راح هاتف تالي يرن لحظة دخولها الى المنزل ، سألها والدها بلهجة هادئة لكن مليئة
كان عليها ان تطعم قطها الجائع فدفعت له بعلبة سردين ليلتهمها، اعتدلت وتنفست
كانت لتكتفي بذلك، لو لم تعلم ان سقراط لن يكتفي، كانت في غنى عن اسئلة
المتلاحقة فقدمت له وصفاً وافياً لكل شيء بدءً من اثاث المكتب ،و نوعية العمل،
وتاريخ شركة انتونيدس ، تفاصيل اكثر مما اراد معرفته، تحدثت عن كل شيء ماعدا
انتظر بصبر حتى امهت كلامها ، وخطر لها انه موهوب في اختيار اللحظة المناسبة
للانقضاض عليها ، فحرصت ألا تفسح له الفرصة.
- إذن احببتهم ، اقصد الموظفين! الشركات تتألف من بشر ياتاليا ، ماذا عن هولاء
كان يدفعها نحو مايريد معرفته ، اطاعته تالي وبدأت تحدثه عن الموظفين ، تحدثت عن
ديسون الذي قالت انه مهندس بحري رائع ، ثم انتقلت الى بول ووصفته بأنه يعمل
بأخلاقية عالية، وحدثته عن روزي ولوسي وباقي الفتيات العاملات تحدثت عن الجميع
- وماذا عن ابن ايولوس؟ كان إلياس هناك أليس كذلك؟.
- هذا حسن ، وهل كان متجاوباً؟.
- نعم ، تقارير عن اوضاع الشركة.ليلارس
- جيد ، إذن تقبلك جيداً على مايبدو.
- تعني كرئيسة؟ لم تترك له أي خيار ياأبي.
عرف من لهجتها انها تلومه على ماحصل فقال :
- بلى، ألم تستخدم ثيو لتحصل على ماتريد ؟ وتستولي على رئاسة المدير التنفيذي مدة
وساد الصمت للحظة كان والدها يحاول خلالها إستعادة زمام السيطرة. واخيراً قال:
- فعلت هذا من اجلك ياتالي، هذه فرصتك ، لطالما اردت دخول معترك الاعمال.
- وكأن هذا هو السبب الاساسي!
حاول ان يجيبها لكن الكلمات لم تخرج من فمه فأضافت تاليا بصراحة:
- توقف عن التدخل في حياتي، كف عن دفع الرجال نحوي.
- لم افعل يوماً ! بالكاد وفرت...
- هل هو مناسب؟ وماذا في ذلك؟ انا لا استطيع إجبارك على الزواج منه كما لا
استطيع إجباره على الزواج منك.
وساد الصمت ثم تابع سقراط الكلام:
- الزواج امر رائع ، أنا وامك..
- خلقتما لبعضكما، لا احد سواها تستطيع تحملك ، وانا سعيدة من اجلكما، ولو بقي
برايان على قيد الحياة لتزوجته لكن...
----------------------------------
- ماكان ليرضى بأن تبقي عزباء الى الابد تاليا.
- اعلم ذلك، لكنه ماكان ليرضى بأن اتزوج اي كان.
وساد الصمت طويلاً ثم قال:
- سنرى لاحقاً ، لدي الكثير من العمل لأنجزه، مع كل ما اعطاني إياه إلياس لأراجعه.
قال يجاريها حين غيرت الحديث:
- احقاً؟ هذا جيد ، كنت قلقاً من نيته التنويع في الاعمال.
إذن لم يشتر الشركة فقط ليجمع بينهما وبين إلياس ، كان مهتماً بالعمل، وهذا لم
يفاجئها فوالدها لا ينسى ابداً مصالحه.
- سمعت انه ينوي شراء شركة اخرى.
- اخبريني عن ذلك لعلي اعرف بعض العاملين في تلك الشركة، ماذا قلت لي اسمها؟.
وساد صمت قصير لم تحاول تالي ان تملأه لكنه سأل اخيراً:
- ماذا تعنين بقولك لا تستطعين؟.
- العمل هو العمل، مايجري داخل المكتب سري، لقد علمتني هذا المبدأ ياأبي.
- صحيح ياتاليا، العمل يجب ان يبقى محاطاً بالكتمان لكن ليس عندما املك اربعين
- حتى ولو.. انت من المالكين ، لكنك لا تدير الشركة.
- لا احد يريد لمجلس الإدارة ان يعرف كل خطوة تتخذ ماكنت لترغب في هذا.
- تعال واحضر الاجتماع التالي للمساهمين وستطلع على كلما تريد معرفته.
راح إلياس يحدث نفسه كل صباح بأن الأمر ليس بذي اهمية ، تالي سافاس هي الآن
رئيسة الشركة واسمها على اوراق المراسلات التي تخرج من شركة أنتونيدس البحرية.
وماذا في ذلك ؟ هذا لا يشكل اي فرق في الطريقة التي يدير بها إلياس الشركة، لكنه
شكل فرقاً في الحقيقية ، فلم تعد الاجتماعات تقتصر على ديسون وبول اللذين يوافقان
على كل مايقوله ، فهما لا يريان الأمور كما تراها تالي، فالأول رجل نظري والثاني
رجل معدات ، لكن تالي تنظر الى الامور من منظار مختلف، ربما من منظار امرأة.
لقد اثارت اموراً لم يعرها اهتماماً .. امور الناس ولعمل ، وكيفية الحفاظ على توزان
والتوزان امر لم يألفه إلياس، فعندما يكون في العمل يفكر في العمل فقط، وعندما لا
يكون في العمل يفكر في العمل ايضاً.
- بكل بساطة العمل هو المهم.
وحملق كل منهما بالآخر، ولأول مرة منذ سنوات وجد إلياس ان عليه ان يواجه
-----------------------------------
كان بإمكانه الإدعاء انه العمل ، لكنه يعلم ان هذا غير صحيح.هذه المرأة تلهي عن
كان إلياس يستمتع عادة بتقدير المرأة الجميلة ، لكنه لطالما اختار الزمان والمكان ، وهو
لم يخلط يوماً بين المتعة والعمل، ومازال يحاول ذلك.
لم يكن الامر سهلاً عليه الآن.
كان يجلس في اجتماع يحاول التركيز على مايقوله بول وديسون فنظر من خلال الغرفة
الى تالي ليجد نفسه وقد ابتعد كثيراً عما يدور من حديث ، وجد نفسه مشدوداً الى
خصل الشعر التي تثور على محاولات تاليا لأن تخضعها ثم وجد نفسه يتخيل شعرها
منسدلاً على كتفيها ، رائعاً ، غير منضبط، وهاهو يحلم بأنه يخلل اصابعه فيه.
لقد ضبط شارداً ، مرتبكاً، لا يملك اي فكرة عما دار في الحديث ، حدث هذا اكثر
الثلاثاء الماضي كان يراقب بول وهو يرسم احدى خرائطه الدقيقة على اللوح الابيض
فانتقل بصره الى تالي التي جلست واضعة رجلاً فوق الاخرى ماشتت انتباهه عما يقوله
أومأت تالي برأسها وهي تنقر على اسنانها بالقلم فيما أغمض الياس عينيه وحاول
التركيز على مايدرو، كان الأمر يشبه ماحدث له في المدرسة الثانوية! فشعر بثورة عارمة
لكنه لم يشأ ان يفكر ما إذا كانت ثورته على نفسه ام على تالي التي لم يعد بإمكانه ان
يهملها ، فتحداها بتوجيه العديد من الاسئلة المعقدة والصعبة لها.
ردت عليه بطريقة عقلانية هادئة ، اظهرت انها تابعت كل ماقيل مع انه لم يفعل ، مازاد
قال ديسون لإلياس بعد ظهر احد الايام حين اثارت امراً فأتهم ان يروه:
- هذه تلميحة اخرى ذكية من تالي.
اعتادت تالي ان تحضر الكعك وحلويات اخرى بشكل يومي، فعلق إلياس:
- بعض المكاتب تقدم السكاكر ، ونحن لدينا هذه الحلويات اللعينة.
- ليس لدينا ميزانية لهذه الامور.
- لا احمل المكتب اي عبء مالي ، انا اقدمه مجاناً.
تمتم ببعض الكلام فابتسمت له وواظبت على إحضار المزيد ، كيف له ان يمنعها من
ذلك؟ كانت الرئيسة المسيطرة ، السخاء انهال على الجميع فأصبح كل من في المكتب
اكثر انفتاحاً، وراحوا يعبرون عما يجول في أذهانهم، فعلت تالي بالكعك مالم يستطع
إلياس ان يفعله طوال سنوات .
انفتح الموظفون على بعضهم وتبادلوا الآراء وقدموا افكاراً جيدة، واقتراحات عملية.
- والدك العجوز اذكى ممااعتقدنا.
لم يكن ديسون على اطلاع على كامل تفاصيل الصفقة التي اصبحت تالي بموجبها
رئيسة شركة انتونيدس البحرية لكنه يعرف ان يولوس انتونيدس اختارها.
وأتكأ على حافة مكتب إلياس وراح يراقب تالي وهي تتحدث الى روزي قبل ان
- إنها مناسبة لهذا المكان ، وهي امرأة جميلة بالفعل.
- لا يمكنك ان تقول هذا في المكتب.
------------------------------
ضحك ديسون ولاحت عليه إمارات الرضا وقال:
- لن تهتم تالي بكلامي فقد قالت لي إني رجل وسيم.
صفق إلياس احد الأدراج بعنف وقال:
- هذا يظهر مدى رداءة ذوقها.
بدا على وجه ديسون الجدية وقال:
- لاحظت انك اصبحت سيء الطباع منذ حضورها ، هل تغار منها؟.
تمنى إلياس لو يصفق درجاً آخر:
- محال، كما اننا لا ندفع لك المال لتقف هنا وتتفوه بالترهات ، عد الى عملك.
حياه ديسون وخرج وهو يقول ضاحكاً:
واحس بالسرور عندما سمع صوت الباب يغلق بقوة وان تمنى لو كان هو من صفقه،
ماقاله ديسون صحيح ، لعل تالي قالت له انه رجل وسيم فهي تمازحه باستمرار، وقد
سمح لها حتى بأن تناديه باسمه الاول روفوس ، وهذا مالم يتجرأ عليه احد من قبل، كانت
كانت تمضي ساعات تتبادل فيها الحديث مع الموظفين ، ليس عن العمل وحسب بل
كان إلياس يجلس الى مكتبه يحاول التركيز على العمل بينما روزي تروي مشاكل
صديقها لتالي التي تستمع اليها باهتمام وتسدي لها النصائح، وعندما ذهب ليحضر
فنجان قهوة سمع ديسون يتحدث اليها عن فتاة تدعى سيبيلا وحين ذهب للبحث عن
بول ليناقش معه بعض التفاصيل عن إمكانية إعادة استخدام خشب الساج في قورابهم
وجده في مكتب تالي يتحدث عن خطط زواجه.
اللعنة! لم يكن يعرف ان بول سوف يتزوج!
اما تالي فتعرف ، كانت تعرف اسم خطيبته ، وتعرف اسماء احفاد لوسي، وتعرف ماذا
سمت جوليا المولود الذي انجبته السبت الماضي .
كانت تالي تعرف حتى اسم الذي يصبغ شعر كارا، سأل إلياس تالي ساخراً:
- لم تهتمين بمعرفة اسمه، هل تريدين صبغ شعرك باللون الزهري؟.
- كنت أتأكد من اسمه لئلا ادعه يقترب من شعري.
وكانت تلك اول مرة تبتسم فيها ، في المناسبات الاخرى لم يكن يجمعهما سوى العمل..
كان عليه ان يعترف بأنها عندما تعمل تعمل بجدية تامة، كانت تحضر باكراً وتتأخر في
الانصراف ، وتمضي معظم وقتها في الاستماع الى مشاكل الناس، وهذا ماأزعج إلياس ،
لكن إن لم يجد أي عيب في عملها ، فقد وجد الكثير في ذوقها بالرجال إذ بدت معجبة
بمارتن دي بور، فبعد ان تطوع لحمل صندوق الملفات عنها مرّ بالمكتب لاحقاً ذلك
الاسبوع ليدعوها على الغداء ، فقال إلياس على الفور:
- كلا، فهي مرتبطة بموعد عمل.
- احقاً ؟ لم اكن اعلم ذلك، إذن اعتقد انه لا يمكنني تلبية الدعوة.
صرف إلياس بأسنانه غضباً فيما التفتت تالي اليه مستفهمة وقالت:
- اتساءل ما إذا كان لدينا عشاء عمل لا علم لي به؟.
عندئذ التفتت نحو مارتن وقالت:
صرف إلياس بأسنانه مجدداً ، واستدار مبتعداً ، وقد علم انها خرجت مع ( بور ) ذاك
المساء وقصدا دار الأوبرا في عطلة نهاية الاسبوع.
- افضل الجاز لكنها تجربة مثقفة ، مارتن يعرف الكثير عن الاوبرا.
الأمر لا يهمه لكن ذوقها في الرجال سيء، لم يكن مهتماً بتالي ! وكرر هذه العبارة
لنفسه، نعم لم يكن مهتماً بتالي سافاس، إنها تسبب له المشاكل في العمل، وعلاقتها مجرد
لكنه يفكر فيها طوال الوقت، وهو لم يفكر في امرأة هكذا منذ ان وقع في غرام زوجته
السابقة ميلسينت، وذكر نفسه بالكارثة التي استحال اليها زواجه ، حاول ان يبعد تالي
سافاس عن تفكيره فراح يعمل كالمجنون، ليستنفذ قواه حتى النهاية ، ولم يعد يرد على
المكالمات الهاتفية التي تأتيه من اشقائه وشقيقاته وامه وابيه.
كانت الحياة شبه مثالية . المعرفة هي القوة ، أليس كذلك؟
اذا كانت تالي تعرف ان والدها وضع خطة ليجعلها تحب إلياس أنتونيدس فكل ماعليها
عندما تعود كل ليلة الى منزلها كانت تطعم هرها وتعد الطعام لنفسها ، ثم تمارس القليل
من الرياضة لتخفيف التوتر الذي تشعر به.
بعدئذ تتوجه الى المطبخ لتعد الحلوى .. لأن خبز الكعك والحلويات يريحها من التوتر.
كانت تالي متوترة، او لعلها محبطة كما خطر لها ، ومن لا يفعل عندما يتواجد بحضرة
حسناً ، لعل ديسون وبول لا يتوتران كما ان روزي مشغولة بصديقها ولوسي لديها
لا احد من اولئك النسوة في المكتب لاحظ ان الياس أنتونيدس يجسد الرجولة.
وهذا لحسن حظهن! لكن تالي ولسوء حظها لاحظت ذلك .
لاحظت كيف يعقد حاجبيه عندما يفكر بعمق ، كما لاحظت غمازتي خديه عندما تنفرج
اساريره ويبتسم اثناء الاجتماعات، وفيما يفترض بها ان تستمع الى مايقال كانت تنشغل
بمراقبة كفيه الكبيرين والقويين اللذين يحملان آثاراً لا يفترض برجل يحمل القلم طوال
كما لاحظت عضلات جسمه تبرز من تحت قميصه ،وهذا دليل آخر على انه لا يعيش
حياة مرفهة كما قد يتبادر للذهن ، لم يبق امر يتعلق بمظهر إلياس انتونيدس لم تلاحظه.
والسوأ من ذلك كله انه اعتاد ان يتحداها ، كان يحملق فيها كمن يود لو تختفي عن
وجه الأرض ثم يوجه اليها اسئلة صعبة ، او ينتظر حتى ينهي بول كلامه فيلتفت اليها
وبعد ان ضبطت في المرة الأولى ، واحمر خداها ، واضطرت لأن تخترع اي رد ، رد لم
يكن بعيداً لحسن الحظ عن الموضوع لأنها قرأت الكثير من التقارير والملفات في الليلة
السابقة ، اقسمت على الا تضبط ثانية.
اصبح الأمر اشبه بلعبة بالنسبة اليها ، تراقبه خلسة ، وتتوقع في اي لحظة ان يمطرها
بالاسئلة وهي تجيبه بكل حكمة وبعد نظر، وبدأت تتطلع الى ذلك، وتشدد على الأمور
التي فاته ان يتطرق اليها لتظهر له انها ماهرة في ماتقوم به.
في بعض الايام وبعد الاجتماعات كانت تشعر وكأنها انتهت لتوها من النزال بينهما ،
وتحس بتدفق الأدرينالين في عروقها ، وكان هذا يثير مخاوفها.
------------------------------
كان برايان يجعل الادرينالين يجري في عروقها ايضاً، كان النقيب برايان آخر رجل
احبها لذاتها وليس للشركات التي يملكها والدها وساعدها لتكتشف افضل مافي ذاتها ،
وعندما تحطمت طائرته اثناء رحلة تدريب قبل سبعة اشهر من موعد زفافهما، احست
تالي وكأن جزءاً من ذاتها مات بموته ، لم يفلح احد في جعلها تشعر بأنها حية كما كان
وهذا لا يعني ان إلياس يشبه برايان! لم يكن كذلك ونقطة على السطر.
كان إلياس اكثر وسامة واكثر خشونة من برايان ذي الوجه المغطى بالنمش، إنه ناعم
ومتعجرف في آن، وبرايان لم يكن كذلك ابداً ، كما ان إلياس كان اختيار والدها
وليس اختيارها هي ، وإذا ما تعامل معها واحتملها فلأنه مضطر لذلك للسنتين المقبلتين.
كانت تعود الى المنزل منهمكة وتعبة ، وتستذكر ماقاله إلياس، وتفكر في ما إذا كان
بإمكانها ان تجيب بطريقة افضل واسرع واكثر حدة، كانت دوماً تفكر في شيء ما.
في البدء كان مظهر إلياس أنتونيدس الرجولي يشتت افكارها ويشغلها بطريقته في إدارة
عمله كمدير تنفيذي للشركة، كانت هرموناتها خامدة منذ وفاة برايان ، مامن شيء
الهاها عن عملها من قبل ولا حتى برايان ، بالطبع لم يتواجد برايان في مكان عملها لكن
إلياس متواجد وهو يلهيها عن عملها ، كانت تتخيله بالقميص والسروال واحياناً تتجرأ
لذلك كانت تعمد الى خبز الكعك بغضب ،ولهذا السبب خرجت مع مارتن ، لم تحلم
بمارتن قط، رغم انه وسيم بطريقة ما ، وهذا لا جدال فيه ، كان لديه ابتسامة ساحرة
وهي تحب عينيه العسليتين، كانت تحب عينيه ، لكن هل اثار مخيلتها يوماً . ابداً.
كان مارتن قادراً على ان يتحدث بإسهاب في أي موضوع يطرح، وموضوعه المفضل
هو نظرته الى العالم وكيف ابتعد كثيراً عن المعايير التي يراها صواباً، وكانت تالي بعيدة
عن هذه المعايير، ففي الليلة التي اصطحبها فيها الى دار الأوبرا، كادت تغفو على المقعد
كان عليها ان تبقى في المنزل وتراجع مازودها به إلياس من مواد ، وقد امضت يوم
السبت تفعل ذلك ، لتجد نفسها مشتتة الأفكار ، تتذكر كيف بدا إلياس وهو يحمل
طفل جوليا بعد ان احضرته الى المكتب ليراه زملاؤها.
لم تكن الفكرة فكرة إلياس بالطبع ، كانت النسوة يختطفن جياكومو ويلاعبنه، وكانت
ثرينا تحمله عندما اطل إلياس برأسه من مكتبه مستفهماً بتهكم متى ستنهي ثرينا العمل
الذي اوكله اليها ، كان يمكن لتالي ان ترد عليه بتهكم ايضاً ، لكن ثرينا فعلت ماهو
القت بالطفل بين ذراعي إلياس وعادت مسرعة الى مكتب الطباعة لتكمل مابدأت ، لم
تعلم تالي من صدم اكثر إلياس ام الطفل ، اعتقدت انه سيعيد الطفل الى امه لكنه لم يفعل
بل حمله بين ذراعيه وابتسم له.
كان الوضع الاكثر إثارة ، كان بإمكانها ان تغمض عينيها وترى النظرة الحانية على وجه
إلياس ، لم يظهر اي نفاد صبر او انزعاج .
عندئذ ادركت تالي ان ثرينا اخطأت إذ اظهرت جانبه الحسن اللطيف المحبب ماجعله
جذاباً اكثر من المعتاد وإن بشكل مختلف.
من السهل مقاومة رجل لا يتمتع إلا بمظهر خارجي جذاب، لكنها شعرت بصعوبة اكبر
في تجاهل انجذابها اليها عندما رأته يحمل الطفل بين يديه.
--------------------------------
كما انه يستمع بصبر الى الاتصالات التي ترده من امه وشقيقاته، وعلى الرغم من موقفه
المتصلب والقاسي في العمل بدا مختلفاً تماماً عندما يتعلق الأمر بالعائلة، وبعد ظهر ذلك
اليوم نفسه، بعد رحيل جوليا ضبطته تالي يتحدث عبر الهاتف ويوافق على شراء بعض
الحلويات لتبرعات تجمعها حفيدات صديقة امه.
وعندما لاحظ انها تستمع الى حديثه رمقها بنظرة مخيفة فابتسمت له، لكن إلياس مقلق
ايضاً ماجعلها تقبل دعوة مارتن لحضور عن الاحتباس الحراري.
توقفت امه عن محاولات تعريفه الى النساء، وارتاح إلياس من توقف هذه المحاولات
المفاجئ لكنه مالبثت ان عرف السبب.
لم تعد امه تهتم بإيجاد زوجة له لأن والده فعل ذلك، لكن إلياس لم يتمكن إلا ان يقول
كما اعتاد ان يفعل من قبل:
- لا ياأمي، لست مهتماً بالأمر ، كلا.
فلو وافق سيدركون انها أثرت فيه.
كان يعرف ماعليه ان يفعله، عليه ان يجد امرأته بنفسه ومن دون وسيط. لكنه يرفض
الزواج ، وهو لن يتراجع عن موقفه هذا ، اراد امرأة يخرج معها ويعاشرها.
كان والده يردد دوماً ان الرجل لا يحيا بالعمل وحده.
إلياس يعلم ذلك، ولهذا تعرف الى غريتل ، أليس كذلك؟!
لكن أشهر مرت منذ افترق عنها وعن أي امرأة غيرها ، ويبدو انه بحاجة لامرأة في
حياته، امرأة للترفيه، وليس زوجة تشاطره حياته ، وهو لا يحتاج رئيسة شركة انتونيدس
نهار الاثنين ، وبعد ان انهى عمله توجه الى احد المقاهي في آخر الشارع حيث طلب
عصيراً وراح يتفرس في النساء اللواتي لم يكن برفقة رجال، لم يكن لأي واحدة منهم
شعر اغراه بأن يخلل اصابعه فيه، فأنهى العصير وعاد من حيث أتى.
نهار الثلاثاء جرب طريقة اخرى ومكاناً آخر فتوجه الى مطعم تعزف فيه موسيقى الجاز
حيث توقع ان يقابل امرأة تأسره اكثر ، ولم يفكر في المرأة التي تعمل في مكتبه التي تحب
موسيقى الجاز والتي خرجت لمشاهدة الأوبرا مع مارتن دي بور.
نهار الاربعاء قصد نادي اللياقة البدنية، غالباً ماكان يلعب كرة السلة ، لكنه لم يجد اي
امرأة في فريقه فقرر ان يلعب كرة المضرب مع مدربة فرنسية تدعى كلاريس، لعبا بجد
وتعرقا كثيراً، وبدا له الوضع واعداً فدعاها لتناول الطعام لكنها هزت رأسها واسبلت
- لنذهب الى منزلي بدلاً من ذلك.
لكن عندما غادرا النادي قاصدين منزل كلاريس، اتصلت والدته على هاتفه المحمول ،
- يجب ان ارد على المكالمة.
قد تعتقد انه اتصال عمل ، لكن الحقيقة هي انه لو لم يرد لاتصلت امه في وقت آخر
قالت امه وقد ارتفع صوتها وازداد حدة وبدا عليها الانزعاج :
- لقد فسخت علاقتها بجوليان وهي مستاءة وحزينة جداً.
- ستتجازو الأمر ، إنها فتاة راشدة.
لكن هيلينا لم تستسلم بسهولة :
- عليك ان تتحدث اليها ، حاول تهدئتها ، إنها تستمع اليك.
- ستتدبر امرها ياامي ، ستكون بخير.
- لا اعتقد ذلك، انت تعرف مارثا.
-------------------------------------------
كان بالفعل يعرفها ، يعرف الهستيريا التي تصيب افراد عائلته الذين يعتقدون ان العالم
- امي يجب ان اقطع الاتصال.
لكن الاوان فات إذ لاحظ ان كلاريس بدأت تبتعد ، أي امرأة ترضى بأن تصحب الى
منزلها رجلاً يمضي معظم الوقت يتحدث الى امه؟
ولما افلح اخيراً في إسكات امه تذكرت كلاريس انها وعدت جارتها بزيارة وقالت
- إنها وحيدة ، ولا اريد ان اخيب ظنها.
وابتسمت له وتراجعت ، وفهم إلياس الإشارة فقال:
لكن ليس يوم الخميس ، فقد امضى إلياس اليوم كله مع بول وتالي في مصنع توم
كوربيت يدونون الملاحظات ويتحدثون الى كوربيت ومدير الإنتاج ، للوقوف على
وبينما كان إلياس يوجه السؤال تلو السؤال ، راح بول يراجع الملفات والحسابات ،
واكتفت تالي بالتجوال في ارجاء المصنع والتحدث الى العاملين فيه ، مبتسمة للجميع.
وكانت قد احضرت معها بعض الكعك بالقرفة وراحت توزعه على كوربيت وموظفيه،
وتبادل الوصفات مع بعض الموظفات.
لاحظ إلياس ان كوربيت ينظر الى قامة تالي بتقدير اكبر مما يجب فرد بحدة:
- لا اعلم كيف تركز على العمل وتبقي يديك بعيداً عنها.
لم يكن من اللياقة ان يقول كوربيت مثل هذا الكلام ، لكنه للأسف كلام صحيح،
كانت تالي سافاس تثيره الى حد الجنون.
--------------------------------