عرض مشاركة واحدة
قديم 18-10-17, 09:49 PM   #19

Mona1977

? العضوٌ??? » 408051
?  التسِجيلٌ » Sep 2017
? مشَارَ?اتْي » 37
?  نُقآطِيْ » Mona1977 is on a distinguished road
افتراضي غريبة بجوارك (تم إضافة الفصل السابع)

بسم الله الرحمن الرحيم

غريبة بجوارك
" كنت إلى جوارك قريبة .. غير أني كنت غريبة "
( الفصل السابع)

أمسية ساخنة كان ختامها تلك الليلة التي حضرها القاصي والداني من أصقاع الأرض وأطرافها بدعوة من الملك لحضور .. حفله المقام على شرفه والذي ضم عدة مناسبات .. فهم يوم توليه للحكم .. عيد زواجه ومرور ثمانين عاما على تتويجه .. اكتظت القاعة بالحضور .. بهدايا أقرب إلى عالم الخيال بل إن الأقرب إلى ذلك المسمى من .. رصعت من رأسها حتى أخمص قدميها بالياقوت الأخضر والماس بالجواهر التي اكتنفت .. قوامها بمزيج العسجد والفضة الذي زين جيدها .. بها وقد أتت تمشي على هون حتى انحنت أمام مليكها .. فاجأها لما .. لثم بلطف شفاهها على غير عادته يجهر علانية أمام الملأ أنها .. لا سواها حبيبته ومليكته الأبدية .. ألبسها شوذقا يلفت الأنظار – تلك الأنظار التي تأكل يدها كمدا تود لو أن مكانها مكانها - ثم أجلسها قربه .. أعلن بعدها بدء الفعاليات .. كان الوضع على أحسن ما يرام يبشر بتباشير تفضي على وئام حينما .. نادى المنادي يعلن بصوته قدوم ولي العهد أبان يصحبه أسامة ابن رئيس الوزراء الراحل الذي .. قدم فروض الطاعة والولاء حالا ما أن مثل بين يديه بينما .. ظل الآخر متسمرا في مكانه ينظر إليه كمن .. ينظر إلى جيفة .. مد الأبيض يده .. نورهان التي تتصبب عرقا يلهج لسانها بالدعاء والرجاء .. أن يقبل ذلك الأحمق يده ألا يفسد عليها لحظتها .. صفع أبان جبينه .. أصدر صفير ندم .. مبتسما بسخرية تقدم .. أدنى ذقنه حتى لم يبق بينه وبين أرنبة سبابته سوى خيط رفيع .. رفع بصره إليه .. تلك النظرة التي تنذر بالخطر أيقنتها بصيرة نورهان وجحدها بصر الأبيض بن سلام .. لم يسعفها الوقت فقد فات الأوان .. انقض على يده فاقتضمها .. صك عليها بأسنانه بقوة فكيه .. بلهيب غضبه بالشرر المتطاير من بسمات عينيه .. بالذكريات المؤلمة التي لم ولن تزول .. بالألم الذي لن يزول بزوالها .. انتزعوه انتزاعا .. فمه الملطخ بالدماء ويد الأبيض التي تفسخ جلدها وبانت عظامها جعلت الهمز واللمز يعلو بين الجمع: امممم .. أبي .. ما ألذ طعم دماءك ترى مالسبب؟ أتراك تتناول عسلا كل يوم .. نورهان التي كانت تشرف على علاج زوجها .. قامت إليه فصفعته علمت .. أن صفعتها لن تكون صفعة الواقع تلك التي ترجو أن تعيد إليه رشده بل ربما .. حقنة الجنون التي ستحفز داء هبله من جديد وهذا ما جرى .. أمرتهم أن يخرجوه فأوقفها الأبيض: أيها الملأ أنصتوا .. هذا ولي عهدكم .. هذا نسلي الذي لا أتشرف به وقد أقسمت اليوم .. أن أتبرأ منه .. فأنى له أن يكون أهلا لهذا العرش وقد رأيتم جنونه وشهدتم عليه .. أمرهم أن يخرجوه ثم ضرب الأرض بصولجانه معلنا: أعلن أنا .. الأبيض بن الأشهب بن سلام .. أني سأكون آخر ملوك بن سلام ومن بعدي .. ستكون مليكتي ومن بعدها .. لكم الاختيار .. لا تجادلوني فهو قرار لم أبذل جهدا في اتخاذه فهي .. ذات حنكة ورجاحة عقل وشعبية بين الناس أنحني أمامها .. قد بايعتها فاشهدوا .. إني قد تخليت اللحظة عن هذا المنصب لها .. فقد طعنت في السن وبحاجة إلى الراحة .. خلع خاتم ملكه وألبسه إياها .. نورهان التي كانت ترتجف فكل ما يحدث كان خارج نطاق تفكيرها وكيدها .. سجدت .. قبلت قدميه .. فرفعها إليه وأجلسها مكانه .. صاح فيهم: انحنوا أمام مليكتكم .. تردد قصير انقطع لما .. ضرب بصولجانه ثانية سلمها إياه قبل جبينها ثم .. غادر إلى جناحه لإتمام علاجه.

ألقى الجنود أبان في أحد غرف القصر الجانبية ليدخل أسامة بعد قليل خلفه ويغلق الباب .. لم يطل البقاء خرج تاركا إياه في أحد الزوايا حاملا خنجرا .. مذهولا .. متشتت الذهن .. مبعثر الهندام لا ينفك يردد: لا أستطيع .. لا أستطيع .. خرج أسامة موصدا الباب بقفل سميك .. أعطى مفتاحه لأحد الجند .. غمز له هامسا: الليلة .. نهض أبان مترنحا فواجهته المرآة .. جعل ينظر إلى نفسه آسفا حين تراءت له كندة .. شعر برغبة عارمة لرؤيتها فحاول الخروج إلا أن الباب كما أسلفنا سابقا .. كان موصدا فاضطر للتسلل عبر ممر سري أوصله إلى جناحه سالما .. كانت كندة حينها متقرفصة فوق سريرها قرب الشباك المفتوح والقمر المكتمل .. تحدق في الرداء الذي لا يستر عيبا إهداء من الملك ورجاء خاص منه .. أن ترتديه الليلة لتتزين به بل لأجله .. هذا ما أيقنته دون الحاجة لإثباته .. مدت يدها بتذبذب أسفل وسادتها ثم أغرقت وجهها الباكي طرفها .. لم تبك بل كانت تزفر أنفاسا ساخنة متلاحقة عكست .. يأسها ونفاذ حيلتها .. لحظات نهضت بعدها .. كانت تهم برمي الرداء خارجا حينما .. فاجأها نافذا إلى الداخل مغلقا المدخل بإحكام .. اندفع في وجهها قائلا: هل أنت بخير؟
ــ أبان ..
ــ هل أنت بخير؟ فهزت رأسها مجيبة: ذلك جيد .. بدا قلقا .. ابتعد عنها .. أشار بيده إليها ألا تقترب منه ثم جعل يذرع الغرفة جيئة وذهابا: لا أستطيع .. لا أستطيع ..
ــ أبان .. أبان .. بحدة: أبان ..
ــ توقف .. استدار نحو الحائط وبعد هنيهة .. علا صوت نشيجه ..
ــ أبان لم تبك .. ما بالك؟ ــ إني خائف ..
ــ مم ؟ ولما لم يجب عادت فسألته: مم؟ ــ منه ..
ــ من تقصد .. الأبيض؟
ــ اقتربت منه أكثر .. هزته تناديه .. شخصت عيناه .. لقد كان جسده مشحونا .. كان حائرا .. في قمة توتره مذعورا فقذفها بعيدا .. ارتطمت بالحائط المقابل ثم سقطت أرضا: كندة .. كندة استيقظي فاستيقظت: هل أنت بخير؟
ــ نعم قالتها وهي تحاول الجلوس باعتدال ..
ــ ألم أخبرك ألا تقتربي لم فعلت؟ حاول الابتعاد مجددا فأمسكت معصمه وشدت عليه .. بحسم نطق به صوتها المنهك .. بلطفها الذي شعر به يتجدد: أخبرني .. ممن أنت خائف؟ أخبرني وثق بي .. سأساعدك حتما ..
ــ خشعت ملامحه أخيرا واستكانت حاله فأجابها .. كان بحاجة إلى أذن تسمعه ولهذا السبب أتى فهي الشخص الوحيد الذي يهتم لأمره مؤخرا: أسامة .. ــ لم أفهم ..
ــ سبق وسألتك " هل خفت يوما أمرا أحببته في نفس الوقت؟" من أخافه من أحبه هو أسامة .. نحو معا منذ مدة نعيش رتوش خطة محكمة لاغتيال الأبيض ..
ــ شهقت:أبان .. ماذا تقول؟
ــ لا تحكمي علي سريعا واستمعي لي حتى النهاية .. منذ صغري وأنا لاشيء بالرغم من كل شيء .. أحمل شخصية فارغة تهتز لأدنى التوافه لا تستطيع الوقوف في وجه أي شيء .. مدلل من قبل أمه .. مهمل من أب ليس بأبيه .. كنت وحيدا محبوسا في هذا القصر بلا صاحب ما عدا الجدران التي .. لم تنطق يوما أو صديق ما عدا المرآة التي كانت .. هوسي الوحيد حتى أتى أسامة الذي .. عوضني عن كل ما فقدته .. لقد كان محبا صادقا وحنونا .. لقد تعلقت به نعم .. تعلقت به كثيرا كيف وقد .. أراني مالم يستطع أحد أن يريني إياه .. عالم من المشاعر الدافئة التي كنت بحاجة ماسة إليها .. لقد تشبثت به تشبث المتشبث بالحياة .. كنت لا أشبع حتى يشبع ولا أهنأ بالنوم حتى .. يأتيني ويتحدث إلي .. أمرض إذا مرض وأشعر بأحاسيسه بمجرد الاقتراب منه كنا هكذا حتى .. إذا ما بلغنا مبلغ الشباب .. أخبرني أنه متبنى وأن الأبيض هو من قتل والداه ظلما وجورا .. أنكرت ما قاله حالا ولم أزل أفعل حتى اصطحبني إلى القرية حيث عاش وبشهادة الشهود آمنت وصدقت .. صرح لي علانية بأنه يرغب في قتله حينما تحين الفرصة وحذرني .. إن أنا صددته فسيهجرني بل .. وسيمحو أي أثر لوجودي في حياته إن أنا فعلت .. صمت آملا أن يعود إلى رشده في وقت قريب إلا أن الوضع ازداد سوؤا .. أتاني قبل سنة يخبرني أنه سيرحل إلى بلد بعيدة ويرغب بشدة أخذي معه فلا طاقة له للتخلي عني وقد بت .. جزءا لا يتجزأ منه إلا أن ذلك لن يكون قبل تنفيذ طلبه بل .. لنقل أمره الذي أمرني به .. قتله .. فالوصول إليه صعب للغاية وعن طريقي .. سيكون أسهل بكثير .. أكد وللمرة الأخيرة وبردة فعل غاضبة منه لم أشهدها قط .. تخليه عني إن لم أفعل ما يريد حتى ولو كان ضد رغبتي وحدود قدرتي .. صمت مجددا فمن المحال أن أفقده وقد وجدته .. فرض علي فرضا أن أخضع لخطته .. "إنه قاتل ويستحق القتل" .. هذا ما جعل يكرره على مسمعي في اليوم ألف مرة وأكثر ما شجعني بعدها .. للمضي قدما ومنذ ذلك الحين وأنا أتصرف هكذا .. مجنون بلا سبب وعاقل .. يحبس في داخله كومة هائلة من الجنون .. تبرأ الأبيض الليلة مني واعترف بجنوني ذاك وبت خارج نطاق سيطرته .. الليلة ثم نكس رأسه خجلا: من المفترض أن أقتله فلن يلام ولي العهد الذي فقد عقله على قتل والده .. سينفى ومن ثم سأهرب معه ومع هذا .. فأنا أشعر بأني لست كفؤا لهذه المهمة فأنا .. لا أجرؤ على قتل ذبابة فكيف لي بقتله أخبرته بذلك إلا أنه وكالعادة .. سد أذنيه منكرا رغبتي صراخي في وجهه وصدي له .. واثقا من ردة فعلي وبأني .. سأرضخ في النهاية له .. لقد تغير كثيرا .. لقد بات قاسيا .. إنه يحدثني بلهجة عنيفة ويعاملني بأسلوب رديء .. يوبخني معظم الوقت ويثير غضبي باستمرار حينما يدعي بأني .. لست رجلا كفاية ليقف بجانبه .. لا بأس بذلك ولكن الأسوأ من ذلك كله هو .. تهديدي أنه سيقتله بأي حال من الأحوال إن لم أفعل وليحدث بعدها ما يحدث .. أعلم بأنه يريد أن أكون هو كما .. هو لي أن تتأجج الرغبة في داخلي كما هي داخله ولكن .. كندة .. لا رغبة لي حقا بفعل ذلك .. أريد الهرب معه ليس إلا والابتعاد قدر الإمكان .. عن كل تلك الفوضى التي أعيشها .. أخبريني أرجوك .. ماذا علي أن أفعل .. إن قلبي متعلق به ليس هو .. من لا يستطيع العيش من دوني بل أنا .. أنا من لا يستطيع العيش من دونه .. لم يرفع رأسه خشية أن يرى في عينيها ما يخشاه من خزي واستحقار .. تفاجأ بها عندما اكتنفت وجنتيه براحة كفيها الرطبتين: قلبك متعلق به لا حبا له بل خوفا منه .. أن تفقده وقد كان الوحيد الذي أخرجك من عزلتك وأحس بوجودك .. أفهم ما تشعر به ولكن .. ليس هذا فعل من يحب ..
ــ ماذا؟
ــ إنه يجرك نحو الهاوية .. أهذا فعل من يحب .. افتح عينيك جيدا وانظر حولك .. لقد صنع حبي منك سيدا بينما صنع حبه لك .. خادما لرغباته .. تقاطر دمعها ..
ــ كندة ..
ــ لم .. وأنا التي تحاول باجتهاد .. الوصول إليك فتصبح الطريق وعرة محفوفة بالمخاطر لم .. وأنا التي كابدت .. لم أسألك مالا .. ملكا أو أن تقتل لأجلي .. لم أطلب منك شيئا ومع هذا .. فأنت لا تزال تشعرني بالغربة كلما كنت بجوارك .. لا أدعي الغرور ولكن .. يؤلمني بصدق ما تقول .. أمن الصعب حقا .. الوقوع في حبي ..
ــ كندة ..
ــ قبلني ..
ــ هه ..
ــ قبلني .. وبشدة وضعت حدا أردفت: ولا تخلع ناظريك عني .. حطم كل صورة له وأبدلني مكانها .. امح كل لحظة قضيتها معه ولتكن لحظاتي بحلوها ومرها .. سأقولها وللمرة الأخيرة .. لست أنت من لا يستطيع العيش من دونه بل أنا .. من لا أستطيع العيش من دونك .. أنت .. حلمي .. أبان .. أنت ملكي منذ الأزل .. قبلني واستمع لنبضات قلبك التي حثتك على المجيء فأنت .. لم تأت لتطمئن على حالي تكذب .. بل جئت رغبة في رؤيتي .. أنت حائر بيني وبينه .. أتركه وسأكون لك الصاحب والصديق .. سأعوضك عن وجوده .. لن أتركك وأرحل .. ثق بأني لن أفعل .. أعلم أنك تبادلني ذات الشعور فلا تصده أكثر .. صمتت لهنيهة .. هدأت قليلا واستطردت: وأقبل ..فإما أن تشعر بي .. أو أن أرحل ..
كانت لكلماتها ذلك الوقع الذي جعل دوامة حيرته ترتخي لبعض الوقت .. دنا منها أراد أن يختبر صدق ما قالت .. لامست شفاهه شفاهها .. جعل ينظر إليها مليا دون أن يرمش .. طبع قبلة خفيفة ثم ابتعد قليلا ليقبل بعدها .. مقبلا إياها بشغف ..
لقد صدقت ..
ذلك العاصي الرابض بين جنباته ..
دج صارخا باسمها ..
مج قانعا اسمه الذي ولى هاربا ..
ذلك الصب الجاهل لم يعلم بل علم جاهلا فتجاهل أنه هو الآخر ..
يعشقها بجنون ..
ــ كانت أجواءا حميمية تلك التي بترت جذور الشك لدى كندة وأيقظت يقين أبان ..
تلك التي جمعتهما دون سابق إنذار ..
أشعلت الأماني الراقدة والأمل المنقطع قد رست به عند بر الأمان ..
كانا في غمرة .. منشغلين .. لم يشعرا بالأضواء قد تخافتت من حولهما شيئا فشيئا حتى أظلم المكان .. لا بأسامة الذي ولج دون علمهما .. يستضيء بشمعة ويحمل خنجرا .. صرخ فيه مناديا إياه: ماذا تفعل؟
ــ أسامة .. بارتباك شديد أسامة الذي .. دفعه بقوة جانبا وثبتها جيدا بالجدار .. كان على وشك غرزه أوقفه قائلا باستسلام تام: لا تفعل أرجوك .. فإني أحبها ..
كلمات .. لم تجد صداها عنده بل ربما .. أججت نيران غضبه فها هو الخنجر يمضي في طريقه نحو نحرها دون هوادة .. حاول ثنيه .. تهدئته ولما لم يجد حيلة انقض عليه بجسده .. تعاركا .. هو عراك لن ينتهي بخير جعل كندة تصرخ بالجند تناديهم .. جعل أبان يهرول خلف أسامة الذي ولى هاربا إثر فعلها.

كانت نورهان في ذلك الوقت .. تجلس مستمتعة متربعة فوق عرشها حينما .. طاشت الدماء فجأة أمامها وتفجرت كالعيون الصغيرة .. قطع الكريستال الحادة التي رصع السقف بها واكتظ .. لم يلحظها أحد وقد بدأت ترتجف حتى هوت فوق رؤوسهم كالمطر الغزير .. أظلم المكان ولم يرى بعدها إلا .. وميض السيوف وهي تدق الأعناق وتصلم أصداء الصيحات التي .. ضجت فلا لا منجى لها ولا مسمع وكل المنافذ في وجهها .. قد صدت من قبل سيد أؤلئك الأوباش .. الأبيض من قتل الجميع حتى أصدقاءه في سبيل التخلص من أعدائه .. لقد أثبت بتصرفه هذا .. كم هو سادي .. عديم الإحساس حالك السواد حاله حال أمثاله من يرى .. أن النوم .. فوق فراش من جماجم أزخى وأرخى عنده من .. فراش من القطن الناعم الوفير إن كان ذلك .. سيحقق له في النهاية مآربه وأهدافه .. ألقت نورهان كل أحمالها من لامع وثمين .. خاتم الحكم وصولجانه اللعين وحاولت الهرب عبر ممر سري مع بعض وصيفاتها إلا أنهم تبعوها وسرعان ما داهموها ولأن الدهليز كان مظلما .. لم يتركوا أحدا على قيد الحياة.

لحقت كندة بأبان الذي كان يجرى خلف أسامة يناديه ويصرخ باسمه .. غادر الأخير أسوار القصر .. تبعه أبان ومن خلفهم كانت كندة التي تخلفت عنهم قليلا بسبب الظلمة الحالكة .. خشيت أن تتيه وخصوصا أنها لم تعد تراهم فحبذت الانتظار في غرفتها آملة منه برجاء أن يعود .. في الصباح التالي كانت الأوضاع في القصر لم تزل كما كانت .. مختضة مرتجة .. جرس الإنذار لم يهدأ بعد ونواميس الخطر تدق بلا هوادة وخصوصا .. بعد توافد الوفود تسأل عن الخطب بإلحاح وغضب .. تسللت كهرمان عبر الباب المفتوح إلى حيث كندة .. هالها حال الغرفة المقلوب رأسا على عقب .. الحطام المتناثر في كل مكان والهواء المنبعث من داخل يسم الأبدان .. أبان المرمي خارجا قرب المدخل .. محشورا في زاوية محاطا بقاني فارغة .. تفوح من حاله رائحة الموت بل بدا وكأنه .. قد فارق الحياة وكندة .. مبعثرة فوق سريرها .. منكبة على وجهها بذراع قد تدلت وملابس قد تمزقت وقطع من الدم تلون فراشها .. هزتها فلم تفق إلا أنها .. وبعد أن خرجت مهرولة استيقظت .. اتكأت فوق راحتيها تحاول النهوض إلا أنها لم تستطع لتسقط منهارة .. جعلت تحدق بأجفان ذابلة في الشمس التي تقاوم جاهدة عبر الغيوم كي لا تختفي ابتسامتها .. في البلابل التي تغرد عند شباكها وكأن شيئا لم يكن .. في النسيم الممزوج برائحة المطر يداعب دمعها وآثار دمعها .. طمأنة منه أن الحياة فيها من الجمال ما يدعو للعيش فيها ..
عذرا لك أيتها الأشياء الجميلة ..
فهمي كبير وحزني ..حزن تنوء به الجبال ..
لن تواسيني تلك الدمعة التي هبطت ولن تبعد همي .. ابتسامة كاذبة ..
مضى من الوقت اليسير حينما .. تفاجأت بكوكبة من النساء غشينها على رأسهم نورهان .. نورهان التي استطاعت التسلل عبر ممر سري آخر بعد أن أصيبت إصابة جانبية طفيفة .. ولأن المكان كان مظلما فلم يستدلوا عليها من بينهن ولأنهم احتاروا في عددهن .. أجهزوا عليهن مرة أخرى وانصرفوا فرحين .. مستبشرين بجائزة الملك التي صرحوا بها علانية قرب مسمعها ..
عندما أتتها كهرمان مهرولة وأخبرتها بما رأت .. انتعشت - وفزت من قبرها المدقع برماد الحقد وغبار الكراهية ورذاذ الإنتقام - لذلك الخاطر الذي مر في ذهنها أشرق له ما بين شدقيها ولمع له .. بصيص ناظريها وانتشى لأجله الشر اللعوب داخلها ليستشري جليا على محاياها الذي تلطخ بسواده .. أمرت الجند أن يصحبوها على الفور إلى ساحة المدينة لتحاكم .. أمام الخلق على جريمة اختلقتها .. شاءت أم أبت .. ستصنع بها ما تحسن صنعه رغما عنها .. ستتهما بهتانا وستخلق زورا وستبت في حكمها على عجل فأمور الشعب وشؤون القصر الداخلية .. منوط بها وحدها لا شأن للملك بها .. والفرصة هنا سانحة وقد أتت فوق طبق من ذهب فهو .. في جناحه ولن يخرج منه إلا بعد عدة أيام بعد أن تستتب الأمور داخل القصر وخارجه .. سحبنها بشدة من ذراعيها فصرخت ألما لتصرخ فيهم بعدها .. تدافع عن نفسها: ماذا تفعلن بل ماذا فعلت أنا؟ والآذان يبدو أنها .. قد سدت بران ثقيل غشي قلوبهن قبل أسماعهن .. لم يلتفتن لها ولم .. يلتفت هو الآخر لها بل .. ظل يتجرع السم الذي بين يديه بشراهة متمتما .. بحديث لا يفهمه سواه وربما لا: أباااااان .. أبان .. شفاه تتحرك ببطء .. ونظرات تحدق في العالم الآخر:
أبان استيقظ أرجوك .. أنقذني .. من بحاجة إلى منقذ يا ترى ..
تلك التي تجر وأقدامها تسبح في الهواء ..
أم ذاك الذي .. تلبدت عنده أوصاف الأمل فأصبحت هي واليأس سواء ..
سد فمها .. وانحصر صراخها وعما قليل ..
لن يكون لوجودها معنى ..
ولحلمها بقاء ..

بعد ساعة تقريبا فز أبان يقظا على صوت الصبية والوصيفات اللاتي سكبن دلوا من الماء البارد فوقه .. أخبرنه بما جرى .. لم يستوعب بداية إلا أنه انتفض بعدها ليقوم جاريا .. متخبطا بالجدران .. يقع وينهض .. لقد تذكر .. لقد كان هو .. لقد أتاها البارحة مخمورا غاضبا فأسامة الذي تخلى عنه والإشاعة أن نورهان قد قتلت .. جعلته يفقد صوابه جعلته .. يحملها وزر ما جرى فلولا .. رغبة الأبيض الشديدة بها ما كان قد جرى ما جرى .. في تلك الليلة .. كان أبان قد جن حقيقة .. لقد مزق كل شيء حوله إربا إربا فكانت هي .. من ضمن ما مزق.

كان في طريقه إليها عندما اعترضه أسامة .. توقف بابتسامة: لقد عدت .. أسامة الذي لم يلق بالا لتلك الابتسامة أعرض عنه مستاءا ثم طلب منه أن يترجل حالا فهناك ما يود التحدث معه بشأنه .. اعتذر منه فأمر جلل يستدعيه واعدا إياه أن يعود إليه ما أن ينتهي برجاء أن ينتظره حتى ذلك الحين .. قال ذلك ثم انطلق ليلحق به .. همز جواده في بطنه فصهل ناهضا ملقيا إياه على الأرض .. جثى بجثته فوقه مثبتا جذعه .. ذراعيه بقوة ساقيه .. أدنى خنجره قريبا من أرنبة أنفه ثم جعل يثرثر على غير عادته فقد عرف عنه قلة الكلام:
أرسلتني نورهان لمساعدتك على الهرب .. لقد هربت وتأمل أن تلحق بها .. ستفعل ولكن أسرع مما تظن .. لقد كان اتفاقي مع الأبيض أن أخلصه منك هه .. كيف هذا نعم كيف وهو قاتل أبي .. تلك حقيقة لن أدعيها إلا أن ذلك كان قد تغير كله منذ فترة وجيزة .. لقد كشف الأبيض أمري وبدلا من معاقبتي .. أغراني بالثريا حتى ضمني إلى جانبه فوعوده لي أن يتبناني .. أن أتسيد الحكم من بعده والكنوز التي أهداني إياها جعلني أعفو وأغفر وأنصاع لرغبته .. اعذرني .. ولكنها أحلام إن لم أقتنصها اليوم وقد حانت فلن تكون غدا .. كانت الخطة تسير على خير ما يرام إلا أنك أفلت وكذلك كندة التي .. لن تفلت اليوم .. أتيت البارحة لقتلها فوجودها خطر علي وخصوصا أن ذلك العاشق المتهالك متيم بها .. وخز رقبته بطرف خنجره ثم دنا منه هامسا: ليس بيني وبين حلمي الآن إلا أنت .. لقد حانت نهايتك .. إلى اللقاء صديقي ..لقد كان أبان مستسلما للغاية ما جعل أسامة يتردد قليلا: أمن كلمات أخيرة لديك؟
ــ أجابه: لم أكن أبغي الحياة حتى أتيت فإن .. لم يتبق شيء من أسامة الذي أعرفه فلن .. يتبق لي شيء أنا أيضا ..
ــ صمت لهنيهة متأثرا ثم أردف: وماذا عنها .. ألست تحبها حسب قولك؟
ــ مستهزءا: عن أي حب تتحدث .. ملعونة هي أمي التي أنجبتني .. وملعون أنت الذي رافقتني وملعونة .. تلك الحمقاء التي .. اتخذت مني لسوء حظها فارسا لأحلامها .. تلك التي أعتقد ..أنها لم يتبق منها شيء هي الأخرى .. أسامة .. اصنع ما شئت ولا تعتذر .. فقد عانيت بقدر ما عانيت وربما أكثر ..
الكلمة التي تقال بصدق ..
عجيبة من عجائب الدنيا السبع ..
تطرق بابك فإما أن ..
تفتح لها الباب وترحب بها وإما أن ..
تغلق الباب في وجهها منكرا بجهد جهيد وجودها وإما أن ..
تجعلها تنتظر خارجا ولا يهم كم .. فهي لن تبرح مكانها ..
اختلج الدمع في عينيه فاستدار قائلا: اذهب .. دنا منه فصرخ فيه: اذهب قبل أن يتجمد ذلك القلب ثانية ويقتلك .. هم إلى جواده فاعتلاه وإلى الآخر فأمسكه من رسنه لما ناداه: خذه معك خشية أن ألحق بك وربما تحتاجه .. هز رأسه شاكرا ثم جرى به بعيدا:
ملعون .. بل كلنا ملاعين ما عداك .. قالها ساخرا ثم استلقى على العشب وأغمض عينيه ..


كان هذا هو الفصل السابع ..
لا تحرموني من ردودكم وتشجيعكم ..
دمتم بصحة وسعادة حتى موعدنا القادم ..


Mona1977 غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس