عرض مشاركة واحدة
قديم 11-11-17, 07:26 PM   #178

دنيازادة

نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة

alkap ~
 
الصورة الرمزية دنيازادة

? العضوٌ??? » 263614
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 6,235
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » دنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
نحن بين رحلة حضور وغياب، ستُدفن مهما كانت قيمتك، وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك اصنع اثراً جميلاً فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
افتراضي



توجهت الصبيتان إلى غرفة الجدة توجان. اندفعت دينا تجلس قربها فوق السرير تسألها: - جده هل تزوجتِ جدنا الشهم نارت خطيفة؟..
ابتسمت الجدة توجان تقول بفخر: - لا يا حبيبتي.. جدكم جاء من سوريا بموكب مهيب من العائلة ووجهاء عشائر الجولان يرافقهم أصدقائه الضباط في كتيبة الفرسان.. جميعهم قدموا إلى عمان ليطلبوني من باباج أنزور وقبيلتنا الشابسوغيين.
قالت زويا بفضول: - هل حقا قوانين الخطيفة صعبة؟!
أمسكت دينا بلطف يد الجدة توجان تقبلها بلطف: - أرجوكِ أخبرينا أكثر عن أديغة زواج الخطيفة.

عمان/ حي المهاجرين صيف 1933م
بسبب نحسي وعزلتي لم تتوفر لي فرصة لأشارك شباب وفتيات الشركس كامل تفاصيل جلسات السمر والتسلية.. الحال تغيير تماما بعد خطبتي من الشهم نارت عالي المقام.. نساء القوم أصبحن يتوددن لي ويقومون بدعوتي لأحتفل معهن.. وقد حان الوقت لأعيش أجواء العرس الشركسي بعدما أعلن اصلان عزمه على الزواج بخطف الغندورة ساندي.. فضمن العادة المتبعة كان حينذاك يلجأ أغلب الشباب والفتيات للخطيفة ليتزوجوا من خارج العائلة لقبيلة مختلفة لكنها بالتأكيد من عشيرة أديغييه شركسية، فبعد الهجرة من القفقاس وجد الكثيرين من الشباب أن زواج الخطيفة فيه اختصار للتكاليف والوقت.. ويتم ذلك باتفاق ضمني بين الأسرتين، ونادرا ما تتم عادة الخطيفة لرفض أهل الصبية الشاب الذي اختارته فحينها تتم الخطيفة بدون معرفتهم.. وفي هذه الحالة يكون أهل الصبية بوضع استنفار وتأهب ليمنعوا خطفها بشتى الطرق فلا يسمحون لها بالخروج دون مرافق وإذا تمكنت من الفرار يسعون لاستعادتها بكل الوسائل بما فيه اللجوء للعنف وقد يؤدي ذلك إلى الصدام بين العائلتين وربما يحدث أثناء أطلاق لنيران المسدسات خسائر في الأرواح..
خرجنا في المساء بالوقت المعلوم المتفق عليه، ركبنا العربة الخشبية تجرها الثيران بقوة وسرعة يقودها محمت "محمد" باتجاه بيت العروس التي نود خطفها.. توقفنا بحذر عند أطراف الوادي قرب سيل عمان بجانب مشابك القصب الكثيف حول الضفاف.. لم نسمع ألا هدير تدفق المياه بغزارة وأصداء سيمفونية نقيق الضفادع المتقافزة في المستنقعات ترافقها ارتعاشات أوراق الصفصاف مع وشوشات النسائم العليلة..
وفيما نحن نطالع المكان بترقب مر بجانبنا بعض المسنين، ألقوا التحية مستندين على عكازاتهم وهم ينظرون ألينا بشقاوة من تحت قلابقهم "قبعات ضخمة" التي تغطي منتصف جبهاتهم العريضة، اخفوا ابتساماتهم متجاهلين مغزى وجودنا.. أما المسنات عند مرورهن رفعن الفوانيس التي يحملنها بأيديهن يدققن البصر بنا، أرسلن ابتسامات ماكرة متمتمات دون أن يتمهلن بالسير" بالتوفيق بأمان الله "..
سمعنا صوت خطوات سريعة ، انشق الظلام عن هيكل ساندي تهرول بفزع وهي تحمل صرة تحت إبطها، كانت شديدة الشحوب ترتجف.. أسرعتُ ترافقني الصبايا لنمسك بها من ذراعيها، رفعناها بحذر لتهبط داخل العربة الكبيرة التي اهتزت تتأرجح بقوة حينما قاد محمت الثيران منطلقا بسرعة.. قالت جوهرة مازحة: - بعد أن أمسكناكِ لن يتمكن أخوتك العودة بكِ.. صحيح أن ليس لأصلان أخوة يتصدوا لكل من يتبادر له أن يعيدك لكننا جميعا هنا لحمايتك ولن يتمكن أحد الاقتراب من الغرفة التي ستقيمين فيها ألا زوجك الفارس أصلان فلا تخشي شيئا يا عروستنا الحلوة.

صهيل خيول تعالت حولنا لم تلبث أن أحاطت العربة أوبة فرسان مجلس العشائر الشركسي، أحدهم أخرج مسدسه وبدأ يطلق النار ثم صرخ بصوت عالِ: - هيييييييه .. نحن لا تخفى علينا شاردة ولا واردة بالحي.. اعتنوا بعروسنا وهدؤوا من بالها.. أريحوا خاطرها.. سنبقى معكم ونواكبكم لحمايتها حتى يتم تأمينها إلى بيت المختار وبعدها سننطلق لنخبر أهلها أن أبنتهم أمانة بين أيدينا نحفظها بحدقات العيون ونحرسها تحت الجفون حتى تصل جاهة أهل العريس وتنتهي الأمور كما أعتدنا أن تكون بعقد القران.. لن يتم شيء إلا حسب الأصول المتبعة وكما تتطلب الاديغة..



عندما وصلنا دار المختار كان أهل البيت وصبايا الحي يجلسون فوق العتبات والدرجات التي تنتشر حولها أصص أزهار الليلك والقرنفل، وورود النفنوف المتسلقة على الجدران والريحان الذي لا يخلو بيت شركسي من أوراقه العطرة.. ما أن لمحونا هبوا بفرح وسارعوا إلى الساحة الأمامية التي تواجه البيوت لاستقبالنا بالزغاريد والأهازيج.. تلقفوا العروس عن العربة وارتفعت نغمات الأكورديون ابتهاجا بنجاحنا في خطف العروس الغندورة ساندي..
أجتمع وجهاء القوم المسنين الكبار مع أوبة فرسان مجلس الشركس لينطلقوا إلى أهل العروس فيما كان أصلان يقيم في بيت أقرب أصدقائه فالعريس لا يشترك بعملية الخطيفة ولا يسمح له برؤية العروس بتاتا إلا بعد كتب الكتاب وحمل العروس باحتفالات خاصة إلى بيت أهله ليلتقي بها هناك في حفل ضمن التقاليد الموروثة.
على مدى سبع أيام وليالِ بقينا نحن المرافقات " نسه ديسا" مع العروس نقوم بتحضيرها لحفل الزفاف ومعنا سيدة متقدمة بالسن كبيرة حتاكؤ (مشرفة) تلازمنا طوال الوقت حتى تكون العين الرقيبة على حسن سلوكنا أثناء سهراتنا الليلية التي نقضيها بين حياكة وتطريز جهاز العروس والرقص والمرح..
في منتصف الليل نجلس لنستريح قليلا نتبادل الأحاديث ونتمازح قبل أن ننطلق إلى الحي، البعض يتوجه إلى أحواض المزروعات التي تفصل بين البيوت المتتالية القريبة من بعضها لقطف بعض الخضراوات كالخيار والبندورة والخبازية.. وآخرين منا يتسللوا إلى الأقنان ليمسكوا عددا من الطيور الداجنة ورغم شدة الضجيج الذي يصدر ألا أن أصحاب البيوت لا يتحركون أبدا ليستطلعوا عما يجري، فلقد اقتضت العادة أن يترك الجيران أبواب الأحواش دون أقفال مفتوحة لهذا الغرض كنوع من المساهمة بتقديم الطعام لضيوف المقيمين في دارة المختار..
وفي كل ليلة من ليالي تجهيز العروس نسطو على أقنان حوش أبعد في المنطقة لم ندخلها بالليالي السابقة حتى تتوزع الكلفة على عاتق كل سكان شركس حي المهاجرين..
بين ضحكات دعابات خافته وهمسات أحاديث خفيفة نعود إلى البيت لنهيئ الطيور التي التقطناها ونحضر طعاما يأكله جميع الساهرين بأجواء مرح قبل نهوض الكبار لصلاة الفجر..
كنا لا نتوقف بسهراتنا النسائية عن العزف بالناي والأكورديون ونحن نتمايل راقصات حول العروس الجالسة في اللوج بخفر وطمأنينة بعدما توصلت الجاهات المبعوثة بين الأسرتين لمباركة زواج أصلان وساندي..
صباح اليوم السابع ذبحوا أهل العريس أصلان الخراف وعملوا كميات كثيرة من "الحلوج" و"الحلفا" طعامنا القومي الذي يشبه ما يسمى عند العرب "سمبوسك" نحشيه بالجبن الشركسي والبطاطا المسلوقة، وقاموا بأعداد شراب "الباخسمه" وهو شراب من دقيق الذرة الصفراء..
عادتا يشترك الأقرباء والأصدقاء بتقديم الهدايا لحفل العرس فيرسلوا قبل الزفاف لبيت أهل العريس أكياس الأرز، السكر، الدقيق وصفائح الزيت والسمن.. الأثرياء كانت هداياهم ثمينة فيلبسوا العروس المصوغات الذهبية.. الجميع يقدموا ما يتوفر لديهم ضمن قدراتهم ليساهموا بالاحتفال ويفرحوا العرسان.
بعد صلاة الظهر العجائز والمسنات من ذوي القربى يجتمعن في غرفة بالدار لبدأ المراسيم.. نحن الفتيات بمعية السيدات المتزوجات ذهبنا لنخرج العروس ساندي من غرفتها مع الأغاني والأهازيج ثم أدخلناها للعجائز لتقبل أيديهن ورؤوسهن.. وبدورهن المسنات الكبيرات لاطفنها ودعون ليباركها الله بكل الخير في زواجها.. قدموا لها النصائح وأوصوها بطاعة الزوج وأهله ثم نثرن عليها الدراهم والهدايا من أقمشة وحلي زينة.. وراحت أحداهن بصوتها الجميل تترنم بالأناشيد الدينية..
الحماة أي أم العريس اصلان لم تكون معنا ولم تحضر زفة العروس وجفل الجوغ ملتزمة بقانون اديغتنا..


بعد ثلاث أيام من الزفاف دعتنا أم أصلان لبيتها وحضرت مأدبة طعام.. قريبات العائلة ذهبن لبيت العروس ساندي ليأتون بها وعندما دخلت قبلت يدي حماتها والمسنات الحاضرات وبذلك أصبحت تستطيع أن تأخذ حريتها في دار أهل زوجها، ألا أنه لا يسمح لها بالتكلم مع حماتها أم زوجها بل تسمع وتنفذ أوامرها بدون كلام، ولو أرادت أن تقول شيئا فإنها تظهر رغبتها بالإشارة فقط..
تظل كذلك مدة قد تطول أشهر أو تقصر لأسابيع حسب رغبة الحماة أم العريس.. إلى حين أن تقدم الحماة لعروسة أبنها هدية يسمونها "كوشنا بشئ" أي هدية الكلام في حفل عائلي وتبدأ عندها العروس بالكلام مع حماتها أم زوجها وكذلك الحال مع حميها والد زوجها فهي لا تظهر له ولا يسمح لها بالتكلم في وجوده حتى يقدم لها الهدية الثانية.. والغاية من عدم الكلام هذا هو تعويد العروس على الرضوخ وتنفيذ الأوامر بدون اعتراض ونقاش الكبار، فإن بقائها أسابيع أو أشهر تؤمر فتطيع وتنفذ بدون جدال يجعلها تتطبع بعادة الطاعة واحترام الكبار...
كما من اديغتنا الخابزة ( العادات والتقاليد الشركسية) أن تطلق العروس المخطوفة على أفراد الأسرة التي استقرت بينهم أسماء وألقاب لطيفة ومحببة لتتعامل بها مع أخوة وأخوات زوجها ولا يسمح لها باستعمال الأسماء الأصلية لهم بتاتا..
ومن تتزوج خطيفه لا تزور بيت أهلها ألا بعد مرور عام أو أكثر.. رغم صعوبة هذا الأمر وما فيه من معاناة لكن اديغتنا حازمة جدا بهذا الشأن لتدرك العروس أن تركها لبيت أهلها وذهابها خطيفة ليست لعبة تسلية بل عليها أن تتحمل نتيجة قرارها واختيارها..
وإذا أنجبت العروس خلال العام يقوم أهلها بإرسال المهد وثياب جهاز الطفل الأول كاملا مع امرأة كبيرة مسنة لها التقدير والاحترام .. وبعد أسبوع من ولادته يحمل الوالد طفله الرضيع ويتجه به صباحا إلى بيت أهل زوجته ليسعدهم برؤية حفيدهم, يضعه عند عتبة الدار ويطرق الباب ثم يتوارى خلف ستار حائط أو شجرة حتى يتأكد من خروج أحد أفراد عائلة زوجته وأخذهم الطفل ليبقى معهم بأمان وسلام، يتركه عندهم بعض الوقت وحينما يعود لأخذه ينتهز الفرصة بالاستئذان والسماح لابنتهم أم الطفل وله بزياراتهم، وإذا رفض الطلب يتم معاودة المحاولة حتى يقبلوا استضافتها، لكن في الغالب يرحبون بابنتهم وبزوجها وأبنائهم.


نهاية الفصل الخامس





التعديل الأخير تم بواسطة ebti ; 04-02-18 الساعة 06:37 PM
دنيازادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس