عرض مشاركة واحدة
قديم 25-11-17, 09:08 PM   #262

دنيازادة

نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة

alkap ~
 
الصورة الرمزية دنيازادة

? العضوٌ??? » 263614
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 6,235
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » دنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
نحن بين رحلة حضور وغياب، ستُدفن مهما كانت قيمتك، وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك اصنع اثراً جميلاً فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
افتراضي



الفصل الثامن

سألت زويا الجدة توجان: - بعد كل الحب الذي عشته مع الجد الشهم نارت هل استطعتِ أن تحبي مرة ثانية؟
بفطنتها وحدقتها التي مازالت تتوهج أدركت مغزى السؤال والهدف المرجو: - الحب يأتي بأكثر من شكل ويتغلغل إلى الروح بأكثر من طريقة..
أكملت الجدة توجان مستطردة:- لا .. أنا لم أتزوج الجد مستافة عن حب.. قبلتُ به زوجا لقناعة عقل وتفكير.. بعد استشهاد الشهم نارت رفضتُ الزواج ليس فقط لأن الجميع أعرض عني ولم يتقدم لي أحد بل لأني رغبتُ بالبقاء مخلصة لعهود حبي لنارت وعدم السماح لرجل أخر أن يحتل مكانته لا في قلبي ولا حياتي.. لكن قدر الله ومشيئته تعلو على كل شيء.. الحياة وضعتني بمواجهات لا يمكنني معها تحدي الأمر الواقع .. شئتُ أم أبيت ذلك لم أجد سبيلا أمامي ألا الرضوخ..
كنتُ شابة بأوج العمر حينما أصبحتُ أرملة مرتين وبحضني طفل صغير ما زال يحبو على الأرض ويتعلم نطق الكلمات..
عمان بالقديم كانت مختلفة تماما عن الحاضر.. وفي سبيل تعايشنا بين العرب ولننسجم بمحيط بيئتهم اضطررنا لتغيير الكثير من نمط حياتنا نحن الشركس بما يتعلق ويسود بالأعراف والنظام العام بأمارة شرق الأردن..
وضعنا ملابسنا الوطنية الشركسية في صناديق مزخرفة وأغلقنا عليها لنلبسها بالمناسبات والأعياد، خبأنا شعارات عائلاتنا ومعها حكاياتنا وبطولاتنا، انتصاراتنا وانكساراتنا، أحلامنا وخيباتنا، أمالنا وضياعنا..
لم يعد لدينا زينا التقليدي الذي نتقيد به، ارتدينا فساتين تصل طولها إلى ما فوق الكاحل أو منتصف الساق وبموديلات مختلفة كل واحدة وقدرتها على الابتكار والتخيل..
قيل لنا أن علينا التحجب كما تفعل نساء العرب لذلك أصبحنا عند خروجنا نضع (كابا) فوق الفستان، رداء أسود سميك واسع مفتوح من الأمام بأزرار وأكمام طويلة فلا يظهر ما تحته ونغطي الرأس والأكتاف حتى منتصف الوركين، ونرخي على الوجه نقاب أسود شفاف يثنى ثنيتين، كنا نحن الشركسيات نرفع إحدى ثنيات الجورجيت على الرأس ونترك الثانية لنسدلها حتى لا تبان ملامحنا بوضوح..
والمرأة في عمان بالماضي زمن الأربعينات لم تكن تتمتع بحقوق حرية التحرك والخروج لوحدها كهذه الأيام.. كنتُ إذا أردتُ الذهاب إلى السوق لشراء احتياجات البيت من طعام ومؤن أو لوازم مشغل الخياطة يجب أن ترافقني ياميه ستناي أو باباج أنزور العجوز الذي لم يكن قد عاش له من الذرية غيري فلقد رزقه الله سبحانه بي بعد أن غزا الشيب رأسه، أنها قدرت الخالق إذا أراد شيئا قال كن فيكون..
أكثر ما اتعب قلبي وجعلني أتمنى لو ولدتُ رجل كان أذا مرض ابني نيازي أو ارتفعت حرارته ليلا في برد الشتاء القارص أحتار ماذا أفعل.. وأشفق على باباج أنزور فلقد أصبح طاعن بالسن وحركته ثقيلة وأخاف أن خرج معي تحت المطر يعود مريضا عليلا هو الأخر..
حتى ياميه ستناي لم تعد بقوتها البدنية صارت عجوز وهدتها كثرة الهموم والأحزان على ما واجهته في ريعان شبابي من دسائس ونظرات ارتياب الناس التي تتسم بكثير من ألهمز واللمز، ينهشون لحمي بتلميحاتهم المهينة وتلقيحاتهم المستفزة وهم يتهامسون :- قبرت اثنان من شباب الفرسان.
كنتُ أشيح وجهي عنهم بلا اكتراث لسخافات كلامهم وبلا مبالاة لأقاويلهم السيئة.. لكني أعلم أني أصبحتُ بينهم كاللعنة تتعثر بسوء حظها وكالشوكة منغرسة في خاصرتهم.
كنا كلما خرجنا لسوق لشراء لوازم مشغل الخياطة تستند يامية ستناي بثقلها عليي متشبثة بيديها في ذراعي اليمين، وبذراعي الأيسر أحمل أبني نيازي النائم فوق كتفي، نمشي ببطء شديد خمس خطوات ونتوقف لترتاح ياميه قليلا..
وفي طريقنا ونحن متوجهتان من حي المهاجرين إلى ساحة الحسين صرخت أمي بفزع قائلة:- بحق الله ما هذا الوحش الذي ينطلق من المنعطف نحونا بجنون!!!..
رأينا وحش خرافي يثير تحت أقدامه الضخمة المفلطحة زوابع الغبار.. هتفت أمي مصعوقة:- أنها سلحفاة ضخمة أسطورية تحدق بنا بعيون دائرية شيطانية .. اه يالهي .. قل أعوذ برب الفلق..
موجة من الغبار الهائج غمرتنا بالأتربة.. السلحفاة الضخمة العملاقة تتدحرج على أقدامها المستديرة .. تفح وتتوعد بالويل وتهمر بصخب بأنفاسها الجحيمية محدقة بنا بعيونها الكبيرة الغريبة..
تابعت أمي هلعها:- لابد وان هذا من علامات القيامة .. سبحانك يا قيوم.. يا رحمان يارحيم..
الشرطة حامو حولنا يبعدونا عن وسط الشارع حيثُ وقف المارة وتجمهر الناس يتفرجون على تلك الأعجوبة مشدوهين.. شاهدتُ باباج أنزور بين الجموع يتقدم نحونا يحث خطاه مستندا على عكازه.. قال لنا عندما أقترب:- أنها مارشنة (آلة) تدعى سيارة.
سألته أمي :- كيف ذلك ؟!!.. أنها تشبه السلحفاة الوحشية بالأساطير.
ضحك أبي بقهقهة مبحوحة ثم أوضح:- هذه ليست سلحفاة وحشية بل سيارة مصنوعة من الحديد ومواد أخرى.. أنها شيء مثل الترين صنعها الأجانب..
أجابته أمي ذاهلة :- والحق تلك لعجائب الزمن.. وسيلة النقل التي عرفناها بوطننا الأديغي كانت العربات الكبيرة الشبيهة بغرف مستطيلة تتحرك بعجلات كبيرة تجرها الثيران.. أنزور هل تذكرها؟.. تلك التي نقلونا بداخلها الروس كما لو كنا دواب..
استرسلت بوجع:- رمونا عند سواحل البحر وهجرونا غصبا عنا من بلادنا بالبواخر، تلك البيوت العائمة على سطح المياه.. وحينما وصلنا إلى فلسطين تعرفنا على العرسوبة السوداء الذي يسميه الأتراك ترين والعرب قطار سكة الحديد.. وبالحرب شاهدنا الذبابات العملاقة الطنانة وهي تلقي بيضات سوداء!!..
شرح ابي مفسرا قاموس المصطلحات الشعبية:- الذبابات العملاقة الطنانة تلك كانت طائرات.. والبيضات السوداء بومبات القنابل.
تابعت أمي بوجل :- والآن نبصر هذه السلحفاة الوحشية.
قال أبي بصوته المتعب:- ستناي أنها سيارة.. أحضرها الانجليز وينتقل بها مندوبهم السامي بين بلاد الشام... يقال أنهم أهدوا واحدة لسمو الأمير.
علقت أمي باستفسار:- لأنه حفيد الرسول الكريم؟
- بل لأنه أمير البلاد .. لا يجوز لقائد الجيش البريطاني أن يتنقل بمارشنة وسمو الأمير يتنقل ممتطي صهوة الخيل.

يتبع >>>>>>>>>>




دنيازادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس