عرض مشاركة واحدة
قديم 22-11-17, 07:13 PM   #2

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

1- والدك على الخط رقم ستة.
حدق الياس انتونيدس في الاضواء الحمراء التي تومض على جهاز هاتفه، وشكر ربه
لأنه اختار هذا الجهاز الذي يشغل عشرة خطوط في الوقت نفسه عندما بدأ من تسعة أشهر
بتجديد مستودعه القريب من ضفة النهر وتحويله الى مقر الشركة انتونيدس البحرية في
بروكلين.
اجاب :
- حسناً شكراً لك ياروزي ، دعيه ينتظر قليلاً.
علقت مساعدته قائلة:
- يقول إن ان الأمر مهم.
إذا كان الأمر مهماً فسينتظر إذن. وكان اليأس على ثقة من ان والده لن يفعل ذلك.
كان الاب ايولوس انتونيدس قليل الصبر وقد سمي تيمناً بإله الريح لكن الياس يرى انه
سمي تيمناً بإله ( الهواء الحار) .. كان ايولوس ساحراً لكنه غير عملي ابداً.
وهو لا يصبر ابداً على الروتين اليومي وعلى تحويل الخسارة الى ريح، لم يشأ ان يعرف
انهم يحتاجون لبعض المال النقدي او ان ابنه الياس يفكر جدياً في شراء شركة صغيرة
لتوسيع شركتهم ، فالعمل يشعره بالملل، والتحدث الى ابنه يشعره بالملل ايضاً.
والحظ الى جانبه اليوم، فإلى ان ينتهي الياس من الرد على المكالمات والخمس الاخرى
التي تنتظر ، سيشعر والده بالملل، ويقطع الاتصال ويذهب ليعلب الغولف او يبحر مع
اصدقائه.
-------------------------
صحيح انه يحب والده كثيراً ، لكنه لا يريده ان يتدخل في شؤون العمل فلديه من
التعقيدات مايكفيه، وإن كان اليوم لا يختلف عن باقي أيامه.
كانت شقيقته كريستينا على الخط الثاني، وتريده ان يساعدها في تمويل متجر للحلي
وادوات الزينة.
في البداية ارادت ان تربي الارانب ثم تحولت الى موضة القمصان ، ومن ثم رغبت في
تعلم الموسيقى في معهد خاص لكن الحلي والمجوهرات بدعة جديدة تماماً.
قالت معللة بطريقة منطقية :
- بهذه الطريقة سأتمكن من البقاء في نيويورك، مارك نيويورك.
مارك هو آخر اصدقائها لكن الياس يعتقد انه لن يكون الاخير وهو مشهور بحبه لقيادة
الزوراق السريعة، ومطاردة النساء، ولعل مارك بانكاس هنا اليوم لكنه سيتبخر غداً،
تماماً مثل حلم كريستينا بمتجر الحلي.
قال بحزم:
- لا، يا كريستينا.
ووضع السماعة قبل ان يسمع جوابها كانت امه على الخط الثالث، وهي تحضر وليمة
عشاء في نهاية الاسبوع ، قالت مستبشرة:
- هل ستحضر صديقتك ام اتدبر لك واحدة؟.
صرف بأسنانه واجابها وهو على ثقة بأنها لن تبالي بكلامه:
- لست بحاجة لأن ترتبي لي مواعيد غرامية ياأماه.
كان هم هيلينا انتونيدس الاكبر في الحياة هو ان تراه متزوجاً وان ينجب لها الاحفاد ،
لقد تزوج ذات مرة وانتهى زواجه بصورة مأساوية والغي فكرة الزواج من رأسه.
ألا يكفيه ان يعيل عائلة انتونيدس كلها ويوفر لها مستوى العيش الذي اعتادته منذ
ثلاثة اجيال ، اطلقت الأم زفرة وقد بدا عليها الانزعاج منه كالعادة:
- يبدو انك غير ناجح في هذا.
فأجابها إلياس بلطف:
- اشكرك على إطلاعي على رأيك.
لم يخبر امه انه لا يريد الزواج ثانية لئلا تجادله، فهو يعلم ان الموضوع غير قابل للنقاش
بالنسبة اليه ، لقد طلق زوجته منذ سبع سنوات، ولم يبذل اي جهد كي تحل اخرى محل
ميلسينت الجشعة المنافقة ، ولابد ان امه ادركت بعد هذه السنوات انه عازف عن
الزواج.
قالت:
- لا تكلمني بهذه الطريقة ياإلياس انتونيدس، انا لا اريد إلا مصلحتك ويجب ان
تشكرني على ذلك.
وبما ان كلامها لا يستدعي جواباً، لم يجبها بل قال:
- لدي اعمال اريد ان انجزها ، المعذرة. ياامي.
قالت:
- انت تتحجج دوماً بالعمل.
فأجاب:
- على احد ما ان يعمل.
ساد الصمت إذ لم يكن بإمكانها إنكار ذلك، لكنها لا توافقه على ما يفعله ايضاً.
واخيراً قالت بحزم:
- كن حاضراً يوم الاحد وسأتدبر امر الفتاة.
اما اخته مارثا فكانت تنتظر على الخط الرابع ، كان راسها ملئياً بالأفكار للوحتها
الجديدة لكن مايعوزها هو وضع هذه الافكار موضوع التنفيذ .
- إذا اردتني ان اقوم بعمل جيد في مايتعلق بهذه الجداريات ، فيجب ان اذهب الى
اليونان.
سألها:
- لماذا؟.
ردت:
- لاستوحي الأفكار.
- تقصدين أجازة.
----------------------
كان إلياس يعرف شقيقته جيداً فمارثا فنانة جيدة، وما كان ليطلب منها ان تغطي جداراً
في بهو بنايته وفي مكتبه، وفي غرفة نومه، لو انها فاشلة ومبتذلة، لكنه لم يشأ يمول عطلتها
الصيفية ايضاً.
اجابها :
- إنسي الموضوع ، سأرسل لك بعض الصور ويمكنك ان تستوحي منها.منتديات
تنهدت مارثا وقالت:
- انت شخص محبط ياإلياس.
وكان توأم مارثا لوكاس على الخط الخامس فقال مخاطباً إلياس :
- ما الحطب في الذهاب الى نيوزيلندا؟.
اجابه إلياس بصبر:
- ليس في الأمر خطب محدد، اعتقدت انك اردت الذهاب الى اليونان؟.
فقال لوكاس:
- أنا الآن في اليونان ، وقد قابلت الليلة الماضية بعض الشبان الذين ينووون التوجه الى
نيوزيلندا ففكرت في ان انضم اليهم، هل تعرف احداً يمكنه توظيفي لبعض الوقت في
أوكلاند؟.
فأجابه إلياس:
- ماذا ستعمل؟.
اجاب لوكاس بغموض:
- لايهم ، او يمكنني ان اقصد استراليا واتسكع لبعض الوقت هناك .
وهذا ماكان يقوم به بالفعل، لكن الفارق انه لا يحصر تسكعه بأستراليا كما فعل شقيقه
بيتر، اقترح الياس اقتراحاً كرره اكثر من مرة:
- يمكنك العودة الى الديار والعمل لديّ.
اجاب لوكاس الذي جدد رفضه:
- مستحيل ، سأتصل بك عندما اصل الى اوكلاند لأرى إن كان لديك اي افكار.
كان على الخط الأول بيتر كوربيت ، وهو المتصل الوحيد الذي تحدث عن العمل.
قال كوربيت:
- ماذا قررت؟ هل انت مستعد لضم شركتنا الى شركتك؟
لهذا السبب ، انتظر على الخط فهو تواق لبيع شركته ، وتواق ايضاً ليكون المالك
الجديد إلياس انتونيدس.
اجابه الياس:
- نحن نفكر جدياً في الأمر لكننا لم نتخذ قراراً بعد ، بول يراجع البيانات ويقوم ببعض
الابحاث ويدقق في الأرقام.
كان مدير المشاريع يحب الغوص في كافة التفاصيل المرتبطة باتخاذ هذا النوع من
القرارات، على عكس الياس الذي ترك له حرية العمل.إنما عليه في نهاية المطاف ان يتخذ
قراراً نهائياً فكل القرارات المهمة تعود له في النهاية.
قال الياس:
- اريد ان اشرف على العمل بنفسي.
فأجاب كوربيت موافقاً:
- بالطبع، يمكنك ذلك متى شئت.
وتابع الكلام عن تفاصيل البيع فيما انصت إلياس اليه، تعمد ان يأخذ وقته في الحديث
مع كوربيت من دون ان تغفل عينه عن الزر الاحمر المضاء، وعندما انهى حديث
كوربيت كان لا يزال يومض.
لعل الرجل العجوز نسي هاتفه مفتوحاً وغادر كعادته ، لكن الياس ضغط على الزر
وانصت الى والده :
- انت مشغول جداً يارجل .
اغمض الياس عينيه وتمسك بالصبر.
اجابه إلياس:
- نعم ، تحدثت على الهاتف طويلاً، وقد تأخرت على اجتماع مهم ، ماذا لديك ؟.
اجاب الاب:
- جئت الى المدينة لرؤية صديق ففكرت في ان امر بك ، لدي ما ابحثه معك.
كانت مقابلة والده شخصياً آخر مايريده إلياس اليوم فقال محاولاً إرجاء المقابلة:
- سأحضر الى المنزل خلال نهاية الاسبوع ، فنتحدث.
لكن ايولوس كان له رأي آخر فأجاب:
- لن يستغرق الأمر طويلاً ، اراك بعد قليل.
--------------------------------
ووضع سماعة الهاتف بطريقة احدثت طنيناً في أذن إلياس، اللعنة ، إنه تصرف نموذجي
من ابيه ، لا يهمه ان كان الآخر مشغولاً إذا مااراد شيئاً.
اعاد إلياس سماعة الهاتف الى مكانها، وفرك طرف انفه بعد ان شعر بالصداع يطل برأسه.
وعندما وصلت رائحة عطر والده من مكتب روزي الى مكتبه كانت قد مضت قرابة
الساعة ، والصداع تملكه تماماً ، قال إيولوس بعدما تقدم بخطى خفيفة وسريعة ثم تهالك
على احد المقاعد على عادته :
- خمن ماذا فعلت؟.
قال إلياس وقد وقف ليقابل اباه:
- وضعت كرة الغولف في الحفرة بضربة واحدة.
اتسعت ابتسامة إيولوس عند ذكر الغولف وهمس :
- ليتني فعلت.
ثم تنهد واستعاد حيويته واضاف:
- لكن هذا صحيح من ناحية مجازية.
من ناحية مجازية ؟ منذ متى يستخدم ايولوس أنتونيدس اللغة المجازية؟ رفع إلياس حاجبيه
وانتظر ان يطلعه ابوه على الخبر الذي يحمله، وفرك الاب يديه وقال :
- وجدت شريكاً لنا في عملنا!.
سأله إلياس بذهول:
- ماذا؟ ماذا تعني بقولك شريك؟ ومن قال إننا نحتاج الى شريك؟!.
اجاب الاب:
- قلت إنك تحتاج لبعض السيولة؟.
يبدو انه كان يتنصت على مكالماته، واجاب :
- لم اذكر ابداً انني بحاجة الى شريك! الأعمال تسير سيراً حسناً!.
فهز ايولوس رأسه وقال:
- بالطبع لايمكنك إيجاد شركاء لو لم تكن الاعمال تسير بشكل حسن.
قال إلياس :
- انس الأمر.
فرد الاب :
- كلا ياإلياس، أنت تعمل وتبذل الكثير من الجهد ، أعلم أني لم أقم بماهو مطلوب مني
، لكن .. هذا النوع من العمل لا يتناسب مع طبعي وطبيعتي..
وبدا أيولوس كئيباً ، فابتسم له إلياس مواسياً ومتعاطفاً وقال:
- اعرف ذلك ياأبي واتفهمه.
وكانت هذه هي الحقيقة .
- لكن لا تقلق ، فما من مشكلة.
هذا صحيح ، فالعمل لم يعد مشكلة، منذ ثماني سنوات كلفه العمل زواجه ، وشكلت
عدم قدرة والده على تحمل مسؤولية العمل احد اسباب طلاقه من ميلسينت زوجته
السابقة.
عندما اكتشفت وضع الشركة السيء وانها الأعمال زادا من مشاكله مع زوجته ، إنما
كان عليه ان يدرك ماهي أولويات ميلسينت ، وان يرفض الزواج بها.
كان الأمر كله سوء تقدير وقد عاهد إلياس نفسه على ألا يكرره.
وتابع والده الكلام:
- لكني قلق، انا وامك قلقان عليك فأنت تعمل كثيراً، اكثر مما يجب.
لم يطلع إلياس والديه على سبب طلاقه من زوجته ، لكن والديه لم يكونا احمقين فهما
يعرفان انه يعمل أربعاً وعشرين ساعة على مدى ايام الاسبوع السبعة لإنقاذ شركة والده
من الحالة التي وصلت اليها ، بسبب إهمال والده لها .
كان يعلمان ان وضع شركة أنتونيدس المالي لا يوزاي توقعات زوجته التي تسعى الى
صعود السلم الاجتماعي بسرعة.
ولاحظا انها اختفت حالما قرر إلياس ترك كلية إدارة الاعمال ليعمل في شركة العائلة ،
وسرعان ماتزوجت من احد الورثة، حالما انهت معاملات طلاقها.
---------------------------------------
لم يتحدث احد في الموضوع ، لاسيما إلياس.
وبعد زواج ميليسينت بدأت رحلة البحث عن زوجة بديلة لإلياس ، وكأن الزواج
سوف يصلح الأمور ، ويقلل من شعور الأب بالذنب.
قال بحدة ووضوح :
- كلا يا أبي.
رد أيولوس وقد هز كتفيه :
- آسف يابني ، لقد بعت اربعين بالمئة من اسهم الشركة ولا يمكنني التراجع إذ فات
الأوان.
شعر إلياس وكأن احدهم وجه اليه لكمة قاسية :
- ماذا قلت ؟ بعت؟ لا يمكنك فعل ذلك!.
تغيرت ملامح ايولوس في الحال ، ولم يعد ذلك الاب اللطيف الدمث الرقيق الذي عرفه
إلياس واحبه ، فهب واقفاً على قدميه بقوة وصرامة شبه عسكرية، ونظر الى ابنه
الغاضب ثم قال بقسوة وتعال اشتهر بهما اليونانيون منذ القدم:
- بالطبع استطيع بيعها.. انا املك هذه الشركة ولي حق التصرف بها.
فرد إلياس :
- نعم اعلم ذلك ولكن..
هذا صحيح فأيولوس أنتونيدس يملك إلياس البحرية ، او خمسين بالمئة من اسهمها على
أي حال ، في حين يملك إلياس عشرة بالمئة منها ، اما الاسهم المتبقية فهي ملك لأخوته
الأربعة.
كانت شركة عائلية كحالها دائماً ، ولم يتواجد فيها حتى تاريخه اي انسان لا يحمل اسم
أنتونيدس، حملق إلياس بوالده وقد تملكه شعور بأنه طعن في صميم فؤاده،وبأنه تعرض
للخيانة وقال :
- بعتها؟
ردد الكلمة بصوت اجوف وخشن ، مامعنى هذا ؟ أيعني ان السنوات الثماني الماضية
مسحت والغيت كزواجه؟
قال الاب مطمئناً :
- لم ابعها كلها ، إنما مايكفي لتأمين بعض السيولة لتتصرف بها ، قلت إنك بحاجة
للسيولة ، وقد أمضيت يوم الاحد الماضي تتحدث على الهاتف مع احدهم لتأمين المال
لشراء شركة تجهيزات.
وصاح إلياس :
- وكنت على وشك القيام بذلك.
فرد والده وهو يفرك يديه بخشونة :
- قمت بذلك بالنيابة ، وليس عليك ان تعمل بجد للحصول على المال ، لديك فسحة
لتتنفس الصعداء.
شعر بركبتيه تخذلانه ، اراد الجلوس ووضع راسه بين يديه ليلتقط انفاسه لكنه وقف
جامداً والغضب يعلو قسماته.
حاول ألا يظهر مشاعره لوالده وردد محاولاً تهدئة غضبه العارم :
- لم يكن عليك بيع اسهم الشركة ، فالأمر يسير حسب ماهو مخطط له.
فقال والده الذي غضّ أنفه ونظر من حوله :
- لماذا انتقلنا الى هذا المكان إذن؟
رد إلياس:
- لنعود الى جذورنا.
لم يقتنع إيولوس بماقاله ابنه وقال متأملاً ماحوله:
- الم تعد الأمور كما كانت عليه في السابق، وأردت المساعدة.
قال إلياس وهو ينظر الى والده :
- اردت المساعدة؟ ياإلهي العزيزي!.
تنفس بعمق وخلل شعره بيده محاولاً عدم إظهار غضبه ، والقيام بتصرف احمق ،
وبالطبع لم يفعل ، كانت شركة أنتونيدس البحرية محور حياته منذ ان تخلى عن حلمه
بإنشاء شركة بناء سفن خاصة به ، وطلاقه من زوجته ميلسينت.
كانت تقول إن هذا ماشغله عنها قبل ان تهجره ، لكن هذا ليس صحيحاً فقد عمل ليلاً
نهاراً لإرضاء طموحها ومنحها الحياة التي تريد.
أني له ان يعرف انها كانت تبحث عن عذر لتخرج من حياته!.
-------------------------------
لم يبق له الآن الشركة التي اصبحت محور حياته ، كان مصمماً على ان يعيد لها مجدها
السابق الذي عرفته على يد جده وجد والده وكاد يصل الى هدفه ، لم يكن الطريق
سهلاً حتى الآن فلماذا سيتوقع ان تتغير الأمور؟
سوى ربطة عنقه ، ورسم على وجهه ابتسامة وقال في نفسه إن الامور ستكون بخبر ،
إنها مجرد عقبة يواجهها في الطريق وكان طريقه ملئياً بالمطبات والحفر والمصائب منذ
تسلم دفة الأمور في شركة أنتونيدس البحرية.
حرك إلياس كتفيه لإراحتهما واخذ نفساً عميقاً محاولاً التغلب على غضبه ثم التفت نحو
والده وسأل بنعومة:
- لمن بعت الأربعين بالمئة من الأسهم؟.
فأجاب والده:
- بعتها لسقراط سافاس.
فانفجر قائلاً وقد نسي ماعاهد نفسها عليه من الالتزام بالأدب والطف مع والده :
- اللعنة! سقراط سافاس قرصان فهو يشتري الشركات التي تعاني من صعوبات مالية
ويبيع ماينبغي منها في سوق الخردة.
راح يصرخ في وجه ابيه وكان يعلم انه يصرخ لكنه لم يستطع تمالك نفسه ، اجاب
الأب وقد غابت الابتسامة عن وجهه :
- لديه سمعة سيئة وانا اعترف بهذا.
قاطعه إلياس بحدة:
- سمعة يستحقها.
وكشر وزمجر واراد ان يلكم الجدران ويلكم والده حتى... واضاف:
- اللعنة على كل مافعلت، ان شركة أنتونيدس البحرية ليست مفلسة!.
فأجاب أيولوس بتباهٍ:
- هذا ماسمعته من سقراط نفسه ، قال إن الشركة تحقق الأرباح ، وقد اضطر لدفع مبلغ
يسيل له اللعاب لشراء الأسهم ، مبلغ كبير لدرجة انه احتج على ضخامته ، قال إنه
كان عليه أن يشتريها منذ خمس سنوات وهو يلوم نفسه لأنه لم يفعل ذلك في حينه.
وكان هذا هو لب الموضوع.
فنظرة الى حسابات شركة أنتونيدس منذ ثماني سنوات كانت كافية كي يدرك إلياس ان
ايام الشركة معدودة، إلا إذا استطاع ان يرد لها بعض عافيتها ويضخ الدم في عروقها.
ولقد فعل هذا ، لكن الأمر تطلب بذل جهود خارقة واستغرق ساعات عمل طويلة ،
واحتاج للاقتصاد في النفقات خارقة واستغرق ساعات عمل طويلة، واحتاج للاقتصاد
في النفقات وإعادة هيكلة الشركة من دون ان يظهر ان الشركة تعاني من المصاعب،
وامضى سنوات عديدة محاولاً تحاشي ان يشتم سقراط سافاس رائحة هذه المصاعب ،
وأضاف أيولوس :
- من حسن حظنا ان سقراط لم يشتم اياً من هذه المصاعب.
فأجاب إلياس بطريقة ساخرة:
- نعم ، من حسن حظنا.
وبدا ايولوس مغتماً للحظات ثم اشرق وجهه من جديد وقال:
- يجب ان تفخر بمافعلته، فقد انقذتنا من مصير مظلم كان ينتظرنا ، واخرجتنا من الهوة
السحيقة على حد قول سقراط.
ربما كان سافاس يراقب حركة الشركة سواء عرف إلياس ذلك ام لم يعرفه ، كان يحوم
حولها كنسر كاسر بدون ادنى شك، فهو سيد من يكتشف ضحاياه منظراً اللحظة
المناسبة لينقض على الشركة التى تعاني من صعوبات .
في السنة الماضية فقط تنفس إلياس الصعداء بعد ان ادرك ان الشركة لم تعد في وضع
متعثر ، والآن باع والده اربعين بالمئة من أسهم الشركة لذلك المفترس الذي لا يرحم ،
اللعنة! ماالذي سيفعله سافاس بحصته؟ بعثت هذه الفكرة القشعريرة في عمود إلياس
الفقري، لكنه لن يجلس ليراقب مايجري.
-------------------------------
وعندما ادرك انه لن يحتمل البقاء، كمتوف اليدين ، قرر قول كلمات لم يخطر له يوماً انه
سيقولها ، وتوجه الى ابيه قائلاً:
- حسناً ، يمكنه الحصول على الشركة ، فأنا استقيل منها.
فوجيء والده بماقاله وشحب لونه :
- تستقيل؟ تستقيل؟ لكنك لا تستطيع الاستقالة يا إلياس.
فأجابه إلياس:
- بل يمكنني ذلك.
إذا تجرأ والده وباع حصته في الشركة التي امضى سنوات فيوقف تدهورها من دون ان
يستشيره او من دون حتى ان يطلعه على نيته ، فيمكنه هو الذي ورث كبرياء ومنهجية
اسرة أنتونيدس ان يستقيل ويترك الشركة من دون ان يلقي نظرة الى الوراء.
همس ايولوس بما يشبه الرجاء:
- لكنك لن تفعل ذلك.
بد الأب حائراً ومرتبكاً وعبس إلياس إذ توقع منه ان يغضب ويثور وليس هذا
الشحوب الذي جعله يبدو كالأموات ، فسأله بأدب وقد ارتسم على وجهه طيف
ابتسامة :
- لم لا استطيع؟.
فقال الأب وهو يلوح بيديه:
- ... لأن... بنود العقد تنص على ان تبقى في الشركة.
قال إلياس:
- لا يمكنك ان تبيعني مع الشركة فهذه عبودية والقانون يمنع ذلك ، وبالتالي هذه
الاتفاقية باطلة وكأنها لم تكن.
وابتسم ابتسامة حقيقية واضاف :
- في النهاية لا يحق إلا الحق.
راح ايولوس يحملق في الارض من دون ان ينبس بأي كلمة فسأله الياس ليقطع
الصمت الذي ساد بينهما :
- ماالأمر الآن ؟
بقي صامتاً طويلاً ثم رفع رأسه وقال :
- سنخسر البيت.
إلياس مهتاجاً:
- أي منزل ؟ ماذا تعني بقولك سنخسر المنزل؟ عن اي منزل تتحدث . أهو البيت في
الونغ ايلاند؟.
هز الاب رأسه ثانياً ورد:
- كلا، ليس المنزل في لونغ ايلاند.
لا؟ إذاً هذا يعني..
- منزلنا؟
منزل الاسرة في سانتوورني، المنزل الذي بناه جده بكده وتعبه وجهده الخاص؟ المنزل
الذي سكنه اسلافه من رجال ونساء، واضافوا اليه من ذاتهم فلم يعد المنزل الذي يأويهم
وحسب بل ذاك الذي يضم ذكرياتهم وانجازاتهم، لقد اشتروا منزلاً في لونغ ايلالند منذ
سنوات طبعاً، كما يملكون شققاً في لندن وسيدني ، وهونغ كونغ لكن لديهم منزلاً
واحداً.
لا، المنزل في سانتوريني لا علاقة له بالعمل ولم يكن له أي علاقة به يوماً ، انه ملك
والده الآن ، كما كان لجده وجد جده من قبل.
وسيصبح ملكاً لإلياس ذات يوم، صحيح انه انقذ الشركة وممتلكاتها لكن اياً منها لا
يعني له بقدر مايعنيه ذلك المنزل الوحيد، فهو يخبئ بين جدرانه ذكريات طفولته ، وايام
الصيف التي امضاها وهو يعمل في بناء السفن مع جده، واحلام شبابه التي بقيت نقية
ولم تفقد بريقها ، إن المنزل في سانتوريني وهو رمز قوتهم ، والملجأ الأمين ، وقلب عائلة
أنتونيدس النابض.
إنه الشيء الوحيد الذي احبه إلياس، وشد قبضتيه لئلا يمسك بقميص ابيه الأخضر
وقال:
- ماذا فعلت بمنزلنا؟.
فرد الأب بسرعة:
- لاشيء إذا بقيت في أنتونيدس.
ونظر الى وجه ابنه الغاضب واضاف:
- كان رهاناً صغيراً ، سباق قوارب ، تراهنا وسقراط من سيصل الى مونتوك ويعود قبل
الآخر ، وأنا افضل من سقراط سافاس كبحار.
لم يشكك إلياس في صحة كلامه فقال لأبيه:
- وماذا حدث؟.
حدق ايولوس في ابنه ملياً ثم قال :
- انا امهر من سقراط سافاس لكني لا اقارن بابنه ثيو.
-----------------------------------
اطلق إلياس صفارة طويلة وقال:
- ثيو سافاس ابن سقراط سافاس؟.
حتى إلياس سمع بثيو سافاس الذي شارك في الألعاب الأولمبية وشارك في العديد من
سباقات القوارب الاميريكية.
كان نحيل الجسم، وسيم الطلعة ، اشبه بنجم سينما ، وهو مثال للرجولة الإغريقية
بحسب شقيقات إلياس.
قال الأب وهو يهز رأسه ، فاز ثيو وكسب الرهان ، وينص الاتفاق على ان يؤول
المنزل اليه اذا رفضت البقاء كمدير تنفيذي للشركة مدة سنتين على الأقل.
- سنتان!
اعترض ايولوس:
- سنتان ليستا بالمدة الطويلة ، وهذا ليس حكماً مؤبداً.
لم يصدق إلياس ماسمعه فوالده يطلب منه ان يبقى ويشهد على تمزيق الشركة التي لطالما
تعب وجاهد إنقاذها، وسأل إلياس :
- ما الذي فعلته له؟.
فرد الأب:
- ماذا تعني بقولك هذا؟.
اجاب إلياس :
- لا شيء ، لا بأس.
مامن داع لأخذ الأمور على محمل شخصي ، وصرف إلياس بأسنانه مجدداً ، يمكنه
التحمل سنتين فقد دفع اثماناً اغلى من ذلك بكثير ، وهذه المرة لا يتعلق الأمر بحياته
وحده بل بحياة اسرته كلها، في الماضي ضحى بكل مالديه فلم لا يفعل هذه المرة ايضاً؟
وقال:
- حسناً سابقى.
اشرق وجه والده وربت على ظهر وقال :
- علمت انك ستبقى .
قال إلياس :
- لكني لن اقدم تقاريراً لسقراط سافاس، وهو لن يتولى إدارة الشركة!.
تلك الليلة لم يغمض جفنا الرئيس الجديد لشركة أنتونيدس البحري ، وبقيت ( تالي)
صاحية، وعقلها يعمل بلا كلل، لأن والدها اقتنع اخيراً بأنها اهل لتدير العمل مكانه .
كانت تعلم مدى صعوبة الأمر بالنسبة اليه فسقراط سافاس إغريقي صعب المراس،
تقليدي ، ولم يمض على رحيله عن اليونان سوى جيلين .
كان يرى ان اشقائها الاربعة هم من سيتولى إدارة العمل من بعده وأن على تاليا ان
تبقى في المنزل لتصلح الثياب وتطبخ الطعام ، ومن ثم تتزوج برجل عصامي وتنجب له
العديد من الاحفاد ذوي الشعر الاسود والعيون الجميلة ، لكن ذلك لم يحدث.
كانت ستتزوج من النقيب برايان اومالي، لو لم تتحطم طائرته منذ سبع سنوات.
كانت حتماً ستتزوجه ، وربما اتخذت حياتها منحى مختلفاً، لكن منذ وفاة برايان لم تقابل
رجلاً يثير اهتمامها ، ولا يعني هذا إن والدها لم يحاول جهده فهي تعتقد احياناً انه عرفها
الى كل شاب يوناني في الساحل الشرقي يصلح كعريس لها.
وبقي جوابها نفسه:
- اذهب وطارد اولادك الذكور، وجد لهم زوجات.
لكن سقراط كان يردد الفاظاً وجملاً غير مفهومة عندما يتعلق الأمر باولاده الذكور ،
فهم لغز بالنسبة اليه حتى اكثر من تاليا ذاتها ، كانت تتحرق إدارة شؤون العمل من
بعده في حين ان ثيو وجورج وديمتريوس وبايتس لم يظهروا اي حماس للسير على خطى
والدهم.
فثيو يهتم بالابحار ويجول في مختلف بقاع الأرض، حاول إن تحبسه في مكتب او مدينة
فيشعر بان روحه على وشك ان تفارق جسده.
ولمع جورج كعالم فيزياء يكتشف الكون واسراره في حين ان ديمتريوس اختار التمثيل.
-----------------------------------
وكان ابنه الاصغر بانيس وهو اصغر اشقاء تالي قد نشأ وتربى كباقي اخوته في المدينة ،
ولكنه منذ خمس سنوات نال إجازة جامعية في علوم الغابات فترك المدينة واختار العمل
والعيش على قمة جبل مونتانا!
وحدها تالي صممت على السير على خطى والدها في العمل، وهي تمتلك عقلاً يساعدها
على إدارة الاعمال، وقد عملت في المستودعات، ومكاتب الشحن البحري، وفعلت
كل مايمكنها لتتعلم حرفة والدها من الصغر، وكان والدها يستغني عنها على الفور
عندما يعلم انها تعمل في احدى شركاته ويردد بغيظ:
- لن تعمل ابنتي هنا.
فانتقلت للعمل في مكان آخر مع رب عمل آخر.
ولم يعجبه ذلك طبعاً لكنها عنيدة مثل والدها العجوز، وكانت قد التحقت بالجامعة
حيث نالت اجازة في المحاسبة وعملت لفترة في شركة في كاليفورنيا، بعدئذ عادت الى
الجامعة ، واكملت دراساتها العليا فيما هي تعمل لدى خباز نقل اليها كل مايعرفه عن
حرفته ، ولو قررت تالي يوماً ان تنشيء عملها الخاص لما فضلت على صناعة الخبز اي
عمل آخر، كانت تعشق تحضير المعجنات والحلويات ، وهي طريقتها المفضلة
للاسترخاء.
منذ ثمانية عشر شهراً، وبعد ان نالت شهادة الماجستير تقدمت بطلب للعمل في إحدى
شركات والدها ولكن طلبها رُفض.
وعملت لحساب احد اكبر منافسي والدها حيث تقدمت في عملها وحصلت على ترقية
، كانت تتقدم بسرعة بحسب رب عملها ، وتاكدت ان يصل ذلك الى مسامع سقراط.
ويبدو ان الخبر وصل اليه اخيراً، فمنذ اسبوعين ، اتصل بها هاتفياً، ودعاها لتناول
العشاء بعد ان تنتهي من عملها ، فسألته مستفسرة:
- مع من سأتناول العشاء؟.
اجابها :
- معي انا ، انا في المدينة فيما امك في ايطاليا ، واشعر بالوحدة ، ففكرت في دعوة ابنتي
على العشاء.
بدت الدعوة بريئة للغاية ، لكن تالي تعرف والدها جيداً منذ تسع وعشرين سنة ،
لاحظت في صوته الحماس الذي حاول ان يكبته فقبلت الدعوة ، لكن بشيء من
التحفظ.
عندما قابلته في لازلو وهو احد المطاعم الهنغارية ، تلفت من حولها بحثاً عن أي شبان في
الجوار ثم جسلت قبالته ، لكن سقراط لم يأت هذه المرة لأي عريس بل قدم لها عرض
عمل ، سألت وهي تتلفت من حولها :
- عرض عمل؟.
وانتظر والدها حتى انتهى النادل من تقديم الطعام ثم قال بلهجته الصريحة :
- حصلت على اربعين بالمئة من اسهم شركة انتونيدس البحرية الدولية التي تعمل في
بناء السفن والقوارب، وكمساهم رئيسي يحق لي ان اعين رئيس مجلس الإدارة واريد
تكليفك بالمنصب.
رددت تالي بما يشبه الحشرجة:
- أنا؟.
لابد ان امراً غير عادي قد حصل او انها فقدت عقلها، لكن سقراط قال وهو يهز
كتفيه:
- لطالما قلت إنك تودين العمل معي.
فأجابت:
- نعم، ولكن.....
قال :
- إذن انت تعملين معي الآن.
هزت رأسها غير مصدقة فيما عقلها لايزال يدور في دوامة:
- اعني .. لم اتوقع ان تشتري لي شركة ياأبي.
فأجابها مشدداً على كل كلمة يقولها:
- لم اشتر لك شركة بل حصلت على اسهم شركة واصبح بإمكاني ان تدل في إدارتها
واريدك ان تديريها.
--------------------------------
رطبت شفتيها فيما عقلها يدور ويفكرفي الاحتمالات والإمكانات ثم قالت وهي تحاول
السيطرة على افكارها :
- لا ادري .. الأمر فاجأني.
فرد عليها بقوله:
- هكذا تأتي افضل الفرص.
قالت :
- أعلم ذلك.
إنما عليها ان تذكر في الأمر وتدرسه ، وسألها :
- مارأيك؟ اتعتقدين ان بإمكانك القيام بهذه المهمة؟.
فهتفت قائلة :
- بالطبع استطيع.
اشرق وجه سقراط عند سماع جواب ابنته ، تماماً مثلما سمكة القرش عندما ترى سمكة
صغيرة تتجه نحو فمها .
مهما كان هدف والدها من تقديم هذا العرض فلديها خططها الخاصة ، وستبذل
قصارى جهدها في العمل لتثبت له انها تستحق ثقته .
وخلال الاسبوعين اللذين تليا العرض المغري واستقالتها من شركة إيزلي ، كان لديها
الكثير من العمل والمطالعة لتقف على اوضاع شركة انتونيدس البحرية الدولية،
وماعرفته عنها جعلها اكثر حماساً للعمل .
كانت شركة بناء سفن قديمة وعريقة ومحترمة وقد شهدت بعض الصعوبات خلال
السنوات الثماني الماضية لكنها راحت تستعيد عافيتها وتتقدم الى الامام.
لاحظت بعض التغيير في رئاسة الشركة فأيولوس انتونيدس لا يزال رئيسها لكن ابنه
يدير الامور بالنيابة عنه، ويبدو ان الابن ابلى بلاءً حسناً إذ تخلص من الهدر واعاد
الامور الى نصابها ودفع الشركة للتوسع خارج نطاق بناء السفن .
ووجدت تالي نفسها عاجزة عن الصبر لتصبح جزءاً من عملية التوسع هذه.
والآن وفيما هي تقف امام المستودع القديم في بروكلين حيث مقر شركة انتونيدس
البحرية الدولية شعرت بعدم صبرها يزداد، لم يكن مقر الشركة يبعد سوى بضعة مبان
عن شقتها ما أدهشها إذ توقعت ان يكون مقرها في منهاتن، وكان هذا صحيحاً قبل ستة
اشهر قبل ان تنتقل الشركة من الجانب الشرقي للنهر الى بروكلين.
عرفت ان سبب الانتقال هو عصر النفقات لكن الشركة هنا في مكان حيوي،وفي
مسرح للأحداث .
عندما تلفتت تالي من حولها مع ساعات الصباح الأولى رأت ان الشركة تنتمي الى هذا
المكان ، كان الوقت مبكراً جداً، ، فدفعت الباب ودخلت، ولما اصبحت داخل المبنى
احست وكأنها تقطع المحيط، وبدلاً من ان تجد بيئة العمل التقليدية وجدت نفسها امام
بهو مطلي باللون الأزرق ، ذاك اللون الداكن النابض بالحياة الذي يذكر بالبحر الأبيض
المتوسط ، كان اللون الزرق يمتد من الارض الى السقف ، بحر ازرق وسماء زرقاء وبعض
الجزر التي تزينها ابنية بيضاء وكنائس ذات قبب زرقاء.
كانت الرسوم رائعة وبسيطة ، لم تزر تالي اليونان ارض اجدادها من قبل ، إذ لم يتسن
لها الوقت لتقوم بذلك، لكنها عرفتها على الفور ووجدت نفسها منجذبة اليها.
لم ترغب يوماً في الذهاب الى اليونان ، مصدر التقاليد كلها التي امضت حياتها تحاربها بلا
هوادة، لكنها لاحظت الآن ان تلك البلاد تضم ماهو جميل، ويستحق الاهتمام ، وفجأة
راحت فكرة السفر تراودها ، لكن ليس بقدر فكرة دخول المصعد والضغط على الرقم
3.
بدا من رائحة الخشب والسجاد التي تفوح من المصعد انه جدد مؤخراً ، ولما انفتح
الباب عند الطابق الثالث وخرجت ، وجدت ان اعمال التجديد لم تنته بعد ، والعمل
مازال جارياً على قدم وساق.
-----------------------------------
فالأرض الخشبية عرية والجدران غير مطلية ، واستطاعت ان تسمع صوت المطارق من
خلف احد الابواب المغلقة.
شعرت ان عليها ان تحصل على اسم ذاك الرجل الذي يتولى اعمال الصيانة لتعطيه لمالك
منزلها ، فآرتي يحاول العثور على عامل يجدد له إحدى الشقق ، عامل يمكن ان يأتي الى
عمله قبل حلول الظهر.
مرت بالعديد من المكاتب حتى وصلت الى مكاتب شركة انتونيدس البحرية الدولية،
وجدت الباب مقفلاً ، وهذا امر طبيعي في السادسة واربعين دقيقة صباحاً ، لكنها لم
تكترث فلديها مفتاح ، مفتاح لشركتها ، حسناً ، مفتاح للشركة التي ستترأسها.
كل ماعليها ان تفعله الآن هو ان تبدو جديرة بالمنصب الذي تحتله.
وتنفست بعمق ووضعت حقيبتها ارضاً لتبحث عن مفتاح المكتب في حقيبة يدها ،
وعندما عثرت عليه ادخلته في القفل وفتحت الباب ودخلت.
* * *
لقد تأخرت إنه أول يوم عمل لها في شركة انتونيدس البحرية وهاهي رئيسة الشركة لا
تزعج نفسها بالحضور!
راح إلياس يذرع ارض مكتبه هو يحمل في يده فنجاناً كبيراً من القهوة ويصرف بأسنانه
وكأنه يريد تقطيع لحمها.
هذه هي العاملة المتحمسة التي تعمل بجد بحسب ماقاله والده.
في الواقع يفترض به ان يُسر فإن لم تأت لن تتمكن من إفساد الامور ، وقد امضى
الاسبوعين الماضيين في العمل على ألا تتدخل في إدارته للشركة.
عندما وجد ان لا مناص من الضررر الذي احدثه والده ، بذل جهده للحد من الضرر
ومنع تفاقمه ، اي إظهار حدود المشكلة والحرص على الأتصبح اكبر.
اعد المكتب الفخم الكبير المطل على النهر الذي كان يفترض ان ينتقل اليه ذات يوم،
لكنه لم يفعل ذلك لأنه ليس عملياً ، سيستخدم المكتب ليحاول ان يبعدها عن مركز
القرارات ماامكنه، وبإبعادها عن طريقه سوف يتسنى له إدارة الشركة كما كان يفعل ،
وهذا مايفترض به ان يفعله، لكن عليه اولاً ان يسلمها مكتبها ويتخلص منها.
توقع ان تصل في التاسعة ، لكن الساعة تجاوزت التاسعة والنصف ، وقد تواجد في
مكتبه منذ الثامنة مستعداً لملاقاة المتطفلة ، وكانت مساعدته روزي قد سبقته وحضرت
القهوة في محاولة منها للتأثير في الرئيسة الجديدة كما وضعت صحناً فيه بعض الكعك
قرب آلة تحضير القهوة.
اراد الياس ان ينتقدها على ذلك ، لكن الكعك كان لذيذاً فبعضه بطعم القرفة،
والبعض الآخر بطعم اللوز او بنكهة زبدة الفستق.
كانت معدته تتحرق لتناول بعض الكعك، وعندما توجه نحو الطبق وجد ان العديدين
سبقوه اليه .
كان الباحث بول جوهانسن يتحدث وفمه مليء بالكعك ، كما قررت لوسي المسؤولة
عن مراجعة العقود والحسابات التخلي عن حميتها والبدء بها في الغد، اما ديسون الذي
يتولى تصميم وتطوير المشاريع فكان الكعك عالقاً في شاربيه حتى ان ثرينا وكارا اللتين
تتوليان اعمال السكرتاريا وجوليا المرأة التي على وشك ان تضع مولودها تسللن الى
البهو لسرقة قطعة او اكثر من الكعك.
لا عجب في ان روزي كانت ترفض باستمرار تحضير القهوة في المكتب ، ولو عرفوا
مواهبها الاخرى لما تركوها تفعل شيئاً سوى تحضير الكعك.
حسناً ، لابد ان الآنسة تاليا ستتأثر بما ستراه ، هذا إذا ماظهرت قبل ان تنفذ القهوة
والكعك.
----------------------------
لكنه لن ينتظر اكثر فهذه ليست مدرسة إدارة اعمال ، والعمل الحقيقي يدار في العالم
الحقيقي.
قال موجهاً كلامه الى بول وديسون :
- سنذهب الى قاعة الاجتماعات.
قفزا مذعورين، ومسح بول فمه من الكعك.
ابتسم إلياس وقد شعر ببعض الرضا ، لأن الآنسة سافاس فوتت ما جرى تحضيره
بمناسبة مجيئها.
ولدى مروره بروزي وجه كرمه اليها قائلاً:
- هذا مثير ، لم لا تحضرين هذا باستمرار ؟.
نظرت اليه روزي وقالت :
- لم احضرها بنفسي على الإطلاق.
رمقها إلياس بنظرة تساؤل ثم التفت الى بول وقال :
- لا تقل لي إنك خبزتها.
ضحك بول وقال :
- لا استطيع غلي الماء.
وتراجع ديسون وراح يهز خصلات شعره باسماً وقال :
- لا تنظروا الي.
قالت ثرينا وهي تتأبط العديد من الملفات عائدة الى مكتبها :
- لعلها الفتاة الجديدة؟.
سأل إلياس :
- أي فتاة جديدة تلك التي تتحدثون عنها؟.
كان يعلم ان فتاة ماستحل مكان جوليا ، لكنه لم يعلم انها وصلت فعلاً.
- افترض انها تعنيني أنا.
وظهرت فتاة في أواخر العشرينات من عمرها ، لا تشبه كثيراً الفتيات اللواتي يعملن في
المكاتب ، بدت ممشوقة القوام إنما ليست نحيلة ، وكان شعرها مشدوداً الى الخلف
ومربوطاً بشكل انيق لكن مجموعة الدبابيس التي حاولت إحكام ربطه بها لم تقم بمهمتها
تماماً.
كان شعرها كثيفاً ومتمرداً ماجعلها اكثر فتنة وجاذبية، بدت وكأنها خرجت للتو من
الفراش.
راح إلياس يتخيل كيف ستكون في الفراش ، إنه رجل يقدر الجمال ، لكنه لم يعتد
التفكير في حمل المرأة الى الفراش.
ابتسمت الآنسة له ، وهزت رأسها لتسوية شعرها فشعر بالحاجة لنزع تلك الدبابيس
من شعرها ، والعبث به، لكنه اكتفى بوضع يديه في جيبيه، لأنه يخلط بين العمل والمتعة ،
قال موجهاً كلامه اليها:
- هل حضرت هذا الكعك بنفسك؟.
هزت رأسها ايجاباً وقالت:
- هل اعجبك الكعك؟.
هز رأسه ايجاباً ، لكنه لم يشأ ان تعتقد انها تستطيع استخدام هذه الوسيلة للوصول الى
امور اخرى، فقال :
- إنها لذيذة فعلاً، لكن مامن داع لها ، كل ماعليك القيام به هو تأدية عملك فقط.
سألت باستغراب:
- عملي؟.
فأجابها بصبر:
- الاهتمام بالملفات والطباعة وما إلى ذلك ، تفعلين مايطلب منك القيام به.
قطب إلياس جبينه وسأل :
- إذن ماذا تفعلين هنا؟.
مدت يدها لتصافحه وردت:
- أنا تالي سافاس ، الرئيسة الجديدة يسعدني الاجتماع بك.
---------------------------


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس