عرض مشاركة واحدة
قديم 27-09-17, 02:18 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الأول


1- يجب أن تكوني لي



كان طول قامة الرجل الغريب هو أول ما لفت نظر نيفين.. إضافة إلى الطريقة التي كانت تستقطب فيها الشمس الإنكليزية الباردة ذلك البريق من الرأس الأسمر المرتفع بثقة.
تصاعد الهتاف المفاجئ من الجمع ليجذب اهتمامها بعيدا عن الغريب الطويل القامة.. وعمدت يداها النحيلتان إلى التصفيق، فيما كانت فتاة صغيرة محمرة الوجه تحاول إبعاد جوادها الصغير عن الحلبة بشيء من الوقار.. كانت دايان فارسة محترفة وسيجعلها فشلها في قفزتين متتاليتين متوترة لمدة يومين. لكنها على أي حال لن تكون ممتنة لأية مواساة علنية.
انتقلت عينا نيفين الزرقاوان القاتماتان لتنظرا إلى الجمع وكان معظمه من الأمهات، ما عدا بضع أفراد مثلها يمثلون الأهالي الذين لم يتمكنوا من المجيء إلى هنا.. بدا الجميع متشابهاً أمام عيني نيفين الناقدتين. تنانير جيدة التفصيل، سترات سميكة، مناديل رأس مربوطة في وجه الريح الخفيفة المزعجة، حتى أن الجميع بدا وكأنه يرتدي بزة موحدة.. حتى السيدة هاملتون، والدة دايان، وربة عمل نيفين وهي امرأة أنيقة جداً، كانت منسجمة مع الجميع.

لا حظت عينا نيفين الجوالتان المرأة المسنة التي كانت تحيي بكل سعادة الرجل الغريب، وتبتسم بإشراق في وجهه الأسمر الصارم، بتقدير ظاهر.
اشتدت خطوط فم نيفين وهي تلاحظ الميزات الجسدية التي كانت تصيب كل امرأة ضمن دائرته. كان جسده الرشيق شِركاً للإغواء بحد ذاته وينشر وجهه جاذبية مخيفة بكل قسماته الكلاسيكية المكتملة باستثناء الأنف المقوس المتعجرف والفم المتشدد الذي لا يعرف معنىً للتنازل.. إلى أن ابتسم وتحولت القساوة عندها إلى سحر رجولي ملتهب.
ابتلعت نيفين ريقها، تعي انشداد أعصابها الغريب إذ لا يصل المرء إلى سن الخامسة والعشرين دون تجربة تجاذب. ذلك النداء من جنس آخر الذي يدل على الحيوية. من الغباء أن تصدمها قوة طبيعية عمياء أساسها التجاذب الصرف.. لكن ابتسامة الرجل بدّلت أمور جمة.. وتحولت جاذبيته الباردة إلى حياة نشيطة.
كان لنيفين أسباب هامة حتى لا تثق بمثل هذه الإثارة المفاجئة،
وقوّمت كتفيها لتتغير تعابير وجهها إلى حالة عدم اكتراث ولا مبالاة.
كانت حركتها المفاجئة، أو أشعة الشمس الناعمة على موجات شعرها البرونزي، هي التي لفتت انتباهه.. فتركزت عيناه الغريبتا التركيب بمزيج من اللونين الأخضر والذهبي عليها، لتتفحصاها ببرودة وشمولية.. وعانت نيفين من شراسة العينين. وكادت تنكمش وهما تقيمان وجهها من الحاجبين المجنحين حتى قمة الذقن التي ورثتها هي وأخيها عن والدهما.. وتفحصت نظرة الغريب استدارة ثغرها الرقيق، وشعرها المموج، ونقاط النمش الخفيفة الظاهرة على أنفها المستقيم، وخطوط عنقها الجميل.

لم تعكر صفو جمال وجهه اية مشاعر.. كان يمكن أن يكون مجرد قناع برونزي ملتفت نحوها، مع ذلك ارتجفت خائفة.. حدقا للحظات طويلة ببعظهما عبر الهواء المشحون بطاقة حقل كهربائية ولوّنت شعلة نار ملتهبة خديها.. كشفت البشرة البيضاء تصاعد الدم بسرعة تحتها.. وراقبت بدورها مذهولة انتشار الاحمرار تحت لونه الأسمر، كردّ على احمرارها.
كانت عيناه عبر المسافة المتوترة بينهما ترسلان رسالة بكل تأثيرات وذبذبات اللايزر.
تأثرت مشاعرها وهي تستجمع إرادتها لتستدير عنه،كان ذلك مع معرفتها أنها حين تتذكره ستتذكر فقط قوة الرجل فيه وليس جماله.
ووقعت لحسن الحظ عيناها المرتبكتان على جسد في ثياب الفروسية متجها نحوها عبر الجموع.. فحملت مشدودة وبارتياح صغرى بنات عائلة هاملتون التي كانت تقفز بغير ارتياح في عربتها:
- تعالي حبيبتي، فلنذهب للقاء دايان.
هبطت درجات السلم وهي تحمل أونا كدرع امامها مسرعة إلى دايان.. التي، وككل محبي الجياد، بدأت تخبرها كيف خذلت جوادها الصغير..كانت لا تزال في أوج انطلاقتها في الشرح حين انضمت أليهما أمها بعد دقائق، لتقاطعها بخشونة:
- لقد انتهى هذا الآن. يجد الجميع بعض الصعوبات في البداية..
أليس كذلك نيفين؟
ابتسمت نيفين:
- لا أعرف، فأنا لم أمارس رياضة القفز من قبل. ولكن كالعادة يجب أن نقع في الأخطاء ونتخطاها لنتعلم منها.
هزّت السيدة هاملتون راسها بينما فقد وجه دايان نظرة الحزن.. وقالت:
- نيفين على حق طبعاً.. حتى ولو كانت لا تعرف الركوب. يفترض الناس بطريقة ما أن كل نيوزيلندي هو مولود على سرج جواد.. لكنك فتاة مدينة، ألست هكذا؟
- هذا صحيح.. ومن أكبر مدن نيوزيلندا.

- لا تبدو لي كبيرة جداً لتبقي اليوت آبوكت مشغولاً..
وأشارت السيدة برأسها إلى الغريب الجريء، الواقف الآن مع اللايدي غاردنر وزوجها، مالك القصر المحلي، وأكملت:
- لاحظي.. إنه كالقوى الطبيعية أكثر منه رجلاً.. وهذا ما قد يفسّر سبب وجود مصالح له في جميع انحاء العالم.
- وهل هو من اوكلاند؟
- أجل ، جدّه وجد غاردنر أخوان.
أخفت نيفين دهشتها بابتسامة، مذهولة كالعادة لتشعبات النظام الاجتماعي الذي لم تفهمه يوما، رغم الثلاث سنوات التي أمضتها في المملكة المتحدة.
لاحظت كيرين دهشتها وضحكت:
- أوه.. أنتم أهل المستعمرات؟ تبدون دائماً مندهشين حائرين حين تضبطون عنصريتنا..أرفض تصديق انكم لا تملكون نوعاً من نظام الطباقات في جنتكم الاستوائية.
ردت نيفين بخفة:
- بطبع لدينا.. لكنه ليس نظام متشدداً هكذا.
ارتفعت كتف السيدة هاملتون النحيلة..
- أوه حسن جداً.. ظننت أن اليوت آبكوت معروف لك..إنه مشهور جداً، حتى هنا، وليس فقط بسبب جماله.
- هل هو ممثل؟
ردّت بدهشة:
- أبداً.. أعتقد أنه ما يعرف ((بالمقاول الوسيط))
مرت عينا نيفين بالرأس الأسمر المرتفع بعجرفة فوق كتفين عريضتين:
-حقاً؟
- حقا.. ألا يعجبك المقاولون؟
ردت نيفين:
- لم ألتق يوماً بمقاول وسيط.. اليسوا ممّن يشترون الأعمال ويسلبون أتعاب المستخدمين القدامى فيها؟ سالبي الممتلكات، أو أشياء أخرى كهذه؟
كانت نيفين تتعمد التضليل آملة أن تفهم ربة عملها أنها تكره الرجل بدل أن تكون منجذبة نحوه بشكل لا يطاق.. لكن كيرين قالت:
- أظن أن الأمر أكثر من هذا.. إنه يشبه جمع المال والأفكار والخبرة.. على أي حال نيفين أنه ذكي جداً. خدم نفسه كثيراً.
- أصدقك

- إنه رجل ساحر.. تريده ديليا غاردنر أن يبقى لأكثر من ليلة واحدة، لكنه صدّها. وعلّقت مازحةً على المرأة التي تركها في لندن، التي يبدو أنها إنسانة مذهلة ورائعة الجمال، لكنها لا تحب الريف..على أي حال، ديليا تلقت توبيخاً مهذباً.إنها امرأة سخيفة ولكنها فهمت رسالته.
لم يكن من عادة كيرين الثرثارة، ولم تكن تنتظر رداً.. بل استدارت على الفور لتسأل دايان عن الفارس الذي يجري الآن في الحلبة.. وقررت نيفين وهي تنقل الطفلة أونا من ورك ألى آخر،أن ما تفوهت به السيدة هاملتون كان غريباً. فهي بطريقة ما لاحظت ردة فعلها وأوصلت لها تحذيراً بأن اليوت آبكوت ليس حراً.
حسناً.. لن تراه مجدداً.
لم تندهش مع ذلك أبداً حين قالت لها كيرين بعد الظهر أن ديليا غاردنر اتصلت لتسأل ما إذا كانت نيفين ترغب في أن تأتي معهم إلى حفلتها تلك الليلة والتي تقول أنها حفلة عفوية.
كان الوقت وقت احتساء الشاي للطفلة.. وفتحت أونا فمها لتدس نيفين ملعقة الطعام فيه.. وأحست بالغضب لأن يدها ارتجفت، وقالت باختصار:
- آمل أن تكوني قد اعتذرت لها لأن الطفلة بحاجة إلى من يبقى معها.
-لا .. أظهرت رغبتك في الذهاب.. وستكون السيدة ونتر سعيدة جداً برعايتها ومن الأفضل لك أن تلتقي بشخص من بلادك حتى ولو كنت لا تعرفينه جيداً.
رفعت نيفين رأسها بحدة تقابل نظرة مخدومتها بقلق، وقالت ببطء:
- أنت لطيقة جداً..وعلى الأرجح محقة.
- غالباً ما أكون محقة.. ولن أقلق على تصرفات ديليا لو كنت مكانك.. إنها لا تقصد جرح مشاعر أحد..ارتدي ثوباًجميلا، ذلك الفستان النحاسي اللون سيناسبك كثيراً، وتمتعي بوقتك..تعرفين معظم من سيكون هناك.

أجل إنها تعرفهم، لكن ليس اجتماعياً.. على أي حال أحست نيفين بالفضول وبشيء من الحذر.. فستعطيها حفلة في ((تشايس)) شيئاً
لتكتب عنه في رسالتها القادمة إلى موطنها..وهزت رأسها موافقةً. ثم تحول تفكيرها إلى رسالة أمها التي وصلتها ذلك الصباح.. فلولا معرفتها الأكيدة لأفترضت بأن مسيرة الحياة هناك تدور بطريقة مرضية. لكنها تتذكر رسائل أخرى مماثلة ومرحة ظاهرياً، إنها رسائل كتبتها أمها لتخفي قلبها المحطم... رسائل من امرأة تركها زوجها سعياً وراء امرأة أصغر منها سناً.. فكريستوبل ستيوارت ابتدعت ذلك الأسلوب لتخفي الحقيقة عن ابنتها كي تتمكن من اكمال إمتحانات دخول الجامعة دون ادنى ضغوطات..
تكدّرت كالعادة وهي تفكر بأبيها.. إلى أن اشتكت الصغيرة أونا، التي أجبرتها على إظهار ابتسامة وضمتها إليها.. قائلةً بلطف وكأنها تطمئن نفسها:
- كان هذا منذ زمن بعيد..وانتهى..لكن..أوه..كم أتمنى لو أعرف ماذا يقلق أمي.
لكنها لا تستطيع فعل شيء لها.. الاثنا عشر ألف ميل التي تفصلهما يمكن أن تكون كالأبدية..غضبت فجأة من نفسها لوعدها بالبقاء مع عائلة هاملتون خمسة أشهر أخرى..كانت متأكدة من واقع أن أمها لديها جوفري وتيفاني ليدعماها.
كان جوفري من النوع الذي يعتمد عليه تماماً،كان نعم الأخ الكبير، متحفظاً قليلاً إنما يعتمد عليه تماماً، وكانت زوجته رغم تحفظها لطيفة كذلك. التقتها مرة نيفين حين جاءا إلى لندن لقضاء شهر العسل.. كان يمكن لجوفري أن يختار امرأة أكثر دفئاً وأكثر عفوية، لكنه كان مغرماً جداً بجمالها الفتان، وتعرف نيفين أن مسارات القلب ليست دائماً مفهومة..ثم ضحكت وضمّت أونا قائلةً بحبور:
- لقد ولى كل شيء عصفورتي الصغيرة..لم يبقى شيء.

ابتسمت لها الصغيرة وصفقت قبل أن تمد لها ذراعيها..وفكّت نيفين رباط الكرسي الخاص بالأطفال:
- تعالي حلوتي..آن وقت الاغتسال، ثم اللعب مع مامي، وبعدها الفراش.
فيما بعد.. ناسبها الفستان النحاسي كثيراً..ورشت قليلاً من
عطر(( فيرست)) على عنقها ومعصميها. كان اللون النحاسي يعطي الإشراق لبشرتها الشاحبة..ويلف القماش الحريري كامل قدها الرشيق بإحكام، لكن تصميمه كان بسيطاً بحيث لن تبرز كثيراً..قد تمضي سهرة لطيفة، وتستمتع إذا التقت ضيف الشرف بحث أشياء خاصة بنيوزيلاند، كالخراف، والركبي، وتسلق الجبال..
استقبلتها لسوء حظها، رغم قرارها بالابتعاد وعدم الاختلاط بالموجودين قدر المستطاع، اللايدي غاردنر وكأنها صديقة قديمة طال بعادها عنها، وقدمتها إلى اليوت آبكوت:
- اليوت متلهف جداً للقائك نيفين.. لقد وصفك بدقة حتى أنني عرفت للتو من أنت.
تركزت نظرتها على طول جسم نيفين الرشيق بما يكفي من معنى ليرفع لون الغضب إلى وجه ضحيتها.
رفعت نيفين نظرها إلى وجه اليوت الوسيم، لكنها لم ترى فيه شيئاً سوى التقدير المتحفظ..فمهما كانت وقاحة تقيمه لها، إلاأنه لم يفصح شيئاً الآن، وأتبع كلام مضيفته بإحناء رأسه كياسة مما جعل غضب نيفين يبرد.

خفف الزوجان هاملتون واليوت من حرارة الموقف بلياقة،كان يمكنها أن تجعل اللايدي غاردنر تخجل من تصرفها ..لكن لم يحدث. وبقيت راسخة في ذاكرتها حين تحرك الزوجان مصطحبين نيفين معهما، ابتسامة اللايدي غاردنر الخبيثة وعينيها الحالمتان الزرقاوان.
كان أول الامسية ممتعا..وتكفلت اللباقة نفسها التي لا تتعب بمنع أي دهشة لارتفاع الدرجة الاجتماعية بالنسبة لموظفة آل هاملتون. ووجدت نفسها بعد قليل تحاور زوجين شابين، لهما أقارب في نيو زيلندا ويفكران بالسفر إلى هناك في عطلة، وقد كانا متشوقين للمعلومات.
وقدمت نيفين لهما كل ما يرغبان به، تاركة العنان لشوقها إلى وطنها، واستطاعت المضي في مسعاها بنجاح على أن لاحظت أنها فقدت اهتمام المرأة كلياً..ونظر الزوجان خلفها بعينين متسعتين.
وقع الصوت العميق باللكنة النيوزيلندية بألم في أذني نيفين، حين حياهما اليوت آبكوت بالاسم. وقفت دون أن تنظر إليه، تراقبه وهو يسحر الزوجين.. إنه يحتاج دون شك في مهنته إلى ذاكراة ممتازة ويساعده السحر على ذلك.

لم تندهش حين وجدت نفسها بعد قليل وحيدة معه معزولة عن الآخرين.. واضطرت في الواقع للإعجاب بالطريقة البارعة التي ابتعد فيها وعزلها معه عن الزوجين. وقالت:
- إنجاز رائع.. أراهن أنك لا تواجه أية متاعب في اجتماعات مجالس الإدارة.
ضحك لها مقدراً سخريتها:
- القليل جداً لا أستطيع التعامل معه، والآن من أي جزء من نيوزيلندا أنت؟
السؤال المعتاد.
- من أوكلاند..على اي حال، لم أذهب إلى هناك منذ سنوات.
- تحصلين على خبرتك من الخارج؟
-أجل.
أمضت نصف هذه الأعوام كممرضة في مخيّم لاجيئين في الشرق الأقصى، لكنه لن يهتم بهذا فاللاجئون يحرجون أكثر الناس ويشعرون بالذنب لقلة ما يستطيعون أن يفعلوا لهم، ولا يريدون سماع قصص الأطفال المتضورين جوعاً أو الذين يموتون من الأمراض.
- متى تعودين إلى الوطن؟

قالت بهزة كتف صغيرة، ودون أن تنظر إليه:
- في الخريف المقبل.. فقد وعدت ربة عملي أن ألازمها إلى أن تصبح الطفلة في السنة الأولى من عمرها.
- حين حملتها اليوم ظننتها لك.
شدّ شيء في عمق صوته نظرها إليه، وأحست بأسى فوري للعمق المتوقد الغريب الكامن في عينيه.
- لقد أدهشتني دقة وصفك لي أمام اللايدي غاردنر.. أم أنك لا تهتم ما إذا كانت المرأة متزوجة أم لا؟
- أوه..بل أهتم. لكن وجود طفل لا يعني أبداً الزواج..فهناك دائماً احتمال أنك انفصت عن والده.
سألت بهتمام جاد:
- وهل تفعل هذا دائماً؟ ما فهمته أنك ستبقى هنا ليلة واحدة فقط ، وقيل لي أن لك حبيبة تنتظرك في لندن.. ألا يمكنك قضاء ليلة واحدة بمفردك؟
أصبح غضبه واضحاً في عينيه.. امتلأ الوجه الوسيم فجأة بمظهر التسلط الذي يبعث بالرعب إلى قلب الكثيرين من مدراء الشركات، حسناً، لكن ليس أنا ..وتصلبت نيفين مدافعة.

- كل هذا لأنني وصفتك بدقة.. اناآسف.. فقد قلت لها أيضاً بأنك تملكين شعراً بلون أوراق أشجار المطاط الجديدة، وثغراً رقيقاً مستديراً، ويتناسب طولك تماماً مع رجل طويل مثلي.. وأن نتوء ذقنك يعطيك جواً من العناد الساحر.
رفع بدفء أصبعاً لوحته الشمس، ومرّره بدقة على شق ذقنها يلمسه بحب.
أحست نيفين بضيق في حنجرتها.. وحذرتها أخر ذرة من عقلها أن تتعقل حتى لا تبدو حمقاء تماماً..وتصلبت تحدق مشدوهة في وجهه، بينما كان يبتسم لها بثقة رجل يعرف قدرته على تحطيم القلوب، فتمتمت:
- أراهن أنك لم تقل لها كل هذا.
- قد أكون نسيت سهواً بعض الأوصاف.. فأنا لم أقل لها مثلاً بأن عينيك تلمعان بلون البريق على جناح طائر العسل الأسود، أو أن هناك ثماني نمشات على أنفك المتعجرف الصغير. ولم أقل لها مثلاً أن خصرك نحيل مستدير.. لم أقل لها كذلك أنني اكتشفت للتوّ بنفسي قدرة مذهلة على الخيال، وأنني في اللحظات القصيرة ما بين رؤيتك لأول مرة والآن أجهدت هذه المخيلة. وأستطيع القول أن ديليا كانت ستفهم كل هذا، لكن لها تلك العادة السيئة في البوح بالحقيقة عند أكثر اللحظات إرباكاً. عدا عن أنني فضّلت قول كل هذا لك بنفسي شخصياً.

وتابع يمرر أصبعه على وجنتها ثم على قوس حاجبها المجنح.. فكرت بجنون.. ياألهي.. هذا لم يحدث لي من قبل، كل هذا الاستسلام الغامر للأحاسيس.. لطالما كانت قوية قادرة.
وتساءلت: هل هذه المشاعر المتدفقة هي التي انتزعت والدها من أمها؟ وحل التفهم المرير مكان الاحتقار الذي أحست به بسبب علاقته بامرأة تصغره بعشرين سنة، كان في تلك اللحظة اليوت آبكوت مسيطراً عليها تماماً.. منطقه البارد يسيطر على تفكيرها ويشلّه.
ثم لاحظت بريق االانتصار في عينيه.. فتراجعت بسرعة إلى الوراء لتقول بخشونة:
- جميل جداً سيد آبكوت. لكن لسوء الحظ لست في مزاج لأن تسلبني لبي ببضع كلمات شاعرية لهذه الليلة.
توقعت منه الغضب والتوتر لنبذها له. لكنه ابتسم متفهماً ذعرها، ثم أمسك يدها قائلاً:
- إذن، فلنر إذا كان بإمكاني هذا برقصي.
حاولت التخلص منه لكنه كان مستعداً لها، فاشتدت أصابعه على ذراعها حتى صاحت ألماً فقال:
- آسف.. هل آلمتك؟

لم يكن آسفاً، ويعرف أنه لم يؤلمها كثيراً.. وكانت متوترة أكثر من أن تلحظ النظرات الموجهة أليهما في الغرفة، ثم أدارها بين ذراعيه،واعترفت لنفسها أنها خافت حقاً.. ياإلهي، ماالذي حصل لدماغي.
- متى ستعود إلى الوطن؟
أجل.. هذا هو صوتها..أحنى راسه ليرد عليها همساً:
- بعد أسبوعين.
خيّم صمت متوتر.. ثم أكمل:
- تعالي معي إلى لندن.
إذن، إنه يحاول إغراءها.
- ماذا عن حبيبتك؟
- أوه..ياإلهي..إنها ليست مهمة..لم يعد أي شيء مهم ما عدا هذا.
قادها بطريقة ما إلى زاوية معزولة.. وأدركت فيما بعد، بعد أن استعادت وعيها وعقلها، أن مثل تلك الخبرة في اكتشاف مثل تلك الزوايا تتحدث بنفسها عن خبرة كبيرة.
قال من بين أنفاسه:
- أبقي معي.. لنعد إلى نوزيلندا معاً.
هزت رأسها نفياً فهمس:
- أرجوك.. أرجوك نيفين، أحتاج إليك.
- تعرف أنني لا أستطيع.
لمعت عيناه الذهبيتان الخضراوان أمام عينيها..

- كل ما أعرفه أن هذا لم يحدث لي من قبل.. فمنذ أن نظرت إليك أحسست بأنني خرجت من هذا الزمن، هذا البعد، إلى حيث القيم الرومنسية الثمينة الحقيقية.. الحب من النظرة الأولى..كنت سأحبك حتى لو كنت متزوجة..مع العلم بأنني من الرجال الذين يشعرون بالازدراء الكبير تجاه من يقيم علاقة مع نساء متزوجات.
يجب أن تكوني لي .. لكنك تخيفينني..
تلاشى صوته وهو يصرح عما في نفسه، وكأنه لا يجرؤ على مواجهة ما يقوله.. وقاومت نيفين بشراسة لتسيطر على المشاعر في داخلها.
وتمكنت من أن تهمس:
- إذن.. دعني وشأني..لا أريد كل هذا.. ثم إن لديك مسؤولية نحو المرأة التي تنتظرك في لندن.
تمتم بشيء قصير وحاد من بين أنفاسه، ثم دفعها عنه:
- لن أدعك تهربين مني بسهولة.. لم أعد أستطيع الرقص معك.. لكن هناك أشياء أخرى نستطيع القيام بها لملء الوقت.. أريد أن أتعرف إليك.
سارت معه إلى غرفة لا يرغب فيها الناس بالرقص، إنما يشغلون أنفسهم بالحديث..قال لها:
- استرخي.. تبدين وكأن شخصاً لكمك على معدتك.
تمكنت أن تبتسم رداً وأن ترتاح لأنها قادرة على تركه بين هذا الجمع.. هكذا حيّت مضيفهما وتقبّلت إطراءه ثم انتظرت فرصة للخلاص.
سنحت لها فرص كثيرة لكنها لم تصل إلى نتيجة.. فقد كان اليوت يراقبها بعينين حذرتين ليبقيها إلى جانبه. وحيت الزوجين هاملتون حين وصلا بابتسامة وكأنها تتوسل العون.

قالت كيرين، وعينا الماكرتان متسليتان إنما متعاطفتان بشكل غريب:
- نحن ذاهبان الآن.
مزجت نيفين التعب مع الندم لتقول:
- أنا مستعدة للذهاب.
وتحركت لتبعد نفسها عن اليوت.
لكن ما من أحد يغافل اليوت آبكوت..وجاء إلى السيارة معهم، وامسك، قبل أن يجلس نيفين في المقعد الخلفي، بكلتي يديها.
قال والسخرية تخبئ تياراً من المشاعر:
- إلى اللقاء مرة أخرى..
صاحت نيفين باضطراب شديد:
-وداعاً.
وانطلقت السيارة وجائتها من المقعد الأمامي ضحكة كيرين لتوتر أعصابها وهي تقول:
- ياله من أسلوب..ياإلهي .. يمتلك الرجل كل شيء.
ماعدا الاستقامة.. لذعت المرارة حلق نيفين ودمعت عيناها متحررة أخيراً من سحر تلك الرجولة الغامرة، وتمكنت من الفهم بوضوح اي نوع من القذرين هو..لقد قال ((يجب أن تكوني لي)) وهو مصمم على تحقيق رغباته الأنانية، حتى أه لم يأخذ مشاعرها بعين الاعتبار.

الحمد لله لأنه عائد إلى لندن في اليوم التالي.
أراحها الروتين اليومي.. وأدخل في نفسها ما يكفي من الهدوء لتمحو من ذاكرتها أحداث الليلة الماضية التي لم تتمكن من السيطرة عليها في ساعات الأرق في فراشها. وبدد لسوء الحظ هدوؤها وصول الخادمة اليومية التي بدت مهتمة، وقالت لها مبتسمة:
- هناك رجل على الهاتف يطلبك..تبدو لهجته مشابهة للهجتك.
وضعت نيفين فنجان قهوتها من يدها..وأيقنت بأنه سيتصل بها قبل مغادرته ((تشايس)) التقطت بتعابير عنيدة السماعة:
- نيفين؟ كيف كان نومك؟
- كالأموات.
كانت ضحكته منخفضة ومليئة بالمعرفة..
- كاذبة. لأنني لم أستطع النوم كذلك.. فلم أتوقف عن التفكير فيك، متى أستطيع أن أراك؟
ردت بجرأة:
- لن تستطيع ، وانا أعني ما أقول اليوت..لا أريد أي شيء له علاقة بك.
اختفى المرح من صوته العميق، وبدا قلقاً:
- أمر مؤسف..لماذا؟
- لأنك تخيفني.

- وأنا أخيف نفسي.. وأنت تكادين تخيفينني حتى الموت، لكن أفضل الطرق للشفاء من الخوف هو مواجهته.. متى سأراك ثانية إذن؟ أعرف أن لديك في نهاية هذا الأسبوع...
- لا.. ولا إلى الأبد..أبداً..لا أريد أية صلة معك.. أو مع أمثالك من الرجال.
سألها بوضوح ناعم:
- ومن أي الرجال أنا؟
ارتجفت نيفين لكنها أكملت:
- رجل يخلط ما بين امرأة وأخرى.. ويحاول إقناعي أنها ليست مهمة وهذا لن يساعد في قضيتك معي.
- نيفين..
نطق باسمها مجدداً وبدون عاطفة، ولم تستطيع أن تقفل السماعة..أكمل:
- نيفين.. لن أدع الأمر ينتهي هكذا، ما بيننا كائناً ما يكون شيء لم أعرفه من قبل، وأريد أن أعرفه مهما كان اعتراضك، فلا تجبريني على استعمال القوة.
عضّت على شفتها حتى آلمتها:
- لا تظن أبداً أنك قادر على تهديدي إلى أن أستسلم لك.
- تهديد، قوة، رشوة، ابتزاز، لا يهمني أبداً كيف أفعل هذا، فأنا أريدك...
- لا.
تمكنت هذه المرة من إقفال السماعة في وجهه بقوة. وقالت في المطبخ للسيدة وينتر:
- أرجو أن تنكري وجودي حين يتصل بي أحد إلى المنزل، وسآخذ الطفلة الآن لألقحها عند الطبيب.
- وإذا جاء يزورك؟
- قولي له أنك لا تعرفين مكان وجودي.. أرجوك.
- تعرفين مصلحتك أفضل مني. حسن جداً، سأقول له.
كانت السيدة هاملتون قد سافرت إلى لندن لقضاء يومها تاركة لي نيفين سيارة صغيرة.. كانت تتوقع اليوت في أية لحظة، لذا حملت أونا وحقيبة الضروريات ووضعتهما في السيارة وانطلقت على عجل.. وكأنه غول.. وحاولت بهذه الفكرة العودة إلى روحها المرحة.
بقيت أفكارها تدور حوله طوال وقت انتظارها لتلقيح أونا .. حتى وهي تحاول مواساتها بعد تلقي الحقنة. وهمست لها بنعومة:
- هيا حبيبتي.. اهدائي.. لعبتي.. لقد آن وقت الذهاب إلى المنزل.. توقفي عن البكاء.
كانت الخادمة قد غادرت حين وصلت نيفين إلى المنزل وتركت لها مغلفاً قرب إبريق الماء.. ولم تكن بحاجة لأن تقرأ ما كتب عليه لتعرف من كتبه.. لقد جاء. أنت مجنونة. هذا ما كتبته السيدة وينتر.

صنعت نيفين لنفسها كوباً من الشاي بعد أن ساعدت أونا في تناول طعامها، ووضعتها في الفراش ناعسة.
فتحت الرسالة لتقرأ محتواها..
((نيفين.. لقد عنيت ما قلته لك.. أفضل كثيراً عدم استخدام القوة لكن لو اضطررت فسأجدك ولو كان هذا يعني أن أجوب الدنيا كلها طولاً وعرضاً. توسلت إليك ليلة أمس إنما في المرة القادمة سأستعمل القوة)) وأنهى رسالته مدوّناً عنوانه في فندق ((كوناوث)) مع رقم الهاتف.
سحقت الورقة بين يديها ورمتها في سلة المهملات. إنه لا شيء ، مجرد رجل مغرور عابث عنيد، يطلق تهديدات لا يستطيع بلا شك تنفيذها.. ورفضها له جرح كرامته ولا يعرف كيف سيتعامل مع هذا.. ولم تستطع إلى أن تتذكر اليأس الذي كان يتوسل فيه إليها كي تذهب معه.. بدا مسيطراً على نفسه حتى في تلك اللحظات بكرامة وعجرفة أخافتها. بدا لها من غير المعقول أن يستسلم رجل مثله إلى جاذبية مجنونة..مهما كانت.


قراءة طيبة للجميع

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــ


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس