عرض مشاركة واحدة
قديم 25-11-17, 09:11 PM   #265

دنيازادة

نجم روايتي وشاعرة متألقة في القسم الأدبي و كاتبة في منتدى قصص من وحي الأعضاء والمحققة الأعجوبة

alkap ~
 
الصورة الرمزية دنيازادة

? العضوٌ??? » 263614
?  التسِجيلٌ » Sep 2012
? مشَارَ?اتْي » 6,235
? الًجنِس »
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » دنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond reputeدنيازادة has a reputation beyond repute
?? ??? ~
نحن بين رحلة حضور وغياب، ستُدفن مهما كانت قيمتك، وستُنسى مهما بلغت مكانتك، لذلك اصنع اثراً جميلاً فالبصمة الجميلة تبقى وإن غاب صاحبها...
افتراضي



عمان/ وادي السير 2011م

استيقظت زويا ودينا ناعسات على صوت الجدة توجان عند الفجر، نكزتهما في فراشهما بعكازها وهن نائمات:- هيا قمنا للوضوء وتأدية الصلاة زيتا "بنات"... ليصلح الله حالكن ويرزقكن الخير.

دخلت العمة تيتان الغرفة منشرحة الأسارير، قبلت يدي وجبين الجدة واتجهت إلى النوافذ تفتحها لتعبر النسائم العليلة إلى داخل أرجاء البيت قائلة: - كل عام وأنتم بخير.. اليوم عيد الخضر عليه السلام .. في مثل هذا اليوم التقى نبي الله الياس بالخضر عند رأس النبع.

قفزت دينا ابتهاجا :- أنه اليوم الذي ننتظره ليحقق الله أمنياتنا.
ابتسمت العمة :- قمتً بسلق البيض للبركة وحان دوركما لتلوينه.

حول الطاولة جلست الفتاتان أمامهن الألوان الزاهية يصبغن البيض بإشكال ونمنمات جميلة متضاحكات.. بقربهما الجدة توجان تجهز صينية العيد.. فرشتها بأوراق الورد ونثرت فوقها الأزهار البيضاء ووضعت بينها الشموع وهي تقول: - في الماضي قبل أن يجف النهر في عمان أي السيل ويسقفوه، كنا نذهب هناك متزينين بأكاليل الورود فوق رؤوسنا وحاملين الصواني المليئة بالبيض الملون والشموع والحلويات لنحتفل بالأناشيد الدينية عند ضفافه ونطلب من الخضر باسم الله أن يحقق لنا الأماني.. فتلك التي لم تلد ترسم على الرمال صورة طفل فيه ولد وتتوسل أن يهبها الخالق الذرية الصالحة.. وهذه التي سافر أبنها وطالت غيبته تكتب على ورقة وتتطلب أن يجمعها به الله عز وجل بالقريب تاركه الورقة في النهر الجاري وهي تتوسل عودته..
أما المرضى كانوا يتوجهون إلى أبار وينابيع وادي السير وناعور ليستحموا بها وتتحقق بها الفائدة لأجسامهم كأنها شفاء..
باباج أنزور رحمة الله عليه كان يذهب ليحضر تراب أعشاش خليات النحل وتضعها أمي في قطعة قماش صغيرة تعلقها قرب الباب لتمنع الفقر وتجلب الحظ..
وهكذا في يوم الخضر المرء يطلب ما يريده.
أغمضت دينا وهمست داعية بخشوع وأيمان من قلبها المشتاق..
__________________________________________________ __________________________________________________



هتف بصوت عالِ:- جدتنا الحلوة.
بش وجه توجان وانشرحت أساريرها، لمعت عيناها بسرور رغم التعب الظاهر حينما التفتت تستطلع مصدر الصوت الخشن الرجولي فرأت الطبيب نارت واقفا عند باب غرفتها الذي لا يغلق أصلا..
: - فدتك عيوني يا أبن الغوالي..
تقدم سريعا وهو يمد يده اليمنى يلتقط كف الجدة يلثمها باحترام بعد ان نقل بحركة سريعة حقيبته إلى يده اليسرى قائلا:- كيف حال جدتنا الحلوة؟..
أجابته بحسره:- كبرتُ وهرمتُ، أصبح جلدي ملتصقا بعظامي وقد ذاب ما بينهما..
رد مداعبا كما لو أنها طفلة: - مازلتِ جميلة جواشة توجان.
ضحكت بتنغيمه خفيفة :-هل تطيب خاطري بمديحك؟! يالك من طبيب ساحر.. لا بأس ذلك يرضيني.
أنحنى بقامته يقبل جبين الجدة وجلس قربها عند حافة السرير وهو يغمرها بذراعية بلطف..
تأملته الجدة بإمعان شديد وتركيز :- أطال الله بعمرك كم تشبه جدك نارت رحمه الله.. تطل بومضات الفرح لتنير أفق حياتي كلما أتيت من دمشق..
أضافت هامسة تسأله:- أخبرني هل أنت واثق أنك لم تنفلت من السموات السبع لتشيع قليلا من الدفء في قلبي الساكن؟..
رفعت رأسها للأعلى وأكملت كمن تخاطب روح الجد نارت:- ياالله عليك أيها الشهم نارت.. حفيدك يشبهك.. شبهك تماما وكأنك أنت.. بكل تفاصيلك الوجه الأسطوري ، العينان المضيئتان اللتان تنفذان إلى أعمق ركن في حشايا النفس المنغلقة، ابتسامتك الرائقة..
كان الطبيب نارت يضحك بقهقهة مرتفعة عندما أطلت دينا واكتشفت ان حبيبها الغائب وصل إلى هنا بكل بهاءه.. رفرفت برموشها الجميلة لدى رؤيته..
أرتعش فؤادها وخفق بقوة رهيبة.. شعرت بقلبها يطير من صدرها كعصفور حبيس تفاجئ أن باب القفص مفتوح وأراد الانطلاق بحريه نحو الحبيب..
انتشرت بأوصالها رجفة اضطراب في إيقاع بطيء من إطرافها وصعدت إلى رأسها، ترنحت قليلا فاستندت بكتفها للحائط دائخة من قوة عواطفها.. تمتمت بوله " كم انتظرتك بلهفة.. أي وجه محمل بالبهجة، أي سحر رميتني به يا نارت" خيل لها أن عيني نارت الغامضتين جاءتا من الأساطير.
كانت ما زالت متكئة بكتفها على الجدار غارقة بحالة الهيام.. عندما سمعت الجدة تناديها :- دينا لما واقفة بعيدا.. تعالي فدتكِ روحي وسلمي على أبن عمتك نالقت (ياقوت).
اقتربت دينا بخديها المتوردتين وعينيها الخضروان المشتعلتان كلوزتين يانعتين شعشعت بالحياة..
نهض الطبيب نارت فحدقت به بنظرات يقظة مبهورة بقامته المديدة وكتفيه الوافرة ووقفته الرجولية.. أذابها بنبرته لما لفظ أسمها :- دينا..
ذبذبات حروف أسمها بصوته تغلغلت عميقا وسرت في شرايينها، سألها:- كيف حالك؟
بالكاد استطاعت تمالك نفسها من قوة تأثيره، نظراته قلبت كيانها بعمق وشتت رد فعلها.. كل تلك الكلمات التي حضرتها في ليالي سهادها لتقولها له تلاشت وضاعت، بل انمحت تماما من ذاكرتها، تلعثمت وارتبكت تجيب باقتضاب:- بخير.
تنحنحت الجدة وقد لاحت على ثغرها ابتسامة صغيرة عابثة:- فدتكِ عيوني دينا اجلبي من الخزانة الأكورديون واعزفي لنا.. لنحتفل بقدوم نارت.
دينا أومأت إيجابا وتهادت بمشيتها بخفر، فتحت الخزانة تسحب الصندوق الأسود الرابض على أحد الرفوف المكدسة بالأغراض والحوائج.. أخرجت الأكورديون العتيق وأغلقت الخزانة بتؤدة..
وضعت الأكورديون على حضنها وأراحت ذقنها المستدير الناعم على الآلة، بابتسامة خجولة على شفتيها الورديتين داعبت المفاتيح العاجية ثم انطلقت الأنغام ناعسة رقيقة هادئة والمنفاخ في وسط الآلة يتماوج بالهواء عابثا بأطراف شعرها الناعم حول وجهها المتورد كما أوراق زهرة بالكاد تتفتح براعمها.. بدت شفافة كقطرة الندى تلمع..
جلس الطبيب نارت فوق الأريكة مرتكزا برأسه إلى الخلف يميل نحو كتفه الأيمن.. نظراته تومض، تتوهج كجمر مغلف بطبقة رقيقة من الرماد القاتم بحزن مبهم.
بضعف صاحت توجان باستهجان: - نحن لسنا في مأتم.. لما كل هذا الحزن وأنتم بعنفوان الشباب وعمر الورود.. هيا دينا.. فدتكِ عيوني هاتِ لنا نغما يتسم بالبهجة.

تطايرت أنامل دينا على المفاتيح العاجية لتصدح الألحان المرحة وتنفجر بطاقة نبض حيوية الحياة..

جاءت العمة تيتيان مصفقة بيديها وتبعتها الجارات.. تعالى التصفيق الإيقاعي بانتظام مع أصوات الأهازيج والضحكات الرنانة..
خلال دقائق كان منزل الجدة توجان قد اكتظ بالأجساد الراقصة في حفل جوغ عفوي شارك به الجميع احتفاء بالطبيب نارت الذي همس لدينا قائلا: - لقد ملأتِ القلوب فرحا بعزفك المبدع.


نهاية الفصل الثامن



دنيازادة غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس