عرض مشاركة واحدة
قديم 28-10-17, 10:22 PM   #107

حور حسين

كاتبةفي منتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 402873
?  التسِجيلٌ » Jun 2017
? مشَارَ?اتْي » 576
?  نُقآطِيْ » حور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond reputeحور حسين has a reputation beyond repute
افتراضي جدران صمت الهوى (الفصل السادس / القسم الاول )


بجد شكرا لكل شخص كتب كلمة حلوة بحقي واسفة اني مرات بتأخر بالرد وبالفعل دعمكم الي هو اكتر حاجة بتشجعني اني استمر


جدران صمت الهوى
الفصل السادس
القسم الاول
الدنيا ... ملعب كبير .. ومباراة مستمرة لم تعلن فيها بعد صافرة النهاية .. ايامها هي دقائق المبارة .. جمهورها هم الاناس الذين يمرون عبر ازمنتها .. وهم أنفسهم لاعبينها الذين يخوضون غمار منافستها .. الهدف .. هو غاية كل انسان يلهث ليحققها .. الحكم .. هو العمل الذي يسجل في صفائح البشر .. فاما صالح يوصلك الى الجنة ليعلن فوزك .. واما سيء يوصلك الى النار ليعلن خسارتك .. حدود ملعبها البيضاء .. هي الحدود التي ترسمها وتضعها لنفسك كي تهذبها وتقومها فلا تقارب الحيوانات او المجانين .. كروت انذارها .. هي المصائب والابتلاءات التي تتعرض لها لتنذرك وتنبهك ان كنت حدت عن هدفك .. صافرة نهايتها .. لحظة الموت التي تختلف من شخص لاخر لتعلن فيها انه انتهى وقتك وحان وقت حسابك .. اهم اركانها ..( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ) .. مهمتك .. اعمار الارض .. بالعبادة والعمل.
____________

ظلام احاط به ليحجب عنه كل الرؤية .. ظلام كرهه بشكل كبير لانه يفقده اهم حاسة يعتمد عليها دائما في تقدير المواقف والحكم على الامور .. ظلام ادرك معه ان هناك ما يخفونه عنهم لذا هم يغطون اعينهم حتى وحكم اعدامهم على ما يبدو قد صدر .. حكم رآه متجسدا بأعينهم المتوحشة التي نظرت اليهما منذ ان دخلو عليهما الزنزانة واحاطوهما بكل قسوة .. حكم لم يخف من ان ينفذ عليه ولكنه اشفق وتوجع لتنفيذه على زميلته وشريكته في الورطة التي وقعو بها .. لقد وعدها ان ينقذها .. ان يكون كل شيء بخير .. ان ينتهي كل هذا بلمح البصر .. وعود قطعها في لحظات رعبها دون ثقة بتنفيذها .. ولكنها .. وعود .. ووعد الحر دين عليه .. مسؤولية القاها على كاهله منذ قبل بيدها المتشبثة به .. والان .. لا يجب عليه ان يستسلم .. مهما كانت النتيجة فعلى الاقل سينال شرف المحاولة علها تعذر تقصيره .. حاول بكل مهاراته التي يمتلكها ان يصغي جيدا لما حوله عله يستنبط اي شيء يمكنه من تنفيذ محاولة لانقاذهم .. كانو قد اقتادوهما مشيا على اقدامهما بعد ان قيدوهما وحجبو اعينهما .. حاول التركيز على اتجاه الرياح .. رائحة ما حوله .. اصوات ما يحيط به .. حسه الادراكي للاتجاهات .. كان يحاول رسم خريطة بذهنه قدر استطاعته .. اخذ يمشي معهم بكل تأني حتى مع دفعاتهم القاسية له .. كان يسمع نشيجها الخافت المتمثل بشهقاتها الصغيرة الخافتة والمتلاحقة .. نشيج جعله مصمم على ان يفعل كل شيء من اجل انقاذها .. اخذ يقلب بذهنه كل خياراته .. كل الخطط التي من الممكن ان ينفذها ليهربا سويا .. مر بعض الوقت و اخيرا توقف الجميع وصوت ضحكات الرجال الهازئة تعلو .. لوهلة فقد حسه الادراكي مع شعوره بضربة اصابت عضده رافقتها ضربة اخرى نزلت على ظهره لينهار جالسا على ركبتيه .. ضربه نور الشمس فور ان رفعو عصابة عن عينيه ..رفرف بأجفانه بسرعة ليعتاد على النور ويتمكن من تحديد كل شاردة وواردة حوله كي يستغل كل لحظة .. يبدو انهم اقتادوهم لمنطقة مفتوحة من الاحرش تنتهي بجرف طيني عشبي طويل جدا توزعت به بعض الشجيرات النامية بفعل الامطار الموسمية .. وجد امامه اطراف بنايات بعيدة بعض الشيء علم انها مكان معسكرهم .. لمح في احدى الجوانب تجمعات شجرية متشابكة يبدو ان الخاطفين اتخذوها كستار يخفو به المكان ويحصنونه من التسلل مع وجود الجرف كعامل امان احتياطي .. اما الجانب الاخر فانتهى بخيال ازرق بعيد بعض الشيء ادرك منه نادر انه نهر يستخدمونه في حاجاتهم بالاضافة لكونه جبهة امنة اخرى .. في تلك اللحظات تمكن من رسم تصور كامل لمنطقة معسكرهم التي امنوها من ثلاثة جوانب بعوامل الطبيعة المتمثلة بالتجمعات الشجرية والجرف والنهر اما الجانب الرابع وهو واجهة المعسكر فبالتاكيد سيكون الاشد حراسة وخطورة .. كان دوما متميز في المواد الجغرافية وتحديد المواقع بسبب عمله الطويل في البحر وهذا ما ساعده على تكوين خطته المبدئية للهرب بسرعة قياسية قبل ان ينتهو من جر نسمة واسقاطها امامه ونزع عصبتها عن عينيها .. مراها خلع قلبه خاصة مع تلك النظرات الجشعة التي ارتسمت في عيون الرجال حولها وهم يتبادلون الضحكات الخبيثة واللمزات الموحية التي رغم انه لم يفهمها لانها بلغتهم ولكنه ادرك فحواها من طريقة لفظهم اياها واشاراتهم الحقيرة لنسمة المرعوبة .. ساد الصمت لوهلة مع صوت احدهم الذي بدا كرئيسهم يعلو مخاطبا نادر بالانجليزية الركيكة ( اذن .. ايها السيد .. انها نهاية رحلتكم .. يبدو ان القادة لم يريدو طلب فدية من اجلكم كي لا نقع في مشاكل سياسية مع بلدكم .. وبالطبع .. نحن سعداء لتنفيذ الحكم عليك فوريا . اما هي ..حسنا لا بأس ان نلهو بها قليلا اليس كذلك )
وغمز رفاقه بلؤم شرس فقام احدهم بجذب نسمة من شعرها لتقف وهي تصرخ بشراسة مقاومة جعلته يصفعها ويده تجذب مقدمة قميصها الذي صدر منه صوت تمزق جعل نادر يهب واقفا بزمجرة حانقة ( كم انتم جبناء .. اين الاستمتاع في القتل المباشر )
اشتدت القبضات حول نادر لتقيد ثورته ورئيسهم يتقدم منه ببطء هازئ حتى وصله فأمسك ذقنه المقاومة قائلا بتشفي ( معك حق .. لما لا نجعلك ترى لعبتنا بعينيك .. سيكون صراخك موسيقى جميلة مع انينها ونحن نستمتع بها .. فيبدو انك عاشق )
بصق نادر على الرجل قائلا بإستهزاء ( انت لن تطول حتى شعرة منها فهي اقوى منكم جميعا )
كلماته المتحدية بتعمد اثارت قائدهم فأجاب بشراسة مخيفة ( سنرى ..) ثم صرخ فيمن حوله ( قيدوه جيدا وثبتو رأسه ليراني وانا انتهك إمرأته واجعلها تصرخ بإسمي بدلا عن اسمه )
ثم التفت الى نسمة المرتعشة بعنف مقتربا بعجرفة مقيته وبإشارة من يده ابتعد من كانو يمسكونها مشكلين حولهم شبه دائرة وقد انطلقت ضحكاتهم الشامتة وإتقدت نظراتهم الكريهة وتعالت هتافاتهم بإسم قائدهم مشجعين له وهو يقترب منها وقد وقفت لوحدها في منتصف الدائرة ليقول بحقارة ( هيا يا حلوتي .. قاوميني لأجدد اللذة معك )
مد يده ليمسكها الا انها عاجلته بضربة مزدوجة كلكمة على وجهه وركلة على ساقه صارخة ( في احلامك )
مسح خط الدم السائل بركن شفته ضاحكا بنذالة ( اووه لدينا هنا لبؤة )
وفجأة هجم عليها بكل قسوة ليقيدها بذراعيه وجسده الضخم ووجهه ينهال على وجهها بالقبل المهينة متفاديا ثورتها وصراخها الذي كان صدى لصراخ نادر المتوعد بالقتل له .. كانت تقاومه بكل عنف وهو يستلذ بتعذيبها مثيرا ضحكات من حوله مع صوت تلك الصفعات التي نالتها منه كي يسلبها قوتها .. نجح للحظة بتمزيق قميصها فاشتعلت عيناه بسرعة وهو يرى مفاتنها فاقدا تركيزه لثانية سمحت لنسمة ان تصل لخنجره المخبئ بحزامه .. استلته بسرعة وغرزته في عنقه بكل قوتها صارخة ( على جثتي ايها الكلب )
في لحظة انقلب الامر وقد ارتسم الذهول على الجميع وصوت حجرشة قائدهم الذي يصارع الموت ليلفظ انفاسه تعلو كخوار بغل سقط .. ساد الهرج والجميع يتقدم من نسمة وقد استلو اسلحتهم صارخين بضرورة امساكها حية في ذات اللحظة التي استغل فيها نادر الفوضى ليتحرر من مقيديه ويبدأ بضرب من حوله بعنف صارخ ( اقتربي مني يا نسمة)
كان يتراجع باتجاه الجرف مسددا اللكمات والضربات حتى نجح في سرقة احد مسدساتهم حيث اطلق النار على الرجل الاقرب لنسمة محاولا فتح الطريق لها لتتبعه ولكن .. صوت رصاصة شق سكون الهواء بجانب اذنه ليدرك ذاك القناص الواقف بعيدا عنه وقد صوب بندقيته نحوه للمرة الثانية و .. اطلق النار .. وكمشهد بطيء العرض مرت الاحداث امام عيني نسمة وهي ترى تراجع نادر بشكل جانبي ملتفتا باتجاه الجرف حيث تسببت قوة اصطدام الرصاصة بصدره بعنف ارتداده ليسقط امام اعينها ويختفي في اسفل هذا الجرف المخيف وصوت صرختها يشق عنان السماء وقد ادركت خسارتها والجميع يحيطون بها مثل السواد الذي احاطها بعد ان تكالب عليها كل ما حدث معها من مقاومة وموت واستسلام لقدرها المشؤوم .
لم تعلم كم بقيت فاقدة للوعي الا انها عندما استيقظت كان الظلام يحيط المكان الذي كانت فيه .. رائحة ادركتها فورا لإعتيادها عليها .. كانت رائحة الزنزانة التي قضت فيها اخر ليلة مع نادر .. غصة خنقتها مع تلك الذكريات ومنظر مخيف سيطر على خيالها .. لقد مات ... انتفضت بعنف جالسة بشهقة طويلة ودموع لم تعلم من أين مصدرها تتفجر من عينيها .. نادر .. قد مات .. تركها ومات .. لم يفي بوعده لها ولم يأخذها معه حتى لو بالموت .. انكمشت بشكل فوري ضامة ركبتيها إلى صدرها ونحيبها يتعالى تدريجيا بقوة ... هل فقدته حقا .. هل فقدت الرجل الذي استطاع دوما ان يصل لأعماقها .. الرجل الذي اعاد لها شعورها بأنوثتها بعد ان فقدتها عندما تحملت مسؤولية والد مريض وأخ تركها وحيدة تصارع الحياة وسافر ليلتفت الى مستقبله .. في اللحظة التي ارخت حصونها وسمحت له ان يتسلل عميقا اليها لتراه كمنقذ لها او كحامي مسؤول عنها .. متى كان هذا .. منذ زمن طويل على ما يبدو .. منذ رأت باتريك فإستندت على نادر لينتشلها من جحيم ذكرياتها .. والان .. ايضا نادر قد خذلها في النهاية وان لم يكن بقصده .. لم تعلم لما تصرف هكذا .. لما حاول ان يستفز الخاطفين وقد كان يوصيها في السابق بالهدوء .. لما دفع ذلك القائد دفعا ليحاول اغتصابها امام عينيه .. هل كان يسعى لإثارة الفوضى كي يتمكن من الهرب .. هل كان واثق من قوتها ومقدرتها على الدفاع من اجل شرفها .. هل كانت قسوة منه ان يجعلها طعم يجذب انظار الوحوش اليها كي يتسلل هو .. مالذي حدث .. تلاحقت انفاسها ومستقبل ما ينتظرها يرعبها اكثر .. رفعت عيناها لترى تلك النافذة التي وقف امامها في اخر يوم .. خياله وهو يبتسم ويتكلم معها عن الحب ترائى امامها .. متى كان هذا .. هل حقا كان في اليوم السابق فقط .. لمحت شيئا ملقيا على الارض فوقفت باقدام متعثرة مقتربة منه لتكتشف بانها سترته الخاصة ببذلة طيرانه .. رفعتها ببطء ونحيبها يعلو وهي تقول بتعثر حانق ( تبا لك .. حتى بعد وفاتك تثير حيرتي وارتباكي .. لماذا انا حزينة عليك بعد هذا .. لما اشعر بان روحي تزهق من مجرد تخيلك وجثتك ملقية في اسفل الجرف .. هل استمتعت بمقاومتي .. بل هل وثقت بي لهذه الدرجة .. اذن .. لما .. لم لم تقتلني معك وتركتني في ايدي اؤلئك الذئاب ..اكرهك .. اتفهم .. اكررررهك ... يا حقير .. يا اناني .. يا .. يا .. ) وانهارت محتضنة السترة بضعف ومتشبثة بها كأنها حياتها وهي تتمتم بضعف ( .. اين انت .. ارجوك تعال وخذني ) كانت تهذي بجنون غريب .. رائحته ملأتها بهدوء ورهبة مع شعورها بلسعة البرد على جسدها الذي انتبهت على عريه في تلك اللحظة بسبب قميصها الممزق .. ارتدت سترته ببطء وضمتها على جسدها بقوة متنشقة انفاسها ودفء غريب يغمرها وكأنها مازالت بأحضانه وهو يخفي وجهها عن تلك الجثث ... بهدوء استبد بها بعد عاصفتها تراجعت لتجلس مقابلا للنافذة مثلما جلست في اخر ليلة مع نادر وقد شردت في السماء امامها غارقة بإنفصال اختياري عن الواقع بذكرياتها معه .. لقد تفاجأت عندما اخبرها بانه احب الطيران من حبه للبحر خاصة عندما طلب ان تكون فترة تجنيده الاجبارية بسلاح الطيران المصري ليتعلم اكثر عن الطائرات .. ارتسمت ابتسامة على شفتيها بعد ان تذكرت ضحكته الخجولة وهو يخبرها عن مغامراته وهو صغير عندما كان يتسلل الى المركب في الفجر سابقا اباه وعمه اليه كي يختبأ قبل ان يبحرو فيه ليتمكن من الابحار معهم .. في النهاية تشرب عشق البحر وتفاصيله وتعلم كيف يقرؤ الطقس وتغيراته وكيف يزن حركة الامواج والرياح وخارطة النجوم في السماء واحداثيات البوصلة .. كان يتنقل بين جميع اصدقاء والده ليتعلم منهم كلهم .. حفظ اسماء الاسماك ومناطق تواجدهم كما حفظ التيارات المائية ودرجة الاعماق فأبحر في نهر النيل وفي البحر المتوسط وتعلم سبل الانقاذ .. كل هذا اثر عليه وعلمه كيف لا يستعجل في الحكم على الامور ويتروى في دراسة كل شيء فلا يستعجل او يتهور بإتخاذ اي قرار والاهم ان لا يغضب او يخاف لان هذا يعيق تفكير الانسان السليم عندما يوجه المواقف الصعبة .. كانت المرة الاولى التي يتكلم فيها نادر بهذا الشغف والحماس وقد اخذ يقص عليها اسباب تحول اهتمامه للسماء بعد ان حفظ البحر .. كان يردد امامها في كل لحظة (المهم ان تثقي بنفسك ) .. تنهدت عند هذه النقطة متمتمة بضعف ( انا اثق بك .. ارجوك لا تخذلني ) لم تعلم سبب شعورها المتنامي بان نادر لن يتركها .. حتى بعد ان رأت موته فجذوة مخيفة من الامان الواثق كانت تشتعل بقلبها .. جذوة جعلتها تغمض عينيها بإرهاق متمتمة مرة اخرى ( انا انتظرك .. لا تتاخر ) جنون اطبق عليها بالكامل مع هدوء سيطر عليها وهي تغرق في نوم تقطع بأحلامها به وهو يناشدها ان تصبر حتى يصل اليها.
جلبة مكتومة ايقظتها من نومها المضطرب مع صوت غريب سمعته ولم تدرك ماهيته .. وقفت ببطء وعيناها تتابعان النافذة محاولة تخمين الوقت .. كان القمر يوشك على الاختفاء وقد زادت الظلمة لتعلم بانها لجة الليل التي تسبق نور الفجر .. اقتربت من الباب بوجل وحاولت الانصات لذلك الصوت الذي ايقظها دون ان تعلم ما هو .. مرت خمس دقائق من الصمت قبل ان تسمع صوت تكة المفتاح في باب الزنزانة فتراجعت بسرعة ضامة نفسها بذراعيها ومتشبثة بالسترة بكل قوتها .. مرت دقيقة اخرى شعرت بأنها دهرا قبل ان يفتح باب الزنزانة لتراه .. يقف بشموخ والاضاءة خلفه تعطيه مظهرا مهيبا ومخيفا وصوته القلق يهمس ( نسمة .. هل انت بخير يا صغيرتي ) .
لم تعلم بما تجيب وهستريا رعبها تتصاعد بداخلها ( انا احلم .. انت لست حقيقة )
رأته يقترب منها فتقهقرت اكثر وصوتها المرتجف يعلو بشكل تدريجي ( من انت .. ابتعد عني .. هل مت ولحقت بك انا هل .. قلت ابتعد .. اب.. )
انقطعت صرختها الهستيرية على صدره مع جذبه لها وضمه اياها بكل قوة وحنان وهو يهدهدها راجيا( اهدأي .. لا يجب ان يسمعونا .. يجب ان نسرع بالهرب قبل ان يكتشفو جثث زملائهم الحرس فيعلمو اننا هربنا ويلاحقونا .. اهدأي يا صغيرتي .. )
صوته جعلها تنتفض بعنف اكبر ويدها تتشبث به بشكل تلقائي هامسة ( كيف .. لقد رايتك تموت )
ابتعد قليلا عنها ويداه تحيطان بوجهها وقد ركز عيناه في عينيها وانفاسه تهدر على وجهها لتؤكد بأنه حقيقي وبأنها لا تتخيل ( لم امت يا مجنونة .. كيف اتركك وقد وعدتك بأن انقذك .. سأخبرك كل شيء بالتفصيل ولكن .. الان يجب ان نتحرك ونخرج سريعا من هنا لنختبأ في الاحراش كي نتمكن من الهرب منهم )
ابتدأت بإستيعاب ما يقوله مع ذلك الدفىء الممزوج بالامان الذي تسلل الى كيانها وعيناها تلتهمان ملامحه بجشع من يبحث عن الخلاص .. شهقت ويدها ترتفع لتحط على جانب وجهه بلا وعي عندما لاحظت الجرح الطويل على وجنته لتنتبه ايضا لجرح اخر على رقبته وبثالث شق كتفه مع تمزق قميصه من عدة اماكن .. تمتمت بهلع (انت تنزف .. انت مصاب ) ومنظر الدماء الذي اغرق قميصه في عدة مناطق يخيفها اكثر
امسك بيدها يبعدها عن وجهه وهو يبتعد عنها ببطء مجيبا بصوت تشرب بخجله ( انها اصابات طفيفة تعاملت معها .. فلا تقلقي .. هيا بنا .. لا وقت لدينا )

انتبهت لنفسها ولكيفية تشبثها الجبان به في غمرة انهيارها فابتعدت اكثر عنه متسائلة بخجل ( الى اين سنذهب تحديدا هل ينتظرنا احد في الاحراش سينقذنا .. هل الشركة بعثت بفرقة انقاذ لنا )
كانت تتحدث بخفوت وهي تتبعه الى خارج الزنزانة لترى لاول مرة ما حولها وتنتبه لحارسين قد سقطا امامها مضرجين بدمائهم علمت بان نادر هو من قضى عليهم وبان هذا هو الصوت الذي ايقظها .. سمعته يجيبها بتوتر اكبر ( كلا .. يبدو ان الشركة اما تخلت عنا او تجاهلت الامر منتظرة اي بادرة تخرج من المختطفين .. نحن وحدنا في هذا الامر .. وحياتنا بين ايدينا .. فاما سنتمكن من النجاة والوصول لاقرب نقطة لقوات حفظ السلام في المنطقة حيث يمككنا تسليم انفسنا او ..)
وترك جملته معلقة وهو يستدير ناظرا اليها متسائلا ( هل تثقين بي لتسلميني نفسك فتتبعيني بلا اعتراض او سؤال في هذه الرحلة المحفوفة بكل انواع المخاطر )
ادراكها المرعوب لكل ما ينتظرهما من اهوال بالخارج راته بعينيه .. هل امامها اي خيار اخر سوى ثقتها به .. فإما موتها معه مع احتمال ضئيل بالنجاة او .. موتها الان على ايدي من خطفها مع احتمال معدوم للحياة .. معادلة لم تنتظر كثيرا لتعلن نتيجتها .. زادت من تشبث كفها بكفه وعيناها تعدانه بما يريده وعقلها يعلن تمرده على كل شيء وسؤال قاهر يسيطر عليها .. لما تخلت شركتهما عنهما ؟
زمجر اياد بغضب اكبر وهو يرد على محدثه بالطرف الاخر من الهاتف ( لقد قلت لك باني لا اوافق حتى على عقد مجلس الادارة لاجل هذه القضية.. الى الان لم يصلنا اي طلب بشأن الطيارين المخطوفين .. نحن حتى لا نعلم ان كانو لازالو على قيد الحياة .. هل تريد فقط ان تشعل الموقف مع تلك الدولة وانت الادرى بما لنا فيها من مصالح .. فقط اصمت الى ان نرى الى اين سيذهب الموقف )
عاد الى صمته والغضب يزداد في ملامحه قبل اجابته بنبرة امتلأت تهديدا ( اتكلم بصفتي المالك الاكبر للاسهم بالشركة .. اذا ظهرت اي مطالبات سنتحرك اما غير هذا فلن نقوم باي شيء .. دع الدولة تتحمل الامر .. الم تبلغ وزارة الخارجية .. هي الاخرى صمتت كما صمتت الدولة التي خطف مسؤولها.. الاوضاع المتدهورة تحتم التعتيم الاعلامي لذا لسنا بحاجة للاعلان عن خطف شخص كان احد طيارينا يقود الطائرة به .. هذا سيسيء الى سمعتنا ويؤثر على اسهمنا .. فقط تجاهل الامر .. لا اريد ان اسمع اي كلمة في هذا الموضوع )
ارجع ظهره الى الوراء مستندا في نفس اللحظة التي سمع فيها طرقة خفيفة على باب مكتبه قبل دخول علا امامه وهي بكامل اناقتها بثوب اسود .. زفر انفاسه الغاضبة اكثر فهذه ايضا مشكلة اخرى عويصة تصدمه ويجب عليه فيها التحرك السريع .. اجاب المتحدث على الطرف الاخر من بين اسنانه ( حسنا يكفي نقاشا .. فقط نفذ ) واقفل الهاتف وهو يقف بعنجهية ساخرة متقدما من خلف مكتبه باتجاه علا ومتحدثا بلهجة هازئة ( اووه واخيرا تذكرتني زوجتي المصون اثناء لعبها السخيف مع غيري )
ازدردت علا لعابها بضيق مجيبة ( يبدو انك اخطأت العنوان يا زوجي .. فانت تحديدا من تلهو بذيلك )
صفق اياد باستهزاء ( اجل بالطبع .. فانا من استخدمت ثقلي العائلي لاحصل على معادلة شهادة شخص حقير من الجامعة )
انقبضت اصابع علا على حزام حقيبتها الجلدية المعلقة على كتفها ورسمت ابتسامة حاولت فيها تغطية ارتباكها مجيبة بتحدي بارد ( ولما لا استفيد من عائلتي لمرة واحدة واكون جيشي الخاص ضدك .. ام انك اعتقدت اني ساظل صامتة على تعدياتك الواضحة وخياناتك المتكررة .. ساكون حمقاء ان فعلت )
توترت صفحة وجه اياد وقد بدا الغضب يعلوها .. رفع اصبعه ملوحا به امام وجهها ( اياك يا علا .. اياك وتحدي فانا قادر على حرقك .. اقبلي بما اوفره لك والا ستندمين بعد فوات الاوان .. من تظنين انهم قادرون على حمايتك مني فانا بفرقعة من اصبعي قادر على نفيهم من كل البلد خاصة عندما يكونون ضيوف غير مرحب بهم .. اتمنى الا يتسبب تقربك باذيتهم )
كان تهديد واضح ومخيف بين طيات كلماته المبطنة بطريقة جعلت علا تنتفض بعنف واسوء السيناريوهات يرتسم في ذهنها .. ارادت التراجع بخوف الا ان صورة علي أمامها امدتها بشجاعة هائلة جعلتها تقترب من زوجها بثقة مجيبة اياه بقوة اذهلته ( بل انت من يجب عليه ان يحذر من الاقتراب ممن اهتم لامرهم ان لم ترد لسجلك الاسود ان يفضح .. فمن بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة )
عقد اياد حاجبيه قائلا بنبرة تشبعت بتهديد خطير ( هل اسمع بين طيات كلماتك تهديدا لي يا علا .. هل خرج للقطة مخالب يا ترى .. يبدو ان اوان قص الاظافر قد حان )
عادت علا لارتجافها بشكل اكبر ومع ذلك حاولت اخفاء مشاعرها وهي تنفض عن كتف زوجها غبار وهمي ( بل انت من يجب ان يحذر من قطة نامت بما يكفي .. لذلك .. احذر يا اياد من ان تمارس الاعيبك معي مرة اخرى .. فانا لم اعد كما انا )
والتفتت سريعا لتغادر قبل ان تخونها قدماها بوقوفها امام زوجها الذي صدمته جرئتها وتاكد بان تغيرها ليس بمصلحته فرفع هاتفه طالبا رقما محددا ما ان رد الشخص الاخر حتى قال بحزم مخيف ( نفذ الامر ) واغلق الهاتف وعيناه تتوعدان علا بقسوة وتهديد من يثق بانه سيجعلها تندم ويعيدها ضعيفة كالسابق بعد ان يحجب عنها الشخص الذي كان سبب بقوتها وثقتها .. ذلك الشخص الذي كانت ترتجف علا لاجله بقوة بعد ان اختلت بنفسها في سيارتها وقد اقلقها تهديد زوجها المباشر .. للحظات اغلقت عينيها لتستعيد قوتها قبل اتخاذها لقرارها الذي وضعته حيز التنفيذ بشكل فوري .. حركت سيارتها وفي ذهنها هدف واحد .. ستحاول حماية علي ولكنها لن تجرؤ على تحذيره كي لا يكرهها اكثر عندما يعلم ان زوجها وراء اي مصيبة ستصيبه بعد ذلك .
وصلت علا لبيت العزاء المقام اسفل شقة ام اسيل حيث بعث لها علي العنوان بعدما اخبرها عن رغبته باخذ اجازة معللا السبب بوفاة امراة كانت بمثابة امه .. حزنه العميق تسلل الى قلبها ففاضت مشاعر غريبة في روحها جعلتها تتعطش لمواساته كما يواسيها دوما بوجوده .. لذا استاذنت منه للحضور بحجة تعزية اسيل التي تعرفت عليها في قسم الشرطة .. رغم تحفظه الظاهر في صوته الا انه رحب بها .. وصلت الى المنطقة التي اخبرها عنها ورأت بيت العزاء المنصوب في اسفل المبنى السكني حيث لمحت علي يقف عند مقدمته ليتلقى التعازي وبجانبه وقف رجلين لم تتعرف عليهم في الوهلة الاولى بعد ان جذب نظرها مظهر علي الوسيم بشراسة .. كانت المرة الاولى التي تراه فيها ببذلة سوداء فدائما ما يرتدي ملابس عملية .. بذلة فصلت جسده الطويل والممتلئ بعض الشيء بطريقة جذابة رسمت جذعه بعضلات مختفية اسفل قميصه وساقين مكتنزتين ولكن عضليتين ايضا مما اعطاه مظهرا رياضيا اكتمل مع شعره الاسود المتعرج بتموجات ناعمة وصلت الى حدود عنقه وتناسبت مع لحيته الخفيفة وشاربه المنمق وملامحه الصقرية التي زادتها نظرة عيناه السوداء حدة ورجولة .. لم يكن جميلا ولكن .. كانت جاذبيته مخيفة وتحيط به هالة من السلطة الفطرية والهيبة الجبارة مما اضفى عليه مشهد قارب الكمال بنظرها .. لم تعلم لما هو تحديدا يثير فيها كل هذا التناقض .. مشاعرها نحوه مازالت مشوشة ولكن .. رات فيه صورة لدور الرجل في حياتها .. تمنته اخ لها يدعمها وينصحها .. تمنته اب يساندها ويقويها .. وتمنته زوج يحبها ويحميها .. كم تمنت من هو مثله في حياتها لدرجة تخيلها اياه بمكان شقيقها المتوفي .. لم تعلم هل حقا يثير انوثتها كرجل فتشتاق للمساته ام يثير عواطفها كامراة تبحث عن من يمنحها الامان والثقة .. كل ما تعلمه ان وجوده في حياتها اصبح ضرورة كتنفسها للهواء ورؤيتها له اصبح مخدرا يمكنها من تحمل اعباء حياتها المقيتة وظلم عائلتها وزوجها .. انتبهت لحركة الشخص الذي وقف الى جانبه وهو ينحني باتجاهه متحدثا .. لوهلة لم تتعرف اليه ولكنها بعد ان دققت بملامحه علمت من يكون فاستغربت .. انه سراج صقر مدير قسم المعاملات في البنك الاوربي حيث تعرفت عليه هناك .. وبجانبه يقف ادهم رضوان الذي سبق وتعرفت عليه بمركز الشرطة وعلمت انه زميل اسيل ... ترى هل تقرب المراة المتوفاة له .. سؤال برز مع رؤيتها لسراج وهو ينسحب من العزاء ويلحق بالمصعد حيث تقف منتظرة .. عندما راها وتعرف اليها لاحظت تشرب وجهه بحمرة خفيفة وقوله باندفاعية ( اهلا سيدة علا .. كم الدنيا صغيرة اليس كذلك .. كيف نتقابل هنا في النهاية )
حركت راسها بموافقة وهي تدلف الى المصعد سابقة اياه ( اجل .. فجلال الموت يجمع البشر .. ترى هل انت على معرفة بالسيدة التي توفيت )
كان سؤالها فضوليا بريء الا انها تفاجأت بردة فعل سراج المرتبكة وامتناعه عن الجواب للحظات وكأنه يبحث عن عذر قبل اجابته بطريقة ملتوية وهو يدعوها لتدخل المصعد ( ممم اجل .. ليس بشكل وثيق ولكن .. امرها يهم شخصا اعرفه .. يمكنك القول انه واجب عزاء فقط )
عقدت علا حاجبيها باستغراب متمتمة ( ااه .. اعذرني ان فسرت الامر بشكل اخر فوقوفك في المقدمة جعلني اعتقد انها شخص مهم لديك لذا تتلقى العزاء .. فليرحمها الله وليجزيك خيرا فلقد علمت ان المتوفية ليس لها اهل او زوج او رجل يتلقى العزاء .. انا تعرفت على ابنتها الوحيدة اسيل )
لم يحاول ان يجيبها وهو يركز انظاره على طوابق المبنى التي يتجاوزها المصعد في اشارة واضحة لضيقه ولاخفائه امرا يخاف ان يعرفه احد .. رفعت كتفيها بلامبالاة فآخر همها الان هو سراج .. الذي لم تعلم بان اسئلتها البسيطة قد زلزلت كيانه بعمق وجعلته يرتبك وشعور بالخوف يتسلل اليه .. مازال لا يعلم اين يضع كل ما حدث في حياته .. كيف يمكنه ان ينظم حياته خاصة وانه من المستحيل ان تقبل ناتاشا المشاركة فهذه اكثر نقطة كانت تكررها له .. دوما ما كانت تقول بثقة بانها اختارته لانها واثقة بانه لن يخونها او يتواجد مع غيرها .. ولكن .. هل يمكنه اعتبار سما خيانة .. انها قبل كل النساء في قلبه .. قبل حتى ناتشا .. فهي .. وهي وحدها مالكة عرش فؤاده مهما حاول الهرب .. والان .. بوجود ابن له منها .. ابن عشش عشقه في حناياه بعدما قضى ليلة الامس معه وحدهما لانشغال سما بأمور العزاء .. رغم كل معاناتها الا انها استطاعت ان تربي عماد بطريقة سليمة ورائعة .. الطفل عبارة عن كتلة من المشاغبة والظرافة والذكاء والبراءة الحلوة و و .. لو بقي يصف به لن ينتهي .. لقد شعر بالفخر وهو يرى ابنه هكذا .. ومنه علم العديد من الامور والاشخاص الذين بحياة سما وطبيعة علاقتهم سويا .. علي واسيل والجدة امينة والجدة حنان والجد محمد .. فيبدو انه رغم وحدتها الا انها خلقت لابنها اسرة موازية ليحصل على الحنان كامل .. رجل وخالة وجد وجدة .. لم يعلم كيف بامكانه ان يفكر لثانية بالتخلي عنه او عنها .. ففي كل ثانية يصبح اكثر يقينا بانه لن يتمكن من العيش بدونها .. وبانها هي السبب بانفصالهم وبتلك النتيجة التي توصلو اليها .. لذا .. عليها ان تحتمل وجود ناتاشا وصوفي في حياته فهو لن يكون قليل الاصل مع امراة دعمته ووقفت بجانبه .. وفي نفس اللحظة لن يترك سعادته وحياته مهما كلفه الامر .. يعلم انه اناني وجشع ولكنه في داخله يوقن بان هذه حقوقه فلا يجب ان يحاسبها عليه احد .. كان قد وصل الى الطابق الذي تقيم فيه ام اسيل .. التفت الى علا قائلا بحرج ( هل يمكنك ان تستدعي السيدة سما العوضي من الداخل فهمناك بعض الامور التي ساناقشها معها بشان اجازتها فهي تعمل عندي )
هزت علا كتفيها دليلا للموافقة وخرجت الى الشقة المفتوحة حيث العزاء بينما جلس سراج على السلم الخاص بالمبنى والذي كان يخفي من بداخله عن الاعين وفي نفس الوقت يسمح برؤية جانبية لمن يتواجد في الطابق .. مرت لحظات بسيطة قبل رؤيته لسما وهي تخرج من الشقة وعيناها تلتفان ببحث عنه .. نادى عليها بصوت عالي نسبيا كي تسمعه من خلال الضجة الصادرة من الشقة .. توجهت سما نحوه وما ان وصلته حتى بادرها بجدية ( اين يمكننا التحدث بامر هام وفوري وسري )
راها تعقد حاجبيها بتوتر فادرك معرفتها لماهية الحديث .. كان يعلم بان الوقت مبكرا وبانها لازالت حزينة على فقد من كانت بمثابة امها الا انه تعمد العجلة كي يحصل على ما يريده دون ان تجد المقدرة على التفكير الدقيق .. تنهدت امامه ببطء حزين متمتمة ( انتظرني هنا .. ساخذ مفتاح شقة الخالة زهرة )
كانت قد التفتت دون ان تنتظر منه موافقة .. ولكنه احب ان يؤكد امره وسطوته عليها لغاية بنفسه لذا قال لها بنبرة حازمة ( سنكون لوحدنا بشكل كلي .. لا تحاولي التهرب )
راى تلاحق انفاسها المتسارع والظاهر من حركة صدرها المتتابعة في صعود وانخفاض .. لم تجبه سوى بتمتمة خافتة بكلمة حسنا وبعدها اكملت طريقها .. مر بعض الوقت وسراج يراجع خطته بذهنه مع خوفه من مشاعرها المتجلدة التي احسها تنبثق منها .. لقد بنى كلماته على احساسه بانها لازالت تحبه ولكن تصرفها بهذه العنجهية والتدلل والبرود اشاعا بروحه الظمأى لها مشاعر متناقضة .. راها تخرج بهدوء مشيرة اليه ان يتبعها... دخلا الشقة المقابلة لشقة العزاء حيث لم تقفل الباب بشكل مما احنقه ومع ذلك حاول التماس العذر لها فهو حتى وان كان هناك ابن يجمعهما ففي النهاية هو مازال بالنسبة لها رجل غريب وهذا ما سيغيره بسرعة ... جلس حيث اشارت له وراقبها بتركيز وهي تجلس مقابله كي يستنبط الطريقة المثلى ليقول لها ما يريد .. رفعت راسها متسائلة بثقة ( حسنا سراج .. هاتِ ما عندك .. اتمنى ان يكون بقاء عماد لديك قد افهمك لاي درجة هو يحتاجني معه وبان تهديدك سيؤذيه كثيرا )
تنحنح سراج وقد فاجأه صراحتها المباشرة مدركا بان سما الخجولة قد اختفت ( معك حق .. ابني .. ) وشدد على حروف الكلمة ملاحظا رفرفتها لعينيها بتوتر قبل ان يكمل ( مرتبط بامه وهذا طبيعي لذا .. وبما اني لا انوي التخلي عنه .. ابدا .. فهذا يقودنا للمربع التالي من علاقتنا )
عقدت سما حاجبيها وقد ضمت يديها بقوة متسائلة ( اي مربع .. واي علاقة .. سراج انت متزوج .. واب لطفلة تحبها .. وحياتك الزوجية سعيدة ومستقرة مثلما قلت دوما لي .. انا بالطبع لن امنعك عن ابنك وعن دخولك في حياته وممارستك لدور الاب له فهذا افضل لابني وسيجعله اكثر استقرارا ولكن .. الى هذا الحد سينتهي دورك .. فعلاقتنا فقط ستقتصر على ابننا مثل اي اثنين تزوجا وتطلقا .. اما انا .. فبالتاكيد انت تعلم اني لن ادخل ضمن اي من حساباتك )
تركها تخرج مافي جعبتها باناة دون ان يقاطعها .. رفع كتفيه بحركة رافضة مجيبا ( بل ستدخلين .. لانك خرجت منها بلا ارادتي .. كوني متزوج فهذا بسبب خطاك فلو علمت بجزء فقط مما تعرضتي له لما سمحت لنفسي ان اتركك مهما كلفني الامر لذا ... ) وصمت ليؤكد على جدية ما سيقوله ( انا اهتممت بك قبل حتى معرفتي بابني .. وانت .. يجب ان تحتملي نتيجة خطأك )
ازدردت سما لعابها بارتباك متسائلة ( كيف يعني .. الى اين تريد الوصول )
سحب سراج انفاسه مخرجا اياها ببطء مشددا على كل كلمة ( الى عائلة كاملة معك يا سما )
راها تشحب وهي تنتفض واقفة وقد ابدت رفضها الفوري بحدة ( انت تمزح .. بالطبع كلا .. انا لن اوافق ولا اعتقد ان زوجتك الاولى ستوافق )
اشار اليها بحزم وقد حملت نبرته تهديدا ( اجلسي يا سما ولا تعترضي بشكل فوري كي لا تندمي .. زوجتي .. لا علاقة لها بما بيننا لذا .. عدم معرفتها بالامر سيكون افضل .. فهي لا تستحق مني ان اجرحها بشكل علني كما ان دولتها ترفض الزواج الثاني .. ا..)
قطع كلماته بتصفيق سما الساخر ( زوجتك .. بالطبع ستهتم لمشاعرها المرهفة .. فهي من ساندك واوصلك لما انت فيه الان .. كيف ستخسر فرصتك وتفقد كل تقدمك المهني وانت كما فهمت ستصبح خليفة والدها بادارة البنك .، اما سما الخادمة .. فهي لا تستحق سوى بقاءها في الخفاء .. فما حدث خطأها .. ويجب ان تدفع الثمن .. ولا يهم ما عانته بالطبع .. فالمهم انك ستحصل على كل ما تريد اليس هذا ما كنت ستقوله )
وضوحها جعله يرى ظلمه لها ومع ذلك لم يستطع ان يلين فوقف واخذ يقترب منها مجيبا بنبرة خافتة ولكنها ممتلئة بالتهديد ( وهل تنكرين بانك المخطئة .. اذكر اني لست الوحيد الذي عرض مثل هذا الامر .. في وقت سابق .. وبحال معاكس .. عرضت علي نفس الفرصة .. لنتزوج سراج بشكل سري كي اواجه اهلي .. الم تكن هذه كلماتك بالتحديد ..انت وقتها اردت كل شيء ايضا .. اردت وضع اهلك امام الامر الواقع ان علمو بالامر .. كما اردت الاستمتاع معي واللهو بنفس الوقت بمال اهلك .. فحكاية الشاب الفقير المتعلق بك وانت تضحين لتكوني معه من اجل عشقكما هي حكاية مثيرة ما ان اصطدمت بحقيقة الواقع حتى تخليت عنها .. كلعبة ترمينها عندما تملين )
ازداد امتقاع وجه سما وهي تردد بانهيار ( كلااا .. ياللهي كلا .. لم يكن الامر كذلك .. لم .. )
قاطعها سراج بقسوة اكبر ( بل كان يا سما .. ببساطة كان بامكانك التخلي عن كل شيء والهرب معي الى المانيا لنتزوج بشكل صحيح .. لو انك استغنيت عن مالك لما ركض ياسر خلفك ولاضطر ابوك بموجة غضبه عليك من حرمانك من الميراث كما كنت دوما تخبريني بانه يهددك بهذا .. وهنا كانو هم سينسونك .. وكنا نحن سنعيش بسعادة .. ولكن .. لما يا ترى طلبت الزواج العرفي مني .. اتعلمين .. ساجيبك انا ) واقترب اكثر منها وقد هاله شحوب وجهها ومع ذلك فهم ان اوان التراجع قد ولى فاضاف بقسوة اكبر واكبر ( لانه زواج يمكنك التنصل منه باي لحظة تريدين .. فقط .. بشق الورقة التي بيننا .. اليس كذلك ؟)
انهارت سما جالسة وقد اخفت وجهها بين يداها لتخفي دموعها وصوتها المتهدج يعلو ( لقد خفت ان تكرهني .. ان احملك مسؤوليتي .. كنت ارى طموحك .. كنت اعلم باني امثل قيدا لك .. لم يكن للامر علاقة بالمال .. كنت خائفة ان تمل مني فلا اجد احدا واخسر كل شيء )
علا صوت سراج بغضب ( وهل انا من اوحيت لك بان حبي مؤقت .. سما لقد عشقتك بجنون حتى كنت مستعدا لمحاربة الكل لاجلك .. لقد كنت كالخاتم بين أصابعك متجاهلا كرامتي .. متجاهلا كل ما كنت اسمعه من لمز عن كوني جشع مستغلا لغناكِ .. كان كل ما يهمني هو انتي .. لقد وثقت بك ونفذت كل ما طلبتيه .. كان مجرد شعوري بانك ستتركيني يجعلني اتشبث اكثر بك محاولا افهامك اهميتك بحياتي .. بل بانك كل حياتي .. بينما تعمدت انت دوما اظهار عدم تعلقك بي واوضحت لي دوما باني فقط لحظة تمرد نحو اهلك وسلاح تستخدمينه لرفض تسلطهم عليك ورفض تلاعبهم بك وبزواجك بمن يريدون .. هل تنكرين هذا .. هل تنكرين ما كنت تقولينه بصراحة لي )
شهقت سما ونحيبها يعلو وهي تجيبه بحروف مبعثرة بعد ان انحنى نحوها مقتربا منها ( كنت صغيرة .. كنت متمردة .. لم استطع ان اعبر لك عن حبي بشكل صحيح .. اجل اخطأت .. هل هذا ما تود سماعه .. هل لهذا تقسو علي .. منذ رأيتني وانت تدوس على كرامتي .. هل تبحث عن انتقامك .. هل هذه هي غايتك .. الهذا تبتزني وتهددني بانك ستاخذ ابني مني )
اجابها بثورة ( هل تعتقدين اني اقسو عليكي لاني اريد القسوة فقط .. اريد ان اجرحك فقط .. صدقيني ما كانت كلماتي الا صرخات استنجادي لك لتعيديني الى الحياة .. ربما مرت بك السنوات الماضية بصعوبة ولكنها كانت مليئة بالاحداث التي حمتك من الغرق بالبؤس والوحدة خاصة مع وجود عماد الى جانبك ولكن .. طوال اكثر من سبع سنوات كان طيفك هو سلواي الوحيدة .. شعوري بالفراغ والوحدة المميتة قتل كل ذكرى جميلة دونك .. حاولت ان اعيش دونك وان املأ فراغ وجودك بقلبي .. اجل تزوجت .. واجل انجبت .. واجل نجحت وترقيت .. ولكن .. كل هذا كان بطعم الرماد عندما لم اجدك انتي لتشاريكيني .. اتستغربين اهانتي وصراخي وعتابي وما انا الا قتيل عاش دونك كجثة لانك انت ترياق حياته .. اجل انت .. وانت وحدك من تجعليني اعيش واشعر وامتلأ بالاحاسيس .. انها انت فقط التي تكسرين كل جمودي بجموحك .. بشغفك .. بعشقك ..لذا ..) انهى كلامه وهو يقف مضيفا بتهديد ويده تجذبها لتقف مقابلة له وقد اصطدم بركان عينيه بفيضان عينيها الباكيتين ( لذا .. ساصل للتطرف كي احصل عليكي .. مهما هددتك .. ومهما ابتززتك .. ومهما اهنتك .. فكله مباح لي لاجدك في النهاية لي .. وفي احضاني .. هذا انا يا سما .. وهذه غايتي وهدفي .. وانت .. ستقبلين بي .. شئت ام ابيت .. ستكونين لي .. باي طريقة كانت .. لانك من الاساس لي ..)
يتبع القسم 2



حور حسين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس