عرض مشاركة واحدة
قديم 06-10-16, 09:51 PM   #815

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,478
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي




جنون المطر ( الجزء الأول)
الفصل السادس والعشرون


المدخل ~

بقلم الغالية : Reeo

من مطر لغسق...

ارفقي بي ياذات الشعر الأسود
يافاتنة دكت الحصن العتيق للأسد
ولا أدري كم سابقى وكم سأصمد
لكني رجل يحب الاستبداد
والفوز بكل حرب أدخلها بالإجتهاد
فانا لكي يا أبنة شراع فكوني على أستعداد
فقد تركتك نصب عيناي وانا صياد
وانتي لي الفريسة وسأضع على يدها الاصفاد...

~~~~~~~~~~

بقلم الغالية : لامارا

من مطر لـ غسق.... والعكس....

روحي تنادي روحك
أناملي تناجي خدك
قلبي يخفق لأجلك

غسق يا ابنة عمي
يا أبدي يا عمري
يا شفائي يا جرحي

هلمي إلي واسقيني
من شفتيك إرويني
في حضنك أدفئيني

مطر يا ابن الحالك
أزلني من بالك
وارحل في حالك

فك قيدي أطلقني
من طلبك اعتقني
من أسرك حررني

غسق أنا وأنتِ اثنان
ستُحكى قصتنا عبر الأزمان
بين قوم الحالك والصنوان

مطر أنا وأنتَ إثنان
لن نلتقي مهما طال الزمان
فهل يجتمع الماء بالنيران ؟

غسق يا فتاةً عابثة
يا آسرة يا مهلكة
يا حسناءً مُعَذِبة

مطر يا فارساً مغوار
يا بطلاً بالسيف بتار
يا رافع راية الانتصار

غسق

مطر

تعالي

لا

لما ؟؟

أخاف

مني ؟؟

أجل

لما ؟؟

لا أعرف

غسق تعالي

.....

غسق....

إن دنوت منك ماذا ستفعل بي ؟؟

لا شيء

كاذب

هههههه تعالي غسق أنا لن أوذيك ثقي بي

~~~~~~~~

نظرتا له بصدمة تتراجعان للخلف وقد همست تلك للتي خلفها

" ينظر لنا ! لقد فتح عينيه "

كانت مختبئة خلفها ولم يكن يظهر له سوى صاحبة الشعر العسلي

المموج الذي وصل لخاصرتها وذات العينين العسلية التي تلمع كالذهب

بفستانها الطويل عارية الذراعين والكتفين بيضاء البشرة , لا يعلم أين

هو الآن وما جلبه هنا فآخر ما يذكره أن سيارة جنود طاردته لمسافة

طويلة قبل أن تصيبه تلك الرصاصة التي لم يعرف أين كانت من انتشار

الألم في كامل جسده وهو يقاومه محاولا التحكم في سرعته وثبات قيادته

حتى فقد وعيه لكن أين ومتى هذا مالا يعلمه ولا يذكره ! حاول النهوض

مستندا بمرفقه لتخرج صرخته المتألمة ما أن رفع جسده ووضع ثقله

عليه فقفزت تلك جهته مسرعة وأمسكت ذراعها برفق وقالت تعيده

مكانه " صدرك مصاب وجسدك به أكثر من كسر لا تتحرك يا هذا "

دفعها بيده الأخرى وقد سقط جسده على السرير وقال بألم

" من أنتي وأين أنا ؟ "

كشرت في وجهه وقالت بحنق " لا داعي للشكر على سهري بجانبك

وسقيي لك الماء عشرة مرات في اليوم وعلى تحميمي لك وتغيير

ثيابك يا أخرق , تعلّم كيف تتحدث مع من أنقذوا حياتك "

نظر للسقف يشعر بضباب كثيف يغلف الرؤية أمامه وبصداع قاتل

في رأسه وألم لا يطاق في أكثر من جهة في جسده ليؤكد له ما

سمع منها , أغمض عينيه وهمس بخفوت " أين أنا ؟ "

لم يصله الرد من أي منهما وقد انخرطتا في حديث بلغة لم يفهم منها

شيئا سوى أن إحداهما كانت مستاءة والأخرى توبخها بضيق فلم يزدد

رأسه إلا صداعا من حديثهما الغريب عنه ومن التفكير في هويتهما

فهو متأكد أنه كان داخل الحالك لم يخرج منها فما جاء بهما هنا ؟

( ليستا عربيتان ... ليستا عربيتان ) هذا ما كرره عقله مرارا

حتى فتح عينيه مجددا ناظرا للسقف وهمس بصدمة

" تنانيتان !! "

صرخت به الواقفة هناك وشقيقتها تسحبها معها وهي ترفض

الخروج " أجل تنانيتان ألا نعجبك ؟ أم علينا أن نكون

عربا لتتقبلنا "

أغمض عينيه مجددا وقد تغلب عليه إعياء جسده ولم يسمع سوى

خطواتهما قبل أن يغيب عن عالمهم مجددا فلم يتخيل أن يكون

وصل للحدود الغربية للحالك


*

*


كانت تعلم أمرا واحدا وهي تنزل تلك العتبات ببطء وهو أن فاجعة

ما في انتظارها وعمته من اختار أن تكون معها لكن ما لم تفهمه

من يكون هذا الذي في الأسفل ! كانت تنزل ببطء مستندة بسياج

السلالم وما أن وصلت منتصفه ونظرت للجالسين في الأسفل حتى

تيبست قدماها وتسمرت نظراتها على صاحب السترة الرمادية

والقميص الأبيض , ذو الشعر الأسود والعيان التي فاقته سوادا

فعلى تنفسها وهبط بسرعة كبيرة ونظرها ارتكز على ما يحمل

في ذراعيه المرتاحتان في حجره , تركز نظرها على تلك اليد

الصغيرة جدا التي كانت تخرج من ذاك الشيء الأبيض الملفوف

بعناية , كان شال قطني وكانت اليد لطفل لمولود صغير ومن

يحمله كان نائما معها البارحة !!

رفعت نظرها لعينيه المحدقة بها في صمت ثم حولته بسرعة لعمته

التي كانت تجلس قريبا منه ونظرها عليها أيضا فعادت ونظرت لذاك

المخلوق الغريب مجددا , لن تتهور وتفكر وتتصرف بجنون كالسابق

لن تعاود ذات الخطأ في قصة الطفلة من خماصة ووالدتها , ثم هو من

طلب نزولها أي أن تراه علنا , نزلت باقي العتبات ونظرها لازال على

ما يحمل في ذراعيه حتى وصلت عنده فوقف حينها عيناه على نظراتها

التي لم تفارق ذاك الشال السميك وتلك اليد الصغيرة التي تتحرك أصابعها

بعشوائية خارجة منه , نظرت لوجه ذاك المولود الذي لازال يحمل آثار

الولادة في انتفاخ عينيه ولون شفتيه الجافة قليلا وكاد تنفسها يقف حين

نظرت لوجهه بشكل عام ولملامحه , ملأت الدموع عينيها قبل أن

ترفعهما بالذي لازال ينظر لها بهدوء وقد قال وتلك الدمعة تسللت

لرموشها " والدته توفيت فجر اليوم , كان الحادث قويا وأثر عليها

سلبا , فعل الأطباء ما في وسعهم ولم تعش أكثر من هاذين

الأسبوعين بعد أن ولدته "

مدت يديها وخطفته من يديه بسرعة ودسته في حضنها وانطلق

بكائها وعبراتها فأبعد شعرها بأصابعه قائلا بضيق " غسق لو

كنت أعلم أن هذا ما سيحدث ما جلبته لك "

ابتعدت ولازال وجهها مدفون في وجهه تبكي بحرقة وركضت به

جهة السلالم وصعدت , كان سيتحرك خلفها لولا أوقفه صوت عمته

قائلة " اتركها يا مطر ستهدأ من نفسها وسيخفف عليها كثيرا رؤيتها

له ستستوعب الأمر وصدمتها الآن أكثر فأصعب ما يمر به الإنسان

هو التصديق فابتعد عنها كي لا يكون نهاية كل هذا شجار بينكما "

جلس منصاعا لرأيها وطلبها رغم أنه لم يكن مقتنعا فمن يعلم ما حالها

الآن وما قد تفعل بنفسها أو بالطفل دون قصد منها , كانت تلك الأفكار

تنهش دماغه ولم يرحمه منها سوى من كانت تفهم ما يدور في داخله

ونظره لازال معلقا بأعلى السلالم وقالت للواقفة بعيدا " حبيبة

اصعدي لها وكوني قربها ولا تحادثيها بشيء فقط كوني معها "

نظرت تلك من فورها للجالس بجانب عمته وكأنها تخشى أن يكون

رأيه مغايرا وهي تعلم جيدا كرهه لدخولهن هناك فأومأ لها برأسه

موافقا دون أن تنتبه الجالسة بجواره فصعدت من فورها ووقف هو

فنظرت له عمته للأعلى وقالت " هل ستتركه هنا طويلا ؟ "

هز رأسه بلا وقال مغادرا " سأسلمه لجده أنتي تعلمي قوانين

القبائل وأعرافها في الأنساب "

وغادر من عندها خارجا من باب المنزل حيث وجد عمه ينتظره

قرب السيارة التي طلب من العمال تجهيزها له وكان مكتفا يديه

لصدره متكئ على بابها بظهره وقال ما أن اقترب منه

" ألن تغير رأيك ؟ "

هز رأسه بلا دون أن يعلق وفتح باب صندوق السيارة الأمامي

فقال ذاك بضيق " مطر يكفي أنها لم تحضر عزائه ارحمها

قليلا لن يأكلها أحد هناك إن زارتهم ليوم أو يومين "

انشغل بالكشف عن زيت السيارة متجاهلا الرد عليه فقال بذات

الضيق " ليست حجة أن يخبروها بأصلها وعائلتها بلغهم يحرصوا

على ذلك ولن يحدث شيء وأعتقد أنك لا تخشى الحالك وما سيقول

الناس وهي تدخل صنوان ومنزل والدها الذي يعتقد الجميع

أنها ابنته "

رفع رأسه وأغلق باب صندوق السيارة بقوة وقال ببرود " قررت

وانتهى عمي دخولها صنوان ليس في صالحها ففكر في

مصلحتها كما تفكر في مشاعرها "

ابتعد ذاك عن السيارة قائلا بسخرية " أقنع نفسك بهذا لكن

أنا لا "

نظر له نظرة يفهمها ذاك جيدا فتجاهلها وقال مبتعدا " سأقولها

وافعل ما شئت , أنت تخشى إن دخلت لا تخرج لك ولن

تستطيع إخراجها حينها ولا بالقوة "

وابتعد وكلماته تلحقه حتى احتفى فضرب الباب الذي كان قد فتحه

الآن وعاد جهة المنزل متمتما " قال ادخلها صنوان قال ! ما

صدقت أن خرجت منهم لأعيدها لهم "

دخل المنزل وصعد السلالم فورا وصل الغرفة وما أن دخل حتى

وقفت التي كانت تجلس معها على طرف السرير وخرجت من فورها

وبقي هو مكانه يراقب التي لازالت تمسك ذاك الرضيع تتحسس يده

الصغيرة وتقبلها ودموعها تتقاطر من رموشها على ثيابه ثم ضمته

لحضنها بقوة وقد أخفى شعرها وجهها ما أن مالت برأسها عليه ولم

يعد يخرج منها سوى صوت بكائها , اقترب منها وجلس وبجوارها

ومسح على شعرها رافعا له عن وجهها وقال " يكفي يا غسق لقد

أبكيتي الطفل لا تجعلني أندم على جلبه لك "

رفعت رأسها ترفع غرتها عن وجهها بأصابعها ونظرها على الطفل

الذي بدأ بالبكاء بصوت منخفض كعمر أيامه التي بالكاد بلغ فيها نصف

شهر , ضمته لصدرها بحنان تحاول إسكاته حتى هدأ ثم اتكأت برأسها

على كتف الجالس ملاصقا لها وقد طوقها بذراعه وقبل رأسها وهمس

" جهزي نفسك لنأخذه معنا , الرحلة ستأخذ وقتا وعلينا المغادرة الآن "

ابتعدت عنه ورفعت وجهها له وقالت باستغراب " نذهب به أين ؟ "

قال ماسحا بظهار أصابعه الدموع عن خديها " نأخذه لجده ألم

تطلبي رؤيته ؟ "

علت الصدمة ملامحها وقالت بعبرة " أرى والدي ! "


قبل جبينها ونظر لعينيها وقال " إن توقفت عن البكاء حالا ستريه

وستأخذين حفيده له بنفسك فاستعدي بسرعة , كل ما يحتاجه الطفل

وضعه العمال في السيارة سنرجع اليوم فلا تأخذي معك شيئا سوى

معطف فالجو يبرد ليلا حد التجمد في بعض المناطق وغطي

الصغير جيدا "


*

*


" هيه تيم هل تسمع ما أقول لك ؟ "

رمش بعينيه قليلا في وجهه ثم قال بضيق " لقد أفزعتني

ألا ترى أني شردت قليلا "

اتكئ ذاك بمرفقه على كتفه وقال مبتسما بمكر " وفي من تفكر

وتتركني أبلبل كالببغاء ؟ هذه أول مرة لا تكون فيها منتبها لي "

سحب كتفه ليبتعد عنه وقال ببرود " لا علاقة لك بما كنت أفكر "

ضحك ضحكة عالية ينظر له بخبث فتجاهله تماما كعادته , لا ينكر أنه

شرد بتفكيره وأن أمرا يشغل باله لكن ليس كما يتخيل ذاك , فرغم صغر

سنه وجهله بأغلب الأمور لكنه ليس من الغباء أن لا يلحظ ما يحدث

حوله ولا يفهمه ولا يعلم عنه والعديد من الأسئلة لم يجد لها إجابات حتى

الآن , لماذا يصر ابن عم والدته أن يبقيه عندهم وأن لا يدخل ورثه تحت

وصاية ابن شاهين ؟ ويتردد على شيخ القبيلة دائما كي لا يبلغ عن حالته

ويقنعه بأنه هكذا سيكون بوضع أفضل خاصة مع حالته ووضعه كفرد

ليس من الحالك ! لماذا كان يرفضه سابقا ووالدته معه رغم أن حصتها

كانت أكثر من حصته الآن ؟ هو لا يفهم شيئا ولن يسأل طبعا لأنه

لا يزال مستهجنا في محيطه ذاك أجمعه , أخرجه من أفكاره

صوت عمير قائلا بهدوء " لما لا تفتح قلبك لي يا تيم ؟

يمكنني مساعدتك في أي شيء تحتاجه "

نظر له بصمت لوقت ثم قال " حقا تساعدني إن احتجتك ؟ "

هز ذاك رأسه بنعم ونظرته كلها إصرار وتأكيد على كلامه فقال تيم

بريبة " حتى إن طلبت منك أخذي من هنا ولا يكون مصيري

قبائل الهازان "

نظر له باستغراب لبرهة ثم قال " أفعلها دون تردد فقط أخبرني

ما حدث معك ولما تريد ذلك ؟ "


أنزل نظره وشرد في الأرض يفكر في وصية والدته وفي إصرارها

على أن لا يترك ماريه وحدها وأن لا يتركها لظلمهم وقد أوصته وأمنته

عليها فإن غادر الآن لن يستطيع أخذها معه ولن يستطيع تركها ولا يعلم

ما قد يفعلوه بها فقط ليأخذوا المال الكثير الذي تركه لها والديها , هزة

خفيفة لكتفه انتشلته من أفكاره مجددا وقد قال الجالس بجواره بجدية

" أخبرني ما هي مشكلتك يا تيم ؟ أنت محاط بعين ترعاك يمكنها

ردع أي شر أو سوء عنك ومعاقبة الفاعل فأخبرني ما بك "

نظر له باستغراب وقال " عين من هذه التي ترعاني وستحميني ؟ "

هز ذاك رأسه قائلا " اتركنا من هذا وأخبرني الآن عن أي مشكلة

تواجهك وستفهم كل شيء لاحقا فما ستحكيه لي سيشكل فرقا كبيرا

يا تيم وأنا أنتظر دائما أن تخرج من صمتك المميت ذاك

حتى يئست منك "

هرب بنظره منه للبعيد , لا يمكنه قول شيء لا يمكنه تركها ولا أن

يتسبب في أي ضرر لها يعلم أنهما لن يتوانيا عن إلحاقه بها إن

حدث شيء لا يعجبهما , عاد بنظره له وقال " لا شيء أنا كنت

أسأل فقط من أجل المستقبل "

هز ذاك رأسه بحسنا وقال " وأنا جاهز متى ما أردت قول أي شيء

وتأكد أنه ثمة من سيساعدك ولن يخشى أحدا "

وتابع متجاهلا نظرات التساؤل في عيني الجالس بقربه " هيا

حاول أن تعيد تركيبه مجددا لآخر مرة اليوم "

أمسكه منه قائلا بضيق " معقد جدا لقد يئست منه "

ضحك ذاك وقال " ألم أقل أنك لست طبيعيا اليوم فحتى اليأس والملل

لم يكونا من صفاتك , هيا فأمامنا واحد آخر وسننتقل بعدها لأجهزة

التصنت الصغيرة وتلك ستأخذ وقتا طويلا جدا معنا "


*

*

كان الصمت يغلف رحلتهما وهذا ما توقعه منها من رحلتهما السابقة

ولم ينتظر خلافه , كان يعلم أن تلك الرحلة طويلة ومتعبة لها وللصغير

وحتى له هو لكن لا خيار آخر أمامه فتلك المنطقة الوحيدة الفارغة

تماماالتي تربطهم بصنوان فلا يريد شوشرة وأقاويل حول ذاك اللقاء

ولا يريد أن تضرها الألسن تحديدا خاصة وأن عمته أخبرته أن بعض

النسوة زاروا منزلهم لتعزيتها في شقيقها , خطف نظره لها ثم عاد به

للطريق وهي على حالتها تلك عيناها لم تفارق الصغير الذي لم تبعده

لحظة عن حجرها ولا نظرها ولم تشبع من النظر له ومن ملامسة

وجهه وشعره بسبابتها طوال الوقت وتمسح عينيها كلما غلبتها

دموعها , تمنت أن تركوه لها تمنت أن ربته بنفسها قطعة من شقيقها

الذي فقدته للأبد لكن ذلك كان مستحيلا آخر من ضمن أحلامها التي

باتت تراها أصعب من المستحيل ذاته , عودتها لعائلتها .. توقف

الحروب والدماء في بلادها معرفتها لنسبها ووالدها وإرجاع الزمن
للوراء , جميعها أمور تعلم أنها سواء لا يمكن أن تتحقق مثل أن

الجالس بجوارها الآن خلف مقود سيارته لن يكون لها للأبد , وإن

تركته الحروب لن يتركه قدرهما المتضارب مهما كان واقعهما الآن

مختلفا , لا تنكر أنها صدمت برجل لم تتوقعه ولم تعرفه ومهما كان

غير موجود ويقدم كل شيء على عائلته وعليها لكنه ما أن تكون بقربه

لا يبخسها من حقها شيئا

لا كزوجة ولا كأنثى لكنها تدرك أنهما من عالمين مختلفين أن ثمة

أمور قد تزعزع استقرارهما للأبد وكم باتت تشعر بدنوها وتخشاه

وهي متأكدة من أنه كاسمه تماما إن أعطى أعطى بعنف وإن أخذ أخذ

بعنف وأيضا إن غضب ثار بعنف لذلك هو إن عشق يعشق بعنف وهذا

ما لا تعتقد أنها ستحصل عليه منه يوما وهو من ذكر لها ذلك بوضوح

وبأنه لا يفكر ولا يريد شيئا سوى توحيد بلاده أي أن باقي الأمور هو

على استعداد للتنازل عنها من أجل تحقيق ذلك ومهما كانت وتكون .

رفعت نظرها ولأول مرة ونظرت له .. لجانب وجهه لشعره الذي تراه

لأول مرة أطول من المعتاد ولم يزده إلا وسامة وهيبة , للحيته التي لم

يهملها يوما ولملامحه التي لا تعرف خلقت له تحديدا أم خلق هو لها

نظر لها وهي في تأملها الهادئ الصامت ذاك لوجهه فرفعت يدها

ولامست بها خده ولحيته وترقرقت الدموع في عينيها وكم تمنت أن

سألته حينها ( لو علمت أنه بموت لوالدي شراع بسببك تموت أنت

بداخلي هل ستهتم ؟ ) لكن كلماتها تلك لم تصله وتعلم أنه لن يفهمها

ويصعب عليها نطقها أمامه كما أوصتها عمته سابقا , رفع يده

من يد السرعة وأمسك يدها وقبلها وقال وقد عاد بنظره للطريق

" هل نام أخيرا ؟ "

سحبت يدها من يده ونظرت للنائم في حجرها وقالت وهي تعدل

له الشال الملفوف فيه بعناية " أجل ... يبدوا لي معدته لم تعتد

الحليب وهي سبب بكائه لكل ذاك الوقت , أعتقد أن جميع

المواليد الجدد يشتكون من هذه الحالة "

قال ونظره لازال على الطريق " هي مسألة وقت حتى يتأقلم

مع محيطه الجديد فهو خرج من عالم مختلف تماما "

رفعت نظرها به مجددا وقالت بابتسامة صغيرة كسرت ذاك

الحزن الذي أذبل ملامحها الجميلة " هل قرأت عن هذا أيضا ؟ "

انطلقت ضحكته مالئة صمت تلك السيارة وجوها الكئيب ثم

نظر لها وقال مبتسما " هل تخشي أن أكون أبا فاشلا ؟ "

هربت بنظرها وابتسامتها وحيائها منه تتأمل أناملها التي تلعب

بخيوط ذاك الشال العاجي اللون وهمست تهرب من الحديث

في الأمر الذي لم تتوقع أن يثيره " متى قررت تغيير

تسريحة شعرك ؟ "

خرجت منه ضحكة مكتومة وقال " كم أنتي بارعة في الهرب

حسنا أنا لم أقرر ذلك , هل هو سيء لهذا الحد ؟ "

نقلت نظرها لنافذتها وقالت ببرود " لا قطعا لكن عليك

قصه من جديد ليرجع كما كان "

ابتسم ينظر لوجهها الذي لم يعد يظهر منه إلا القليل ثم عاد بنظره

للطريق وقال " وأنا كنت أنوي فعل ذلك لكني انشغلت عنه فلم

أعتد عليه هكذا , هو فعلا يضايقني فيجب أن يكون مرتبا

طوال الوقت "

كان نظرها لازال جهة نافذتها على الأرض التي تتراكض

بسبب سرعتهم وتمتمت ببرود وصله بوضوح " أعلم أنك

لن تفعلها من أجلي ولأني طلبتها "

نظر لها وقد اتسعت ابتسامته قائلا بنعومة " أكان سيرضيك

أن أقصه بطلب منك وليس برغبة مني ؟ "

نظرت له وقد عضت طرف شفتها متوعدة في حركتها وابتسامتها

من مقصد كلامه بينما ضحك هو وضرب طرف أنفها بإصبعه

فحتى في أوج حزنها لازالت هذه الأمور تخرج منها تلك الفتاة

المدافعة بشراسة , رفعت سبابتها وصوبتها على صدره جهتها

حيث قلبه وقالت متوعدة " أقتلك إن فكرت في اللعب

بأعصابي مجددا "

فضحك بتسلية وتمنى لحظتها لو لم يكن يجلس خلف مقود

السيارة وأن حركتها تعتمد على يديه وتركيزه , ولم يسعفه

الوقت ليعلق على ما قالت بسبب بكاء الصغير الذي ملأ

المكان حولهما فحضنته فورا تحاول إسكاته ثم قالت

" أوقف السيارة مطر يبدوا عليا تغيير حفاظته "



*

*

وقف خلفه وهو ينظر لصور الأشعة المعقدة بين يديه يقلبها ويتمعن

فيها بتركيز حتى قال عكرمة " ما النتيجة أيها الطبيب لا تتعب

أعصابي أكثر "

وضع ذاك الصور وقال ناظرا للذي استدار وعاد للجلوس على الكرسي

أمامه وخلف طاولته " ثمة بقعة ظاهرة بوضوح في الصور المقطعية

وهي كما توقع طبيبها السابق في آخر الجزء الغربي من الدماغ

وحجمها فيما يقارب الثلاثة سنتيمترات وهي سبب حالتها تلك "

قال ذاك بترقب " وما تكون تلك ؟ "

حرك الطبيب كتفيه قائلا " إما كيس مائي أو التهاب في العصب

أو ضمور في المخ أو ورم بأحد نوعيه "

بهتت ملامحه بوضوح وهمس بصعوبة " وأيها أقرب وأيها الأيسر ؟ "

قال من فوره " معلومات تقاريرها السابقة تؤكد أن الحالة ملازمة لها

منذ ولادتها تقريبا لأنه قبل العام لا يمكن ملاحظة الأعراض ولا فكرة

لدينا إن كان حجمها ازداد أم ثابتا والأرجح أنه لم يزداد أو كان ببطء

شديد جدا أي أن الأورام مستبعدة لكان تغير حجمه وأثر على

حواسها خاصة إن كان خبيثا "

همس عكرمة " لكان قتلها من زمن "

هز ذاك رأسه بنعم وقال " الأكياس المائية تفعل ذلك أيضا ومنها

ما يكون خلقيا وهذه حالات قليلة وهو أيسر الاحتمالات "

قال الجالس أمامه " والحل الآن ؟ "

جمع ذاك يديه أمامه وقال " عملية جراحية هي الحل في

مثل هذا الوضع والظروف "

شعر بقلبه انتفض بين أضلعه وهو يتخيل أن تجرى جراحة لدماغ

تلك الصغيرة البريئة الجميلة قد تفقد حياتها فيها , قال بصعوبة

" وما نسبة نجاحها ؟ "

أنزل الطبيب نظرة للدفتر أمامه وقال بعد برهة " هنا خمسون بالمئة

في الخارج ثمانون لتسعين بالمئة وقد لا تحتاج لها أساسا إن

عرفوا ما يكون ذاك الشيء "

قبض على يده بقوة وقال " وإن فشلت الجراحة ؟ "

رفع نظره به وتنهد قائلا " تفقد حواسها أو بعضا منها "

وقف دون شعور منه ما أن سمع ما قال وتخيل أن تعيش لا ترى ولا

تسمع ولا تتكلم ووقتها ما سينقده من ندمه وسيتمنى لو لم يجريها

لها وتركها كما هي , قال الطبيب " اجلس يا رجل نحن

نتحدث فقط والقرار لك "

جلس على مضض وقال " خمسون بالمئة نسبة قليلة لن نغامر

فبقائها هكذا أفضل لها "

هز ذاك رأسه موافقا وقال " إن حالفها الحظ ولم تتطور

حالتها أو تتفاقم "

قال عكرمة بحيرة " هل ستفقد حواسها في الحالتين ؟ "

قال الطبيب من فوره " لا ليس ضروريا وبما أننا استبعدنا الأورام

فهي ابتعدت عن الخطر بنسبة لا بأس بها فهي لا تشتكي من

مشاكل عقلية كما شرحت لي "

هز رأسه بلا وقال " هي فقط تتلقى المعلومات ببطء وصعوبة فحين

تتحدث بسرعة لا تفهمك وإن تأنيت وكررت الجملة تفهما بشكل سليم

جدا لكن بعد وقت وهذا ما لاحظه طبيبها السابق نسبة تعلمها ليست

بطيئة أبدا هي تعرف كل شيء وتفهم كل شيء لكنها تحتاج لوقت

وتركيز مضاعف عن أي طفل في سنها "

قال الطبيب " ولازلتم تداومون على أدويته والطعام الذي

وصفه ؟ "

هز رأسه بنعم وقال " لم نوقفه عنها أبدا "

كتب شيئا في الورقة تحته وقال " ثمة علاج سيفيدها كثيرا إن لم توقفه

ووفرته لها باستمرار سأكتب لك اسمه لن تجده في بلادكم هنا فإن

استطعت توفيره يكون أفضل وستتحسن ولو قليلا وبالتدريج

وستلاحظ ذلك بنفسك "

أخذ منه الورقة وكله إصرار على إحضاره ومهما دفع من مال لأجله

وإن باع قطعتي الأرض التي يملك بل وحتى منزله , غادر من عنده

وقابله صف الأشخاص الجالسين ينتظرون دورهم للدخول ولم يكره

وضعهم وحال بلادهم كما كرهه حينها فما ينقصهم عن غيرهم من

البلدان ليكون الطب لديهم بذاك الحال المزرية , استغفر الله هامسا

وهو يطوي الورقة ويضعها في جيبه وركب سيارته وغادر من هناك


*

*

استغرقت الرحلة منهما سبع ساعات بدلا من الست بسبب توقفهما

لأكثر من مرة لأجل الطفل وحرصها على عدم فتح الباب لمدة

طويلة كي لا تتسلل البرودة للسيارة ويتغير جوها عليه ويمرض

توقفت السيارة في مكان باتت تعرفه جيدا وتذكره من زيارتهما

السابقة له لكن شعورها كان مختلفا حياله هذه المرة فلم تصدق

بعد أن هذه المنطقة الواسعة الرائعة الجمال أصبحت ملكا لها لا

يفصلها عنها سوى أن تتوحد البلاد ذاك الحلم الذي كانت تراه مستحيلا

وباتت تخشى أيضا من تحققه , هذه المدينة أصبحت تحمل معان كثيرة

في قلبها أكثر من روعتها وجمالها فهي حوت ذكريات حميمة عميقة

حفرت في قلبها للأبد وستزداد الآن برؤية والدها الذي رباها وسط

أحضان طبيعتها , فتح بابه ونزل مغلقا له خلفه ثم توجه لبابها فتحه

وقال وهو يأخذ الصغير منها " انزلي هيا فالجو معتدل هنا لم

أتخيل أن يكون أفضل من المناطق الكثيفة السحب الماطرة

التي مررنا بها "

أمسكت بيده التي مدها لها وقفزت ونظرت حولها للصمت التام

وقالت " مطر هل أنت متأكد أنني سأراه وأنه سيأتي ؟ "

ونظرت لعينيه برجاء صامت أن لا يقول أن أمرا ما منعه وأنه لن

يكون هنا بسبب آخر مكالمة تلقاها ولم تفهم منها شيئا لأنه لم يتحدث

مع من كان في الطرف الآخر , قال مبتسما " ارفعي رأسك

للأعلى وأغمضي عينيك واسمعي جيدا "

فعلت ما طلب منها وقلبها سيخرج من مكانه من توترها وعدم

تصديقها وهي تسمع بوضوح هدير السيارة الذي بات يقترب شيئا

فشيئا فأنزلت رأسها وفتحت عينيها تمسحهما بظهر كفها تحجب

دمعتها وهمست بصعوبة " أجل اسمع سيارته "

وتابعت بأسى حزين هامسة ونظرها معلق في البعيد

" كم اشتقت له يا مطر كم اشتقت "

وتوقف قلبها وهي ترى السيارة السوداء المظللة التي تقترب من

هناك وأمسكت بكم سترة الواقف بجانبها بقوة وهي تراها تتوقف

على مبعدة منهما وكله كان حسب أوامره فبما أن شراع لا يمكنه

القيادة لمسافة طويلة حاليا واللقاء سري كان على رماح جلبه وفي

ذات الوقت لا يقترب منها ولا يسلم عليها فكان أحرص لهم ولمن

لا تعلم أنه يعلمه عن نسبها وأصلها أن يكون داخل تلك السيارة

التي لن تعرف أنه فيها رغم أن نظره كان معلقا بها من بعيد فكم

يشتاق لها ويحترم أيضا رأي زوجها وابن عمها فيكفيهم أن سمح

لها برؤية والده , تلك بادرة لم تعرف عنه وهو من يفعل الشيء

إما أن يفعله للجميع أو يمنعه عن الجميع , انفتح باب السيارة ويدها

تقبض على كم قميصه أكثر وهي ترى قدمه التي نزلت للأرض

وحدائه الأسود اللامع والعصا السوداء التي لحقتها قبل أن تنزل قدمه

الأخرى ويخرج من خلف ذاك الباب واقفا على استقامته ينظر لها

بابتسامة ملئها حب وحزن وشوق وفقد ومعان لم يعرفها يوما , ينظر

لوجه صغيرته التي رباها وأحبها أكثر من أبنائه الذين أنجب من

صلبه , لمدللته التي لم يتضايقوا يوما من تدليله لها وتفضيلها عليهم

كانت بعيدة عنه لكن دموعها انعكست في عينيه وحرقت قلبه وهو

من حرص طوال حياته أن لا تنزل على خديها , نسي وجود ذاك

بجانبها وحفيده الذي يمسكه في يديه ولم يعلم عنه إلا اليوم منه

وهو يرى من تقدمت بخطواتها تمسح دموعها التي عبثا كانت

تحاول إيقافها فتحرك نحوها بخطوات بطيئة وركضت هي حينها

له وقفزت لصدره العريض وتعلقت بعنقه وقد طوقها بذراعه الحرة

وبكت بوجع بحرقة بشوق بلهفة تتعلق به بشدة تدفن وجهها بين

ذراعها وعنقه تخرج آهاتها المتوجعة مع بكائها وهي تسمع

همسه الخافت ماسحا على ظهرها " كيف أنتي يا غسق ؟

اشتقت لك بنيتي اشتقت لك كثيرا "

تمسكت به أكثر ودفنت وجهها في عنقه أكثر وهمست بوجع وحرقة

من بين عبراتها المتلاحقة " ليثني مت وما أغضبتك مني يوما

سامحني يا أبي سامحني أرجوك أقسم ما ندمت على

شي كندمي على تهوري ذاك "

قبل كتفها ورفع يده الممسكة لعصاه ومسح بظهر كفها عينيه

والدمعة التي ملأتهما قائلا " قدر الله يا غسق , أنا لم

أغضب منك بنيتي المهم أنك بخير "

ابتعدت عنه قبلت جبينه فكتفه ثم يده فسحبها منها ومسح بها على

طرف وجهها وخدها الذي بللته دموعها فأمسكت يده بين يديها

واتكأت عليها بشفتيها قائلة ببكاء مر " مات الكاسر يا أبي , ليثني

رأيته فقط وطلبت منه أن يسامحني , يا حرقة قلبي عليه التي

لن تخمد أبدا "

مسح بيده الأخرى على شعرها الذي انكشف من حجابها الذي

انزلق عنه وقال بحزن يكتم دموعه " لم يغضب منك لتعتذري

منه يا غسق كان أكثر من جن وغضب لعجزي عن إرجاعك "

اتكأت على كتفه متمسكة بسترته وهو يمسح على شعرها بحنان

وقد رفع نظره بالذي تحرك من هناك ناحيتهما وقال " وكيف

هي أحوالك وزوجك وعائلته ؟ "

مسحت دموعها بكفها قائلة ببحة " بخير المهم أنك بخير

كيف هي عمتي ورماح ورعد وكل العائلة هناك "

قبل رأسها وقال " جميعهم بخير والجميع يسأل عنك "

رفعت وجهها له قائلة " أبي هل أطلب منك طلبا تفعله

من أجلي ؟ "

مسح بأصابعه على وجنتيها وقال " قولي كل ما في نفسك

يا غسق كم ابنة عندي ؟ هي واحدة فقط "

نزلت دموعها من جديد وأمسكت يده وقبلتها واندمجا في حديث

هامس قبل أن يصل الذي ما أن وقف حتى مد له شراع ذراعه

وأمسك بها الصغير الذي وضعه له ممسكا له بعناية محترف

بذراع واحدة اعتاد ذلك وتربى أبنائه الخمسة على يده , ويده

الأخرى لازالت تحتضن النائمة على كتفه متمسكة به بقوة

دفن وجهه فيه يقبله بحنان فابتعدت عنه سامحة له بإمساكه جيدا

تنظر لهما وتمسح دموعها التي لم تتوقف فرفع الواقف بجانبها

حجابها وغطى به شعرها يجمع غرتها المتطايرة تحته فرفع

شراع رأسه ونظر له وقال بعرفان " شكرا لك مطر

شاهين لن أنسى ما فعلت اليوم أبدا "

ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفتيه ويده ترتاح على كتف الواقفة

جانبه وقال " المولود يتبع والده وعائلته , تلك هي أعراف الناس

يا شراع , حتى إن عاشت والدته فهو من حقكم فكيف وهي قد

أفضت لبارئها "

ابتسم له شراع وغاب بنظره للتي تعلقت عيناها المحبة به ورغم أنه

متيقن من أن الواقف أمامه لم يعني بكلامه تذكيره بأنهم أخذوا ابنتهم

وهي من حقهم إلا أنه شعر بعظم ذلك وتمنى لو سلمها لهم كما فعل

هو مع حفيده اليوم لكن وصية والدتها هي ما قيده , رفع نظره به

مجددا حين قال " واعتبر بقيتها ردا لمعروفك مع عائلات الهازان التي

دخلت عبركم لأراضينا , أعلم أن الكثيرين في صنوان عارضوا ذلك

ولم يرضخوا إلا لضغطك عليهم "

هز شراع رأسه بتفهم وقال " تلك من أجل أبناء وطني يا مطر ما

كنت أنتظر عليها ردا منك أبدا ولن يشرفني أن أكون زعيمهم

إن طردوا تلك الناس الضعيفة المذعورة عند الحدود "

ثم نقل نظره للواقفة ملاصقة له وقال " كيف ابنتي معك ؟ هي

تحتاج للشدة أحيانا أعترف أني أفرضت في تدليلها "

خرجت تلك من صمتها محتجة بملامح عابسة " أبيييي !!! "

فضحك رغم حزن ملامحه وضمها ذاك لكتفه وقبل رأسها وقال

" لم تقصر في تربيتها يا شراع فلتسامح أنت شدتي عليها أحيانا "

عجزت الكلمات على شفتيه أن تعبر عما يريد قوله حينها فرغم علم

الواقف أمامه أنها ليست ابنته وأن والدها عمه وأنها لا تقرب له ولم

تحل له إلا لأن والدتها تزوجته ولكان عامله كشقيقها الجالس في

السيارة هناك لا يريده أن يرى حتى شعرها الذي انكشف من حجابها

بل وعامله كوالدها فعلا ولا يزال يراه يستحق تلك المكانة , نظر

لعينيه بامتنان بالغ يعلم أنه سيفهمه من دون أن يعبر عنه بالكلمات

وقال " لن أوصيك عليها يا مطر وأعلم أنك سترعاها أكثر مني , ابنتي

ضعيفة جدا إن تعلق الأمر بأهلها والموت والحروب فلا تجعل من ذلك

هلاكا لزواجكما وحياتكما معا "

ثم نقل نظره لها ولعينيها الدامعة المعلقة به وهي تتكئ على ذاك

الكتف العريض وقال " وأنتي يا غسق زوجك هو مستقبلك فلا

تدمري ذاك المستقبل بيديك "

أغلقت فمها بيدها تكتم عبرتها وهزت رأسها بلا هزة خفيفة ودموعها

عادت للجريان على خديها وهي تستوعب معنى ما قال وعادت كلماته

للتسرب لأذنيها وهو يقول " رضا زوجك من رضا ربك عليك يا

غسق والموت لا يمسكه أحد مهما تعددت الأسباب "

وراقبت خطواته وهو يبتعد بعدما ودعها بتلك الكلمات التي كانت

أشد على قلبها من الواقع الذي تحكيه , تودعه دموعها وعبراتها

حتى ركب السيارة واختفى عنها , تقدمت خطوتين وعيناها معلقتان

حيث اختفى تشعر به استل قلبها وحمله معه , التفتت لصاحب

الخطوات التي اقتربت خلفها وارتمت في حضنه تبكي بصمت ، كم

تتمنى لو تحصل عليهما كليهما , لو يجتمعا في عالمها معا لكنها تعلم

أن ذلك ما لن يحدث أبدا فبوجود أحدهما سيختفي الآخر وحين تكون

مع واحد منهما ستكون خسرت الآخر تماما ولن تراه ، ابتعدت عنه

تمسح دموعها بطرف كم كنزتها الصوفية الخفيفة فقال ممررا

إبهامه على خدها " نغادر أم تودين البقاء أكثر ؟ "

نظرت لعينيه لبرهة قبل أن تبعد نظرها عنهما وهمست " قد

تكون متعبا من القيادة وتود أن ترتاح قليلا قبل أن نغادر "

رفع نظره للشمس وهي تدنوا من جهة الغرب وقال " أنا معتاد

على القيادة لساعات أطول من هذه فالخيار لك وليس لي "

ثم عاد بنظره لها وهي تنظر حولها ولأبعاد المكان البعيدة رموشها

لازالت مبللة بدموعها وهمست ببحة " الخيار لي حقا ؟ "

ابتسم مراقبا ملامحها وجوابها الذي لن تحتاج أن تذكره ليعرفه

وقال " أجل لك فنحن سنصل حوران ليلا في كل الأحوال "

نظرت لعينيه وقالت بابتسامة صغيرة فاتنة رغم حزن ملامحها

وعينيها المرهقة من البكاء " لو اخترت زيارة جداول الماء

لن توافق أليس كذلك ؟ "

خرجت منه ضحكة صغيرة وقال " لن أمانع لكن أن تسيري

فيها حافية القدمين وتلعبي بمياهها ممنوع قطعا "

مسحت طرف عينها بأناملها وقالت مبتسمة

" نذهب لجبل الغضنفر إذا "

ضمها له من كتفيها بذراعه القوية وقال متوجهان جهة السيارة

" وهناك الجو يبرد كثيرا لارتفاعه لكني لن أردك مرتين بما

أن معطفك السميك هنا "


*

*


انفتح باب الغرفة قليلا وأطل منه نصف ذاك الوجه الدائري وعين

واحدة عسلية واسعة نظرت ناحيته وذاك الشعر المموج الطويل

وأصابعها البيضاء تمسك بذاك الباب ، رفع نظره منها للسقف

وقال بصوت متعب خرجت معه الكلمات بصعوبة " هل لي

بجرعة ماء أم لازلت غاضبة مني ؟ "

قالت ولازالت تنظر له بعينها الواحدة تلك

" إن اعتذرت أعطيك إياه "

ابتسامة صغيرة شقت ملامحه المتعبة وشفتيه الجافة وقال ولازال

نظره للأعلى " أنتي من فهم الأمر خطأ أنا صدمت فقط من

وصولي هنا لأراضيكم "

دفعت الباب أكثر ودخلت وتوجهت فورا لإبريق الماء سكبت منه

في كأس وهو يراقبها مستغربا أنها لم تسأله من أين جاء ، اقتربت

منه وجلست عند رأسه على طرف السرير ومررت يدها تحت

رأسه قائلة " ساعدني قليلا ولا تحرك يديك ولا مرفقيك

الطبيب حذر من ذلك "

رفع رأسه بمساعدتها يشعر باحتكاك جسدها بوجهه , لم يقترب من

فتاة هكذا تحت أي ظرف كان ولا يفهم لما لا تتوتر وتخاف وخمن

أنها معتادة على هذا وقد تكون ممرضة ، شرب قليلا ورمى رأسه

للخلف على الوسادة بتنهيدة متعبة فمسحت فمه وذقنه بالمنديل

سريعا قائلة " لم تشرب شيئا ؟ "

قال بتنفس متقطع من ذاك المجهود البسيط " أشعر بها تحرق

حلقي وكأنه ليس ماء "

وقفت قائلة " هذا بسبب ما حدث معك وتضرر جسدك "

وتابعت وهي تجلس على الكرسي قرب السرير " يا لك من شاب

متهور كيف تقود سيارتك جريحا ؟ حين اصطدمت بإحدى منازلنا

ضننا أنه أحدهم أغار علينا , كدت تفقد حياتك يا مجنون "

قال بشبه همس ونظره للسقف " فقدت الوعي .. لقد قدت كثيرا "

حركت يدها أمام وجهها قائلة ببرود " مادمت تعلم أنك بطل لما

لم تفكر أنه سيغمى عليك بسبب نزيف جرحك "

أرخى رأسه جانبا ناظرا لها فلم يكن ينقصه الآن فضول

مراهقات , همس " كنت مطاردا يا ذكية "

وضعت يدها على فمها شاهقة بصدمة وقالت " أصمت يا

أحمق إن علم والدي سلمك فورا لهم "

عاد بنظره للسقف وقال مغمضا عينيه بقوة وألم " ما سبب كل

هذه الآلام التي تذهب وترجع "

وقفت وتوجهت جهة خزانة في الغرفة قائلة " وكيف لن تتألم مع ما

قد أصابك ! المسكنات لا تعطى إلا أول ثلاثة أيام فكنت أنا من

أعطيها لك بعدها دون علم أحد ولا يمكنني إعطائها لك دائما

لو يمسكوا بي سأعاقب "

وعادت جهته وحقنت أعلى ذراعه بحقنة مسكن قائلة " إن جاء

والدي فلا تخبره أنه ثمة من يطاردك حتى تتماثل للشفاء كي لا

يسلموك إن كنت مطلوبا فمؤكد تعرف وضع التنانيون الحساس

في البلاد "

همس شاكرا لها وهو يشعر بالألم الفتاك ذاك يخف بسرعة وقالت

وهي تفصل رأس الحقنة وتدسها كاملة في فستانها جهة صدرها

لترميها بعيدا ما أن تخرج " هل ستخبرني ما أسمك ؟ "

نظر لوجهها وقال بصوت منخفض " رعد "

ضحكت وضمت يديها أمام صدرها قائلة " رائع أسمك

كسرعتك وأنت قادم لنا "

لم يستطع كتم ضحكة شعر بها ضربت في ضلوع صدره كالمطرقة

فأن متألما فأمسكت فمها قائلة بجزع " أنا آسفة هل تأذيت ؟ "

هز رأسه بلا وهمس بصعوبة " ليس كثيرا ، والبرق هو

السريع ليس الرعد "

حركت يدها بعدم اهتمام فقال " ما أسمك أنتي ؟ "

قالت مبتسمة " أستريا ومعناه بالعربية المرأة التي لا أعلم تقولون

عنها أنها تكون غير مفهومة أو صعبة الفهم "

همس مبتسما بتعب " غامضة أي أسمك معناه غموض "

قالت مبتسمة " أجل هو كذلك لكني لا أراه يعبر عني أبدا فأنا

لست معقدة وغير مفهومة "

كتم ضحكته وتحرك صدره بسعال بسيط متألم ونظر للسقف

قائلا بابتسامة " بل هو جميل يا أستريا بالعربية وبلغتكم "

قالت بحماس " حقا أعجبك ؟ الجميع يقول أنه سيء حتى أن

أغلبهم يناديني آستي وهو أحد أسماء ضوء بداية الفجر "

انفتح باب الغرفة ودخلت منه شقيقتها قائلة " أستريا أنتي لا

تتوبين عن الثرثرة أبدا ألم يقل الطبيب لا تكثروا معه الكلام

لتأثر ضلوعه ؟ لكان والدي من تحدث معه وليس أنتي "

توجهت نحوها قائلة بضيق " توقفي عن وصفي بالثرثارة , كنت

قلتها بلغتنا على الأقل , هو يعلم أني سيئة بدون أن توضحي له "

وخرجتا معا وقد أغمض عينيه ببطء ونظره عليها وقد بدأ مفعول

ذاك المسكن يسحبه لعالم النوم بقوة


*

*


وصل بها لنقطة أخرى في ذاك الجبل المرتفع وقال

" من هنا تري جداول الماء الثلاثة "

جلست على الصخور البارزة حيث وصلا تنظر لذاك المشهد الرائع

وقد جلس بجانبها في صمت محترما صمتها يعلم أن ما مرت به اليوم

لم يكن سهلا رغم تيقنه من تحسن نفسيتها كثيرا بعد رؤيتهما وخاصة

والدها الذي رباها , اتكأ بيده للخلف قليلا ينظر لوجهها ولنظرتها المتأملة

بشرود وانسجام تام ثم مد يده الأخرى لحجابها وأزاله في حركة واحدة

مفلتا غرتها وخصلاته التي تطايرت مع الريح الباردة فنظرت له فورا

وقد قال وهو يربط به شعرها كما فعلت سابقا " إن شعرت بالبرد

أخبريني ننزل من هنا اتفقنا ؟ "

هزت رأسها بحسنا وعادت بنظرها للبعيد وأرخت ذقنها على ذراعيها

المحتضنة لساقيها وقالت بشرود " مطر هل تحن لوالديك أحيانا ؟ "

ابتسم ولازال يراقب ملامحها ولون وجنتيها الذي أصبح يزداد توهجا

بسبب لفح الهواء البارد لهما وقال " من قال لك أني لست مخلوقا

بشريا ؟ "

اتكأت بجنب وجهها على ذراعها بحيث نظرت لوجهه وقالت

" أنت لم ترى والدتك ومثلي تماما لا تذكرها أليس كذلك ؟ أنا

أحن لها دائما هل تشعر أنت بذلك ؟ "

مد يده للخصلة التي علقت في طرف شفتيها وأبعدها قائلا

" لا أحد لا يحن لوالدته يا غسق , فقط ذاك يختلف بين

الرجال والنساء "

امتلأت عينيها بالدموع وقالت " لو كانتا معنا الآن كانت أشياء

كثيرة تغيرت أليس كذلك ؟ "

مسح بكفه على شعرها مبعدا غرتها واتكأ على وجهها مقبلا خدها

وهمس " غسق تعوذي من الشيطان فكل هذه الأفكار بسببه "

ثم ابتعد عنها بعدما قبل خدها مجددا على صوت همسها متعوذة بالله

من همزه ولمزه ثم رفعت رأسها ونظرت للبعيد مجددا قائلة " أحيانا

أتمنى لو أني رأيتها لو أملك من ملامحها أي شيء في ذاكرتي والآن

أحمد الله أني لم أعرفها لسنوات كثيرة ثم ذهبت وتركت لي ذكريات

ستعذبني حتى أموت "

وسالت تلك الدمعة على خدها وهي تذكر شقيقها الذي لن تنساه يوما

ولن يعذبها شيء كذكرياتها معه , دمعة شعرت بها حرقت جفنيها قبل

أن تلسع وجنتها برودتها والريح الباردة تضربها بقوة , شدها لكتفه

ودس وجهها فيه قائلا " غسق يكفي تعذيبا لنفسك فلن يجدي ذلك

في شيء ولن يضر غيرك "

لم تعلق تدس وجهها أكثر في طيات صدره تخفي دموعها الصامتة

ويدها تمسك بمعطفه بقوة فقبل رأسها واتكأ عليه بذقنه وقال ونظره

على ذاك الأفق البعيد " حين مات والدي كنت في الرابعة والعشرين

كنت رجلا كما يريده , لقد صنع مني ما لن يصنعه أحد ولا نفسي أنا

علمني كيف أكون قويا كيف أكون ذكيا كيف أقود وآمر , قربني من

كل أمور الدنيا ولم يبعدني شبرا عن الله وعن أمور الآخرة , ويوم

مات كنت بجانبه كنت أراه وهو يفقد كل ارتباطه بالحياة وما حوله

سمعه بصره نطقه , مشهد ما ضننت أنه سيحفر في ذاكرتي لأعوام

وأني سأتمنى يوما أني لم أراه , بعد موته بعام تسلمت زعامة الحالك

باختيار كبار قبائلها دون حتى أن أطلب ذلك أو أقترحه , رباني لسنوات

طوال لأكون زعيما ولم يكن ذلك إلا بعد موته , صنع شيئا لم يراه ولم

يشهد نجاحه , لم أستطع قول أن موته كان في وقت خاطئ فالله وحده

يعلم الخير في الأمر والشر فيه , والدتي لم أعرفها لم أعرف عنها

سوى أنها امرأة فقدت حياتها لأعيش , فتاة أجبرت على الزواج من

رجل أكبر منها بكثير ولم يغرها ماله وجاهه بين قبيلته , طفلة عاشت

يتيمة الأم وحيدة والدها , تمنيت فعلا أن رأيتها أن ربتني مع والدي

أن علمتني ككل أم كيف أعطي أكثر من كل هذا فلم يعلمني

والدي إلا الأخذ "

رفعت وجهها فأبعد ذقنه ونظرت له وقالت " لكنك لا تأخذ

فقط يا مطر أنت تجهل نفسك حقا "

هز رأسه بلا وعاد بنظره للأفق البعيد وقال بشرود " أنتي التي لا

تعرفينني يا غسق , أنا تربيت على ذلك أنا لست ملاكا ثمة عيوب

بي أعلم أنها تخسرني الكثير لكني لا أستطيع التخلص منها "

نظرت لوجهه ولنظرته تلك بضياع ولم تفهم مغزى كل ما قال وجل

ما تخشاه أن تعيشه يوما لتفهمه , شدت قبضتها على ياقة معطفه أكثر

وقالت بحيرة " هل تعني أنك تعطي لتأخذ يا مطر ؟ تتحايل حتى

على مشاعـ ... "

نظر لها وقال بحزم " لا يا غسق لا تفهمي كلامي كما يحلو لك

لا تجعليني أندم على التحدث ولأول مرة عن أمور لم يكن يعلم

عنها أحد "

رطبت شفتيها بلسانها وهمست " أنا آسفة "

مرر أصابعه في خصلات غرتها عند أذنها وقال ناظرا لعينيها

" هل ننهي الحديث عن كل تلك الأمور وعن الأموات ؟ "

هزت رأسها بحسنا هزة خفيفة وقالت " أخبرني فقط عن اسمها

أريد أن أعرفه "

قال فورا " تيما "

ابتسمت بحزن قائلة " تيما !! كم هو جميل كاسم زوجة الكاسر

رحمهما الله , كان سيكون أميمه هو على نفس وزنه "

خرجت منه ضحكة صغيرة وانحنى لشفتيها قبلها قبلة صغيرة

وهمس " لا تشابه في وزنهما أبدا يبدوا فقط أنك تخشين أن

اسمي ابنتنا على والدتي قبل والدتك ؟ "

هربت من عينيه مبتسمة فها هو يفتح ذلك الموضوع من جديد

رفعت نظرها به مجددا حين همس ضاحكا " جبانة "

عضت طرف شفتها ناظرة لعينيه تلك النظرة التي يعشق , نظرة

مشاكسة متوعدة عنيدة ومحاربة فضحك هامسا وقد أمال جسدها

للخلف ببطء منحن فوقها " أتبتي العكس إذا "

و شعرت بالحجارة وظهرها يتكئ عليها للخلف وشفتيه توزع قبلاتها

على شفتيها فتعلقت بعنقه وغابا في ذاك الشغف أصابعها تتغلغل في

شعره تشده لها أكثر , عالم كان كفيلا بأن نسي معه كل واحد منهما

أحزانه وذكرياته المدفونة , أبعد شفتيه وأنفاسهما المتلاحقة قد اختلط

بلهاث ولم تزدهما سوى رغبة بتكرار كل ذلك وهي تشده لها مجددا

يرويا عطش كل تلك الأيام التي ابتعد فيها , شعرت بيده وملمس

أصابعه وهوا يسحب كنزتها لأعلى خصرها فابتعدت عنه مجفلة

وهمست " مطر لا تنسى أين نحن "

أبعد يده وجلس مبتعدا عنها فجلست تعدل ثيابها فوقف قائلا

" لننزل إذا سنصلي ونغادر لأدرك رجلا سنمر بمنزله

قرب حوران "

وقفت تنفض التراب عنها ثم نزلا توضئا وصليا معا كباقي الفروض

وانطلقا من هناك عائدين الطريق التي سلكاها قدوما , وبعد ساعة

ونصف تقريبا توقفا من أجل صلاة العشاء ثم انطلقا مجددا وقد

غابت عيناها في نوم سريع لم تستطع مقاومته ولا التغلب عليه

تشد معطفها على نفسها ولم تشعر بكل تلك الطريق ولا بحركة

السيارة على بعض الطرق الترابية الوعرة ولا في أي وضع

كانت تنام حتى شعرت بيده على خدها يضربه برفق

قائلا " غسق هيا استيقظي ما كل هذا النوم ! "

فتحت عينيها لتكتشف أنها كانت تنام على كتفه وليست تعلم كم مر

من الوقت وهي في هذا الوضع ؟ وفوق عناء القيادة والتعب كان

يتحمل ثقل وزنها عليه , مسحت عينيها تتثاءب وقالت " هل

وصلنا ؟ لما لم توقظني أبتعد عنك لتقود مرتاحا "

فتح بابه وقال " لا لم نصل بعد سأنزل لصاحب هذا المنزل

قليلا , حوران أصبحت قريبة لا تنامي "

ونزل وأغلق بابه خلفه وعيناها تتبعه وهو يقترب من باب المنزل

المعلق فوقه مصباح صغير قد صنع بقعة ضوء حوله وسط ذاك

الظلام الذي يغطي المكان في ليلة كان قمرها هلالا وانعدم النور

فيها بعدما أطفأ أضواء السيارة , راقبته وقد انفتح الباب ما أن

اقترب منه ودون أن يطرقه فهمست بعبوس " هل كنت ميتة

لهذا الحد حتى أن مكالمته لم توقظني ؟ "

استوت في جلستها وأنزلت زجاج النافذة لمنتصفه مطمئنة للظلام الذي

كان يحجب السيارة عنهما ما أن رأت الذي خرج من المنزل يحمل

طفلة سقطت فورا على صدر مطر ضاحكة ما أن رأته واستقبلها

هو من فوره وقال الرجل ضاحكا " لا تتقبل شخصا غيري

وزوجتي إلا أنت بل وتخصك بترحيب لم نحض نحن به "

ضحك مطر ومسح على شعرها قائلا " كيف حالك يا

زيزفون ؟ "

وكرر بتأني " هل أنتي بخير ؟ "

هزت له تلك رأسها بنعم قائلة " بخير "

نظر حينها للواقف أمامه وقال " كيف كانت زيارتك

للطبيب ؟ "

قال عكرمة " لقد ظهرت صور الأشعة اليوم "

وانخرط يشرح له ما قال ورأيه فيه حتى قال مطر " سأوفر لها

ذاك العلاج لا تفكر في أمره وسأعرضه على متخصص آخر خارجا

لأخذ رأيه فيه قبل أن نعطيه لها , لا نريد أن نضرها بغباء "

هز ذاك رأسه بموافقة وقال " وهو عين الصواب على الأقل نعلم

ما يكون وما نفعه , أو هي في غنى عنه "

مدها له وأخذها ذاك منه قائلا " متى ستزورها زيارة أطول من

الوقوف عند الباب ؟ واجلب زوجتك معك "

ثم ضحك متابعا " زيارة اجتماعية أعني كما يقول بِشر "

ضحك مطر وقال مبتعدا جهة السيارة " لا تعلم قد يكون قريبا

تصبح على خير ولن أوصيكما عليها "

أغلقت نافذتها ما أن خرج من تلك المساحة المضيئة وتبعته بنظرها

حتى ركب بجانبها ( تلك إذا الطفلة من خماصة هو يزورها ويطمئن

عليها ومخلوق بشري آخر يعتمد عليه وعلى حمايته له ) نظرت لوجهه

ما أن انطلقا ولم تستطع إبعاد نظرها عنه , أشهر هي التي عرفته فيها

ورأت كم يعطي الناس حتى وقته صحته راحة باله حياته مع أسرته

فلما يقول أنه لا يعطي بل يأخذ !! لم تستطع تفسير ذلك ولا فهمه

وكانت تعلم أن الغوص فيه أكثر لن يزيدها إلا ألما , نظر لها

وقال وقد عاد بنظره للطريق " كنت أريد أن تنزلي لزوجته

وتتعرفي على تلك الصغيرة لولا كان الوقت متأخرا "

قالت بهدوء ونظرها لازال على جانب وجهه " إن كبرت

تلك الطفلة ألن تلومك على أخذها من أهلها "

قال بسخرية ناظرا للطريق " أهلها من ؟ جدها الذي تخلى عنها

وسافر وأنكر والدها الذي يكون ابنه وتركه بلا نسب ؟ أم والدتها

التي كانت تستغلها فقط لتحصل على منزل جدتها وقطعة الأرض

متجاهلة أن رؤية تلك الطفلة لذاك المنزل مجددا وحدها كفيلة

بأن تجعلها تفقد عقلها , هم لم يستحقوها يا غسق وحين

تكبر وتشفى يمكنها أن تقرر بنفسها "

همست وقد أبعدت نظرها عنه " كم أتمنى أن تنتقم منهم

جميعا وقتها "

نظر لها وقال مبتسما " هل لديك نزعة انتقام دائمة ؟ "

نظرت له بضيق وقالت " طبعا وحاذر أن تجربني "

تلاشت الابتسامة عن شفتيه وقال شاردا بنظره في طريق حوران

التي دخلاها للتو " فلنأمل ألا أجربها يوما ما "

ارتجف قلبها بقوة وعادت كل تلك الأمور للتشكل أمام عينيها

وهمست برجاء " مطر لا تقل هذا أنا كنت أمزح فقط "

نظر لها وابتسم ولم يعلق وقد عاد بنظره للبوابة التي فتحها العمال

أمام سيارتهما ودخلا منها وقالت وهي تنزل قافزة من بابها تنظر

له متوجها ناحية باب المنزل " هل اعد لك شيئا تأكله قبل أن

أصعد "

قال وهو يفتح باب المنزل " ألم أخبرك أني لا أحب الأكل وقت

وصولي ؟ ثم الوجبة التي أعدتها الخادمات وأخذناها معنا

لازالت في معدتي حتى الآن "

ودخل وهي تتبعه وقالت وهما يصعدان السلالم " خسارة لو لم

نصل متأخران كنا حضينا بوجبة عشاء جميعنا معا "

ضحك ووقف والتفت لها شد يدها حتى كانت بجانبه وطوق كتفيها

بذراعه قائلا " نعوضها وقت الفطور هل يرضيك هذا ؟ "

قبلت أسفل خده وهمست " أجل يرضيني "

وتابعا صعودهما حتى كانا في غرفتهما وابتعد عنها جهة طاولة

التزيين يفرغ جيوبه ويضع ما فيها عليها ونزعت هي معطفها تراقبه

وهو ينزع سترته وقد أتبعها قميصه فالقميص الداخلي وأخذ المنشفة

ودخل الحمام فورا فأخذت ثيابا لها ونزلت لغرفتها في الأسفل استحمت

هناك وصعدت مسرعة تركض تحسبا من أن يراها أحد بذاك القميص

القصير بحملاته الرقيقة رغم يقينها من أن ساكني ذاك المنزل جميعهم

ينامون مبكرا والوقت الآن تجاوز منتصف الليل , دخلت الغرفة وأغلقت

الباب خلفها ونظرت للذي كان يجلس على السرير ببنطلونه القصير فقط

يستعد للنوم ثم توجهت لثيابه المرمية أرضا وما أن انحنت لها حتى

ناداها مادا يده " تعالي واتركيها للصباح من سيهتم لأمرها

الآن والجميع نيام "

جمعتها سريعا ووضعتها على الكرسي وتوجهت للسرير صعدته

واندست في حضنه وقد غطاها معه بالغطاء السميك وقبل خدها

قائلا " لن تنامي في طرف السرير الليلة فقد ينتهي حطب المدفأة

ليلا في أي وقت وتتجمد الغرفة ولن ينتبه العمال له ولن أنتبه أنا

لك وأنتي ترمي الغطاء تحت قدميك دون شعور "

اندست في حضنه أكثر قائلة بضحكة صغيرة " أخشى أن أرميه

عنك وعني , ثم هل ستتحمل الليلة إزعاج شعري الطويل ؟ "

ضحك وعاد لتوزيع قبلاته على خدها ودس وجهه في شعرها

وهمس " تبدين لي في مزاج أفضل من ليلة أمس "

مررت أصابعها على قفا عنقه وبين شعره تشعر بقبلاته على

عنقها وهمست بحزن " أفضل بكثير ... كثير جدا "

ابتعد عنها ونظر لعينيها فأشارت بسبابتها على قلبها وقالت وقد سالت

دمعة يتيمة واحدة من جانب عينها " هنا كان ثمة شيء يشتعل وخمد

اليوم , لن تتصور يا مطر كم أسعدني أن والدي لم يكن غاضبا مني

لتهوري وما فعلت , أنه لم يرفض رؤيتي ولم يستقبلني غاضبا وأنا

أكثر من يعرفه حين يغضب وقد يتبرأ حتى من دمه وصلبه

رغم أنه لم يغضب مني يوما "

قبّل مكان دمعتها عند صدغها برقة وهمس في أذنها مبتسما

" وما الذي قلتماه عني وأنا بعيد عنكما ؟ "

ضحكت ومررت أناملها بنعومة على كتفه وظهره العاري وقبلت

عنقه هامسة بابتسامة " ترجيته أن يأخذني بعيدا عنك ولم يوافق "

ضحك وابتعد عنها ونظر لعينيها وقال " إن كنت تريدين النوم

بعيدا عني الليلة أيضا فلن أجبرك يا غسق لا أريد لهذا الأمر

أن يحدث بيننا مجبرة أو كارهة "

عضت طرف شفتها تمسك ضحكتها هامسة لنفسها ( هل هو

جاهل في النساء هكذا أم يتغابى ؟ ) طوقت عنقه بذراعيها

وقربته لها هامسة " لا أريد أن أتجمد ليلا وأنا هناك لا

تعلم عني "

*

*


فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس