عرض مشاركة واحدة
قديم 17-06-16, 06:04 PM   #9

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

6- اعترض على ثوبها (في الحفلة), لأنه لم يرد ان يشاركه احد في النظر اليها, وحين أوقعتها فيرا عن الفرس, وجد نفسه يعترف بحبه لها, بعد ان كشفت له, وهي تصحو من الغيبوية , الحقيقة كلها!
مرت الايام التي سبقت حفلة الشواء بسرعة, كان عدد المدعوين مئتين ووقع عبء تنظيم الحفلة على كاهل السيدة ماننغ, وهي بدورها اوكلت كثيراً من المهمات الصعبة الى ادريان التي اظهرت رغبة وكفاية عظيمتين, ذات صباح قالت السيدة ماننغ لغرانت:
- لست ادري ماذا كان يمكنني ان افعل لولا سكرتيرتك العزيزة.
الواقع ان ادريان رددت بكل تواضع صدى الفكرة ذاتها علماً ان ماريون شاركت بدورها , وكثيراً ماحضرت الى سارانغا, اما كريستوفر, فكان كثير المشاغل تماماً كغرانت الذي كان يفاوض من اجل بيع جواده الممتاز, ماونتن غولد.
اطل صباح السبت. وهو يوم الحفلة, مشرقاً صافياً, كان الجو في احسن حالاته ومناسباً لاقامة حفلة الشواء, لكن المرء لا يستطيع الوثوق تماماً بالنشرات الجوية, رتبت أدريان الازهار في مواضعها قبل الغداء, وكانت المقبلات من اشربة واطعمة قد نظمت قبل ذلك بكثير, ناسب ذلك السيدة ماننغ ومساعدتها الشابة لأنهما اجهدتا نفسيهما في العمل.
بعد الغداء خرجت ادريان لتتفحص بمساعدة ماريون كل الترتيبات التي انجزتها في الصباح, وفيما هي تهم بالعودة بين الطاولات, خرج غرانت من المنزل وناداها.
اتكأت على تعريشة وانتظرته في الظل حيث البرودة لم تمنع ثوبها من الالتصاق بجسمها, حين اقترب منها , ركزت عينيها على وجهه الهادئ فخيل اليها انه لم يعرف لحظة استرخاء كهذه منذ سنوات, قالت:
- ماذا تريد؟
صمت لحظة وهو يتأمل حمرتها الخفيفة , استند الى التعريشة, ولمس غطاء الطاولة , وقال:
- ادخلي واستريحي, ان هيلن ترتاح ايضاً, وعليك ان تقلديها, لقد تحملت الكثير من العناء في حين انه كان على هيلن ان تعتمد على خدمات نساء اخريات .
ها انه ينتقد السيدة ماننغ وعليه وجدت نفسها تسند رأسها من دون تفكير على ذراعه التي طوقتها وساعدتها على العودة الى المنزل, لم يصل رأسها على مستوى كتفه, فنظر اليها مندهشاً وقال:
- انك اقصر من العادة.
- لأن صندلي بدون كعب.
تطلع الاثنان الى قدمها الصغيرة المطوقة بسيور جلدية ضيقة مصممة على شكل صندل وقال لها بشرود:
- ياللرجلين الرائعتين!
- انك لطيف للغاية, لاشك ان هذا من اثر الحفلة عليك.
شد ذراعه حولها وخاطبها بلهجة الهبت مشاعرها:
- من اثر الحفلة وهي لم تبدأ بعد؟
لم تستطع ان تقدم جواباً لملاحظته, قررت بحكمة المحافظة على صمتها. وصلا الى المنزل فاتجه بها الى غرفتها قبل ان ينطلق الى المكتب ويأمرها:
- نامي حتى السادسة لأن لديك وقتاً طويلاً.
التفت بعباءة واستلقت على السرير ثم ادركت انها لن تنام بسهولة, الا انها سرعان ماغفت, دقت الساعة القديمة في القاعة الخامسة والنصف قبل ان تستيقظ فجأة وعلى نحو تام , لماذا لا تستحم ببطء بدل ان تأخذ دوشاً سريعاً؟
ملأت حوض الاستحمام بالماء الساخن , وسكبت فيه كمية كبيرة من صابون الاستحمام السائل الثمين الذي اهدي اليها في عيد ميلادها.
تصاعد البخار عطراً تفوح منه رائحة الغاردينيا, استحمت على مهل ثم رشت على جسمها بعض البودرا والتفت بالعباءة لتتمكن من ترتيب زينتها .
-------------------------
استرد وجهها الشاحب نضارته, طلت وجهها بلون واحد مناسب , ثم اضافت كحلاً الى سواد اهدابها قبل ان تضع على شفتيها احمر شفاه قرنفلي لماع, قررت ان ترفع شعرها عن وجهها وترتبه بحيث يتدلى كالجرس على عنقها , فهكذا يناسب زينتها وثيابها كما يبرز قرطها المصنوع من ذهب طروق, والطويل المتدلي تبعاً للموضة, لن يتصور احد انها ورثت حلقها هذا عن جدتها كما ورثت كل حليها التي قدرتها كثيراً واعتنت بها كل العناية , فلم تسمح لبريقها ان يخبو نتيجة حفظها في علبة مخملية سوداء قديمة, وطالما ارتدتها فضاعف جمالها من جمال هذه الجواهر القديمة.
ادخلت الحلق في موضعه, واثبتته ثم راقبته يهتز, بدا كما لو انه جزء من اذنيها, فاضفى بريقاً على وجنتيها, وضاعف من حسنها النضر.
ابتعدت عن المرأة قاصدة الخزانة لارتداء ثوبها الحريري الاسود المزين بخطوط بنية وذهبية, لبسته بسرعة ورفعت سحابه الممتد على ظهرها شبه العاري, ثم اندفعت الى الخارج.
تألق المنزل فرحاً وحبوراً, حثت الخطى الى ان بلغت القاعة حيث وقفت تتأمل الزنابق الكبيرة الموضوعة في حوض نحاسي ضخم اقنعت غرانت بادخاله الى المنزل , كان منظر الزنابق رائعاً, فزاد زينة المنزل رونقاً وجمالاً نظراً الى طول الازهار الشديد والوانها القرمزية الفانية والصفراء الفاقعة التي تتوسطها بقع بيضاء, أما شذاها فعاطر يملأ الجو طيباً وسحراً.
لم تطل وقفتها لئلا تكون السيدة ماننغ في حاجة اليها , رأتها في الخارج تتحدث الى غرانت الذي بدا اشد وسامة واناقة في بلوزته البيضاء الايطالية المنشأ وبنطلونه البسكوتي اللون, طفح وجه السيدة ماننغ بشرا اذ رأت مساعدتها الشابة فيما قطب غرانت جبينه وصرخ:
- عليك ان تغيري ثوبك هذا يا ادريان.
اعترضت السيدة ماننغ وقد دهشت:
- ماذا تعني ياعزيزي؟ انها رائعة.
- انه ليس ملائماً , هذا كل مافي الامر.
تجمدت ادريان , وعلت الحمرة وجهها قبل ان تسرع هاربة الى غرفتها ويشاهد رفيقاتها الدموع تنهمر من عينيها, اضطربت السيدة ماننغ وقالت:
- كيف تجرؤ ان تفعل ذلك ياغرانت؟ انها رائعة حقاً.
- هذا مادفعني الى التصرف بهذه الطريقة, سيحضر الجميع مكان المنطقة الى هنا الليلة, ولن يحولوا ابصارهم عن ادريان حتى وان كانت اقل اناقة وحسناً.
تنهدت السيدة ماننغ عميقاً وقالت:
- الافضل ان تلحق المسكينة لأنك آذيت مشاعرها علماً انها كانت غاية في اللطف.
استدارت بغية اللحاق بها , غير انه ابقاها في مكانها موضحاً:
- سالحق بها انا ياهيلن, الافضل ان تلقي نظرة اخيرة على كل ترتيباتك.
قبلت مكرهة واتجهت صوب المطبخ لاجراء مشاوراتها الاخيرة مع السيدة فورد.
اما هو , فقرع باب ادريان مردداً:
- هل انت هنا يا ادريان؟ ارجو ان تحديثني.
لم يسمع جواباً من داخل الغرفة , قرع الباب ثانية وصرخ:
- افتحي الباب يا ادريان.
تعاظم الصمت داخل الغرفة , فازدادت نبرته حدة:
- آمل الا يكون الباب مقفلا يا ادريان لأني ساقتحم الغرفة عليك.
انفتح الباب امامه ودخل الغرفة ليجدها جالسة على طرف السرير مكتئبة وقد خفضت رأسها اللماع , ناداها فلم تجبه, تقدم نحوها وجلس بجانبها على السرير , اشاحت بنظرها عنه وقد صممت الا تحدثه , قال متلعثماً:
- اسمعي ياصغيرتي . ارجو المعذرة لوقاحتي الآن , انني لم اقصد.... انك تبدين رائعة, لكن هذا الثوب... انه مثير.
لم تحرك رأسها باتجاهه فمرر اصبعه بهدوء على ظهرها, اضطربت فقال لها:
- هل تفهمين الآن؟
- لا اتصور ان احداً يفعل مافعلته...
قالت له ذلك, ثم خفضت رأسها ثانية, وكادت دموعها تنهمر محدداً, اوضحت:
- الحقيقة انك اخجلتني كثيراً, وشعرت اني لم احسن اختيار ملابسي.انا واثقة انني اكرهك.
--------------------------
اوقفها صارخاً:
- كفى عن هذا الهذيان, لم يكن الامر سيئاً الى هذا الحد. سيحضر كثير من الناس الليلة الى هنا, لذلك اريدك ان ترتدي ثياباً محتشمة, البسي الثوب الذي لبسته ليلة سهرنا مع ماريون وكريستوفر , انه جميل.
شد ذقنها نحوه فارتعش فمها , عندئذ قائلاً:
- هيا, ارتدي ثيابك, اني رجل وقح, لكنني لم اقصد ايذاءك. اسرعي لأن هيلن قد تحتاجك.
خرج فيما توجهت الى الخزانة واخرجت منها ثوبها القشدي اللون, مئات المدعوين في الحدائق مع اطفالهم, وانارت الطريق الخاص الموصل الى سارانغا المصابيح المضاءة في عشرات السيارات, رأت ادريان كل ترتدي ثياباً غير رسمية, فاستاءت خاصة عندما شاهدت فيرا ترتدي ثوباً اشد عرياً من ثوبها الاسود.
بعد نصف ساعة اضطرمت النيران وازدادت حمى الهياج اذ اخذ المدعوين يلتهمون طعامهم بسرعة مذهلة جعلت ادريان تحس ان لا وقت لديها للتمتع بالحفلة, وكانت السيدة فورد ترحب بمساعدة الاخرين لها, وجهت تعليماتها بسرعة الى ادريان قبل ان تعمل على اعداد مزيد من السلطة في طبق كبير , قالت:
- احضري قوارير البصل والخيار المخلل وافرغيها في الصحون , ارجوك ان تعتني بالزيتون كذلك.
فعلت ما امرتها به, وحملت الصحون الى الطاولات حيث وجدت ان الخردل والمقبلات قد بدأت تنفذ , فعادت الى المطبخ لاحضار المزيد.
دقت الساعة الثامنة والنصف ولم تكن قد تناولت لقمة واحدة, اما فيرا تقرب الطعام تماماً كالسيدة ماننغ التي غرقت في محادثة طويلة مع عجوز مخيفة كانت ترتدي بزة قرنفلية حمراء, وتصبغ شعرها بلون قرنفلي غريب, لقد اكتشفت ادريان بعد ذلك ان تلك السيدة الغريبة الاطوار هي من اغنى نساء استراليا.
كانت تعد مزيداً من السلطة عندما اوقفتها فيرا قائلة:
- انها سلطة دسمة اليس كذلك؟
ضحكت ادريان بينما تناولت فيرا حصة كبيرة من السلطة والمايونيز, في هذه الاثناء دخل بين الفتاتين ابن دونالدسون الاصغر, ورمى بعض الصلصة على مقدم عباءة فيرا التي انتفضت بعنف وامسكته بكتفه صارخة:
- ايها الوحش الصغير القذر!
فغر الصغير فاه ظناً منه ان المرأة ستلتهمه, اما هي فاستشاطت غضباً والقت ابن الخمس سنوات ارضاً وهي تصيح :
- ساعدوني بحق السماء!
لم يبك الصغير, فلم يكن من ادريان الا ان اندفعت نحوه واوقفته مثنية على جرأته:
- هذا رائع ياصغيري, لابأس عليك!
ركز الصغير نظره على وجهها المبتسم, ورفض ان ينظر الى فيرا, ربتت ادريان على كتفه ونظفت الغبار عن ملابسه, ثم ارسلته الى اهله, بعد ذلك التفتت فيرا صارخة في وجهها:
- ايتها الشريرة!
صاحت فيرا في غضب مجنون:
- ماذا تقولين؟
- لاشك انك سمعت ماقلته, هذه هي الحقيقة.
- انتظري حتى يسمع غرانت اقوالك.
- حيتث يسمع غرانت ماذا؟
حول عينيه الرماديتين من ادريان الجاثية على ركبتيها الى فيرا التي بهت وجهها, تقدم من الاولى وساعدها على الوقوف, اما فيرا فخاطبته بنبرة حزينة بينما مسحت يدها دمعة مزعومة وقالت:
-الامر بسيط يا حبيبي, ان الآنسة برنت تستغل كل مناسبة لاهانتي, لعلك تجبرها على الاعتذار مني.
ضغط يده على كتف سكرتيرته وقال بهدوء:
- اعتذري لأنك ناديت فيرا (شريرة)!
جفلت الفتاتان لانه سمع مادار بينهما من حوار ولم تتوقع ادريان ان يكون قد رأى شيئاً, تقلصت عضلاتها تحت يده, لكنه لم يرفعها, ظلت صامتة وهي تردد بينها وبين نفسها:
- لتلعني السماء اذا فعلت.
-----------------------
تعاظم ضغط يده بحيث جعلها تقول:
- ارجو المعذرة لوصفي اياك بالشريرة يا آنسة ستيرلنغ.
تكلمت كما لو انها كانت آسفة على اعتذراها, ياللمجنونة! او تعتبر ذلك اعتذراراً؟ انزل غرانت يده الى جنبه واتجه الى فيرا الثائرة, ثم دفعها الى حلبة الرقص بدون ان يلقي نظرة واحدة على سكرتيرته.
وجدبتادريان نفسها بعد قليل غاضبة ولم تقو على تناول لقمة واحدة من الصحن المليء الذي احضره لها كريستوفر, قال متذمراً:
- كم اتمنى ان اجلس معك ياحبيبتي, لكن ينبغي ان اعود الى عملي.
مع ذلك جالسها بعض الوقت يحادثها ويسايرها قبل ان يرجع الى خلف المقصف المؤقت, من المؤكد انه هدأ روعها .
عندما تقدمت السهرة اقتربت تامي من ادريان وجلست بجانبها تقول:
- اخبرني روي عن السيدة الجميلة, فعرفت انها ليست فيرا , ان فيرا شريرة الى اقصى الحدود.
من الواضح ان آراءهما حول فيرا قد تطابقت كلياً, تراجعت تامي الى الوراء, فسطعت الاضواء الملونة على وجهها الفتي المضطرب ثم سألت ادريان:
- اعلم انه من الوقاحة ان احدثك بهذه الطريقة لكني ارتاح اليك, ما رأيك بكريستوفر؟
توقعت ادريان ان تسمع هذا السؤال من رفقيتها. استدارت نحوها وقالت:
- اني اقدره كثيراً يا تامي, ارجوا ان يكون هذا قصدك.
عضت شفتها واجابت:
- هذا هو قصدي, اني سعيدة, تعلمين انني اريده, اليس ذلك جنوناً؟ انه يبدو كما لو انه لا يراني خصوصاً عندما تكونين بقربه, ان فيك بعض السحر .. بل الغموض.
اي غموض؟ ان ثمة شخصاً واحداً على الاقل يستطيع ان يقرأ افكارها وكأنها مخطوطة في كتاب مفتوح, انفجرت ضاحكة وقالت:
- بحق السماء , لا تقولي غموضاً!
التفتت تامي بعصبية الى ادريان التي بدا عليها التأثر, اكدت:
- بل غموض! غموض كالذي تشاهده في لوحة الموناليزا.
املت ادريان الا تشبه ابتسامتها ابتسامة الموناليزا الحائرة, اما تامي فرددت بيأس:
- لاشك انك ستعلمين ماذا اقصد عندما ترين نفسك.
ردت وهي تقاوم رغبتها في الضحك:
- اسمعي ياتامي, ربما كان من الخير لك ان تعدلي في اسلوب تعاملك مع كريستوفر , انه يعتبرك جزءاً من طفولته, ابنة جيران عادية لا اكثر ولا اقل . لعله من الواجب ان تبدي اكثر .. اكثر غموضاً.
- او تعتقدين ان ذلك نافع؟
الحقيقة ان ادريان لم تعتقد شيئاً او تعرف شيئاً, بل رأت ان المحاولة جديرة بالاهتمام, قالت:
- ارتدي ثوباً جميلاً عندما يزوركم كريستوفر بدل الجينز والبلوزة, لا تحسبي ان ارتداء الجينز والبلوزة كما هي حالك الآن, امراً ينقص من اناقتك, الا اني واثقة انه ليس ثمة رجل يفضل ان ترتدي المرأة بنطلوناً بدل الثوب, ينبغي ايضاً ان تعتني بزينتك, ان كل ماتحتاجيه هو بعض التمويه.
لما كانت تامي ترتدي الجينز والبلوزة دائماً ولا تستعمل سوى مسحة خفيفة من احمر الشفاه ومواد التجميل الاخرى ولا تعتني بعينيها, قدمت لها ادريان بعض النصائح المفيدة, نظرت تامي الى رفقيتها الجادة, وقالت :
- اؤكد لك انك من اكثر الناس تواضعاً, لقد عرفت كثيراً من الفتيات اللواتي لا يدانينك من حيث جمالهن واناقتهن لكنهن يعتبرن انفسهن فاتنات.
- ليست الظواهر والمظاهر اهم مافي الوجود لكنها تساعد بكل تأكيد, ان كريستوفر يحتاج فتاة مثلك وماعليك الا ان تفهميه ذلك, استعملي معه المكر حتى تفتنيه.
تمنت لو تضحك, اما تامي , ففعلت ورددت :
- ماالطفك!.
------------------------
وقف غرانت خلفهما وقال:
- ما اغرب الاقوال المتناقضة التي يسمعها المرء في امسية واحدة!
استدارت تامي لتحدثه بعد ان وقفت بغية اعطائه مكانها:
- مرحباً ياسيد ماننغ, انها سهرة رائعة, لاشك ان اللجنة ستثري من ورائها ..الى اللقاء يا ادريان, ساذكر كل ماقلته لي.
لوحت لهما بيدها فرحة قبل ان تتوارى بين الحدود , سألها غرانت:
- ماذا قلت لها؟
حاولت ان تقف وهي تجيبه بشيء من الغضب:
- لا اظن ان ذلك يهمك.
ضغط عليها بحيث ابقاها في مقعدها وقال:
- اجلسي ياصغيرتي, تعلمين اني كنت اتحدث الى ثريتنا الكبيرة, وانا احتاج الآن بعض الهدوء.
علقت ساخرة:
- اعرف فقد رأيتكما, كنت تبدو وكأنك تتحدث الى الناس امتاعاً.
- انها غريبة الاطوار يجب ان اعرفك بها.
تحركت بارتباك خصوصاً انها لم ترغب في التعرف الى السيدة الثرية, قالت:
- عما تريدنا ان نتحدث الآن ؟ او تبغى ان نناقش تقليعات الليلة الغريبة هنا؟ لاشك انك لاحظت بعضها.
اوضح بجفاء بالرغم من مرحه:
- انها لا تشبه بعضها.
تحركت مجموعة من الاولاد في الطريق الخاص الموصل الى سارانغا بعيداً عن انظار والديهم, وقف غرانت ومد يده اليها قائلاً:
- هيا نذهب الى بركة الزنبق حيث الجو اكثر هدوءاً؟
امسكت بيده المدودة وسارت بجانبه الى خارج دائرة الضوء, قالت في الطريق:
- لم ار السيدة ماننغ منذ بعض الوقت.
- دخلت غرفتها لتستلقي قليلا بعد ان ادت قسطها للعلى, ان هذا النوع من النشاطات لايتلاءم مع شخصيتها.
تجمد الدم في عروقها وصاحت:
- يا الهي !.
ادراها نحوه وسألها :
- ماذا جرى؟.
اجابت بصوت مرتجف خائف:
- لقد قفزت ضفدعة لعينة فوق قدمي.
افلتها ثم كرر العبارة متمهلاً حتى يتمكن من فهمها, ابتعدت عنه وصاحت:
- اني اكره الضفادع . اني اكرهك, لقد كانت سهرتي كريهة.
ضحك بهدوء واقترب منها طويلا مزعجاً مقيتاً, اطبقت يداه على كتفيها الدقيقتين وادارها نحوه قائلاً:
- ترددين دائماً انك تكرهينني ياصغيرتي, فماذا افعل حتى ارضيك واغير رأيك؟
بدا في نور القمر شخصاً غريباً شديد اليأس والعزم , خافت وافلتت من قبضته بين الاعشاب الخضراء الكثيفة من دون ان تأبه للضفادع او غيرها .
بدت السيدة ماننغ في صباح اليوم التالي متهللة وقد نسيت الساعات الطويلة التي انضتها في اعداد الحفلة , وانشغل فكرها بالمشروع التالي لجمع الاموال , جلست ادريان تصغي مذهولة الى حديث رفقيتها:
- تصوري ياعزيزتي اننا جمعنا الفي دولار بينها هبة كبيرة.
لم تكن بحاجة الى التفكير مرتين باالواهب, انها السيدة ذات الشعر الاحمر القرنفلي اغنى نساء استراليا, لم تحضر تلك المرأة الى الحفلة بشعرها الاحمر القرنفلي فقط, بل وبقبعة حمراء قرنفلية تلائمه, لقد اضاف وجودها على الحفلة غرابة فوق غرابة.
همت ادريان بابداء ملاحظة حول صاحبة الشعر الاحمر لولا ان الاخيرة اقتحمت الباب الزجاجي برفقة فيرا في الوقت المناسب, لقد حافظت على لونها اذ ارتدت بلوزة حريرية قرنفلية وتنورة طويلة من اللون نفسه, من الممكن ان تضيفي هذه الثياب جمالا وحسناً على عروس شابة , لكنها لم تفد صاحبتها في شيء, لم تدر ادريان ان ضيفتهما نامتا في سارانغا وذلك لأنها اوت الى فراشها عند الساعة الواحدة في حين كانت الحفلة لا تزال في اوجها.
نطقت السيدة الحمراء فلم يطابق مظهرها صوتها , انه صوت رخيم تتم نبرته عن تهذيب صاحبته وانضباطها , اما عيناها فتبدوان عن قرب ثاقبتين حادتين.
------------------
قالت:
- صباح الخير ياصبية, اخيراً التقينا.
وقفت ادريان احتراماً لها, فلوحت لها بالجلوس والقت بنفسها فوق احد المقاعد , راقبتها ادريان باعجاب وهي تخرج اداة صغيرة لامساك السجائر وتملأ الدنيا شهيقاً وزفيراً قبل ان تشعل واحدة , ركزت اهتمامها ثانية على ادريان , وضربت الهواء بيدها قائلة:
- عرفيني بنفسك ياصغيرتي, لقد سألت عن هذه الحسناء طوال الليلة, لكن احداً لم يجد الشجاعة الكافية لاعلامي بهويتها.
نفت السيدة ماننغ مزاعمها واعترضت بلهجة شديدة:
- ليس ماتقولينه صحيحاً ياليلا, لقد اكدت بوضوح انها سكرتيرة غرانت وساعدي الايمن.
اسكتتها بحركة من يديها المزينتين بمجموعة من الجواهر الاسترالية النفسية.
وقالت ثانية:
- عرفيني بنفسك ياصغيرتي.
ارتبكت ادريان قليلاً الا انها صممت ان تلبي رغبتها وتطلعها على الحقيثقة كاملة.
قالت:
- اسمي ادريان برنت , عمري اثنتان وعشرون سنة , اعمل هنا سكرتيرة للمنزل بغية الابتعاد عن سيدني لسبب او لأخر.
رفعت ليلا يدها في حركة مسرحية رائعة , ثم سردت قصة الفتاة وسيرتها ببلاغة صحفي ماهر , اوضحت:
- انني اعرف قصتك , اني اعرفها , لكل منا قصته , انت ابنة صاحب شركة برنت انجنيرنغ, لقد تزوج والدك من مادلين هاملتون الحسناء, توفيت والدتك منذ عشر سنوات .. حادث مفجع! تزوج جون من سكرتيرته.. يالها من امرأة شريرة!
- ليست سكرتيرته.
هذا هو خطأ العجوز المخيفة الوحيد , اما بقية القصة فتعرفها بدقة .
غرقت ليلا في التفكير فيما استرجعت قبل ان تقول :
- لايهم, انني اتذكر هذا الوجه.. انني واثقة اني رأيته من قبل, سيلين هاملتون , هي بالضبط , انك تشبهينها كثيراً, لكنها كانت متعجرفة للغاية.
لم يكن بوسع ادريان ان تنكر هذه الحقيقة, فطالما برزت هذه التعابير على وجه جدتها, التقت نظراتها بنظرات السيدة العجوز, واعجبت هذه الأخيرة بما رأته, ان ثمة شبه كبير بينها وبين جدتها, لكن الفتاة تتمتع بحيوية ونضرة ورقة لم تكن سيلين هاملتون تحاول اظهارهما امام العامة على الاقل, قالت ليلا:
- اعتقد انك لا تشبهينها في طبعها وعجرفتها.
استاءت فيرا لان ادريان الماكرة افلحت في كسب ود ليلا العجوز, كما وقعت السيدة ماننغ ضحية لمكرها, اما هي فأخفقت في استمالة السيدتين غيرة مرة, لابد انها لا تملك خبرة ادريان ولا تعلم علمها , وفي حين ان فيرا لاتعمل شيئاً الا لغاية مبيتة, فان لطف ادريان وظرفها يحث الاخرين على ملاطفتها ومسايرتها , ان الامر ليس طبيعياً, او هكذا تصورت فيرا, دخل غرانت الغرفة, فبادرته العجوز بالقول:
- طالما وصفتك بحصان اسود ياغرانت.
- حاذري في كلامك يا ليلا والا اسرجت حصاناً يحملك بعيداً.
اخفى مزاحه بعض الجدية, تحولت عينا العجوز الشريرتان الى ادريان التي خافت مما سيحدث , تقدم غرانت من العجوز وامسك احدى يديها المثقلتين بالجواهر وقال:
- هل سمعت ايتها الشريرة؟
لم تتأثر بكلماته , بل اجابته ضاحكة:
- لن تسحرني ياعزيزي ولا استطيع ان الومك.
وفجأة طبعت قبلة على خده تقبلها برضى كامل, تحول بعد ذلك الى الفتاتين قائلاً:
- سيحضر كريستوفر بعد الظهر للخروج بالجياد, فان شئتما نخرج معاً ونترك عجائزنا للعب الورق.
-------------------------
لما علمت ادريان ان ليلا المتحمسة للعب الورق كانت قد رتبت جلسة بريدج لفترة بعد الظهر , ارتبكت قليلا, صحيح ان معاشرة كريستوفر امر سهل, لكن الخروج مع غرانت ركوباً قد يكون امراً متعباً, فهو سيثيرها وهي المبتدئة في علم الفروسية وبين ثلاثة فرسان مهرة, اوضحت له الامر بعد قليل بقولها:
- ربما كنت عبئاً عليكم.
- لم تكوني كذلك بالنسبة الى كريستوفر, سوف نتدبر الامر ياصاحبة القلب الرقيق.
- ماذا تقصد؟
تحاشى الاجابة المباشرة , وقال:
- اولست كذلك؟
اطالت النظر اليه قبل ان تبتعد عنه مترددة وهي توضح قائلة:
- انك موهوب في تعذيب الآخرين, احذرك سلفاً ان انت قلت كلمة واحدة مزعجة عن قدرتي على الركوب, سوف اترجل عن الحصان واحاول ان اعود ادراجي الى المنزل مشياً...
خرج غرانت وفيرا وادريان الى الاصطبل بعد الغداء حيث كانت ليلا قد املت عليهم بعد المقتطفات من نشرة البورصة, اما كريستوفر فقد سبقهم الى المكان واسرج الاحصنة, لما رأته ادريان مكباً على عمله بادرته بالقول:
- ارتفعت اسهم شركة غولدسيورو ونقطتين, يبلغ ثمن كل سهم من اسهم كاسلريدج دولارا ونصف دولار.
رفع بصره اليها مذهولاً, لكنه لم يلبث ان فهم الامر فقال:
- هل باتت ليلا العجوز ليلتها هنا؟ ربما كان عليك ان تصغي اليها, فهي تملك اربعة ملايين دولار على الاقل كما يقولون.
ضحك ثم امسك الركاب لتمتطي السرج فصرخت:
- لا تمزح ياكريستوفر لأني مضطربة اليوم.
تقدم غرانت وفيرا رفيقيهما, لم تظهر فيرا ظهر هذا اليوم عداءها لأدريان كما اظهرته في الليلة الماضية لأنها ادركت من نظرة واحدة ان غريمتها لا تزال في المراحل الاولى لتعلم الركوب, ابتسمت لغرانت ابتسامة عذبة احتفظت له بها وقالت:
- احسب ان كريستوفر وادريان سيكونان زوجين رائعين علماً ان الآنسة برنت قد لا تكون زوجة مزارع صالحة.
القى نظرة باتجاه ادريان التي كانت تضحك لرفقيتها ورد:
- ان جمالها ينسيك اي عيب فيها, هذا اذا كان في هذه الفتاة القديرة اي عيب.
صرت اسنانها استياء, وتمنت لو تستطيع القضاء على الآنسة ادريان برنت بضربة واحدة , ليس هذا الجواب الذي ارادت ان تسمعه من غرانت , ولكن ماذا دهاء, في اي حال, تكلفت ابتسامة رقيقة وهي تقول:
- ان ماتقوله يبشر بالخير, فلقد آن الاوان لكريستوفر الطائش ان يستقر.
استدارغرانت على سرجه وقال:
- لا اسمح لك بالتكلم هكذا عن كريستوفر, انه شاب نشيط ومجتهد ويحق لماريون ان تفخر به ايما فخر.
كادت فيرا تصرخ من غيظها خصوصاً انه قلما تعارضت آراؤها مع آراء غرانت, وطالما سعت الى عدم حدوث مثل هذا الامر . سرعان ما انتقلت بالحديث الى مواضيع اقل اثارة, مواشي سارانغا.. هذا امر اتفقا عليه دائماً.
اما كريستوفر وادريان فتبعاهما ببطء وهما يضحكان, والاصح انه كان يتكلم وهي ترغب في الضحك, رفعت ادريان قبعتها عن رأسها بالرغم من حدة الشمس, فداعب النسيم الشعر المنسدل على صدغيها.
ساروا حتى بلغوا مرتفعاً اوقف غرانت حصانه عند اسفله واستدار نحو ادريان أمراً اياها بقوله:
- ضعي قبعتك فوق رأسك مخافة ان تصابي بصداع مع حلول الظلام.
تساءلت اذا كان قد عاد الى تسلطه, وعزمت الا تلبي رغبته, لكنها سرعان ماغطت رأسها بقبعتها العريضة الحافة, انحنى صوبها ليعدل وضع قبعتها القشدية اللوم, ثم تأملها بعينين مرحتين, استدار نحو كريستوفر مبتسماً ليقول:
- انه منظر مضحك الا توافقني على القول ان الدور لا يناسبها؟
---------------------------
وجد كريستوفر نفسه يوافق بالرغم منه, فنقلت نظرها بينهما قبل ان تترجل عن الحصان وتقول:
- اني اخفق بالرغم من محاولاتي المتكررة, لذلك احسب اني ساعود الى المنزل مشياً.
هذه هي فرصتها التي لايمكنها تفويتها, جلست القرفصاء على العشب الاخضر, حثت رأسها فوق ركبتيها فانسدل شعرها جانباً ليحجب وجهها عنهم, ناداها كريستوفر قلقاً فلم تجبه, هل ادركت ان غرانت كان يمازحها لانه لم ينزعج؟ في اي حال, نزل غرانت عن حصانه وتقدم منها ليوقفها , لاحظت انه كبت المرح في عينيه عندما تأملها , قال:
- انهضي! لم تفلحي في اقناعنا.
قالت لكريستوفر وهي تضحك:
- على الاقل , خدعتك انت.
- فعلاً ايتها المحتالة! ما أدهاك!اعتقدت اننا اسأنا اليك اساءة كبرى.
لم تؤيد فيرا رأي كريستوفر , وتكلمت بلهجة مبهمة:
- يمكننا ان نتابع سيرنا اذا كنا قد انتهينا من هذا المزاح المزعج.
سرعان ما احمرت ادريان بينما اجلسها غرانت فوق السرج وطوق خصرها بذراعه قائلاً:
- كفاك هزاراً ياآنسة برنت, اننا لم نخرج اليوم في نزهة ركوب لنتسلى.
اختلست نظرة الى وجهه النحيل الذي بدا لطيفاً وخالياً من التعبير, وتساءلت عما اذا كان يسخر من فيرا.
تابع الاربعة سيرهم, فتحينت فيرا فرصتها للاقتصاص من ادريان لاسيما انها لم تجابه بمعارضة في خلال سنها السبع والعشرين, لقد جمع والدها ثروة ضخمة بعرق جبينه اذ راد هو والده الفقار الشاسعة وحولاها بقوة سواعدهما واحة خضراء, لكنه لم يرد ان يسير ولداه سيرته, فارتكب خطأ بعدم تعريضهما لأي نوع من السلطة الحازمة الابرية او غيرها, لذلك وقفا عاجزين امام اية عقبة تواجههما, هكذا اخفق هاري ستيرلنغ الممتاز في تنمية شخصية ولديه اللذين الا تلقى عليهما كامل المسؤولية .
لمحت ادريان في عيني رفيقتها الخضراوين الحقد عليها, فتأكدت من خطأ موقف فيرا وحبها المجنون للسيطرة والتسلط, لاشك ان فيرا في أواخر عقدها الثالث, وان غرانت منذ طفولته وقد كان امامه متسع كبير من الوقت حتى يخطو خطوة ايجابية باتجاهها, لذا تيقنت ادريان بحدسها وحسها المرهف, بالرغم من تلمحيات فيرا وتحذيرات السيدة ماننغ , انها لم تحل قط بين غرانت وبين قراره بالزواج من الفتاة.
اجتازوا ارضاً خالية من الاشجار في الغابة قبل ان يقصدوا الجدول المحاط باشجار الصفصاف عبر طريق متعرج يشتد انحداره في بعض الأماكن , كان غرانت في الطليعة في حين تولت فيرا المؤخرة, الا ان ادريان تمنت لو ان فيرا تتقدمها.
لكزت فيرا غما بعقب سوطها لكزة قوية لحظة نظر غرانت خلفه ليرى كيف تقدم الآخرون وراءه, لمح فجأة المهرة تنحني وتوقع فارستها غير المجربة, عندئذ دوى صوت كريستوفر في الغابة صائحاً:ادريان! ادريان!.
ترجل غرانت عن جواده في الحال واندفع الى ضفة الجدول حيث تمددت ادريان جامدة بلاحراك, لمسها بلطف فتأكد انها لم تصب بكسور نظراً الى كثافة العشب, غير انها اصطدمت بصخر ازاح شعرها واكتشف مكان الصدمة بسهولة حيث جرح الجلد وتورم, لقد كانت ضربة قوية كافية للقضاء على الفتاة.
احتضن رأسها بين يديه ورفع نظره الى فيرا التي بهت وجهها من شدة الرعب, كانت ملامحه مكهفرة ومخيفة اربكت فيرا المذهولة بسبب سوء مقاصدها ونواياها, يالحظها السعيد! اغمي على الفتاة فقط.
وجهت حصانها نحو المنزل , وتكلمت بمرارة:
- يسهل عليّ ان اعلم متى اغدو شخصاً غير مرغوب فيه, سأغادر المكان في غضون ساعة.
تيقنت ان هذه هي النهاية , فيما لمحته في عيني غرانت ليس سوى قرار نهائي حاسم, صحيح انه لم يفه بكلمة عن زواجهما الا انها اعتبرته امراً مفروغاً منه.
عادت ادريان المستلقية على ضفة النهر الى رشدها واستردت شيئاً من نضرتها, فتطلعت الى غرانت وكريستوفر الجاثمين بقربها وتأوهت قائلة:
- ماذا حدث؟
صعب عليها النطق, غير انها ادهشتهما بضحكها اذ شاهدت الخوف والذعر على ملامحهما, تمنيا لو انها لم تضحك .
------------------------
تكلمت ثانية:
- هل يقول الجميع بعد ان يفيقوا من اغمائهم ماذا حدث؟ لم اؤمن بذلك حتى الآن.
مد كريستوفر يده وربت على خدها . اخفت رأسها في قميص غرانت وتذكرت ماذا حدث , ولكن احداً لم يخبرها اين ذهبت فيرا, تحدث غرانت بسخريته المعتادة:
- سأحملك معي يا ادريان على الحصان لأنك اسوأ فارسة عرفتها, اما انت يا كريستوفر فاسرع بالاتصال بالدكتور ايفانز, لا اعتقد انها مصابة اصابة خطرة لكنني اود ان اطمئن.
قفز كريستوفر فوراً وامتطى جواده, خاطب ادريان المتمرغة في التراب:
- كوني فتاة مطيعة.
استلقت على ظهرها لتجد الالم يزداد في رأسها, ووجه غرانت يختفي عن ناظريها, مدت يدها بقصد لمسه وقالت:
- اني لا اكاد ارى وجهك ياغرانت.
امسك يدها وقال:
- قولي لي متى ترينه بوضوح.
اغمضت عينيها الى ان توقفت الارض عن الدوران, عندئذ فتحتهما لتجد عينيه الرماديتين مسمرتين عليها, واصبعه يداعب وجنتها, تكلمت برقة:
- انني بخير ياغرانت, عاد كل شيء الى وضعه الطبيعي وثباته.
لاحظت ان يعينه اشد ثباتاً واكثر اتساعاً وذلك نظراته كانت مختلفة...انها حزينة تعكس تأملاته, قالت متنهدة:
- اتمنى لو ابقى هنا الى الابد.
- اكاد اقول هذا هو الوضع الذي ارغب فيه.
رفعها بين ذراعيه بلطف بالغ قال:
- سأحملك معي حتى نعود بسرعة كبيرة الى المنزل , استرخي.
اجلسها فوق الحصان ثم ركب خلفها واسندها الى ذراعيه, ادنى فمه الى اذنها هامساً:
- استرخي ياحبيبتي , اغمضي عينيك.
فعلت ما امرها به, لقد اخبرته الحقيقة كلها عندما قالت انها تتمنى ان تبقى بقربه الى الابد الا ان الألم الشديد في رأسها لم يسمح لها ان تتحقق مما اذا فهم قصدها ام لا, ضغط ذراعه حولها وادار حصانه نحو المنزل.
عندما بلغت فيرا المنزل كان شعورها بالذنب قد تحول غضباً وضيقاً.تطلعت اليها لاعبات البريدج مذهولات وادركن ان ثمة ماينبئ بحلول كارثة, تأملت السيدة ماننغ وجهها المتوتر وسألتها:
- ماذا جرى يافيرا؟ ماذا حدث؟ اين الآخرون؟
احست فيرا ان ليس هناك داع لممالقة السيدة ماننغ, فاقتحمت الباب الزجاجي متجاهلة سيدة سارانغا بكل وقاحة ولم تلقي نظرة واحدة باتجاهها, اكدت ليلا:
- يسعني التأكيد ان آمالي اللعينة قد خابت.
عندئذ اصابت ليلا نوبة سعال حادة تذكرت معها قول طبيبها قبل ثلاثين سنة انها لن تعيش اكثر من ستة اشهر, التفتت اليها السيدة ماننغ بخوف, توقفت عن السعال صارخة: العبي الورق ياهيلن.
لم ترد ان يفسد الحديث عن فيرا جلستها فعادت السيدة ماننغ الى اللعب خصوصاً وان احداً لا يجادل ليلا.
بعد عشر دقائق تقريباً ارتقى كريستوفر السلم قفزاً , كانت هذه النهاية, اشمأزت ليلا لأنه لم يعد امامها مجال لاسترداد خسارتها, فضربت الورق على الطاولة وصاحت:
- من الأفضل ان نتوقف عن اللعب.
اما السيدة ماننغ فكانت قد ملت اللعب منذ وصول فيرا التي شاهدت السيدات سيارتها المرسيدس من النافذة تسرع لاجتياز الممر, تراجعت ليلا في مقعدها واسندت ظهرها قبل ان تشعل سيجارة وتقول:
- اخبرنا ماذا حدث يابني.
استدار كريستوفر نحو السيدة ماننغ قائلاً:
- سقطت ادريان عن الحصان.
----------------------------
تبدلت ملامح وجهها من شدة الخوف فاضاف قائلاً:
- لا تقلقي, انها بخير , لكن غرانت يريد احضار الدكتور ايفانز للاطئمنان.
اسرعت هيلن الى التفزيون واكدت ليلا قولها:
- لقد دفعتها اللئيمة عن الحصان.
تقدم كريستوفر من ليلا بعد ان تفرقت السيدات بلباقة, هز يدها وقال:
- لا تجبريني على قول ما اريده ايتها العجوز الثرثارة.
الجميع يعرف ليلا دنكن الا ان القليل منهم تجاسر على مناداتها بالعجوز الثرثارة لأنها طالما شكلت خطراً في ايام عزها, هزت رأسها واجابته بمرح:
- ليس بوسعك خداعي يابني, فقد عشت هنا طويلا, لقد افسد رأسها هاري سترلنغ ولديه.
اوضحت له ذلك, لكنه لم يصغ, لا احد هنا يريد ان يصغي.
اجاب بقصد تحويل اهتمامها عن الموضوع:
- اما انا فإريد ان اصغي, ارجو ان تلقي على مسامعي تقريراً عن البورصة.
عندما يثير امر ما اهتمام ليلا, يصعب على احد ان ينسيها الموضوع, لكنها نسيت الآن ذلك لأنها تعتبر مراجعة آخر تقلبات السوق المالية اهم من اية اشاعة.
تحدثت فاصغي كريستوفر الى كلامها بامعان.
وصل غرانت وادريان بينما كانت السيدة ماننغ تقف مع الدكتور ايفانز على الشرفة حيث خرجت لتستقبله, استدار ليراقبا الشابين يرتقيان السلم نحوهما . بدت ادريان على مايرام , فقد سارت بخطى ثابتة مطوقة بذراع غرانت , اصطحبتها السيدة ماننغ فوراً الى غرفتها فيما لحق الطبيب بهما.
عندما رأت ليلا غرانت يدخل الغرفة قررت استجوابه , قالت:
- لقد فعلتها المجرمة اللئيمة, اليس كذلك؟
- اصمتي يا ليلا والا اخبرت الجميع كيف استوليت على شركة فيلدنغ ترايدنغ.
- لن تفعل لأن احداً لن يصدقك.
انفجر ضاحكاً فشاركته ضحكه لانها علمت ان الجميع سيصدقونه, هذه حقيقة , اما كريستوفر فخرج الى الشرفه لينتظر قرار الطبيب الذي اضطرب قليلا كعادته, لقد اطلع على جرح ادريان, ولم يتمكن من معالجته على نحو يرضيه لان ادريان رفضت يقص بعضا من شعرها, وابدت السيدة ماننغ معارضتها , لذا اضطر الطبيب ان يضمد الجرح ويتركها لتستريح.
انتظر كريستوفر حتى اعلن الطبيب سلامة الوضع, فرافقه الى السيارة, لوح الطبيب بيده لغرانت الذي رافقهما, ثم ابتعد بسيارته, راقبه غرانت حتى غاب عن ناظريه, ثم رجع الى جناح ادريان.
كانت الساعة قد تجاوزت السادسة فتركت هيلن مصباح السرير الجانبي الذي انعكس نوره الملون بلون الذهب القديم على وجه الفتاة الشاحب المستلقي فوق الوسادة مع لون الناموسية, جسلت ادريان في السرير قليلا لتشكر الله على ان قميص نومها كانت محتشمة تتميز بطوق عال حول عنقها وثنيات مطرزة مجموعة فوق بعضها, ردت شعرها المشعث الى الوراء وهي تحس بالنعاس بسبب الxxxx الذي تناولته.
وقف غرانت عند اسفل السرير قبل ان ينحني فوقه ويقول:
- صحيح انك تبدين ضعيفة جداً وانت تجلسين على السرير الا انك تشعرين بامان لا تعرفينه وانت على ظهر الجواد.
ذعرت اذ رأته يدور حول السرير, اتسعت عيناها خوفاً من رجولته الطاغية, سخر منها قائلا:
- آه يا ادريان! ان عينيك تفضحانك, هل تصورت انني ساقبلك؟
كادت تقفز لكنها ابتسمت له . اطفأ النور واقترب منها , امسك وجهها بيده, ولمست شفتاه وجنتها , بينما كانت عيناه تلمعان كنجمتين وسط ظلام الغرفة , واستقر رأسها قليلاً بين يديه قبل ان يهمس في إذنها :
- لن اخيب املك بعد اليوم , هل اتفقنا؟
ابتعدت عنه عندما احست عالماً جديداً في صوته , ودفنت وجهها في الوسادة.
احست يده على شعرها قبل ان يذهب ويغلق الباب وارءه بهدوء .
استلقت على السرير , وخفق قلبها بقوة, صحيح انها رأت رجالاً آخرين قبله , ولكنها لم تعرف مثل غرانت ,انها لازالت تحس بصوته العذب, أنّت بصوت عال ثم غرقت في بحر النوم.
--------------------------


Just Faith غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس