عرض مشاركة واحدة
قديم 25-11-17, 09:09 PM   #264

دنيازادة

نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة

alkap ~
 
الصورة الرمزية دنيازادة

? العضوٌ??? » 263614
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 6,235
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » دنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
نحن بين رحلة حضور وغياب، ستُدفن مهما كانت قيمتك، وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك اصنع اثراً جميلاً فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
افتراضي



في الأعوام الأولى لزواجي كنتُ كثيرا ما يجتاحني الحزن وتثقلني الكآبة مفعمة بالمرارات متعالية بصمت لا أفضي ولا أبوح بمكنونات نفسي لأحد.. أحاول جاهده أخفاء فرط ألمي الداخلي، لكن عندما أنفرد لوحدي تنفجر أوجاعي سيلا من الدموع والشهقات.. أتذكر بغصة وحسرة الشهم نارت، أتذكر العشق الذي عشته معه في ربوع الشام.. عشق هز صميم فؤادي وأشعل روحي بالمباهج.. تنتابني وخزت وجع بقلبي فأحس أني فقدتُ رونق ولذة طعم الحياة.. من بعد الشهم نارت أصبحت الحياة باهته وكل ما حولي بلا نكهة بلا مذاق ولا لون..
أزداد انغلاقا وصمتا عندما يرسل أهل الشهم نارت موفد لأخذ ابني نيازي ليقيم معهم في أشهر الصيف.. وعندما عجز مستافة عن مواساتي قرر أن نسافر إلى مكة المكرمة لتأدية فريضة الحج لترتاح نفسي وتهدأ روحي.
بعد عودتنا من الديار المقدسة بالحجاز اكتشفتُ ان مستافه حضر لي مفاجئة كبيرة أوصى عليها من فلسطين خصيصا من أجلي.. ماكينة خياطة ماركة سنجر العالمية جديدة حديثة تدار بالقدم.. سررتُ كثيرا بهديته ومحاولاته الدائبة لإرضائي.. شعرتُ بالامتنان والعرفان لكل ما يقدمه لي..
بأناقته ولباقته مستافه لم يتوقف ولم ييئس عن مبادراته لجعلي هانئة لعلي أرق وألين وأبادله بتوق مشاعره الحميمة.. كان حنونا وصبورا، حتى أذا استشاط غضبا يعود لاتزانه متمالكا لأعصابه ويستغفر الله محاولا دوما أن يتفهم وضعي مستعينا بالأحاديث النبوية الشريفة( ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم).

مستافه فعل الكثير لأجلي وأنا قدرتُ له ما احتمله وفيض كرمه، لذلك حاولت مع الأيام أن أميل له ولا أكدر خاطره..
الود راح ينمو بيننا مع السنوات بسبب العشرة والمعاملة الطيبة.. خاصة وأن مستافه كان رءوفا عطوفا طيبا مع نيازي بما يرضي الله.. لم يبخل عليه يوما فكما يجلب لأبنه سعدالدين الهدايا يجلب له محاولا أن لا يفرق بينهما.. لم يكن يأتي في المساء ألا وجيوبه مملوءة بالحامض حلو وملبس "الملك حسين" الذي كان عبارة عن قضامه مغمورة بالسكر الكثيف ابيض اللون وازرق.

وفي يوم الجمعة من كل أسبوع والمناسبات الدينية ورمضان يصطحبهما معه للمسجد الحسيني الكبير لتأدية الصلوات ويقرأ لهما سير الأنبياء وقصص الرسل وحكايا الصحابة الكرام والأولياء الصالحين من بين عباد الله المختارين.

بدوري حاولت جهدي ان أعوض سعدالدين عن فقدانه لأمه.. كنتُ شديدة الحرص معه كي لا اخدش مشاعره بلفظ أو كلمة في غير محلها تفلت من لساني في غفلة غضب أذا أوقع نيازي عن السلم أثناء لعبهما معا، أحاول أن لا أتدخل بلهفة قلب الأمومة وأضل على الحياد، أضبط وأكبح انفعالي، ألجم فمي عن التفوه بأي كلام.. أتابع مراقبتهما بانتباه من بعيد أثناء طهيي لطعام.. ولا اترك خيالي لوساوس أن سعدالدين أوقع نيازي قاصدا متعمدا إيذاءه.. فهما طفلان يلهوان ويتعاركان، يتقاتلان ويتصالحان سريعا ببراءة كأن شيئا لم يحدث..

وذات يوم عاد نيازي من المدرسة برفقة سعد الدين الذي تمزقت ثيابه وتمرغت بالتراب.. ركضتُ من المطبخ للحوش فزعه لمنظر الرضوض التي تملأ جسده الصغير.. شرح لي نيازي أنهما تشجارا مع أولاد بالحي.. أكمل سعدالدين بغضب ساحق:- كنا نمر من أمامهم عائدان من المدرسة عندما سمعتهم يستهزئون لأن نيازي أشقر الشعر أبيض البشرة مختلف لا ينتمي لنا نحن العرب.. أنا لم أسكت لهما قمتُ بالهجوم عليهم وضربهم.. لن أسمح لأحد شتم أخي نيازي.

في الصباح تأخر سعدالدين بالاستيقاظ من النوم، ذهبتُ لغرفته أتفقده فوجدته بوجه شاحب وجسد متعب.. بدأ يذبل وقد فارقه التألق الذي كان يطفح به وجهه وجسده، همد بلا نشاط، عالجته بالأعشاب العطرية الميريمية والبابونج لكن صحته ظلت تتدهور وتتراجع باستمرار مع نوبات الحمى التي تلتهمه وتمتص حيويته، حتى أضحى منهك القوى كالخرقة البالية بلا حول ولا قوة.. انتابني القلق والجزع وهو يزداد جفافا مع مطلع كل شمس..
جاء مستافة بالطبيب الذي فحصه ووصف له دواء.. سهرتُ الليالي الطوال حول فراشه أضع له الكمادات.. كان كلما فتح عينيه المتعبة الذابلة مناديا بإرهاق (يمّا) يجدني بجانبه، أبتسم له وأطمئنه أني بقربه ولن اتركه مطلقا، أطعمه الحساء بيدي وأعطيه العقاقير بمواعيدها داعية المولى ان يكون به الشفاء العاجل، امسح جسده بقطعة قماش مبللة بالقليل من الخل وزيت الزيتون وأبدل ثيابه بأخرى نظيفة قمتُ بتعقيمها بغليها بالماء الساخن فوق بابور الكاز.. بقيت على تلك الحال لا أنام ولا يغفو لي جفن لارتاح حتى استعاد سعدالدين صحته وعافيته وتورد لونه.. ومنذُ ذلك الوقت توقف عن مناداتي بخالتي زوجة أبي وأصبح يناديني (يمّا الحنونة) والحق أني أحببتُه كابني ووجدتُ معه السلوى أثناء سفر نيازي للجولان.

بعد سنوات ولدتُ ابنه سميناها زينب.. مستافه فرح بها إلى أقصى حد بشكل لا يوصف.. قام بنفسه بتوزيع الحلويات في السوق التجاري بعمان، وذبح الخراف واطعم لحومها للفقراء والمحتاجين.. كان يقول:- الفتاة تبق لنا أما هؤلاء الصبيان عندما يكبران سيبتعدان وتلهيهم الحياة.. الابنة تظل العطوفة على أمها وأبيها والأقرب دائما.
ثم يحملها ويدور بها يهدهدها منشدا بترانيم خفيفة..
جاء شقيق مستافه وعائلته للمباركة، قالت زوجته عندما رأت زينب:- البنت حلوة مثل القمر ماشاءالله.. خرزة زرقاء في عيون الحاسدين.
كانوا قد أحضروا معهم هديه شوالين كبيران من القمح والسكر.. وقبل ان يجلس شقيق مستافه بالديوان وضع بيدي ليرة ذهبية عصملية تلمع ببريق يخطف البصر وقال:- هذه مقدم مهر العروس الصغيرة زينب.
لم أفهم قصده وفضلتُ التزام الصمت لجهلي وعدم معرفتي بكثير من تقاليد العرب.. بعد مغادرتهم استفسرت فأوضح لي مستافه أن حسب الأعراف والعادات العربية البنت تخطب لأبن عمها منذُ ولادتها..
صعقتُ وقلت:- هل هذا يعني أن زينب أصبحت مخطوبة؟!..
انتابني القلق على مصير ابنتي لكن مستافه طمئني أنه لن يتم شيء ألا بالرضا قائلا:- كل شيء بالخناق ألا الزواج بالاتفاق.

يتبع >>>>>>>>


دنيازادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس