عرض مشاركة واحدة
قديم 13-05-16, 07:53 AM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل (٢٦)

في المستشفى .. قل خيرا أو اصمت!!

"من أصعب الفترات التي مرت علي كانت فترة تنويمي بالمستشفى للولادة.. رغم أنها كان من المفروض أن تكون فترة سعيدة إذ رزقني الله فيها مريم صحيحة معافاة بعد أن شاركتني الداء والدواء خلال أشهر.. إلا أن الطاقم الطبي استطاع أن يكدر تلك الفرحة بغير أن يدري..
في كل يوم تدخل علي وجوه جديده من ممرضات ومساعدات الممرضات والأطباء المناوبين.. كلهم يقرأ ملفي قبل أن يدخل.. ثم يأتي ليسمعني بعض التعليقات التي يطلقونها بكل حسن نية.. " ما أسوء حظك" "هذا كثير عليك جدا.. هذا كم من المصائب كثير جدا على شخص واحد!!" "it sucks" ولا أجد لها ترجمة بالعربية.. "اوه لقد أرضعت طفلك الأول وكان المفروض أن يحميك هذا من سرطان الثدي.. هذا ليس عدلا!!" وعلي أن أكرر عشرات المرات في اليوم أن الأمر ليس بهذا السوء وأني بخير وأن لله حكمة في كل شيء .. حتى شعرت بالاختناق من رسائلها السلبية في وقت أنا فيه اضعف ما أكون بعد الولادة الشاقة...فقررت أن أترك المستشفى وان لم يحن وقت خروجي بعد وغادرت بعد يومين رغم أن المقرر كان خمسة أيام.. لكنهم سمّموا بقائي بسلبيتهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا..
أكتب هذه الكلمات الآن وأتذكر تلك الأيام لأرسل رسالة خاصة لزملائي من الأطباء والعاملين بالمجال الطبي..
"قل خيرا أو اصمت!!"
***
لم أعلق على نفسي لافتة تقول أني طبيبة.. ولم أحرص أن يعرف كل من أراه في المستشفى أثناء تنويمي ذلك.. فرأيت نموذجا مخزيا من احترام قرار المريض..
قبل الولادة كان لدي بعض فقر الدم بسبب العلاج الكيماوي.. وتناقشت مع طبيب الاورام في الأمر واحتمالية احتياجي لنقل دم قبل الولادة فأخبرني أني لن أحتاج مالم يحدث نزيف شديد في الولادة يحتم نقل الدم..
جاءت الولادة وبعدها مباشرة تم تحليل الدم ووجد أن فقر الدم قد ساء قليلا...تحدثت مع استشارية الولادة التي لم تر حاجة لنقل الدم حينها.. وجاء اليوم التالي.. لأسمع قرع الباب من مسؤولة سحب الدم.. "لديك تحليل"
ما هو
-CBC الذي يتم فيه قياس مستوى فقر الدم
-حسنا لم يخبرني أحد أن لدي تحليلا وعموما فقد فحصناه بالأمس ولا يتوقع أن يكون قد اختلف اليوم إذ لم يحدث أي نزيف يذكر منذ الأمس وعليه فإني أرفض التحليل.. شكرا لك..
بعد دقائق.. جاءت الطبيبة المناوبة.. لتقنعني بالتحليل فأخبرتها أنه لا يتوقع تغيير عن نتيجة الأمس وأنه لن يترتب أي شيء على النتيجة حيث أني لا أنوي أخذ دم لأني أشعر أني بخير ولا أشعر بأي ضعف أو خفقان (أعراض فقر الدم الحاد)..وبالتالي سيكون التحليل مجرد اهدار للمال والوقت..
وهنا بدأت الطبيبة المناوبة أسلوبا عجيبا في الاقناع وهي لا تعلم أني طبيبة..
بداية بدأت بمغالطات طبية " أمس أخذت الكثير من السوائل عبر الوريد وربما تكون قد حسنت نتيجة الهيموجلوبين حينها أما اليوم لم تأخذي أي سوائل فربما يكون المستوى قد انخفض" (علميا هذه المعلومة خاطئة ومعكوسة فالكثير من السوائل تخفف الدم أكثر وتجعل نتيجة فقر الدم أسوء لا أفضل).. لم أشرح لها خطأها حتى لا أحرجها وقلت لها أني لن أعمل تحليلا لمجرد ارضاء "الفضول" طالما أنه لن يترتب عليه أي شيء في العلاج حيث أني لا أنوي أخذ دم..
هنا عادت إلى "التخريف" قائلة ان فقر الدم قد يؤثر على قلبي ويجهده ويسبب مشاكل ومضاعفات..
- "هذا يا عزيزتي لمن لديهم مشاكل مسبقة في القلب ولكبار السن.. وليس لأمرأه في الثلاثين وبقلب سليم.. كما أن فقر الدم حدث خلال شهور من تناول الكيماوي مما سمح للجسم بالتأقلم على الوضع.. ونحن لا نعالج نتائج التحليل بل نعالج "المريض" وأنا أمامك لا أشعر بإرهاق ولا خفقان وأشعر أني أفضل مما كنت أثناء الحمل..
فلما لم تجد ردا التفتت إلى زوجي وهي تعلم أنه طبيب تخدير وقالت..
-يا دكتور أقنعها من فضلك.. أخبرها أنه "من وجهة نظر التخدير" هذا يضر بصحتها..
أغاظتني الكلمة تماما.. أن تقحم زوجي في قرار يتعلق بي وتتفلسف قائلة "من وجهة نظر التخدير" وليس للتخدير أي علاقة بالأمر. فابتسمت وقلت..
"على فكرة.. أنا كذلك طبيبة وأعرف كيف أتخذ قراري جيدا.."
عندها فقط.. ابتلعت لسانها وكفت عن الإلحاح والفلسفة.. وأنا أتساءل.. ماذا عن المرضى الآخرين.. أليس لهم حق الاختيار .. علما بأن الطب فيه الكثير من المناطق الرمادية التي يختلف فيها الأطباء وتختلف فيها نتائج البحوث.. فلم يفرض الطبيب رأيه على مريضه ويضيق عليه..
وما يحدث في بلادنا اشد وأسوء.. فالطبيب عندنا يعتبر أن كلامه قرآنٌ منزل وأنه ليس للمريض الحق في أن يناقش ولا يفهم ولا حتى يسأل.. ومن باب أولى فليس له الحق أن يعترض.. ومن اعترض عندنا "انطرد" وكم رأيت من أطباء أثناء دراستي بالكلية يطردون المريض من العيادة طردا لكثرة سؤاله أو لقوله أنه سمع رأيا مختلفا من طبيب آخر..
ولكن الممارسة التي رأيتها في أمريكا من أغلب الأطباء الذين تعلمت منهم ومن الاستشاريين المسؤولين عن علاجي (غير الأطباء المناوبين قليلي الخبرة) كانت تتلخص في أن دور الطبيب هو أن يشارك المريض في المعلومات التي لديه ويشرح له كل اختيارات علاجه ومميزات كل منها وإيجابياته.. ثم يذكر رأيه الشخصي وعلى أي اساس بنى هذا الرأي (بلا تحيز وبموضوعية تامة) ثم يترك للمريض حق الاختيار ويعطيه الوقت الكافي ليتخذ قراره..

هكذا يكون احترام حرية الانسان فطالما الجسم جسم المريض.. فالقرار في النهاية.. قراره."

#اللهم اكتبنا عندك من الصائمين الفائزين


لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس