عرض مشاركة واحدة
قديم 16-04-16, 11:48 PM   #4154

tamima nabil

نجم روايتي وكاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء و كاتب في الموسم الأول من فلفل حارو عضو الموسوعة الماسية بقسم قصص من وحي الاعضاء و ملهمة كلاكيت ثاني مرة

alkap ~
 
الصورة الرمزية tamima nabil

? العضوٌ??? » 102516
?  التسِجيلٌ » Nov 2009
? مشَارَ?اتْي » 10,902
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » tamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond reputetamima nabil has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   laban
¬» قناتك nicklodeon
افتراضي

كانت عيناه تضيقان ... و الذهول بادٍ بهما .... و على الرغم من ضيقهما الا أنهما كانا كفضاءٍ واسع تسبح به طافية .....
ارتجفت شفتيها و همست بألم ....
( سأكون لك ...... كما كنت دائما ...... لكن لا تخذلني , أرجوك ...... )
هز رأسه قليلا وهو يلتهم ملامحها الفتية بعينيه .... قبل أن يقول بصوتٍ أجش ... خافت في خفوت صوت الريح من حولهما ...
( آآآه يا تيمائي المهلكة ........... )
تحشرج صوته و صمت تماما وهو يخفف ضغط أصابعه عن ذراعها الى أن تركها الآن .... دون أن تتركها عيناه ..... بدا و كأنه يحارب كي يتخلص من غصة بحلقه .... يهز رأسه قليلا محاولا السيطرة على انفعاله ...
بينما دموعها هي لا تزال تجري بسخاء على وجنتيها ... تشاركها ابتسامة جديدة على شفتيها جعلت غمازتيها تزدادان عمقا ....
الا أنها تمكنت من الهمس بصوتٍ خافت و هي تربت على ذراعه
( لا بأس ..... اهدأ ..... خفف من انفعالك هذا و ارخي جسدك ..... )
رفع عينيه الى عينيها الغارقتين في بركة من الدموع و همس بصوتٍ أجش
( لا أستطيع ..... اشعر أنني على وشك سحقك فوق صدري ..... سأموت إن لم افعل .... )
تراجعت تيماء خطوة للخلف و هي تعرف بأنه جاد في ما يقول و همست و هي تضحك باختناق باكي ....
( لا تفعل ..... فكر في أنك ستموت قبل أن نتزوج , و هذه الفكرة تبقيك مؤقتا على قيد الحياة .... )
كانت عيناه حمراوان بلون الدم و انفعالها على قدر شكله المخيف الا انه يحمل عمقا لم تحلم به يوما ....
فبكت مغمضة عينيها رغم عنها و هي ترخي سيطرتها أخيرا ....
مد يداه يريد الإمساك بها الا انه عاد و تراجع ليستدير عنها وهو يرفع راسه عاليا ... ينظر الى السماء الداكنة الواسعة لا يضيئها سوى النجوم البعيدة الشاحبة ....
ثم همس بتعب
( يالله ....... أتعبتني معكِ تيمائي ...... )
نظرت الى ظهره المتصلب و ارتجفت بشدة و هي تدرك هول الخطوة التي ستقدم عليها بكل غباء و تهور ....
لكنها كانت أضعف من الرفض ..... أضعف من الإبتعاد عنه للمرة الثانية دون أن تسلخ جزءا آخر من روحها ....
و هي قد تألمت بما يكفي في حياتها و تريد بعض الراحة ......
قال قاصي قاطعا الصمت المهيب بينهما ....
(غدا في الصباح الباكر ستتجهين الى محطة القطار سأكون في انتظارك هناك ....
لقد اعددت كل شيء .... و خلال ساعات بعدها سنتزوج ..... )
رفعت يدها تلامس وجنتها الحارة على الرغم من الرجفة التي تكتنفها .....
ياللهي !!! ..... و كأنه الزمن يعيد نفسه !!! ....
و لولا أنها ترفض التشاؤم لكانت أرجعت خوفها الى تطابق الاحداث .....
قالت تيماء بصوتٍ مرتجف
( لكن جدي ........ أنا لا أريد أن أحط من قدره بهذا الشكل , عليك اقناعه أولا .... )
استدار اليها قاصي بسرعة وهو ينظر اليها مذهولا غاضبا ... ليقول بقوة
( لن أجازف مجددا يا تيماء ...... لن أحيا العذاب الذي عشته من قبل ..... سنتزوج ثم أتكفل بمواجهته ... )
هزت تيماء رأسها و هي تقول بحدة بينما قلبها يخفق بجنون و خوف من سرعة ما تمر به
( أنا لن أفعل به ذلك يا قاصي ....... قد أرفض قراراته , لكن ليس بتلك الطريقة ..... أنا لم اعد في الثامنة عشر .... لقد اصبحت مسؤولة عن نتائج تصرفاتي و عواقبها وهو لا يستحق ذلك مني ..... )
اندفع اليها بقوة فتراجعت أكثر حتى كادت أن تتعثر في حجرٍ ناتيء الا انها تماسكت و وقفت ثابته و هي تمنعه من التقدم هامسة بارتجاف
( هذا هو شرطي يا قاصي ..... أن تقنع جدي و تخطبني منه علنا أمام الجميع .... و أكون مرفوعة الرأس أمام سالم الرافعي تحديدا .... )
نظر اليها بغضب الا أنها تابعت تتحداه بصوت مرتجف
( الا أستحق ذلك ؟!! ........... )
ضاقت عيناه عليها و ترمي اليه التحدي الصعب , فقال بصوتٍ جامد صلب
( تعلمين أنكِ تستحقين .... لكن بنسبة أكبر سأفشل في اقناعه , فماذا ستفعلين حينها ؟!! ...... )
نظرت الى عينيه طويلا ثم قالت بهدوء خافت
( سأخبرك ماذا سأفعل ..... لن يجبرني أحد مطلقا على الزواج بمن لا أريد .... هل هذا كافي لإقناعك ؟؟ .... )
هتف قاصي بعنف
( أنا خائف عليكِ ......... )
ابتسمت تيماء و هتفت بقوة مماثلة
( و أنا كنت خائفة حين وصلت الى هنا بعد كل تلك السنوات .... بل كنت مرتعبة و لم أتجرأ حتى على النظر اليك دون أن أشعر بالمزيد من الرعب من أن أكون مراقبة .... لكن الآن بدأت أشعر أنهم لا يخيفونني ....
و انني قادرة على مواجهتهم دون الهرب ..... الهرب قد يؤذيني أكثر .... لدي عمل و حياة أنوي التمسك بها و انا لن أتنازل عنهما مجددا ..... )
بهت وجه قاصي قليلا وهو يستمع اليها .... و للمرة الأولى شعر بأنها قد كبرت بالفعل .....
تملي شروطها و تخبره بما لن تتخلى عنه في حياتها ......
احساس التملك لديه اصابته بجديتها و صرامة شرطها .......
لو كان الأمر بيده لقيدها و رماها في تلك اللحظة و ألقى بها في المقعد الخلفي ليسافر بها بعيدا .....
لكنها تيماء ... تلك الأرض المهلكة , لا ينجو منها الا من تزدهر له ....
أما من يخطو أرضها القاحلة فهو هالك لا محالة ,......
حين تكلم أخيرا قال بصوتٍ خافت ... صلب و صارم .... و الغضب يلوح بنبراته
( اذن سأطلب يدك من جدك غدا ..... لكن اعلمي يا تيماء أنها ما هي الا شكليات فلو رفض كما أنا متوقع تماما , فسوف أخطفك و أهرب بك و لو غصب عن ارادتك .... )
ارتجفت من تهديده و هي تعلم أنه جاد تماما .... الا أنها ابتلعت خوفها و اومأت برأسها بتردد ....
فقال عابسا بشدة
( تبدين غير واثقة .......... )
هل يتوقع أن تصرخ موافقة بكل ثقة بعد كل تلك السنوات ؟!!
كم هو مغرور !! ,.,......
الا يدرك انها مقدمة على كارثة ..... كارثة بكل معنى الكلمة بعد أن حكمت قلبها فوق عقلها .....
تدرك كم هما مختلفان ... و كم هو رجل يعاني الكثير و هي لا تخلو من الأكثر .....
قالت تيماء بصوت مرتجف
( كل منا يعاني الكثير يا قاصي ..... كل منا يحمل ندوبا غير قابلة للتجميل , فهل تدرك العواقب جيدا ؟؟ .....)
نظر اليها طويلا و صوت الريح يعلو بينهما بصفير خافت و يطير عبائتها السوداء الحريرية ....
ثم قال أخيرا بصوتٍ مهدد
( أدرك جيدا معاناة خمس سنوات من الفراق ....... فهل ستستطيعين متابعة تلك المعاناة ؟!! ..... )
تنهدت تيماء و هي تحصل على الجواب الواضح داخلها قبل أن تنطق به .... لكن و ما ان فغرت شفتيها كي ترد حتى أسكتها صوت اطلاق عدة أعيرة نارية ليست بعيدة ......
انتفضت تيماء و هي تهتف مفزوعة .....
( ماهذا ؟!! .......... )
نظرت الى قاصي الذي كان قد أجفل أيضا من الصوت وهو ينظر الى البعيد بنظراتٍ قلقة ....
فقالت تيماء حين لم تسمع رده
( ربما كانت طلقات الزفاف ........ )
لم ترتاح ملامح قاصي .... بل ظل ينظر الى نفس الإتجاه بعينين غير مطمئنتين ثم قال اخيرا
( لا ..... الصوت آتٍ من الناحية الشرقية ..... أما الزفاف فعلى الناحية المقابلة .... و لن نسمع صوت طلقاته من هنا ..... )
شعرت بخوفها يتضاعف و كتفت ذراعيها و هي تدلكهما بكفيها .... لكن قاصي آمرا بقوة
( ادخلي الى السيارة حالا و اخفضي رأسك ........ )
لم تجادله و جلست في المقعد الخلفي بينما انطلق بالسيارة وهو يعود بها ......
قالت تيماء بخوف و هي مخفضة رأسها
( لا تتحرى عما حدث يا قاصي ..... لا تذهب الى مكان اطلاق الأعيرة النارية ..... )
ابتسم قاصي و عيناه على الطريق الترابي , ثم قال اخيرا بنبرةٍ تتوهج
( هل أنتِ خائفة عليّ ؟!! ........ )
اسبلت جفنيها دون ان ترد .... و شعرت ان دقات قلبها تتسارع بعنفٍ كبير ... فتابع قاصي يقول بخشونة
( ألن تغيري شرطك فتصبحين زوجتي غدا ؟؟ ........ )
لكم تتمنى هذا .... على الرغم من الرعب الهائج بها الا أنها تتمنى ان تصبح له و يصبح لها بالفعل ....
لكنها همست بقنوط
( لا ....... لن أغير شرطي مطلقا ..... )
زفر قاصي زفرة مثقلة وهو يقول بغضب
( في الغد او بعد غد ..... او بعد شهر ..... ستكونين لي يا تيماء و سأرتوي من نبع جمالك بما يعوضني عن فراق السنين .... و لن اكتفي ..... )
كانت عيناها متسعتين .... براقتين كنجومٍ من الفيروز الطبيعي ... تطالعان السماء الداكنة و هي شاردة في كلماته العنيفة ..... و مدى سحرها ....
تاركة لوم عقلها للغد ......
.................................................. .................................................. ...................
دخلت ميسرة الى غرفة نومها و هي تلقي بعبائتها ووشاحها ارضا بغضب ....
دون ان تتكلف عناء رفعهما ....
كانت في حالة من الحقد الأسود ...... حقد لا يهدأ أبدا مهما نجح مسعاها ....
لقد رأتهما بعينيها ....
رأتهما يتحدثان .... لقد خرجت الساحرة اليه تناديه بنفسها ......
ووقفا معا وحدهما يتحدثان دون اي اعتبار لمكانتها ووجودها .......
و منذ أن استقلت معه السيارة و مع اخته التافهة هريرة وهو يبدو شارد الذهن ... لا ينظر اليها و لا ينطق بكلمة .....
و كي تزداد نيرانها اندلاعا ...... فقد نادته هريرة عند مدخل البيت تريد محادثته على انفراد ...
في اشارة واضحة لها كي تبتعد !! ....
صرخت ميسرة بعنف و هي تضرب احدى زجاجات عطرها الكثيف المسكر ... فسقطت ارضا و تصاعدت الرائحة الخانقة في كل مكان .... لكنها لم تهتم و هي تهتف بغليانٍ ناري
( اللعنة عليكِ يا فاجرة ...... اللعنة عليكِ و على سحرك الذي تسلطينه على الجميع ....... )
سقطت جالسة على سريرها و هي تقضم أظافرها الحمراء بكل غل .... بينما عيناها تبرقان بنيرانٍ من الحقد الاعمى .....
لقد حضرت لها كل الأعمال و السحر الذي بيعدها و يشل اغوائها .....
لكنها تعلو و تعلو و كأنها تستمد طاقة من السحر الموجه ضدها ..... فتحوله الى سحرٍ مغوي خاص بها ....
ترى ما الذي قالاه من خلف ظهرها ؟!! ....
لم تتمكن من سماع كلمة واحدة من أي منهما و هي تنظر عبر النافذة المزينة الخشبية لقاعة النساء و التي أطلت منها ما ان خرجت سوار من القاعة ....
و كما توقعت كان ليث واقفا .... ينتظرها ؟!!! ......
ترى هل تواعدا على اللقاء في هذا المكان ؟!! ..... لكن هذا معناه أنهما يتواصلان في الخفاء !! ....
نهضت ميسرة من مكانها قافزة بجنون و هي تصرخ
( اللعنة عليكِ ...... فاجرة ..... فاجرة ........ )
انفتح باب الغرفة فجأة بعنف حتى أنه ضرب في الحائط المجاور مصدرا صوتا عاليا ...
فاستدارت تنظر الى ليث الذي كان واقفا في اطار الباب و عينيه تقدحان شررا ... و بدت ملامحه غاضبة بشكل لم تراه به من قبل ....
ارتجفت قليلا و هي تتراجع للخلف قائلة بتوتر
( ماذا ..... ماذا بك ؟!! ........ )
لم يرد عليها ليث على الفور ... بل اقترب منها ببطىء و عيناه تنظران اليها بنظراتٍ مخيفة .... أرعبتها ...
الى أن قال أخيرا بصوتٍ مهدد خافت
( من كنتِ تقصدين بالفاجرة للتو ؟!! ........ )
ابتلعت ريقها بخوف الا أنها قالت كاذبة بتحدي ....
( احدى الخادمات في الزفاف .... كانت تتعمد اغواء كل من تقع عيناها عليه من رجال ..... )
أزكمته رائحة العطر الثقيل المنتشرة في الغرفة .... و نظر الى القارورة المحطمة أرضا ... و قد أشعرته بالغثيان من شدة ما اقترنت بنظرات الحقد الأعمى بعيني ميسرة ....
لكنه نظر اليها و قال بصوتٍ خطير
( كل هذا الغضب الأعمى من أجل ..... خادمة !! ..... )
تحدت نظراته بعينيها السوداوين المتسعتين ببريقٍ حاقد .... لتقول بصوتٍ متشنج
( تعرفني جيدا ..... لا أحب تلك التصرفات المغوية و التي تدل على تربية وضيعة .... و أصلٍ مدنس .... )
ضاقت عينا ليث وهو يكاد أن يحطم المكان من حولها و لم يترك نفسه طويلا ...
فتحرك تجاهها و دون أن تلمحه كانت يده قد ارتفعت و سقطت على وجنتها لتلطمها دون مقدمات !! ...
شهقت ميسرة بذعر و هي ترفع يدها لتلامس وجنتها الحمراء ... ناظرة الى وجه ليث المجنون من شدة الغضب و هتفت بجنون
( هل جننت ؟!! ... كيف تتجرأ و تمد يدك علي مجددا ؟!! ..... أقسم أنني لن أتراجع هذه المرة عن جمع كبار العائلة كلهم و فضحك أمامهم .... ليعلموا جيدا حقيقة كبيرهم الهمجي ..... )
أطبقت يده على مقدمة فستانها يجذبها اليه دون هوادة , حتى انقطعت احدى قلاداتها الذهبية و سقطت أرضا الا انه لم يبالي بها ....
بل كان ينظر الى عيني ميسرة المشتعلتين غضبا و ذعرا .... ثم قال بصوتٍ باتر كحد السيف
( كيف تجرأت على نطق تلك القذارة عن سوار أمام الجميع ؟!! ....... )
فغرت شفتيها بذعر ... ثم لم تلبث أن هتفت بجنون و هي تداري ذعرها
( الآآآن فهمت ..... أختك المصون أتتك جريا كي تشي بي و أنت يا محترم لم تتأخر لحظة بعد سماعها في ضرب زوجتك ..... )
لم يتأثر ليث لكلامها الحاقد .... بل على العكس .... جذبها اليه اكثر وهو يهدر مشددا على كل حرف
( اخرسي ..... و لكِ الجرأة على التحدي بعد فعلتك السوداء تلك ؟!! .... زوجتي أنا , زوجة ليث الهلالي تقف أمام النساء لتشهر بسمعة ابنة عمته دون خجل أو ضمير ..... )
صرخت ميسرة بجنون
( كل ذلك لأنني أخطأت في اسم زوجها ؟!! ..... و ما أدراني انا بتلك العائلة الفاسدة كي أتذكر من تزوجت و من اغوت ...... )
جن جنون ليث و هو يسمع المزيد و المزيد من الخوض في عرض عمته و ابنتها .... فدفعها عنه بكل قوته حتى سقطت أرضا كي لا يتهور و يصيبها هذه المرة ....
لكنه أطل عليها هادرا بصوتٍ زلزل الجدران ....
( اخرسي و امنعي سفالتك عن البشر .... الا تخجلين من نفسك و أنت تدعين الكذب بتلك الطريقة المروعة ؟!! ... أراهن أنكِ تعرفين ما تنطق به سوار في بيتها كل يوم .... لا مجرد اسم زوجها ..... ثم أنني لا أتحدث عن خطأك في اسم زوجها و الذي بدا مفضوحا لدرجة السذاجة .... انما اقصد ما همست به في أذنها و انت تظنين ان لا أحد يسمعك .... أو تظنين .... فأنا لم أعد أستبعد عنكِ شيئا .... )
صرخت ميسرة و هي واقعة أرضا بجنون
( إنها أختك .... أختك الوضيعة ال ..... )
انحنى اليها فجأة و أمسك بخصلات شعرها حتى شهقت ألما فصمتت و ابتلعت الباقي من شتائمها ,.. بينما قال ليث بصوتٍ مهدد هادر
( كلمة أخرى عن هريرة و سألقي عليك يمين الطلاق .... ثلاثا ..... )
اتسعت عينا ميسرة أكثر و اكثر بذعر و هي ترى الحقيقية في عينيه و كأنه يتمناها ..... لكنها لن تمنحه الفرصة مطلقا ....
لذا أخذت نفسا مرتجفا ثم قالت بصوتٍ متشنج متأوه من جذب أصابعه لشعرها
( لم يسمعني أحد .......... كانت مجرد كلمات همست بها من ضيقي ... )
هدر بها ليث بغضب جامح
( هريرة سمعتك ... و ابنة عمها سمعت كذلك والله أعلم من سمع أيضا ...... كيف تتجرأين على فضح ما حدث داخل بيتي أمام الجميع و التشهير بابنة عمي علنا ..... كيف ... )
صرخت ميسرة بعنف و هي تحاول دفعه عنها دون جدوى
( أنا لم اكذب .... هذا ما حدث و أنا لا أريده أن يتكرر في بيتي مجددا , فلتبعد رجالها عن بيتي ..... )
اتسعت عينا ليث فرفع يده ليصفعها مجددا و الغضب يغشاه كالأعمى ....
حينها أغمضت ميسرة عينيها و هي صرخ بقوة متوقعة نزول الصفعة على وجهها في أي لحظة ....
الا ان يده بقت معلقة في الهواء وهو ينظر اليها قبل ان يدفعها عنه باشمئزاز ...
هامسا من عمق أعماقه الهادرة بتنهيدة محترقة
( استغفر الله العظيم ....... أنتِ حقا حالة ميؤوس منها ...... )
نهض واقفا ليلتقط أنفاسه الهادرة .... ثم لم يلبث أن قال بصوتٍ يحترق
( لم أشعر يوما بالخزي كما أشعر به حاليا .... و زوجتي تخرج أسرارا من بيتي لتشهر بأحد أفراد عائلتي ...... و على مسمع من الجميع .... )
نظرت اليه ميسرة بغل و هي تقول هاتفة
( ألم تشعر بالخزي و أنت تقف مع امرأة متزوجة .... بينما زوجها قرير العين وهو يرى الرجال يتهافتون لنيل رضا زوجته المصون ..... )
اندفع ملتفتا اليها و قد زادته جنونا فوق جنون .... فانحنى اليها ليجذبها من الأرض حتى وقفت على قدميها ليهزها بعنف هادرا بها
( أتتمنين الضرب ؟!! ..... صدقا أخبريني , أتتمنينه و هذا ما يجعلك تنطقين بكل هذا الكم من قمامة المتناثرة من فمك ؟!! ...... )
صرخت ميسرة به بجنون دون مراعاة لأنها قد استفزته الى الأحد الأقصى و الأخطر ...
( أنا رأيتكما ..... و سمعتكما ....... )
هدر بها وهو يهزها
( طالما سمعتِنا كالمتلصصين و أدركتِ أننا لم نقل ما يخجلنا لماذا تتفوهين بتلك المعاني القذرة ؟!! .... )
صرخت به كي توقعه في الفخ بسذاجة
( بل سمعت كل كلمة و عرفت بمواعدتكما في هذا المكان من وراء زوجها الساذج .... )
لم يتمالك نفسه هذه المرة فصفعها مجددا .... حينها أخذت تضربه بجنون أعمى وهو يتفادى ضرباتها ليبعدها عنه الى أن رماها على السرير .... و قيد معصميها بينما هي تلهث و تصرخ في حالةٍ هياج عاصف ...
الى ان صرخ بها ليث هادرا
( أصمتي حالا ...... اخرسي ...... )
أخذت تلهث وهي تصمت ناظرة اليه بعينين حاقدتين شديدتي السواد ..... بينما كان ليث يبادلها النظر بجنون من الكره لكل ما تفعل و تنطق حتى بات ينفر منها ....
و ما أن تاكد من سكوتها تماما .... حتى هدر بها بكل وضوح كي تستوعب ما يقول
( اسمعيني جيدا لأنني لن أكرر ما سأقول ..... ستذهبين اليها و تعتذرين منها ....... )
فغرت شفتيها على أقصى اتساع و هي تشهق بصوتٍ مقيت .... قبل أن تصرخ بهياج الثيران
( على جثتي ...... على جثتي يا ليث لن يحدث ...... أقسم أن ..... )
لكنها لم تقسم فقد صرخ مقاطعا قسمها قبل أن تقسم به .....
( و إن لم تفعلي فسأطلقك و سأكون ممتنا للفرصة ........ )
بهت وجهها و سكنت مكانها و هي تنظر اليه بصمت .... تتنفس بصعوبة و اختناق , لكن العجيب أنها لم تذرف دمعة واحدة ....
لم تستثر عطفه بدمعة تجعله يندم ولو للحظة .... فنظرات عينيها في تلك اللحظة كانت كريهة لدرجة تخيف
ثم قالت أخيرا بصوتٍ بارد كالجليد
( أتفعل هذا بي ؟!! ...... بعد هذه العشرة ؟!! ..... )
قال بكل وضوح
( نعم و دون ذرة ندم طالما لا تحترمين حرمة بيت أو عرض أو حتى تحترمين كلمتي .... بالله عليكِ على ماذا أبقيتِ كي أندم ؟!! .... )
أخذت تلهث بعنف و هي تنظر اليه .... ثم قالت بصوت أجوف
( لن أقول ما قلت .... لكن لن أذهب لأعتذر اليها .... لا يمكنك أن تكون قاسيا الى هذا الحد !! .... )
قال ليث بغضب هادر
( لو كان كلامك المخزي قد اقتصر عليه سمعي أنا فقط لكنت تغاضيت عن اعتذارك لها .... لكنك فعلت فعلتك على مسمع من الجميع .... لذا ستعتذرين اليها و بعدها سنترك هذه البلد و نغادر كي لا يكون لديك أي دافع للشك في الوساوس التي تتلاعب برأسك الأحمق ..... )
هتفت ميسرة بترجي متوسلة
( لا تجبرني على ذلك يا ليث .... أرجوك .... أرجوك أنت تقتلني .... ستكسر روحي و تذلني ... لا تفعل )
ترك ذراعيها بعنف وهو يجلس على حافة السرير.. يفك الزرين العلويين من قميصه و قد بدأ يشعر بضيق في النفس من شدة الغضب المحيطة به ....
و ما أن تمكن من التقاط أنفاسه حتى قال اخيرا بصوت بارد كالجليد
( ستفعلين يا ميسرة ..... لم تتركي لي حلا آخر ..... انت امرأة يجب ايقافها عند حدها كي لا تتمادى في أذية الآخرين .... )
لم يكن واعيا الى النظرات الشريرة التي ترمقه بها وهو يوليها ظهره ....
الا أنها استقامت نصف جالسة في السرير خلفه .... ثم اقتربت منه الى أن أحاطته بذراعيها من الخلف فتشنج نفورا على الفور ...
الا أنها لم تيأس .... بل همست بصوتٍ ساحر في أذنه
( لا تجبرني على ذلك أرجوك ...... آنا آسفة ..... )
استطالت قليلا لتقبل عنقه هامسة مجددا
( آسفة ....... )
بينما أخذت أصابعها تكمل فتح أزرار قميصه و تتلمس صدره القوى و هي تهمس بصوت أكثر خفوتا
مقبلة كتفه
( آسفة ............ )
أغمض ليث عينيه وهو يزفر بضيق ... شاعرا بغضبه يتحول الى غيمة من الرماد تملأ رئتيه فتعيقه عن التنفس ... و ما ان شعر بعدم القدرة على التحمل أكثر .... دفعها عنه ليقول بغضب
( ابتعدي ........ )
و دون المزيد من الكلام خرج من الغرفة وهو يشعر بحاجة شديدة لاستنشاق هواءا باردا ...
كي يبعد عنه رائحة العطر المهدور أرضا ... و استجدائها العقيم .....
بقت ميسرة جالسة مكانها و هي تنظر الى الباب المفتوح حيث خرج .... بنظراتٍ شبيهة بنظرات الأفاعي ...
و هي تهمس
( لا شيء يفلح أمامك يا بنت وهدة ...... لكن حتى لو وصلت الى أسفل سافلين الأرض و ما تحتها سأحرق قلبك بجني يقترن بكِ و لا يتركك لرجلٍ أبدا ..... )
خرج ليث في تلك اللحظات الى سطح الدار ... وهو يمسك بالسور الرخامي ... ناظرا الى الأراضي المترامية حتى الجبل ....
تلك الليلة بكل ما حملته كانت أكبر من السيطرة الواهية التي يفرضها فرضا على قلبه .....
مرآى سوار الليلة .... و عتابها له ....
جعل قلبه يسقط صريع هواها من جديد ......
لقد أحبها مجددا ....من نظرةٍ واحدة ......
أغمض عينيه وهو يهمس بصوتٍ أجش
( لماذا يا سوار العسل ؟!! ..... لماذا نبشتِ قبورا أغلقتها على حبٍ دفنته منذ سنوات بتلك البساطة ؟.... )
أخذ نفسا عميقا وهو يهمس بعذاب
( استغفر الله ...... استغفر الله .......... )
فتح عينيه فجأة على صوت اطلاق أعيرة نارية ..... آتية من الجهة الشرقية للبلد .....
كان صوتا عاليا زاد من عواء الكلاب و صهيل الخيل ,.......
فعقد ليث حاجبيه وهو يشعر بشيء غير مريح !! ....
فهمس بتعب
( يالله .... فلتنتهي تلك الليلة على خير ........ )
.................................................. .................................................. ...................
أدرك أن الامر غير مريح ما أن وجد الجمع و الهتاف .....
لقد سقط أحدهم مصابا .... أو قتيلا .....
لم يكن صوت اطلاق الأعيرة النارية طبيعيا كما توقع تماما ........
فما أن أوصل تيماء الى دار الرافعية حتى شعر بشيء ما يجذبه الى مكان اطلاق النار ..... لذا عاد الى سيارته التي كان قد تعمد اتلافها على نحوٍ بسيط .... فاستطاع عبد الكريم احضار من ساعده على اصلاح هذا العطل ....
و انطلق بها عائدا الى جهة اطلاق النار بذلك الدافع الغريب المقبض ....
و كما توقع كان هناك هتافا من بعيد و رجالا يركضون هلعا ....
لم يكن الأمر هينا أبدا .....
و ما أن أوقف السيارة حتى خرج منها و سار ببطىء و كأنه يحاول تجنب معرفة ما حدث ....
اخترق الجموع التي كانت تضرب كفا على كف .... يطلقون الشهادتين و على وجوهم علامات الفزع ....
الى أن سمع الأسم بذهول
" سليم الرافعي ....... "
حينها لم يتمالك قاصي نفسه من دفع الجميع بهمجية وهو يقترب من الجسد المسجى أرضا ... مغطا بغطاء أبيض تخضب بدماء حمراء ....
ما أن نظر اليه حتى امتقع وجهه و شعر بصدره يتوقف عن التنفس ....
فجثا على ركبتيه بعينين متسعتين ذهولا دون أن ترمشا ... و سحب الغطاء عن الجسد الملقى ارضا ببطىء ...
الى أن رآى وجهه .....
نعم لقد كان سليم .... نفس الوجه الابيض المنير بنورٍ هادىء يدخل الى القلب و يريح الروح ......
كانت ملامحه مرتاحة ... و كأنه نائم فقط لا غير , بينما الدم يغرق صدره .....
رفع قاصي يديه الى خصلات شعره بعنف وهو يستقيم واقفا ... متراجعا للخلف وهو غير قادرا عن ابعاد نظره عن جسد سليم ووجهه ...
الى أن ارتطم بأحدهم و الذي صرخ بقوة
( ماذا حدث يا قاصي ؟!! ...... من هو ؟؟ ..... )
استدار قاصي لينظر الى ليث الذي أقبل بكل ما أوتي من سرعة ما أن سمع بخبر وجود قتيل و شجار مع أحد أبناء عائلة الهلالي .....
هز قاصي رأسه غير واعيا ... فشحب وجه ليث وهو يهدر بقوة
( تكلم بالله عليك ........ )
فتح قاصي فمه و همس و كأنه يكلم نفسه
( سليم !!! ......... )
شحب وجه ليث ... و تسمر مكانه قبل ان يندفع بين جموع الرجال وهو يهتف بقوة
( لا اله الا الله ..... لا اله الا الله ....... )
و ما أن انحنى الى جسد سليم حتى همس باخنتاق و ذهول
( سليم ...... .... ياللهي ..... )
مد يده يلامس الوجه البارد .... قبل ان يهمس بصوت مرتاع مختنق
( كنت تعلم .... كنت تعلم يا صديقي ...... لا اله الا الله ..... )
و دون أن يدري كانت عيناه تغرقان بدموعٍ على رجلٍ من أنقى من عرفهم .....
أما قاصي فكان ينظر الى ما يحدث بجسدٍ من فصل عن العالم المحيط به .....
قبل ان يعود الى سيارته و ينطلق بها بأقصى سرعته ....
كان يقود كالمجنون و عيناه ثابتتان على الطريق ....
لا يعلم الى اين هو ذاهب .... لا يدرك أنه يقود السيارة اصلا ....
لم يكن في اذنه سوى صوت سليم المتسامح وهو يقول له
" اعتني بنفسك يا قاصي و تصالح معها .... هون عليها و ترفق بها .... دع عنك الألم و الكره فلن تجني منهما سوى المزيد من الشقاء ..... "
" خذ من الحياة ما يمنحك الله بحلاله .... و تمتع به و انسى الماضي .... لا يملك القلوب الا رب العالمين فترفق بقلبك و لا تسرف في اثقاله بمرارة الإنتقام .... "
داس قاصي بقدمه أكثر وهو يزيد من سرعة السيارة بكل جنون ....
وصورة سليم أمامه ... وهو يضحك ضحكته الوضاءة ليعانقه كلما رآه .... و كأنه الأخ الوحيد الذي عرفه في هذه الحياة ...
لم يدرك قاصي الى أين يتجه ... الى ان وجد نفسه عائدا الى نفس المكان الذي كان واقفا فيه مع تيماء ...
أوقف السيارة و خرج منها دون أن يطفىء المحرك ....
خرج متعثرا حتى كاد أن يقع أرضا الا أنه استقام بترنح وهو يدور حول نفسه لينظر الى الفضاء الأسود من حوله بذهول ...
و خلال لحظة كان يصرخ صرخة متوحشة باعلى صوته ......
فاردا ذراعيه ... يصرخ و يصرخ ....
حتى سقط على كبتيه .... منهزما .... مسقطا رأسه و دموعه ... فقد راح الجانب الأبيض منه , و لم يتبقى سوى القاتم فقط ....
.................................................. .................................................. .....................
أنتهى من اعطاء أمه الدواء .....
و قال سريعا محاولا الهرب
( أتحتاجين شيئا آخر حبيبتي ؟؟ ....... )
تركت أمه كوب الماء فسارع ليضعه منها على الطاولة بجانبها ..... الا أنها امسكت بيده قبل أن يهرب و هتفت بلهفة
( الى أين أنت ذاهب ...لقد بقيت صامتا في السيارة ترفض الكلام و الآن تريد الهرب مني بهذه السرعة ؟!! )
تنهد أمجد قبل أن يقول مستسلما وهو يجلس على حافة سرير أمه دون أن يترك كفها ...
( و لماذا أهرب منكِ حبيبتي ؟ ..... تفضلي احكي ما تشائين .... )
عقدت حاجبيها و قالت باستياء
( لا تتلاعب بي يا ولد ..... هل أنا من تحكي أم أنت ؟!! .... هيا أطفىء نار لهفتي ... تكلم ... )
ضحك أمجد وهو يهز رأسه يأسا .... قبل أن يقول بهدوء
( ما الذي يثير لهفتك .... أسألي و انا أجيب ..... )
قالت أمه بلهفة و هي تتشبث بكفه كي لا يهرب منها
( ما رأيك في العروس ؟؟ ........ هل واقفت عليها ؟!! ..... )
ضحك أمجد بخفوت , ثم قال بجدية و اتزان
( أتعلمين أنكما أنت و ابنة أختك المصون قد وضعتماني في موقف لا أحسد عليه .... بالله عليك يا أمي كيف وافقت على هذا الامر و اخفيته عني ؟!! ...كنت تعلمين أن مسك تعمل معي في نفس الشركة ... اليس كذلك ؟!! ... )
ظهرت معالم الشعور بالذنب على وجه والدته الطفولي السمين ... و قالت بتردد
( نعم ..... أعرف , لكن ظننا أنه لو تم الأمر بالصدفة ..... فسيجعلك هذا تراها بعين مختلفة .... وفاء تكاد تطير بهذه الشابة تحديدا ... تحكي عنها اشعارا ..... في جمالها و أخلاقها ..... )
زفر أمجد بضيق و هو يسمع كلام أمه البريء ... لكنه فضل تأجيل رأيه الى أن يستدرجها في الكلام ... فقال بصرامة
( أما ابنة أختك تلك فلها معي حساب آخر ........ كيف سأحافظ على هيبتي أمام موظفة معي في العمل بعد ما حدث ؟!! ..... )
شدت أمه على كفه و هي تهتف مترجية
( بالله عليك يا امجد يا ولدي لا تعنف المسكينة وفاء .... فلديها ما يكفيها من عناء مع مرض طفلتها و ذلك هو السبب الرئيسي في تمسكها بالعروس .... لأنها ساعدتها و قدمت لها توصية في علاج طفلتها .... )
عقد أمجد حاجبيه قليلا ثم قال
( و هل من تقدم خدمة لوفاء ترشحها كعروس لي ؟!! ....... الهذه الدرجة أصبحت يائسا في الاختيار ؟!! ..... انا لا زال وسيما ... رياضيا .... خلاب الإبتسامة ....و لدي سيارة تفرح القلب ... . )
ضحكت أمه و هي تقول
( أنت زين الشباب يا حبيبي و اكثر .... و هل هناك من يماثلك ؟!! ... الآن توقف عن مدح نفسك فأنت تعيش معي أكثر من ستة و ثلاثين عاما و قد سئمت منك بصراحة ... كلمنى عن العروس ... ما رأيك بها .... و هل تعرف عائلتها ؟!! ..... )
تنهد أمجد وهو يقول
( عائلتها معروفة و والدها من المؤسسين المشاركين في الشركة ...... )
ابتسمت والدته و هي تقول
( ممتاز ..... و هل هم أناس محترمين ؟!! ........ )
قال أمجد مستسلما
( لا يوجد تعامل شخصي بيني و بين والدها .... الا أنني لم أسمع عنه ما يشين .... )
قالت أمه مستبشرة
( عظيم ..... عظيم ......الآن كلمني عنها هي ..... اوصفها لي ..... )
ضحك أمجد بخفوت ثم قال يعاملها كما يعامل طفلته ...
( حسنا أبتعدي قليلا كي أستلقي بجوارك ...... )
ابتعدت امه بلهفة .... فتراجع الى ان استلقى نصف جالسا بجوارها ... واضعا ذراعه تحت رأسه وهو يحدق في السقف قائلا بلهجة لطيفة زائفة وهو يمثل الدور
( من أين نبدأ ؟!! ...... أولا هي شديدة الغرور ..... وفظة اللسان الى حدٍ لا يطاق .... )
عبست أمه بشدة و خيبة الأمل ترتسم على وجهها .... لكنها ضربته على ظاهر يده و هي تقول
( حسنا .... حسنا .... لنتغاضى عن الجانب المعنوي حاليا ....صف لي شكلها .... كيف تبدو ؟!! ... هل هي جميلة ؟!! ..... )
شرد أمجد قليلا و قال متنازلا
( لا بأس بها ...... مقبولة ...... )
عقدت أمه حاجبيها و قالت
( فقط مقبولة ؟!! ........ وفاء تقول أنها جميلة جدا .... )
قال أمجد مستاءا ناظرا الى أمه بطرف عينيه
( من سيتزوجها ؟!! ..... انا أم وفاء ؟!! ...... )
قالت أمه موافقة .... بأسف
( نعم معك حق ... أنت من يجب أن تكون راضيا عن شكلها , إنها المرأة التي ستعيش معك العمر كله .... )
قال أمجد موافقا
( نعم .... يجب أن تكون ذات جودة عالية و شديدة التحمل .... و غير قابلة للكسر ... )
عبست أمه و قالت فجأة
( أنت تسخر مني يا ولد ......... )
ضحك أمجد وهو يضغط بين عينيه باصبعيه .... ثم قال بعفوية
( لا أعلم ماذا أقول بصراحة ...... )
قالت أمه بصرامة
( لا تدعي البراءة أمامي و كأنك لا تنظر الى فتيات مطلقا .... هل تتذكر المرة التي قبضت فيها عليك و أنت تغازل ابنة الجيران قبل أن أفقد بصري ؟!! ...... )
نظر امجد اليها و قال مدافعا
( حدث ذلك منذ خمسة عشر عاما يا أمي !! ........ )
قالت أمه ببراءة
( المهم أنك تمتلك الخبرة في تقييم جمال الفتيات .... الآن صف لي العروس ... ما هو شكل شعرها ؟؟ .... )
قال أمجد غاضبا
( لقد أمسكته و تحسسته يا أمي و قلتِ أنه مثل الحرير ...... )
قالت أمه لهفة
( ما لونه ؟!! ....... )
شرد أمجد بعينيه قليلا وهو يقول كأنه يكلم نفسه
( أسود براق كجناح الغراب ........ )
قالت أمه متفهمة و هي تومىء برأسها ....
( نعم كان هناك غرابا يهاجم الأطفال و يأكل من أواني الزبادي الفخارية التي نضعها في الشمس في بيتنا القديم.... قامت ام محمد باصطياده ذات يوم ... ريشه شديد السواد و لامع فعلا .... )
نظر اليها أمجد و قال
( صورة بديعة يا أمي و مناسبة تماما ......نشكر لكِ المداخلة .... )
قالت أمه تسأله باهتمام ...
( و ماذا عن عينيها ؟!! ........ )
نظر أمجد الى السقف و كأنه في حاجة الى تذكر لون عينيها ... فقال بلامبالاة ...
( اممممم ... عينيها بلون العنبر ... )
ابتسمت أمه و قالت تتخيل منظر العروس بسعادة
( عينيها عنبر و عطرها مسك .... الفتاة قصيدة في حد ذاتها و تخبرني أنها مقبولة ؟!! ..... )
نظر اليها أمجد بطرفي عينيه ثم زفر بضيق وهو يقول
( اصبحتِ ماكرة يا ام أمجد و المكر لا يليق بكِ ....... )
ضحكت أمه و قالت ببرائتها المعهودة
( والله الكلام كلامك و ليس كلامي ....... )
شرد أمجد بتفكيره قليلا قبل أن يقول
( هناك ما لا تعرفينه يا أمي ..... العروس كانت مخطوبة من قبل الى ابن عمها , لكن لم يكتمل النصيب بينهما .... )
قال هذا على امل ان تكون حجة كي تتراجع أمه عن لهفتها على مسك .... الا أنه فوجىء بأمه تقول بخفوت بعد توترها للوهلة الأولى ....
( والله يا ابني .... صحيح أنني لا أبصر , الا أن الوقت القصير الذي قضيته مع الفتاة و رغم فظاظتها الا أن طباعها أخبرتني كم هي حازمة .... و تبدو غير متساهلة , و لو أنها من أسرة محترمة فلا أظن أن موضوع الخطبة السابقة يؤثر عليها بشيء ..... لا أظنها من النوع المتساهل مع خطيبها ابدا ....)
عقد أمجد حاجبيه وهو يشعر بالحوار قد اتخذ منحنى خطر .... فقال بشرود
( ربما ........ لا أعلم الكثير عن خطبتها على أي حال ... )
قالت أمه متلهفة
( حسنا .... لنكمل كلامنا , ماذا عن قوامها ؟ .... كيف يبدو ؟؟ ... )
انتفض أمجد واقفا وهو يقول بحزم
( تصبحين على خير يا أمي ....... )
ارتفع حاجباها و هي تقول بتحسر
( لكن يا أمجد .... لم نكمل كلامنا !! .... انتظر قليلا .... )
الا انه كان قد وصل الى الباب وهو يقول بحزمٍ اكبر
( تصبحين على خير يا امي .... أراكِ صباحا .... )
أغلق الباب خلفه ... ليتنهد بضيق .... ممسكا بمقبض الباب وهو يطرق برأسه قليلا ... مفكرا
" لقد تعشمت أمه أكثر من اللازم ...... و هذا غير سليم أبدا .... "
.................................................. .................................................. .................
كان قد قرر أن ينهي الأمر بأكبر قدر يستطيعه من الأدب ....
الا أنه لم يقرر أبدا أن يجلس خلف مكتبه يتأملها بهذه الدقة !! .....
حسنا هو رجل و هي تبدو جاذبة للنظر بشكل يفقده التركيز ....أما طباعها المغرورة فتفقده أعصابه ....
اليوم حين نظر اليها صباحا ما أن وصلت الى العمل .. وجدها قد عادت مجددا الى الشخصية المتعجرفة التي تعامل الجميع من فوق أنفها الكلاسيكي ...
حتى أنها حيته بمجرد ايماءة باردة و ابتعدت .....
قليلة الذوق .... و عديمة الأدب ....
لكن قليلة الذوق كانت ملفتة للنظر اكثر من اللازم .....
على الرغم من احتشام ملابسها التي لا تظهر منها شيئا .... الا ان شعرها ملفت , و اصابعها الرفيعة ملفتة للنظر جدا !!
هل تدرك ذلك لهذا تتعمد التلاعب بالقلم كثيرا ؟!! ...
تأفف أمجد بصوتٍ عالٍ وهو يكتشف مسار أفكاره منذ أن دخلت الى مكتبه في اجتماع مصغر يشمل كليهما فقط ..
سمعت مسك تأففه فرفعت وجهها تنظر اليه متسائلة ....
الا أنها ارتبكت قليلا و هي تراه متراجعا في مقعده ينظر اليها بتركيز دون أن يظهر شيئا على ملامحه ...
اخفضت وجهها قليلا .. قبل أن تقول مرجعة خصلة من شعرها الحريري الأسود الى خلف اذنها ...
( أعتقد أننا قد انتهينا من اجتماعنا اليوم ...... و على ما يبدو أنك أكثر من متلهف لإنهاءه .... )
رد أمجد بهدوء متباطىء دون عجل
( لو كنت متلهفا لإنهاءه لطلبت منك المغادرة ...... )
اتسعت عيناها و هي تنظر اليه بذهول الا أنه تابع ملطفا طريقة حواره ...
( بكل تهذيب ........ )
ابتسمت مسك بامتعاض و هي تقول ببرود
( نعم .... هذا يشكل فارقا بالفعل ...... )
نهضت من مكانها و هي تلملم أوراقها , قائلة بهدوء دون أن تنظر اليه
( سأنصرف الآن .... شكرا لوقتك ..... )
تحركت خطوتين ... الا أنه قال بهدوء
( مسك ........ )
استدارت تنظر اليه بتساؤل .... متغاضية عن نطقه اسمها مجردا .... فقد ملت من محاربة ذلك الجلف عديم الذوق ....
أشار أمجد الى الكرسي الذي غادرته مجددا وهو يقول بهدوء
( اجلسي رجاءا ..... هناك ما أريد أن أحدثك بشأنه .... )
ارتفع حاجبها الرفيع المستفز ... فزفر أمجد وهو يحاول السيطرة على كل ما يستفزه فيها ....
حتى حاجبها مستفزا ....
الا أنها جلست بهدوء واضعة ساقا فوق أخرى بوقاحة منتظرة أن يتكلم ....
طرق أمجد على سطح المكتب قليلا بشرود قبل أن يرفع وجهه اليها قائلا بتهذيب
( بداية أريد الإعتذار لكِ عن مقابلة الأمس ....... أدرك أن الوضع كان و لا يزال شديد الإحراج بالنسبة لكلينا ..... لكن .... )
رفعت مسك يدها توقفه عن المتابعة و قالت بترفع
( لا داعي للإعتذار ..... صحيح أنني لم أمر بتلك المواقف من قبل الا أنني أعرف جيدا الجملة التي تقال في مثلها .... كل شيء قسمة و نصيب ..... و من المؤكد أنك لو تعرف بأنني أنا العروس المقصودة لما أتيت .... )
ارتبك أمجد قليلا و قال بخفوت
( لم أقصد أن أوصل هذا الإنطباع اليكِ ....... )
قالت مسك بكبرياء و أنفة
( الا أنه وصلني ..... لذا أقدر لك اعتذارك عن عدم اعجاب سيادتك بي و رفضك لي كعروس محتملة .... هلا أبقينا علاقتنا عملية من فضلك .... )
نظر اليها أمجد ليجد نفسه يقول فجأة
( لم أقل أنني رفضتك !! ........ )
ساد صمت غريب بينهما و كل منهما ينظر الى الآخر مجفلا .... قبل أن تقول مسك عاقدة حاجبيها
( عفوا !! ....... لم أفهم !! ...... )
وهو أيضا لم يفهم ما نطق به للتو !! .... ما هذا الغباء الذي يحدث هنا !! .....
لكنه تكلم و انتهى الأمر ... لذا عليه إنهاءه بأكبر قدر من الصراحة .... فقال بهدوء
( ما قصدته أن تلك الأمور من المستحيل أن يتم تقريرها في مقابلة واحدة ........ )
كانت مسك تراقبه بعينيه ضيقتين و شفتين مفتوحتين قليلا ... و حاجبين منعقدين ... ووجهٍ مائل ...
و هي الملامح المثالية لشخص يحاول أن يستوعب ..... ولو كان في وضع آخر لكان ضحك على منظرها الجديد ....
قالت مسك أخيرا ....
( عفوا لم أفهم ..... هل تطلب مني مقابلة أخرى كي تتخذ قرارا ؟!! ....... )
حسنا انه ينزلق دون ارادته ... و لا يعرف كيف يتصرف ..... الا أن شيئا لم يظهر على وجهه البارد وهو يقول بهدوء
( أفضل عبارة " للتعارف أكثر " ..... في حضور والدك طبعا .... )
حسنا لقد ازدادت زاوية فتحة فمها الآن و هي تهمس مكررة
( والدي !!! ........... )
ارتفع حاجبي أمجد قليلا وهو يقول
( أكيد ....... )
ظلت مسك على نفس الملامح حتى ابتسم رغم عنه ....
قالت مسك أخيرا بهدوء بعد أن استجمعت ادراكها ....
( حسنا الأمر معقدا جدا ..... والدي لا يمكن أن ........ )
قاطعها طرق على باب غرفة أمجد .... قبل أن يدخل فرد أمن مستئذنا وهو يقول
( عذرا سيد أمجد .... السيد أشرف زوج السيدة غدير ... سأل عن مكان الآنسة مسك و يريدها في أمر هام لا يحتمل التأجيل ..... )
ساد صمت غريب في الغرفة و أمجد ينظر الى مسك التى بدا و كأنها أجفلت ..... عاقدة حاجبيها ...
قال أمجد أخيرا بصوتٍ لا يحمل أي تعبير
( دعه يدخل بالطبع ....... )
ابتعد فرد الأمن عن الباب و دخل أشرف و عينيه على مسك التي نهضت واقفة لتقول بصلابة
( ما الأمر يا أشرف ؟!! ..... لماذا أتيت الى هنا ؟!! ....... )
أومأ أشرف الى أمجد معتذرا قبل أن يتجه الى مسك حتى وقف أمامها و كان شكله غريبا جدا ... عيناه غائرتين ووجهه شاحب ثم قال بخفوت
( لماذا لا تردين على هاتفك ؟!! .... اتصلت بكِ عشرات المرات ..... )
عقدت حاجبيها وشعرت بالخطر تلقائيا ... لكنها أجابت همسا
( أنا أطفىء الصوت حين أكون في اجتماع ...... ماذا حدث ؟!! .... )
دون مقدمات مد أشرف يديه ليمسك بيدي مسك أمام عيني أمجد اللتين ضاقتا بعنفٍ مفاجىء ....
لكن أشرف لم يلاحظه وهو يقول بخفوت
( يجب أن أصطحبك الى البلد على الفور .... لقد حجزت لنا في أقرب طائرة ...... )
شعرت مسك بالخوف و همست بتداعي
( لماذا ؟!!........ )
تنهد أشرف وهو يضغط كفيها قائلا بخفوت
( البقاء لله .........ابن عمك سليم توفي . )
فغرت مسك شفتيها و شحب وجهها بشدة ... قبل أن تتراجع للخلف و توشك على السقوط ...
نهض أمجد من مقعده مسرعا ... الا أنه تسمر مكانه حين سبقه أشرف وهو يمسك بمسك و يسندها اليه قبل أن يجلسها على الكرسي و يجثو أمامها .... قائلا بقلق
( مسك ..... هل أنتِ بخير ؟؟ .... ردي علي .... )
نظرت اليه مسك بعدم استيعاب و همست مذهولة
( سليم مات ؟!! ........ كيف ؟!! .... لقد .... رأيته منذ اسبوع ... شابا وافر الصحة ..... كيف مات ؟!! ...)
هز أشرف رأسه وهو يقول بخفوت متألم
( لا أملك أي تفاصيل ..... لقد هاتفني والدك و طلب مني اصطحابك للبلد كان منشغلا باجراءات الدفن و غيرها ....ما فهمته أن الامر تعقد ... و طال ....لكن لا أعلم لماذا .....)
همست مسك بارتياع و هي ترفع يدها الى صدرها و كأنها تحادث نفسها
( دفن ....... دفن ,,,,,,,, )
ضغط أشرف كفيها معا وهو يقول بقلق
( مسك ....... هل أنت بخير ؟!! ...... خذي نفسا عميقا ..... )
أخذت نفسا عميقا مرتجفا ... قبل أن تنظر حولها قائلة بخفوت
( سوار ..... يجب أن أكون معها الآن ...... )
نهض أشرف و انهضها معه .... وهو يقول
( هيا بنا ............)
تحركت و هي تترنح محاولة أن تصلب نفسها بمعجزة .... لكن قبل أن تخرج ناداها أمجد قائلا
( مسك ...... )
التفتت مسك تنظر اليه بعينين زائغتين ... فعقد حاجبيه وهو يقول بخفوت
( البقاء لله ........ )
فتحت فمها لترد .... الا انها بدت كمن تهز رأسها نفيا غير مستوعبة بعد .... فأومأ برأسه هامسا
( لا بأس ....... لا تتكلمي الآن ..... )
أطرقت مسك بوجهها بينما سمحت لأشرف أن يسحبها برفق خارج المكتب ....
أما امجد فقد . .... جلس مكانه و بداخله شعور ..... مستاء ..... غير متعاطف عكس المطلوب .....
في الممر خارجا ... تسمرت مكانها و هي ترى المنظر أمامها ....
كان زوجها أشرف يسير مع مسك ممسكا بكفها !!!! .... و مسك تبدو متقبلة لما يحدث تماما .....
لم تدري بنفسها الا و هي تجري اليه هاتفة بقوة و غضب
( أشرف ....... أشرف ...... )
توقف مكانه و التفت اليها دون أن يترك مسك .... فقال بهدوء
( ليس الآن يا غدير رجاءا ..... نحن مسافران الى البلد و قد تأخرنا على موعد الطائرة ... )
نقلت غدير عينيها بينهما بذهول لم يلبث أن تحول الى غضب عارم و هي تهمس من بين أسنانها بشراسة
( أشرف ..... هل تمازحني ؟!! ...... )
زفر أشرف بقوة وهو يقول باستياء
( ابن عمنا توفي يا غدير ....... و يجب أن نلحق بالعزاء في أسرع وقت ..... اذهبي الى البيت اليوم بمفردك و سأهاتفك ما أن أستطيع .... )
لكن ما أن تحرك يجذب مسك معه برفق ....
حتى استعادت غدير وعيها بسرعة و هتفت تدافع عن حقها
( سآتي معكما ........ أنا زوجتك و يجب أن أكون بجوارك ...... )
نظر اليها أشرف نظرة محذرة وهو يقول دون أي تردد
( مستحيل ..... تعرفين جيدا أن وجودك هناك غير مقبول ...... انتظريني هنا رجاءا لقد تأخرنا بالفعل ... )
و أمام عينيها المذهولتين العاصفتين ...... انصرفا .....
تراجعت غدير مترنحة و هي تستند بظهرها الى الجدار من خلفها ..... عيناها جامدتين و صدرها يتنفس نفسا ..... هادرا .... و لسانها يهمس
" عدت بكل قوتك يا مسك ...... حسنا لنرى ...... "
.................................................. .................................................. ....................
جالسة مكانها تنظر الى النساء المتشحات بالسواد يجلسن في دائرة ضخمة ....
ينحن بلحنٍ رتيب .... ما بين العويل و النواح ....
و ما بينها صراخ منغم ....
كانت تلك عاداتهم .....
النوح الملحن .... بصوتٍ كئيب ..... دون تعبير .... دون ألم كالذي يمزق صدرها .....
جلست سوار مكانها رافعة وجهها .....
عيناها حمراوان بلون الدم ... مبللتين قليلا ... لكنها لم تكن تبكي !! ....
بل كانت ملامحها قوية ... و قبضتيها منقبضتين على ذراعي المقعد بقوة ......
ترتدي السواد الا ان وشاح رأسها كان أبيض ......
تراقب الجميع بنفس النظرات الهادرة القوية .... دون بكاء .... لا تقبل بالإنهيار ......
نظراتها غريبة و شديدة البأس .....
الوحيدة التي كانت خائفة عليها هي تيماء ......
كانت تجلس بجوارها تراقبها بقلق .... بعينين دامعتين .....
تمسك بذراعها كي تمدها بالقوة ... على الرغم من ان منظر سوار يا يظهرها تحتاج الى قوة ...
هي نفسها تبدو ككتلة من القوة ...... و هذا ما كان يخيفها عليها ...
ترى هل تعاني من صدمة متأخرة ؟!! ....
لماذا لا تبكي ؟!! .... لا تصرخ ؟!!! ......
أما ذلك النواح الملحن فكاد أن يدمر أعصابها ..... لذا لم تشعر بنفسها الا و هي تترك ذراع سوار و تنهض صارخة فجأة
( كفى ........ كفى .......... )
ساد صمت مريع للحظة .... قبل أن تتعالى الشهقات المستنكرة من حولها ....
الا أن تيماء لم تهتم ..... بل دارت حول نفسها و هي تصرخ بعنف
( ما يحدث هنا يعد حراما ..... كفى نواحا بهذا الرتم العقيم ..... اقرأن في المصاحف و أدعين له لكن توقفن عن هذا العويل .... الا ترين أن زوجته على وشك الإنهيار ؟!! .... )
تعالت الشهقات المستنكرة أكثر و أكثر .....
بينما بقت سوار مكانها تنظر الى تيماء بصمت .... دون أن تصدر صوتا أو تنطق بكلمة ....
حين سكتت تيماء بيأس ... بدأت النساء في النواح مجددا ....
فأغمضت عينيها و هي تهز رأسها بتعب و أعصاب على وشك الإنهيار ....
الى أن قصف صوت سوار فجأة
( كفى ............... )
كان صوتها أمرا .... و كلمتها سيفا .......
فلزم الجميع الصمت دون أن تتجرأ احداهن على اصدار شهقة استنكار واحدة .....
سارعت تيماء تجلس بجوارها و هي تمسك بذراعها مجددا لتهمس بلهفة
( هل أنت بخير يا سوار ؟!! ....... )
التفتت سوار تنظر اليها بصمت قبل أن تقول بصوت صلب قاتم
( أنا بخير .......... )
قالت تيماء بخفوت و ترجي
( ابكي أرجوكِ كي أطمئن عليكِ ......... )
نظرت سوار اليها بصمت .... قبل أن تقول بخفوت جامد ... قوي
( لم يحن أوان البكاء بعد يا تيماء ......... )
عقدت تيماء حاجبيها و همست
( لست أفهم ........ )
لم ترد سوار على الفور .... بل نهضت من مكانها و هي تقول
( ابقي هنا قليلا يا تيماء ...... أحتاج الى الخروج قليلا .... )
راقبتها تيماء و هي تخرج رافعة رأسها ..... بينما نفسها يرتجف و هي تنظر حولها بألم .....
.................................................. .................................................. .................
( سوار ........... )
توقفت مكانها دون حراك و هي تسمع ذلك الصوت من خلفها .....
فقال وهو يقترب منها
( انظري الي رجاءا ........ )
بقت سوار مكانها متسمرة لا تتحرك .... قبل أن تستدير ببطىء كي تنظر اليه .... تواجه عينيه ....
لم تغطي وجهها هذه المرة .... بل وقفت مكانها بملامحها مكشوفة لعينيه المتشربتين لملامحها دون تحفظ ....
تكلم راجح قائلا أخيرا بصوتٍ غريب
( لماذا تنظرين الي بتلك الطريقة ؟!! ..... ماذا تقصدين من نظرتك هذه ؟!! ....اياك أن تظني بأنني .... )
تحركت عيناها على ملامح وجهه ...... تلك الملامح الوسيمة بشدة ..... لكنها وسامة فجة .... و عيناه أكثر فجاجة ....
كتفت سوار ذراعيها متلحفة بالشال حول كتفيها و هي تصعد بعينيها ببطىء الى عينيه ... و استقرتا عليهما ....
ثم قالت أخيرا بصوتٍ غريب ... قوي
( أتمنى ....... أتمنى أن تخيب ظنوني , لأن ثأري لن يخيب ..... )



انتهى الفصل الحادي عشر ... قراءة سعيدة
























tamima nabil غير متواجد حالياً  
التوقيع






رد مع اقتباس