عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-09, 10:56 PM   #49

na3no3a
 
الصورة الرمزية na3no3a

? العضوٌ??? » 89513
?  التسِجيلٌ » Apr 2009
? مشَارَ?اتْي » 292
?  نُقآطِيْ » na3no3a is on a distinguished road
1111

من دون أن يجيب، تراجع قليلا إلى الخلف لكي تتمكن من المرور أمامه، حاملة الأطباق والملاعق. لمَ تتأثر هكذا بقربه منها؟
ـ في الواقع، كنت أفكر بتناول المزيد
قال هذا فأجفلت لدرجة أنها كادت توقع الصحن من يدها
ـ كنت ماذا؟
أخذ صحنه وشوكته من يدها ووضعهما مجددا على المائدة
ـ أريد المزيد إن كنت لا تمانعين، فاللحم شهي
ـ طبعا. لا أمانع.. لا أظن ذلك
ـ شكرا
مرّ بجانبها وتوجه إلى المطبخ، بينما كانت تحدق في شوكة طعامه ذاهلة: هل قال حقا إن اللحم شهي؟ وحدقت بدهشة إلى باب غرفة الطعام التي خرج منها لتوّه. شعرت بوهن يتملكها فوضعت يديها على سطح المائدة البارد. وبعد لحظات، سمعت غناءً يصدر عن آلة التسجيل. لم تتعرف إلى الموسيقى في الحال. كانت أوبرا مغناة بلغة أجنبية.
ظهر كول مجددا حاملا صحنه المملوء باللحم وبما تبقى من خضار مسلوقة ثم وضع طعامه على المائدة ونظر إليها:" هل أعيق طريقك؟"
طرفت بعينيها وقد لاحظت أنه يستند إلى الطاولة بالقرب من كرسيه، فاستقامت في وقفتها:" لا...لا"
عادت إلى مكانها مرتبكة وزاد ارتباكها عندما أمسك لها الكرسي لتجلس عليه
ـ آمل ألا تزعجك الموسيقى، فأنا أحب الألحان الفرنسية
قال ذلك وهو يأخذ مكانه، فحدقت إليه، مذهولة بما قاله:" هل هذا لحن فرنسي؟"
ـ وهو الأفضل برأيي
ـ آه!
لم تعد تعرف بما تجيب، إذ لم يكن لديها خبرة في الموسيقى، فرنسية كانت أو سوى ذلك
ـ هل هذا قرص؟
ـ نعم إنه لي أحضرت بعض الأقراص قبل مجيئك إلى هنا، لكي أستمع إليها أثناء عملي، ولكن مع المقابلات التي تجرينها...
لم يكمل كلامه لكن هزة كتفيه أوضحت قصده
ـ آه!
وماذا عساها تقول غير ذلك؟
ـ حسنا إنها موسيقى مثيرة للاهتمام
ـ ألم تعجبك؟
استندت إلى الخلف وأخذت نفسا عميقا، محاولة أن تبدو طبيعية قدر الإمكان وأن تخفي تسارع نبضاتها:"لم تقول ذلك؟"
ـ لأنك استخدمت كلمة "مثيرة للاهتمام" وهي ليست إيجابية تماما بنظري.
شحب لونها إزاء فرضيته تلك، فهي لم تفكر بما قالته بقدر ما فكّر هو
ـ لم أقصد ذلك. أظنها موسيقى جميلة
ـ هل أنت معتادة على سماع هذا النوع؟
قالت:" حسنا... أعرف أن الفرنسية لغة تحكى في فرنسا وأن هذه الموسيقى أوبرالية"
بدت ابتسامته صادقة تقريبا، يشوبها بعض الهزء عند الأطراف
ـ جيدا جدا، آنسة سانكروفت
رغم أنها لم تكن بحاجة للإقرار بجهلها من هذه الناحية، إلا أنها لم تستطع أن تصمت:" معرفتي بهذا اللحن بالذات قد يشوبها بعض الثغرات الصغيرة"
ـ حسنا لنسدّ الثغرات، عليك أن تعلمي بأنها مستندة إلى قصة لزولا. وفي هذا المشهد، يقع جندي في أيدي الألمان ويحكمون عليه بالإعدام لأنه ساعد أعداءهم الفرنسيين. وبينما هو ينتظر في رواق الموت تنفيذ الحكم، ينشد أغنية الوداع للأشجار والسماء. والمغني بصوته، يجعل من الأغنية مشهدا استثنائيا. اسمعي!
ركزت جين على الأغنية بكل ذرة من كيانها وراحت تتخيل ذلك الجندي يغني من قلبه عشية إعدامه. كم كان ذلك جميلا ومثيرا للعواطف، لا سيما بعدما عرفت القصة
ـ أعجبتني الأغنية
قالت ذلك وقد علمت أن تعليقها لم يكن على قدر تلك المعزوفة الجميلة
كانت جين تعلم الكثير عن الاقتصاد والسياسة والقضايا المعاصرة ولكن لا شيء عن الموسيقى.
شعرت بشيء من الضعف، فحولت انتباهها إلى كول وسألته:"كيف.. كيف تطور اهتمامك بالأوبرا الفرنسية؟"
تشابكت نظراتهما فأسرها بعينيه، وضع شوكته جانبا وسألها بدلا من الإجابة:" تقصدين كيف بإمكان عامل صيانة أن يعرف هذا القدر عن الأوبرا والموسيقى؟"
شعرت بوخزه ألم عند سماع تعليقه اللاذع:" أنت تظن أنني متكبرة، أليس كذلك؟"
شدّ على شفتيه وفي صمته توبيخ عنيف
ـ أظن بالأحرى أن لدينا وجهتي نظر مختلفتين
تمتمت وهي تخفض نظرها إلى صحنها
ـ لا جدل حول ذلك
رمقته بنظرة قاسية. شعره الأسود اللامع الذي نفخ به الهواء، أضفى عليه لمسة سحر رجولية، وقميصه الأبيض أبرز كتفيه العريضتين، لقد أثبت لها أنه فعلا يملك قميصا وأنه مثير بالقميص بقدر ما هو مثير من دونه
ومن تحت زجاج المائدة، استطاعت أن ترى سرواله النظيف والمكوي الذي لا يخفي شيئا من قوة ساقيه الطويلتين
رفعت عينيها مجددا إلى وجهه، فصدمتها مرة أخرى عيناه الزرقاوين المركزتان عليها ووجدتهما آسرتين جدا لا يمكن التحديق إليهما طويلا إن كانت تريد المحافظة على سلامة تفكيرها
أشاحت بنظرها بعيدا كان عليها أن ترتب أفكارها وتنظمها. حسنا، ربما يمكنه أن يلبس قميصا مرتبا عند الضرورة وربما يعرف عن الموسيقى الفرنسية أكثر منها ولكنه ليس من نوع الرجال الذين تبحث عنهم. وهذا ليس تكبرا إنما هو المنطق ليس إلا
انتهت الأغنية واستند كول إلى الخلف في كرسيه:" كان ذلك رائعا، شكرا"
فأومأت محاولة أن يبدو تعبيرها ودودا. كان ضيفا مهذبا تماما، حتى ولو أحاطت بإطرائه بعض التعليقات التي جعلتها تشعر بأنها غبية ومذنبة
ـ لم يكن ذلك شيئا كنت أدين لك بعشاء
قالت ذلك، محاولة أن تبدو مثله
ـ سأذهب لأغير ملابسي
حدقت إليه من فوق حافة كوبها. يغير ملابسه؟ عم يتكلم؟
كان اضطرابها على الأرجح باديا على وجهها، فقد أضاف مستفهما:" أنسيت؟ اقترحت عليك أن تسبحي؟"
وضعت الكوب مكانه"آه صحيح"!
بعد التفكير وجدت أنه ما كان عليها الموافقة:" في الواقع ،كول..."
ـ سأغير ملابسي
قاطعها بحزم وقد مال إلى الأمام ناحيتها، سائلا إياها:" أكنت تفكرين بالتراجع؟"
لم يعجبها تلميحه إلى أنها جبانة، فقررت أن تكذب:" لا، ليس الأمر هكذا..."
ـ جيد، إذا نلتقي بعد نصف ساعة عند الشاطئ
أرادت أن تنهض وتستمر بمناقشته حتى يصلا إلى الباب لكنه أشار إليها بأن تبقى جالسة:" يمكنني أن أخرج بنفسي"
ـ ولكن..
وصل إلى الباب في ثلاث خطوات، وبعد لحظة، كان الباب قد أغلق وكول قد اختفى. العشاء معه سبب لها الاضطراب أكثر مم سببه لها أي تدقيق حسابات قامت به يوما وفي خضم اضطرابها هذا، وافقته على "اللهو" في الماء.
فألت نفسها هامسة:" هل أنا مجنونة؟"
بعد ربع ساعة، كانت جين تحدق إلى المرآة. من بين كل أثواب السباحة الجديدة المتوفرة في الخزانة، اختارت ثوبا زهريا من قطعتين ولكنها فكرت في سرها" واجهي الأمر جين، هذا ليس مجرد ثوب سباحة، إنه ثوب سباحة فاضح جدا"
ما الذي يجري لها؟ ما الذي حدث لمنطقها وقناعتها منذ رأت عيني كول الآسرتين؟
خشيت جين أن تكون على علم بما يجري لها . لقد أوضح لها كول أنه لا يهتم لأمرها وقد جرح ذلك كبرياءها.
أخذت منشفة وخرجت من الحمام لتنزل الدرج وهي تفكر في أن الثوب الأسود ذا القطعة الواحدة أكثر حشمة
لكنها لا تريد الآن أن تفكر في ذلك فكبرياؤها مجروحة تماما.
***


na3no3a غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس