كاتبة في قصر الكتابة الخاليّة وقاصة بقلوب احلام القصيرة |
2- أفي بوعودي .....
بعد أسبوع ترّجلت كالي من الطائرة في مطار سان فرنسيسكو , وهي لا تملك ادني فكرة عمّا ينتظرها هذا الصباح بمكتب السّيد فاروس لتطلعه على برنامجها ,فأكدت لها عاملة الهاتف انها ستبلغه رسالتها . وهكذا أوكلت إلى شخص غريب مهمة إعلامه بوصولها .
بقيت بعض الشكوك تساورها بشان قبول العرض الّذي تلقته , شكوك لم تجد خلاصاً منها .
هل سيتركها تتنتظره في المطار ؟
لم تصدّق ان السيد فاروس رحب الصدر إلى هذا الحد ّ !
سلكت ممراً طويلاً مع الركاب الذين كانوا معها على متن الطائرة .
كان المطار يعج بالناس و يزخر بالحركة و الأصوات الصاخبة . لذا طلب منه استقبالها . هذا , لم تستطع التعرف إلى "الشخص " المناسب الذي طلب منه استقبالها . هذا , إن كان ثمة من جاء حقاً لاستقبالها .
جلست بعيداً عن المسافرين المتحمسين . تتأمل حركة المطار المتواصلة و الناشطة ,
وتتسائل كيف سيجدها مرافقها ؟
أتره رأى الصورة التي بعثت بها إلى السيد فاروس قبل أن يتم ترتيب ذاك الزفاف .
أرخت حمالة حقيبتها عن كتفها ووضعتها على الارض . وأخذت تراجع للمّرة الألف ما جرى معها , أولاً رفضت السيد فاروس ,
من ثم , اتصل بها و عرض عليها فرصة تجديد منزله .
ثم أنهى مكالمته الهاتفيه , قبل أن تعده بالحضورحتى .
وهكذا ظلت حاائرة طوال الأسبوع تفكّر بانه من غير المعقول ان تقبل , ومن غير المعقول أن ترفض .
بحثت عن صور قديمة لمنزل فاروس فبدا لها مذهلاً .
وعرفت ان الوقوف امام هذا المبنى , يخطف الأنفاس .
إن الحصول على هذه الفرصة أشبه بالمشاركة في الألعاب الأولمبية .
لذا , من الصعب رفضها فهي تمثل الفرصة التي حلمت بانتهازها . من جهة اخرى , إنها تدين للسيد فاروس . كانت تعلم أنها ستقوم بعمل جيد , لا , بل رائع . على كل حال , يجب أن يكون عملها رائعاً خاصة أنه يجدر بها التعويض عن إخلالها بوعدها .
وهذا اهم بكثير مما قد يقدمه هذا العمل من دفع لمهنتها .
اعترهتا موجة توتر جديدة و أخذ حذاؤها العالي الكعبين يزعجها , لكن ذلك لم يكن إلا ثمناً قليلاً بعد ما سببته للسيّد فاروس من أذىً . ارتدت ثيابا ً انيقة جداً رغبةً منها في ترك انطباع جيد لديه . ومع أنه وعدها بألا يراها , فقد حرصت على ألاّ يسمع عن مشروعه أو عنها أي تعليق سلبي .
عليها أن تظهر بمظهر المحترف و الخبير من رأسها حتى اخمص قدميها , وألا تتملق في تصرفاتها .
يجب أن يكون كل شئ على أحسن حال . عليها أن تثبت للسيّد فاروس انه لم يخطئ حين وضع ثقته فيها .
اخذت تمشي علّها تخفف الألم الذي سببه لها حذاؤها العالي , وتفرست في كل المارة وقد علت ابتسامة بائسة وجهها , وكأنها تقول لكل واحد منهم :" أرجوك كن من قبل السيد فاروس ".
بعد انتظار دام خمساً وأربعين دقيقة , شعرت بوهن كبير في ساقيها و بألم في عضلات وجهها من جراء ابتسامات المجامله التي وزعتها على المارة . وقفت في آخر جناح الاستقبال و قد بدا المطار خالياً من الوافدين حتى من اؤلئك الذين وصلوا متاخرين .
بقي في المطار عدد قليل من الأشخاص الذين كانوا في طريقهم للخروج . ومع ذلك شعرت كالي بأنها وحيدة , وتمنت لو بقيت جالسهً تنتظر بدلاً من ذرع قاعة الوصول جيئةً وذهاباً .
لم تود التسليم بأن ذاك العرض كان مجرد مزاح , وأن السيد فاروس لم يشأ إعطائها المشروع . بقيت تقدم الحجج لنفسها , آملة أن يأتي أحدهم أخيراً لاستقبالها , ربما هناك زحمة سير أو .......
يمكنها أن تتصل بمكتبه , فهي تحمل الرقم معها . لكن لمَ انتظرت طويلاً قبل أن تبحث عن هاتف ؟
لم لم تشترِهاتفاً خلوياً بعد ؟
الكل يحمل اليوم هاتفاً خلوياً . هذا ما وعدت مفسها بشرائه ما إن تحصل على هذا العمل أو ...... هذا المزاح ؟ .
تنهدت وهي تفكر :
" ماذا لو أتى احدهم لاصطحابها و لم يعرف انها هي صاحبة الصورة ؟".
كان شعرها أقصر في الصورة .
ربما كان علىّ أن احمل لافتة اكتب عليها انني كالي آنجليس .
مامن داع لذلك !
سمعت صوتاً ذكورياً من خلفها يجيبها فأجفلت .
كان صاحب الصوت رجلاً طويل القامه , قوي البنية , ذا شعر لمّاع أشبه بهالة من النور , تحت أشعة الشمس .
أما وجهه فبارز القسمات غطت نظارات شمسية عينيه فودّت لو ترى تعبيرهما , لاسيما ان ابتسامته عكست رهافة إحساسه . و بدا لها من ابتسامته انه يستلطفها و يستغربها في آن معاً . ربما غيّر برنامجه لياتي لاإصطحابها .
قال لها بنبرة متكاسلة :" جئت لاصطحبك آنسة أنجليس ".
بدت نبرته ساخرة مغرية . و اقتنعت بانه اتى فعلا من قبل السيد فاروس ,بعد ان لاحظت ملابسه البسيطة , سروال جينز و حذاءً عملياً .
بدا لها وكانه يقول :" هذا ما أنا عليه , عليك ان تعتادي على ذلك !".
شعرت بالتقدير لما هو عليه , فقد كان بعيداً كل البعد عن ما توقعته . تنحنح , و مع انها لم تر عينيه , إلا انها
رات أن السخط بدا يغلب على التسلية البادية على شفتيه .
بدا لها أنه يتوقع منها جواباً وجواباً سريعاً
غمغمت متاخرة :
"سائقي ؟ شكراً جزيلاً !".
انه لمن دواعي سروري .
وحمل حقيبتها مقطباً جبينه , فعرفت أنها ليست الحقيقة .
"اعتقدت أن أحداً لن ياتي لاصطحابي , لقد تأخرت كثيراً ."
"حقاً . ربما لم أحصل على الوقت المحدد لوصول الطائرة ."
و أشار الى الإتجاه الذي سيسلكانه و سبقها حاملاً حقيبتها .
"أخيراً جئت , وهذا ما يهم . اعتقد أنك ستقلني إلى منزل السيد فاروس ."
ا"عتقاد صائب ."
بدت تعابير وجهها ناقمة على تصرفه الفظ ,
لكنه لم يتنبه لذلك لانه أشاح بنظره عنها . مشى بخطوات واسعة ,
فاضطرت للركض لتلحق به . وكان ذلك أشبه بالعذاب لشدة ما آلمتها رجلاها .
"هل من داع للعجلة ؟ "
لم ينظر إليها أو يخفف من سرعته , فنظرت إليه بحنق وقالت :
" حقاً؟ وكيف كنّا لنمشي لو اننا على عجلة من أمرنا ؟".
ولكن حين ألقى نظرة خاطفة عليها , خفف من سرعته و سلها مستفهماً :
" هل امشي بسرعة كبيرة ؟".
"لا, بالنسبة لمباراة ماراثون . ولكن اذا اردت ألاّ تضيعني في المطار , فعليك ان تخفف من سرعتك . هذه ليست أحذية رياضية . "
وأشارت إلى الحذاء العالي الكعبين الذي تنتعله و قد بدت امارات اللوم على وجهها .
لم يكلف نفسه عناء النظر إلى رجليها , ولكنها لاحظت تعابير وجهه .
"عفواً ."
خفف من سرعته قليلاً , فكان ذلك مثالاً واضحاً على الاهتمام البسيط الذي يوليه لمشاعرها . فقالت وهي تعدو بأقصى سرعتها لتتمكن من المشي بقربه :
" هكذا أفضل بكثير , شكراً ."
"أهلاً ."
قطبت جبينها .خرجت كلمة ( أهلاً ) من فمه وكأنها (إذهبي إلى الجحيم ).
قالت وهي تلهث ككلب بائس :
" علينا أن نحضر الحقائب , هل تعرف الطريق ؟".
نظر إليها نظرة جافة او بالأحرى اعتقدت ذلك , لكنه لم ينبس بكلمة , وانعطف في سيره فتبعته .
سألته محاولة بدء حديث معه :
" إذاً ماذا تفعل في الحياة غير ملاقاة الوافدين في المطارات ؟".
" اهتم باموري الخاصة ".
اجفلها جوابه ولكنها حافظت على توازنها خوفاً من ان تقع . امسكت بمعصمه فوجدته قوياً مليئاً بالرجولة . لم تكن تتوقع شيئاً من جراء لمسه , لكنه ترك فيها أثراً كبيراً . قالت وكانها تنذره بفصله من مركزه :
" اعتقد انك تعمل لحساب السيد فاروس ".
وإذ لم يجبها ,تابعت تقول :
" لانه يجب ان يعرف كيف تتعامل مع الناس !".
توقف مرافقها فجاة , فكادت تصطدم به .
تراجعت إلى الخلف بعد أن التفت ال يدها التي تمسك بذراعه بإحكام , فأبعدها بحركة خفيفة من معصمه , ثم نظر إلى حقائب السفر وأشار إلى واحدة منها قائلاً :
" احملي حقيبة منها , آنسة آنجليس !".
امسكت بالحقيبة :
" لن يكون ذلك بالأمر الصعب . ثمة واحدة بعد !".
"سأحملها لك سيدتي . "
ونظر إليها نظرة ملؤها الاستهزاء ثم أشاح بنظره عنها .
قطبت جبينها وقررت ألا تتفوه بأي كلمة مثله .وبعد بضع دقائق , كانت تجلس في سيارة رياضية , بالكاد تتسع لهما و للحقائب . |