عرض مشاركة واحدة
قديم 26-09-16, 11:25 PM   #2

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

تحمل كتابها الجلدي القديم بين كفيها، وجهها صامت بابتسامة صامتة كصمت المكان الذي تمر به، عيناها سوداوان ثابتتا النظر وكأنها عمياء تحفظ طريقها عن ظهر غيب لتسير بخطوات لا تعرف الخطأ!
ضفيرتها الداكنة ثابتة هي الاخرى متدلية على ظهرها كقطعة نفيسة لا مثيل لها في متحف خاص لا يدرك وجوده إلا النادرون، ثوبها كجناحي حمامة بيضاء يرفرف مع خطواتها فيصل حفيف رفرفتها كهمس دعوات لسكان الصمت الذين غادروا عالم البشر، كانوا يوما ما بشرا يجاهرون برغباتهم الدنيوية حتى تلاشوا وتلاشت اصواتهم معهم مدفونة تحت الارض، وها هم يطلقون آهات الشوق والترحاب بزائرتهم ذات الثوب الابيض، الزائرة التي تحمل كتاب الرسائل، رسائل مرسلة لمن رحلوا.. رسائل يظن من ارسلها انها لن تصل إليهم ابدا، لكنهم جهلاء.. ولا يعلمون ان للموتى عالم اخر ولديهم حمامة زاجلة توصل إليهم كل تلك الرسائل المفعمة بالعاطفة.
تقف وسط القبور تغمض عينيها وتهب رياح العطش من القبور تتلهف لما تحمله من سقيا، في لحظة يسود المكان صمت من نوع آخر؛ صمت الترقب اللاهث!
تفتح الكتاب فيتطاير ثوبها وتحلق ضفيرتها الغراء مغردة في الهواء، الآهات تعلو وتعلو حد الصخب، بينما ترتفع الوريقات محلّقة من صفحات الكتاب متناثرة هنا وهناك وكل وريقة تعرف طريقها لمن ستصل تستقبلها آهة حراقة من متلهف منتظر!
هذا يقرأ دموع حبيبة وهذه تقرأ شجن صديقة وذاك يبكي يُتم ولده وتلك تجزع لانفطار قلب والديها عليها..
هذا يصله الشوق اليائس وهذه يصلها القهر البائس وذاك يصله الحنين والفقد وتلك يصلها حرقة البعد..
وتنتهي المهمة ويعود الكتاب لبياض صفحاته ينتظر ان تغلقه حمامة الرسائل، لكن للحمامة حدس آخر فتفتح عينيها وترى تلك الصفحة التي تحمل سطورا مخفي! تحدق في الوريقة التي لم تغادر محلقة نحو صاحبها او صاحبتها، فيزداد شعورها بالغرابة عندما هفت الهمس وكل ساكن تحت التراب رضي بما وصله.
تعبس.. تتغير ملامحها في لحظة لتصبح أقرب لملامح البشر!
هذه الوريقة تسكن كتابها منذ شهر؛ تشعر بأسطرها تحترق لوعة، لكنها أسطر بلا حبر يقرأ ولا عنوان مرسل، تظل قابعة محتارة ها هنا في خجل والتصاق داخل كتابها الجلدي.
تسمع همسا غير مفهوم.. انه همس يختلف عن همس من توصل الرسائل لهم، همس حي وقد باتت تفقه جيدا نبرات همس الاموات!
للحظة تتلفت يمينا ويسارا.. فوقها وتحتها، تعجب.. تذهل من ريح غريبة تحاوطها من كل جانب والهمس الحي يتحول لقلب نابض.. نابض..
خرج صوتها من بين شفتيها " من انت؟ "
فلا تصلها الا آهة فتانة خشنة تلفح بحرارتها وجنتيها حتى احمرتا احتراقا!
تعاود النداء بصوت أعلى " اكشف عن نفسك.. من انت؟! "
ضحكات.. ضحكات خافته تداعب اذنيها وتسخر بسلاسة من جهلها بما لم تتصور انها تجهل به!
هذه منطقتها.. مكانها.. حيزها.. حيث تفهم اوراق الشجر كما تفهم اوراق المراسيل.. تفهم همس الموتى تحت صلادة شواهد قبورهم الرمادية.. تفهم حوار الحشرات وشجار الحيوانات وشكوى أقدم الاشجار من طول العمر.
اذن.. من هذا الغريب الذي اقتحم عالمها ويسخر من جهلها ويلاحق صفحات كتابها ليترك فيها رسالة مبهمة لا أسطر ولا حروف فيها؟!
غضبت واشتعل سواد عينيها بنيران كغروب الشمس وتسللت بين جدائل شعرها خطوط اكثر احمراراً ولهيباً.
***
يخفى وجهه ذو الملامح العابثة تحت ظل قبعته السوداء الطويلة يطرق قليلا برأسه وهو يلامس بأطراف انامله حافة تلك القبعة الغبراء يخفي ابتسامته مستمتعا بحيرتها وغضبها الاحمر، جالسا على كرسيه المنجد ببدلته الداكنة يمسك عصاه الغليظة يستند عليها بيده الاخرى او ربما هي من تستند اليه فيحلو له ان يهز استقرار عصاه تلك وهو يتلاعب بها بين انامله كما يتلاعب بكتاب تلك الحسناء زائرة القبور حاملة الرسائل.. فيدس سرا رسائله الغامضة اليها.. تناغشها تحيرها تثير حنقها وغضبها.
تتراقص ابتسامة العبث على شفتيه وهو يستقبل دفعة جديدة من اوراق الخريف فتهل معها ارواح جديدة معها.. تمر به.. تهوى التشبث به بينما هو يهدهدها بترنيمة تقطع اخر ارتباط لهواها بالدنيا.
لا يلهيه الاستقبال اليومي الحافل هذا عن متابعة حاملة الرسائل والتحديق فيها عبها عبر عوازل وعوازل تعلّم عبر الزمن كيف يتسلل خلالها كلص محترف يسرق متى شاء ويدس ما يشاء ليلهو مع من يشاء.
مذ تقاطعت دروبه معها في عوالم لا تتقاطع بالعادة وهو يشعر بانشداه طفل بشري نحو كرة نارية مخادعة بخمود نيرانها، وكم يستفزه ان ينفخ أكثر وأكثر في جمرات النيران فيرى دكنة عينيها كما يفترض ان تكون. حمرااااااااء كلون اوراق الخريف التي تقبل نحوه وتسمعه اصوات المغادرين في لحنها الدنيوي الاخير.. كم يعشق الاحمر!
اتسعت ابتسامته بخبث وانامله تتحرك فوق العصا لكنه في الواقع كان يمد تلك الانامل لخديها المشتعلين بحمرة الغضب يرسم خطوطا وهمية من فتنته بالفتاة لكنها ابدا لم تكن وهمية بتأثيرها عليه و.. عليها.
شيء ما خفق! احساس مريع فاتن خلاب محير متناقض ثب وثوبا في جانب ايسر من محيط صدره، رفع رأسه بانشداه وسقطت عصاه ارضا وهو يرفع انامله تلك امام وجهه ليتحسس لمستها!
لقد.. دفعت اصابعه بعيدا عن خديها المشتعلين! كيف فعلتها؟ كيف اخترقت عالمه وهو كان من يخترق عالمها فقط؟!
سمع هدير صوتها " اياك ان تلمس ناري! " ضحك عاليا ليقف على قدميه في رمشة عين ثم يبدأ بتحريك ذراعيه في دوائر ودوائر لتهتاج الاوراق الخريفية معه وهو يقول بصوته الخشن " يوما بيوم يا فتاة النااااااااااااااار "
صخب ضحكاته تلاحقها وهي تغلق كتابها بعنف لتغادر المكان بثباتها رغم الريح التي تعصف من حولها غافلة عن حروف من نار تكتب في الرسالة المدسوسة في كتابها.
التقط عصاه من الارض بينما مسامعه تلتقط خطواتها الغاضبة وهي تعود لعالمها الخاص من حيث أتت؛ حيث كرتها البيضاء الشفافة، حيث مساحتها الخصوصية.. حيث بيتها ومأواها.. تنام كل ليلة ساعة واحدة بينما يحوم هو حولها من بعيد عبر جدران العوازل التي تفصلهما عن بعض يصارع تلك الضبابية الشديدة فقط كي يلمح رجفة النوم على جفنيها.
وبينما هي توشك الدخول لكرتها البيضاء الثلجية لسعها الكتاب وكأنه يطرق باب خلجاتها ففتحته بفضول لتحدق مبهورة في الاحرف التي اخذت ترتسم بخط النار امامها.
تمتم هو عبر الاثير الضبابي.. حسن.. لقد تلقت انذار الحضور.. حان وقت زيارة صبرت عليها كثيراً





يتبع...



التعديل الأخير تم بواسطة كاردينيا الغوازي ; 02-07-22 الساعة 05:07 PM
كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس