عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-16, 11:46 PM   #3736

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

الفصل التاسع :

( أنا الدكتور أيمن .... استاذها الجامعي و هذه والدتي .... السيدة راقية ...أنت ابن عمها الذي أجابني في الهاتف على ما أظن .. )
ساد صمت قاتل ... و قاصي ينظر اليه بتعابير غريبة .... أخذت تتوهج و تتوهج ... و تشتعل ....
و قد استقرت عيناه على باقة الورد !!!!! .... قبل أن ينهض ببطىء شديد !!!! ......

استطاع أن ينزع عينيه عن الباقة بأعجوبة .... ليمر بهما بتمهل على الرجل الواقف أمامه و كأنه خرج للتو من مجلة لعارضي الازياء ... على الرغم من وقار ما يرتديه ... الا أن كل قطعة كانت تحمل شعارا معروفا ....
صعدت عينا قاصي أخيرا الى وجه الرجل ..... كان حليقا ناعما ... و كأنه لم يعرف الشمس و الشقاء يوما ..... تماما مثل يديه ....
يداه مقلمتي الأظافر و ناعمتين ..... يدي رجل لم يعمل بهما سوى في مجال الحواسب و الأبحاث و الأوراق ....
لم تخدشهما الصخور و الحبال ..... لم تحملا الأثقال أو تروضا الحيوانات ......
وصل قاصي بعينيه لعيني الرجل .... المدعو أيمن ....
نظراته هادئة .... مسالمة برقي .... و تعالي فطري ........ و كأنه يعرف حق قدره جيدا .......

زاد الصمت أكثر من اللازم .... فتوترت والدة أيمن و هي تراقب هذا الغريب الذي يبدو مخيف المنظر ....
رفعت راقية وجهها و همست الى أيمن تهمس بقلق
( ابن عم العروس يبدو غريب الاطوار يا أيمن ..... لماذا يراقبنا بهذا الشكل ؟!! ...... )
رمق أيمن قاصي بنظراته .... كانت بعض الجروح تعلو وجهه .. و قميصه مغبر و احدي ازراره عند الخصر مفقودة .....
أما عينيه فكانتا صامتتين .... غير مقروئتين .... لكنهما كانتا كعيني مختل عقليا يوشك على الإنقضاض عليهما في أي لحظة ....
صدر عن قاصي نفسا خشن الصوت .... و ضاقت عيناه عليهما ...
فتشبست راقية بذراع أيمن و هي تهمس بقلق وخوف
( تراجع للخلف يا ايمن ........ )
ربت أيمن على كفها الممسك بذراعه و قال بخفوت
( لا تقلقي يا أمي ....... ربما كان يعاني من شيء ما ....... )
لكنها لم تهدأ ... و هي تراقب قاصي بعينين خائفتين .... فانتقل نظره اليها فجأة .. حينها تراجعت خطوة و أجبرت أيمن على التراجع و هي تلتقط نفسا متوترا ....
محاولة تجنب عينيه المتفحصتين لها بقوة .... حارقة !! ......
الى أن همس قاصي بصوت خفيض ... مريب
( راقية !! ......... )
نظرت اليه راقية بطرف عينيها ..... بينما قال أيمن بصوتٍ واضح
( نعم السيدة راقية الراوي ....... هل لديك اعتراض على الاسم ؟!!! ....... )
عاد قاصي بنظره الى عيني أيمن و كأنه ارتكب خطأ كبيرا في النطق في تلك اللحظة تحديدا ......
شابا يبدو رياضيا ...... لكنها رياضة راقية كاسم أمه ....
تحافظ على لياقته دون أن تمنحه القوة المحاربة للبقاء حيا .... فجسده لا يقارن بضخامة جسد قاصي .....
أصدرت اسنان قاصي صوت صرير حاد ....
فأخذت راقية نفسا آخر و هي تهمس بقلق
( تراجع يا أيمن ......... هل هو من سكان الجبل أم ماذا ؟ّ!! ...... )
مال أيمن برأسه الى رقية و همس بينما لم تبارح عيناه عيني قاصي الهمجيتين
( لا تقلقي يا أمي ..... ربما كان مريضا نفسيا أو شيء من هذا القبيل .... كل عائلة تحوي العديد من الإبتلائات ....فليشفه الله ..... )
تكلم قاصي بنفس الصوت الخفيض الخطير
( مريض ..... نفسيا ؟!! ...... )
رفعت راقية يدها الى صدرها و همست بنفسٍ متوتر
( ياللهي لقد سمعك ...... حاسة السمع لديه كالذئاب ...... تراجع يا أيمن ..... )
تراجع معها خطوة .... وهو يرفع حاجبا محاولا تفهم هذا الغريب الذي يتفحصه هو و أمه كما لو أنه يوشك على قتلهما ....
حينها تكلم أيمن بحزم وهو يقول منهيا هذا الصمت المريب
( هل تيماء مستيقظة ؟!! ...... نريد الدخول اليها ...... )
اتسعت عينا قاصي و برقت بهما نيران اندلعت فجأة مهددة باحراق المكان وهو يهمس
( تيماء ......... إنها ثاني مرة ......... )
عقد أيمن حاجبيه بعدم فهم ... ثم قال بخفوت
( ما اللذي تقصده بثاني مرة ؟!! ........... )
لم يرد قاصي على الفور وهو ينظر اليه بنظرةٍ كادت أن تحرقه حيا ... ثم قال بمنتهى الهدوء ... هدوء بطيء للغاية
( ثاني مرة تنطق فيها باسم تيماء مجردا ......... )
رفع أيمن ذقنه و قد بدأ يستوعب ببطىء ... قبل أن يقول بلهجةٍ باردة ذات مغزى
( و أنت نطقته مجردا ....... )
ضاقت عينا قاصي بخطورة .... ثم قال
( ليس من الحكمة أن تكرره أمامي .......... صدقني )
رفع أيمن حاجبه ساخرا وهو يقول باستهانة
( و لماذا يا سيد ......... أيا من تكن ..... تيماء تلميذتي .... و لقد ناديت اسمها عدد لا أذكره من المرات !! ...... )
عند هذه النقطة سحب نفسا عميقا و أغمض عينيه وهو يميل برأسه أسفل محاولا أن يسيطر على أعصابه .... الا أن قبضتيه كانتا منقبضتين لدرجة أن ابيضت مفاصل أصابعه بشدة .....
فقالت راقية ترتجف و هي تزيد من التشبث بذراع أيمن
( لا تستفزه يا أيمن ...... إنه غير طبيعي أبدا ........ )
لكن أيمن كان قد وصل الى نهاية صبره من تلك المقابلة الوقحة من ذلك الهمجي .....
فقال بوقاحة مماثلة ...
( لا تقلقي يا أمي ..... لا يمكنه فعل شيء , فقط فليحاول ....... )
ثم نظر الى قاصي قائلا بصوتٍ أعلى قليلا
( ماذا ؟!! ...... أين ذهب تحذيرك ؟!! ...... ألم تسمع اسمها بعد ؟!! .... تيماء ....تيماء ... تيماء سالم الرافعي ....... )
لم يفتح قاصي عينيه ... و لم تهتز عضلة في وجهه ..... لكن عينا أيمن استقرتا على قبضته حيث كان ابهامه يعد عدد المرات التي نطق فيها باسم تيماء .....
ضيق أيمن عينيه وهو يدرك أن الأمر أكبر من مجرد ابن عم رجعي .... لكنه لن يرضخ لهذه الوقاحة أبدا مهما كان شعور هذا الأحمق ...
الا يعرف مع من يتعامل ؟!!! ........
فتح قاصي عينيه أخيرا .... و دون مقدمات أو انتظار لحظة أخرى .....
هجم عليه ليضرب العلبة المغلفة في يده و يسقطها أرضا .... ثم ركلها بقدمه بعيدا .....
صرخت راقية بهلع .. بينما أفاق أيمن من الصدمة و صرخ بغضب وهو يقبض على قميص قاصي
( ماذا تفعل أيها الحقير ؟!! ..... هل جننت ؟!! ... الا تعلم من أنا ؟!! ..... )
الا أن قاصي هو الآخر قبض على قميصه بكلتا قبضتيه و جره ليرطمه بالجدار لينظر الى عينيه بنظراتٍ همجية وهو يهمس من بين اسنانه
( بل أنت الذي لا تعلم من انا .......... و يسرني أن أعلمك .... )
صرخت راقية برعب وهي تحاول جذب قاصي بعيدا عن ابنها دون أن تزحزحه لذرة
( الأمن ..... أين الأمن ...... مجنون .... مختا عقليا هارب من المصح ...... فلينقذنا أحد .... )
حاول أيمن لكم قاصي الا أنه كان أقوى منه و تلقى الضربة على ذراعه ليقبض فجأة على عنقه وهو يهدر
( كم أنا سعيد لأنك منحتني الفرصة لسحق أسنانك و قطع لسانك الذي نطق باسمها ..... )
رفع قبضته عاليا .... و كانت قبضة مرعبة .... منقبضة و بيضاء المفاصل ... بعكس العروق الزرقاء النافرة بباطن معصمه ....
.................................................. .................................................. ....................
قبل دقائق ....
مستلقية بفراشها ... تتلاعب بحافة غطائها الأبيض و هي تحدق في سقف الغرفة بعينين براقتين من الغضب الأزرق اللاهب ....
تشعر بالثورة على الجميع ....
تريد القيام و الصراخ في كل منهم .....
مسك التي خانتها و تركتها .....
جدها الذي يتخيل أن بإمكانه فجأة جعلها حفيدة عائلة الرافعية المفضلة ... بمجرد فرقعة من أصبعيه ...
و الأسوأ هو ارغامها على الزواج من أحد أبناء تلك العائلة ....
اللذين مهما تغربوا و تثقفوا .... الا أنهم يحملون نفس العقلية التي تجعلهم متلهفين للزواج من شابة غريبة لمجرد أنها المفضلة لدى سليمان الرافعي ....

وسالم الرافعي ..... والدها
تلك الكلمة التي تحفر في قلبها نهرا من الدم النازف .....
كانت تظن أنها آتية الى هنا خصيصا كي تتشفى به و تريه ما أصبحت عليه ......
لكن انتهى الأمر بها الى مزيد من الذل و الألم على يديه .....
دون أن يرفع اصبعا واحدا للدفاع عنها .....
و هل كانت تظن أن يفعل ؟!! ..... بعد أن قتلها سابقا ؟!!! .....

و قاصي .........قاصي ......
أغمضت تيماء عينيها بشدة و همست من بين شفتيها المتحجرتين
( أوغاد ......... )
فاجأها صوت سوار و هي تقول بهدوء .....
( أرجو الا أكون من بينهم ..... )
فتحت تيماء عينيها مذهولة و قد نست وجودها تماما .... فقالت بفتور
( الازلتِ هنا ؟!! ........... )
ارتفع حاجب سوار و تقدمت منها ترفل بعبائتها السوداء الحريرية الأنيقة ..... ثم قالت ببساطة
( كم أنت عديمة الذوق و غير مضيافة اطلاقا ..... )
زفرت تيماء و هي ترجع رأسها للخلف قائلة بتعب
( لست مرغمة على أن أكون مضيافة لأي منكم ...... أرجوكِ اتركيني وحدي .... )
ارتفع حاجبي سوار ثم جلست على الكرسي المجاور لتيماء و هي تضع ساقا فوق أخرى بفخامتها و رقيها ....

أخذت تراقب ملامح تيماء الشاحبة مليا .....
كان بإمكانها ان ترد لها الفظاظة بأكثر منها .... الا أن نظرة واحدة الى وجه تلك الشابة , أعلمها بوضوح كم هي متألمة ....
و ليس ألم الجراحة .... بل تعاني من ألم أكبر و أشد عنفا .....
يجعلها تدافع عن نفسها بذلك القناع من التمرد و الوقاحة .....
تكلمت سوار أخيرا و قالت ببرود
( كنت وقحة جدا في التعامل مع جدك ..... لا أحد يتعامل بتلك الطريقة مع سليمان الرافعي و يبقى جزءا واحدا ..... )
نظرت اليها تيماء بغضب و قالت
( أنا لا أخضع لتلك القواعد ..... من سيفكر للحظة في محاولة السيطرة علي فسوف يجدني خير قادرة للدفاع عن نفسي بشراسة أمامه ...... )
زفرت سوار نفسا قاتما باردا .... ثم قالت بجمود
( تدرين أنكِ تتكلمين عن جدي .... و أنا لا احب سماع من يتكلم عنه بتلك الطريقة ..... )
قالت تيماء بقسوة دون خوف أو تردد ...
( اذن توقفي عن الكلام معي كي لا تسمعي المزيد من هذا الكلام ....... أنا آتية من عالم آخر غير عالمك ..... لا تعرفين عنه شيء و ليس بإمكانك فهم طريقة تفكير البشر خارج دائرتك المحدودة .... )
عقدت سوار حاجبيها و قالت بغضب
( كم أنت سطحية و محدودة التفكير ...... أتظنين أنني نشأت في هذه الارض على الزراعة و حلب الأبقار .. كتفكير معظم من هم من " عالمك " !! ...... حبيبتي أنا أكثر تحضرا مما تظنين ... و قد عشت معظم سنوات حياتي في الخارج ...... )
نظرت اليها تيماء و هتفت فجأة بغضب
( و الى ماذا انتهيت ؟!!! .... مثل أي فتاة هنا اقتنعت بالزواج من ابن عمك و البقاء هنا للأبد .... للأبد .... )
برقت عينا سوار بغضب شبيه بعيني جدها ... الا انها لم تفقد أعصابها , فنادرا كا كانت تسمح للغضب بأن يجعلها تستسلم للتهور و الحماقة ...
لذا تراجعت للخلف و قالت بمنتهى الهدوء
( لقد اخترت زوجي بنفسي ... و انا أكثر من راضية باختياري ...... )
قالت تيماء بحدة
( و ما أدراكِ ؟!! ..... لم تقابلي رجالا غيره كي تختاري بحق ..... هذا الإختيار الذي يفرضه سليمان الرافعي ما هو الا وهم ... يمنحه الى الفتاة و يجعلها تظن أنها صاحبة قرار نفسها ..... )
ضيقت سوار عينيها و هي تراقب تيماء بدقة .... ثم قالت بشرود
( أنتِ فعلا سطحية في الحكم على أمور لا علم لكِ بها ......حياتي أكثر تعقيدا مما تظنين , و زواجي كان الاختيار الامثل و الذي لم اندم عليه يوما ..... بالعكس , كنت لأندم لو اخترت اي شخص مختلف .... )
برقت عينا تيماء اكثر و هتفت بغضب
( حسنا هنيئا لكِ ..... انتِ سعيدة في زواجك , لكن انا حرة ..... لا أريد الزواج من رجل غريب عني و لا أعرف عنه شيئا ..... بلى أعرف .. أعرف أنه من عائلة الرافعي و هذا اكثر من كافي كي أرفض .... )
قالت سوار بهدوء خافت
( من الواضح أن عمي سالم هو السبب في نظرتك تلك الى باقي رجال عائلة الرافعي ..... أنا لا أعلم الكثير من التفاصيل , لكن أعرف فقط أنكِ لم تنشأي تحت جناحه و بين أحضانه ..... )
ساد صمت ثقيل .... كئيب , قبل أن تبتسم تيماء بسخرية قاسية مريرة و هي تنظر الى السقف قائلة ببرود
( بين أحضانه ؟!! ....... بلى لقد تذوقت طعم أحضانه بسخاء ...... )
صمتت سوار و هي ترى الألم على ملامح تيماء يزيد و يتضاعف ..... فشعرت بالتعاطف معها , و لامت نفسها على مجادلتها و هي في تلك الحالة .....
فقالت بعد فترة صمت برقة ...
( هل أنت مرتبطة بأستاذك الذي يريد خطبتك ؟!! ........ )
انتفضت تيماء فجأة بعنف و لدرجةٍ آلمت جرح الجراحة ..... لكنها قالت باندفاع و جدية
( أنا لست مرتبطة بأحد ....... )
فوجئت سوار باندفاع تيماء فقالت بهدوء
( لم أقصد شيئا سيئا ..... قصدت فقط سؤالك إن كنتِ تكنين له بعض المشاعر الخاصة ... )
أبعدت تيماء وجهها و هي ترد بقنوط شارد
( لا تربطني مشاعر بأحد ........ فقط حين نتزوج ..... )
أومأت سوار برأسها ثم قالت بحيادية
( أي أنه مجرد خاطب مناسب و ظروفه تلائمك .... لا شيء على نحو خاص , فلماذا اذن لا تنظرين الى أبناء عمومتك .... و أنا كمتحيزة لعائلتي أظن أن كل منهم أفضل بالنسبة لك ....... )
نظرت تيماء اليها بغضب و قالت بقوة
( تفكيره يناسبني .... عقله يشبه عقلي .... اختارني دون مصلحة مادية ..... كما أنني أريد السفر معه لإستكمال دراساتي في الخارج ...... أي أحمق سيرى أنه هو من يشبهني و يناسبني جدا و معه ستكون حياتي مثالية ...... )
رفعت سوار ذقنها و تغاضت عن الإهانة التي يتضمنها كلام تيماء الوقح ...... و قالت ببرود
( أتظنين أن ابناء أعمامك لديهم مصالح مادية في الزواج منكِ ؟!! ... الا تدرين مدى ثراء كل منهم ؟!! ... )
ردت تيماء باندفاع و دون أي ذرة تردد
( بكل تأكيد ..... أتظنين أنني توهمت ولو للحظة بأن أي منهم قد سقط صريع جمال عيني ؟!!! ... لا حبيبتي أنا لست غبية ..... قد أتصف بكثير من الصفات السيئة , الا أنني لا أتصف أبدا بالغباء .....
أين كانو قبل أن يعلن جدي مباركته لزواجي و دعمه لي ؟!! .....
و هل كان أي منهم ليقبل بي بظروفي القديمة ... منبوذة وحيدة .... تتلقى بعض المال كل شهر من جدها ؟!!
اطلاقا و أنت تعرفين الجواب جيدا ......
لكل منهم مطمع ... سواء كانت الأرض أو المال أو اي كانت المنح و الغنائم التي سيكافئني بها جدي .... )
صمتت كلمات تيماء و هي تلهث بعنف .... بينما عينيها تبدوان كلهيب أزرق عنيف و قاتل ... وسط وجهٍ أحمر قاتم .....
ساد صمت حزين مشحون .... و كلتاهما تنظر الى الأخرى قبل أن تقول سوار بخفوت
( كم أنتِ شابة مليئة بالمرارة !! ...... ماذا حدث لكِ كي تصبحين على هذا القدر من المرار و فقدان الثقة بالبشر ؟!! ..... )
ابتسمت تيماء بسخرية مريرة ثم قالت بخفوت
( أي ثقة تلك التي تتحدثين عنها ؟!! ...... لقد رأيت من تلك العائلة ما يجعلني أهرب منها بالأميال .....أنت فقط لا تعرفين .... و أنا لن أخبرك بما حدث لي .. سأدعك تعيشين حياة الأميرة في البرج العالي و التي تظن أن عائلتها العريقة هي الأروع ... )
كانت ملامح سوار هادئة ... حزينة قليلا و هي تراقب دمعة خائنة انسابت على وجنة تيماء المحتقنة .....
الا أنها رفعت يدها و مسحتها بعنف مبعدة وجهها عن عيني سوار المراقبتين لها ....
الا ان سوار قالت بهدوء خافت
( و لماذا أتيتِ اذن ؟!! .... لماذا عدت الى تلك العائلة طالما أنها قد آذتك كل هذا الأذى البادي في عينيكِ ؟!!.... )
التفتت اليها تيماء ... و قابلت عينيها العسليتين الهادئتين بأخرتين فيروزيتين تحترقان .... ثم قالت بفتور
( ظننت بمنتهى الحماقة أنهم قد ينصفوني ولو لمرة ....... حين أردت أن عائلة خطيبي يدها بيد عائلتي " العريقة " ... لكنهم خذلوني ... مجددا , كما خذلوني لمئات المرات منذ اليوم الذي أتيت به الى هذا العالم ...... )
صمتت سوار للحظة ... ثم قالت أخيرا بهدوء
( اذن أنتِ أيضا تريدين من هذه العائلة مصلحة ما ........ لم تأتي بدافع الحب العائلي و الإشتياق لجدك ..... لا أرى أن أهدافك تختلف كثيرا ..... )
نظرت تيماء الى عيني سوار ... ثم قالت بقهر مكبوت
( أنا تعبت من الكلام .... رجاءا كفى ...... كفى ....... )
نهضت سوار من مكانها و اقتربت من سرير تيماء ... فانحنت اليها و لامست جبهتها برفق و هي تقول بخفوت
( لا بأس ..... ارتاحي الآن ...... مهما كان ما تظنينه فأنتِ هنا في أمان و بين عائلتك ..... )
لم ترد تيماء ..... بل ظلت ناظرة الى السقف الأبيض و دمعة أخرى خائنة تنحدر من عينيها على مسار الدمعة الأولى ببطىء ....
أما سوار فقالت بخفوت
( سأذهب لأغلق تلك الستائر .... فشعاع الغروب يظلل عينيك و يضايقك ..... )
نظرت تيماء اليها بصدمة و قالت
( شعاع الغروب !!! ..... كم مضى على وجودي هنا ؟!! ...... )
قالت سوار برفق
( حوالي عشر ساعات ....... أنتِ هنا منذ الصباح الباكر ..... ستخرجين و تعودين الى دارنا غدا بمشيئة الله .... )
همست تيماء بتعب و هي تغمض عينيها بتعب
( ياللهي ...... كنت سأكون في بيتي الآن لو لم تغدر بي " أختي " ..... )
قالت سوار مبتسمة بتعاطف
( لا تظلمي مسك ...... أنتِ لا زلتِ هنا بسبب الجراحة ..... لا بسبب غدر مسك المزعوم .... )
أبعدت تيماء وجهها الى النافذة ... لا تريد اخبار سوار أن مسك هي من أخبرت قاصي بموعد سفرها كي يلحق بها ..... بينما غادرت هي بمنتهى البساطة .....
كانت تظنها مجرد أخت باردة لا تحمل لها مشاعر الأخوة بعد التباعد الذي حدث بينهما مؤخرا ...
لكن لم تظنها أبدا بمثل هذا السوء و القدرة على الخذلان بمنتهى القسوة .... و دون أي سبب مقنع ....
ابتعدت سوار الى النافذة كي تغلق ستائرها ....
و تيماء تنظر اليها بسكون بائس ... قبل أن تسمع جلبة و هتاف في الخارج ....
عقدت حاجبيها و التفتت تنظر الى باب الغرفة المغلق ... مرهفة السمع
ثم همست بتوجس تلاها هتاف الذهول
( هل هذا صوت ..... قاصي .... و أيمن !!! ؟!!! ...... ياللهي !!!!! .... ... ياللهي !!!!!! )
.................................................. .................................................. .....................
( كم أنا سعيد لأنك منحتني الفرصة لسحق أسنانك و قطع لسانك الذي نطق باسمها ..... )
رفع قاصي قبضته عاليا .... و كانت قبضة مرعبة .... منقبضة و بيضاء المفاصل ... بعكس العروق الزرقاء النافرة بباطن معصمه ....
و حين أوشكت قبضته على سحق فك أيمن .... سمع صوت هاتف بصرامة و قوة رغم الوهن به
( قاصي ....... توقف ...... )
أجفل قاصي مكانه ... و توتر جسده و انتفض وهو يدير رأسه الى باب الغرفة الذي كان مفتوحا الآن ....
و كانت تيماء تقف به مستندة بوهن الى اطاره .... منحنية الجسد , شاحبة الوجه ....
لكن عيناها تبرقان بصدمة و ذهول .... و رعب ..... ثم غضب ... غضب ناري أزرق .....
لم يشعر قاصي بقبضته التي انخفضت و يده الأخرى التي تركت قميص أيمن وهو يلتفت اليها بكليته ليصرخ بها بصرامة و قلق
( كيف نهضتِ من فراشك ؟!! ...... هل جننتِ ؟!! ...... )
رغم الألم العنيف الذي تشعر به بجانب بطنها .... الا أن الخوف في تلك اللحظة غطى على الشعور بالألم الجسدي ...
كانت مذهولة و مصدومة من المنظر الذي خرجت و رأته ...
قاصي ممسكا بقميص أيمن و قبضته مرفوعة ينوي ضربه !!!!! .......
لقد مر عمر كامل مما جعلها تنسى مدى عنفه و تهوره حين يضغط عليه أحد بما يفوق قدرته على السيطرة ...
تشبثت أصابعها بإطار الباب و حفرت أظافرها قويا في طلائه و هي تهمس بجنون مذهول
( أنا من جننت أم أنت ؟!!! ...... ماذا تفعل ؟!! ...... بالله عليك ماذا تفعل ؟!! ..... هذا أستاذي .... كيف تفعل ذلك .... كيف ؟!! .... )
كانت نبرتها أقرب الى التوسل .... التوسل الخفي كي يتوقف و أن يستفيق حالا من حالة الجنون التي هددها بها ...
الا انها كانت تظنه مجرد تهديد .... لم تتخيل أن يفضحها بتلك الطريقة ... و يتجرأ على ضرب أستاذها أو خطيبها أو أيا كانت صفته ....
اشتعل المكان من حولها فجأة بخروج سوار مسرعة في تلك اللحظة هاتفة بهلع
( ماذا تفعلين يا تيماء ؟!! .... كيف غافلتني و نزعتِ ابرة المحلول من كفك و نهضتِ و أنتِ بتلك الحالة ؟!!! ..... )
بينما اندفع أيمن غاضبا وهو يهتف بصرامة
( ما الذي يحدث يا تيماء ؟!! .... كيف يتجرأ هذا المخلوق على التعدي علي بهذا الإجرام ؟!! .... هل هو أحد الخدم لديكم ؟!! ...... والله لولا وجود امي راقية هانم معي لكن أجريت اتصالاتي و احضرت من يجره جرا على الحجز ..... و سأضمن أن يبقى هناك الباقي من عمره ...... )
لكن على الرغم من الهتاف المندفع من الجهتين حولهما .....
الا أنهما لم يسمعا صوتا ....
كانا وحدهما في عالمٍ آخر .... و أعينهما تتحارب بعتابٍ قاتل في صمت ....
كانت عيناه المزدريتان ... المتألمتين ... المحمومتين .... تسألانها في صمت
" أهذا هو ؟!!! ..... أهو من استبدلتني به ؟!! ......
أما عيناها فكانتا ترد السؤال بسؤالٍ آخر
" كيف تفعل هذا بي ؟!! ........ "
و بالفعل نطق لسانها بالسؤال همسا .... بقسوةٍ و الم
( كيف تفعل هذا بي ؟!! ...... لم اظنك ستؤذني أبدا !! .... )
اشتعل شيئا ما بعينه .... شيئا أشد عمقا و قتامة و هو يسمع بأذنه سؤالها الهامس من عمق قلبها .....
لكن صوت أيمن هتف فجاة بقوةٍ يقطع تواصلهما
( تيمااااااء ........ )
انتفضت تيماء و هي تلتفت اليه متألمة ... منحنية الجسد .....
بينما أمسكت أمه بذراعه و هي تهمس برعب و توسل
( لا تنطق اسمها يا أيمن ....... من الواضح أن الإسم يشكل له عقدة .... )
رمشت السيدة بعينيها المرعوبتين و قالت مصححة بتلعثم ....
( كيف حالك يا عروسنا ............. )
أغمضت تيماء عينيها بأسى .... بينما انتفض جسد قاصي الضخم المكبوت فجأة مع الكلمة الكارثية التي خرجت من بين شفتي السيدة " راقية هانم "
فاندفع و جذب باقة الورد من بين يد أيمن ليلقي بها على الأرض و يدهسها بقدمه أمام ذهول الجميع !! ....
رفعت تيماء يدها الى فمها المفتوح هلعا ....
اندفع أيمن كالمجنون ينوي الهجوم على قاصي بذهول مما رآه ... لكن راقية صرخت برعب و هي تتمسك بذراعه أكثر ....
( تراجع يا ايمن .... أترك الباقة له , لا نريدها .... )
لكن تيماء هي من هتفت هذه المرة بقوة
( توقف يا قاصي .... توقف أرجوك فضحتني ..... فضحتني ..... )
و دون أن تدري ماذا تفعل ..... وجدت أن عقلها قد اعطى الإشارة التي تعطى لكل الإناث في تلك الحالة ...
و هي الإشارة بالبكاء ...
و بالفعل لم تشعر بنفسها الا و هي تنفجر في البكاء , دافنة وجهها بين كفيها .... مستندة بظهرها الى إطار الباب ....
تسمر قاصي مكانه ... و شحبت ملامحه بشدة وهو يرى انهيارها الحقيقي بينما لا تستطيع حتى الوقوف على قدميها من شدة الألم ...
و شعر بالعجز عن الكلام وهو يلهث بعنف ... بينما ملامحه جامدة ... جامدة كالحجر وعيناه على انهيارها لا تهدآن ....
أما سوار فقد تأوهت و هي تمسك بذراع تيماء لتقول بقوة وقلق
( تيماء .... لا تفعلي هذا .... ستؤذين نفسك بهذه الطريقة .... )
تحرك أيمن اليها و قال بقلق و قد أجفله منظرها المنهار أيضا ...
( عودي الى فراشك يا تيماء .... آسف لما حدث ...... )
تحركت تيماء بصعوبةٍ و هي تعرج للداخل ... تسندها سوار بقوة .... الا أنها استطاعت أن تلتفت الى الخلف , ناظرة الى قاصي الذي وقف مكانه بعيدا ....
عيناه عليها بقسوة .... و كأنها تختطف أمام عينيه للمرة الثانية دون أن يجد القوة في جسده كي ينقض عليهم و ينتزعها من بين براثنهم ...
التوت عضلات حلقه بعنف وانقبضت كفاه الى جانبيه ...
فعضت تيماء على شفتيها المتورمتين المرتعشتين و هي غير قادرة على سلخ عينيها عن عينيه ....
لكن أيمن الذي لحق بها أخفى قاصي عن مرمى نظرها .... و صوت صفق الباب خلفهم قصف قلبها و صم أذنيها ......
.................................................. .................................................. ..................
مشت تيماء بصعوبةٍ و بقلم منهار الى الداخل معتمدة على ذراع سوار .. الى أن أجلستها على حافة سريرها ... ثم ساعدتها على الإستلقاء و غطتها جيدا .....
بينما التقطت تيماء عدة محارم ورقية من على الطاولة الجانبية لتمسح بها وجهها الشاحب
استطاعت راقية أن تلتقط أنفاسها ثم قالت بغضب و ازدراء
( ياله من جنون هذا الذي تعرضنا له للتو ..... جئنا نطلب يد العروس ليفاجئنا هذا المختل عقليا .... )
رفعت تيماء عينيها الى راقية ... و راقبت ملامحها الأرستقراطية التي تعلوها علامات التقزز و الغضب ... الا أنها كانت مسيطرة على نفسها بأعجوبة حفاظا على وقارها ....
قالت تيماء فجأة بخفوت جامد
( هذا ليس مختل عقليا .... و ليس خادما كما سبق و قال أيمن , إنه ابن عمي .... )
رفعت راقية عينيها الباردتين الى وجه تيماء الشاحب ... ثم قالت بعجب و نفور
( ابن عمك ؟!! ........... و لماذا يرتدي مثل المتسولين و يتصرف كالمختلين اذن ؟!! ...... أخبرني ايمن أن معظم أفراد عائلتك قد اكملو دراستهم في الخارج !! ..... لكن هذا الشاب في الخارج يبدو و كأنه لم يغادر الحظائر أبدا ..... )
تحركت سوار مستقيمة في وقفتها تنوي الرد بحزم ... الا أن تيماء أمسكت بذراعها كي تمنعها ...
و سبقتها هي ... لتقول بصرامة
( سيدة راقية ..... أنا لا أسمح لأحد بأن يتكلم بهذا الشكل عن ابن عمي ....... )
برقت عينا راقية بغضب و هتفت
( و هل تسمحي بتصرفاته الشاذة تلك ؟!! ....... ألم تري الجنون الذي فعله في الخارج لمجرد نطق اسمك ؟!! ..... دون التحقق و السؤال عن سبب وجودنا هنا !! .... )
أظلمت عينا تيماء بشرودٍ و شوق بعيد .... الا ان ذهنها كان حاضرا و هي تجيب بصدقٍ خالص
( إنه يشعر بحماية حصرية تجاهي ..... هذا الشخص تحديدا هو الوحيد الذي رعاني منذ صغري .... )
زفرت راقية بغضب و قالت بنفاذ صبر
( و ماذا فعلنا نحن كي نهدد تلك الحماية ؟!! .... هل هذا هو جزاء ابني الذي ارتعب بسبب اجرائك الجراحة و جرني معه الى هنا في سفرٍ استغرق ساعاتٍ طويلة كي نطمئن عليكِ و ننتهز الفرصة كي نخطبك من جدك ؟!! ...... )
تحرك أيمن و امسك بمرفق والدته وهو يقول بخفوت ملطفا الجو ....
( أمي ..... هدئي من روعك ...... لا داعي لأن نفسد هذه المناسبة و كذلك نرهق تيماء أكثر بالكلام عن هذا الموضوع .... من الواضح أنه شخص غير طبيعي .... لقد استطعت ادراك ذلك من نظرات عينيه الغير ثابتة و التي تبرق بعدم تركيز .... إنه يعاني مرضا نفسيا أو ما شبه ..... )
قالت راقية من بين شفتيها المتبرمتين بلهجةٍ ذات مغزى
( أرجو الا يقابلنا المزيد من الأشخاص على هذه الشاكلة ..... )
قالت سوار ببرود و قساوة
( من الواضح أنكِ لا تعرفين العائلة التي أتيت اليها كي تخطبين لولدك حق المعرفة سيدتي ..... عائلة الرافعي من اكبر عائلات الجنوب كلها .... و أبنائها لا يعلى على أخلاقهم و تعليمهم ..... )
قالت راقية ببرود خافت
( الكتاب واضح من عنوانه حبيبتي ...... )
ساد صمت رهيب بينما لم تقصر سوار في مبادلتها النظر من أعلى رأسها و حتى أخمص قدميها لتقول بترفع
( و هل الخطبة تأتي هكذا فجأة و دون مقدمات أو اعلامنا أولا كي نقوم بالواجب !! ...... من يتقدم لخطبة احدى بنات عائلة الرافعي عليه التوجه الى كبيرها أولا .... ثم المجيء الى المشفى ثانيا للإطمئنان عليها ... كي يكون هناك صفة للتواجد .... )
تأوهت راقية و هي تقول بعذاب
( ياللهي !! ....... لقد تعبت من هذا العنف في التعامل !!! ..... ماذا يحدث هنا بالضبط ؟!! ... )
قال أيمن بسرعة
( أهدئي يا أمي و اجلسي رجاءا ..... ربما كانت لديهم تقاليد خاصة , علينا التعامل مع الأمر ... )
بدت راقية رافضة للجلوس ... الا أن تيماء قالت بهدوء
( اجلسي رجاءا سيدة راقية .... هناك ما أريد قوله ..... )
بدت راقية نافذة الصبر لعدة لحظات .... لكنها رضخت و جلست على الكرسي الذي قدمه لها أيمن ....
و هي تضع ساقا فوق أخرى بترفع .... غير راضية الملامح ....
نظر أيمن الى تيماء و قال بخفوت
( كيف حالك الآن يا تيماء ...... اعذريني لأن السؤال جاء متأخرا جدا .... )
رفعت تيماء عينيها اليه و قالت بخفوت هادىء
( مرهقة ...... متألمة لكن لا شيء خطير و سأخرج من المشفى غدا ..... )
ابتسم أيمن و قال بسرور
( اذن سنحجز في أقرب فندق لنبيت ليلتنا أنا و أمي ثم نأتي لزيارة جدك غدا كي نتقدم لخطبتك .... )
أسبلت تيماء جفنيها قليلا .... ثم رفعتهما لتواجهه و هي تقول بهدوء
( هذا ما أريد مكالمتك بشأنه ..... أخشى أن الأمر ليس بهذه البساطة و هذا ما اكتشفته من زيارتي للبلد هنا ... )
ساد صمت متوتر و ارتبكت ملامح أيمن ... الا أن تيماء تابعت بهدوء مستجمعة كل ذرة قوة لديها كي لا تتخاذل أو تضعف ....
( هناك ما عليك معرفته ... و أرجوك لا تقاطعني حتى أنتهي ....
بداية أنا ابنة زواج ثاني لأبي ..... كانت لديه زوجته الأولى و هي ابنة عمه .... أما أمي فكانت امرأة بسيطة تزوجها في لحظة تهور ثم لم يتوافقا و انفصلا .... و نتجت أنا عن هذا الزواج ...
أنا نشأت بعيدا عن هذه العائلة طوال سنوات عمري كلها ........ بعيدة عن قوانينهم و رعايتهم الفعلية ....
الى أن بدأ جدي مؤخرا في التواصل معي من بعد ......
و هذا ما شجعني كي آتي اليه و أطلب منه أن يستقبلك و يوافق على طبلك ...
لكن ما فوجئت به , أن لجدي قوانين صارمة لا تسمح للفتاة بالزواج الا من أحد أبناء أعمامها فقط ...
و هذا الأمر غير قابل للتفاوض ..... إنها قوانين عتيقة و قديمة قدم الأزل ....
لكن أنا و بما أني نشأت بعيدا .... فأنا لن أخضع لتلك القوانين ....مطلقا ....
لذا عليك معرفة أنك لو قررت متابعة تلك الخطبة .... فسوف تحصل علي أنا وحدي بحقيبة ملابسي فقط كما يقولون ... دون مباركة أهلي و دون ميراث مستقبلا أو أي دعم مادي .... و هذا ما تحققت منه ....
لو واقفت ... فأنا موافقة و سأرحل معك الى آخر العالم و أساندك حتى آخر يوم بعمري .... )
ساد صمت مهيب بعد أن ألقت تيماء بقنبلتها الموقوتة ....
و اتسعت عينا راقية و هي تنظر الى ابنها نظرة قاتلة .... واضحة المعنى ....
بينما بدا أيمن مرتبكا .... مصدوما و كأنه فقد القدرة على الرد ......
و حين طال صمته و تردده .... تطوعت والدته بالكلام ... فرفعت وجهها و قالت بكل حزم و صدى صوتها يتردد في أرجاء الغرفة ...
( لقد قلتِ ما لديكِ يا تيماء و سمعناكِ للنهاية .... و الآن أتى دورك كي تسمعيني و أرجو أن تتفهمي موقفي ...
الزواج الحقيقي الناجح يا تيماء ليس زواجا بين شاب و فتاة تجمعهما الأحلام الوردية التي لا وجود لها سوى في الروايات و الأفلام ....
الزواج الحقيقي زواج بين عائلتين ..... تعبا كثيرا في انشاء كل طرف من طرفي هذا الزواج ...
كل عائلة منهما تستثمر تعبها في انشاء عائلة ثالثة جديدة , تضاهي نجاح العائلتين .....
ابني الدكتور أيمن ابن عائلة عريقة ... أصيلة .... تتمناه أفضل بنات البلد .... لا يعيبه شيء كي يتزوج متهربا بعروسه وهو يعلم أن أهلها قد ترفعوا عن وضع أيديهم بيده و يد عائلته ......
الزواج الحقيقي أن يضع الرجل يده بيد كبير العائلة كي يمنحه ابنتهم بثقة .... واعدا بأن يكون لها ظهرا في الشدائد ....
كما ان الزواج الحقيقي يعتمد على التكافؤ المادي كما التكافؤ العلمي و الاجتماعي تماما ...
نحن لا ينقصنا المال مطلقا ..... لكن اعذريني فكرة أن يأخذك ايمن بحقيبة ملابسك ما هي الا فكرة وهمية مستوحاة من الروايات .....
الزواج صفقة .... أعرف أن كلامي سيصدمك و ربما يجعلك تنظرين الي بنظرة سيئة , لكن هذا هو الواقع ...
الزواج صفقة لإنشاء أسرة أفضل من كل النواحي ...
و هذا لن يتحقق ان كان أحد أطراف هذه الصفقة مبتور الجذور ....... )
و هنا كان الصمت هو سيد الموقف .....
صمت ثقيل أرخى ستائره على كل المتواجدين بالغرفة .... بينما أطرقت تيماء بوجهها الجامد و الخالي من اي شعور انساني ....
أما سوار فقد كانت تنظر الى راقية بقسوة و نفور مترفع .... اما راقية فبادلتها النظر لتقول أخيرا بهدوء
( تعرفين أنني محقة .... و هذا هو رأيك جدك في الواقع ... يريد العائلة و النسب .... فلماذا نتنازل نحن ؟!! .... هل ابني الدكتور أيمن ينقصه شيء كي يتنازل و يقبل بما هو اقل ؟!! .... )
رفع أيمن وجهه الى أمه و قال بخفوت متخاذل
( أمي ..... ليس هكذا ...... )
نظرت اليه راقية و قالت بهدوء و تأكيد
( الصراحة في مثل هذه الأمور يا أيمن هي أقصر الطرق .... انت توافقني في الرأي , لقد اخترت تيماء لأنها متكافئة معك في كل شيء .... المستوى العلمي و المادي و الإجتماعي .... و عائلتها تماثل عائلتنا في الأصل .... لقد أخبرتني بلسانك أن تلك الجوانب هي التي جعلتك تراها العروس المثالية لك ... فهل أنت مستعد أن تتنازل عن كل شروط التكافؤ و لا تبقي سوى المستوى العلمي ؟!! ... ترى هل يكفي وحده ؟!!! ..... )
أطرق أيمن بوجهه ....
و نظرت اليه تيماء مليا ..... لترى الرد الواضح في انحناءة رأسه .....
و في تلك اللحظة شعرت بشعور غريب جدا ....
بدا و كأن طاقة بداخلها قد تفجرت .... طاقة عمرها خمس سنوات خلت ........
نهضت راقية من مكانها و قالت بهدوء
( أنا أعتذر للجميع إن كان كلامي قد جرحكم .... لكنني أقول الصدق و هذا ما تعلمونه جيدا .... )
ثم التفتت الى ايمن المطرق الرأس و قالت بلهجة قاطعة
( هيا بنا يا ايمن .... وجودنا هنا أصبح محرجا للجميع ........ )
التفتت بعدها الى تيماء و قالت بمودة فاترة
( حمد لله على سلامتك تيماء .... أتمنى لكِ أن يتم شفائك على خير و كنت أتمنى التعرف اليكِ في ظروف أحسن من تلك .... و نصيحة أخيرة من سيدة لن تريها مجددا , اقبلي بقوانين جدك .... فلن يقبل بكِ الا من يخضع اليها .... و الا ستبخسين من ثمنك جدا ..... )
لم ترد تيماء .... و لم ترفع وجهها اليها ...
بل أبقت وجهها ثابت .... جامد .... خالي من الحياة ......
لذا التفتت راقية الى أيمن و قالت بلهجةٍ آمرة حازمة
( هيا يا ايمن ........ )
ابتعدت الى الباب .... فنهض أيمن من مكانه ببطىء و اقترب من سرير تيماء ليقول بخفوت
( تيماء ....... )
الا أنها قاطعته بهدوء قوي أكثر ثباتا دون ان تلتفت اليه
( الحق بوالدتك يا دكتور أيمن ..... و اشكرك على زيارتك , و أعتذر على الطريق الطويل ..... )
ظل ينظر اليها طويلا ..... بصمت كئيب , ثم ابتعد ببطىء ليلحق بأمه التي فتحت باب الغرفة و خرجت .....







يتبع


tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس