عرض مشاركة واحدة
قديم 17-12-16, 07:54 AM   #7

فيتامين سي

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة

alkap ~
 
الصورة الرمزية فيتامين سي

? العضوٌ??? » 12556
?  التسِجيلٌ » Jun 2008
? مشَارَ?اتْي » 42,438
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Saudi Arabia
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » فيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond reputeفيتامين سي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي


بيت العنكبوت 5
ـــــــــــــــــــــــ
- إنتظار –


يوم عادي في عاصمة ما بعد المحرقة ..
تشرق الشمس عليها مبشرة بيوم شديد الحرارة كحالها دائما .. تعال معي إلى أعرق مدنها الثلاثة وأقدمها وأكثرها إزدحاما .. أمدرمان .. مدينة مثل لوحة صامتة ليس بها حتى زقزقة العصافير .. بعض البشر يظهرون وهم يمشون بسرعة متلفتين بذعر .. لا بقالات .. لا أندية .. لا محلات بيع .. لا شئ .. وسط ذلك السكون تتحرك (هبة) .. الغزال الأمدرماني الأصيل يغادر دغله خائفا ليبحث عن طعام .. هبة .. الطبيبة الصيدلانية الجميلة .. أربعة وعشرون عاما ..واحد وخمسون كيلوجراما .. وعينيان ساحرتان .. كان هذا فيما مضى .. صارت أكثر نحولا وأختفى لمعان عينيها .. تخرج من بيتهم بحذر .. تتلفت في الطريق وهي ذاهبة إلى سوق ( أبو السريع ) .. كانت تعرف القواعد العامة للحياة الجديدة ..لا يوجد أمان ، أو شرطة أو نيابة أو قضاء .. تصرف على هذا الأساس .. أعتبر نفسك في غابة و لا تكن ضعيفا أبدا وإلا سيتم إفتراسك .. لا تدري حقيقة مالذي غيّر طباع الناس لهذه الدرجة في هذا الوقت الوجيز وجعلهم ينزلون لهذا الدرك اللامعقول من الجنون .. ربما هو غياب قبضة الحكومة .. ربما هي صدمات الرعب المتتالية بسبب الإجتياحات المتكررة للمسلحين .. تتذكر بوضوح أول مرة عاشت فيها هذا الإحساس .. إحساس عدم الأمن والرعب من أصوات الرصاص والإنفجارات .. قبل ستة عشر عاما .. العاشر من مايو من عام 2008 .. الساعة الثالثة ظهرا .. أمها تخبئها هي وأختها أسفل لسرير بينما في الخارج ترتج الأرض أسفل سيارات حركة العدل والمساواة وهي تجتاح المدينة في عملية (الذراع الطويل ) ..ثلاثمائة سيارة لاندكروزر بكامل العتاد والجنود تقتحم العاصمة التاريخية للبلاد .. كان عمرها ثمان سنوات .. أمها تبتهل لله أن وتمسك بالتلفون محاولة الإتصال بأخيها الأكبر الذي لم يعد بعد .. كانت تبكي وأختها كذلك تبكي .. الأخ الأكبر مصدر الأمان بعد رحيل الوالد ، لم يعد بعد وفي الخارج يشتعل الجحيم .. أين جيش هذه البلاد وأين قوات أمنها ؟ .. حين عاد شقيقها الكبير مرهقا ومغبرا عند الغروب حكى لهم بقلب يتقطع ما حدث .. شقيقها كان مثلها الأعلى .. ذكي وحنون .. يدرس الصيدلة في الجامعة الإسلامية .. حكى لهم عن الرعب في الشوارع وعن الجثث .. حكى لهم عن تحطم جدار الأمان في نفوس الناس التي كانت تثق في الحكومة لحمايتهم ... حكى لها عن ( موسى عبد الباقي ) زميله الطالب في السنة الثالثة بصيدلة الإسلامية وإبن المناقل الأسمر الباسم دوما ، الذي تلقى رصاصة في عموده الفقري لا أحد يدري من أين أتت ، ثم رحل بعدها بشهر في الأردن .. تتذكر كل هذا وتتذكر رحيل شقيقها نفسه في حادث سير ، ثم قرارها بدخول كلية الصيدلة حيث درس هو وحيث مشى ودرس موسي عبد الباقي .. تعلمت منذ عام كامل إن الأمان قد رحل وإنها يجب أن تتعلم الصيد لتعيش في الغابة كما قال لها ( أسعد ) .. تعض شفتها السفلى حين طرأ الإسم على بالها .. أسعد ! ترى أين أنت الآن وماذا حل بك ؟ شهر كامل لم أسمع عنك أي شئ .. ثلاثون يوما بليالهم وكل ليلة تمر بي كألف ألف ليلة وأنا في إنتظارك .. أنت ظهري وأماني الوحيد الذي تبقى لي .. تسيل دموعها بصمت وهي تحث الخطى عابرة الشارع الكبير الذي يفصلها عن مرفأ النيل حيث سوق أبو السريع .. سوق صغير يأتي إليه ساكني جزيرة وسط النيل ليبيعوا للناس الخضروات والفواكه والأسماك .. كل شخص يأتي وهو مسلح ببندقية أو مسدس أو سكين .. الكل يتلفت متوترا ويراقب الآخرين .. لا توجد عملات نقدية لأنها صارت بلاقيمة منذ زمن طويل لهذا يتعاملون بالمقايضة .. الذهب والفضة مرغوبان بشدة والأثاثات المنزلية والملابس تأتي في المرتبة الثانية .. الناس يبيعون أي شئ ليوفروا الطعام .. تتم المبادلة بسرعة وينسحب المشتري قابضا على سلاحه بيد وبيده الأخرى أكياس طعامه .. غالبا سيحاول آخرون مهاجمته في الطريق ولكن في وجود السلاح يستطيع أن يحمي نفسه وطعامه .. هكذا تسير الحياة .. تكمل هبة المقايضة بسرعة .. تشتري الفحم والسمك والخضروات تنسحب من السوق وفي رأسها القاعدة الثانية : كل فتاة تسير وحيدة في الشارع هي مشروع إغتصاب .. من بعيد يراقبها ثلاثة شباب ثم بإشارة متبادلة سريعة يتبعوها .. تسير بمحاذاة الشاطئ ممسكة بقوة بكيس الطعام .. ثوان قليلة ثم يلتف الثلاثة حولها .. قلبها يخفق بقوة وأحدهم يقول لها :
- على وين يا جميل ؟
يد تمسك بكتفها من الخلف وخرى تمتد لكيس الطعام .. تغمض عينيها ثم تسحب السكين المختفية في حزام بنطلونها .. بسرعة قبل أن يفهم أحدهم تمر السكين لتنغرس في فخذ الواقف خلفها .. صرخة ألم معذبة طويلة ، ثم تهوي السكين على اليد الممسكة بكيس الطعام لتتفجر الدماء مع الصرخات .. ثوان وثلاثة شبان يفرون مذعورين .. تعيد السكين لحزامها ودموعها تسيل بصمت وهي تسير نحو البيت .. للمرة السابعة منذ رحيل أسعد تخرج السكين لتدافع عن نفسها .. لم تطعن أحد في مقتل من قبل ولكنها تدعو الله أن لا يأتي اليوم الذي تغوص فيه سكينها في صدر أحدهم .. حياة قاسية ولكن القاعدة الثالثة تقول : إذا مت فأنت الخاسر الوحيد .. لن يحاكم أحد من قتلك .. لن يدفع أحد ديتك .. بل ربما لن تجد حتى من يدفنك .. لذلك ( عش ودعهم يموتون ) .. تسير و أمامها وخلفها حطام السيارات التي لم يصلحها أحد منذ أيام الهول الأولى .. لافتات المحلات محطمة وبعضها مكسور ومرمي بإهمال وقد كساه الغبار .. لافتة كبيرة تعترض طريقها ولكنها تعبرها بوثبة واحدة ثم تلتفت لتقرأها بقلب ملئ بالحنين : الريفيرا .. تحت سماء شمسها حارقة ولونها أحمر بلون الغبار .. تحت صمت رهيب يخيم حتى على تسير وحيدة وكل كيانها يشتعل بسؤال حارق بلا جواب : أين أنت يا أسعد ؟
( يتبع )



فيتامين سي غير متواجد حالياً  
التوقيع



شكراً منتداي الأول و الغالي ... وسام أعتز به


رد مع اقتباس