عرض مشاركة واحدة
قديم 05-08-16, 05:58 PM   #9

miya orasini

نجم روايتي ومشرفة سابقة وعضوة فريق الكتابة للروايات الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية miya orasini

? العضوٌ??? » 244480
?  التسِجيلٌ » May 2012
? مشَارَ?اتْي » 7,329
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Morocco
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » miya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond reputemiya orasini has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   7up
¬» قناتك carton
افتراضي

الحلم المستحيل

" و...........وقعت".
قالت تلك الكلمة وهي تشد القطع الممزقة الى صدرها وتنظر الى الأرض.
" لا بد أنك وقعت بقوة كبيرة !".

أقترب منها قليلا فتراجعت بسرعة الى الوراء , لأن الصدمة التي خلّفتها محاولة أدوني الشريرة كانت لا تزال قوية جدا في نفسها , شاهد ريك في عينيها نظرات أمرأة حزينة تعرضت لحادثة بشعة , فقال لها بنيرة جدية:
" تركتك مع أدوني".
لاحظ فجأة شفتها المتورمة , فأتسعت عيناه حنقا ودهشة وصرخ قائلا :
" رباه ! ما هذا؟".
قاطعته بعصبية بالغة , قائلة :
" أتركني يا ريك , دعني أذهب الى ......".
قال لها والشرر يتطاير من عينيه المتسعتين غضبا وذهولا :
" هل فعل ذلك بك ؟ هل حاول؟".
" أرجوك , أريد الذهاب الى غرفتي ".
حاولت السير فتصدّى لها , حبس الخوف أنفاسها , ولكنها تمكنت أن تقول له :
" تشاجرنا , هذا كل ما في الأمر , مزّق فستاني ولكنني لا .... لا أظن أنه كان يعني ذلك".
" هل صفعك أو لكمك ؟ أم أنه قبّلك عنوة ورغما عنك ؟".
" وقعت ....... وأرتطم وجهي بالأرض , أرجوك يا ريك , أريد الذهاب الى غرفتي لأستبدال ملابسي".
" يا فتاتي العزيزة , لا تدافعي عن الوحش أذا كان فعل ذلك بك !".
نظرت دونا الى وجه ريك وفهمت لأول مرة سبب أشمئزازه من أدوني , بالرغم من تأكدها أن دمهما واحد , قال لها مرة أن في نفس أدوني شيئا من الوحشية القاسية , وعرف الآن بمجرد تأمل حالتها أنها وقعت ضحية له , أقترب منها ريك خطوة أخرى , وسألها:
" ماذا حاول أن يفعل معك ؟ لا تخافي , يا صغيرتي , فأنا لن ألحق بك أي أذى ولن أمد يدي أليك ! ولكن إذا تعرضت للأذى على يد أدوني ,فأنني سألقنه درسا قاسيا لن ينساه في حياته , أخبريني , يا دونا , ماذا حدث !".
كان آخر شيء تريده الآن أن يفقد ريك أعصابه تماما , لأنه قوي جدا وقد يقتل أدوني أذا ذهب اليه بمثل هذا الغضب العارم قالت له :
" قلت له جملة سخيفة جعلته بشتعل غضبا , أرجوك , إعتبر الموضوع وكأنه لم يكن , سأطلب من سيرافينا أن تعفيني من مسؤوليتي , لأنني قررت مغادرة افيللا بأسرع وقت ممكن , أنه أفضل حل......... بالنسبة الى الجميع ".
" لا يمكنك أن تذهبي !".
أتسمت ملامح وجهه بالعنف والوحشية , وتنازعت قلبها مشاعر مضادة متناقضة ....... فمن ناحية كانت خائفة مذعورة من النتائج المحتملة , ومن الأخرى كانت مسرورة لأنه لا يريدها أن تذهب , ولكنها لم تتمكن من تجاهل التصرفات الوحشية القاسية التي ورثها أدوني عن ريك.
" لن أدعك تهربين من ذلك الوغد الحقير ! لست مضطرة .....".
" بلى , يا ريك ".
حاولت تجاوزه ولكنها كادت تهوي على الأرض لمجرد أحتكاكها به , رفعها بين ذراعيه القويتين وأخذها الى غرفتها , أغلق الباب برجله , فيما كان يضمها بقوة ويدفن وجهه في شعرها , وسمعته يتمتم قائلا:
" سأقتله لو أنه نال منك مآربه ! يجب أن أعرف الحقيقة , يا دونا , وإلا فقد أصاب بالجنون !".
كانت ترتجف بقوة ولم تكن متأكدة مما إذا كانت خائفة من ريك أم لا , أوه , لا ...... لا يمكنها أن تلوم ريك على الشر الذي ظهر بأدوني.
" لا.... لم يصل الى هذا الحد".
أحسّت فجأة بأن ذراعيها زحفتا بإرادة ذاتية وطوقتا عنقه , أقتربت منه لتشعر بقوته ....... وحمايته التي تحتاج اليها الآن بصورة بائسة , ثم مضت الى القول:
" لم تعد الأمور بأيدينا , غضب أدوني كثيرا لأنني حدّثته عن خطوبته .... أخبرتني عنها سيرافينا ولكنني لم أكن أتصور أو أحلم بأنه..... بأنه سيغضب الى هذه الدرجة , فهو لا يريد الفتاة الأيطالية....".
" لا , إنه يريدك أنت ! فأنت نوع جديد من الألعاب والدمى التي يتمنى الحصول عليها وتحطيمها بين يديه المدمرتين , ولكنني سأكسر يديه أذا وضعهما ثانية عليك !".
تحدّث بعنف شرس مع أنه كان يحملها برقة وحنان.
فأجابته بمحبة وهدوء:
" ريك , لا يمكنني أن أبقى في الفيللا , يمكنك بالتأكيد أن تفهم ذلك !".
" لن أدعك تذهبين , وأنت تدركين ذلك !".
" لست منطقيا ومتعقلا الآن يا ريك , لديك سيرافينا ....... ونعرف كلانا أن ما من طريقة على الأطلاق لتجاهل وضعها بالنسبة اليك , أنها تملكك جسما وروحا".
ظهر الغضب في صوته المتألم عندما سألها بحدة:
" هل تعتقدين ذلك حقا ؟ هل تظنين أنني مجرد نسخة أكبر عن أدوني , الذي لا هدف له من بقائك هنا سوى تلويث تحفظك وطهارتك وعفّتك ؟ نعم ...... أفهم , الى حد ما , ماذا تفعلين به ! يريد الفاسدون دائما جر الطيبين والنظيفين الى أوحالهم , إنه شعور أساسي لا يمكنهم السيطرة عليه , وهذا الأمر في أزدياد متواصل مع الناس , أليس من النادر في هذه الأيام أن يلتقي الرجل شابة تحترم نفسها بصورة فعلية وحقيقية ؟ إيجاد فتاة كهذه كإ‘يجاد جوهرة ثمينة على حافة نهر , يجب ألا تنفردي مع أدوني مرة أخرى أطلاقا , هل تسمعين ما أقوله لك؟".
" أنني ذاهبة يا ريك , أرجوك , أصغ لما أقوله......".
أغرق بقية كلماتها في عناق حنون , فرقص قلبها فرحا وسرورا وألقت برأسها على ذراعه ...... ونسيت كل شيء , كانت تعرف تماما أنها لن تقدر على مقاومة ريك , أذا بلغت منه عواطفه حدا ينسيه ضميره وفروسيته , نعمت بشعور القرب منه وسمعته فجأة يتمتم قرب أذنها:
"لا تتركيني يا دونا , أنا لا أتوسل أبدا في حياتي , ولكنني أريدك أن تبقي حتى نضطر الى قول كلمة الوداع".
الوداع ! كلمة حزينة جدا تضع مسافة باردة بين أشخاص يتوقون الى القرب والدفء , أنها تكره هذه الكلمة وما توحي به , ضمّته اليها بقوة وأغرقت وجهه قرب قلبها ..... حيث كانت ترتعش هياما.
" رباه ! أيتها الحبيبة الغالية ! لا يمكنك أن تعرفي , ولا يمكنني أن أصف لك مدى الوحدة والعذاب اللذين أشعر بهما لمجرد التفوّه بهذه الكلمة ! إبقي يا فؤادي , وسأضمن لك أن أدوني لن يزعجك أبدا بعد الآن , إنه وعد ثابت يا عزيزتي , وأنا لا أحنث أبدا بالوعد".
ظل جسمها ساكنا في حين كان قلبها يرتعش بين ضلوعها .... لم يكن لديها أي شعاع من الأمل , ولكنها ستبقى ......... لأنه طلب منها ذلك , أضطرت للأستسلام لرغبات قلبها , مع أن قلبها سخر منها ووصفها بأنها سخيفة وغبية ...... سخيفة لأنها تعرف أن لياليه كلها لسيرافينا , في حين ليست لديها هي سوى لحظات وجيزة يسوقها معها أثناء النهار , شعرت بأنفاسه الحارة فوق عينيها المغمضتين وسمعته يسألها:
" لن ترفضي طلبي يا دونا , أليس كذلك؟ سوف أتأكد بنفسي من أن أدوني لن يخيفك مرة أخرى بعد الآن ".
فتحت عينيها وحدّقت بعينيه الجميلتين وبالشعلة الصغيرة التي بداخلهما , وقالت:
" ريك , أرجوك ألا تفعل شيئا معه أو تضع يدك عليه , لا مبرر لذلك , ربما ستغضب سيرافينا منك , أنت تعرف كم هي متعلقة به ! ".
" نعم , والمؤسف جدا أن هذا التعلق لم يكن لصالحه , ثم........لمذا قلت أنه لا مبرر لتأديبه بالطريقة التي يستحقها؟".
إبتسمت دونا رغما عنها وقالت :
" وجّهت ....... اليه ضربة قوية جدا بركبتي , وأتصور , من صرخة الألم التي أطلقها , أنني أصبت الهدف".
رد ريك رأسه الى الوراء وضحك بصوت مرتفع , قائلا:
" رائعة ! ستضعه هذه الضربة في مكانه الصحيح ولو لفترة !".
عادت الجدّية الى ملامحه , فأمسك بوجهها وقال لها بحنان :
" ستبقين , أليس كذلك؟".
" يفترض بي ألا أبقى يا ريك , لو كانت لدي ذرّة عقل واحد , لجمعت أغراضي اليوم وغادرت الفيللا قبل أن يحدث شيء آخر , ماذا يحدث لو ضبطنا معا على ذها الشكل ......... وأنت في غرفة نومي؟".
تنهّد بقوة ثم أنزلها الى الأرض بهدوء وحنان , تأمل غرفتها بإعجاب , نظرا للبساطة الجميلة في أثاثها , وقال :
" إنها غرفة جميلة ومريحة وهادئة , وليست عابقة برائحة العطور المزعجة".
" فقط برائحة الخيول , تظل هاتان الغرفتان على الأسطبل".
" ألا يزعجك ذلك ؟".
" أبدا , أحب رائحة الخيول وأصوات حوافرها".
" يجب أن نقوم معا بنزهة على ظهور الخيل , لدينا هنا مجموعة رائعة".
جمعت دونا القطع الممزقة وضمّتها الى صدرها , وهي تحاول الظهور بأن الأمر عادي جدا ,ولكنها شعرت بأن ريك يقاوم عواطفه بعنف بالغ....... وتمنت في لحظة مجنونة أن تكون عواطفه أقوى من ضميره.
" لأجلك أنت يا دونا , سأمتنع عن تحطيم فك أدوني.... مع أنني أحب كثيرا القيام بذلك , كلّما أسرع في الزواج من تلك الفتاة , كان ذلك أفضل له , سيتم الزوج من دون أي تأخير , مع أنني أشعر بالأسف الشديد أتجاه الفتاة !".
سار نحو الباب ثم وقف عنده ووجّه اليها ابتسامة خفيفة , قائلا:
" حتى نلتقي مرة ثانية !".
هزّت له برأسها موافقة , فحيّاها وغادر الغرفة ثم أغلق الباب وراءه , خلعت ثيابها الممزقة وأرتدت عباءة جميلة , ثم وضعت دواء على شفتها وبدأت تسرّح شعرها , أستلقت بعد قليل على سريرها منهكة , تؤلمها شفتها والرضوض التي سبّبها لها أدوني , ولكن الألم الداخلي كان أقوى وأشد ......... وأكثر صعوبة على التحمل.
وافقت على البقاء وهي تعرف أن القرار صعب للغاية , أنه بيت تظلّله أحداث الماضي , ومحاولة سيرافينا الأنتحار لمعاقبة ريك على مطالبته بالحرية لأدارة ناديه في روما , كيف سيكون رد فعلها أذن أذا ضبطته مرة يعانق سكرتيرتها ؟ لقد تمكّن حتى الآن من ممارسة ضبط النفس والسيطرة على عواطفه ومشاعره , ولكن دونا تعرف أنه في كل مرة يضمها اليه يقترب أكثر فأكثر من التخلي عن تلك السيطرة , وأبتسمت بشيء من الأرتياح لأن رجلا قويا كهذا يريدها الى هذه الدرجة.
ولكن أبتسامتها أختفت بصورة تدريجية , لأنه لم يكن لديها عوضا عن مشاعرها سوى الوحدة الموحشة القاتلة التي لا تفهم الفتاة معناها الحقيقي إلا عندما تلتقي رجلا يعني لها كل شيء في حياتها ....... رجلا مثل ريك تجد في لمساته وكلماته سحرا وجاذبية لم تجدهما أبدا في أي رجل آخر , تألمت ........ وبكت....... ونامت , وعندما أستيقظت , وجدت الطعام قربها ....... وعلمت بأرتياح وسرور أن ريك أراد لها أن تتناول طعامها بهدوء بعيدا عن الضجيج ونظرات الأستفسار , وفي وقت لاحق من ذلك اليوم , دس لها تحت باب غرفتها ورقة أرتجف جسمها بأرتياح عندما قرأتها.

قال لها ريك في تلك الورقة أن أدوني أرسل للأقامة مع أهل خطيبته......لأن أيزابيتا ستصبح قريبا في الثامنة عشرة من عمرها , ولأن الوقت حان كي يتعرف الخطيبان على بعضهما , تنهّدت بأرتياح , مع أنها شعرت بالأسف أتجاه تلك الفتاة اتي وافق أهلها على زواجهما من شخص غريب عنها ولم تشاهده سوى مرة واحدة في حياتها , وتساءلت دونا عما إذا كان هناك أمل حقيقي في أن يستقر أدوني ويعيش مع تلك الفتاة كزوج مخلص , وتمنت ذلك , حفاظا على كرامة الفتاة ومشاعرها.

ومرت الأيام القليلة التالية بصورة شبه عادية , وكانت دونا تتمنى طوال الوقت أن يدس ريك ورقة أخرى تحت باب غرفتها يقول لها فيها أن عليها موافاته في موعد معين الى بيته الصغير .... المخبأ السري , ولكنه لم يفعل , وبدا وكأنه قيّد أحاسيسه ورغباته بالحديد ... وأنه لن يضع يده عليها ثانية.
لا أشعر اليوم بأي رغبة في العمل , هيا أذهبي وتمتعي بوقتك , يا دونا , أخبرني ريك أنك تركبين الخيل بطريقة جيدة , هيا , أختاري حصانا وأذهبي في نزهة طويلة".
" ولكنّنا لا نشتغل كثيرا هذه الأيام , أنا أتيت الى هنا لأعمل و.......".
" هل تشعرين بالملل يا دونا ؟ أنت تقبضين أجرك الجيد يا عزيزتي , بغضّ النظر عمّا أذا أشتغلت أم لا , وربما يقول البعض إنك محظوظة جدا للعمل معي".
" أنا ممتنة , ولكن..........".
" ولكن ماذا يا عزيزتي ؟ هل هناك شلب بريطاني ينتظرك بفارغ الصبر , أم أنّ هناك سببا آخر للتعجيل بأنهاء مذكراتي ؟ هل هناك شخص لا يعجبك , أم أن هناك شخصا يعجبك أكثر من اللزوم ؟ هل يعجبك مثلا أحد الرجال العاملين هنا ؟ هل يضايقك كثيرا أم أنه لا يشعر بوجودك على الأطلاق؟".
" أشعر بالذنب لأنني أقبض أجرا على عمل لا أقوم به , أنا سكرتيرة , ولست ضيفة في هذه الفيللا".
" يجب أن تفرحي عندما أعاملك كضيفة , هناك أوقات تذهلينني فيها أيتها الفتاة البريطانية , هل يخفي صقيعك نارا وراءه , يا ترى ؟".
ركبت دونا الحصان سنتوربوني الذي أختاره ريك لها خصيصا , وتوجهت الى الوادي , كان العمال يحيونها , ويقدّمون لها الفاكهة , فتقبل منهم بعضها شاكرة وتواصل طريقها , وكانت قد صادفت أثناء نزهتها السابقة بعض العاملات في تلك الحقول الغنية , ودعتها أحدى العاملات , أسونتا , الى حفل زواجها....... فقبلت دونا بسرور لأنها متشوقة لحضور حفل زفاف أيطالي تقليدي.
سألت سيرافينا صباح اليوم التالي إذا كان بإمكانها حضور العرس , فأجابتها السيدة بأنّ الشبان هنا سيعتبرون مجيئها وحيدة دليلا على أستعدادها لأي شيء , وأضافت:
" الأفضل أن تذهبي بصحبة ريك".
ذهلت دونا ولم تصدّق ما سمعته أذناها , ضحكت سيرافينا عندما شاهدت ملامح الأستغراب والدهشة على وجهها وسألتها بهدوء:
" ألا تعجبك صحبته؟".
" طبعا ! ولماذا أعترض؟".
" ولماذا أذن يبدو عليك مثل هذا الذهول؟".
" وهل يقبل هو بمرافقتي لحضور عرس قروي؟".
" سيقبل بالتأكيد عندما أطلب منه ذلك , أنه يحب هذه الأفراح والعادات القديمة لأنها تذكّره كثيرا بصقلية , سيبعد عنك الشبان المزعجين ....... أنت لست من النوع الذي يحب المضايقات أليس كذلك؟".
هزّت رأسها ثم أستأذنتها بالعودة الى عملها , وهي تكاد تطير فرحا لأنها ستمضي وقتا طويلا وممتعا مع ريك , وأثناء العشاء , قالت لها سيرافينا :
" بالمناسبة , إقترحت على ريك أن يرافقك الى عرس القرية..... ووافق على ذلك".
وجّهت دونا كلمة شكر وحيدة دون أن تنظر الى ريك , كانت تشعر بأنه يغازلها بنظراته .... أليس في ذلك خينة لسيرافينا ؟ قالت لنفسها بتحد أنها غير متضايقة من ذلك أطلاقا , أنها لا تراه إلا نادرا , فلماذا لا يحق له على الأقل أن يداعبها ويغازلها بنظراته ؟ وسمعت سيرافينا تقول له:
" أظهر لدونا قليلا من الحماسة , يا عزيزي , وإلا أشعرتها بأنك ستأخذها رغما عنك".
" صدقيني , يا آنسة , إنه سيكون من دواعي سروري وأعتزازي أن أرافقك الى الحفلة , سوف يحسدني جميع الرجال والشبان هناك , لأنك ستكونين كوردة بيضاء بين مجموعة الأزهار البرية".
ضحكت سيرافينا وقاطعته قائلة بلهجة ظهر فيها بعض الأستياء :
" أوه , لا تتمادى كثيرا ! إنك تجعل وجهها يحمر خجلا بهذا الأطراء الصقلي , وردة بيضاء حقا ! أهكذا تعتبرها أيها العزيز ؟".
" أنها بريئة وطاهرة , أليس كذلك؟".
جلس أمام البيانو وبدأ يعزف بهدوء , ثم أضاف قائلا:
" أتذكّر صقلية هذه الليلة..... وبعض أغانيها التي علّمتني أمي عزفها على بيانو أحضرته خصيصا من روما , تذمّر أبي بضعة أيام من ثمنه وتكاليف شحنه , ولكنها ضحكت وقالت أنها تريده لولديها ........".
صمت فجأة وبدأ يعزف لحنا جميلا شعرت معه دونا برغبة قوية للرقص , أما سيرافينا , فكانت مستلقية بلا حراك على كنبة وتحمل بيدها كوبا من عصير التفاح , وفجأة , وقع الكوب من يدها وراقت محتوياته على فستانها الحريري , هبّت دونا من مكانها وأسرعت نحوها بهدف مساعدتها , تأثرت عندما شاهدت الدموع تتجمّع في عينيها الخضراوين الجميلتين , والضياع والذهول يظهران بوضوح على وجهها.
" هل يمكنني مساعدتك بشيء؟".
أحسّت بيد ريك تضغط برفق على كتفها , وقفت جانبا , فيما أنحنى قرب سيرافينا ورفعها بيديها ...... وأوقفها قائلا:
" تعالي , لا حاجة للبكاء".
راقبته دونا وهو يأخذ سيرافينا الباكية من تلك الغرفة , شعرت بحيرة كبيرة , فمن المؤكد أن أمرأة ناضجة مثل سيرافينا لا تبكي عندما تريق العصير على فستانها.... مهما كان افستان ثمينا وعزيزا على قلبها ! هل بكت سيرافينا تأثرا عندما عزف ريك مقطوعة يتذكّرها منذ أيام طفولته ؟ هل لأنها تعرف عن المأساة في حياته أكثر من أي شخص آخر ؟ أم هو سبب معاملته لها قبل لحظات بمثل تلك الرقة والنعومة والحنان , وكأنها طفلة صغيرة شعرت بحزن كبير لأنها لوّثت ثوبها وأفسدته نهائيا؟
خرجت دونا الى الشرفة , حيث كان نسيم الليل عابقا برائحة زهر الليمون والورود الجميلة على أنواعها , تأملت السماء الصافية وآلاف النجوم التي تسطع فيها , وراحت تلاحق تلك الطيور الكبيرة التي تحلق في الفضاء بأجنحتها القوية الجميلة , شعرت بأنقباض غريب , وتأثر كبير للرقة التي أظهرها ريك عندما أخذ سيرافينا الى خارج الغرفة , كان يطوّق خصرها بذراعه ويضع رأسها على كتفه..... وكانت بينهما ذكريات مشتركة لا يمكن لها هي أن تتدخل فيها أو أن تصبح جزءا منها.
أسندت رأسها بهدوء الى الحائط , فيما ترددت في تفكيرها وفي قلبها أنغام تلك المقطوعة الموسيقية الجميلة التي عزفها ريك قبل قليل , أحست بالتأكيد أنه لن يمكنها أبدا أن تقدم طوعا على أحداث شرخ بين ريك وتلك الممثلة اللامعة المزاجية التي هي جزء من حياته منذ زمن طويل , شعرت أن بينهما مودّة دافئة وعلاقة حميمة ستبقيانها خارجا .... وبعيدا , لم تعد تشعر بالدفء والحرارة لأن ريك يحبها ويريدها.
أحنت دونا رأسها وهي غارقة في التفكير والتحليل , ربما كان من الأفضل ألا تذهب مع ريك الى عرس أسونتا , حيث سيكون الجو مشبعا بالحب والغرام .... والربط بين قلبين الى الأبد , شمّت رائحة التبغ قبل وصول ريك الى جانبها , فأستدارت نحوه وسألته بأهتمام صادق :
" كيف حالها الآن ؟ هل هي على ما يرام؟"
" نعم , أخذت الحبوب المهدئة للأعصاب وذهبت الى سريرها , أنها تواجه حاليا مثل هذه الحالات المزعجة , لأنها تقاعدت منذ بعض الوقت ولم يعد لديها شيء آخر تفعله , ولهذا السبب بالذات أقترحت عليها كتابة مذكراتها عن حياتها في السينما".
" هل أنت أقترحت ذلك , يا ريك؟".
" لما لا ؟ كانت فنانة رائعة .... وكانت من جوانب عدّة نوعا نادرا من النساء وشجاعة أكثر بكثير مما تتصورين , يجب أن يتمتع الأنسان بأكثر من الجمال والجاذبية ليضع نفسه في قلوب الناس وعقولهم , ظلّت سيرافينا , النجمة اللامعة والفنانة القديرة , تتربع على عرش هوليوود لفترة طويلة لم يشهد لها عالم السينما مثيلا , أما الآن , فلم يعد لديها أي متنفس آخر لعاطفتها الجياشة وأنفعالاتها الحادة.
" لديها أنت , يا ريك".
" هذا صحيح , يا دونا , ولكنني أعتقد أنها تدرك تماما وجود بعض الفراغ في العلاقة القائمة بيننا , أنني أعطيها من نفسي قدر أستطاعتي , ولكن ثمة أجزاء مني لا يمكنني أن أعطيها أياها , أتمنى من صميم قلبي........".

توقف فجأة وشعرت دونا أنه أبعد نظره عن النجوم وأخذ ينظر اليها بشكل جانبي , توترت أعصابها وتمنت ألا يضع يده عليها ! إنها متضايقة جدا , وقد تركض بعيدا عنه أذا حاول لمسها .... أو أن ترمي نفسها عليه وتجده أقل مناعة هذه الليلة من أي وقت مضى , شعرت بأنه يائس مثلها ..... ولكن كرامتها لا تسمح لها بأظهار عواطفها له هذه الليلة لمجرد أن سيرافينا أخذت حبة مهدئة للأعصاب وتغط في نوم عميق , ليس من الخطأ أبدا أن تكون معه .... وأن تحبه ..... ويحبها , ولكنها شعرت بأنها لن تتمكن من ذلك..... مخافة أن تفسد تلك العلاقة الرومنطيقية والجميلة معه.
حدّقت مرة أخرى بنجوم الليل البرّاقة..... صافية , رائعة , ويستحيل جرّها الى الأوحال , هكذا تريد حبها أن يكون ..... بعيدا عن متناول يدها , ولكنه ثابت وأكيد مثل هذه النجوم , عندما أدركت دونا ذلك , شعرت بأنها أصبحت الليلة أكثر نضوجا ورشدا ..... وبأن حبها موجود في قلبها أكثر من أي مكان آخر.
أطلقت تنهيدة خفيفة....... أنها تحبه حبا حقيقيا , وليست بحاجة لأثبات عواطفها كي تشعر بوجود هذا الحب , بإمكانها أن تنظر الى ريك كما تنظر الى النجوم , وهذا هو أجمل شعور في حياتها.
" لماذا تتنهدين؟".
" أنها ليلة رائعة ..... كل ما فيها له معنى وهدف , حتى أصغر الحشرات التي تتنقل بسرعة بين هذه الورود".
" كنت أتصوّر أنك ستشعرين بالحزن ".
" لا , أبدا , أعتقد أنني غضبت فجأة يا ريك , حدث ذلك بدون أن أشعر بتلك التفاهات السخيفة التي تتحدث عنها المجلات والقصص , يضج قلبي حياة وأدراكا .... أنني جزء منك , دون أن تضطر لوضع يدك علي".
" أوه , دونا.........".
" لا , لا تلمسني ! هكذا يجب أن يكون الوضع بيننا كي أتمكن من تحمّله , أنها العفة والطهارة في الحب , وأؤكد لك بأنني أجدها لذيذة وممتعة".
" لدينا النجوم , فلنترك القمر وحده ...... أليس كذلك؟".
" هل شاهدت ذلك الفيلم أيضا ؟ أذكر تماما أنه أبكاني , ولكنني لم أصدّق آنذاك أن شخصين يحبان بعضهما كثيرا ويتمكنان مع ذلك من الأفتراق , ولكن الأمر ممكن , أليس كذلك؟".
" إذا كان الشخصان مضطرين بذلك , سآخذك غدا الى العرس القروي , أذا كان بأمكانك القيام بتضحية أخرى , أؤكد لك بأن سيرافينا لن تمانع بذلك , لأنها ستكون على ما يرام".
" هل أنت متأكد من ذلك يا ريك؟".
" طبعا يجب ألا تغادري أيطاليا قبل حضورك زواجا أيطاليا تقليديا , إنه أحتفال جميل من جميع جوانبه... دافىء , بسيط , وغير معقّد , يجب أن يكون الحب هكذا ..... مثل الفاكهة التي تنضج في موسمها , والمطر الذي يهطل على الأرض العطشى , أنها العملية الطبيعية , وليست المصطنعة المبنية على فكرة سخيفة تقول , أن الرجل والمرأة متساويان , رباه , هل سمعت قبل برجل يلد طفلا ؟ أو أمرأة تصمم وتبني بارجة حربية ؟ خلقنا لكي نكون مختلفين عن بعضنا ....... لكل منا أهميته وصفاته المميزة , ويكمل بعض منا البعض الآخر , هنا يكمن الغموض , ومن هنا تنبع الأثارة.
أطلقت دونا ضحكة خفيفة وقالت :
" أوه , ريك , أنك متعصب جدا للرجال !".
" أنك لا تأخذين كلامي على محمل الجدّ , ربما تجدين أفكاري قديمة العهد , متصلّبة وبعيدة عن العادات الحديثة في الحب والحياة !".
" لا , يا ريك , أنني معجبة بأفكارك , أنها الأفكار المنطقية للرجل الحقيقي, ولا أظنك أبدا من الرجال الذين يريدون النساء قرب أقدامهم ...... يخلعون لهم أحذيتهم ويقبّلون أقدامهم".
" يحمل الجزء الأخير من كلماتك سخرية لاذعة".
" ريك!".
" ألم يكن الأمر كذلك ؟ هيا لندخل!".
" دعنا نبق هنا قليلا نتمتع بهذه النجوم , أوه يا لها من ليلة .... يا لها من ليلة رائعة !".
" من تعرفين غيري رجلا حقيقيا , يا دونا؟".
" أبي طبعا , كانت تقوم بيننا علاقة وثيقة جدا , لأنه فقد زوجته وأنا فقدت أمي , كنت صغيرة جدا وبحاجة ماسة لحب الوالدين معا , أنت وأنا نشبه بعضنا الى حد ما في هذا المجال , يا ريك".
" صحيح , لدينا أشياء كثيرة متشابهة أيتها الحبيبة , أننا ننظر معا الى النجوم ونعرف أنها عيون الجنة , بيننا أنجذاب وصلة روحية.......".
ألتقطت دونا أنفاسها عندما وضع ريك ذراعه حول خصرها , كانت تعتقد أن هناك أنجذابا بينه وبين سيرافينا , ولكن , هل هذا صحيح حقا . هل يكون معها قادرا على الأرتياح , يتصرف بصورة طبيعية ويقول كلمات ذات معان عميقة تستمع اليها بأنتباه مماثل ؟ نظرت اليه فشاهدته يتأمل النجوم ويفكر هل يفكر بالشيء ذاته يا ترى ؟ هل يفكر بأنه أمضى معظم حياته يعشق جمال سيرافينا دون أن تكون بينهما أي صلة روحية؟
" نعم يا عزيزتي , يوجد بيننا أنجذاب وصلة روحية , عرفنا هذا الأمر تلك الليلة في روما ..... عندما رقصنا معا وكان وجهانا مقنعين , ولكن قلبينا لم يكونا كذلك".
" يا للغرابة ! لم أشعر طوال حياتي بسعادة تضاهي سعادتي الآن , يا ريك , أنني مسرورة جدا لأننا ألتقينا , وسعيدة أكثر لأنني لن أمضي حياتي دون التعرف الى رجل لديه كافة المواصفات التي حدّدتها لفارس أحلامي".
" قد يبتسم الكثيرون لدى سماعهم مثل هذه الكلمات , يقولون عني أنني رجل قاس جدا لم تعرف الرحمة سبيلا الى قلبه , قتلت رجلا في حياتي , يا دونا , مع أن المحكمة وجدت لي مبررات كافية لأطلاق سراحي , أحمل مسدسا لأحمي ممثلة متقاعدة , وقد أضطر أستخدامه دفاعا عنها.... أو عن النفس , فأين الفروسية في كل هذا؟".
" أعرف أنها متأصلة فيك ولا يهمني ماذا يقول الناس أو يفكرون".
ضمّها الى صدره بسرعة وغرقا معا في عناق طويل , وفجأة سمعا صوتا ينادي ريك , جمدا في مكانهما , وكل منهما يطوق الآخر بذراعيه , ومع أنه لم يتركها إلا أنه أرتعش قليلا قبل أن يستدير نحو مصدر الصوت , حاول جاهدا أخفاء دونا وراءه وهو يسأل بشيء من الحدة:
" ماذا في الأمر ؟ ماذا تريد مني الآن؟".
كان صوته قاسيا بعض الشيء ونبرته عصبية الى حد كبير ..... كأنه رجل أبعد عنوة عن دفء حلم جميل.


miya orasini غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس