01-09-17, 06:02 PM
|
#8 |
نجم روايتي وكاتبة وقاصةفي منتدى قصص من وحي الاعضاءونائبة رئيس تحرير الجريدة الأدبية | الفصل الثاني إستيقظت في الصباح نشيطة على غير العادة.. بدأت بتجهيز نفسها للذهاب إلى الجامعة وعندما إنتهت جلست مع والديها على طاولة الفطور بصمت مطبق... وعند إنتهائها ودعتهم وخرجت من البيت تسير على قدميها... وصلت إلى محطة الحافلة التي تركبها يومياً لكنها لم تجدها... رفعت يدها حتى تنظر إلى الساعة الموجودة على معصمها... فوجدت أنه ما يزال عشر دقائق حتى تصل الحافلة.... جلست على المقعد الطويل الموجود عند المحطة وأمسكت بهاتفها تعبث به لتضييع الوقت.... صوت بوق عالي جعلها ترفع رأسها بسرعة مجفلة وهي تتعرف على السيارة السوداء اللون.....إنه سيارته
" ورد... إركبي"
أمالت رأسها حتى أصبحت تراه وهو جالس خلف المقود... بحاجة للإستيعاب بإنه هو من يقف أمامها بسيارته ويعرض عليها الركوب....
" مالك صافنة هيك..!!"
عدلت حركة رأسها البلهاء سريعاً ثم نهضت وتوجهت لتقف أمام الباب المجاور له قائلة بإستغراب مرتبك وهي تطل برأسها من النافذة :
" رائد.. شو بتعمل هون؟"
نظر لها نظرة تستغبي سؤالها وقال ببديهية :
" كنت رايح على الشغل ومريت من هاد الطريق..وشوفتك يلا إركبي لأوصلك على الجامعة.."
هزت رأسها وقالت رافضة :
" لا ما في داعي... دقيقة والباص بيجي... ما بدي أغلبك"
إنحنى بجسده جانباً حتى وصل إلى الباب الواقفة عنده ففتحه من الداخل وقال بإصرار :
" ما في غلبة.. جامعتك بطريقي... "
بحرج شديد فتحت الباب وصعدت بجانبه....لينطلق بالسيارة.... نظرت من النافذة للطريق الذي أصبحت تحفظه بصماً بسبب مرورها منه يومياً....تنظر له الآن وكأنه أول مرة تشاهده... هاربة من ذلك الذي بجانبها والذي صمته يفعل بها الأعاجيب...... تراجعت برأسها للداخل بعد أن أغلقت زجاج النافذة بسبب الهواء البارد الذي لفح وجهها... والآن!!!.... ماذا تقول...؟....... إنها تشعر بذبذبات التوتر تلفها لفاً.... هل من المعقول أن هي فقط من تعاني من ذلك..؟... إلتفتت برأسها إليه لتتفحصه.... يبتسم إبتسامة صغيرة... ليست حنونة.. بل إبتسامة حب.. لا... إبتسامة لهفة ربما.......ها هو ينظر إليها بنفس تعابيره... تشجعت وقالت متعجبة لكن بمرح:
" شو مالك..؟.. شكلوا في اشي مفرحك لهدرجة..."
لتتسع إبتسامته وتتقوس عيناه وهو يقول بغموض :
" اه في.. بس خليها مفاجأة.."
شيئاً حاد....كإبرة شعرت به يوغز صدرها...أنامل يديها تعانقت بتشنج حتى ألمتها.... لم تعلق على كلامها.. وقد حمدت الله أنها وصلت الجامعة... ففور إيقاف السيارة قالت بعجلة :
" يسلموا رائد.. مع السلامة..."
ثم فتحت الباب وخرجت تكاد تهرول.......
لم يكن اليوم كما أرادت.... ليس نشيطاً حماسياً.... بل إنها منذ أول محاضرة شعرت بالتعب والإنهاك يغزوها... حتى أنها لم تستفيد شيئاً مما درسته.....
إنتظرت بفارغ الصبر أن تعود للبيت.... ترتمي على سريرها تنام بعمق متناسية كل العالم......
وبالفعل عادت إلى البيت... فعلت كل تمنته تلك اللحظة لتصحو على خبر....لا تدري كيف وصلها...
" هو اللي حكالك...؟"
سألت ذلك السؤال بقلب مليئ بإحاسيس متناقضة.... الفرحة... والخوف... يتناوبان عليها فأحدهما تطغي على الآخر.....
" لأ...حنان حكتلي ..."
شتت بصرها في جميع الإتجاهات وقالت بلامبالاة مصطنعة :
" ورائد شو موقفه...؟؟"
ردت والدتها ببطء أحرق أعصابها وهي ما زالت تحشو الكوسا :
" اللي بعرفوا انو أجا حكالها انو بدوا يتزوج وغير هيك ما ناقشها... حتى هي محتارة بس بدت إتدورلوا على عروس...."
إستقامت واقفة حتى تهرب إلى غرفتها لئلا تشاهدها أمها بحالتها تلك ثم قالت بخفوت وهي تخرج :
" الله يوفقوا...."
دخلت إستحمت وإرتدت بيجامة قطنية مريحة علها تريح أفكارها أيضاً.... يريد أن يتزوج.. لكن من... هو لم يقل ولم يحدد... أيجب عليها أن تشعر بالفرح أم الحزن.... فركت وجهها بنفاذ صبر بينما أخذت رجلها تهتز.......أمسكت الهاتف لثواني ثم أعادته لمكانه مرة أخرى... تفحصت الكتب المرصوصة على رف مكتبتها الصغيرة.. لكنها لم تجد في نفسها قدرة على القراءة..... تمددت على السرير.... تتحرك يميناً وشمالاً... ثم أخيراً أدركت أن عقلها ليس معها تماماً.... تائهاً، غارقاً... بملكوت آخر..... وكله يتجه.... له
" شو اللي بتفكري فيه ورد... نامي... نامي"
أخذت تربت على رأسها وهي تهمس وكأنه تهدد نفسها كطفل صغير حتى إستطاعت النوم أخيراً
" أنا بشوف مين ..."
توجهت حيث هاتف البيت الأرضي يرن... رفعت السماعة على إذنها وقالت مستفسرة :
"ألو... مين"
جاء الصوت البشوش مجيباً :
" أنا خالتك... كيفك ورد.. "
تقلصت أصابعها على السماعة وهي تجيب بهدوء :
" منيحة..."
" أعطيني أمك بدي إياها ضروري.."
أبعدت السماعة عن إذنها وإلتفت برأسها لأمها قائلة :
" ماما.. خدي خالتي..."
وإبتعدت لتعطيها مساحة حتى تقف مكانها.... بقيت طوال المكالمة واقفة أمام أمها تترقب تعبيرها بتفحص مرتعب... وجه والدتها الذي كان لا يعبر عن شيئ أبداً لتختم الحوار بإبتسامة أحستها مفتعلة....
توسعت عينيها بنظرة تساؤل وهي تنظر لأمها لتجيب الأخيرة مع لمحة خيبة على وجهها :
" ما في اشي.. بس حكتلي عن موعد كتب كتاب رائد بعد بكرا وعزمتنا.."
إرتد رأسها للوراء بحركة غير ظاهرة وقد بهت وجهها وإبيض بصدمة... مدت يدها وتمسكت بالكرسي أمامها وقالت بصوت متقطع :
" عنجد... طيب مبرو..وك"
وبحركات آلية دخلت غرفتها... جلست على المكتب وفتحت كتاب المادة التي ستمتحن بها نهاية الأسبوع... إنها مادة جداً مهمة وصعبة وبحاجة إلى جهد... عبث أصابعها بالعلبة الموضوع بها الأقلام وإلتقطت واحداً... وبه أخذت ترسم خطوط تحت السطور المهمة وهي تهمهم بما هو مكتوب......
قطرة سقطت على كلمة فجعلتها تتوقف عن القراءة... مسحتها بإبهامها وعادت تواصل... إلا أن قطرة أخرى عنيدة أصرت على النزول... وتتوالى القطرات المنسابة من عينيها لتكون غشاوة ضبابية رمادية من الحزن..... |
| |