عرض مشاركة واحدة
قديم 01-10-16, 09:19 PM   #37

may lu

كاتبة بمنتدى من وحي الاعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية may lu

? العضوٌ??? » 107341
?  التسِجيلٌ » Jan 2010
? مشَارَ?اتْي » 2,587
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » may lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond reputemay lu has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل السادس
اندفعت (راندا) خارج غرفتها كالمجانين و هى تصرخ بإسم (زياد) ... قطعت المسافة بين جناحيهما و هى تدك الأرض تحت خطواتها الغاضبة و هى لا تتوقف عن الصراخ بإسمه ... أصابت بالصدمة كل من التقاها من الخدم فى طرقات القصر التى تقطعها بجنون و هيئتها المرعبة أخرست الجميع و هم يرون السيدة الصغيرة بهذا المنظر المذرى تصرخ كساحرة مجنونة و خصلاتها الطويلة الملونة تتطاير خلفها تزيد من مظهرها الجنونى ... بدا أنها لم تنتبه أبدا لأى شخص آخر و عيناها لا تريان أمامها سوى صورة (زياد) و هو مضرج بدمائه بينما الصحف تتحدث عن مجنونة آل (هاشمى) التى تمكنت أخيرا من القضاء على الشخص الذى كان السبب الرئيسى فى إصابتها بالجنون ... كزت على أسنانها .. ذلك الوغد ... هى نادمة على أنها قضت الليل كله تشعر بالحزن من أجله ... لا يستحق .. هو لا يستحق ... و ما ستفعله به الآن هو الشئ الوحيد الذى يستحقه و لن تهدأ نارها قبل أن تنتزع منه كل حساباته القديمة و المتأخرة ... كانت قد وصلت غرفته فعادت تصرخ بإسمه و هى لا تتوقف عن ركل باب غرفته بجنون و صراخها يرتفع حتى سمعه كل من فى القصر الكبير
_"(زياااااااااد) ... أيها الوغد ... افتح هذا الباب حالا أيها الأحمق .. افتح و سترى ما سأفعل بك ... (زياااااد) ...أنا سأقتلك .. سأقتلك أيها الوغد ... افتح هذا الباب اللعين أيها الغبى"
كانت لازالت تركل الباب و تدفعه بكل قوتها حين انفتح فجأة فاندفعت داخل الغرفة بكل ثقلها دون أن تتمكن من دعم جسدها ... كادت تسقط أرضا لولا أن توازنت فى اللحظة الأخيرة ... استقامت و هى تنظر أمامها إلى الغرفة الفارغة بعينين مشتعلتين ... أين ذهب ؟! .. كادت تصرخ لولا أن انتبهت للحركة الخافتة خلفها فالتفتت بسرعة نحو (زياد) الذى كان يقف قرب الباب بعد أن فتحه فجأة لها ...
كان (زياد) قد عاد فجرا و جسده متعب و عقله و قلبه مثقلان بالهموم و آلام لا تريد أن تتوقف قليلا و ترحمه ... كانت ضربة قاسية تلك التى تلقاها بالأمس .. أكثر قسوة و ألما مما توقع أعادت فتح الجرح الذى اعتقد أنه قد كواه قبل عودته فإذا به يكتشف أن الجرحَ مفتوحٌ على أقصى إتساع لتأتى هى و تذر ملحا حارقا فوقه دون رحمة ... ظل يجوب بسيارته شوارع المدينة التى ضاقت على إتساعها بضيق روحه التى عاودت جراحها النزيف ببشاعة دون توقف ... عاد دون أن يتمكن من النوم لحظة ... أغمض عينيه لتطارده الكوابيس التى أمعنت فى طعنه كأنما الواقع لا يكفيه ... لا يعرف كم مر من الوقت و هو غارق فى كابوس قاتل لا يرحم ... لكنه استيقظ على أصوات عالية تناديه ... كانا (رامى) و (رفيف) الشقيين ... توأم شقيقته الراحلة اللذين انتزعاه من ظلمة أحزانه فجأة ... لم يتوقفا عن القفز على فراشه و هما يناديان بإسمه ففتح عينيه ليتوقفا عن القفز و هما يندفعان ليغرقانه فى عناق و قبلات لانهائية ... ضحك و هو يضمهما إلى حضنه بحب و يغرق أحزانه كلها فى أحضانهما الملائكية الصغيرة و حبهما اللامحدود له .. ابتسم و هو يستمع لهذرهما الطفولى يخبرانه كم اشتاقا له طيلة سفره و كم يحبانه و لم يتوقفا لحظة و هما يتبادلان الحديث .. يتوقف أحدهما ليتولى الآخر مكانه ... يخبراه بكل ما فاته من أحداث و ماذا فعل كل شخص فى العائلة فى غيابه ... خصوصا (ميسا) الشريرة التى لم تتوقف عن تعنيفهما ليتوقفا عن شقاوتهما ... و عندما كاد الحديث ينزلق بهما ليخبراه عن (وتين) و حفل خطبتها الذى كانت تبدو فيه كسندريلا ... أوقفهما عن طعنه مجددا ... اعتدل فى فراشه ليقلبهما عليه و يهجم عليهما مدغدغا حتى صدحت ضحكاتهما العالية فى جو الغرفة .. قبل أن ينتزعا نفسيهما من هجومه الضارى ليبادلاه هجوما أقوى و هما يتعلقان بعنقه و صرخاتهما السعيدة لا تتوقف .. نهض يدور بهما فى الغرفة و جسداهما الصغيران معلقان بجسده كالقرود ... أغرق كل همومه معهما ... ناسيا أو متناسيا لكنهما انتزعا جزءا كبيرا من ألم روحه ... ذكراه بوالدهما حين سافر إليه قبل شهرين ليقنعه بالعودة للمنزل و أن يكتفى من غيابه الطويل و انتهى الأمر به هو و قد مد أجازته و حل ضيفا على (آدم) ... (آدم) الذى برغم ألامه الشخصية احتوى حزنه و ألمه و انهياره الجنونى حين بلغه خبر خطبة (وتين) أثناء سفره ... منحه أذنا صاغية و قلبا داعما كعادته معه منذ الصغر ... يتذكر كيف ضمه إليه بقوة يخفى دموع القهر و الشعور بالخيانة التى تسربت من عينيه رغم كل مقاومته ... (آدم) أخرجه من كل يأسه و دفعه للعودة لينتزع ما يؤمن أنه حقه وحده ... أرغمه على العودة حتى و هو مستمر فى الهرب بعيدا عن عائلته و طفليه اللذين حُرما من أمهما فجأة ليلحق بها والدهما .. لذا أفسدهما هو و (راندا) دلالا علهما يعوضانهما قليلا عن غياب أبويهما ... و هاهما صغيراه هما الآخران يتمكنان كوالدهما من إنتزاعه من ألمه و كوابيسه السوداء بحبهما و مرحهما المعدى ... بقى فقط جزء من الألم يتشبث بصدره لا يريد الرحيل و هو يعرف الشخص المناسب لينتزعه إنتزاعا ... حسنا يجب ان يستدرجها لأرضه أولا و هو يعرف كيف ... ألقى بنفسه و بهما فوق الفراش و هو يصرخ بهما يمثل الإستسلام و يهتف لهما بلهاث مصطنع
_"توقفا .. توقفا ... أنا أستسلم .. لقد انتصرتما"
أطلقا صيحات منتصرة كالهنود الحمر جعلته يطلق ضحكة عالية قبل أن يقترب منهما ليهمس لهما بخطة جديدة و رائعة جدا ... أخبرهما بالتفاصيل سيبدآ بغرفة (ميسا) أولا و يجب عليهما الحذر حتى لا تستيقظ و تفسد الخطة ... ثم يذهبا رأسا إلى غرفة (رورو) التى أكدا له أنها غارقة فى نوم عميق جدا لم يستطيعا أن يوقظاها منه صباحا رغم كل محاولاتهما الحثيثة ... أسرع الصغيران للخارج لينفذا الخطة التى وعدهما أنها ستجعل (راندا) تتحول و تصرخ كالساحرات الشريرات ... نهض (زياد) و هو يتابع خروجهما بعينين استعادتا بعض حزنهما من جديد ... هز رأسه يتخلص من أفكاره قبل أن تبتلعه دوامتها من جديد و هو يسرع إلى الحمام الملحق بجناحه ليأخذ دشا سريعا يتخلص فيه من آثار النوم ... خرج بعد وقت و هو يجفف شعره بمنشفة ألقاها على أحد الكراسى بغرفته ... غير ثيابه و أعد كوبا من القهوة السريعة كعادته كل صباح ليستعيد نشاطه و جلس ينتظر قدومها .. ارتشف قليلا من كوبه و هو ينظر فى ساعته يحسب كم مر من الوقت ... عاد يتطلع نحو الباب و إبتسامته العابثة تتجدد على شفتيه ... قليلا بعد و ستقتحم المكان بكل جنونها و غضبها النارى الذى هو فى أشد الحاجة إليه الآن ... رشفة أخرى و نظرة ثانية للوقت قبل أن يرفع أصابع يده يعد تنازليا
_"ثلاثة ... اثنان ...واحد و ... أكشن"
لم يكد يتم جملته حتى تعالت صرختها حاملة إسمه إلى أذنيه ... ابتسم و هو ينهض عن كرسيه ببطء ينتظر وصولها إلى غرفته ... كان صراخها يتعالى و هى تقترب حتى وصلت لتنهال بكل جنونها ركلا على باب الغرفة حتى كادت تحطمه ... وقف بهدوء خلف الباب ليفتحه فجاة و هو يراقب إندفاعها اللإرادى إلى المكان بكل زوابعها و براكين غضبها ... وقف خلفها بهدوء و من مكانه كان قادرا على رؤية خصلات شعرها المشعثة بألوانها المجنونة و بيجامة نومها المجعدة من أثر النوم ... رفع كوب القهوة يأخذ رشفة أخرى بإستمتاع حين التفتت نحوه فجأة ... اتسعت عيناه عن آخرهما و هو يبصق القهوة من فمه ... وضع يده على فمه يكتم شهقته و هو يكتشف إلى أى حد بدا شكلها مذريا ... هذان الشقيان تماديا جدا فى تنفيذ الخطة ... عادت عيناه تلمعان مجددا بإبتسامة رأتها بوضوح و عرفت أنها ارتسمت على شفتيه المختفيتين خلف كفه ... ازداد إشتعال البركان داخلها و هى تراه يفقد كل سيطرة على ضحكاته لتدوى بهيستيرية جنونية حتى طفرت الدموع من عينيه ... نظر نحوها من بين دموع الضحك و هو يحاول التوقف دون جدوى ... اقترب منها دون أن يتوقف عن الضحك وضع الكوب على منضدة قريبة ... اقترب ليدور حولها يتأملها جيدا و هو يقول وسط ضحكه
_"ربااه ... (راندا) هل نظرتِ فى المرآة قبل أن تخرجى من غرفتك بهذا المنظر و أمام كل من فى القصر؟! ... لابد أنكِ قد أصبتِ الجميع بصدمة عصبية .. يا الله !! لا أتخيل ردة فعل العمة (ثريا) إن رأتك هكذا ... قد تموت من الصدمة لا قدر الله"
كانت تضم قبضتها بكل قوة و هى تكز على أسنانها و تتابع حديثه بينما يمد يده و يمسك ببعض خصلاتها الملونة
_"اخبرينى هل هذا مظهر جديد تبعا لموضة ما (راندا)؟! .. لم أعرف أنكِ تتبعين تلك الصيحات المجنونة"
و مط شفتيه بأسف و خفض جفنيه بحزن مصطنع و هو يتابع
_"للأسف ... لقد صدمتينى فيكِ (راندا) .. أسوأ صدمة"
شدت قبضتها و حركت رأسها و هى تأخذ نفسا عميقا قبل أن تقول بعنف
_"(زياد) ... لقد تماديت حقا فى ألاعيبك معى ... لم أنس بعد ما فعلته البارحة لتكمل علىّ اليوم ... حسابك ثقُل جدا معى (زياد) و قد حذرتك قبلا"
كتف ذراعيه و هو يقول بسخرية كأنما يختبر أقصى درجات الغضب داخلها
_حقا؟! .. ماذا تنوين ؟! .. أنتِ تهددين بقتلى .. أرينى ماذا تستطيعين فعله بجسد صغير كهذا"
_"أستطيع فعل الكثير أيها الغبى"
_"حقا؟! .. مثل ماذا؟!"
_"مثل هذا"
قالتها و هى تدور حول نفسها نصف دورة و ترفع قبضتها لتهوى بها على فكه بكل قوتها لترتطم به فى لكمة قاسية جعلته يتراجع للخلف يحدق فيها بذهول و عينين متسعتين فابتسمت بشر و هى تلهث قائلة
_"هذه لفعلتك الدنيئة أمس"
و عاجلته بلكمة أخرى على الفك الآخر قبل أن يستوعب و هى تتابع
_"و هذه من أجل فعلتك الشيطانية بى اليوم .. و هذه لأجل .."
قبل أن تهوى لكمتها الثالثة على فكه مجددا كان قد خرج من ذهوله و هو يلتقط قبضتها داخل كفه القوى و هو يمسكها بكل قوته مانعا إياها من محاولة لكمه ...آلمتها قبضتها و ذراعها المعلقة فى الهواء فيما كان هو يدلك فكه بكفه الحر و هو يهتف بألم
_"تبا ... لكِ قبضة سيئة ... كيف تعلمتِ اللكم هكذا؟!... لا بأس .. لاتتخيلى أنكِ لمجرد أن تعلمتى كيف تلكمين سوف تتمكنين من .."
قطع جملته بآهة طويلة حين باغتته بحركة قتالية أخرى مفاجئة من ساقها أصابت ساقه قبل أن تقوم بحركة أخرى طرحته أرضا فانحنت تثبته و هى تضع كفيها حول رقبته هاتفة و هى تلهث
_"لا تستخف بى (زياد) .. أنا أكثر من قادرة على أن أدمى وجهك الوسيم هذا لكننى أشفق على أستاذ جامعى مثلك أن يكون واجهة مرعبة للطلاب المساكين ... لذا سأكتفى بخنقك"
أمسك قبضتها بقوة يبعدها عن خناقه و هو يهتف
_"تبا .. انهضى عنى ... انهضى أيتها المجنونة"
رفعت نفسها فجأة لتقف متحفزة بينما نهض هو الآخر هاتفا
_"ماذا كان هذا قبل قليل ؟ ... متى تعلمتِ كل هذا؟!"
هزت كتفيها بلامبالة و هى تقول بينما تأخذ وضعية قتالية
_"التحقت بنادى فنون قتالية أثناء سفرك ... هيا توقف عن الكلام و استعد للموت "
هتف بإستنكار و سخط
_"استعد للموت ؟!! .. و نادى فنون قتالية؟! .. هل أنتِ مجنونة؟!"
هتفت به و هى تندفع نحوه لتتابع قتالها له
_"أجل .. و سأكون مجنونة رسميا إن لم أبرحك ضربا مقابل ما فعلت بى"
اتخذ وضعا دفاعيا تلقائيا و استقبل ضربتها على ذراعه و صد ضربة أخرى و هو يضحك هاتفا
_"حسنا .. توقفى أيتها المجنونة .. ماذا يرضيكِ ؟! .. هل تريدين إعتذارا؟!"
هتفت بشراسة و هى توجه ضربة خائبة أخرى و قبضتها استقرت فى كفه مجددا
_"أريد دمك"
شد على قبضتها قائلا بصوت رقيق و هو يقترب منها فجأة بطريقة أثارت ريبها
_" فقط دمى ؟! .. اطلبى أى شئ جميلتى .. كُلى لكِ و تحت أمرك"
عقدت حاجبيها و عقلها يحاول فهم الموقف الجديد و هى تراه يقترب أكثر و هو مازال ممسكا بقبضتها داخل كفه .. اتسعت عيناها فى ذهول و هى تشعر بذراعه الآخر يحيط خصرها ليقربها منه و جسدها تجمد فى عدم فهم وشفتاها تحركتان بغباء لتسأله
_"ماذا تفعل؟!!"
سمعته يهتف بوله
_"هل أخبرتك كيف أدرتِ عقلى أمس عندما لمحتك أول ما دخلت إلى قاعة الحفل؟ .. لم أعرف أنكِ كنتِ تخفين كل هذا الجمال خلف شراستك (رورو)"
نطق بإسم دلالها الخاص بـ(رامى) و (رفيف) بطريقة جعلت قشعريرة خوف تسرى فى جسدها و هى تتساءل فى حذر ما هذه الإستراتيجية التى يتبعها الآن ... هى تعرف (زياد) جيدا كراحة يدها .. هو بالتأكيد يخطط لمكيدة ما و لن تكون (راندا هاشمى) إن لم تفسد مخططه الجديد أيا كان ... همست من تحت أسنانها
_"(زياد) هل جُننت الآن ؟ .. أعرف أننى طرحتك أرضا قبل قليل ... لابد أن رأسك قد أصيب، لكنى لا أعتقد أن الصدمة كانت بهذه القسوة .. دعنى أرى"
و مدت كفها تتحس مؤخرة رأسه بسخرية .. كانت يدها قد غاصت بين خصلات شعره الناعمة حين انتبهت إلى إزدياد البريق الماكر داخل عينيه .. فسحبت يدها بسرعة و كادت تشتمه و رغبتها تجددت بطرحه أرضا و إشباعه لكما حتى يعترف بكل شئ .. لكنه شد يدها مجددا و هو يجذبها نحوه بقوة و هو يقول بصوت مسموع
_"لا داعى للخجل أميرتى ... يمكنك لمسى و الإقتراب منى قدر ما شئتى فلن أمنعك .. (راندا) أريد أن أخبرك شيئا و لا أريدك أن تشعرى بالصدمة ... أظن أننى بدأت حقا الوقوع فى حبك عزيزتى"
شهقتها ترددت فى الغرفة بصدى غريب و كادت تدفعه لتصرخ فيه أن يكف عن عبثه معها حين استوعب عقلها أن الصوت الآخر لم يكن صدى لشهقتها هى بل كانت شهقة أخرى ترددت على باب غرفة (زياد) الذى كان لازال مفتوحا ... التفتت بهلع لتنظر خلفها و اتسعت عيناها و هما تقعان على (وتين) التى وقفت هناك بوجه شاحب و ملامح باهتة و عيناها تحملان ألما رهيبا تجلى داخلهما بكل وضوح ...
********************
حين طرقت (وتين) غرفة جدها (رفعت هاشمى) كبير عائلة (هاشمى) و عمادها الذى رغم سنواته التى تجاوزت الخمس وثمانين كان مازال يحتفظ بذهنه الصاف و عقله الذكى الذى مكنه فى سنوات شبابه أن يؤسس مكانة قوية رسخها أبناؤه و أحفاده من بعده بجهودهم و دعمه الدائم لهم ... كان الجد قد انتهى من صلاة الظهر و جلس يقرأ فى مصحفه قليلا ، حين دوت طرقاتها الرقيقة التى يعرفها جيدا فنادى لها سامحا بالدخول ... دخلت (وتين) برقتها المعهودة و إبتسامتها الحنونة و هى تقترب قائلة بمرح
_"كيف الحال يا أحلى جد بالعالم كله؟!"
أغلق الجد مصحفه و وضعه جانبا و عدل من وضع نظارته فوق عينيه و هو يمد نحوها يدا مرتجفة قليلا بفعل السن و هو يبتسم بحنان
_"تعالى يا ملاك ... كيف حالكِ أنتِ صغيرتى؟!"
ابتسمت (وتين) و هى تسمع الإسم الذى إعتاد جدها أن يناديها به منذ صغرها و اقتربت منه لتحتضنه بحب , أحاطها بذراعيه يضمها إلى صدره فى حنان كاد يدفع بالدموع إلى عينيها ... كم هى فى حاجة ماسة إلى هذا الحضن الدافئ ... تحتاج بشدة أن تهمس له بكل أوجاعها .. و كأنما شعر الجد بما يعتمل فى روح حفيدته الغالية فهمس و هو يضمها أكثر
_"أنتِ بخير ملاكى؟!"
تحكمت فى دموعها بقوة كعادتها و رفعت رأسها ترسم إبتسامة واسعة على شفتيها و هى تهتف بمرح
_"بالطبع .. مادمت أنت بخير فكل شئ بخير حبيبى"
ابتسم بتفهم و هو يمسح على شعرها بحنان ليقول
_"ظننتك ستنامين طويلا صغيرتى .. أعرف أنكِ عدتى متأخرا البارحة فقد شعرت بكِ عندما مررتِ للإطمئنان علىّ"
أمسكت (وتين) بكفه تطبع قبلة عليها بكل حب و هى تجيبه
_"تريدنى أن أنام و أفوت مواعيد دوائك يا كبير الهاشمية؟!"
ضحك بقوة قبل أن يسعل قليلا و هو يقول
_"لست كبيرا لدرجة ألا أتمكن من تناول الدواء بنفسى يا صغيرة"
شهقت و هى تقول ضاحكة
_"من هو الكبير يا حبيبى؟! .. إن كنت تقصد مقاما فلن أجادلك .. لولا أننى أغار عليك لخطبت لك عروسا بنفسى"
قرص خدها بقوة و هو يقول ضاحكا
_"أيتها الشقية !!"
قبلت خده و هى تنهض لتتناول علبة أدويته و تفتح إحداها لتناوله قرصا و وقفت تنتظره ممسكة بكوب ماء منحته إياه فور أن ابتلع القرص و هى تهمس بدعاء أن يتم الله شفاءه و تعافيه ... وضعت الكوب و هى تلتفت مجددا لتقول ضاحكة
_"كما أننى فى غنى عن أن تطاردنى جدتى الحبيبة فى أحلامى لأننى أفكر بأن أزوجك اخرى بعدها"
تنهد ليقول بلهجة يختلط بها الحب بالحنين إعتادت أن تسمعه يتحدث بها و هو يذكر جدتها الراحلة
_"(عائشة) حبى الأول و الأخير يا ملاك ... لا امرأة أخرى كانت قادرة على أن تملأ عينىّ بعدها"
تلألأت عيناها بحب لتلك المشاعر التى مازال جدها يحملها داخله لزوجته التى رحلت قبل سنوات و مازال هو ينتظر لقاءها بكل شوق ... من غيرها يمكنه أن يدرك كم يمكن أن يكون الشوق للحبيب مؤلما ... كم يمكن أن يبلغ الحب منك مبلغا لا تستطيع بعده أن تتنفس لحظة واحدة بعيدا عن الحبيب ... من غيرك يا (وتين) يدرك ذلك .. من سواكِ يفعل
هزت رأسها تهرب من نظرات جدها التى لا تفوتها شاردة و لا واردة و هى تقول
_"أعرف حبيبى ... و من مثل (عائشة) التى روضت هذا القلب القوى داخلك؟! ... أعرف كم أحبتك هى أيضا فلطالما استمعت إليها بشغف و أنا صغيرة و هى تقص علىّ قصة حبكما"
اقتربت لتعدل من وضع الوسادة خلف ظهره و هى تتابع
_"كنت أستمع لها بشغف و أنا أتمنى أن أكبر لأعيش قصة حب كقصتكما ... لقد أفسدتنى زوجتك الحبيبة جدى .. أنا أحملها المسؤلية الكاملة"
ضحك و هو يمسك يدها و يضغطها برفق
_"و وجدتها يا صغيرة ، صحيح؟! ... لقد وجدتى قصتك و عشتيها لكنك تتركينها تتسرب من بين يديك "

رفعت نظرها إليه فى وجل ليتابع
_"جدك العجوز يعرف كل شئ يدور فى القصر منذ سنين يا صغيرة"
و تابع و هو يضع كفه فوق قلبها بحنان
_"أتتصورى للحظة أنه لن يعرف أبدا ما يدور داخل هذا القلب الصغير الكتوم .. بل هو يعرف جيدا و يفهم ، فلا داعي لكتمانه صغيرتى"
اقتربت لتضع رأسها على صدره و هى تهمس
_"أحبك جدى"
ربت على شعرها برفق و هو يهمس
_"أنتِ سعيدة صغيرتى؟"
أومأت برأسها برفق قبل أن ترفع رأسها و تنظر فى عينيه
_"مادمت راضيا عنى .. فلا رغبة لدى فى أى شئ آخر حبيبى"
أبعدها قليلا قبل أن يربت على الفراش بجواره يدعوها لتجلس جانبه ففعلت و هى تطرق برأسها ... فمد كفه يرفع ذقنها بحنان و يتأمل ملامحها التى امتزجت فيها ملامح آل (هاشمى) بملامح أمها الراحلة التى أورثتها خصلاتها الشقراء القمحية و عينيها الفيروزيتين اللتين تحملان كل حنان العالم داخلهما ... تأملها قبل أن يزيح بعض خصلاتها خلف أذنها و هو يهمس
_"كم تشبهين أمك يا ملاك!!"
رفعت إليه عينين حائرتين و هى تسأل
_"و هذا شئ جيد أم سئ؟!"
ابتسم و هو يقول بلوم
_"بل جيد جدا يا صغيرة ... مازلت أذكر تلك الفتاة الرقيقة التى وقع ابنى فى حبها و ترك كل شئ فقط ليكون معها ... كانت المرة الأولى التى يقف بها أمامى ... لقد غامر بكل شئ ... حين قابلتها لأول مرة أدركت كم كان محقا ... كانت امرأة نادرة .. امرأة لا تتكرر كـ(عائشتى) بالضبط"
ابتسمت بحنين و اشتياق لطيف أمها الراحلة و هى تتذكر ملامحها الحنونة بتوق ... كم تحتاج لحنانها و حضنها الدافئ الآن و بشدة .. عادت تسأل جدها
_"و أنت لم تمانع جدى ... رغم أن والدتها كانت .."
لم تكمل كلمتها و وجع غريب يرتسم بعينيها فهمه فابتسم مكملا بحنان
_"أمها كانت خادمة ؟! ... لماذا تخجلين من قولها حبيبتى ؟! ... أمها كانت امرأة عظيمة فعلت المستحيل لتربى أطفالها اليتامى وحدها حتى أوصلتهم لمكانة محترمة فى المجتمع ... هذا يجعلها ماذا فى نظرى غير امرأة تستحق منى كل إحترام و تقدير"
ابتسمت فى حب و دمعت عيناها تأثرا و هى تستمع إليه يتابع مؤكدا
_"لا يحق لكِ سوى أن تشعرى بالفخر نحو جدتك لأمك يا ملاك و لا تخجلى أبدا منها .. و لا تسمحى أبدا لأى شخص ان ينتقص منها أبدا .. هل تفهمين كلامى جيدا؟!"
أومأت بتفهم و هى تتطلع إليه بكل إحترام و حب لهذا الصرح الكبير و اعتدلت لتحتضنه مجددا و هى تهمس
_"أحبك أيها الرجل العظيم ... أحبك جدا"
أسند ذقنه إلى رأسها و هو يرد بحب
_"و انا أحبك يا ملاكى الصغير"
مضت لحظة من الصمت قبل أن تتمالك (وتين) مشاعرها و تستعيد شقاوتها و تنهض هاتفة بمشاغبة و تحذير
_"لكن .."
و مدت يدها أسفل الوسادة باحثة و هى تكمل
_"هذا لن ينسينى حملة التفتيش المعتادة ... أين تخبأها هذه المرة ... آه ... هاهى .. لم تجد الوقت لتتمكن من إخفاءها بعيدا هذه المرة"
هتفت بإنتصار و هى تمسك بقطعة الحلوى التى كان يخفيها أسفل الوسادة فتنهد بقلة حيلة بينما هى تهتف
_"كيف وصلت هذه إلى هنا ؟ ... الخدم لن يجرؤ أحدهم على مخالفة أوامرى أو أوامر أبى أو عمىّ ... من أوصلها إذن ؟"
فتحتها و قضمت منها قطعة أمام جدها الذى قطب حاجبيه و أكملت هى مفكرة و هى تلوك قطعة الحلوى بتلذذ مغيظ
_"(راندا) مازالت غارقة فى النوم كالقتيلة إلا إن كانت سربتها لك بعد عودتها من الحفل ... (سؤدد) لن تفعلها مؤكد فهى أشد صرامة منى بمراحل ... (سيف) أيضا لن يفكر فى هذا ... (هاميس) هددتها مسبقا إن أعادتها لذا أنا واثقة أنها لن تكررها ... لم يبق إذن سوى الشقيان (رامى) و (رفيف) ... أراهن أنهما من سربها إليك و بالتأكيد أسرا لك ببعض خططهما الشيطانية الجديدة"
ضحك (رفعت هاشمى) بقوة قبل أن يرفع أحد حاجبيه و يقول بخبث
_"نسيتِ (زياد) يا ملاك ... ربما كان هو"
ابتسمت بهدوء دون أن تقع فى فخه و هى تجيب
_"لا ... أعرف أن (زياد) لن يفعلها جدى ... هو أكثرنا إهتماما بصحتك"
لم يبق من الحلوى سوى قطعة صغيرة اقتربت لتضعها فى فمه و هى تقول بحب
_"هذه فقط للآن حبيبى ... لا تهمل صحتك أرجوك فأنت تعرف كم أنت غال علينا جميعا ، اتفقنا؟!"
أومأ موافقا فعادت تعدل وسادته و هى تقول
_"سأدعك ترتاح قليلا حتى تحين الصلاة و سأذهب لأرى أى مصيبة يحضر لها الصغيرين فقد رأيتهما يغادران غرفتيهما قبل قليل و هما يحملان علب الألوان كأنهما فى مهمة سرية"
بادلها ضحكاتها و هو يتراجع ليريح ظهره إلى الوسادة و تابعتها عيناه حتى غادرت الغرفة لتتحرك شفتاه بدعاء لله أن يرفق بقلب ملاكه الصغير و يمنحها السكينة و السعادة
*************



may lu غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس