عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-17, 12:08 AM   #1826

eman nassar

نجم روايتي وكاتبة بقلوب أحلام و قسم قصص من وحي الأعضاء

 
الصورة الرمزية eman nassar

? العضوٌ??? » 289978
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 1,167
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Palestine
My Facebook My Twitter My Flickr My Fromspring My Tumblr My Deviantart
?  نُقآطِيْ » eman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond reputeeman nassar has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك aljazeera
افتراضي



(25)

حل الصمت بالكامل بعدما انتهت التجربة...
الهدوء سيطر على الطابق كله حتى الفرق الأخرى التي تعمل على مشاريع مختلفة كانت صامتة مترقبة بهدوء...
نظراتها الدامعة ترمق الجهاز من خلف الزجاج الواقي، ثم تعود تنظر للشاشة التي تعرض النتائج... تقارن بعقلها القراءات و المتوقعات لتقرر كم هي نسبة الخطأ...
تتأمل نتاج عمل مرهق انهكت فيه لأشهر و الآن ظهرت النتيجة...
ثم أخيرا و بمفاجئة للجميع ارتفع صوت تصفيق بطيء...
التفتت بقوة لمدير المختبر الرجل الصارم الجاد الذي لا يتدخل إلا عندما تطلب مواد خطيرة كاليورانيوم!
الرجل الذي اتضح أنه كان يراقب كل شيء و يعرف كل شيء و يتوقع كل شيء... و هو الآن يصفق لأجل نجاحها...
ثم فجأة انفجر المختبر مرة واحدة بتلك الفوضوية الأمريكية المحببة و الكل يهنئ، و يصفق، و يحتضن، و يمدح بينما هي تمسح دموعها و لا تدري ما هو الشعور الذي يجب أن تتكلل به مشاعرها فما زالت ترتجف بداخلها و لا تصدق انها فعلتها...
لا تصدق انها استطاعت أخيرا أن تنجح...
محاطة بغرباء لم تحفظ أسمائهم بعد وقفت تتلقى التهاني و قد ظهرت سيمون فجأة تبعد الراغبين باحتضانها أو حتى مصافحتها بأوامر محفوظة منذ بداية تسلمها لعقدها...
فجأة انفجرت تضحك بقوة و هي تدرك أخيرا أنها فعلتها...
نجحت اخيرا...
أخيرا اثبتت أنها فعلا تمتلك عقل مميز...
أخيرا سيظهر مشروعها المميز للنور و سيخدم البشرية كلها...
أغلقت عينيها رغم الضوضاء و هي تحمد الله ألف مرة و تشكره على تلك النعمة... يا الله كم هو لذيذ هذا النجاح... كم هو غني... كم هو مشبع... استمرت لوقت طويل تتلقى التهاني و من ثم عقلها تفعل و عاد للموجة الصحيحة؛ فعادت تراجع القراءات و تعيد التجربة و كأنها تظن أن نجاحها نتاج حظ أو اختلال ما بالأجهزة...
أخيرا بعدما تأكدت من نجاح الجهاز، ركبت السيارة عائدة و لم تطق صبرا فاتصلت بأهلها بالوطن تخبرهم بنجاحها، و انطلقت ضحكاتها تملأ المكان المغلق و هي ترى ميار ترقص الدبكة و تدعوها ان تشاركها فيها بفرح حتى و لو بالهتاف أو بتلويح يديها!... البسمة لم تتوقف عن الارتسام على شفتيها و الفخر الداخلي يطغى على كل ملامحها...
الفرحة الصافية تتصدر انفعالاتها و هي تبحث عن شبه نكتة لتضحك بصخب... حتى أن سيمون و السائق الأخرس هنأها بتهنئة تشبه تحية السجان!
و عندما عادت أخيرا للبيت سعيدة منتشية بنجاحها؛ وجدت الصمت يقابلها بتهنئة مميتة منه...
بحثت عبر الجدران الباردة عن شخص يبارك لها... شخص ينتظرها على نار و قلق كما ميار و سلام و يخبرها أن فرحته بها كنفس فرحتها بنفسها...
شخص يقول لها لم أشك للحظة أنك لن تفعليها و يسألها بثقة كم هي لذيذة تلك النكهة المختلطة للنجاح بعد كل هذه الكبوات و التحقيرات لها، لكنها لم تجده... شخص يحتضنها بصدق... فقط حضن واحد حقيقي يشعل بها فرحة مختلفة...
فجأة باتت فرحتها ناقصة بالكامل، من نظرة الفخر منه و الرضى... فجأة شعرت بغصة في حلقها و اختناق سرق الكثير من فرحتها و هي تتمنى لو كان موجود لأجلها... مثل كل شريكين في الحياة... يفرح لأجلها و يفخر بها و يرضى عن رضاها و يشبع من شبعها و يتخم مع ثقل ما ضحكت!
لكنها واقعية... لا يوجد امرئ ينال كل ما يريد... الغصة تهدد بتبديل كل ضحكاتها بالدموع فابتلعتها بقوة و هي تنطلق للمطبخ لتفرغ انفعالها الغير معروف في تزيين قالب كيك، تاركة شيء نضج داخلها دون علمها يسيطر على شرودها و هدوئها و سكناتها...
***
عندما دخلت لبيت أغيد المفتي بعدما انهت حضور فقرات مهمة في المؤتمر الأدبي و الخاص بشرح عدة قصائد و التفكير في الدلالات و ربطها مع الوضع السياسي في ذلك الوقت، فوجئت بضوضاء صادرة من المطبخ...
تحركت بفضول و هي تكره أنها فضولية حقا، لكن صوت لبنى كان واضح جدا و هي تناقش شخصا ما...
المطبخ كما كان يظن زوجها مملكة المرأة و علامة التاج التي تعني سيطرتها على بيتها... أما هنا فكانت تعلم أن الوجبات كلها تعد على يد طاهي خاص، لذلك استغربت إن كانت لبنى تلوث يديها في بعض الدقيق!
حسنا... لقد كانت الفتاة و كأنها قد انفجرت في برميل دقيق لا بعض الدقيق...
وقفت مذهولة بكل اناقتها و رقيها تتأمل لبنى التي يغطي المسحوق الأبيض ثوبها و حجابها و أنفها و وجنتيها...
تقدمت بحذر بحذائها الأنيق الأسود بكعبه المرتفع المستدق و هي تتحاشى الفوضى، لكن لبنى رفعت رأسها إليها بنظرات مستطلعة قبل أن تبتسم ابتسامة صفراء فاقع لونها تكاد تشع من مكانها...
"مرحبا هدى... امممم أظن أنك دخلت لهنا بالخطأ..."
تدخل الطاهي بلهجته الايطالية الظريفة...
"لا لم تدخل بالخطأ... إنها نجدة من الله لنا... أرجوك سيدتي... خذي هذه السيدة معك و......."
فوجئ بلبنى تلفت إليه بحدة فتنفض عليه بعضا مما علق بثيابها من المسحوق الأبيض...
"اسمع يا أيها السيد... السيدة هدى ضيفة هنا... في الحقيقة لا يستطيع أحد أن يخرجني من المطبخ إلا محسن أخي... و احزر أين هو... لحظة امممم كم الساعة الآن؟... التاسعة مساء... إنه الآن يتوضأ ليصلي الفجر... بعدها بساعة أو اثنتين سيجهز نفسه ليذهب لمصنع زياد الصانع... أنت لا تعرف زياد و لا محسن... لذلك لا قوة في الأرض يمكن أن تزحزحني من هنا!"
"لو لم تخرجي الآن سيدتي سأتصل بالسيد المفتي ليتصرف... لقد حولتي مطبخي لكارثة!"
التفتت إليه بعيون حمر و هي تكاد تبكي و لا تعلم لم... اليوم نجاحها و هي تخلق الهم خلقا و تتلبسه تلبسا!
"حقا؟؟ افعل إن استطعت... كلم المفتي أو كلم الامام!... بكل الأحوال لن يقدر أن يصل لهنا من سفره بهذه السرعة التي ستنقذك... لذلك دعني انهي ما بيدي و بعدها سأغادر مطبخك للأبد... و لو أردت سأنظفه لك..."
ثم تخلت عن منظر السلطة الذي لا يلائمها...
"أرجوك... فقط دعني اليوم انهي ما بيدي و لن أعود... أعدك بذلك!"
لم تحب منظر الفتاة مالكة البيت بالافتراض و هي ترجو الرجل لذلك تدخلت بدعم...
"سيدي..."
البريطانية من فم هدى بدولة كأمريكا تعني دوما الرقي...
"من فضلك دع الفتاة تنهي ما تريد.. أظن أن المفتي لم يحظر دخولها للمطبخ... أليس كذلك!"
لم يجب الرجل و هو يقول للبنى متجاهلا الأمر بنبرة هدى...
"سأتركك... و لا تطلبي نصيحة مني أو معونة... أنت وحدك بالكامل... و كعكتك كالمعتاد جاهزة في البراد... فقط حاولي ألا تفجري البيت!"
لم ترد لبنى على حديث كلاهما، مع خروج الطاهي من المطبخ، بل استمرت برش المسحوق الأبيض على اللوح لتستطيع أن تلين عجينة بدت جامدة بشكل قاسي لعيني هدى... لكن يدي الفتاة بأصبعها القصيرة التي تعمل بغل حقيقي شمل كل حركات جسدها، استطاعت أن تطوع تلك المادة الصلبة...
اخيرا انتهت و قسمت العجينة الصلبة الأشبه بعجينة السيراميك لعدة أقسام و صبغتها بعدة اصباغ...
"هل تصنعين بتيفور؟؟"
هزت رأسها نافية، و استمرت بعملها و هي تعيد خفق شوكولاتة بيضاء سائحة في وعاء بجوارها، لثوان تجمدت تنظر للوعاء الحاوي للشوكولاتة بلا فهم لما هي أصلا ذوبتها... ثم رفعت عينيها تديرها حولها بتساؤل، و كأنها نسيت بالضبط تسلسل عملها، لحظات تشتت ثم عادت لحركتها الدؤوب لتتناول من الثلاجة طبق ضخم من الكريما المخفوقة، و قلبتها بالمعلقة المسطحة كي لا تفقد الهواء الذي فيها ...
لم تطق هدى صبرا و هي تراها تتجه مرة أخيرة -أو كما تتمنى- للثلاجة لتخرج قالب كعكة اسفنجية مستطيل و بعدها عادت لتخرج زجاجة شراب حلو لترطيب الطبقات...
"بحق الله ما هذه الورشة التي تعملين فيها؟"
"أنا أزين الكعك... تلك هوايتي أو موهبتي... أو لا أعلم ماذا بالضبط... أما المسحوق الأبيض هذا..."
و غمست اصبعها فيه ثم لعقته بتلذذ قبل أن تتناول منديل مطبخ و تمسح اصبعها ليعود نظيف...
"هو سكر مطحون مع نشا لأستطيع تطويع عجينة السكر... الآن قررت أن أصنع شيء جديد... سأعتبرها هدية للعم آدم رغم كره ماجي للحلويات..."
كانت تتحدث و هي تتحرك بسرعة و كأنها تسابق شيء ما ان يستولي على عقلها...
"يبدو أمر جميل... هل يمكنني ان أساعد؟؟"
وقفت لثوان تتأمل المرأة النيقة ثم مطت شفتيها و هي تهز رأسها بإيجاب ملول...
خلال نصف ساعة و قد خلعت هدى جاكت حلتها الأنيقة و بقيت بالقميص الحريري و إن كانت قد غطته بمأزر عكس لبنى التي تعشق التلوث الكامل على ما يبدو...
حلال تلك النصف ساعة استمرتا بالعمل سويا و هدى تستجيب لأوامر الفتاة القصيرة التي تجاهد لتبعد الغصة عن حلقها...
أخيرا وقفتا سويا أمام اللوح و أيديهما تعمل مع عجينة السكر بعدما غطت القالب و حشته بالكريما و الفواكه المسكرة و الشوكلاتة البيضاء...
كانت تقوم بعمل مصغر لملعب كرة قدم أمريكية... كانت تحاول أن تفرش الأرض بالعشب الأخضر و كل لحظة و أخرى ترفع عينيها للصورة التي طبعتها اخيرا بدلا من اضاءة الشاشة المعمتة للهاتف محاولة أن تتحرى الأصالة و الدقة بعملها... في الحقيقة الأمر ليس سهلا و هي تستعمل أدوات دقيقة تليق بنحات لتبسط العجينة و تعطيها شكل بيضاوي بلا فقاعات أسقلها و لا تفقد تماسكها و شكلها الأنيق... الحديث بين المرأتين كان فقط لفائدة عملهما و كأنك تسأل آلة عما تفعل و ما يجب فعله... لذلك فوجئت بلبنى تقول بلا مقدمات بصوت هامس و كأنها تحدث نفسها...
"ربما يبارك لي، لأجل ذلك... هل تظنين هدى لو عملت بمخبر حلويات سأكسب كثيرا؟!"
كانت قد عرضت عليها و هي تمسح يدها للمرة الألف صور لبعض اعمالها القديمة، و ما ظنته هدى أمر عادي، كان فعلا فن مذهل، و مع الصور كانت فعلا قد ابهرت بما تصنعه الفتاة الذكية...
"لو كان طعم القالب مثل جمال منظره، إذن فالجواب نعم... ستكسبين و ربما تصبحين أشد ثراء من أغيد عبر سلسة مخابز خاصة بك... سيكون اسمك علامة!"
توقفت عن عملها و صوتها يتهدج بشكل مفاجئ...
"هل تجدين أن الوقت ملائم للسخرية الآن!"
هزت رأسها باستغراب و هي تحاول أن تتحكم أكثر في قميص اللاعب الذي تصنعه، و تتأكد من تصميم الخطوط عليه... للأمانة عادت للطفولة حينما كانت تهوى العبث بالصلصال...
"أنا لا أسخر لبنى... كنت قبل ساعتين في عالم غريب فيه الشعر، و البحوث، و العلوم، و التاريخ، و المفارقات، و المقارنات بين شعراء عالميين... و الآن أنا دخلت في مغارة أخرى ممتعة تمنحني شعور جميل... ثم دعك من هذا و انظري لعملك كم هو متقن و جميل... أنت تكادين أن تحولي الأمر لفن حقيقي يصل للمثالية!!"
لم ترد و هي تضم شفتيها عن البكاء و هي تقول لها...
"انا أيضا كنت قبل عدة ساعات في عالم آخر... عالم مذهل بنفس هذه اللذة... لذة العلم مماثلة للطعم الحلو لهذه الشوكولاتة السائحة... لكن... فجأة شعرت بطعم كالعلقم و كأن... المهم... انا و أنت هنا و نحن نتصرف كنساء عاديات... أليس كذلك؟"
ابتسمت هدى مع كلمة عاديات... رغم كرهها الضخم في الحياة لأن تسأل، و تتدخل، إلا أنها سألت و لا تعلم لم... ربما هو شعور أخوي غريب تسلق مشاعرها... تلك اللحظة في مطبخ حديث مجهز مع فتاة لم تتحدث معها خارج اطار الرسميات جعلها تحن لحلم طفولي و هو الرغبة الدائمة بأن يكون لها أخت!
"ماذا كنت تفعلين قبل ساعات!"
هزت كتفها و هي تعود للعمل محاولة ابتلاع الغصة... شخص غريب يسأل.. بعد الطاهي و تهنئته لها هو و الطاقم و الآن شخص آخر..
لم تمل من الشرح و هي تقول...
"كنت أصنع التاريخ الذي تبحثون فيه..."
ثم ابتسمت و هي ترفع رأسها لهدى المستغربة...
"ربما سأسجل براء اختراع... لكن هذا لا يهم... المهم هو العالم كله... تخيلي بطارية مثل بطاريتي تصل للبدو في كل المناطق العربية... أو تصل لأي بلد يعيش أزمة حرب، و تبعاتها... أو مناطق نائية بدائية كجنوب استراليا أو مزدحمة كالهند أو......."
"هل تعرفين كيتس... جون كيتس؟؟"
ضيقت عينيها و هي تقول بحذر، و الاسم مر عليها من قبل...
"هل يجب أن أعرفه... هل هو عالم أو....."
"إنه شاعر مميز... لقد قدمت ورقة بحثية عنه منذ مدة... اعتبري معرفتي لما تتحدثين عنه كمعرفتك عن كيتس او ميلتون أو بيرون أو دانتي أو أي شاعر آخر..."
لثوان صمتت تفند هل تسخر منها ام شيء آخر... مطت شفتيها و هي قد اعتادت السخرية بكل الأحوال... و لو اكتشفت أنها تسخر فعلا؛ ستسكب القليل من الأصباغ المركزة على ثيابها الثمينة!
"منذ أن كنت في السنة الخامسة في الجامعة و أنا أبحث عن الأمر... قرأت عنه كثيرا... الهدف بساطة كان صناعة بطارية ذكية..."
ثم رفعت اصبعا ناحيتها بتحذير من التفكير السهل...
"ركزي معي هنا قليلا... البطارية التي تعطي كيلو واحد من الطاقة تكاد تزن ثلاثين كيلو جرام... و الكيلو هذا لن يفيد أكثر من الإضاءة... هذا عدا عن كفاءتها المتناقصة بشكل منحنى منزلق... حلمي كان صناعة بطارية خفيفة لا يتجاوز وزنها عدة كيلوات من الجرامات، و تستطيع أن تخزن كمية من الطاقة تشغل برج كامل بكل منافعه... تخيلي أن تحملي بطارية صغيرة في الجيب الخارجي لحقيبة ظهرك و أنت ذاهبة لمخيم ثم تخرجينها و تنصبين خيمتك و تكونين كأنك في بيتك... قبل ان تتحدثي عن الطاقة الشمسية و التي هي فعلا فعالة و مفيدة و لكن المشكلة بالليل و تخزينها و هو ما يتم في بطاريات ضخمة كما أسلفت قد يصل وزنها لستين كيلو جرام... و هذا على نطاق الاستخدام الشخصي... لكن مع بطارية كبطاريتي يمكنك أن تخدمي مدينة كاملة بمثل هذا الوزن..."
انتهت من حديثها الذي حاولت أن يكون مبسط و هي تلهث بانفعال محاولة أن تستشف انفعال هدى التي توقفت عن عملها بعقدة حاجبين تحاول أن تفهم ما تقول الفتاة و هي التي لم تتخيل أن تمر بأزمة في حياتها من نقص ماء او كهرباء أو دواء أو أي شيء...
"يوجد مناطق في الباكستان و الصين و الهند و أفريقيا و تعيش تحت مستوى الحيوانات... يوجد دول تعيش حتى الآن تبعات الحروب... نحن بحاجة لأن نفكر بهم..."
التفتت المرأة الأكبر بالعمر تنظر حولها للمطبخ الفوضوي و عادت للبنى التي عادت ببساطة للوح أمامها تتأكد من ما صنعت هدى و تعدل عليه، ثم قالت و هي تتجرأ فتمسح على كتفها بمواساة... يدها الملوثة لن تؤثر كثيرا على ثوبها!
"لا تهتمي لبنى... حماسك بالحديث عن المشروع أذهلني... لو لم تنجحي مرة فستنجحين بعدها... أنا لا أعلم حقا مدى امكانيات العالم لصنع ما تتحدثين عنه، لكنه يبدو مذهل و جـ....."
"لحظة، لحظة... من أخبرك أنني أعاني من تبعات الفشل... أنا هنا أعاني من تبعات النجاح... لقد نجحت هدى... اليوم و لله الحمد سجلت أول قراءة لبطاريتي الذكية الخارقة... و للعلم النتيجة مقاربة بنسبة مذهلة للورق... كنت سأحتاج مواساتك خلال الأشهر الفائتة لكن......"
ارتج على هدى التي لا تفهم ما الذي يحدث هنا...
"إذن لم أنت كئيبة!... أنت قلت أنك تفرغين انفعالاتك في هذا العمل... لم تحتاجين لقتل فرحتك بنجاحك!"
هزت رأسها و هي تنظر للأمام و كأن خيالا ما تجسد أمامها...
"هل تعلمين عندما تعيشين حياتك كلها لأجل شيء ما... تنتظرين فقط هذا الهدف و بعدها حياتك لا معنى لها... و كأنني حشرة من تلك الحشرات التي تقضي سنينا في شرنقة ثم تخرج للعالم لعدة أيام قبل أن تفترس من حشرة أكبر... كان المشروع هو غايتي و الرحلة شرنقتي... و الآن خرجت منها... أشعر بالفراغ... الآن أشعر بألم لا أعرف سببه... أشعر بوحدة... و كأنني كنت أخزن كل شيء... انتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر لأتفرغ بالشعور بما أهملته أو خزنته وحدي بعدما انتهي...
أنا الآن أحتاج لأشياء كثيرة تخليت عنها طواعية في رحلتي لأجل هذه اللحظة... أنا الآن لا أتذوق نجاحي فقط... بل أتذوق نكهة كل تضحية قمت بها لأصل لهذا النجاح... كل تسلق... كل انحدار... كل انفجار، كل شجار... كل لحظة شجار مع أخي... كل خلاف مع اختي... كل مخالفة لأوامر والدتي... كل..... كل..... "
لم تستطع أن تبتلع غصتها، و هي تحاول أن تفسر ما حدث مع أغيد دون جدوى...
الشعور بالمسؤولية الأخوية نضج بالكامل مع هدى و لبنى ترفع عينيها إليها و هي تسأل...
"هل هو طبيعي هدى... هل هو طبيعي أن تقتل فرحتي بتفوقي و نجاحي و وصولي لحلمي... هل هو طبيعي؟؟"
لما لم ترد لأنها لم تصل لجواب، و مع الصمت وجدت الاثنتان انفسهما تكملان العمل دون أن تجدا تفسير لحال الفتاة العجيب...
فجأة قالت بهدوء و كأن انفجار لبنى أو صراحتها منحها هي الحق أن تفتح حصونها طواعية...
"هل تعلمين لبنى ما هو الشيء الغير طبيعي... أن تعتادي الفرحة المبتورة و كأنها الشيء الطبيعي... أن تعتادي أن تنجحي وحدك تتفوقي وحدك... و أن لا تفرحي لنجاحك و ألا تفخري بنفسك و ألا تشعري إلا بالفراغ دوما... و الفراغ شعور قاسٍ، جدا قاسٍ...
أن تكوني أي شيء إلا تلك الناجحة في نظره... و عندما يسمع بنجاحك ينظر إليك باستغراب و كأنه لأول مرة يعلم أنك تمتلكين حتى عقل، ليفكر و ينجح..."
ابتسمت لبنى و هي ترفع عينيها إليها و كأنها وجدت شريكتها في الحياة...
"يبدو أن الحظ قفل بابه عنا نحن الاثنتين!"
بعد ساعتين و كلتاهما قد اغتسلت و بدلت ثيابها و أمامهم طبق به قطع من كعكة لبنى التي استمرت عدة ساعات في صناعتها... و هدى تكاد تبكي من منظر السكين التي تقص اللاعبين الذين تعبت عليهم...
"أشعر أنني آكل اللاعبين أنفسهم!"
ثم أغلقت عينيها بتلذذ مع أكلها لرأس الحكم...
"نصيحة... انسي الهندسة و نكدها و همها و استمري بمثل هذا العمل السعيد... إنها مذهلة... فقط مذهلة!"
ثم تذكرت حماسها في حديثها عن مشروعها...
"أو يمكنك أن تعملي في الاثنين... صباحا مهندسة و مساءا هذا العمل... ستكونين ماركة مسجلة!"
و كانت تلك بداية انفتاح بينهما...
كانت هدى تضحك بقوة على شيء قالته هي قبل أن تكمل...
"الآن هل ترين من منا المنحوسة أكثر... انا أم أنت!"
عن لبنى التي انطلقت تسعل بضحكها و هي تمسك خاصرتها المتألمة...
"لا مقارنة، لا سمح الله... لكن لو مثلا عشتُ مع زوجي الألمعي لمدة مساوية لحياتك مع المحامي الرائع... أكيد سأغلبك... لا نقاش..."
اعتدلت هدى و هي تقول...
"حقا؟؟"
اعتدلت الأخرى و هي تحتضن الوسادة...
"بكل تأكيد... صدقا... هل ستتخيلين أن تعيشي مع رجل يخبرك كشيرلوك هولمز هذا بديهي عزيزتي لبنى بديهي... او يخبرك دوما... انا لست عادي... أو انا رجل عادي بعقل غير عادي... "
ثم انفجرت ضاحكة مرة أخرى و هي تتأوه...
"يقول لي أنه مثل الغسالة الفول أوتوماتيك... هل سيمر عليك رجل مثل هذا الرجل؟؟"
هدى الأخرى صدمت من التشبيه المبتور لتسأل بحذر مستغرب...
"هل ينظف غسيله بنفسه؟؟"
الآن لبنى لا تقدر أن تأخذ نفسها من الضحك...
"لا، لا ، لا... هو غسالة فول أوتوماتيك.... و نحن غسالة بحوضين نصف أوتوماتيك!"
لم تستطيعا أن توقفا الضحك المستمر على خيبتيهما، حتى استلقتا على الفراش الضخم الخاص بهدى في غرفة الضيوف...
"نحن لسنا الخائبتان في هذه القصة!"
أخيرا قالت هدى بهمس هادئ بعدما ابتلعت الغرفة ضحكاتهم الموجوعة...
"بكل تأكيد... نحن مظلومتان بالكامل... تحدثي عن نفسك هدى... أنا للأمانة أخيب من الفشل في العالم كله!"
"لا تسخري لبنى... أنظري... الآن أنا و أنت لا نعرف بعضنا البعض... لم أرك من قبل خطوبتك و لم أسمع باسمك و أنت كذلك معي... أعني علاقتنا صفر... لكن هل صدفة أن يكون الأخوين فاشلين في علاقتهما الزوجية... أعني بكل تأكيد هنالك علاقة بين كونهما أخوين و فاشلين... بينما نحن ضحايا لهم!"
اعتدلت لبنى و هي تقول باعتقاد أكبر في كلام هدى...
"هل تعلمين؟ معك حق... هما دمرا حياتنا... لقد كنت في بلدي فقط اتشاجر مع محسن لأجل أن يتركني في حالي و عملي... الآن أنا بالضبط لا أعرف من أشاجر و لم؟..."
"نعم، نحن نستحق رجالا يصنعون لنا تمثالا... لكن أن نبتلى و نصبر على مثل هذين الأخوين... سامحك الله يا خالة نشوى... لو لم تتفضلي و تخرجي جيناتك للنور لكنا في حال آخر!"
ابتسمت لبنى محورة الموضوع و تربيتها الصارمة على احترام الزوج تحسست من سخرية هدى...
"لو سمعتك الخالة نشوى تقولين عنها خالة.... لا أريد أن أنظر لما سيحل بك..."
ثم ضحكت ببساطة و هي تتذكر العم آدم...
"أما ماجي زوجة العم آدم فلا تستحق أن يقال عنها خالة... لم يبق سوى هذه السيدة لأقول لها خالة... هل تعلمين أنها تعلق صور المنحوسة زوجته الأولى في بيت العم آدم و لم تعلق لي ولا صورة بل إنها........."
استمر الحديث الخفيف و الساخر بينهما، و قد تجاهلت كلتاهما أن تخبر الأخرى أصل المشكلة مع زوجها...
فقط ليلة مستقطعة من الألم، أخذتا تتندران فيها على حالهما و تسخران من مواقف عادية في حياتهما...
الاثنتان تحاولان أن تتجاهلا دورهما في هذه المعمعة و ربما لليلة واحدة أرادتا ان تصدقا انهن لا بأس بهن...
فهل هذا كثير عليهن؟؟


***



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 30-03-19 الساعة 09:03 AM
eman nassar غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس