عرض مشاركة واحدة
قديم 16-06-16, 07:02 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

7

_ بيت على الشاطىء

دام تنقل رادولف ولين من خيم إلى مخيم آخر مدة أسبوعين جابا خلالهما أنحاء واسعة من أيرلندا. قطعا الجبال والسهول ، والبحيرات والأنهار ، والوديان والمراعي.. ولم يكن هاجس الفرار ماثلاً في ذهنها لاعتبرت لين نفسها سعيدة إلى درجة لا توصف.

لم يقترب رادولف منها منذ أن صفعها المرة الأخيرة ، حتى أنه كان ينام على كنبة ويترك لها السرير لتنام وحدها. صار يعاملها بكل لطف وعناية وإن لم يخل الأمر أحياناً من كلمات جارحة تأتي رداً على زلات لسان تبدو من لين. لكن القضية لم تتعد الكلام المؤلم الفظ.

حاول الغجري أن يظهر الجانب الحسن وباتالي سحق شخصيته الشريرة المرعبة. وقد نجح لا في إزلة خوف لين فحسب ، بل بإنشاء علاقة ودية بين الإثنين. فأضحت قوته خالية من البطش وسطوته بعيدة عن الظلم. كما غاب عن لين الشعور بالأسى والمرارة اللذين رافقاها كظلها في أيام إختطافها الأولى. ولكنها لم تكف مع ذلك عن الحديث عن الهرب في أول فرصة تلوح لها.

وفي الحقيقة صارت لين مقتنعة تقريباً بحياتها كزوجة لغجري متجول ، لاسيما وأن رادولف لا يترك مناسبة بأن مكان المرأة هو ان تكون دائماً بجانب زوجها. لكن ذلك لايعني شعوراً بالإستقرار بل كانت المرأة الشابة في حالة إنتظار وتوقع دائمين متوقعة أن عثور زوجها على من سيبحث عنه سيغير مسار حياتها.

سألت لين زوجها يوماً وهما في طريق العودة إلى كيلاني:

_ إلى متى سنظل ننتقل هكذا؟

_ أعتقد أننا سنكون في بيتنا بعد حوالي الأسبوعين.

أوقف رادولف السيارة إلى جانب الطريق وأخرج زجاجة عصير البرتقال ليتناولا كوبين منعشين ، في حين كان تفكير لين يعمل جاهداَ لإستيعاب كلمة "بيتنا". عن أي بيت يتكلم زوجها؟

_ أتعني أننا سنستقر في مخيم محدد؟

قالت لين ذلك وهي تهز رأسها وتفكر بوجودها في مخيم للغجر وبالحياة المتعبة التي تنتظرها. وبرغم ذلك فهي تقرأ أنها لاتتصور نفسها تعيش بدون رادولف من دون أن تعلم السبب. عادت صورة توماس إلى ذهنها في الأيام الماضية لكن رادولف كان مصيباً عندما قال أنه لايناسبها ، فهو رجل طيب لكنه ليس خلاقاً مما يساهم في زيادة الرتابة في حياتها التي علمت من خلاللا تجربتها الجديدة مدى سخافتها ، وإنسيابها الجرد من أي طعم ومعنى.

قطع رادولف حبل أفكارها بقوله:

_ لابد أن ننتهي من رحلة التنقل هذه ونستقر.

اعترضت لين بلهجة ناعمة قريبة إلى التوسل:

_ لا أستسيغ فكرة العيش في مخيم ، ألا نستأجر منزلاً؟

رمقها بنظرة ملؤها الحيرة والتردد كأنه يخاف من البوح لها باشياء يكتمها في نفسه على مضض. لذلك إختار كلماته بدقة وقال بتمهل:

_ أفهم من هذا أنكِ أصبحتِ مقتنعة بالعيش معي؟

هربت لين من نظراته وأخذت تفكر لماذا لم تعترض على ذلك بشدة كما كانت فعل في السابق. وبعد أن وزنت الأمور في رأسها وتراءت لها حياتها المقبلة وما يمكن أن تعانيه في المجتمع الغجري من عبودية تدمر المرأة وتذلها ، صاحت بأعلى صوتها:

_ لا! لم أقتنع بذلك! سانتهز أية فرصة وسأنجح في ذلك! أنت لا تستطيع مراقبتي إلى الأبد ، لا تستطيع أن تراقب تحركاتي لسنوات وسنوات حتى. نصبح عجوزين هرمين!

ارتفعت حدة نبرة لين حتى جفل رادولف منها وازدادت:

_ أرجوك دعني أمضي في سبيلي ، أرجوك دعني أعود إلى بيتي!

بكت المرأة بمرارة وغشى كيانها واضطراب كبير فأخذت ترتعش حتى أوقعت كوب العصير على ثوبها.

تناول الغجري الكوب من حتى استكانت ، وبالفعل عادت لين إلى هدوئها السابق وتكلمت بكل واقعية:

_ لنعقد اتفاق بيننا. تعطيني حريتي مقابل سكوتي عن حادثة الإختطاف وتعهدي بأن لا أطلع أحداً على ما جرى.

بلعت لين ريقها لتزيل الثقل القابع في صدرها وأعصابها الثائرة تجعل منطقاً مغلوطاً ، وفكرها شارداص ومشوشاً. لم يعد شيئاً في ذهنها واضحاً. و أحست برغبة في الصراخ عندما رأت أمامها الصور متدافعة ن صور الحرية والعودة إلى الوطن ، صور رادولف وسطوته القاسية تطردها صور طيبته ولطفه الا متناهي. ودار في أعماقها صراع قاس بين الحياة مع رادولف والحياة بدونه ، فالأولى رحلة لا تنتهي بين المخيمات حيث شظف العيش ، والثانية حلقة مفرغة تبحث فيها عن سعادة تائهة.

برزت الحقائق من بين غيوم عقلها المنهك. وعجزت لين عن الإختيار فلم تجد إلا صرخة صادقة تطلقها من أعماقها:

_ ساعدني يا الله!

_ لين مابكِ يا عزيزتي؟ بالله عليكِ لاتفعلي هكذا بنفسك!

لم تنبس المرأة ببنت شفه بل نظرت إلى الغجري لا تصدق أن ما يختلج في قلبها حقيقة. همست في نفسها:

لا ، هذا ليس صحيحاً ، لا يمكن أن يكون صحيحاً..

تكلم رادولف ثانية لكنها لم تسمع شيئاً لإنشغالها بالحقائق الجديدة. سرت في جسمها رعشة قوية ثم سقت بين يدي زوجها.

_ لين ، مابك؟ هل أنتِ مريضة؟

كان صوته ناعماً ينم عن قلق عميق. رفعت رأسها وكأنها تخرج من الغيبوبة ، ثم حدقت في الرجل وتساءلت عما يمكن أن يكون تصرفه لو أطلعته على ما اكتشفت لتوها. أيستقبل الخبر بفرح أم يقول متشفياً: لقد وقعتِ في غرام غجري متشرد إذن! وهكذا لن تتركيني بعد ذلك يا امرأة لي يجعلكِ أماً خاضعة!

لن تخبره بذلك أبداً! ولن يغير الوضع الجديد من قتل رغبتها في الهرب لأنها لا تنوي قضاء حياتها معه برغم حبها القاتل له. لن تستطيع رؤية أطفالها يترعرعون في مخيم وسط القذارة وبعيداً عن المدرسة والبيئة المتحضرة. ستجعل العقل يسيطر على العاطفة وتحكم المنطق ليسحق الحب.

لما عادت إلى التفكير برادولف من جديد عاد التشوش والبلبلة إلى ذهنها. لقد استنتجت في السابق أنه يملك شخصية مزدوجة وقالت أنها لو استطاعت ابقاء الجانب السيء بعيداً لاستطاعت تمضية أيام حلوة معه. وفي الحقيقة أنه كان انساناً رائعاً خلال الأسبوعين الفائتين فهو عاملها بكل رقة ولطف ، حتى أنه لم يحاول تقبيلها مرة...

لقد كبح جماع غضبه لإسعادها وقدم مصلحتها على مصلحته دون أي أنانية أو حب للذات.

أي نوع من الرجال هو؟ لا تستطيع لين التحمل العيش مع رجل غامض إلى هذا الحد. وأن تكن تصرفاته الأخرى مقبولة ولائقة.

نفذ صبر رادولف من خلال أفكارها كالنور يتسلل بخجل من بين طيات الضباب:

_ سألتك هل أنتِ مريضة.

_ أنا بخير الآن.

قالت لين الحقيقة لأنها بدأت تشعر بالتحسن مع أن أفكارها ماتزال مبلبلة. إلى وجهه فكادت تقسم أنه ليس غجرياً ، لا يمكن أن تكون هذه الوسامة الرقية في غجري...

غيرت لين الموضوع فجأة وسألته عن هوية الشخص الذي يبحث عنه. جفل رادولف لسؤالها وقال:

_ ألم تقولي من قبل أني أبحث عن شخص وبررت استتاجك هذا؟

_ قلت أن هذا هو التفسير الوحيد لتنقلك الدائم.

أطرقت لين قليلاً وزادت:

_ سأكون صريحة معك هذه المر’.

_ تفضلي.

_ سمعت الرجل العجوز يتحدث إليك عن رجل لم يأت إلى المخيم وينصحك بألا تكمل البحث عنه.

_ لم تخبريني بذلك المرة السابقة.

_ تعني عندما قلت لك أنك تبحث عن أحد ما؟ لا فقد خفت أن تتضايق لو عرفت بأني كنت أسترق السمع.

_ أطلعتني الآن على شيء يضايقني. ألم تخافي من إثارة غضبي؟

_ لم أعد أخاف منك.

_ قولي بصراحة يا لين ، ÷ل أنتِ أسعد مما كنتِ عليه...

توقفت فجأة محاولة إيجاد الكلمات المناسبة لإنهاء السؤال ، لكن دفعة من الشجاعة أتت لين فأكملت عنه:

_ مما كنت عليه عندما كنت ترغمني على....؟

فوجىء الغجري لصراحة زوجته ولكنه كتم شعوره بذكاء.

_ أحسنتِ فهذا ماكنت سأقوله.

_ لست سعيدة بل راضية.

إن ترددها وعدم ثقتها يضرب بهما المثل. فلماذا تنكر أنه كلما نظرت إلى يديه القويتين وتذكرت مدى لمساتهما الحنونة وتمنت لو يعيد الكرة؟ أهي قانعة به؟ ولم لا فهي تحبه. الحب... احتقرت نفسها لأنها وقعت في حبه لمجرد أنه كان ودوداً معها في الأيام الماضية ، كرهت ضعفها وسرعة دوبانها في بحر العاطفة.

_ هل ترضيكِ حياتنا هنا بهذه الطريقة حتى نصبح عجوزين هرمين؟

_ سؤالك غير مجد فأنا لا أنوي قضاء حياتي معك.

سمعت لين زوجها يتنهد بدل أن يغضب كالعادة وتساءلت إذا كان سلم بالأمر الواقع واقتنع بأن المشاركة في الحياة الزوجية تأتي نتيجة الرضى المتبادل لا القهر والإذلال والإكراه.

انطلق رادولف بالسيارة صامتاً وملامحه قاسية كالحجر ، ينظر أمامه كأن عينيه متجمدتان لا حياة فيهما. وغرقت لين بدورها في التفكير مشاكلها وبالحل الأنسب الذي يخرجها من هذا المأزق.

توقف الغجري في أحد المخيمات لكنه لم يلبث هناك سوى بضع دقائق. وأبلغ زوجته في صوت هادىء أنهما سيمضيان الليل في منزل يملكه صديق له يقع على شاطىء البحر.

_ اهناك أحد في المنزل؟

_ المنزل خال فهو مخصص لقضاء العطلة الصيفية. أنا واثق أنه سيعجبكِ كثيراً فهو مجهز بكل شيء برغم بعده عن العمران.

_ أتعني أن المنزل منعزل؟

_ يبدو أنكِ فكرتي بالهرب يا حلوتي! لم أكن لأصتحبكِ هناك لو لم يكن المنزل منعزلاً تمام الإنعزال عن بقية العالم.

_ أيستعمل المنزل لأاغراض سياحية؟ فالبعض يحب تمضية وقت فراغه بعيداً عن الناس.

ضحك رادولف وعلق:

_ استعملت بداية بارعة لإخفاء خيبتك.

_ ماذا تعني؟

_ لا تدعي الغباء يا لين. اعتقدت أن وجدك في منزل على شاطىء البحر سيسهل الفرار. ففي المخيمات هناك من يراقبك ليلاً نهاراً.

_ الفرار من مخيم للغجر مستحيل ، أما بالنسبة لإستنتاجاتك الأخرى فأنت مخطىء لأني صرت أعرفك وأدرك أنم متيقظ تماماً لإحباط أي محاولة أقوم بها للإفلات. لكنني فقط أستغرب وجود منزل مخصص للعطل في مكان منعزل كما فهمت من كلامك.

_ لقد بنى صديقي هذا المنزل منذ أربعة سنوات حتى يهرب من همومه ويرتحا هناك من عناء أعماله المتراكمة.

عجبت لين لكلام زوجها. فكيف يتوصل غجري متشرد إلى مصادقة شخص ثري يبني منزلاً لمجرد حبه الإختلاء بنفسه!

_ لا بد أن صديقك ثري جداً! أنا... لم أعد أفهم شيئاً. آه لو تخبرني المزيد عن نفسك فلربما اختلفت الأمور بيننا.

1ضغط رادولف على فرامل السيارة حتى كاد رأس لين يرتطم بالزجاج الأمامي. نظر إليها بدهشة وسألها:

_ ماذا تعنين بمختلفة؟

هزت المرأة رأسها عاجزة:

_ لا أستطيع التفسير.

وبالفعل لم تستطيع التوضيح لأنها هي نفسها لا تعلم ماذا تقصد تماماً من كلامها.

انطلق الغجري بالسيارة ، وقاد لساعات في طرق منعزلة تتعرج بين الهضاب الخضراء حتى انعطف أخيراً في ممر ضيق لا يعرفه أحد وليس موجوداً على الخريطة كما أبلغ زوجته.

استمر سيرهما في هذا المكان النائي حتى وصلا إلى طريق صخري فأخذت السيارة تقفز على الحجارة وراكباها يعانيان صعوبة بالغة حتى بلغا أخيراً بوابة عتيقة منحوتة في الحجر تدل على أن المنزل بني على أنقاض بناء قديم. وخلف البوابة والسور المحيط بالأرض نمت أشجار خضراء من مختلف الأنواع ، وتوزعت أزهارها وورود زاهية هنا وهناك تضفي على الجو رونقاً وضياء.

كانت أشعة الشمس ما تزال ساطعة ترسل ألوانها على المنزل الأبيض المحاط ببساط من العشب الأخضر وسجادة من الأزهار.

انعقد لسان لين من الدهشة وصعقت لجمال هذه البقعة الطاهرة التي لم تدنس عذريتها مكائد الإنسان.

_ آه ما أروع هذا المكان!

أجالت طرفها بين الجبال الشاهقة والبحر المترامي الأطراف في زرقة يخالطها بياض الزبد. عجيبة هي طبيعة أيرلندا في جمعها بين ارتفاع الجبال ووداعة البحر في لوحة واحدة.

_ كيف وصل صديقك إلى مكان كهذا؟

مرت لحظات تردد قبل أن يجيب زوجها:

_ إن عائلته تملك هذه الأرض منذ عدة أجيال وقد اقامت فيها مزرعة كبيرة.

أشار بيده إلى بقايا البناء المتهدم وقال:

_ كان هذا بيتاً لعمال المزرعة. وجد صديقي المكان المناسباً لبناء منزل يستريح فيه عندما يحتاج إلى الإبتعاد عن عالم الأعمال والضجيج.

_ وماذا يعمل صديقك؟

_ إنه ثري لديه أملاك كثيرة.

دخل الزوجان إلى المنزل الفخم حيث الأثاث الوثير والسجاد العجمي والستائر الحريرية الفاخرة. وأعجبت لين بالثريات والكريستال والآنية الفضية وتماثسل العاج والبرونز.

كما لفت نظرها الديكور الذواق الذي نظمت على أساسه حجرة الصالون ، ثم هزت رأسها مدركة أن هذا المكان ليس لغجري ، وظنت أن رادولف ليس صديقاً لمالكه كما ادعى ، بل هو يدخل إليه خلسة عندما يعلم أن أصحابه غائبون. ولكن من أين أتى بالمفتاح؟ الجواب على ذلك ليس مستعصياً لأن رادولف لص محترف.

أعادها صوت رادولف إلى الواقع عندما بادرها بالسؤال:

_ بماذا تفكرين؟

_ كنت أفكر بكل هذا المال المهدور على بيت شبه مهجور.

لم يقنع جواب لين زوجها الماكر فصحح قولها:

_ لا يا عزيزتي ، كنتِ تقولين في نفسك كيف يمكن لغجري حقير أن يتعرف إلى أصدقاء أثرياء كصاحب هذا المنزل؟

مرة أخرى عادت مسحة المرارة إلى صوت رادولف. ولكن لين لم تشعر بالشماتة. لذلك بل انزعجت وحاولت تغيير اتجاه الحديث.

بعد ذلك أراها غرف النوم المرتبة والنظيفة كما دخلا إلى المطبخ الواسع والمجهز بأحدث الوسائل المعيشية وأثمنها.

_ لا بد أن أحداً يأتي إلى هنا باستمرار حتى يبقى المنزل نظيفاً.

هز رادولف برأسه وهو يشير إلى بقعة خضراء لا تبعد كثيراً عن البيت.

_ هناك مزرعة صغيرة خلف تلك الأشجار تملكها أرملة في الخمسين كلفها صديقي المجيء يومياً للإهتمام بالمنزل.

_ يومياً؟

_ ستأتي في الصباح الباكر وهكذا ستتأكدين من أني لست متسللاً إلى هذا البيت.

احمر وجه لين لملاحظته الجارحة والصائبة لكنها رأت في مجيء هذه المرأة عملاً يحتمل أن يساعدها على الهرب.

_ لا تبني آمالاً كاذبة فالسيدة وايت تحبني كثيراً وتنفذ أوامري.

_ يبدو أن لديك الكثير من المحبين.

تجاهل الغجري ملاحظة زوجته وقال:

_ المياه ساخنة الآن إذا كنتِ ترغبين في أخذ حمام. لقد أخبرت السيدة وايت بمجيئنا وأمرتها بتسخين الماء.

حدقت لين فيه بذهول مطبق.

_ أخبرت السيدة؟.. ولكن متى وكيف فعلت ذلك؟

ضحك رادولف وأجاب:

_ طلبت إلى أحدهم في آخر المخيم توقفنا فيه أن يتصل بها ويخبرها.

أمضت لين وقتاً طويلاً في غمرة المياه الساخنة. ولما عادت إلى غرفة النوم كانت هادئة ومرتاحة الأعصاب.

جلس رادولف يتأمل جمال زوجته ونظر إلى ساعة كبيرة معلقة على الحائط وقال:

_ يبدو أنكِ تمتعتي كثيراً بالماء لأنكِ أمضيتِ ما يقارب نصف الساعة في الحمام.

_ آسفة لتأخري.

_ لا عليكِ يا طفلتي لإانا كنت مشغولاً باجراء بعض المكالمات الهاتفية.

مخابرات هاتفية...هذا يعني أن ثمة هاتفاً في المنزل. حاولت المرأة أن تكتم بلهجة عادية حتى لا ينتبه زوجها لحيلتها.

_ ألا يضايق صديقك استعمالك لهاتفه؟

_ لا أبداً.

دخل رادولف بدوره إلى الحمام تحت أنظار زوجته المتسائلة عن نوعية مكالماته التي ليس بالطبع موجهة إلى مخيمات الغجر ، لأن هذه الأمكنة لا تعرف الهاتف.

انتظرت بضع دقائق حت سمعت صوت المياه ، ثم خرجت من الغرفة على رؤوس أصابعها وشرعت تبحث عن مكان الهاتف دون جدوى. أخاف رادولف الداهية لإدراكه أن زوجته لن تكون غبية وتدع فرصة استعمالها الهاتف تفلت من يدها وتضيع هباء.

تخلت لين عن البحث وجلست تفكر في طريقة حديث زوجها عن الهاتف ، وكأنه يتعمد خلق مواقف تجعلها تطرح على نفسها المزيد من الأسءلة حول حقيقته. تمنت لو تجد سبيلاً كي تقتعه بالإجابة على التساءلات الدائرة في ذهنها والتي تسبب لها حيرة وانفعالاً عظيمين.

بماذا تشك المرأة؟ ما هو التفسير الشافي لكل الغموض الذي يحيط بزوجها؟ من المسلم به أن رادولف غجري ومع ذلك لا يمكنها إنكار بعض الصفات التي تجعل منه شبيهاً بأي رجل مثقف لابل ارستقراطي نبيل ، سواء في حديثه أم في تصرفاته. ففي الفترة الأخيرة عندما جالا في البلاد ، انتفت عنه كل علامة تشير إلى أنه غجري. حتى ملامحه تغيرت وارتدى ثياباً عادجية تختلف عن الزي شبه "الفولكلوري" الذي كان غالباً من هندامه السابق.

لكن ، لما هذا التبد ولماذا عمد رادولف في بداية تعارفهما إلى كسب عدائها؟ لماذا!.... لماذا! أسئلة لا تنتهي! يضاف إليها هذا المنزل الفخم قطعة جديدة في الأحجية. مادام من غي المعقول أن يكون لغجري صديق حميم بهذا الثراء يعهد إليه بمفاتيح بيته ويعطيه حرية التصرف المطلقة ولاسيما ولا سيما وأن رادولف بدا معتاداً على المجيء إلى المكان من خلال معرفته كل التفاصيل المتعلقة بالأثاث وبتاريخ المنزل وظروف تشييده... يضاف إلى ذلك السلطة التي بستطيع بموجبها أن يأمر الم{اة بتحضير البيت وتنظيفه استعداداً لحضوره.

في هذه اللحظة دخل رادولف الغرفة مرتدياً لباس نوم أنيق يتناقض مع لون شعره غير الممشط ويعطيه شكلاً فريداً يجمع بين الأأناقة والطبيعة البدائية... لا يقال عن رادولف إلا أنه طائر يغرد خارج سربه!

عرف الغجري ماآثاره مظهره في نفس زوجته فقال معتذراً:

_ آسف لمظهري ، لكني سأتحسن مع الوقت إذا اهتممتِ أكثر بالتفاصيل.

_ لا ضرورة للسخرية. أعتقد بأنني أشعر بالبرد ، فالجو ليس دافئاً كفاية هنا؟

سارع إلى تشغيل جهاز التكييف. وعلى الفور غمر المكان دفء عارم. بعد ذلك عاد رادولف إلى غرفة النوم وفتح دولاب الثياب.

_ ستجدين ثيابك وحقيبتك هنا.

_ أظن أني رأيت بين ملابس فستاناً طويلاً.

_ ماذا عن الفستان؟

_ أريدك أن ترتديه الليلة.

مرر نظراته الشغوفة على وجهها وأكمل:

_ سنأكل العشاء بكامل أناقتنا كأناس متمدنين.

عدلت المرأة عن الإعتراض لأن فكرة إرتداء ثوب أنيق والجلوس إلى طاولة لتناول الطعام محبذة بعد كل هذه الفترة البوهيمية ، حيث تخلت مرغمة عن مبادئها المتعلقة بالنظافة والتشكليات.

منحها رادولف إحدى بسماته قبل أن يقول:

_ أرى أن اقتراحي أعجبك، أخرجي الفستان إياه لأراه.

فعلت لين كما أمرها وأخذت تتمشى أمامه في الثوب الأصفر الطويل. بل على العكس قالت بعد أن أحضرت فستاناً آخر ذا لون أرجواني:

_ ما رايك بهذا؟

اقترب الغجري من زوجته فأحست بالرعشة تعتريها وكأن الرجل قوة مغناطيسية كبيرة غريبة يزيد منها طبعه المتكبر. احمرت وجنتا المرأة وثقل تنفسها وفي ذهنها فكرة واحدة حبها لرادولف. مع اقتراب رادولف منها ازدت دقات قلبها أكثر فأكثر. وعلمت أنه لو أراد ضمه إلى صدره لما أحجمت بل لرحبت بذلك بكل جوارحها. لكن زوجها خيب أملها واكتفى بطبع قبلة حنونة صادقة على جبينها.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس