عرض مشاركة واحدة
قديم 02-04-16, 11:51 PM   #3739

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

نزلت تيماء بتردد ...

درجة درجة .... و هي متمسكة بالحاجز الخشبي الأرابيسك للسلم ...
تطول بعينيها بحثا ...... لكن دون جدوى ....
وصلت تيماء الى مائدة الفطور الضخمة ..... و التي كانت تحمل على متنها كل ما لذ و طاب ....
و الذي هو ابعد ما يكون عن تنصيف الفطور ...
استطاعت أن تميز الأفراد الجالسين ....
فبعد اسبوع كامل ... باتت تعرف العديد من أفراد العائلة ...
عمتها زهيرة ..... سيدة متوسطة العمر قوية الجسد و حادة النظرات دون حرج .... و هي والدة عرابي ....
و ها هو عرابي يجلس بجوارها .... تظن أن عرابي هذا يعيش قصة حب دون بطلة ...
فهو يحب من نفسه ليل نهار .....
وسيم و بداخله طفل عابث ... بعكس أمه الصارمة و التي تريد تزويجه لأفضل فتاة في العالم ... وحتى إن وجدتها فلن تراها تليق به أيضا ...

و هذا هو أمين ابن عمها راشد ... أكثرهم عقلا و اتزانا .... كما انه يتميز بابتسامة غاية في الجاذبية .... وسامته رجولية و هادئة ....

و هذا فريد ابن عمها غانم .... الأكثر جنونا و طاقة .... شقيق سوار و النصف رافعي و نصف هلالي .....
إنه الألطف بينهم و الايسر تعاملا معه .... لكنه أيضا الأكثر استفزازا ....

أما هذا الشاب الضخم متجهم الوجه دائما .... هو زاهر ...
متجهم و غامض مثل أخته بدور .... يبدو شديد القسوة و الجلافة .... لا يتبادل أطراف الحديث و لا يبالي بمن حوله ....
زاهر و بدور هما ولدي عمها ناصح .... و هذا العم أكثر شدة من ابنه ... يكاد أن يكون عنيفا و لا يعرف سوى الشدة في التعامل و الحمد لله أنه ليس متواجدا هنا الآن ....
من الواضح أن هذه المائدة أعدت للأحفاد تحديدا .... بينما خلت من الجيل الاكبر ....
حين خطت تيماء خطوتين ... لاحظها الجميع ...
فنهض اثنين منهم وهما الإثنين الأكثر اهتماما من ذئاب الرافعية ....
أمين المتزن .... و عرابي العاشق ....
أما زاهر فقد رمقها رافضا ... لا تعلم ما الذي هو رافضه في الواقع !!! ... لكنه ولد ليكون رافضا و معترضا ....
و فريد لم ينهض من الأساس وهو يتناول ما بين الجبن و الفطير .... و بين عسل النحل دون انتظار أحد ... لكنه لوح لها بعفوية ...
ابتسمت تيماء ابتسامة دبلوماسية و هي تقترب منهم قائلة بهدوء
( صباح الخير ....... )
سمعت عدة همهمات .... أغلبها متجهم ... باستثناء أمين و عرابي ....
و قال عرابي على نحوٍ خاص ....
( صباح الخير يا تيماء ...... اخيرا اشرقت الشمس بنزولك !! .... )
سعل فريد فجأة وهو يختنق بلقمة طعام وقفت في حلقه .... الى أن نال ضربة من قبضة شقيقته سوار ... و التي كانت قوية حتى تنفس أخيرا ....
قالت سوار بنفاذ صبر
( على مهلك في الطعام ...... كنت ستلقى حتفك ضحية لقمة فطير ..... ثم الا يجب عليك انتظار جدك من باب الإحترام ؟!! ..... )
قال فريد دون تردد
( أنا موقفي صريح يا سوار ..... آنا آتي الى هنا فقط لآكل و لست مستعدا للإنتظار و كل هذه الخيرات معروضة أمامي ...... )
قالت سوار بصرامة
( حسنا أرني شجاعتك أمام جدك و أنت تعيد ما قلته للتو ......... )
قال عرابي بابتسامة رائعة وهو يشير الى المقعد المجاور لمقعده ...
( تفضلي يا تيماء .... لا تقفي طويلا و نحن نناقش خط سير معدة ابن عمك .... فقد يطول الأمر و هذا هو طبعه .... )
ابتسمت تيماء تلقائيا ... لكن ابتسامتها بهتت و هي ترى نظرات عمتها زهيرة لها و هي ترمقها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها ... دون أن تنسى مصمصة شفتيها بتعجب نسائي شهير ...
رفعت تيماء حاجبها و أخفضت نظرها تتحقق مما ترتديه ... علها تكون قد نسيت ارتداء بنطالا أو قميصا ... و هذا هو سبب امتعاض عمتها والدة عرابي .....
لكنها لم تجد سوى العباءة الفضفاضة كما توقعت .....
قال فريد ببراءة فجأة مزيحا الكرسي بجواره
( تعالي يا تيماء و اجلسي ......... )
بصراحة كانت تفضل الجلوس بجوار فريد .... فهو بسيط جدا و لا تشعر بالحرج معه .....
و هي لا قبل لها حاليا على تحمل نظرات عرابي و غزله العفيف ...
و غزله العفيف هذا تعريفه في قاموسها الخاص
هو الغزل الذي ينتهجه الشاب الشرقي في سبيل ايقاع فتاة الزواج التقليدي التي قابلها للتو ... في سبيل حثها على الموافقة .... و لا مانع من بعض العواطف و اعتراف سريع بالوقوع في الحب من اول نظرة ... متعجبا من تصاريف القدر .....
نظرت تيماء الى عرابي و ابتسمت برقة فغارت غمازتيها و هي تقول بلطف
( سأجلس هنا ..... لأنه أقرب ..... )
رفع زاهر وجهه وهو يهتف متذمرا
( الن تنتهو من هذا الحوار العبثي ؟!! .... فلتجلسي بأي مكان و انجزي ...تصدع رأسنا ... )
سقطت تيماء جالسة على الكرسي مجفلة من صوته و هي ترمقه رافعة جانب شفتها العليا مترافقا مع حاجبها الأيسر .....
لكنها قالت باثقة الكلمات
( حاضر ......... )
رمقهما عرابي بضيق , لكنه تراجع الى كرسيه و جلس فربتت امه على فخذه و كأنها تواسيه بعد هذا الرفض المتوحش لذاته المبجلة ..... و ربما كان الرفض الأول في حياته كلها ....
انحنت تيماء على اذن فريد و همست بغضب مشيرة بعينيها الى زاهر المتجهم
( ماذا به هذا المخلوق ؟!! ....... لماذا يعاملني كأنني ناموسة مضروبة و ميتة على الحائط ؟!! .... )
نظر فريد الى زاهر ... ثم همس بخفوت
( احتار الطب في تفسير سبب تجهمه و نقمته على الجميع ... لقد ولد بهذا الشكل المعقد ....يالفرحتك و هنائك لو تزوجتِ به .... ستربحين فخر انتاج العائلة كلها من النكد و البؤس .... فهو مثل أخته المعقدة الصغيرة بدور و والدهما المادة الخام للتجهم و النكد ..... و ياللسعادة ... بدور مخطوبة لفخر المفسدين .... راجح ابن عمران .... بصراحة نسب يشرف , توكلي على الله و اختاري زاهر ..... سيجعل حياتك بؤسا من أجود الأنواع .... )

هزت تيماء رأسها مقشعرة مبعدة عن ذهنها تخيل نفسها متزوجة من هذا الجلف ....
قال أمين بتهذيب مبتسما
( هل زال الألم تماما يا تيماء ؟.......... )
رفعت تيماء وجهها اليه و ابتسمت قائلة بلطف
( نعم ..... شكرا لك ......... )
رفعت زهيرة وجهها و قالت بلهجة ممطوطة بنفور والدة الزوج المعروف .... قبل حتى ان يتزوج ابنها بعد ..
( كيف حال امك يا تيماء ؟؟ ....... )
ارتفع حاجبي تيماء و هي تهمس في داخلها
" أمي ؟!! ....... أنا من أجريت الجراحة و ليست أمي !! .... "
الا انها قالت بهدوء مختصر
( بخير ..... شكرا لكِ ..... )
لكن زهيرة قالت
( لماذا لم تأتي معك ؟؟ ......... )
ارتفع حاجبي تيماء اكثر .....
لكنها قالت بوضوح و دون مواربة
( كيف تأتي الى هنا و بأي صفة يا عمتي ؟!! ..... أمي مطلقة من والدي و لا يصح تواجدها هنا لعدة أيام في وجوده ..... ثم أنها لم تأتي هنا قبلا فلماذا تفعل الآن ؟!! ..... )
أومأت زهيرة برأسها في ميلٍ غير مريح و قالت ببساطة أبعد ما تكون عن البساطة ....
( نعم صحيح ..... لكن الوضع اختلف الآن ... انتِ على وشك الزواج من أحد أبناء أعمامك .... فكيف لعروسٍ أن تأتي مسافرة وحدها و كأنها يتيمة !! .... )
عم المكان صمت مريع ... و رفعت سوار وجهها تنظر الى ملامح تيماء الجامدة بقلق .... ثم نظرت الى زهيرة بضيق على هذا الإفساد المتعمد لروعة هذا الصباح ......
لكن تيماء رفعت ذقنها و قالت بتعالٍ متعمد
( و هل العروس هي من تأتي لخطبة العريس يا عمتي ؟!!! ..... انا هنا للزيارة فقط , لكن من يريد أن يخطبني سيسافر خصيصا الى أمي ... في بيتها .... و حينها ستفكر في الأمر , .... )
امتقع وجه زهيرة بشدة و نفثت نفسا بدا الدخان الهادر ..... اما فريد فقال هامسا مبتهجا
( أحسنتِ .... أحسنتِ يا مصيبة عصرك ..... لم ينجح أحد في ايقاف عمتك زهيرة عند حدها من قبل و نجا أبدا .... يقال أن قبو دارها يحتوى على عدة جثث مجهولة المصدر ... على أن المرجح أنهم لأناسٍ أثارو غضبها فسلطت عليهم هذا الشعاع الذي ترمقك به الآن .... رحمك الله يا تيماء , كنتِ طيبة و مستفزة ... )
قاطعهم فجأة صوت سليمان الرافعي يقول بهيبة و قوة
( صباح الخير ...... أرى أن معظم أحفادي قد اجتمعوا ........ )
رد عليه الجميع بابتسامات عديدة .... لكن سليمان نظر الى تيماء مباشرة ...
كانت ملامحه صارمة ... لا يزال غاضبا عليها ....
لكن عيناه كانتا مبتسمتين .... حنونتين و كأنه سعيدا بنزولها أخيرا و مشاركة أحفاده المائدة للمرة الأولى بعد رحلة عمرها الطويلة بعيدة عن عائلتها .....
وقفت سوار و قالت مبتسمة برقة
( صباح الخير يا جدي ..... تفضل اجلس مكانك .... )
ربت سليمان على وجنتها بحنو أثار غيرة تيماء قليلا .... خاصة و أنه جلس و جلست هي في مكانها .... و مكان سوار لم يكن بجوار زوجها سليم .... بل كان كرسيا خاصا بجوار سليمان الرافعي ... و كأنها زوجته ... لا حفيدته ...
رفع سليمان وجهه الى تيماء و قال بجفاء
( كيف حالك الآن يا ابنة سالم ....... )
لم تبتسم و شعرت بالحزن داخلها .... الا انها ردت بصلابة تشبه صلابته
( بخير .... شكرا لك ....... )
و على الرغم من تهذيب عبارتها المختصرة الا انه شعر بنبرة التحدي في صوتها .... مما جعله يعقد حاجبيه أكثر بغضب أبوي ....
قال محدثا سوار
( أين زوجك يا سوار و لماذا لستِ معه قبل موعد سفره ؟؟ ...... )
قالت سوار مبتسمة
( تعرف سليم يا جدي ...... يحب أحيانا أن يخرج للتأمل في الطبيعة و اليوم و بما أنه مسافر أحس أنه سيشتاق الى الأراضي و جمالها .... فأخبرني أنه سيطيل المكوث بها قليلا بعد صلاة الفجر .... )
تنهد سليمان قال بهدوء
( و هل هناك من يماثل نقاء روح سليم .... رضا الله عنه و أرضاه ..... لقد ربحتِ به يا سوار ..... )
ابتسمت سوار دون كلام .... لا تعرف لماذا شعرت فجأة بموجةٍ من الأسى
و كأن شيئا ما قد قبض قلبها ......
أخفضت سوار وجهها و همست تستعيذ من الشيطان .... لكن عينيها ضاقتا بتفكير و شرود ...
لطالما كان قلبها دليلها .... و تلك القرصة شعرت بها يوم .... يوم وفاة والدتها .....
رفعت يدها فجأة الى جبهتها و هي تغمض عينيها بخوف .....
حينها قال سليمان بقلق
( ماذا بكِ يا سوار ؟!! ......... هل أنت مريضة ؟؟ .... )
رفعت سوار وجهها الشاحب و ابتسمت قائلة
( لا يا جدي أنا بخير ..... لقد بكرت في الاستيقاظ , هذا كل شيء .... )
قالت زهيرة فجأة بلهجةٍ قوية ذات معانٍ عدة
( قد تكونين حامل يا سوار ....... عسى الله أن يطعم قلبك برؤية طفل لكِ بعد كل هذه السنوات من الانتظار .... )
ساد صمت متوتر سقط على رؤوس الجميع .... بينما شعرت سوار فجأة في الرغبة في الانهيار بكاءا ...
ربما كان هذا هو سبب في انقباض قلبها ....
ذلك الحرمان الذي فرضته على سليم منذ سنوات ....
على الرغم من انها لم تفرض عليه شيئا و لم يفرض عليها شيئا .... و أنه ما تزوجها الا كي يحميها من فرض راجح عليها كزوج ....
الا أنها الآن تشعر بالألم .... و فكرت ربما لو ضغطت على نفسها أكثر و في وقتٍ أبكر ....
ابتلعت غصة مؤلمة في حلقها ....
بينما نقلت تيماء عينيها بغضبٍ بينهما ... ثم انحنت لتهمس لفريد مغتاظة
( اليس من المفترض أن هذا السؤال يعد شيئا نسائيا و لا يصح القاءه أمام مجموعة من الرجال ؟!! .... )
ارتفع حاجبي فريد و نظر اليها بتعجب ... ثم همس مذهولا
( هذا يحدث في المدن عديمة الهيبة مثللكم ..... أما هنا فعليكِ معرفة أن معدل القاء هذا السؤال يقاس بعدد المرات في اللقاء الواحد ....و كلما حصلتِ على عدد أكبر كلما زادت فرصتك في الإنجاب ... معروفة .... )
ضحكت تيماء رغم عنها فرفعت يدها بسرعة تغطي بها ضحكتها الخافتة ....
و كان سليمان ينظر الى ضحكهما و همساتهما بغضب و نفاذ صبر .... كان يبدو متذمرا و غير راضيا ...
على عكس سوار التى نظرت اليهما و ابتسمت بسعادة لتهمس الى جدها مبتهجة
( انظر يا جدي ..... انظر كم هما منسجمان معا .... يبدو أن تيماء ستختار أخي فريد و من ستجد أفضل منه .... )
زفر سليمان بعدم رضا وهو ينظر اليهما .... فريد بالذات يستفزه أكثر من باقي احفاده ...
يأخذ الامور كلها بتهريج و دون أي حس للمسؤولية .....
همهم سليمان على مضض ..
( هممممم .... سنرى ...... )
نظر سليمان الى زاهر و ابتسم متفاخرا بينه و بين نفسه .... و تسائل لماذا لا تختار تيماء زاهر مثلا ...
رجل مهيب .... يقف الصقر على شاربيه .... متجهم الوجه دائما مما يمنحه مقاما و مهابة بين الناس ....
عاد ليهمهم بتفكير عميق راضيا
( هممممممم .... )
التفت فجأة الى تيماء و نادى بصرامة
( بنت يا تيماء ..... تعالي الى هنا بجواري على الناحية الاخرى ...... )
فوجئت تيماء بطلبه الصارم ... الا أنها لم تملك سوى القيام و أخذ طبقها .... ثم اتجهت الى المقعد الخالي بجوار على الجهة الاخرى .... رأسا برأس مع سوار ....
و حين بقت مكانها تنظر اليه بصمت ... نظر اليها و قال بصرامة
( ماذا تنتظرين ؟ ...... أكملي طعامك .... هيا ..... )
اخفضت تيماء وجهها .... و راودها شعور غريب جدا ......
شعور غامر بالفرح !!!!
بهجة غريبة انتابتها .... و جعلتها تشعر للمرة الأولى كم هي مرغوبة عن حق .....
بداخلها طفلة تتوق للشعور بهذا الحب الرجولي المسمى " أبوة " ....
و على الرغم من أنها استوت شابة ناضجة الآن ...
الا أن مجرد طلب فظ من جدها جعلها ترتعش بسعادة حمقاء ..... رفعت تيماء وجهها لتنظر اليه ....
و تذكرت المرة الأولى التي رأت بها سليمان الرافعي
.................................................. .................................................. ................
" منذ خمس سنوات ....... "
( اقتربي يا فتاة ....... تعالي الى هنا .... )
قصفت تلك العبارة بصوتٍ مرعب ... مزلزل
تردد صداه بين جنبات البيت الذي تقف به ......
صوت رجولي عميق و قد زاده العمر قوة لا العكس ...... جعلها تنتفض في مكانها و ترتعش ....
كانت مطرقة الوجه .... لا تستطيع الوقوف على قميها الحافيتين المتقرحتين ....
ملابسها السوداء مغبرة و شعرها أشعث .... و كل عظمة من جسدها تؤلمها من شدة الضرب .....
حين ظلت مكانها صامتة ترتعش دون أن تجد القدرة على فك اصابعها المتشابكة أو التحرك ....
هدر سليمان الرافعي مجددا بصوتٍ اكثر سلطة و قوة وهو يضرب الأرض بعصاه بعنف
( قلت تعالي الى هنا ...... هل أنتِ صماء ؟ ..... )
ارتجفت شفتي تيماء ببكاء صامت .... غير قادرة حتى على اصدار صوت شهقاتها المرتعبة ....
تقدمت بقدميها الحافيتين المجروحتين على سطح الأرض الناعمة ببطىء شديد ....
الى ان وقفت ما أن رأت طرف عبائته الرجالية ....
لكنها لم ترفع وجهها ....
قال سليمان اخيرا بصوتٍ قاسي مخيف
( ارفعي وجهك ....... )
ارتفع وجهها ببطىء كي تنظر اليه .... على الرغم من الرعب الذي كانت تعيشه في تلك اللحظة ...
فمن الممكن أن تكون تلك هي آخر لحظات عمرها ....
قد يرفع سلاحه و يفرغ طلقاته في رأسها ..... و يدفنها في هذه الارض دون أن يعرف عنها أحدا .....
أخذت تشهق و هي ترتجف .....
كانت تريد أن تتوب قبل أن تموت ......
صحيح أنها ليست نادمة على حبها لقاصي ابدا .... و ستظل تحبه لآخر لحظة في حياتها و التي تقترب أسرع مما تظن ....
الا أنها كانت تريد الفرصة كي تتوب ...
ستموت دون أن تتزوجه ..... ستموت بعد أن قلبها دون رباط شرعي بينهما ....
تريد فرصة كي تتوب و ترتدي الحجاب .... و لن تفعل ما قد يغضب ربها أبدا .....
ربما لو منحت الفرصة فستتزوج قاصي على الفور .... لكنها لن تفعل ما يغضب الله و تقسم على ذلك ....
نظرت تيماء اليه أخيرا ....
كان شكله غريب .... و هيبته مخيفة , أكثر من والدها ....
بل أن والدها لا يقارن به من الأساس .....
نظراته حادة كنظرات الصقر وهو يرمقها دون رحمة ... الى أن قال أخيرا بصوته المرعب
( كم عمرك ؟؟ ......... )
ابتلعت تيماء ريقها دون أن تتوقف دموعها ... الا أنها همست بصوتٍ مذبوح
( تس .... تسعة عشر ...... )
ضيق سليمان عينيه وهو يتخلل جسدها المرتعش بهما .... ثم قال أخيرا بخفوت خطر
( لقد أجرمتِ جريمة لا يمحوها الا الدم في بلدنا ....... )
أطبقت تيماء جفنيها بشدة و سقط وجهها و هي تشهق باكية برعب
( ياللهي ........ أمي ...... أمي تحتاجني ...... )
الا أن سليمان ضرب الارض مجددا وهو يهدر
( اخرسي ....... )
خرست بالفعل .... ووقفت مكانها مشبكة أصابعها مسقطة رأسها و هي تبكي و تبكي ......
الى أن قال سليمان بنبرة تفيض شرا
( الى أي حد أخطأت ؟؟ ......... )
تعالى صوت نحيبها الا أنه هدر كقصف المدافع
( أجيبي ........ )
فصرخت بعنف و هي تسقط على ركبتيها
( لم أفرط بشرفي ..... لم أفعل .... أقسم بالله و قد تأكد والدي بنفسه من ذلك ..... )
صمت سليمان ... لكن الشر زاد على ملامح وجهه و قال بنبرة مهينة وهو يشير اليها بالعصا قائلا بازدراء
( هل أنتِ راضية عن منظرك هذا ؟!! .... و ما تعرضتِ له من ذل ؟!! ..... )
بقت مكانها محنية الوجه و هي تبكي بعنف .....
لكن جدها ظل صامتا طويلا الى أن قال أخيرا بصوتٍ قاسي
( عذرك الوحيد هو أنكِ لم تجدي من يربيك .... و هذا هو الشيء الوحيد الذي سينقذك .... )
رفعت تيماء وجهها المتورم الباكي و نظرت الي وجه جدها الذي بدا و كأنه لم يعرف الرحمة قبل هذه اللحظة ...
لكنها استطاعت الهمس بضياع
( هل ستعفو عني ؟؟ ........ )
قابلت عيناه الغاضبتين عينيها المتقرحتين .... ثم قال أخيرا بصوتٍ غاضب عنيف
( الخطأ أكبر منكِ بكثير .... و هناك من هم يستحقون عقابا أشد من عقابك .... لكن رغم ذلك فعلتك لن تمر على خير يا فتاة .... ستنالين عقابا شديدا على فعلتك الفاجرة تلك ... و ستتعلمين الأدب و معنى العفة منذ هذه اللحظة ..... )
أخذت تيماء تمسح الدموع عن وجهها المكدوم و هي جاثية أرضا على ركبتيها .. ثم أتتها الجرأة من مكانٍ مجهول لتقول فجأة بشجاعة
( و ماذا ستفعل مع قاصي ؟؟ ........ )
نهض سليمان من مكانه فجأة و عبائته تتحرك من حوله بهياج و بدا وجهه شديد العنف و هو يهدر واقفا أمامها كالطود .....
( أتتجرأين على ذكر اسمه يا فتاة يا عديمة الأدب ؟؟!! ...... )
تحركت تيماء على ركبتيها حتى وصلت اليه و هتفت متوسلة بشجاعة غريبة
( أرجوك الا تقتله ..... أرجوك ... هو لم يفعل شيئا , أنا السبب .... أنا من أردت الحصول على الاهتمام وهو أراد الزواج مني .... كان خطأ متهورا , لكن أرجوك الا تقتله ..... ليس من العدل أن تعفو عني و تقتله ... أنا السبب ...... اقتلني معه اذن كي لا تكون ظالما .... )
وقف سليمان يشرف عليها من علو بنظراتٍ نارية غاضبة .... ثم قال اخيرا بصوت غامض
( هذا الاسم ستنسيه للأبد ...... فهمت أم أمحيه أنا من الوجود ؟؟ .... )
شعرت تيماء في تلك اللحظة أن قلبها قد سقط و تحطم الى آلاف الشظايا ..... وأن روحها قد ماتت للأبد ...
و همست أخيرا بصوتٍ ميت
( فهمت ............. )
.................................................. .................................................. ...................

( تيماء ...... أكملي فطورك .... )

افاقت تيماء من ذكرياتها المريرة على صوت جدها الخشن الصلب و الذي اضافت اليه السنوات بعض الوهن دون ان تفقده هيبته و سطوته ....
نظرت الي وجهه طويلا ....
كانت تظن يومها أنه سيذيقها أصنافا من العذاب .....
لكن الأيام التي تلت أثبتت لها أن العذاب رأته على يد والدها في آخر جريمة له معها ....
حين أمر بذبحها على أيدٍ همجية ازهقت دمها .... و كسرت المتبقي من روحها ....
ما رأته في الأيام الأخيرة لها في هذه البلد كان أعنف مما تستطيع أن تتحمله ...
و كلما حاولت أن تنسى , تنتابها الرجفة من الذكرى البشعة في قساوتها ....
و آخر ما تذكره دائما هو صوت سليمان الرافعي يصرخ على سالم و يوشك أن يبطش به بسبب فعلته التي ثأر بها لأبوته المهانة على يد ابنته و خادمه ....
أخفضت تيماء وجهها الى طبقها و هي تبتلع مرارة الذكرى ....
سمعت صوت أنثوي من خلفها يقول بخفوت ووداعة
( صباح الخير يا جدي ....... )
رفعت عينيها لترى بدور خطيبة راجح آتية و هي تعرج قليلا ..... الى أن وصلت لجدها فناولها يده لتقبلها وهو ينظر اليها مبتسما برفق
ثم قال راضيا
( أهلا أهلا يا صغيرة ..... صباح الخير يا ابنتي ..... تعالي و اجلسي مكانك ... )
تقدمت بدور ببطىء حتى اقتربت لتجلس بجوار شقيقها زاهر المتجهم .... لكن و قبل أن تجلس خاطبها زاهر بصرامة جافة
( ما الذي أخرك كل هذا الوقت ؟؟؟ ..... أين كنتِ ؟؟ .... )
ظهر التوتر و الإرتباك على وجه بدور البريء و الشبيه بوجوه الغزلان ... ثم احمرت وجنتيها بشدة و جلست ببطىء و هي تهمس بتخاذل
( كنت أحضر حقيبتي لأستعد للعودة الى كليتي .... )
تذمر زاهر وهو يقول بجفاء
( الكلية ... الكلية .... من يسمعك يظن أنكِ من المتفوقات , بينما أنتِ في الحقيقة تتجاوزين كل سنة بشق الأنفس .... فلا أعلم ما فائدة السفر ذهابا وعودة لفتاة مثلك .... )
بان الارتباك اكثر على بدور ... الا انها لم تستطع الرد فنظرت الى طبقها بمنتهى السلبية ...
مما جعل تيماء تشعر بالغضب على هذا الزاهر الجلف القاسي ...
ماذا يظن أخته ؟!! .... بهيمة تربط في البيت الى أن يتم بيعها لاقرب مشتري ؟!!! .....
لكن سليمان هو من تكلم فقال بخشونة
( لا تكلم أختك بهذه الطريقة يا زاهر في وجودي .... بنات الرافعي لهن حق اختيار القدر الذي تردنه من الدراسة ..... فلا تقسو عليها .... أختك تربيتها سليمة و لا خوف عليها حتى لو سافرت الى آخر العالم ... )
تذمر زاهر و ظهر الرفض على ملامحه . الا أنه لم سيتطع أن يعارض جده ....
أما بدور فمع سماعها لما قاله جدها .... فقد وقع على صدرها مثل نصل خنجر حاد , جعلها تفغر شفتيها المكتنزتين ألما ....
بينما قال سليمان متابعا برضا
( لا تتعجل الزواج ..... فقريبا يصبح الفرح فرحين ..... زفاف تيماء و بدور معا ...... سيكون عرسا لسبع ليالٍ .... سيحكي و يتحاكى عنه الجميع لسنواتٍ طويلة ..... )
اظلمت عينا تيماء و أخذت نفسا نافذ الصبر و هي تعاود اغماضهما كي لا يرى جدها انطباعها الرافض ...
لا فائدة .... جدها يأبى أن الإقتناع بأن هناك من قد يخالفه ....
بينما بهت وجه بدور بشدةٍ حتى حاكى وجوه الأموات .... و أظلمت عيناها هي الأخرى مثل عيني تيماء ....
لكن ظلاما باردا .... مخيفا .....
قال سليمان بقوةٍ فجأة
( هل رأيتِ راجح يا بدور خلال الاسبوع الماضي ؟؟ ....... )
اجفلت بدور و رفعت وجهها مصدومة من السؤال فقالت متلعثمة بخوف
( لا.... لم ..... لست ...... )
تطوع زاهر ليقول بقوة
( و أين ستراه يا حاج .... نحن هنا في البلد و لسنا في الخارج .... )
زفر سليمان بقوة بينما غصت بدور في لقمةٍ يابسة تمضغها بلا شهية .... ثم همست بخوف
( لا .... لم أره يا جدي منذ أن أوصلني الى هنا ...... )
أومأ سليمان بوجهه ذو الملامح الغامضة ....
ثم قال بصوتٍ أجش
( منذ أن حدثت المواجهة بينه و بين قاصي .... ابتعد كل منهما .... ربما كانا في حاجة لهذا الإبتعاد .... )
انتفض قلب تيماء بين أضلعها و هي تسمع اسمه أخيرا ..... ترى اشارة اليه بعد انقطاع لسبع أيامٍ كاملة ...
لكن الإشارة لم ترح قلبها ....
بل أشعلت بها نيران الخوف .... هل تواجه قاصي مع أخيه !! ....
أخاه يبدو عنيفا كأسلافه .... لكن تستطيع تيماء من المرة التي نظرت بها الى عينيه أن تؤكد بأنه عنفه لن يكون شريفا أبدا ....
قال سليمان بصوتٍ خافت ....
( سيكون على كلاهما تقبل الآخر .... عاجلا أم آجلا ...... )
قال زاهر بتردد خشن
( اسمحلي يا حاج سليمان ...... لو كنت تريد رأيي فما حدث .... )
رفع سليمان يده لا يقبل بمتابعة الحوار ... ثم قال بصرامة
( لا مزيد من الإعتراض يا زاهر ...... هذا وضع علينا التعامل معه .... )
صمت للحظة ثم رفع رأسه ليواجه الجميع ... قبل أن يقول بصرامة
( و هذا الكلام موجه للجميع ...... قاصي جزء من هذه العائلة حتى لو لم يكن له وصفا مسجلا في الاوراق .... علينا تقبله شئنا أم أبينا .... و لا أريد ان أسمع ان أحدكم قد تجاوز حدوده معه ....
لا اطلب منكم الإعجاب به غصبا.... لكن عليكم تقبله ..... هل كلامي واضح ؟؟ .... )
قال زاهر متجرأ فجأة و بصوتٍ غامض
( لكن يا حاج ..... خطبته لمسك ...... أنا أرفضها لو سمحت لي ..... )
رفعت تيماء وجهها مصدومة ... و قد سقطت شوكتها في صحنها ..... محدثة صوتا عاليا مزعجا ...
بينما اندلعت النيران في احشائها ... تحرقها بتمهل عديم الرحمة ...
الا أن عيني سليمان كانتا غامضتين وهو يقول بهدوء
( هل أخبرك والدك بهذه السرعة يا زاهر ؟؟ .... حسنا لقد كان الموضوع بين عددا محدودا من الأفراد .... لكننا لن نخفيه أكثر .... قاصي يناسب مسك و هذا هو اغلى تعويض عندي يمكنني أن أمنحه اياه .... )
بدت ملامح زاهر غاضبة .... رافضة .... و قال بتوتر عنيف
( لكن يا حاج ..... مسك ..... مسك .... إنه لا يليق بها ... )
ضيق سليمان عينيه وهو يراقب وجه زاهر بنظرة من يراه للمرة الأولى .... ثم قال أخيرا بصوتٍ غريب هادىء
( أنت تعرف ظروف مسك يا زاهر .... ظروف خاصة , تجعلها احتمالا بعيدا كزوجة لأحد أبناء أعمامها .... و هذا قضاء الله لا اعتراض عليه .... لذا أرى أن قاصي بالنسبة لها سيكون راحة ... و هي ستكون له عائلة ..... )
تجهمت ملامح زاهر اكثر و أكثر .... بينما شعرت تيماء أن النيران تندلع متجاوزة أحشائها الى سائر أطرافها ....
مسك عائلة له ..... لقاصي ؟!! .....
لا .... العبارة ليست متناسبة .....
هي وطن قاصي .... هي وحدها أرضه .....
هو من أخبرها بذلك ....
و همس في أذنها بحرارة الهبتها
" كم قتل من رجال دفاعا عن الأرض ........ و أنتِ أرضي يا تيمائي المهلكة ..سأموت لأجلك .. "

رمشت تيماء بعينيها و ابتلعت ريقها بصعوبة ... ثم رفعت وجهها الشاحب و قالت بفتور ميت
( أي ظروف خاصة ؟!! ........ )
نظر سليمان اليها و كأنه متفاجئا بكلامها بعد صمت طويل ..... قائلا
( ماذا ؟!! ...... )
ردت تيماء بنفس الفتور
( ذكرت للتو يا جدي أن مسك لها ظروف خاصة تجعل قاصي هو الأنسب لها .... أي ظروف تلك التي تجمعهما ؟؟ ....... )
ضاقت عينا سليمان أكثر و اكثر ..... كانت نبرة تيماء بها اتهام قديم ... عمره خمس سنوات ....
لكنه أجاب بهدوء و وقار
( أنتِ كنتِ بعيدة ..... لا تعرفين الكثير مما حدث لأختك ..... لقد أصيبت مسك بورم خبيث أثر على قدرتها على الإنجاب ...... لهذا تركها خطيبها و انهارت حياتها فجأة , الا أن كل همنا كان علاجها فقط دون الإهتمام بشيء آخر ..... لقد ظلت لأشهر تعالج بالعلاج الكيماوي خارجا .... و كان قاصي هو من بقى بجوارها دائما بناءا على طلبها لم يتركها للحظة .... هذه الأشهر قربت بينهما .... و في نفس الوقت باعدت بينها و بين حلم الإنجاب ..... )
انتهى سليمان من سرد الأحداث الأليمة بهدوء خافت ...
بينما شعرت تيماء في تلك اللحظة أن مطرقة قد سقطت على رأسها و هشمتها .......
امتلأت عينيها بالدموع فجأة دون أن تذرفها .... و هزت رأسها بصدمة و هي تهمس ذاهلة بارتياع
( سرطان !! ........ )
اطرق سليمان بوجهه و قال بخفوت
( قدر الله و ما شاء فعل .......... )
شعرت تيماء في تلك اللحظة بالعالم يدور من حولها بسرعةٍ رهيبة ... و صراخٍ مدوي يصم أذنيها ...
فهزت رأسها و همست بصوت مختنق و هي تنهض واقفة
( اعذروني ...... أشعر بالدوار , أريد أن أستلقي بغرفتي قليلا ..... )
نهضت دون أن تسمع ردا و أسرعت الخطا متعثرة بطرف عبائتها السوداء .....
و الصراخ المدوي يطوف بها بجنون ممزقا صدرها بعنف و دون رحمة ...
بدت كلمات جدها في أذنها كصراخٍ لا يرحم ....
" لقد ظلت لأشهر تعالج بالعلاج الكيماوي خارجا .... و كان قاصي هو من بقى بجوارها دائما بناءا على طلبها لم يتركها للحظة .... هذه الأشهر قربت بينهما .... و في نفس الوقت باعدت بينها و بين حلم الإنجاب ....."
" و كان قاصي هو من بقى بجوارها دائما بناءا على طلبها لم يتركها للحظة .... هذه الأشهر قربت بينهما... "

" سرطان ..... سرطان ...... "
ارتمت تيماء على فراشها و هي تبكي بعنف .... تلومهم جميعا ..... جميعهم ....
هذا ليس عدلا ...... ليس عدلا ......
.................................................. .................................................. ...................
جالسة خلف مكتبها تعمل على حاسوبها النقال ....
كانت مستغرقة في العمل الشاق منذ ساعاتٍ طويلة دون أن تأخذ دقيقة من الراحة ......
كان العمل عبارة عن دوامة تبتلعها كل يوم و تلقي بها في نهاية النهار كجثة هامدة على سريرها ....
و هذا ناسبها جدا ....
هذا هو النمط من الحياة الذي كانت تريده .....
لا يترك لها أي فرصة لحكايا القلب .... أو المزيد من الإحساس بالغدر .....
هذه هي الحياة المثالية بالنسبة لها ....

فتح باب مكتبها فجأة بكل عنف و دون استئذان ....
فانتفضت مسك مكانها و هي ترفع وجهها لترى أمجد الحسيني يقتحم مكتبها بملامح مكفهرة ....
الى أن ألقى أمامها على سطح المكتب ملفا ورقيا و قال بعنف و فظاظة
( هل يمكنك تفسير معنى هذا ؟؟؟ ......... )
كانت مسك لا تزال مسمرة مكانها ... غير مستوعبة لهذا الهجوم الوقح ...
الا انها تمالكت نفسها سريعا و قالت بمنتهى البرود
( بما أنك أنت من اقتحمت مكتبي للتو دون اذن .... فعليك شرح ما تريد تفسيرا له اولا ... و ثانيا تبرير هجومك الغير مسموح به في مكتبي الخاص .... )
اظلمت عينا أمجد بنظرة لم تراها مسك من قبل ...
كان وجهه يرتج من الغضب و لم يسبق لها أن رأته منفعلا حتى ....
مر أسبوع كامل منذ أن بدأت العمل هنا معه ....
كان يعاملها خلال السبعة أيام بمنتهى الصلف و البرود ....
لاحظت أنه أنيق التعامل مع الجميع .... لطيف وودود بما يتجاوز كل الحدود العملية , بدءا من أكبر منصب و حتى أصغر عامل ....
يقوم بتدليل العاملين حد الفشل ....
الا هي ....
كان يصل عند حدودها و يتحول الى شخص في منتهى انعدام الذوق ...
لكنها في الواقع لم تهتم كثيرا ...
طالما أنه لم يتجاوز حدوده معها فهي خير قادرة على التعامل مع أمثاله ......
و تجاهل كل محاولات استثنائها في التعامل تزيد من غضبه اكثر ...
لكنه اليوم كان مختلفا ...
كان يبدو غاضبا بطريقة مخيفة لغيرها .... لكن ليس بالنسبة لها ...
تكلم أمجد وهو يميل اليها ليستند الى سطح المكتب بكفيه ... حتى أصبح وجهه مقابلا لوجهها قائلا بازدراء حقيقي
( من تظنين نفسك ؟!! ........ )
عقدت مسك حاجبيها قليلا امام تلك الطاقة العنيفة من الغضب الأسود الموجهة لها شخصيا ....
لكنها تمالكت نفسها للمرة الثانية و قالت ببرود
( عفوا !! .............. )
كلمتها الباردة المعتادة كانت كفيلة لافقاده آخر ذرات السيطرة على نفسه فهدر في وجهها بقوة
( توقفي عن قول تلك الكلمة الغبية التي لا تعني شيئا سوى أنكِ لا تجدين نفسك قادرة على المواجهة ...... )
عند هذه النقطة قفزت مسك من مكانها تنتفض بجنون و هي تهتف مشيرة الى الباب بغرور
( هذا يكفي ...... أخرج من مكتبي حالا و الا ناديت الأمن لك ...... )
صرخ بها أمجد بصوتٍ جهوري في نبرة واحدة أجفلتها
( اجلسي مكانك .......... )
ارتبكت ملامح مسك أمام تلك الصيحة الرجولية الحازمة ....
من يظن نفسه ؟!! ..... و لماذا هي صامتة ؟!! .... لماذا لا تمسك بأقرب شيء و تضرب به جبهته ....
صرخ أمجد صرخة أخرى أكثر صرامة
( اجلسي ....... )
وجدت مسك نفسها تجلس دون ارادتها الحرة ... الا أنها رفعت وجهها تنظر اليه بصمت و تراقب هذا الجنون القاتم لشخص عرف ببروده .... و انتابها الفضول لمعرفة السبب الي أثار جنونه الى هذا الحد ....
قالت مسك اخيرا بنبرة جليدية تثير الإعجاب
( هل تظن نفسك الآن أكثر رجولة بعد أن علا صوتك ؟!! ...... اسمحلي علو صوتك و صراخك أضعفك بنظري جدا ..... خسارة .... )
ضاقت عينا أمجد و انقبضت كفاه على سطح المكتب وهو يلاحق ملامحها بنظراتٍ كالسهام ...
نظراتٍ غريبة للغاية ....
نظرات من يقوم بتحليل حالةٍ خاصة و مستعصية أمامه ...
و هذا الشعور اغضبها و كأنها فأر تجارب ....
تكلم أمجد أخيرا و قال بصوتٍ هادىء أخيرا ... الا أنه بدا أكثر اهانة من صراخه ....
( هل أراحك ما قلته الآن ؟!! .... ربما تنتظرين مني كهمجي أن أتعدى عليكِ أو أضربك مثلا فاقدا السيطرة على اعصابي كي يمكنك ايقافي بواسطة الشرطة .... )
رفعت مسك حاجبها الرفيع الأنيق و قالت ببرود
( أستطيع فعل ذلك الآن ...... لقد منحتني أكثر من فرصة , لكن لأن حظك سعيد اليوم ... لقد أثرت فضولي لمعرفة سبب غضبك الهمجي هذا ..... فهلا جلست و ابتعدت عن مجال أنفاسي كي نتكلم بهدوء ؟؟ ... )
شعرت بانفاسه تحرق الجو من حولها ... فضاقت عينيها هي الاخرى و سيطرت على نفسها كي لا تخدشة بأظافرها .....
تراجع أمجد أخيرا .... لكنه لم يجلس , بل رمقها بنظرةٍ مزدرية , ثم استدار عنها يوليها ظهره و يتجه الى النافذة و كأنه يأنف من النظر اليها ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ قاسٍ كالرخام المصقول ... جارح الحواف
( انظري الى الملف أمامك ...... )
أرادت أن ترميه بالملف فيضرب مؤخرة رأسه بكل قوتها و أوشكت على الرفض ببلادة الا ان فضولها تغلب عليها ... ففتحت الملف و طالعته من فوق أنفها المتعالي و تحت نظارتها ....
ثم لم تلبث أن رفعت حاجبيها بتعجب حقيقي و نظرت اليه متسائلة بعدم تصديق
( هذه دراسة اقتراحي الذي قدمته الى مجلس الإدارة و تمت الموافقة عليه ...... هل هذا ما أثار غضبك ؟!!! .... بالله عليك هل أنت واعٍ لنفسك ؟!! ...... ظننتك تشك بأنني ارتكبت جريمة !! .... )
التفت اليها أمجد مندفعا .... يراقبها عن بعد بعينين غير مستوعبتين .... حارقتين ...
ثم قال أخيرا بصوتٍ غريب ... اجش و باهت ....
( الا تعدين تسريح عشرين عاملا في الشركة ... و مئة من عمال المصنع جريمة ؟!!!! ......
مئة و عشرين فردا .... كل منهم يعيل أسرة , أي أن مئة و عشرين أسرة ستفقد مصدر دخلها بين ليلة وضحاها ...
ان لم تكن تلك جريمة ؟!! .... فكيف تكون الجرائم من وجهة نظرك ؟!! ...... )
كانت مسك لا تزال جالسة مكانها تنظر اليه غير مستوعبة بعد .... ثم قالت اخيرا بلهجة عملية باردة
( لا أصدق أنني اسمع هذا الكلام من شخص يحتل مثل منصبك و يشهد له الجميع باتقانه لعمله و تفوقه به ..... سيدي الفاضل نحن لا ندير مجمع خيري , لو كان كذلك لكنت تفهمت وجهة نظرك ....
المئة و عشرون عاملا لا أنظر اليهم على أنهم حالات انسانية .... أنا أدرس طاقاتهم و أقرر إن كانو مصدر فائدة أم مجرد أماكن مشغولة و مهدرة .... نحن هنا قطاع خاص ... لأشخاص وضعوا أموالهم في هذا المكان كي يتم استثماره ....
ليست وظيفتي هي اعداد تقرير اجتماعي لما يخص كل اسرة .... أنا فقط أقوم بعملي .... )
التوت شفتي أمجد وهو يقول بسخرية سوداء
( ماذا توقعت ؟!! .... هل تخيلت للحظة أنني قد أخاطب بكِ أي ذرة انسانية متواجدة بداخلك ؟!! .....عبثا !! .... )
شعرت بالإهانة تستفزها و تشعل وجنتيها الا انها لن تسمح له بافقادها لأعصابها ..... لذا تراجعت للخلف و شبكت اصابعها فوق ركبتيها و هي تقول ببرود
( ها أنت تتكلم عن الإنسانية و تحول الأمر الى موضوع شخصي ....... لم تستوعب كلمة مما نطقت به للتو ... )
نظر اليها أمجد طويلا ...
كانت ترتدي حلة بيضاء ..... و شعرها الناعم مجموع في ضفيرة قصيرة مرتاحة تلامس كتفها الأيمن ....
كبريائها يزيدها جمالا و أناقتها مصدر خطر على كل من يراها ....
الا أن روحها تحمل سوادا لا يناسب هذا المظهر الخارجي الرائع مطلقا ....
لقد ضاق بها جميع العاملون هنا منذ اليوم الأول بسبب تعنتها و معاملتها لهم بمنتهى الإهانة .....
و تلقائيا أصبح يعاملها بنفس المعاملة .... معاملة من هم أدنى ...
الغريب في الامر أنه ما ان يعود الى بيته مساءا .... يجد نفسه شاعرا بالذنب ...
لم يسبق له أن عامل امرأة على هذا النحو من قبل .... وهي جديدة في هذا المكان وهو لم يسهل لها الأمور مطلقا ... و مع ذلك لم تشكو لأي أحد كأي فتاة مدللة مرفهة كما ظنها ....
لذا كان يقرر كل مساء أن يكون في اليوم التالي أكثر لطفا معها ....
لكن ما أن يراها حتى تستفزه احدى تصرفاتها و يعاود معاملتها بطريقة أكثر سوءا ....
كان يتعامل معها بطريقة غير احترافية اطلاقا وهو يعرف ذلك ...
لكن منذ متى كان يتعامل مع البشر على أنهم مجرد أدوات في مجال عملي يتطلب الاحترافية ...
كان هذا هو أحد أكبر عيوبه في العمل وهو يعترف بذلك ....
لكنه استطاع أن يتحايل على هذا العيب و يخفيه مقارنة بعمله المعروف بالكفاءة منقطعة النظير ....
اليوم صباحا ما أن وصل ووجد القرار الخاص على سطح مكتبه ....
شعر فجأة بثورةٍ عارمة تهدر في أعماقه ...
بهذه البساطة !! ......
من تظن نفسها ؟!! .......
تكلم أمجد أخيرا و قال بهدوء جليدي متابعا كلامها الأخير
( الموضوع فعلا شخصي و قد خيبتِ أملي كثيرا ......... )
انعقد حاجبيها متفاجئة ...
أولا ... هل كان لديه أمل بها ؟!!! ..... هذه معلومة جديدة تماما .... لكن فليبلل امله و يشرب ماءه عله يختنق بشربةٍ منه و يموت و ترتاح من صلافته ...
ثانيا وهو الأهم ....
لماذا يدعي أن الأمر شخصي ؟!! .... ما مصلحتها ؟!! .....
رفعت مسك ذقنها و قالت ببرود
( هل تتهمني أن لي أغراض خاصة في الأمر ؟!! ..... )
رفع أمجد أحد حاجبيه و لم يحيد بعينيه عن عينيها و هو يقول بصوتٍ غريب .... قاسي و مزدري
( أليس لكِ أي أهداف " شخصية " في الامر ؟!! ......... )
ازداد انعقاد حاجبيها و فغرت شفتيها قليلا و هي تهز وجهها غير مستوعبة .... ثم قالت أخيرا بحذر ناري
( أنا استلمت العمل منذ اسبوع فقط ...... و قبلها كنت أعمل في الخارج , لما قد يكون لي هدف خاص في الأمر ؟!! .... هل أريد احضار افراد عائلتي مثلا لشغل المناصب الخالية ؟!! ..... )
ظل أمجد ينظر اليها الى أن قال أخيرا بصوتٍ خافت أكثر قسوة
( أتعلمين ماذا .... ظنتتك شخصية مختلفة ...... ظننتك مثيرة للإعجاب بثقتك الزائدة بنفسك ,..... لكن تبين لي أن تلك الثقة ما هي الا قناع رخيص تخفين خلفه نفسا مهتزة لا ترغب الا في الإنتقام ..... )
فغرت مسك شفتيها بذهول ....
و همست دون تفكير
( هل أنت مجنون ؟!! ...... صدقا ؟!! ...... هل أنت مجنون ؟!! ..... بدأت أشك في أنك غير متزن عقليا اطلاقا و تنتابك الهلاوس بين الحين و الآخر !! ..... أي قناع و أي انتقام !!! .... لماذا أنتقم من مجموعة من العاملين ؟!! ....... )
ابتسم أمجد ابتسامة ساخرة سوداء محتقرة .... ثم قال أخيرا بصوت غريب
( واجهي نفسك بتلك الأسئلة و احصلي على الجواب بنفسك ...... لأنني في كل الأحوال قدمت ورقة مفادها أنه إما أنتِ و إما أنا في هذا المكان ...... )
اتسع فمها اكثر و تأكدت الآن من انه مجنون تماما ... فقالت بعدم تصديق
( هل ستترك العمل لمجرد اقتراح و دراسة قمت بتقديمها .. بينما القرار الحقيقي صدر من مجلس الإدارة ؟!!! ....... لا أعلم كيف وظفوك من الأساس و هذه هي ردات فعلك على الخلافات .... أنت انسان متطرف !! .... )
ابتسم باستهانة وهو يقول بقسوة
( اقنعي نفسك بهذا ضمن سلسلة الإقناعات التي تستيقظين و تحفظينها دون كلل مع كل صباح ..... )
اندفع أمجد خارجا من مكتبها أمام عينيها الذاهلتين .... الا أنه استدار اليها قبل أن يخرج و قال بلهجة غريبة
( تلك الفتاة الصغيرة أسماء التي تعاملينها بمنتهى الإحتقار ..... ترعى ثلاث أطفال , وهم أطفال أختها التي توفيت منذ خمس سنوات .... أحد هؤلاء الأطفال تم تشخيص اصابته باللوكيميا منذ فترة ..... )
شعرت مسك أنها قد تسمرت مكانها ... و بهتت ملامحها تماما بينما تهدلت شفتاها بشرود غريب .....
لكن أمجد لم يلاحظ ذلك بل تابع بمنتهى القسوة
( و احذري ماذا ...... اسمها ضمن قائمة العمال اللذين تقرر تسريحهم من العمل ..... )
صمت للحظة ثم ابتسم ساخرا وهو يقول
( آآه اعذريني ..... لقد نسيت أنكِ لا تعدين تقريرا انسانيا عن حالة كل عامل .... سامحيني لأنني عطلتك بمثل هذه الامور التافهة ....... )
خرج أمجد من المكتب مندفعا .... بينما بقت مسك جالسة مكانها تنظر الى الفراغ بملامح .... تشع ألما ....
.................................................. .................................................. ....................
وصلت مسك الى بيتها أخيرا ... تجر ساقيها بتعب و تخاذل ....
غرتها الطويلة منسابة بعد ان تحررت من ضفيرتها القصيرة و لامست فكها بحرية ....
عيناها بركتان من العنبر القاسي .... مشوب بحزنٍ في عمقه .....
اليوم كان مرهقا نفسيا الى حد الرغبة في اغراق نفسها بحوض الاستحمام .....
ذلك الحقير أمجد ....
الحقير الذي صبت عليه لعناتها منذ خروجها من العمل ... هو السبب في حالتها المأساوية تلك ....
لقد انهارت و عليها ان تهدىء من نفسها ... وحيدة بشقتها الخالية .....
فتح المصعد أبوابه ... الا أنها شهقت ما أن بادرتها فتاة بالهتاف مرحة
( مسك ..... يالها من صدفة سعيدة ...... كيف حالك ؟!! .... )
نظرت مسك الى الفتاة بقنوط ...
في الحقيقة هي شابة ودودة ... تماثلها عمرا , مبتسمة باستمرار ....
تقطن بنفس الطابق الذي يضم شقة مسك .....
اسمها وفاء ...... متزوجة و لديها طفلة جميلة صغيرة .....
انتقلت وفاء و زوجها و طفلتها الى هذه الشقة أثناء وجود مسك في الخارج ......
و ما أن عادت مسك من السفر حتى سعت وفاء الى التعرف عليها
كانت ممتنة لمسك جدا .....
لأنها و بعد تبادل حديث يائس قصير ..... قدمت لها خدمة و توصية الى طفلتها الصغيرة في مشفى خاص باهظ الثمن ....
طفلتها كانت تعاني من حالة معينة و تحتاج الى علاج مبكر .....
و مسك لها علاقات قوية بادارة هذه المشفى و المالكين لها ..... لذا قامت بمساعدتها و من يومها و تلك الشابة تتمنى لو تستطيع أن تحمل مسك من على الأرض و توصلها الى شقتها كل يوم ....
وفاء لطيفة ..... الا أن أسئلتها كثيرة جدا و بدأت تتصف بالتطفل
كانت تسألها عن مكان عملها ووظيفتها ووظيفة والدها و اسمه ..... حتى شعرت مسك بضرورة تجنبها قليلا ...
لكنها كانت اليوم اكثر ارهاقا من محاولة التزام الحزم معها ... لذا ردت باجهاد
( مرحبا يا وفاء ...... أنا بخير كيف حال طفلتك الآن ؟؟ ..... )
ردت وفاء مبتهجة بامتنان و أعين دامعة
( مهما قلت لن أوفيكِ حقك أبدا ....... )
أغمضت مسك عينيها و حكت جبهتها باعياء و هي تهمس
( وفاااء ليس مجددا رجاءا ....... )
أسرعت وفاء بالقول
( لا بأس ....... لا بأس ....... اسمعي ... لي عندك رجاء خاص , ما رأيك لو نخرج سويا في يوم خلال الاسبوع القادم .... )
فتحت مسك عينيها و قالت بخفوت
( كنت أتمنى حقا يا وفاء .... لكن كما ترين أنا أعود من عملي بوقتٍ متأخر مرهقة للغاية ..... )
قالت وفاء بلهفة ....
( يوم عطلتك ....رجاءا يا مسك ......أنا أحتاج لها جدا .... )
تنهدت مسك بتعب و لم تستطع ان تفكر بشكل سديد .... لذا قالت باستسلام
( لا بأس فليكن يوم العطلة اذن ..... هاتفيني و نتفق على الساعة .... )
ابتعدت مسك .... بينما أسرعت وفاء الى شقتها و ما ان أغلقت الباب خلفها حتى اخرجت هاتفها طلبت رقما ثم انتظرت و قالت بسعادة
( نعم يا خالتي ...... لقد اتفقت على موعد مع جارتي .... و كما اتفقنا ستأتيان بمحض الصدفة ..... و عسى الله أن يتمم على خير .... إنها عروس لن يجد مثلها أبدا ..... )
.................................................. .................................................. ......................
دخلت مسك مرهقة و رمت حقيبتها جانبا ....
ثم القت بنفسها على احد المقاعد و هي تخلع حذائيها و ترمي بهما بعيدا ..... انحنت الى الامام و هي تدلك قدميها المتعبتين من الكعب العالي ....
لكن رنين الهاتف جعلها تتوقف فجاة و تنظر الى حقيبتها الملقاة بعيدا ....
زفرت مسك بقوة و هي تهمس بغضب
( لماذا لا ينتهي هذا اليوم ؟!! ...... ماذا يريد الجميع مني ؟!! .... لماذا يلاحقني الجميع , أريد الوحدة .... فقط أنشد الوحدة .... )
نهضت من مكانها بغضب و انحنت لتلتقط حقيبتها و انتزعت منها هاتفها لترد بحدة
( ألوووو ...... من معي ؟؟ ..... )
ساد صمت قصير قبل ان تسمع الصوت الرجولي الذي تعرفه جيدا , يصلها خافتا
( نفس الرقم يا مسك ؟؟ ....... )
تسمرت مسك مكانها ... و دارت حول نفسها قليلا , ثم توقفت وسألت بخفوت جامد رغم معرفتها بالجواب
( أشرف ؟!! .......... )
ساد نفس الصمت القصير .... ثم قال بخفوت
( كيف حالك يا مسك ؟؟ ....... )
أطرقت مسك بوجهها لتنظر ارضا ... ثم قالت ببرود
( بخير حال ..... كما رأيتني تماما ... )
قال أشرف بتردد
( بدوتِ جميلة ....... جدا ...... )
رفعت مسك وجهها بملامح جامدة كالصخر .... و أنف مرتفع ... الا أن صدرها كان يؤلمها بعنف ....
ثم قالت بلا تعبير
( شكرا لك ........ يبدو كذلك فعلا ...... )
ساد الصمت مجددا .... فقال اشرف بصوتٍ حازم رغم خفوته
( يجب أن اراكِ يا مسك ..... أحتاج أن أتكلم معك ..... رجاءا لا تخذليني ... )
علت شفتيها ابتسامة ساخرة حزينة .... ثم سألت بصوت ناعم ذو نغم مميز
( اخذلك ؟!!! ....... )
كانت نبرتها واضحة , الا أنها لم تثنيه فقال مندفعا
( مسك أريد الكلام معك قليلا ..... أنت لا تزالين ابنة عمي رغم كل شيء .... على الأقل لأجل صلة القرابة .... )
جلست مسك على المقعد ووضعت ساقا فوق الأخرى بأناقة .... ثم قالت بهدوء و ثقة
( لم أكن أنوي أن أستثنيك من حياتي كابن عمي يا أشرف .... لو كنت حضرت الإجتماع العائلي لكنت رأيتني و تكلمت معي .... لكنك تخلفت عن الحضور ..... )
قال أشرف بصوتٍ مكبوت
( تعرفين موقفي يا مسك ..... لم أكن أستطيع الحضور ...... )
ابتسمت مسك و قالت بخفوت ساخر
( نعم ...... أعرف موقفك ...... )
قال أشرف مستغلا هدوئها الذي لم يتوقعه و تهذيبها ... فقال برجاء
( هلا تقابلنا بأحد المقاهي ؟!! ...... رجاءا .... )
قالت مسك بصوتٍ حازم
( يبدو أنك لم تعرفني يا أشرف رغم السنوات الطويلة .... صحيح أنك ستظل ابن عمي دائما , الا أن هذا لا يعني خروجي مع رجل متزوج ..... دون علم زوجته .... )
أضافت العبارة الاخيرة مشددة على كل حرف .... و كما توقعت سمعت صوت أنفاسه المترددة ....
لذا قالت بلهجة هادئة لا تحمل أي تعبير
( اتركها للظروف يا أشرف ..... يوما ما سأسمعك ..... )







انتهى الفصل التاسع .... قراءة سعيدة



















tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس