عرض مشاركة واحدة
قديم 16-06-16, 07:03 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

8- مشاعر متوقدة

جلس رادولف ولين متقابلين إلى مائدة مضاءة بالشموع في شمعدان فضي ، ومزينة بمزهرية مليئة بورود حمراء. وعلى طرف المائدة وضع إناء مليء بمختلف أنواع الفاكهة. أما المفرش فأبيض كالثلج تضيئه السكاكين والشوك الفضية.

جلست لين في فستانها الأصفر سعيدة كما لم تكن يوماً منذ أن التقت رادولف ، وهي تعلم أن هذه السعادة لت تعمر طويلاً.

فالأمسية ليست إلا واحة وارفة في صحراء حياتها مع زوجها ، والتي تنوي الخروج منها برغم كل الإعتبارات الأخرى وأهمها... حبها للغجري.

تمكن رادولف بطريقة ما من الدخول إلى هذا المنزل الذي يحوي في ما يحويه ، حوضاً للسباحة في قاعة مقفلة مكيفة ، وملعبا لكرة المضرب في القاعة نفسها ، كما أقيمت في الجهة الخلفية بحيرة اصطناعية صغيرة لإكمال اللوحة الفنية خاصة وأنها تطل على الهضاب الخضراء الحالمة.

قررت المرأة الشابة نسيان شكوكها لتمضي وقتاً ممتعاً في هذاالمكان الذي إعتبرته أكثر شاعرية من كل ما أبصرت عيناها. فلم تيتغل الفرصة وتتذوق حلاة كل دقيقة تمر بدلاً من أن تشغل فكرها في ما لن تستطيع توضيحه؟

من جهته ارتدى رادولف بزة رسمية سوداء وتحتها قميص أبيض يزيده إشراقاً لون بشرته السمراء ، لكنه لم يبدو منزعجاً من لباسه هذا أو غير معتاد عليه.

تدخل صوته معلقاً بكل عذوبة:

_ أنتِ هادئة كثسراً يا عزيزتي.

_ إني أتمتع بهذه الأمسية اللطيفة.

_ وتردين بالطبع أن تطرحي الكثسر من الأسئلة. أنتِ أكبر امرأة عاقلة رأيتها في حياتي.

_ وهل تريد أن أضع كل ثقتي بك؟ ماذا تفعل لو كنت مكاني؟

تجاهل رادولف كلامها واهتم بصب الكافيار الفاخر الذي وجده في خزانة مليئة بالمعلبات على إختلافها. وبعد أن انتهى قال:

_ لماذا لا تطرحين علي بعضاً من تلك الأسئلة المقلقة؟

_ ومن قال أنها أسئلة مقلقة؟

_ ذلك يقرأ على وجهك يا عزيزتي. فلنقل أنكِ في حيرة ، وسبب الحيرة أشياء كثيرة حدثت في الفترة الأخيرة

_ أشياء لا تحصى ولا تعد؟

توقفت لين لتتذوق بعض الكافيار ثم أضافت:

_ أتعني انك مستعد للإجابة على الأسئلة ، فأنت لم تخرج عن تكتمك حتى الآن؟

_ ليس في الأمر تكتم بل عدم ضرورة للبوح بكل الأسرار.

كان يحدق فيها ووهج نار الشموع من سحر وجهها وجماله. أعادت إليها نظراته ذكرى لقائهما الثاني في الغابة عندما جاء على حصانه وبدا مسحوراً بجمالها. كان في الحقيقة مختلفاً وقتها عما رأته فيه في اللقاء الأول.

_ وهذه الضرورة أصبحت متوافرة الآن!

وجف قلبها إذ أدركت بحدس ما إنها على وشك اكتشاف أمر خطير كفيل بجلب السعادة الدائمة. اختلج في نفسها شعور غريب تلاعب بانفعالاتها وجعلها في الوقت نفسه تقتنع بأنها لو عرفت كيف تعالج الوضع الجديد الذي سيخلفه رادولف لما عاد زواجها منه تلك المأساة التي بدأت عند اختطافها وإرغامها على عقد زواج غجري لا تؤمن كثيراً بصحته أو شرعيته

أجاب على سؤالها وكادت تتولى المهمة عن عيناه الحزينتان:

_ من المفيد لنا نحن الإثنين أن أوضح لكِ بعض الأمور التي أوقعتكِ في مغالطات جمة.

لاحظت المرأة الحزن في عيني زوجها وتمنت لو تستطيع فعل أي شيء لتمحو هذه المسحة الأليمة من نفس من تحب. إزاء سكونها أكمل الغجري:

_ بالرغم من ذلك أفضل يا عزيزتي ألا تطرحي اسئلتك الآن بل لندع الأمور تلقائياً ، وذلك بات قريباً.

هز رادولف رأسه وتجهم وجهه وبدت عليه علامات القلق والتردد عندما قال بصوت خافت:

_ نما في داخلي إحساس بأن نظرتك إلي يا لين ، ولكني لست أكيداً... لا ، لا أجرء...

اقتحمت كلماته كالسهام أعماق لين واختلطت عليها الأمور إذ لم تفهم ماقاله زوجها. ليس أكيداً... وبالتالي لا يجرؤ على مصارحتها بما يريدها أن تعلم عنه. أحست ليس بأن العثور على السعادة باتت وهماً وبأنها لم تخلق لتعيش مع هذا الرجل تحت سقف واحد. ولكن هل هي واثقة تماماً من رغبتها في العيش معه؟ مرة جديدة ترأت مستقبلها قاتماً و فارغاً إذا تخلت عن رادولف. ومن جهة أخرى هي لا تستوعب فكرة الحياة غير المستقرة التي يعيشها هؤلاء الغجر. نظرت إلى زوجها متوسلة وتمتمت:

_ أرجوك يا رادولف ، أطلعني على الخبايا ، أنا زوجتك ويحق لي أن أعرف شيئاً عنك.

هز الغجري برأسه موافقاً بدون أن يبدر منه ما يرضي فضول زوجته بل قال:

_ لنركز اهتمانا الآن على وجبة العشاء لا سيما وأنها الأولى لنا في مثل هذا المكان الرائع.

لم تجد إبتسامة رادولف في إزالة خيبة زوجته لأنه تهرب من الموضوع. والألم الآن أشد وقعاً منه في الماضي كونها صارت أسيرة حب هذا الرجل ، وأضحت متشوقة لكشف حقيقته.

بعد الكافيار جاء دور شرائح اللحم المشوي التي حضرها الزوجان في المطبخ الكبير بعد أن جلبها من الثلاجة الكبيرة المحتوية على الكثير من اللحوم وأنواع الطيور الشهية. وقد برر راولف وجود هذه الأطعمة بوجود السيدة وايت الأرملة الطيبة التي تهتم بشؤون المنزل.

_ أنت تعب السيدة وايت بطلباتك المتعددة يا رادجولف.

_ السيدة وايت راضية فهي تجد في الأمر تسلية تنسيها وحدتها. كما أننا بحاجة لهذا الترف بعد طول التنقل من خيم لآخر.

_ ولكنك تعشق حياة الغجر ، أليس كذلك؟

_ العادة تسهل كل شيء وتجعله معقولاً. ولا أخفي عنكِ سراً إذا قلت أني أحب التمتع بالحرية التي توفرها حياتنا الغجرية.

_ ولكن حياتك خاوية إذ لا عمل فيها ولا نشاط.

_ ليس كل الغجر بالضرورة عاطلين عن العمل. فهم يصنعون بعض أدوات المطبخ ويتعاطون التنجيم وما إلى ذلك.

انتهى الزوجان من تناول الطعام فسأل الغجري:

_ هل أعجبكِ الطعام؟

_ كان رائعاً ، رائعاً جداً.

طغى على الجو مسحة من السحر والود. ولم تفكر لين بالمشاكل التي تفسد عليها روعة الساعة بل تركتها جانباً لتنعم فهنيهات فرح نادرة.

تناولا القهوة ثم اقترح رادولف أن يخرجا لتنشق الهواء المنعش. وافقت لين على الفكرة وان اعتراها على الأثر بعض الخجل.

سحرت لين بجمال الطبيعة وبإبتسامة رادولف السخية. الآن أدركت مدى وسامته وأنها صارت تنظر إليه كرجل مهذب متحضر لا كغجري متشرد في هذه الليلة رأت لين مملكة رسمتها في خيالها ، مملكة تعيش فيها مع فارس أحلامها وفي مكان لا تحققه إلا الأحلام... ولكن حلول الغد سينهي هذا الحلم...

تجولا في الحديقة والمراعي التي تحيط بالمنزل ، يداعبهما نسيم منعش يحمل معه رائحة البحر الممتزجة بعطر الأزهار.

تنشق لين الهواء بنهم وأفكارها محاطة بالضباب بفعل الجو الغامض وهي فرحة بذلك لأنه يحملها بعيداً عن همومها في سمفونية عذبة الالحان.

سألها رادولف كي تخرج عن صمتها:

_ هل أنتِ هادئة المزاج الآن؟

_ نعم.

_ البحر هادىء الليلة ويشجع على السباحة.

_ أنت تسبح إذن.

أجاب رادولف متعجباً لسؤالها:

_ بالطبع.

لم تسأله لين هذه المرة كيف يجيد السباحة من أن الغجر لا يجيدونها عادة. ، بل تجاوزت فضولها كي لا تفسد النزهة الليلة.

_ ما رأيكِ يا عزيزتي بتسلق التلال؟

_ أتعرف الطريق جيداً ؟

_ لا تقلقي فأن أعرف المنطقة وأستطيع السير في مسالكها مغمض العينين.

أتبدأ لين بطرح الأسئلة حول سبب معرفته التامة بالمكان؟ لا ، فلا حاجة لإفساد السهرة الرائعة حتى وإن كان انسجامها مصطنعاً بعض الشيء إذ يتغاضى كلاهما عن الحقيقة.

اتجها نحو التلال في طريق مغطى بالعشب الكثيف. والقمر بدأ يختبىء خلف بعض الغيوم فصار الضوء مصحوباً بظلال رقراقة تتراقص على البساط الأخضر الفسيح.

وضع رادولف يده في يد زوجته فغمر الدفء جسمها واصبح كل شيء جميلاً جمال هذا العالم المجنون. حبذا لو ينقلب الحلم حقيقة ويصحب هذه اللحظات سعادة دائمة.

تفرقت الغيوم فعاد القمر إلى وجد عطائه يرمي أنواره على قمم التلال وسفوحها فتنعكس على حبيبات الندى التي تكلل رؤوس الأشجار وتخالط وريقات العشب. والنسيم المليء بالشذى يشترك مع الطيور الليلية في اداء أبدع الألحان وأروعها.

في الطريق إلى البيت تساءلت لين عما إذا كانت الحاجة التي تدعوها إلى البقاء هي وليدة اللحظة وستزول متى انفصلت.

والأكيد الآن أنها ترغب في الإرتماء بين ذراعيه تدفىء قلبها بحرارة اللهفة والهوى.

وصلا إلى المنزل ورنين الهاتف يملأ أرجاءه. فهرع رادولف ليجيب. بقت لين في الخارج تتأمل الهضاب الواسعة والبحر الرحب تتكسر أمواجه على الشاطىء وتتطاير حبات الماء لآلىء تستحم بنور القمر. وفجأة أدركت أن في وسعها الهرب والعثور على أكثر من مخبأ في هذه المنطقة الشاسعة بحيث يستحيل على الغجري أن يجدها في الظلام. معطفها معها وكذلك الماء ، فما عليها إلا أن تركض وتنال حريتها... الحرية أصبحت على قاب قوسين أو أدنى منها ، فلماذا لا تفعل؟

ما زال رادولف يتكلم على الهاتف ويبدو أنه لن ينتهي من المكالمة بسرعة. من على الطرف الآخر من الخط؟

لو كانت المكالمة موجهة لصاحب المنزل لانتهت بسرعة. المكالمة لرادولف إذن.

أصغت المرأة بانتباه ولكنها لم تتمكن من الفهم لأن زوجها كان يتحدث بصوت منخفض. كيف ارتكب رادولف مثل هذه الغلطة وتركها حرة بدون حراسة ، وقدم لها بذلك فرصة الفرار على طبق من فضة!

وقفت لين كالبلهاء مشدوهة لا تدري ماذا تفعل. الهرب متاح أمامها على مصراعيه فلماذا لا تستغل الفرصة؟ لماذا التردد؟

أخيراً ابمتسمت والتمعت عيناها وعلمت أن هذه الليلة الشاعرية يجب ان تستمر حتى آخر فصولها. ألقت نظرة على العالم في الخارج ثم دخلت وأقفلت الباب بهدوء.

استدارت لين لتجد زوجها واقفاً يحدق فيها وتملأ وجهه علامات الإستغراب والدهشة. وقفت المرأة جامدة لا تقوى على الحراك غذ علمت نوايا زوجها. ولكنها لا تأبه لأنها مصممة على خوض غمار ما تقدمه هذه الليلة"الإستثنائية". وقفا ينظران إلى بعضهما حيث عجز الكلام عن التعبير عما يختلج في النفس ويفيض في القلب.

أخيراً استطاع الرجل أن يطق:

_ يا حلوتي...

مد يده إلى زوجته وإمارات الفرح تفز من عينيه وتهذب من قساوة ملامحه البدائية ذات الجمال الوحشي النقي.

تجاوبت لين لدعوته بابتسامة رقيقة كفيلة بإذابة الصخر وأكثر القلوب تحجراً. ومدت يدها بخجل إلى يد زوجها.

_ كان بوسعك الهرب بسهولة... ولو فعلت لما تمكنت من العثور عليك أبداً.

قال رادولف ذلك وهو يكاد لا يصدق أن لين أضاعت هذه الفرصة السانحة وفضلت البقاء معه على استعادة الحرية.

تحولت عبارات الدهشة في عينيه إلى حنان فائض وملأ قلبها شعور واحد: الحب. حب حملها بعيداً عن الهموم الحياتية ، وأحاسيس رفعتها من مستوى إلى مستوى الشعور.

_ لين... ما سبب الذي يجري بيننا الآن؟

وأضاف متراجعاً:

_ لا أهمية لذلك فيكفينا أن مايجري رائع...

قاطعه رنين الهاتف فوقف متردداً ، أيجيب أم يستجيب لرغبته بالبقاء قرب زوجته؟ كرهت لين صوت الهاتف وتمنت لو يخرس حتى لا يسلبها رادولف. وكم كان سرورها عظيماً عندما قرر الغجري يرن والبقاء معها.

_ فليذهب الهاتف إلى الجحيم لأني لست مستعداً لتركك الآن. تنفست المرأة الصعداء وزادها قراره ثقة بنفسها وبمكانتها عنده. هل فهم رادولف أنها غارقة في حبه حتى أذنيها؟ هل أدرك أن سلطته عليها لم يعد سببها السطوة بقدر ما صار الحب؟

_ رادولف... اسمك غريب و لكنه يعجبني.

_ اسمي أيرلندي قديم جداً.

_ أليس اسماً غجري؟

_ لا.

تررد رادولف قليلاً قبل أن يكمل:

_ في الحقيقة هو إسم يطلقه نبلاء أيرلندا على أولادهم.

_ وكيف اتفق أن غجرياً حصل على اسم نبيل أيرلندي.

_ لا أعتقد أن في ذلك جريمة.

دفعها الفضول إلى مزيد من الأسئلة.

_ وهل هناك الكثير من رجال الغجر يحملون نفس الإسم؟

_ أظن أني الوحيد الذي يحمله.

_ لم تذكر لي شيئاً عن والديك يا رادولف.

قال وقد ملأ صوته حزن عميق:

_ كلاهما ميتان.

غرقت لين في ذرعيه أكثر.

_ أخبرني عن أمك.

شعرت وكأنه ارتجف فجأة:

_ ماتت أمي وهي تضعني.

_ آه! ان هذا مأسف حقاً.

لم ينجح رادولف عندما علق على كلامها في إخفاء الأسى من نبرته

_ إن موتها المبكر لم يشعرني بفراغ لفقدانها ، فلو ماتت وأنا فتى يافع مثلاً لكنت أصبت بحزن أكبر.

_ أنت وحيد في هذه الدنيا إذن.

_ وكيف تخيلت أني وحيد في هذه الدنيا؟

_ ألديك اخوة أو أخوات؟

لم يجب الغجري على سؤالها مباشرة بل اكتفى بالقول:

_ كنت أعتبر نفسي وحيداً حتى تزوجت منكِ.

_ أنت لم تجب على سؤالي.

_ حسناً يا عزيزتي ، لي أخ واحد.

_ اني أحسدك على ذلك. أين يعيش اخوك؟

_ في أحد مخيمات الغجر.

_ ألا تراه أبداً؟

أجاب رادولف بحدو وكأن الموضوع بات مزعجاً:

_ لم أره مدة طويلة. كفانا كلاماً الآن ولنخلد إلى النوم.

_ لست بحاجة للنوم الآن.

قالت ذلك وأكملت بسرعة حتى تمنعه من التعليق:

_ للأسماء القديمة معان فما معنى رادولف؟

_ أخشى ألا يعجبك معناه ، فكلمت رادولف تعني الذئب السريع.

لقد كان الغجري بالفعل ذئباً سريعاً عندما لحقها على حصانه واختطفها. نظرن لين إلى الجرح فرأت أثره واضحاً على خده فخشيت الا يزول أبداً.

_ أعتقد أن اسمك مخيف قليلاً.

_ لا أنوي اخافتك الآن لأني أريد أن أنام.

طبع قبلة ناعمة على جبينها وأطفأ النور ضاماً إياها بين ذراعيه. وماكادت تمر دقيقة حتى خطا في سبات هانىء وعميق.

أفاق الزوجان باكراً وجلسا على الشرفة الواسعة يتناولان طعام الفطور. وبعد قليل رن جرس الهاتف. هب رادولف من كرسيه معلقاً:

_ لا شك أنها المكالمة التي كان يجب أن اجيب عليها بالأمس. أكملي فطورك يا عزيزتي فلن أغيب كثيراً.

عاد رادولف بعد قليل متجهم الوجه كأن حادثاً كبيراً قد وقع فسألته زوجته قلقة:

_ ما الأمر؟ هل هناك ما يقلق؟

_ لا ، شيء يا لين.

_ ولكن كيف تتلقى مكالمات ولا أحد يعلم بوجودنا هنا؟

_ أنتِ مخطئة في تكهناتك بدليل أنني تلقيت مخابرة بالأمس.

_ مخابرة من الأشباح على ما أظن! لماذا تحيط نفسك بهذه الهالة من الغموض وبهذا الحجاب من الأسرار؟ أشعر بنفسي إزاء ذلك إنسانة غريبة لا زوجة!

لم تلحظ المرأة أن عيني زوجها الغضبتين تدلان على عدم رغبته في الكلام وعلى مزاجه المعكر ، بل دفعها قلقها عليه إلى المزيد من الإلحاح فقال الغجري بحدة:

_ ألن تكفي عن طرح الأسئلة السخيفة؟

بدأت الأفكار السوداء تلعب في رأسها من جديد. أيكون سبب تكتمه الشديد حيال اتصالاته نشاطات غير مشروعة يقوم بها؟ وقد تكون هذه النشاطات مصدر المال الوفير الذي يملكه والذي يخوله القيام برحلات طويلة والإنفاق على ثيابه الغالية. كما هناك الحصان الأصيل الذي امتطاه في الغابة ، ووجوده في هذه الدار الفخمة... أمن المعقول أن يكون المنزل ملكاً له وهو مجرد غجري! أسئلة لا تعرف لها جواباً واحداً...

كانت غارقة في أفكارها فانتشلها صوت زوجها:

_ أنا مضطر للخروج يا لين. أتعدينني بأن لا ترحلي؟

ضربت لين الأرض بقدمها وقالت بإصرار:

_ سأرافقك!

رأت الرفض القاطع في عينيه. ثم هدأت بعد أن خطرت لها من جديد فكرة الفرار. وبرغم بزوغ فجر الحب في قلبها ، فهي امرأة تنتمي غلى محيط إجتماعي مختلف تماماً عن هذه البيئة الغجرية. ويجعلها تندمج في حياتها رادولف وقومه ، وجذوته لا بد ستخبو مع الوقت ومع اصطدامها بمرارة الواقع الذي تعيشه.

احتاجت لين إلى شجاعة فائقة لحبس دموعها. ولكن شجاعتها انهارت فجأة عندما أعاد عليها زوجها السؤال نفسه.

_ اتعدينني بأنكِ لن ترحلي؟

أمام ترددها لم يجد الغجري حلاً سوى حبسها في غرفة النوم. وفي الوقت الذي سمعت فيه لين صوت المفتاح يدور في القفل نظرت صوب النافذة. غلطة جديدة ارتكبها رادولف بسبب انشغاله وقلقه الشديدين. ما عليها الآن سوى انتظار رحيله لتخرج بكل سهولة من النافذة ، فالبيت من طابق واحد لا خطر من التسلل عبرها. لكن لين لم تترو وتنتظر ذهاب زوجها فسرعان ما ارتدت معطفها ارتدت معطفها وأخذت حقيبة يدها ثم فتحت النافذة وأصبحت في الخارج.

كانت أشعة الشمس ساطعة والبحر ساكناً والطبيعة هادئة. ولم تستطيع لين محو ذكر التفاصيل الحلوة التي تسربت في الليل الفائت لتضيء ظلام حياتها. عاد كل شيء الآن إلى سابق عهده. وهاهي الآن تنفذ عملية الفرار التي غابت عن فكرها في ساعات السعادة الماضية.

آه لو كان رادولف رجلاً عادياً كغيره من الرجال! رجل يشغل وظيفة محترمة ويهتم بتأمين الرعاية والحنان لزوجته وأولاده...

انهارت الدموع من عينيها وكادت انفعالاتها تقودها إلى العدول عن الهرب والمغامرة في البقاء زوجة لهذا الغجري الذي أحبته. لكن الغلبة كانت في النهاية للعقل والمنطق. فتابعت المرأة طريقها بين شجيرات الحديقة لتجد منفذاً يقودها إلى الطريق العام. وبينما هي تختبىْ بين الشجيرات سمعت رنين الهاتف في المنزل ووقع قدمي رادولف يهرع للإجابة. عندها دفعها حدسها في العودة إلى المنزل فجلست القرفصاء تحت نافذة غرفة الجلوس منصته إلى الحديث.

_ ...أحسنت يا أولاف أقلت أنه آت إلى هنا؟ أخيراً سأتمكن من...

لم تستطع لين فهم بقيت الجملة بل سمعت:

_ كنت يائساً يا صديقي ومتأكداً من أن الأمر سينتهي به في السجن. لو أستطيع التحدث واقناعه...

وضاعت الكلمات من جديد فجنت لين من الغضب. كادت تتوصل إلى معرفة الحقيقة لولا حظها السيء. وفجأة سمعت صوت زوجها يقول لأولاف:

_ إذن لاحجة إلى تحركي الآن. لقد اتصل بي راوول منذ بضع دقائق وأبلغني أن بوريل كان في مخيم روجنتري في السهل المجاور. فقررت الذهاب لملاقاته هناك. أما الآن وقد أكدت لي أنه آت إلى هنا سأنتظره وأفاجئه.

توقف رادولف مفسحاً المجال لصديقه بالكلام. وتمنت لين لو تسمع ما يقله الغجري الكهل لزوجها الذي عاد إلى الكلام بصوت منخفض فلم تتمكن المرأة إلا سماع بعض الجمل غير المترابطة.

_ أرجوك ألا يعلم بوجودي هنا... جاء مرة مع فتاته... صحيح وإلا لما عرفت... لا أعرف كيف أرد لك الجميل يا أولاف.

تساءلت لين عن معنى هذا الكلام وهي تنتظر زوجها ليعاود الحديث. لكنها تأكدت من أمر واحد وهوأنها ستبقى حتى يأتي الدعو بوريل علها تشبع فضولها ويصدق الحدث الذي أنبأها بأن مصيرها ومستقبلها يتعلق بقدوم هذا الرجا.

_ ...كان علي الأخذ بنصائحك يا أولاف والكف عن مطاردته ، خصوصاً بعد أن أصبحت مثقلاً بالمسؤوليات.

خفق قلب لين بشدة إذ فهمت أنه يعنيها بالكلام على" المسؤوليات"

_ ولكنك تعلم يا أولاف أني لا أقبل بالهزيمة. وأنا متفائل بأني إذا تمكنت من لقاء بوريل والتحدث إليه فسأسوي كل هذه الأمور معه.

أقفل الغجري الخط بعد قليل فقررت لين العودة إلى غرفتها قبل أن يكتشف زوجها غيابها. ولكن الحظ أبى إلا أن يوقعها في مشكلة جديدة. فما كادت تخطو حتى تعثرت بغصن شجيرة وهوت بقوة فارتطم رأسها بالأرض وصاحت من الألم. لم تمر ثاني من سقوطها حتى

لم تمر ثانية على سقوطها حتى كان رادولف إلى جانبها فحملها إلأى المنزل على جناح السرعة.

أحست بكل شيء أمامها يتراقص. وع ذلك لمحت في عيني زوجها مزيجاً من الغضب والأسى. لقد خدعته بعدما تأكد من أنها لن تحاول الفرار أثناء غيابه. توقعت العقاب على عملها لكن الغجري ضبط أعصابه واهتم بإسعافها.

_ إنها كدمة لا بأس بها على الإطلاق ، سأحضر شيئاً يريحك.

نظر إليها وأضاف:

_ لماذا فعلتِ ذلك؟

_ لا تعتقد أني كنت أنوي الفرار. على العكس...

لم ينتظر الغجري سماع المزيد فقاطعها حانقاً:

_ لاتكذبي! ماذا عن حقيبة اليد هذه؟

قالت بصوت ضعيف والألم في رأسها لا يكاد يطاق:

_ أعطني فرصة لأشرح لك ما حدث!

_ من الواضح أنكِ لست على استعداد للبقاء برفقة غجري من حثالة المجتمع.

أخذ رادولف يقول بشبه همس:

_ كان علي أن أعلم أن المسألة ستصل إلى طريق مسدود لا محالة.

_ ما الأمر يارادولف ، أخبرني.

أخفت نبرة التوسل في صوتها الحب الجارف الذي يكنه قلبها لهذا الرجل الغامض الواقف أمامها والمرارة تكاد تحطمه على رغم جبروته واستبداده.

_ مالفائدة من إطلاعك على الحقيقة ما دمت تحتقرينني وتصرين على أنني غير أهل لأن أكون زوجاً لك؟

أين التعالي الذي قابلها به في السابق؟ لأين الغطرسة والكبرياء؟ لقد تحول غضبه إلى ذل وصلبه ومهانة. ولما حاولت لين ، مدفوعة بشعور الذنب ، تطييب خاطره أسكنها بإشارة من يده.

_ لا تحاولي إصلاح ما فسد. سأعرض عليكِ إقتراحاً أرجو أن توافقي عليه بعد أن تتناولي هذه الحبوب وتنامي قليلاً.

نهضت لين وأسرعة إلى غرفة النوم حانقة وهي ترغب برمي زوجها الغامض بأحد التماثيل لعله يخرج عن صمته المطبق.

_ مابك يا لين؟

_ بالله عليك! أطلعني على الحقيقة فهذا من حقي.

_ أي حق هذا؟

_ أنا زوجتك... ولي الحق في معرفة كل شيء.

قاطعها بضحكة ساخرة تخالطها اللوعة.

_ لا أستطيع إطلاعكِ على أسراري مادمت لا تعتبرين نفسك زوجتي.

_ ولكنك كنت على وشك البوح بالأمس.

_ كنت أفعل لأني خدعت فيك.

توقف فجأة وناولها الدواء قائلاً:

_ دعينا من هذا الموضوع وتناولي الدواء ليخف الألم.

_ لا تخف علي فلن أموت.

_ هيا إلى السرير فأنتِ تعبة.

_ لا أريد أن أنام!

هددها بلهجة آمرة:

_ لا تجبريني على حملك إليه بقوة!

تناولت الدواء وتوجهت إلى سريرها وقبل أن يخرج من الغرفة سألته:

_ لماذا لن تبوح لي بكل شيء؟

_ لأن نظرتك إلي لم تتغير مع الأسف. والدليل على ذلك أنكِ حاولتِ الفرار. فلنكن صريحين ونعترف بأنني لست مؤهلاً لأكون زوجاً لك ، وإن كنت أرى أنكِ معجبة بي.

لم ترض لين بهذه الحقيقة فصاحت معترضة:

_ معجبة بك؟ يالك من مغرور!

فوجئت المرأة بأن زوجها لم يغضب بل قال لها بهدوء جعلها تخجل من كذبها:

_ أؤكد لك أنك معجبة بي وترتاحين لوجودك معي. ولكنك غي قادرة على التأقلم مع حياتي ، وعلى التخلص من عقدة التفوق.

_ حسناً ، أ‘ترف أني أشعر نحوك بالتفوق إذا كان هذا يرضيك.

_ إعتراف غير مقنع تماماً. سنجد فرصة أخرى للتصارح أما الآن فإلى النوم!

جاء بقفل أغلق به النافذة بطريقة لم يعد ممكناً معها فتحها.

_ آسف يا حلوتي ولكني مضطر إلى فعل ذلك.

أمن العدل أن تجعلني سجينة هذه الغرفة؟

تابعت متوسلة:

_ أعدك بأنني لن أهرب.

_ لن أرجع عن قراري فالتجارب السابقة معك لا تشجعني على الثقة بك.

خرج رادولف من الغرفة وترك زوجته وحيدة في سريرها تنتظر المجهول. ولكن الألم والتعب تحاملا عليها فأغمضت عينيها ونامت.


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس