عرض مشاركة واحدة
قديم 08-02-17, 01:32 AM   #4

samahss

مشرفة منتدى عبير وأحلام وعضو فريق الكتابة للروايات الرومانسية وماسة الرومانسية

alkap ~
 
الصورة الرمزية samahss

? العضوٌ??? » 111513
?  التسِجيلٌ » Mar 2010
? مشَارَ?اتْي » 39,598
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » samahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond reputesamahss has a reputation beyond repute
¬» قناتك mbc4
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الثاني

نقلت بصرها نحو المساحات الشاسعة من الأراضي , شاعرة بالغضب لحماقتها . الزمن وحده هو الذي سيثبت ما إذا كان لاتفاقهما هذا أن يدوم , ولكنها ستبذل كل ما في وسعها للمحافظة على عهدها , والتخلص من كل الأحلام و الأوهام التي لم تتضمنها الاتفاقية وعندما كانت تحدق في تلك السهول المترامية بذهن شارد , استحضرت إلى ذهنها ذلك الموقف حين تم عقد القِران . لقد تلاقت نظراته النارية بنظراتها . و توهج وجهها شاعرة بالأحاسيس تغمر كيانها , ولكن أليس هذا هو الوضع الذي اختارته لحياتها ؟

" إلى أيّ حد تختلف هذه المناظر عن كاليفورنيا ؟"

أجفلت إذ سمعته يتكلم فجأة بعد طول صمت , فأدارت عينيها إليه تسأله :" عفواً ؟ "

فأجاب ببطء و كأنه يتحدث إلى شخص لا يحسن الإنكليزية :" إنني سألتك عن الفرق بين كاليفورنيا و ما ترينه هنا ."

فابتدأت تنتبه ببطء إلى الأدغال ذات اللون الأخضر المغبر التي يمران بها , و أشجار المناطق الحارة المنتشرة هنا وهناك . و كان العشب قصيراً جافاً مغبراً . أجابت باسمة :" إنني أشعر كأنني في موطني , تقريباً . إنني لم أميز أنواع الأشجار , ولكن الأدغال مماثلة لما هو عندنا و كذلك الأعشاب هي نفسها ."

قال :" أظنك ستشعرين و كأنك في موطنك , إذن ؟"

فأجابت :" إنه مشابه جداً له . و هذا سيحملني على الاستقرار , فلا أتطلع إلى السكن في المدن مهما كانت الظروف ." أليس هذا ما كان يريد أن يعرفه ؟

و عندما اجتازا عموداً حجرياً كان يفصل أميالاً طويلة من الأسلاك الشائكة , قال:" هذا يشير إلى حدود مزرعة راوستين ." فسألته :" كم تبلغ مساحتها ؟" لقد بدت لها الأرض هنا مشابهة لتلك التي تحيط بالمدينة رغم تلك التلال المنخفضة التي كانت تبدو لها عن بعد . كيف بإمكان أحد أن يفصل بين أملاك و أملاك ؟

و أجاب ببساطة :" إنّ لدينا حوالي المئة ألف كيلو متر مربع ."

فاستدارت إليه قائلة بدهشة :" مئة ألف كيلو متر مربع؟ إنّ هذه مساحة هائلة ." و أخذت تحاول أن تحسب هذه المساحة بالفدادين , ثم تقارنها بمزارع المواشي التي تعرفها في كاليفورنيا . و لكن ذلك أعيا ذهنها .

قال :" إنّ الجفاف هنا لا يسمح بإرواء نفس العدد من المواشي في الفدان الذي يوجد في مزارع منطقة تومليس , و لهذا فنحن بحاجة إلى أراض ٍ أكثر بكثير لتربية الماشية ."

فسألته :" هل كل الأرض بمثل جفافها هنا ؟ "

أجاب :" نعم , إنما في فصل الجفاف . ولدينا آبار ارتوازية حول الأراضي لتمدنا بالمياه أثناء فصل الجفاف الطويل . و عندنا المطر في فصل الشتاء , كما أنّ لدينا سدوداً تحفظ المياه قدر المستطاع ."

فعادت تسأله :" كم يوجد من الرجال في المزرعة ؟"

فأجاب :" في المنزل يوجد جدّي و أنا , بالإضافة إلى اثني عشر من متعهدي الماشية . أربعة منهم ذوو عائلات . و لدينا أيضاً مكانان أصغر حجماً إلى الجنوب من هنا يقيم فيهما مدراء للمراقبة . إنّ جدّي لا يقوم حالياً بكثير من العمل ولكنه يحاول أنّ يصدر الأوامر إلى الرجال من المنزل و قد سلمني إدارة الأعمال اليومية منذ عدة سنوات , رغبة منه في أن يتقاعد مبكراً كما يقول إنه فقط عذر لكي يتفرغ لهوايته في إصلاح آلياته رغم عدم درايته بذلك , دون أن يشغله عن ذلك الاهتمام بالماشية ."

سألته :" وماذا عن والديك ؟"

فألقى عليها نظرة و قد بان الجمود على وجهه , و قال :" إنني لم أرَ أمي منذ ثلاثين سنة عندما هجرتنا . وأبي يعيش في ملبورن حيث يعمل في شحن السفن ."

فقالت بسرعة تغير الموضوع بعد أن لاحظت التوتر الذي بدا عليه لدى جوابه الأخير , قالت تسأله :" هل يتوجب عليّ أن أطبخ لكل رجال المزرعة ؟" كانت فكرة إعداد الطعام لأكثر من ستة عشر رجلاً كل يوم , هي شيء لا يطاق .

أجاب :" كلا . فالعائلات يأكلون معاً . أما الرجال العازبون فلديهم طاه خاص في سكنهم بعيداً عن منزلنا ."

سألت :" و من كان يعتني بسارة منذ وفاة والديها ؟ "

أجاب :" جدّي وواحدة من زوجات رجالنا و اسمها جودي كمب . ولكن سارة أصبحت تمشي الآن ما يستلزم رعاية حقيقية , بينما لجودي منزلها الذي يشغلها بالمناسبة , هل تعلمين الكثير عن تربية الأطفال ؟" فهزت رأسها قائلة :" كلا , ولكن بإمكاني أن أتعلم , و قد أحضرت معي بعض الكتب لذلك ."

و انطلقت منه شتيمة خافتة و هو يعود إلى النظر إلى الطريق , ثم قال :" كنت أظن أنّ النساء يعرفن تلقائياً , كل شيء عن تربية الأطفال ."

فأجابت :" لا يعرفن إلا إذا كان لديهنّ أطفال . أما أنا فلم يكن لديّ فرصة لأتعلم ذلك . ولكن لا تقلق , فسأتعلم ذلك بسرعة ."

قال :" الأفضل أن تتعلمي لأن ّ هذا هو السبب الرئيسي لزواجي بك "

شعرت بالغضب يغلي في داخلها للهجته هذه التي ذكرتها بأن زواجهما كان خارجاً عن رغبتهما , هما الاثنين , ولكنها قالت بصوت عذب :" ظننتك تزوجتني فقط لأجل ميراث عمتك ."

فقال :" إنّ الميراث مفيد طبعاً , رغم أن ّ المزرعة كافية لنا تماماً . ولكن السبب الرئيسي هو سارة ."

فقالت :" وهي أيضاً أحد أسباب قبولي الزواج ."

قال :" مع أنّك ِ بحاجة إلى المال ."

قالت :" هذا صحيح . ولكن جدتي لن إلى الأبد , حتى و لو تغلبت على مرضها ذاك . بينما سيدوم زواجنا , أنا و أنت , حتى و لو انتهت حاجتنا المباشرة إلى المال . فلا تقلق , فأنا سأكون أماً حانية لسارة ."

كان ألبرت الآن قد دخل الطريق المؤدي إلى المنزل , و ابتدأت أعصاب ستيفاني في التوتر . هذا إضافة إلى الإرهاق الذي كانت تشعر به . وتاقت إلى الإنفراد بنفسها , فقد اجتازت أحداثاً كثيرة و بسرعة , وسيحل الليل قبل أن تجد وقتاً تهتم فيه بنفسها . إنها ستتعرف أولاً إلى بقية أسرة ألبرت , وهذا سيستغرق لحظات قليلة تنخرط بعدها في دورها كزوجة لألبرت . وازدردت ريقها بصعوبة , محاولة تمالك أعصابها . إنها زوجة ألبرت , وعليها أن تعتاد هذا .

وعندما لاح لهما المنزل , أخذت تتأمله بنهم و هما يقتربان منه , ثم سألته :" إنّ المنزل أكبر مما كنت أتوقع . هل تسكنونه أنتم الثلاثة فقط؟"

فأجاب :" إنّه منزل كبير بني لسكن أسرة كبيرة , وقد بناه جدّي الأكبر مع أنّه لم ينجب سوى جدّي الحالي الذي أنجب بدوره ولداً واحداً هو أبي الذي أنجب اثنين . وقد تعودنا على اتساع الأمكنة حتى أن لدينا غرفاً عديدة لا تحوي أي أثاث مطلقاً "

كان المنزل مؤلفاً من طابقين عاليين و شرفة تمتد على طول الواجهة الأمامية له و كان المنزل ذات يوم أبيض اللون , و لكن غبار التراب الأحمر قد علاه ممتزجاً بالأقذار , و كان ثمة صف من أشجار مطاط تسبغ شيئاً من الظل عليه و تصد عنه الريح من ناحية الغرب , وكانت أوراقها الخضراء الفضية تعبث بها نسائم العصاري .

سألته و هي تشير إلى مجموعة من الأبنية خلف المنزل تنتشر في الأنحاء كقرية صغيرة , وبقربها مخزن كبير للغلال :" و ما تلك الأبنية الأخرى ؟"

أجاب :" البعض منها مساكن العمال . و هناك مخزن لطعام الجياد و حظائر للماشية , وعدة سقائف لآليات المنزل . ظننتك تعرفين تربية المواشي ."

قالت :" لقد عملت في مؤسسة لتربية المواشي , و لكنني كنت أعيش في مدينة تقع في وسط منطقة ريفية تضم مزارع الماشية , ولكنني لم أسكن قط في مزرعة ."

عندما أوقف الشاحنة أمام الباب الخلفي , استدار إليها قائلاً :" أهلاً بك في مزرعة راوستين , يا سيدة دوغلاس , ودعينا نحن الاثنين نأمل في التوفيق ." فابتسمت و هي تسمعه يناديها باسم السيدة دوغلاس , وتاهت عيناها بعيداً . ولكن الإبتسامة ما لبثت أن تلاشت و هي تواجه منزلها الجديد . حتى تأثير الجاذبية التي شعرت بها قرب ألبرت تلاشت و هي تدرك أخيراً هول ما أقدمت عليه . إنها في كاليفورنيا , لم تتردد و هي تحزم أمرها . لقد درست كل الخيارات التي أمامها , و تفحصت كافة النواحي . لم تكن وصية كاثرين متوقعة قط , و لكنها كانت واضحة و هي تترك نصف أملاكها الواسعة لستيفاني بشرط أن تتزوج من حفيد أخيها في خلال سنة واحدة , و كانت ستيفاني بحاجة ماسة إلى المال لمتابعة علاج جدتها . فألزمت نفسها بذلك , محرقة الجسور خلفها . فنجاح ذلك الآن موقوف عليها . فهي الآن , مثلها مثل ألبرت , تأمل في التوفيق . قال لها برقة و هو يرى خوفها و ترددها : " تفضلي , إنهم جميعاً في الداخل ." و لم تكن تتوقع هذا التفهم و تلك الرقة منه , فسرها ذلك . سار أمامها مجتازاً المطبخ الذي أدهشتها نظافته , وهذا ما لم تكن تتوقعه بالنظر لإدارة الرجال له , فلم يكن على الأرض أي كساء , ولا ستائر على النوافذ و لا غطاء على المائدة أو أي شيء آخر يضفي حيوية على المكان .

و سمعت صوتاً يقول :" لقد كدت تتأخر عن العودة . هل تأخرت طائرة برينس ؟" فنظرت لترى رجلاً في أواخر الستينات من عمره يدخل المطبخ , وعندما رأى ستيفاني قطب حاجبيه وهو يجيل فيها بصره يقيّمها و قد بدا التفكير في عينيه السوداوين . و كانت بين ذراعيه طفلة في ثياب قذرة . وقعت عينا ستيفاني على الفور على سارة . وخفق قلبها لم تكن هذه صورة كاملة للطفلة كما تصورتها . لقد كان شعر الطفلة البني قصيراً كشعر الغلام . وكانت ساقاها السمراوان و قدماها العاريتان مدلاة و هي تحدق في ستيفاني بعينيها الكبيرتين البنيتين , و كانت تتشبث بالرجل العجوز و كأنه حبل النجاة .

قال ألبرت :" أقدم لك ستيفاني يا جدي . لقد تزوجنا عصر اليوم و هذا سبب تأخرنا في الوصول إلى هنا ."

و كانت لهجته , وهو يتحدث عادية ولكنه كان ينظر إلى جدّه بعينين ضيقتين و كأنه يريد أن يرى تأثير كلامه عليه . هز الرجل العجوز رأسه ثم استدار إلى ألبرت قائلاً :" إنك مغفل , يا فتى . إنّ هذه لن تبقى هنا أبداً . إنها أكثر أنوثة و طيشاً من أن يعجبها مكان كهذا فهي سترحل بعد أقل من شهر . إنني لا أدري لكاذا شئت أن تتزوج أجنبية . على كل حال , و إذا كنت تسألني رأيي , فهو أن كل هذا يبدو لي حماقة بالغة."

فهتف به ِ ألبرت محذراً :" جدّي ." بينما لاذت ستيفاني بزوجها غريزياً . لقد كانت قوة شخصيته من ذلك النوع الذي يمكنها الركون إليها , بينما تابع هو قائلاً :" لقد سبق و تباحثنا في كل هذا . و ستيفاني هي الآن زوجتي , فتذكر ذلك ."

أجاب الرجل العجوز متذمراً :" إنها سترحل قبل أن ينتهي الشهر ."

كان بنفس طول حفيده , ولكنه أثقل جسماً . وكان يبدو أنه يتحلى بشيء من قوة ألبرت ما جعله يبدو رجلاً منيعاً. أجابه ألبرت بصوت بدا في ذلك الصمت , واضحاً حازماً بينما تعلقت نظراته الهادئة بنظرات جدّه , أجاب قائلاً :" إنها لن ترحل إلى أيّ مكان ." فتردد الجد لحظة و هو يتبادل النظر مع حفيده , ثم استدار إلى ستيفاني قائلاً بحقد :" مرحباً بك ِ في مزرعة راوستين , يا سيدة دوغلاس ." ثم مد يده لها متابعاً :" إنني جون دوغلاس . جد ألبرت . ويمكنك أن تدعيني جدّك ِ أيضاً إذا شئتِ طالما أنت ِ هنا ."

فقال ألبرت :" إنها بالطبع ستدعوك جدّي , فقد أصبحت الآن من الأسرة ." و عندما أخذت ستيفاني تنقل النظر بينهما , أدركت كيف سيكون منظر ألبرت عندما تتقدم به ِ السن . طويل القامة , بادي الكبرياء , مازالت القوة ظاهرة في عضلاته و صوته . لقد كان جون دوغلاس رجلاً خشناً و تمنت أن لا يحكم عليها بالرعونة لمجرد مظهرها . وقالت و هي تبتسم بخجل للطفلة :" و لابد أنّ هذه هي سارة ."

فأجاب الجد :" لا يمكن أن يكون لدينا طفلان , فهذه وحدها تكفي لإرهاقنا جميعاً ." و تابع مخاطباً الطفلة و قد رقـّت أساريره على الفور :" قولي مساء الخير للسيدة الجميلة يا حلوتي ." لقد كان حبه لحفيدته جلياً فسألته ستيفاني و هي تمد ذراعيها للطفلة :" هل ستسمح هي لي بأن أحملها ؟ " فمالت الطفلة نحوها و قد بدا الجِِد على وجهها وأخذت تتفحصها بإمعان بعينين متسعتين . فقال ألبرت :" كلا " ولكن بعد فوات الأوان , إذ أنّ الطفلة كانت احتضنت ستيفاني و لفت ساقيها القذرتين حول وركيها . فاستدارت نحو ألبرت تحدق فيه متسائلة . هل كان عليها أن تتمهل في التعرف إلى الطفلة؟

ولكنه قال موضحاً :" إنها ستوسخ ملابسك ." فشدّدت من احتضان الطفلة و هي تقول :" إنّ الملابس ستغسل . إنها طفلة رائعة ." هنا حدث لستيفاني شيء غير متوقع . لقد وقعت في غرام الطفلة . وعندما أخذت تتفرس في تلك العينين الواسعتين المحدقتين فيها , خفق قلبها حباً وبهجة لاستلامها هذه الطفلة الغالية , لقد تبددت الآن كل شكوكها و اضطرابها . إنها كانت على صواب في مجيئها إلى استراليا و الزواج من ألبرت دوغلاس . وهي ستكون أماً صالحة لهذه الصغيرة . و عندما أخذت تسترق النظر إلى عريسها من تحت أهدابها , تساءلت عما إذا كانت ستصبح زوجة صالحة كذلك .

و كان هو يحدق فيها , وساد التوتر بينهما مرة أخرى ولم تستطع هي أن تبعد نظراتها عنه , فقد كانت القوة الكامنة في عينيه تسمّرانها . و أخيراً , تركها ألبرت و تحول خارجاً ليحضر أمتعتها . فكادت تتنهد بارتياح وهي تفكر في أن من الأفضل لها أن تتعود على تمالك نفسها في حضوره.وعندما عاد بعد لحظات حاملاً الحقائب , قال لها :" تعالي معي إلى الطابق الأعلى لأريك غرفة نومك . هل ستعد أنت الطعام هذه الليلة يا جدّي ؟"

فأجاب الجد :" طبعاً ,كالعادة . فأنا سأمنح ستيفاني يوماً أو يومين لكي تستقر." و نظر إليها يسألها بخشونة :" إنك تحسنين الطبخ , أليس كذلك ؟"

فأومأت برأسها و استدارت تتبع ألبرت , فقد ابتدأت تشعر بالقهر . لقد كانت متوقعة أن تقتصر علاقتها على ألبرت وسارة , دون هذا الرجل العجوز الذي أبدى بوضوح كراهيته لوجودها هنا . و اجتاز ألبرت القاعة المظلمة بخطواته الواسعة المتكاسلة و هو يحمل حقائبها الثقيلة دون جهد و كأنها خالية . وعند أسفل السلم , توقفت لكي تتقدمه وعند القمة وقفت مترددة فقال :" من هنا " و دفع باباً إلى اليمين ثم دخل يضع الحقائب بجانب سرير فردي . وتبعته هي و عيناها تجولان في أنحاء الغرفة التي كانت بسيطة عادية . وكان على السرير ملاءات و بطانيات دون غطاء , ولم تكن على النوافذ ستائر . وإلى جانب الجدار قامت خزنة ذات أدراج . و كان هذا كل شيء حتى ولا منضدة صغيرة عليها مصباح للقراءة . و عندما أخذت تنظر إلى كل هذا بذعر , قال لها :" إن غرفة سارة بجانبك غرفتك , وغرفة جدّي إلى الخلف منها . أما غرفتي فآخر القاعة . الحمام هو الثاني إلى اليسار ."

فقالت بمرح :" هذا رائع ."

فجال ببصره في أنحاء الغرفة و كأنه يراها للمرة الأولى , ثم قال :" ربما ترغبين في إضافة بعض الأشياء إليها ."

فأومأت برأسها لا تريد أن تجرح مشاعره بقولها إنّ الغرفة بحاجة إلى إضافة الكثير .

و تردد و كأنه يريد أن يقول شيئاً , ولكنه ما لبث أن هز كتفيه ثم سار نحو الباب و هو يقول :" إن العشاء الساعة السادسة و النصف . و ستكونين قد ارتحت حتى ذلك الحين , و غداً تبدأين بإعداد وجبات الطعام بنفسك ." بقيت ستيفاني واقفة مكانها تستمع إلى وقع خطواته تبتعد نازلاً السلم ليدخل بعد ذلك المطبخ ثم ساد السكون .وكانت الطفلة تحدق فيها دون أن تفوه بكلمة . فسألتها :" هل تريدين أن تتفرجي عليّ و أنا أفرغ أمتعتي ؟" و كوفئت على هذا بابتسامة من الطفلة وإيماءة وعندما انتهت ستيفاني من إفراغ أمتعتها , وغسل جسد سارة , كان الإرهاق قد استولى عليها , ولم تجد ملابس كثيرة للطفلة . وهكذا ألبستها قميصاً مقفولاً نظيفاً أنيقة . ما جعلها تبدو نظيفة أنيقة . و من ثم استلقت عل سريرها و قد هدها التعب من التوتر المتواصل و الأحداث المرهقة التي مرت بها هذا النهار , آخذة الطفلة معها على نفس السرير , مصممة على الراحة لعدة دقائق قبل أن تبدأ بالتفرج على المنزل . و أغمضت عينيها و هي تسمع حفيف أوراق الشجر من خلال النافذة المفتوحة و شاعرة بالنسائم العطرة الدافئة تلامس بشرتها ما منحها شعوراً بالأمن و الهدوء . و هتفت بها صوت يناديها :" ستيفاني " بينما أخذت يد خشنة تزيح عن وجنتها خصلات شعرها . وعاد الصوت خفيضاً رقيقاً يتسلل إلى أعماق نفسها عاد يقول :" استيقظي يا ستيفاني . لقد حان وقت الطعام." وفتحت ستيفاني عينيها ببطء . كان منحنياً عليها , مقترباً بوجهه من وجهها و عيناه الفضيتان تراقبان عينيها وهما تنفتحان .

وعاد يقول :" استيقظي " و كان يبتسم بكسل وهو ينظر إليها . فحدّقت في وجهه و شعره الأسود الذي يسرّحه إلى الخلف , منسدلاً إلى ياقة قميصه . و همست تسأله :" أتراني تأخرت ؟"

إنه وقت العشاء . لقد جئت قبل الآن و أخذت سارة من جانبك , وهي الآن معنا في الطابق الأسفل , وقد أعدّ جدّي كل شيء ."

قالت :" سألحق بك على الفور ."

أومأ برأسه بخفة و هو يتحول خارجاً من الباب و هو يقول :" إننا بانتظارك"

عندما دخلت ستيفاني المطبخ بعد ذلك بدقائق , وكان جون و سارة جالسين إلى ناحية من المائدة , وألبرت إلى الناحية الأخرى . وعندما رآها , جذب كرسياً بجانبه لتجلس عليه , و بينما أخذت تأكل بهدوء كان الرجلان يتحدثان في شؤون المزرعة , فكان ألبرت يلقي بالأسئلة فيجيبه الجد . وتملكها السرور لما كانت تسمع . فقد كانت تعرف شيئاً ما ساعدها على تفهم ما يقولون .

سألها ألبرت فجأة مغيراً الموضوع ليوجه اهتمامه إلى عروسه :" هل أفرغت أمتعتك ؟"

فأومأت برأسها , فعاد يسأل :" و هل وجدت كل ما تحتاجينه ؟"

أجابت :" نعم , ما عدا ملابس لسارة ." فنظر إلى الطفلة , ثم عاد ينظر إلى ستيفاني قائلاً :" و لكنها ترتدي قميصاً نظيفاً . لا بد أنك وجدت ثيابها ."

فقالت :" لم أجد في الأدراج سوى قمصان , فأين بقية ثيابها ؟"

أجاب :" لقد ضاقت عليها ثيابها التي كانت أمها قد اشترتها لها . فعدت أنا و اشتريت لها هذه القمصان , فالجو حار هنا "

فتمتمت قائلة :" ربما . و لكنني سأشتري لها بعض الأشياء من المدينة ." لم تكن تريد أن تهين عريسها , ولكن الطفلة تحتاج لأكثر من مجرد قمصان قطنية .

فقال الجد :" ربما . كان عليكما أن تنتظرا قليلاً قبل عقد القران . فهي لم تمض ِ بعد خمس ساعات و تراها قد ابتدأت تتحدث عن الذهاب إلى المدينة . إنني أؤكد لك يا ألبرت بأنها لن تبقى هنا . لقد كانت رغبة كاثرين غاية في الحماقة , والأسوأ من ذلك إتباعك لهذه الوصية . ولكن حضور فتاة جميلة كهذه كفيل بأن يجعل خطتك مستحيلة . كنت أظنك أخذت درساً من قبل . إنها لن تستمر معك ."

و لم تستطع ستيفاني تجاهل هذا الكلام الذي يدور حولها . كيف يجرؤ على التحدث عنها إلى ألبرت و كأنها غير موجودة ؟ و تذكرت كلاماً كان سبق و قاله لها من قبل أتراه يكرره مرة أخرى أمام جدّه؟

قالت له :" أظنك قلت أن اتفاقيتنا هذه ستدوم إلى أن يموت أحدنا ."

فأجاب بملامح سادها الجمود :" نعم . لقد قلت هذا . إننا الآن متزوجان و سنستمر كذلك ." وكان غضبه موجهاً إلى جده .

فتمتم الجد :" يا لك من أحمق.

فقال له ألبرت و قد اشتد غضبه :" إنني لا أريد نصائح في هذا الشأن , يا جدّي . لقد أقمنا , أنا و ستيفاني , عهداً بيننا , و أنا أتوقع أن تحافظ عليه نحن الإثنين ."

فانفجر الجد بغضب مماثل و هو يرد على حفيده قائلاً :" حسناً , ربما من الأفضل لك أن تستمع إلى نصيحة من هو أكثر حكمة منك . إنّ أمك لم تكد تكمل الخمس سنوات مع أبيك . وكلير مكثت أقل من سنتين . فماذا ستظن هذه الشابة الصغيرة ستفعل و هي التي لم تتزوجك إلا لأجل المال , فإذا هي حصلت عليه , فلن يبقى ما يربطها هنا ؟"

فقال ألبرت :" إننا ندرك ما نفعل . فستيفاني متفهمة تماماً للوضع الذي ألقت بنفسها فيه إنّ زواج المصلحة هو كإتفاقية عمل و ربما أكثر ملاءمة لنوع حياتنا هنا "

كانت ستيفاني تحس بموجات غضبه , ومع ذلك كانت تدرك أنّه يحاول كبته . كان كلامه صحيحاً , فليس بينهما أي حب , فقد كان تأمر لا يعدو زواج مصلحة . و خطر لها لحظة عما سيكون عليه الحال لو أنّ ألبرت وقع في حبها . كان واضحاً أنّه رجل قوي المشاعر , فبإمكانها أن تشعر بالغضب يغلي في داخله , فماذا لو أنّه أحبها بنفس القوة ؟ ولكن....إنّها لن تعرض نفسها لمثل ما سبق و تعرضت له من آلام . كلا . ولا هي تريد الركض خلف السراب الذي تبعته أمها من قبل .

فقال الجّد بحدّة :" إنّك لا تعرفها ."

فانفجرت فيه ستيفاني و قد تعبت من معاملتها لها و كأنها غير موجودة , انفجرت تقول :" و كذلك أنتَ لا تعرفني ولا أنا أعرف ألبرت . ولكنني وثقت بكلامه عندما قال إنّ هذا المشروع سينجح . ما الذي ينبغي أن يتضمن هذا الزواج ؟ الحب؟ ذلك شعور يعطي أهمية أكثر مما يستحق , وهو غير دائم . إنني أعلم ذلك ...فأمي أحبت أكثر من عشر مرات . و تزوجت سبع مرات لم يدم واحد منها . إنّك تظن أنّ لا طاقة لي على البقاء هنا ...حسناً إنني لا أعرف الكثير عن رأي الرجال في الحب عدا أنّهم يستعملون كل الأساليب لاصطياد المرأة , ثم يتركونها تنزف ........(أنا موافقة على هذا الكلام تماماً )

فانفجر الجد بدوره قائلاً :" إنّ زوجتي روز , كانت تعشق المزرعة , وساعدتني على بنائها . لقد كان حبنا رائعا . و لكنها ماتت شابة عندما كان والد ألبرت صبياً . إنني لم أشأ أن أتزوج بعدها قط . أما زوجة ابني إدي , فلم تستطع متابعة الحياة في المزرعة , فهجرتنا بعد سنوات قليلة . ولم يكن حظ إدي ابنها أفضل , إذ أن زوجته كلير لم تكمل السنتين."

فأضاف ألبرت :" وكانت تشكو طوال الوقت ."

فقالت :" ولكنني لست والدة ألبرت ولا كلير .إنني ستيفاني وأنا باقية هنا ."

فقال و هو ينظر إليها بحزن :" حسناً سنرى " و كانت هي ترتجف لعنف المشاعر التي كان جو العشاء مشحوناً به . هل ستمر عليهم وجبات العشاء دوماً بهذا الشكل ؟ أم أنّ هذا عشاء خاص احتفالاً بقدومها ؟

عندما ترك الرجل العجوز الغرفة , قال لها ألبرت :" لا تغضبي من جدّي , فهو مازال متألماً مما جرى لإدي."

أومأت برأسها و قد انتابها خيبة الأمل لهذا الاستقبال الذي قوبلت به . ولكنها مازالت على تصميمها على متابع المسير في هذه الحياة الجديدة . وعلى كل حال فهي لن تدع موقف الجد منها ينال من عزيمتها . لقد سبق و أخذت على نفسها عهداً بالبقاء مع ألبرت طيلة حياتها . وهي ستتمسك بعهدها هذا مهما كان الثمن و مهما كانت الاستفزازات من حولها . إنها لن تكون مثل أمها و لا مثل أمها و لا مثل كلير أو والدة ألبرت كان هذا هو قرارها النهائي .

خلال اليومين التاليين , كانت ستيفاني قد أتمت استكشاف نواحي المنزل كافة , و كانت تعتني بالطفلة و تعد وجبات الطعام . و كان ألبرت يذهب إلى العمل منذ الصباح ليعود وقت العشاء . و في غيابه , كانت تنسى تقريباً , تلك التيارات الخفية التي كانت تتجاذبها عندما يكونان معاً , ولكنه عندما يجلس إلى المائدة و ينظر إليها , يصبح من الصعب عليها تجاهلها .

و لتصرف ذهنها عن ازدياد تأثير ألبرت عليها , انغمرت في وضع الخطط لكي تجعل من المنزل بيتاً مناسباً لهم جميعاً . ذلك أنه لم يكن ثمة أثر لذوق المرأة في مختلف أنحاء البيت . فقد كانت الستائر في غرفة الجلوس قديمة حائلة اللون و كانت الغرف مفروشة بأقل ما يمكن من الأثاث . فلم تكن هناك لوحات معلقة على الجدران , و لا تحف تضفي جمالاً على المناضد . كانت الكتب ملقاة في كل مكان و كأن الرجال كانوا يقرؤونها ثم يلقون بها كيفما اتفق . ألم تقم كلير بشيء في سبيل اصلاح مظهر البيت هذا؟ أم أنهم محو كل أثار وجودها ؟ و ملأت خطط تحسين المنزل و تزيينه , و تزويده بكل وسائل الراحة , ملأ ذلك كل وقتها . كانت في كل لحظة , تزداد معرفتها بالطفلة . وكانت سارة تتبعها في كل مكان , وعندما كانت هي تعد وجبات الطعام , كانت الطفلة تجلس على كرسي بجانبها لتساعدها !و عندما كانت ستيفاني تنظف الغرف , كانت هي تحاول مسح الغبار . و كانت مغرمة , على الأخص بالاغتسال , فكانت تجلس في الحوض فكانت تجلس في الحوض تتخبط في الماء ترشّه و تنثره حولها فتبلل به كل ما يصل إليه .
ووجدت ستيفاني منضدة صغيرة نقلتها إلى غرفتها حيث وضعتها بجانب سريرها . و لكن لم يكن هناك مصباح . و لو استطاعت الذهاب إلى المدينة لاشترت واحداً . و كانت أيضاً تريد أن تشتري بعض الملابس لسارة لتدلل هذه السن . وكانت تريد أن تشتري لها بعض الألعاب كذلك .
كان عليها أن تسأل ألبرت عن إمكانية ذهابها إلى المدينة , و لكنها كانت حذرة من ناحية الجد جون , لا تريد أن تعطيه سبباً للتذمر منها مرة أخرى . ولكنها أثناء اليوميين اللذين أمضتهما هنا , لم تكن ترى ألبرت إلا أثناء تناول الطعام . و عندما ينتهي العشاء , كان يذهب مع جده إلى المكتب فيتحدثان في شؤون العمل إلى ما بعد ذهابها إلى الفراش بوقت طويل .
وأدركت ستيفاني أن الوقت الوحيد الذي بإمكانها أن تنفرد به لتسأله عن ذلك هو في الليل بعد أن يذهب جون إلى غرفته.



samahss غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس