عرض مشاركة واحدة
قديم 25-11-17, 09:08 PM   #263

دنيازادة

نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة

alkap ~
 
الصورة الرمزية دنيازادة

? العضوٌ??? » 263614
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 6,235
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » دنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
نحن بين رحلة حضور وغياب، ستُدفن مهما كانت قيمتك، وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك اصنع اثراً جميلاً فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
افتراضي



بعد الله عز وجل وباباج أنزور لم يكن لي أحد يعينني ويساندني على قضاء شؤوني ومساعدتي برعاية وتربية أبني اليتيم .. نعم عشائرنا متكاتفة وأفرادها نبلاء معروفين بالكرم والشجاعة ويتسابقون لعمل الخير وإغاثة الملهوف وحق الجيران، لكن كانت نفسي تعز وتأبى طلب العون أو خدمة من أحد.. لهذا عندما خطبني مستافه العربي رفضتُ مباشرة ألا أني عدتُ وفكرتُ بمنطق العقل وأصغيتُ لحديث الأهل.
قال لي باباج:- نحن سألنا عنه إنه رجل معروف شهبندر التجار أي ليس طامعا بما تملكين من ثروة.. ويتصف بالنزاهة والأخلاق.
وقالت يامية:- لا تقفلي على نفسك الباب أنتِ جميلة وشابة.. أمضي بحياتك..
بعناد وإصرار أجبت:- حياتي أبني نيازي.
ردت أمي:- نيازي طفل صغير والأفضل له أن ينشأ ويتربى تحت جناح رجل..
تحججتُ :- أذا تزوجت ربما يقرر أهل الشهم نارت أخذه من حضانتي.
أفصحت ياميه ستناي بحزم :- لا يمكنهم وأنتِ تعرفين ذلك لأن اديغتنا حازمة فالطفل لأمه.. لهم حق رؤيته وملاطفته والتأكد أنه يعيش بأمان ورعاية واهتمام.. يستطيعون أخذه بين فترة وأخرى إلى الجولان ليقيم بينهم ولا يحق لكِ منعهم أو الاعتراض على سفره معهم لوحده دونكِ.. أجل أنتِ أمه لكن أيضا هم أهله ولن يسامحك العلي القدير أذا حرمته بأنانية منهم ستكونين قاطعة أرحام، بل عليكِ تشجعيه عندما يكبر ليتعرف أكثر على أعمامه وعماته وأقربائه وأجداده طالبا برهم ورضاهم..
تابعت أمي برجاء وعينان دامعتان:- نحن يا حبيبتي لم يبق لنا من العمر كثيرا.. وافقِ يا أبنتي ليطمئن بالنا ولتقر عيننا برؤيتك مستقرة في بيت زوجك وليتمم الله الأمر بالخير ويبارك لكِ.. الشهبندر مستافه هو الآخر أرملا توفيت زوجته عن ولد وحيد، طفل صغير أكبر من نيازي بعام ونصف.
عندما التقيتُ بمستافه العربي كان صريحا واضحا حين قال لي أنه يحتاج إلى زوجة تؤنسه في خريف العمر، تعينه ويعينها على غدر الحياة، تهتم بشؤون بيته وتحفظ غيبته وتعتني بابنه.. أخبرني بأناقة وأدب وأحترم أنه شاهدني في متجره وقد أعجب كثيرا بحشمتي وأخلاقي.. وحينما سألته اذا ما كان يخشى على نفسه من نحسي رد قائلا بصوته الهادئ الرخيم:- المؤمن يدرك أن الله يبتلى المرء ليختبره والأشد بلاء أشد إيمانا..

تسليم مستافه لقضاء الله وقدره وإيمانه الشديد جعلني أشعر بارتياح عميق.. وحينما اشترطتُ أن يعيش نيازي معي وافق دون تردد قائلا:- سيكون أخا لأبني سعد الدين.
طلبتُ عدم أقامة عرس أو مظاهر للاحتفال، لا رقص ولا غناء ولا حتى زفة في بيت أبي.. ورغم أن مستافه أراد أجراء حفل لكنه أحترم رغبتي، لهذا لم يحضر عقد القران سوى المختار والمأذون وبضعة أشخاص..

لكن حينما دخلتُ منزل مستافة وجدتُ عددا لا يستهان به من النسوة قريباته ينتظرني هناك، كنتُ أرتدي فستانا طويلا بسيطا لونه أخضر غامق خاليا من الزركشة..
زغردت بعضهن وأعطوني قرصا من العجين قائلات أني يجب أن ألصقها بقوة وإحكام على البوابة الخشبية المزخرفة بالنقوش.. فعلت كما طلبن مني دون جدال وقد أدركتُ أن ذلك ولابد من عاداتهم والمفترض بي أن أحترم تقاليدهم مثلما حاولت طوال حياتي الالتزام بأديغتنا الخابزة.. عندما التصقت العجين بالباب ازدادت حدة الزغاريد ورشوني بالملح والأرز..
وهكذا اجتمعتُ مع الشهبندر مستافة بعقد زواج لنشكل زوجين وفي كنفنا ولدان لنعيش كأسرة من أب عربي وأم شركسية..

في منزل مستافه وجدتُ أغراضا جديدة لم أكن أعرفها من قبل.. فبدل موقدة النار في المطبخ شيء اسمه (بابور كاز) اختراع مذهل!! آلة نحاسية صفراء برأس صغير وببطن مستديرة تقف على ثلاث أرجل بارتفاع أربع أصابع.. يملأ البطن بالكاروسين من فتحه بالأعلى.. ويشعل البابور بالنار فتموج ألسنته الزرقاء مصدرا وشيشا عاليا.. احضر مستافة زجاجات فيها سائل يدعى سبيرتو سريع الاشتعال ولا يصدر شحبار
كانت كل امرأة تحصل على بابورالكاز تقول أن الذي صنعه سيذهب مباشرة إلى الجنة وتدعو له بالنجاح وطيب المقام في الدنيا والآخرة، فمن أخترعه أزاح عنا عناء كبير وخلصنا من هم إشعال موقدة النار لطبخ..
لو تحول أولئك الذين يصنعون أسلحة القتل والدمار إلى اختراع أدوات تنفع البشر لأصبحنا بألف خير.
وكان مستافه من أوائل الذين قاموا بتمديد مواسير المياه لتصل للمنزل من خلال محطة الضخ في رأس العين.. مدد ماسورة للحوش وركب فوقها صنبور نحاسي صغير يفتح ويغلق.. يفتح يتساقط الماء غزيرا ويغلق يختفي الماء!!.. يا لسعادة والنعيم يا ذا الجلال والإكرام..
للوهلة الأولى بدا لي وكأن ما أراه سحر!!.. سحر مفيد يرضيني.. الماء متوفر وهذا يريح من العمل الشاق، من لم يجرب لن يعرف حقيقة الشقاء الذي كنا نعانيه بنقل المياه من القنوات بالحارات، نعبأ جرار الفخار على أكتافنا وتسير بحذر شديد بحيث يجب الحفاظ على كل قطره منه حتى لا تهدر عبثا..
كان للماء الممد عبر المواسير يوجد عداد يؤشر على السحوبات المائية، ولأمتار الصرف سعر معلوم، وكل ثلاثة أشهر يمر موظف للحكومة يحمل دفترا ووصولات، أدفع الثمن ويكتب لي وصل بالقبض، وكنتُ شديدة الحرص على عدم ضياعها لأنها نقود مدفوعة وفي حال حصول خطأ نثبت أننا دفعنا المطلوب..
أصبحتُ أقوم بغسل الملابس بمياه جارية بالبيت فلا أضطر إلى حملها بوعاء كبير كما كنتُ أفعل بحي لمهاجرين لغسلها بماء سيل عمان..




أن يكون في الدار صنبور ماء يعني أننا نستطيع الوضوء لصلاة دون أن نحتاج لتيمم.. وكلما شئنا نتمكن من الاستحمام ولسنا ملزمين بالشح في الصرف..
كان مستافه شديد النظافة على نفسه ولجسمه رائحة قوية زكية مثل المسك، كل صباح يستحم بالماء حتى في أشد أيام الشتاء برودة.. ما أن يستيقظ يخرج الى الحوش تحت الدالية قرب أصص الزنبق حيثُ حنفية الماء وتحتها برميل واسع ممتلئ دوما بالماء النظيف، في أيام كوانين الماء يتغطى بطبقة كثيفة من الجليد، يضرب مستافه طبقة الجليد بقبضة يده فينكسر ثم ينزلق إلى الماء ويستحم.. كان قوي البنية في عز رجولته..
عندما جاء للمطبخ كنتُ منهمكة بأعداد الإفطار، شعره مبلول وممشط للخلف وقد ارتدى ملابسه التحتية فقط، بغتة فوجئتُ به وقد أحاطني بساعده الأسمر وضمني بحرارة إلى صدره المكشوف متوددا.. أجفلت لملامسته لبرهة وبرد فعل لاإرادي انتفضت بنفور للوراء بخطوة تلقائية، عاد وجذبني فلم أحاول التملص أو الممانعة، أحسستُ بدغدغة شعر صدره الغزير على خدي، أحكم تطويقي بذراعيه وشعرتُ بلفح أنفاسه وتهدجه بعواطفه المتأججة، بقيتُ ثابتة متيبسة بين يديه كالحائط صلبة جامدة لا حركة ولا صوت.. ابتعد على مضض بامتعاض قائلا:- ألن تليني!! لما هذا البرود والجفاء!!..
لهجته أنذرتني انه بدأ يفقد صبره.. أجبته بنبرة مرتجفة خافته :- لم أمنع عنك ما حلله الله لك.. ذلك حقك الشرعي.
هذر بغضب مكبوت:- لا أريدك كارهه أو مغصوبة.. تركتك لفترة لتعتادي وتألفي المعيشة معي ولكنكِ لا ترقي ولا تليني أبدا .
أغمض عينيه لثوانِ وتنفس بعمق، بدأت أعلم أن تلك الحركة عادته ليكبح فيها جماح اضطراب أحاسيسه وضبط اندفاعه ليعيد التفكير بصورة حكيمة بأعصاب متماسكة متينة.. عضلاته المشدودة استرخت ودمه الفائر برد، بدا لي أنه يخطط لأمر ما.

يتبع >>>>>>>



دنيازادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس