وأخيرا ارتدت تراسى تى – شيرت أقل جاذبية وبنطلونا قصيرا لونه وردى وعندما توجهت إلى الميناء ثانية , كان جرانت مورجان قد اختفى , لابد أنه سعيد جدا بفوزه فى هذه المعركة . وهكذا أقسمت تراسى بينها وبين نفسها أن تكون حذرة دائما , وكل ما يهمها الآن هو هذه الرحلة العلمية التى تنوى الوصول بها إلى بر الأمان .
samirf
عثرت الفتاة على السيارة الـ تويوتا الحمراء بسهولة , وبدأت تقودها بهدوء .وعندما وصلت إلى المستشفى سألت عن حجرة ويل جاكوبز , ثم بدأت تسمع صوته الأجش عبر ممرات الحجرات وهى فى طريقها إليه وكان يقول :
- إنهم يرفضون كل شئ هنا ! إن الموت أفضل بالنسبة لى ! والآن هأنتذى تفرضين على قانونك ايتها الفتاة الصغيرة ولكنك سترين من أنا ! ..
وعندما دخلت تراسي الحجرة . وجدته جالسا فى فراشه , يوجه حديثه إلى سيدة جميلة ناضجة ترتدي زي المستشفي وتبدو صبورا جدا . وعندما تلاقت نظرات الممرضة بنظرات تراسي فوجئت السيدة بصياح البحار الهرم كأنه الرعد :
- ها هي ذي معجزتي الصغيرة ! تعالي هنا يا بنيتى حتى أراك بوضوح وابتعد عن هذه المرأة المسنة .
قالت تراسى ضاحكة :
- انت حقا ثعلب هرم معاند .
ثم مالت الفتاة نحوه لتقبله وهي دهشة من رؤيته هكذا , فبدا كأنه مستعد تماما لمغادرة الفراش فورا ومعاودة حياته الطبيعية من جديد .
ولكنها بمجرد أن رأت عينيه عن كثب حتى غيرت رأيها , فهو يبدو مرهقا متألما جدا , وقوته هذه قوة ظاهرية ليس أكثر .
لقد تمكن منه المرض حقا وكل هذا الصياح لم يكون سوى قناع يخفي وراءه الخوف الذى يملأ قلبه , نعم إنه يعرف الموت جيدا .
سحبت تراسي مقعدا وجلست قريبة منه وأخذت تداعب برقة , إنه حقا بحاجة إلى المزاح والضحك .
- لقد قيل لى إنك تمضى عطلتك هنا , كم اتمنى حجز غرفة فى نفس الفندق معك !
- عطلة ! إنك تضحكيننى , إننى على ما يرام , ولكن هؤلاء الأشخاص لا يريدون تركي وشأنى , أنا أعرف جيدا أنها الممرضة التى تريد بقائي هنا , بالمناسبة , أقدم إليك بيتي واتسون .
samirf
لاحظت تراسي نظرات ويل القاسية للممرضة بينما نظرت إليها السيدة بهدوء وبدت السيدتان كأنهما متعارفتان !
وعندئذ نظرت الممرضة إلى تراسي وقالت لها :
- إنه ليس من حقه التعرض لزيارات لمدة طويلة , سأتى إليك بعد قليل , فـ ويل الهرم بحاجة إلى الراحة , ولكنه لا يكف عن القيام بهذه الحركات العنيفة كأنه يرقص على لحن الرقصة الجاوية !
وعندئذ خرجت الممرضة وهى تستمع إلى كلمات الرجل اللاذعة :
- الرقصة الجاوية , نعم وأريد أن أراك ترقصين هذه الرقصة معي ... يجب ان أعلمك إياها ! ولكن عليك أن تكوني أكثر لطفا !
قالت تراسي وهي تجيب عن غمزة عينيه بتقطيب وجهها :
- أنت شخصية لا يمكن تغييرها .
تمدد الرجل فى الفراش وهو يتنفس بعمق ويريح رأسه على الوسادة , نعم , يبدو مرهقا , وهنا شعرت تراسي بوخز في قلبها , فهي لم تره هكذا من قبل , لقد كان دائما كثير الحركة محبا للمزاح , وقد تأكدت منذ أول مرة فيها أنه لن يتقبلها إلا إذا كانت ذات مزاج عال .. وتقبلت مزاحه بصدر رحب , وسرعان ما تفاهما معا , وبدا الرجل يعتبرها كأنها ابنته , ومرت الحياة بينهما خلال رحلاتهما معا رائعة يسودها الاحترام المتبادل .
ولكن تراسي لا تستطيع الاحتفاظ بروحها المرحة معه , وحقا تشعر بالألم الشديد لرؤيته , وكأنه يحاول إخفاء ألمه وحزنه عنها .
أمسكت الفتاة بيده وهي تقول :
- إذن الامور ليست على ما يرام .
samirf
- لقد مررت بالأسوأ من ذلك وأنت تعرفين , لقد فقدت توازنى على متن الباخرة " برفيدي " , ولكن لحسن الحظ , كان جرانت بجانبي فى هذه اللحظة ونجح فى الإمساك بي حتى لا أجد نفسى خارج السفينة ملقى على الأرض ! عندئذ تذكرت تراسي لقاءها بـ جرانت مورجان .
- أعتقد أنك تعرفت على الربان الجديد . وإذا كنت لم تستطيعي الإعجاب به , فذلك لن يدهشنى ...
- الحق إننى لم أركع على ركبتي بمجرد رؤيته , هذا ما تريد قوله , وهذا ما كان يتوقعه هو .
- أنت لست الأولى , ولكن كما أعرفك لا بد أنك قد وجهت إليه الصفعة المناسبة التى تؤكد له عدم إعجابك به .
ضحكت تراسي فهو لم يبتعد عن الحقيقة كثيرا .. ولكنه يبدو قادرا على لعب الكاراتيه , فقد نجح فى التصدى لي , واعترف انه لابد أن أكون ناسكة حتى لا أقع فى غرامه .
samirf
- حسن جدا يا صغيرتي .
بدا صوت الرجل الهرم واهنا , فشعرت تراسي بضرورة قطع الزيارة .
- لا داعي لتهنئتي .. ولكننى سأتركك الآن , ربما تكون لا تخاف من ممرضتك , أما أنا فأخاف من نظراتها كما أننى سأقوم بجولة سياحية قصيرة ثم أعود إلى الباخرة وإلى الربان , فقد أعارني سيارته . ومن المؤكد إنه يخشي رحيلي فى نزهة طويلة دون ترك عنواني .
نهضت الفتاة من مكانها ثم مالت لتقبل الرجل على وجنته وهي تقول :
- استرح جيدا , فانا أريد رؤيتك فى الميناء لدي عودتنا إلى داروين .
- لو كان يوجد بعض التسلية هنا فقط !
هل يمكنك إحضار زجاجة من الشراب لى فى السر ؟
samirf
- لقد جننت !
وعندئذ كانت الممرضة قد وصلت إلى الحجرة , فصاحت لسماع هذه الكلمات . ولكن تراسي استدارت نحوها وهي تقول :
- لا تخشي شيئا , فلن أفعل ذلك أبدا .
- حسن جدا , ولكن الجميع لا يتصرفون مثلك .
وفى هذه اللحظة كان ويل فى فراشه كأنه طفل صغير يشاهد معركة أمامه . فنظرت إليه تراسي بحدة .
- تري من هذا الذى نجح فى إقناعك بهذه الحماقة ؟ أتمنى ألا يكون أحد من الطاقم !
samirf
وأمام نظرة الممرضة , فهمت تراسي على الفور .
لابد أنه بريان روبرتس ! هذا الشخص الأبله .
- إنه ذو شعر أحمر . ويبدو كأنه فى الخامسة عشرة من عمره .
أجابت الممرضة :
- نعم هو واعتقد أن شعره أصبح ناصع البياض الآن . فقد ظل الكابتن مورجان يصرخ فيه بقوة حتى سمعه المستشفى كله .
قال ويل :
- لقد فوجئ الغبى بـ جرانت فى حجرتى .
- إذن فهمت سر غضب مورجان ! إنه يحقد على .
samirf
- ولكنك كنت فى الطرف الاخر من العالم أمس .
- نعم , ولكن بريان فرد من الطاقم العلمي . وحتى لو كنت غير مسؤولة عن اختياره بين أفراد الطاقم . فأنا المسؤولة عنه الآن .
قاطعت الممرضة الحديث قائلة :
- ولكننى أعتقد أن الكابتن مورجان سيعيده إلى صوابه بعد ذلك .
- ولكن هذا الشاب الغبي سيعرف من أنا .
قال ويل :
- كلا . لا تكونى قاسية معه , فلم يكن خطأه كما أن جرانت عاقبه بما فيه الكفاية .
- مورجان لا شأن له بهذه القصة , فأنا المسؤولة عن هذا الطاقم وحساب بريان معى انا .
- ولكن تذكرى يا صغيرتى , انه الربان على الباخرة ...
ولاتجعلى منه عدوا لك ...
samirf
سكتت الفتاة لحظة وهى تتأمل الربان الهرم . نعم , لم تواجه معه أبدا أى صراع على السلطة , فقد كانا يتخذان أهم القرارات وسط الصياح والمزاح , ولكن يبدو أن الامر مختلف مع الربان الجديد .
رفعت الفتاة كتفيها وهى تلوح بيدها نحو ويل والممرضة , ثم خرجت من الحجرة .
كان الوقت صالحا للتنزه عقب الظهيرة , ولكنها لن تجوب طويلا شوارع المدينة , فهى تريد العودة بسرعة إلى الباخرة لمقابلة بقية أفراد الطاقم , كما يبدو أن هناك مشاحنات بين بريان ومورجان .
samirf
ولابد لها من التعرف على أفراد الطاقم الآخرين حتى يمكنها تأكيد سلطتها فيما بعد , ولكن مع بريان روبرتس وجرانت مورجان لن تمر الأمور بسلام , وكل ما تتمناه الآن ألاتظهر مشكلات جديدة بينها وبين البقية الباقية .
ولدى وصولها إلى برفيدى , حاولت تراسى تغيير لهجة حديثها .