( الجزء العاشر - الصدفة الغريبة )
الرياض , التاسعة مساء .
ركبت الطائرة بصحبة أبيها وجلست بجانب النافذة , كانت تود الصراخ من شدة
فرحها , لم تتوقع أن تسافر بهذه السرعة ومع أبيها .
ابتسم لها أبيها وجلس .
لا يوجد أحد بجانبها ولا بقربها , لذا كشفت وجهها وأراحت ظهرها على المقعد ,
وأخرجت كتابا من حقيبتها وأخذت تقرؤه ..
أغمضت عيناها ولم تفتحهما إلا حين نُبِّهت بموعد هبوط الطائرة والكتاب على وجهها .
اعتدلت في جلستها ووثقت رباط الحزام , وعدَّلت مظهرها .
خرجا من المطار وتوجها إلى أحد الفنادق القريبة , وفور دخولهما سألها والدها
عن سبب إختيارها هذه الدولة بالذات ( سيراليون ) غرب إفريقيا , فهي دولة لم
يعلم عنها قط ولم يسمع , وهي أيضا مناخها ليس مما يدعوا إلى السفر إليها .
ضحكت ’ اريج ’ قائلة ( لا أعلم , ولكنني أردت السفر إلى دول فقيرة , بما أنني كنت
طوال السنوات الماضية أشعر بالملل , ولم أكن أتذكر سوى الذكريات الحزينة والفقيرة ,
قلت أسافر إلى دولة فقيرة فأعتبر وأتعظ وأتذكر الناس المحتاجة فأحمد الله على ما
أنعمني به , كما يمكننا مساعدة بعضهم أيضا ) .
’ والدها ’ ( ومن أعلمكِ عنها , كما أن الفقر لا يتضح عليهم إلى ذلك الحد ) .
’ أريج ’ ( علمت عنها من خلال بحثي عن الدول الفقيرة , وسبعون بالمائة من سكانها
فقراء , وجذبني أيضا موقعها القريب من البحر , أنت تعلم كم أحب البحر ) .
جلس والدها وهو يمسح جبينه ويبتسم بتعب ( أنتي غريبة بالفعل , الأماكن القريبة من
البحر رطوبتها عالية كما ترين ) .
جلست هي بجانبه واحتضنته ووضعت رأسها على كتفه وهي تقول بدلال ( كل شيء يهون
من أجل ابنتك الصغيرة أليس كذلك ) .
قبل كفها ( بالتأكيد يا صغيرتي , كل شيء يهون ) .
°•°•°•°•°•°•°•°•°•°• °•°•°•°
الأربعاء .
تبوك , العاشرة والنصف صباحا .
ألقت على نفسها نظرة أخيرة وخرجت من حجرتها وهي تبتسم , وكانت
تشعر بالخجل أيضا .
أغمضت عيناها قبل أن تخطوا نحو الصالة التي جلس فيها الجميع , والدتها
وأختها رنا وجميلة وإبنتيها الصغيرتين .
وما إن دخلت حتى توسعت عينا ’ رنا ’ وتركت ما بيدها وهي متعجبة .
ثم وقفت بعد أن استوعبت , وقالت وهي تضحك مندهشة ( لا أصدق ذلك يا أحلام ,
لا أصدق أنك ارتديتي اللبس البنجابي وأخيرا …! ) .
ابتسمت لها ’ أحلام ’ وسلمت على الجميع وجلست بجانب ’ والدتها ’ والتي كان
وجهها منتفخا وعيناها محمرة من البكاء على فراق ابنتها .
جميلة ( تبدين جميلة جدا ) .
’ أحلام ’ ( شكرا ) .
’ رنا ’ ( ولكن ما المناسبة ؟ و … مالذي جعلك ترتدينه ) .
’ أحلام ’ ( وهل هناك مناسبة للبس ما ترتدينه من ملابس مضروبة الألوان ؟ ) .
ضحك الجميع وضحكت ’ رنا ’ وقالت وهي تجلس في منتصف الصالة وتتكيء على
المخدة مما جعلها تكون مقابل الجميع ( أبدا , ولكن أمي أيقظتني منذ الصباح الباكر
وأنا لم أنمَ إلا الساعة الثالثة والنصف تقريبا , فلم أنتبه إلى ما ارتديته إلا حين نزلت
وضحكت علي سيلينا , هل تتخيلين ذلك يا أختي ؟ في عز شبابي سيلينا تنتقدني
على لباسي ) .
ابتسمت ’ أحلام ’ ( ولمَ قد لا تنتقدك ؟ فهي أنيقة أكثر منك ) .
’ رنا ’ ( نعم أنتي محقة ) .
بالفعل , خادمتهم سيلينا القادمة من إحدى الدول الآسيوية , كانت تتأنق .. تضع
القليل من المكياج , وتسرح شعرها كما أرادت , تقصه وتصبغه بين الحين
والآخر , وقد عودتها على ذلك ’ نور ’ , التي كانت تقضي أغلب أوقاتها معها .
أما رنا ’ فكانت ترتدي ( تنورة ضيقة باللون الأخضر الغامق مع بلوزة حمراء فاقعة
) .
ساد الصمت , وسرحت ’ أحلام ’ , تفكر بما سيحصل لها الآن ..
هل ستجلس عند أمها لوقت أطول ؟ أم ستقابل والدها ؟
تنهدت والتفتت إلى جميلة حين قالت ( ألا تريدين أن تفطرين ؟ ) .
ابتسمت لها ( لا , لا أشعر بالجوع ) .
°•°•°•°•°•°•°•°•°•°• °•°•°•°
الدمام , الثالثة مساء .
وضعت إبنها على سريره بعد أن نام وخرجت من حجرته وهي لا تزال تتصل
بزوجها , الذي يعود كل يوم في الواحدة ظهرا .. ولكنه لم يعد حتى الآن .
وهي تتصل به منذ الواحدة والنصف , وما من مجيب .
وأصبحت تقلق عليه ..
في الصباح وقبل أن يخرج , كان غريبا بعض الشيء , الأشياء التي كانت تتمناه
أن يفعلها , فعلها اليوم .
قال لها الكثير من الكلمات الجميلة وغازلها على طاولة الإفطار , وقبل أن يخرج
احتضنها طويلا واعتذر منها على أي شيء فعله وأزعجها , ثم قبلها وخرج .
كانت مستغربة جدا , ولكن فرحتها طغت على ذلك الشعور .
رفعت رأسها عن الهاتف فجأة وهي تقول ( هل أفعاله تلك دليل على ……… ) .
شهقت بخوف وعاودت الإتصال به لنصف ساعة أخرى , حتى رد عليها أحدهم ( ألو ) .
عقدت ’ سارة ’ حاجبيها مستغربة ( فيصل ) .
( أنا لست فيصل , هل أنتي زوجته ؟ ) .
بدأ قلب ’ سارة ’ يدق بسرعة أكبر ( نعم , ولكن أين هو ؟ ) .
( عظم الله أجرك أختي , زوجك لقي حتفه في حادثة سقوط العمارة ) .
وقفت ’ سارة ’ غير مصدقة , وبدأت أطرافها ترتجف , وعيناها شاخصة ( ماذا تقول
أنت ؟ لا بد من أنك مخطيء ؟ ) .
( أنا آسف ) قالها وأقفل الخط ..
سقطت ’ سارة ’ على ركبتيها وسقط الهاتف منها , بل سقط كل شيء … وتكسر .
ثالث ( عظم الله أجرك ) إلى الآن , محزنة .. مفجعة .. موجعة حد الموت .
أخذت تبكي بحرقة وهي تتذكر كل أنباء الموت التي تلقتها , والتي شتتتها .. الأول
يوم تخرجها من الثانوية , ( عظم الله أجرك .. والدي توفي ) مخلوطة بفرحة تخرج
لم تكتمل بعد .. حين عادت من المدرسة سعيدة وتوجهت إلى حجرة والديها .. رأت
الجميع ينتحب , واحتضنها أخيها وهو يبكي .. إذا لهذا السبب لم يذهب لأخذي من
المدرسة وأمرني بالرجوع مع إحداهن ؟
والثاني يوم طلاقها ( والدتي توفت ) بعد ( أنتي طالق ) كانت الأعظم ..
الثالث اليوم ( عظم الله أجرك , زوجك لقي حتفه ) مع فرحة تغييره ,, ومع حضنه
وقبلته وغزله .. آخر ما سيوجع , ليس لديها أحد بعده تحزن عليه وتنكسر ..
أبيها , أمها , زوجها …. ماذا ستفعل بعدهم ؟
°•°•°•°•°•°•°•°•°•°• °•°•°
سيراليون , السادسة والنصف صباحا .
خرجت من الفندق الواقع على الشاطيء بعد أن أفطرت مع أبيها , وجلست
فوق صخرة ما ..
وأخذت تتذكر ما حصل بالأمس , حين استيقظا وتوجها إلى إحدى الجمعيات
الخيرية بقصد التبرع , وحين خرجا سمعا رجلا يتحدث بالهاتف بالعربية .
وبعد إنتهائه من المكالمة توجه إليه والدها وسلم عليه وتحدث معه قليلا ثم أخذا
أرقام بعضهما , كل هذا تحت أنظارها التائهة .. والحزينة , حين قال الرجل بأن
اسمه ’ سعد ’ , ولم تنتبه إلا حين قال لها ذاك
( حسنا أريج , أتمنى لكما رحلة سعيدة ) ورحل .
التفتت إلى أبيها بدهشة وقالت ( كيف عرف إسمي ) .
والدها ( أنا من أخبرته , ألم تكوني واقفة هنا معنا ؟ ) .
( بلى , ولكنني سرحت قليلا بسبب إسمه ) .
تنهد والدها وهو يضع يدها خلف ظهرها ويحثها على المشي ( رحم الله أخاك
وأسكنه فسيح جناته ) .
رجعت إلى واقعها حين جلس على الصخرة على بعد سنتيمرات قليلة أحدهم ,
التفتت إليه وتفاجأت به .. كان هو نفس الشاب الذي رأوه بالأمس .
ابتسم قائلا ( أريج , أليس كذلك ) .
شعرت بالخجل وهي تجيبه بإيماءة رأسها .
’ سعد ’ ( الجو جميل بهذا الوقت , ولكنه سرعان ما يتغير ويصبح رطبا
بعد 3 ساعات من الصباح ) .
اعتدلت وهي تشعر بالحرج الشديد , وكانت تود القيام بسبب ذلك .. ولكن شيء
ما أجلسها , وجعلها لا تشعر بالخوف منه , ربما لأنه كبير في السن … فملامحه
توحي بأنه قد تعدى الأربعون سنة .
التفت إليها مرة أخرى ( أين والدك ؟ ) .
بصوت بالكاد يخرج أجابته ( نائم ) .
مرت أكثر من خمس دقائق وهما صامتان , وهي لم تتحمل ذلك .. وبدلا من أن
تقف .. التفتت إليه ووجدته سارحا ينظر إلى البحر , ( ما سبب مجيئك إلى هنا ؟ ) .
ابتسم ( يبدوا أنك تنسين سريعا , قلت لوالدك بالأمس أنني هنا للسبب ذاته
التي يأتي هنا ) .
’ أريج ’ ( ولكنه أتى من أجلي ) .
( أنا من أجل ابنتي وشقيقتي ) .
أعادت أنظارها على البحر وقالت بعد صمت ( لمَ سيراليون ؟ ) .
صمت وكأنه يفكر ( بما أنني بعد سنون طويلة فكرت بالسفر , قلت أنه من الأفضل
أن أضرب عصفورين بحجر , من أجل المساعدة , ومن أجل ………….. الإنتقام ) .
التفتت إليه متفاجأة بعينان متوسعتان حين ضحك من ردة فعلها .
( ما بك , لم تفاجأتي بهذا الشكل ) .
( ممَّن ؟ ) .
( قولي لمن , ولمَ … لأختي وشقيقتي العزيزة , لم ؟ لدمعة نزلت منها آلمتني
وحطم قلبي , وأشعرني بأنني لم أكن بحجم المسؤولية التي كانت على عاتقي ) .
تفاجأت من حديثه المبهم بالنسبة لها , ولكنها لم تستفسر , فهي بحديثها رجعت
إليها كل عبارة قالها أخيها ’ سعد ’ دفاعا عنها , ولأجلها .
ولكنها فوجئت بعد ذلك بسؤاله الغير متوقع أبدا ( هل أنتي مرتبطة ؟ ) .
أجابته بشيء من الحيرة والدهشة ( لا , بل مطلقة ) .
نظر إليها متفاجئا ( حقا , لا أصدق ذلك , أنتي لا تزالين صغيرة ) .
ضحكت ( تقصد أنه لا يجدر أن أكون مطلقة ,أم …. ) .
قاطعها ( نعم ) .
وقالت هي بعد تفكير ( تبدوا حزينا , ما قصتك ) .
( سؤالك غريب , ولكنني سأجيب … أنا إنسان وحيد ) .
ضحكت ’ أريج ’ من حديثه وطريقته ( هل أنت شاعر ؟ ) .
ابتسم ( بل أفضل من الشعراء , إسمعيني … حين كنت مراهقا وحتى كبرت وبلغت
الخامسة والعشرون , كنت أعشق إبنة عم لي , وهي أيضا كانت تبادلني نفس
الشعور , وعدتها بأنني حالما أبلغ سن الزواج سأخطبها على الفور , وهي وعدتني
بأن تنتظرني , وفي كل تلك السنوات , كنت أتواصل معها عن طريق إحدى شقيقاتي ,
لم يكن حينها الهاتف شيء أساسي , أو بالأصح , لم يكن الفتيات يملكنه , لذا كنت
أتواصل ببعض الرسائل الورقية , ويا لسعادتي حين كانت ترد علي , حتى أتى ذلك
اليوم الذي منعتني فيه أن أرسل لها أي شيء , حتى حين كنت أرسل , لم تكن لترد ,
وأمرت أختي بأن تأمرني بنسيانها نهائيا , غضبت جدا , وكنت دائما أحاول الوصول
إليها , وكل محاولاتي باءت بالفشل .. حتى يأست وغضبت , وهجرتها , وسافرت
مع أصدقائي كي أرفهَ عن نفسي قليلا وأنسى , بعد أن تقدمت إليها ورفضتني ,
ولكن الصدمة والحسرة .. كانت حين عدت بعد أشهر , لأجد أختي تقول لي , بأن
محبوبتي قد توفت بسبب ….. الخبيث ) مسح وجهه بكفاه ( لمت نفسي كثيرا على
غضبي عليها , وعلى تركي لها وسفري , ومنذذ لك الحين , لم أسافر سوى الآن ) .
تنهدت ’ أريج ’ بحزن ( رحمها الله , وهل … تزوجت ؟ ) .
( نعم , لم أكن لأوقف أحلامي وحياتي بموتها , تزوجت فتاة اختارتها لي أمي ,
كانت في غاية الطيبة , معها نسيت كل أحزاني وآلامي , وهبها الله لي , ووهبني
طفلة تغيرت بها مجرى حياتي كلها , كنت أعيش حياة سعيدة لم أكن أحلم بها
يوما , حتى توفت هي الأخرى .. وفاة عادية فجائية ) .
التفتت إليه ’ أريج ’ وقد امتلأت عيناها بالدموع , والتفت هو الآخر ( لا شك
أن وفاتها أحزنتك كثيرا ) .
عض طرف شفته ( بل مزقتني , وجعلتني أشلاء متفرقة , ولولا رحمة ربي بي ,
وإبنتي التي بلغت حين وفاتها الرابعة , لم بقيت قويا بهذا الشكل ) .
( حفظها الله لك , أينها الآن ) .
( في الفندق مع شقيقتي التي أصبحت أما لها بعد وفاة زوجتي ) .
’ أريج ’ ( أتوق لرؤيتها ) .
والتفت الإثنان إلى من كانت تركض بإتجاههما وتنادي ( أبي , هل هذا أنت ؟ ) .
احتضنها ’ سعد ’ وقبلها ثم قال ( هذه ابنتي الجميلة , راما ) .
التفتت ’ راما ’ مستغربة إلى ’ أريج ’ ( من هذه ؟ ) .
’ سعد ’ مبتسما ( هذه صديقتي أريج ) .
تعجبت ’ أريج ’ من قوله , وكذلك ’ راما ’ التي وقفت ووضعت يدها ع خصرها
وقالت مستنكرة ( صديقتك ! ألم تقل لي بأنه لا توجد صداقة بين ذكر وأنثى ) .
ضحك ’ سعد ’ وقال وهو يجلسها في حضنه ( الآن وقد أصبحت شيخا , يمكنني
أن أصادق الفتيات ) .
’ راما ’ ( مزحك ثقيل يا أبي , ابحث عن عذر غيره , ألا أكفيك أنا حتى تصادق
فتاة غريبة ) .
ابتسمت ’ أريج ’ ووقفت ( أستأذن الآن ) .
’ راما ’ ( يا إلهي , هل انزعجت من قولي ؟ كنت أمزح وحسب ) .
’ أريج ’ ( لم أنزعج عزيزتي , أريد أن أرتاح قليلا , لم أنم البارح جيدا ) .
’ راما ’ ( أحسنتِ , أمي دائما ما كانت تقول أنه حيث كنا وإلى أي مكان ذهبنا وحتى
لو كنا في حال عصيبة , يجب علينا أن نهتم بأكلنا ونومنا جيدا ) .
’ أريج ’ ( بالتأكيد , أراكم لاحقا ) .
غادرت المكان وعقلها مليء بالأسئلة … تنهدت وهي تدخل حجرتها , واستلقت
وهي تفكر مليا في كل كلمة قالها ’ سعد ’ ..
خاصة كلمة ( الإنتقام ..! ) , تلك الكلمة التي أعادتها إلى الخلف خمس سنين , حين
كانت تنوي السفر لتبحث عن مازن وتنتقم منه , وقال لها إبن أختها أن ذلك سيؤلمها .
هل ستجدد التفكير ؟ وهل ستقرر الإنتقام مرة أخرى .. تقلبت ع سريرها
عدة مرات وهي تفكر .
°•°•°•°•°•°•°•°•°•°• °•°•°•°
تبوك , التاسعة مساء .
خرجت من السيارة وتوجهت إلى الداخل , ووقفت حين رأت ’ سعيد ’ يقف هو
الآخر بقرب الباب متكتفا ويبتسم , ابتسمت هي أيضا حين تذكرت ذلك الموقف ..
وأكملت سيرها نحو باب المنزل .
وأوقفها نداء ’ سعيد ’ حين تحدث بالعربية ( أحلام , هل أستطيع التحدث إليك قليلا ؟ ) .
التفتت إليه ( هل هو شيء مهم ؟ ) .
تقدم إليها وهو يدخل يديه بجيوب بنطاله ( نوعا ما , أعني … هو بالنسبة لي , مهم جدا ) .
’ أحلام ’ ( تفضل , أنا أسمعك ) .
’ سعيد ’ بالإنجليزية ( بالنسبة لما حصل قبل خمس سنين ) .
’ أحلام ’ ( تستطيع أن تنسى كما نسيت أنا ) .
’ سعيد ’ ( أنا فقط أردت أن أعتذر منك , لم أكن أقصد أن أجرحك بتلك الطريقة , ولl
أكن أتوقع أن تعلمي الحقيقة بتلك الطريقة أيضا ) .
’ أحلام ’ ( هل كنت تعرفها , أو كنت متأكدا من صحتها ) .
’ سعيد ’ ( نعم , عمي الذي كان يسكن لديكم , هو من ساعدني لأكمل دراستي بالخارج ,
وهو من أعلمني بالأمر , أوصاني بكن خيرا , خاصة أنتي .. لأنه كان يشعر بالشفقة تجاهك ) .
’ أحلام ’ ( يا إلهي , هذا غريب حقا … عموما , الأمر لم يعد يهمني الآن , أستأذنك ’
تصبح على ……….. ) .
قاطعها ( يجب أن تقابلي والدك ) .
صمتت ’ أحلام ’ لبرهة ثم قالت ( لن أفعل ذلك , أنا أخشى أن لا يعترف بي , لقد
مر الكثير من الوقت ’ ولربما نسيَ والدتي وقصته معها , هو سعيد جدا , لا أريد
أن أعكر عليه صفو حياته ) .
’ سعيد ’ ( أنتيِ بحاجة إليه يا أحلام ’ يجب أن تذهبي إليه , صدقيني سيعترف بك ) .
’ أحلام ’ بنبرة تحمل { انتهى النقاش } ( لا أريد , شكرا على إهتمامك ) وتوجهت
نحو الباب , وأوقفها مجددا بسؤاله الغير متوقع ( لمَ لمْ تتزوجي إلى الآن , كم
بلغتي الآن ؟ ثلاثون ؟ ) .
تنهدت وهي تلتفت إليه ( إسأل نفسك السؤال ذاته , كم بلغت ؟ أربعون ؟ ) .
ضحك ’ سعيد ’ وهو يقترب منها ويقول بلكنته العربية التي أعجبت ’ أحلام ’
( ليس بعد , لم أتعدى السابعة والثلاثون ) .
’ أحلام ’ ( لا تزال صغيرا ) ونوَت الإلتفات مرة أخرى , ولكنه فاجأها مرة
أخرى بقوله ( هل تتزوجيني ؟ ) .
اتسعت عيناها بدهشة مما قاله , وبادر هو قائلا ( أم يزعجكِ كوني باكستانيا ؟ أريد
أن أبشرك بأنني حصلت على الجنسية القطرية ) .
’ أحلام ’ لا تزال مذهولة ومصدومة من قوله , ثم أغمضت عيناها وهي تحاول
الإستيعاب , ما هذا الذي قاله ؟ وهل هذا الموقف مناسب ؟
’ سعيد ’ ( ماذا قلتي ؟ ) .
’ أحلام ’ ( هل تسخر مني سعيد ؟ ) .
’ سعيد ’ بالإنجليزية ( ولم قد أسخر منك , هل تريدين الصراحة , أنا معجب بكِ منذ
أن قدمت إلى هنا المرة الأولى , وحين فكرت بالزواج لم أجد لي فتاة مناسبة إلاكِ ,
بما أنك فتاة ذكية , وطباعك حادة , وتشاركينني نفس التخصص ’ وبنبرة مرحة ’
ووالدك وزير , أنتي أنسب فتاة لي ) .
’ أحلام ’ ( مهلا , أنت تمزح معي , أليس كذلك ؟ ) .
ابتسم ’ سعيد ’ ( ما بكِ ؟ لم لا تصدقيني , أوووه يبدوا أنك لم تتوقعي أن يطلب يدك
طبيب وسيم مثلي , أليس كذلك ؟ ) .
عضت ’ أحلام ’ طرف شفتها ( دعني أستوعب الأمر أولا ) قالتها ودخلت إلى المنزل
بخطوات سريعة .
ضحك ’ سعيد ’ من ردة فعلها , وتوجه إلى الملحق حيث يمكث .
°•°•°•°•°•°•°•°•°•°• °•°•°•°
المدينة , الثالثة فجرا .
دخل إلى حجرة شقيقته , ونظر إلى وجهها المتعب والحزين بشفقة .
كانت تحضن إبنها وكأنه سيضيع منها , ووجهها كئيب جدا , ليس به حياة .
عانت الكثير في حياتها , لا تكاد تنسى ذكرى حزينة حتى يأتيها ما هو أوجع
منها وأفجع , أعانها الله .
اقترب منها وأخذ يهزها وهو يهمس بإسمها , حتى فتحت عيناها ونظرت إليه بتساؤل .
’ أخيها ’ ( ألا تريدين رؤية زوجك ؟ أحضروه الآن إلى بيت عمي , وسيدفنونه
بعد صلاة الفجر ) .
اعتدلت جالسة ( حقا ! سآتي الآن ) .
’ أخيها ’ ( حسنا , أنا سأخذ ابنك وأدعه مع زوجتي ) .
تنهدت هي قائلة ( لا داعي لذلك , يجب أن يرى أبيه لآخر مرة ) .
’ أخيها ’ ( كما تشائين ) وحمل الطفل ( سأذهب به إلى السيارة , ننتظرك هناك ) .
أومأت إليه برأسها , وغيرت ملابسها سريعا بعدما خرج .
وصلوا إلى هناك خلال ربع ساعة , كانوا قد أحضروا جثته من الدمام عند
الثامنة مساء .
دخلت ’ سارة ’ إلى الحجرة التي كانت بها الجثة , وهي تمسك بكف ولدها ,
وترتجف .. كان قلبها ينبض سريعا , وما حصل في الصباح .. لا يزال
عالقا في ذهنها .
شخص بصرها عليه , كان وجهه مغطى .. جلست على ركبتيها بالقرب من وجهه ,
ورفعت الغطاء ببطء وخوف شديدان .. كانت يدها ترتجف بشكل غير معقول ,
اقترب منها أخيها وأمسك كتفيها من الخلف ليهدئها , وما إن كشفت الغطاء حتى
صرخت فزعة , وعادت إلى الوراء وهي تضع يدها على فمها غير مصدقة , كان
وجهه مهشما , وجزء من وجهه ليس ظاهرا , يا إلهي , كم تألم !
صارت تبكي عليه بحرقة , وولدها ينظر إليها بخوف , حين اقترب منها وأشار
بإصبعه إلى أبيه قائلا ( بابا ) .
زاد بكاؤها بعد كلمته , واحتضنته بقوة .
أمسكها إثنان من إخوتها وأوقفاها ’ ثم أخرجاها من الحجرة .
دخلت إلى الصالة المليئة بالنساء بمساعدة إخوة ’ فيصل ’ جلست وهي تنتحب
وتحضن إبنها , والجميع إلتف حولها لتهدئتها .
أغمضت عيناها وهي تقول ( أهي دعوتي ؟ هل أصابته دعوتي ؟ لن أسامح نفسي
إن كان ذلك , يا الله .. أنا لم أقصد ذلك , سامحني يا الله , لم أقصد موته , ولا يتم
إبنه , والله لم أقصد ذلك ) .
°•°•°•°•°•°•°•°•°•°• °•°•°•°
الخميس .
تبوك , التاسعة صباحا .
ينظر إلى الأوراق التي أمامه , وذهنه شارد .
حتى دخل ’ فارس ’ إلى مكتبه وقال ( هل عدت إلى طبعك القديم ؟ طرقت عليك الباب
أكثر من مرة , وأنت شارد ) .
’ تركي ’ ( ولمَ تطرق الباب ؟ وأنت حين أكون غائبا تدخل متى شئت وخرجت متى تشاء ) .
ضحك ’ فارس ’ ( دائما تقصد إحراجي , ولكنك تفشل , قل لي .. ماذا هناك ؟ ) .
تنهد ’ تركي ’ وهو ينظر إلى الأسفل ثم إلى ’ فارس ’ ( سارة ) .
’ فارس ’ بملل ( عدنا ؟ ما بها سارة ؟ وأيُّ سارة تقصد ؟ ) .
نوى التحدث , ولكن ’ فارس ’ قاطعه قائلا ( أتعلم ؟ لا تقل شيئا , ليس لك الحق
بأن تتحدث عن أي واحدة منهن , فهما قد تزوجتا , ومرتاحتان أيضا مع أزواجهما ) .
’ تركي ’ ( لا ) .
نظر إليه متعجبا ( ما الذي لا ؟ ) .
تنهد مرة أخرى وهو يعود إلى الوراء ( إحداهن نسيتها بعد أن فعلت بي ما فعلت ,
ولكن الأخرى لم أستطع نسيانها , بما أني قد جرحتها بما يكفي ) .
ضحك ’ فارس ’ ساخرا ( ومن التي لم تجرحها . هااه ؟ ) .
’ تركي ’ ( سارة الــ ………….. جرحتها مرة واحدة فقط حين تركتها , ولكنها قد
أخذت بثأرها ورحلت , والأخرى … طليقتي , لم تفعل شيئا ) .
’ فارس ’ ( إلى ماذا تريد أن تشير ؟ ) .
’ تركي ’ ( لا شيء , بالأمس أخبرتني أمي بأن … زوج سارة طليقتي قد توفي , في
حادثة سقوط العمارة ) .
فز من جلسته ’ فارس ’ وقال يذهول ( ماذا تقول ؟ هل أنت جاد ) .
’ تركي ’ ( نعم ) .
’ فارس ’ بشيء من الحزن والشفقة ( يا لها من مسكينة ؟ كيف ستتحمل ذلك ؟
طلقتها وماتت أمها , والآن مات زوجها , فليعينها الله وليصبرها ) .
’ تركي ’ (آمين , ألم يخطر ببالك ما خطر في بالي الآن ؟ ) .
’ فارس ’ ( ماذا ؟ ) .
’ تركي ’ ( قبل أمس , قلت لأبي أن يبحثوا لي عن فتاة تناسبني , وأنا لا أجدا أحدا سواها ) .
ابتسم ’ فارس ’ ( وهل تتوقع أن تقبل بك بعد أن فعلت بها ما فعلت ) .
’ تركي ’ ( لنحاول , لا أجد في ذلك حرج ) .
’ فارس ’ ( هل كنت تدعوا طوال هذه السنين على زوجها حتى تعيدها إليك لأنك تشعر
بالذنب حيالها ) .
’ تركي ’ ( كنت أدعوا بأن يعيدها إليَّ فقط ) .
’ فراس ’ ( أتمنى لك التوفيق والسعادة يا صديقي ) .
يتبع ...