النَّافِذة ..




طالمَا اﻷمر كَذلك ..

إِذَنْ ؛ يجدرُ بي اﻻستِسلَام ..




لكِن ... يبقی ذلك العائِق ..

العائِق الذي عليَّ التخلُّص منه ..

مهما طالَ بنا الزَّمن وامتدّ ..



تلك الدَّخِـيـلـَة ..

تلك الضُّرَّة المُتطفِّلة ..



يجب التخلُّص منها ..

بأسرعِ ما يُمكن !















* * *





لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس