:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::::::::::::::::::
في الــيــوم التالي جلـسـت أمـــام الفطــور تـتــأمل الطعام من دون
شهية . كانت تشعر بالغثيان , ولم تكن هذه المرة الأولى أيضاً .
أتراها أصيبت بعدوى ؟ لكنها لم تكن تشعر بالمرض . . بل بمجرد
وبينما كانت تفكر في هذا اللغز , خطر لها أن جسدهــا يتصرف
وبـحـســاب بسيط على أصابعها , اكتشفت أن دورتـها الشهرية
تأخرت أيام عدة . عادت تحسب لكنها لم تستطع أن تتذكر التواريخ
الصحيحة لأنـها لــم تهتم قط من قبل بهذا الموضوع . و اختلطت
التواريخ في ذهنها , وجمدت مكانها وهي تتذكر أنها لم تتخذ أي
احتياطات لمنع الحمل . . كما لم يفعل راوول !.
كل ما حدث بينها وبين راوول حدث بسرعة . ولم تجر العلاقة
بينهما عن سابق تصور وتصميم .
هل كان يفترض أنها تتناول حبوب منــع الـحمــل ؟ ربــاه , كيــف
أوصلت نفسها إلى وضع كهذا ؟
في الشهر الماضي لم تعاشر راوول سوى أسبوع واحد , فكيف
تنجب في مثل هذا الوقت القصير ؟ ألم تقرأ مقالة صحفية عن
انخفاض معدل الخصوبة لدى المرأة ؟ لعل التوتر والإرهاق جعلا
دورتها الشهرية غير منتظمة وجعلاها تشعر بهذه الوعكة . ستنتظر
أياماً عدة فإذا بقيت على حالها , ستشتري اختباراً للحمل . على أي
حال , من الجنون أن تقلق لشيء لا يحدث أبداً .
حول لها أمبرتو اتصالاً , وكان راوول الذي قال : (( أردت
الاتصال بك الليلة الماضية , لكن الاجتماع تأخر كثيراً )) .
كان صوته العميق رائعاً عبر الهاتف . قالت : (( لا بأس . لم أكن
ـ سنحضر الليلة حفلة يا عزيزتي .
ـ إذن , ســأحصل على سهر خارج البيت لحسن سلوكي ؟
ـ وسهرة في البيت لسوء سلوكك . خمني أيهما أفضل . أنــا لا
أثناء ارتدائها ملابسها ذلك المساء , انتظرت مقطوعة الأنفاس
فتح الباب الموصل بين غرفتيهما .
ارتدت ثوب سهرة أخضر مكشوفاً عند كتفيها يبرز لن بشرتها
الناصع البياض . وأخيراً نزلت السلم .
خرج راوول يسير متمهلاً في الردهة وراح يتأملها بعينين داكنتين
بسواد الليل , عينان ما لبثتا أن تألقتا استحساناً : (( مظهرك جيد )) .
تورد وجهها لنظراته , وقالت : (( لا حاجة بك لإظهار الدهشة )) .
ـ خطر ببالي أنك قد تنتهزين الفرصة لإغاظتي بارتداء شيء غير
ـ أنـا لست إلى هذا الحد من الصبيانية .
وتنحنحت ثم عادت تقول : (( وبالمناسبة , أعدت خاتـم الزواج . .
فقال ببرودة ناعمة : (( ولِمَ لا ؟ لقد جــاهدت بما يكفي للحصول
التهب وجهها وكأنه صفعها : (( عندمــا تتحدث إلي بهذا الشكل ,
فضحك ساخراً : (( الكراهية تقلـيــد متوارث بين المتزوجين في
ـ إذا أحبت أمك رجلاً آخر , فهذا لا يعني أنهــا كانت تكره
ـ كلا . كانت أمي تحب ذلك الــرجل نفسه عنــدما تــزوجت أبي .
وعندما عرف أبي الحقيقة تحول حبه لها إلى كراهية .
فأجفلت : (( وما الذي جعلها تتزوجه ؟ )) .
كانت السيارة الآن تنتظر أمــام المنزل . فأجــاب : (( كــانت جدتي
تحب المال مثلها , لكنها أحسن أخلاقاً , فأعطت جدي كليمنت ولداً
ثم أخبرته أنها أدت واجبها . ورغم أنهما بــقـيا تحت السقف نفسه
حتى ماتت , إلا أنهما لم يعيشا زوجاً و زوجة مرة أخرى قط )) .
ـ يـــبـــدو من الـــخطأ أن تتزوج أمك أباك بينما هي تــحب رجلاً
آخر . لعلها تعرضت لضغط لست عن علم بها , أو لعلها اعتقدت
أنها تقوم بالأمر الصواب وأنها ستتعلم كيف تحب أباك .
حرصت هيلاري في جـــدالها هذا معــه على أن تــشجــعه على
تخفيف حكمه على أخطاء الآخرين .
فقال بجفــاء بالغ : (( هذا التعليل لـــم يـــخطر في بالي قط . أتظنين
أنها أنجبتني آملة أن تتعلم كيف تحبني أنا أيضاً ؟ )) .
أجفلت لــســخـريــتــه هذه , وقالت : (( أدرت فقط أن أقول إن ثمة
وجهين لكل زواج فاشل وقد يكون هنــــاك ظروف مخففة . . كنت
ـ لكنني لا أحتاج إلى مواســـاة , أنـا لا أتـذكر أمي , فقد مــــــاتت
ـ آسفة لأن القدر لــم يـسمح لك بـأن تــراهـا . نــعم , أعــرف أنـك
تظنني عاطفية أكثر من اللزوم . لكنك لو تعلم ما أنـا مستعدة لفعله
لكـي أستعيد أمـي وأتحدث إليها ولو لخمس دقائق . . أنا مستعدة
للقيام بأي شيء من أجل هذا . .
قاطعها هازئاً : (( إذا كنت لا تستطيعين أن تقنعي قلبك بأن ينزف
بصمت , فسأحضر الحفلة وحدي )) .
فقالت وهي ترتعش قليلاً وعيناها تغرورقان بالدموع بعد أن
أحست بغصة : (( أظن أن هذه أفضــل فكرة سمعتها . لا أراني أريد أن
أمضي دقيقة أخرى مع شخص من دون شعور مثلك )) .
ـ اهدئي , كدنـا نصل إلى المطار . أنت عاطفية للغايـة . .
قالت بعنف وهي ترتجف : (( من غير المحتمل أن تشعر بالحزن ,
أليس كذلك ؟ أنـا لا أخجل من إظهار عواطفي )) .
فقال بهدوء : (( أنـا لا أطلب منـك أن تخجلي , بـل ألا تظهري
لكن هيلاري وجدت صعوبة في أن تتحكم في عواطفها الجياشة :
(( لقد أحببت والدي كثيراً وما زلت أفتقدهما بشكل هائل . علماني أن
يكون ظني بالناس حسنـاً , رغم أنني اكتشفت لاحقاً أن العالم ليـس
ـ ابــنـة عم أبي , ماندي , عنـــــدما علمت بـــــموت والـــــدي , بــدأت
تحــركــاتــها . أقنعت مؤسسة (( الشؤون الإجتماعية )) بأنها الشخص
الوحيد المناسب و القادر على تنشئة أختي إيما وتحمل مسؤوليتها .
و كنت أنا أعتبر قاصراً حينها . وتملكني الفزع من أن أفترق عن أختي
فنقلتنا ماندي لنعيش معها في منزل كبير مستأجر . . .
شعرت هيلاري بألم بالغ لهذه الذكرى , فسألها : (( ثم ماذا ؟ )) .
ـ ابتزت ماندي وصديقها كــل مــا استطاعا الحصول عليه من
نقودنا . استولت على النقود التي تركها لنا والدانا . لم يكن المبلغ
كبيراً لكنه يكفي ليبقينا أنا وإيما , مرتاحتين لسنوات عدة . وعندما لم
يبق لدينا ما يمكن أن يُسرق أو يُباع , رحلت من البيت ذات يوم ولم
ـ أظنـك استدعيت الشرطة , فـإسـاءة الأمانـة جريـمة .
ـ كان المال قد نفذ وليس بإمكان أحد أن يعيده . كان لديأمور
أخرى تقلقني أكثر . . . مثل العثور على مكان أقل كلفة نعيش فيه ,
وبحـنـان غير متوقع , أمـســك بـيـدها يـضغط عليــها : (( لقد وثقت
بماندي لأنها كانت من أقاربك . ولا بد أن غدرها تسبب لك بصدمة
وبدلاً من أن تداري مشـــاعرهـا , أفزعها أن تـدرك أن تـلـك الرغبة
في إطلاق العنان لدموعها تزداد قوة .
وتمتم بصوت لاذع أجش : (( عنـدمـا فقدت ذاكرتي , لــم يكــن لدي
خيار سوى أن أثق بك . وصدقت أن زوجتي . . . )) .
سحبت يدها من يده بعنف وقالت : (( لـسـت بحاجة إلى أن تــقول
المزيد , فقد فهمت ما تريدني أن أفهمه . لكن كل ما فعلته أنـا هو
أنني حـاولت أن أتصرف وكأنني زوجتك . لــم يكن لدي أية دوافع
خفية , كما لم يكن في نيتي أن أكسب مالاً من زواجنا )) .
ـ الزمن وخده هو الذي سيبرهن مدى صدق هذا الإدعاء .
ـ اسمع . مــــا هي مشكلتك ؟ أنت وسيم بشكل لا يصدق , مثير
للــغـايـة , ومع ذلـك يبدو أنك لا تصدق أن امرأة مــا قد تريدك
فأجـاب بنبرة ناعمة كالحرير : (( أو من أجــل جسدي )) .
صدمهــا ذلـك وفقدت أعصابها وتملكتها ثورة لم تستطع التحكم
فيها : (( هذا أحد الأمور التي لا يمكنني أن أطيقها فيك . تحب دوماً
أن تكون لك ملحوظة ذكية . أنت مقتنع بأنك لا تخطئ فتلومني على
كل مــا يحصل . إذا سقطت السماء فوقنا في هذه اللحظة , لقلت أن
لم يهتم لهجومها هذا وقال و هو يتفحصها بنظراته : (( نعم . . من
المعروف أن الصراخ يسبب انهيار الجبال )) .
تنفست بعمق لتتحكم بمشاعرها . كانت ترى ملامحه الوسيمة
بشكل يفوق الوصف من خلال ضباب أحمر , وفي تلك اللحظة من
العداوة , فتح السائق الباب .
وعندما استقر بجانبها في الطائرة المروحية , همست بصوت
كالفحيح : (( أريدك فقط أن تعلم أنني أكرهك )) .
تخلل شعرها بأصابعه الطويلة , ثــم أمســك بها وعانقها . شـعــرت
وكأنها هوجمت ثم قذفت من فوق جرف عالٍ إلى هـــاويـــــة سحيقة
مــال إلى الخلف وأخــذ يحــدق إليـها بعـنـف : (( سنبقى في الحفلة
كــانت تلهث , وأذهلها عنــف مشـاعرها رغم محاولتها إبقاءه بعيداً
عنها . إنه قادر على أن يؤذيها , وسيؤذيها ما دامت تحبه .
ـ أنت تجعلينني أحترق من أجلك . . بالكاد نمت ليلة كاملة أثناء
غيابك في لندن . لكنك عدت الآن ملكاً لي وستبقين كذلك حتى
أقرر أنـا العكس , يا جميلتي .
أنزلتهما الطائرة المروحية على سطح يخت فخــم حيث استقبلوا
بترحيب بالغ وكأنهما من العائلة المالكة . كانت هيلاري تشعر
بدوار , وكـل مــا تراه هو راوول , وجـســمه الكبير المتوتر
المتململ بجانبها , وذراعه القوية التي تطوق خصرها . إلا أن آداب
المجتمع أخذته منها إذ جاء مضيفه يحثه على أن يقابل صديقاً
أمسكت هيلاري بكأس شرابـها الذي لــم تـمسه . أحست بالأنغام
وثرثرة الحضور تكتنفها , وأخذ المضيف يقدم إليها وجوهاً غريبة .
ملابس النساء الأنيقة وحليهن الرائعة أغشت منها البصر فأخذت
تطرف بعينيها . كما زادت حركة اليخت الخفيفة الأمر سوءً وباغتتها
الرطوبة الساخنة وتملكها دوار وشعرت بغثيان شديد . وعندما التفتت
بـلهفة تــبــحث عن مقعــد , كـــان الأوان فات و سقطت على سطح
عنـدمــا استـعادت وعيها , كــان راوول ينظر إليها بعينين غامضتين
وهو يقول : (( لا تقلقي يا عزيزتي ســآخذك إلى البيت )) .
عادت تطرف بعينيها , وحمدت الله بـصمت على تـلاشي شعورهــا
بالغثيان . رفعها بين ذراعيه , متبادلاً حديـثـاً قصيـراً مع مضيفيه
القلقين , ثم ســار بها إلى السطح العلوي ليركبا الطائرة المروحية مرة
عندما أصبحت الطائرة في الجو , قال لها بإعجاب ساخر : (( لا
أظنني رأيت في حياتي تمثيلاً أبرع أو أكثر سحراً من تمثيلك هذا )) .
تذكرت أنه أعرب عن رغبته في قضاء أقل من ساعة في
الحفلة . . . سرها أنه اعتقد حقاً أنها مثلت دور المغمى عليها لكي
تسره وتساعده على إيجاد حجة لترك الحفلة بسرعة . لم تساعد حركة
الطائرة في الجو ف استقرار أمعائها المضطربة , كما أن الحديث
فاق قدرتها على الاحتمال . شغلت ذهنها أسئلة عديدة زادت من
توترها . لماذا أغمي عليها ؟ لم يحصل لها هذا قط من قبل . لكنها
تذكرت أن بيبا أخبرتها أن الدوار أمر شائع في بداية الحبل . وحالما
حطت بهما الطائرة المروحية , التفت راوول إلى هيلاري ليساعدها
بينما أضـاءت ابتسامة خبيثة وجهه الوسيم : (( كان هذا أكثر حالات
الإغماء تأثيراً . حتى أنني ظننت , للحظة , أنه حقيقي )) .
تمتمت وهي تتكئ عليه : (( لقد كان كذلك . . . أظنـه دوار
فهتف : (( دوار البحر ؟ )) .
فــأضـافت بنبرة اعتـذار : (( وما زلت أشعر بالضعف )) .
تأوه وانحنى ليحملها مرة أخرى وهو يقول مستغرباً : (( دوار
البحر ؟ لم يمض عليك سوى ربع ساعة في البحر )) .
بعد ذلك بساعة كانت تستلقي في السرير وقد ارتدت قميص
نومها فيما جلس راوول عند أسفل السرير يتفحصها باهتمام . قالت
متذمرة : (( لا أريد أن أتمدد هنا كالجثة . . أشعر بأنني في أحسن حال
فقل معنفـاً وكـأنـه يـتحـدث عن أمـــر يــمكنــها تلافيـــه : (( الناس
الأصحاء لا يغمى عليـهم . . . إذا قــــال الطبيب إن حالتــك جيـــدة ,
فيمكنك أن تنهضي من السرير )) .
سمع طرقــاً على الباب , فقـال : (( لا بد أنــها وصلت . لقد اتـصلت
بها من السيـارة وطلبت منها أن تـزورنـا )) .
جــلـــسـت هيـلاري مذعورة : (( لا أريــد أن أرى طبيباً . . . بالله
عليك . . . لست بحاجة إلى ذلك )) .
ـ دعيني أحكم بنفسي على هذا . . .
ـ أنـا زوجك , ومسـؤول عن صحتـك وسعادتـك حتى لو لم تكوني
أخــرسهـا الخجل والإحراج فيـما فتـح الباب لامرأة في منتصف
العمر , ذات شعر رمادي مكوم فوق رأسها .
قالت هيلاري عندمــا أبدى راوول عدم رغبته في أن يغــادر
الغرفة : (( أريد أن أكون وحدي مع الطبيب )) .
أجــابـت على أسـئـلة الطبيبة بصدق , ثـم استسلمت للفحــص .
وأخيراً قالت الطبيبة باسمة : (( لا شك أنـك سبق وخمنت السبب .
شحـب وجه هيلاري لأن كــل ما فكرت فيه في هذه اللحظة هو
كيف سيتلقى راوول هذا الخبر وسألت الطبيبة : (( هل أنت واثقة ؟ )) .
فــأومـأت الطبيبة : (( ثمة دلائل لا تخطئ )) .
أســرت هيلاري إلى المــرأة قــائــلة : (( لا أريــد أن أخــبــر زوجــي
لـقد أذهلها ما سمعت . ستنجب طفــل راوول . قــد يكون طفلاً
بشعر أسود وابتسامة جذابة , أ, طفلة جريئة بعينين رائعتين كعيني
النمرة , لديها قناعة بأنها ستحكم العالم . نعم . . . ستنجب طفل
عندما دخل راوول الغرفة لــم تستطع أن تنظر إليه . نزلت من
السرير وسألها : (( ماذا تفعلين ؟ )) .
ـ كنت أعاني من دوار البحر وقد تحسنت الآن وأريد أن أرتدي
حملها وألقى بها على السرير : (( لا . الطبيبة قالت إنك بحاجة
إلى طعام ملائم وكثير من النوم , وأنا سأحرص على تنفيذ
قالت له بغضب حين وقف بجانبها يراقبها وهي تتناول طعامها
اللذيذ الذي أحضر لها على صينية مزينة بالأزهار : (( عمل الخير لا
منحها ابتسامة طويلة جعلت دقات قلبها تتسارع , وقــال : (( أنـا
أفكـر فقط في رغبـاتـي )) .
ـ عليــك أن تكون في صحة جيدة ونشيطة لتـنـفــذي مــــا أنتظره في
الأيام القليلة القادمة , فقد قررت أن آخذ فترة استراحة . . .
ـ لـكـنـك لا تـأخـذ عطلات . . . ؟
ـ امنحيني نفسك . . . . وسريراً , واتصالاً بمجلس الإدارة فآخــذ
احمر وجهها حتى منبت شعرهـا فتمتم بصوت أجش : (( سوف
أتـخلص من تـأثـيــرك هذا في , أو أموت وأنــا أحــاول ذلك , يا
ـ مــاذا ستفعل عندما تتخلص مني ؟
أثناء الصمت الذي تلا , كانت أضعف من أن تستطيع حتى
ـ أعيدك إلى بلدك ثم أعود إلى حيـاتـي الماضية الحرة غير
ـ ولماذا تنتظر ؟ لمـاذا لا تفعل هذا الآن ؟
ـ ما زلت مستمتعاً بك , فأنت تختلفين عشيقــاتي السابقات .
فقالت بحدة : (( وهل لمـشـاعري أي حساب في هذا ؟ )) .
ـ إنني أجعلك تشعرين بلذة هائلة , وأنت تعلمين ذلك .
ذكرها بذلك ببرودة عديمة الرحمة وإلفة العشيق القاسية , مدركاً
تماماً قدرته على أن يقلب كيانها رأساً على عقب لهفة وشوقاً .
عادت تستند إلى الوســائد خلفها و تغمض عينيها المجروحتين
بوقاحته . ذكرت نفسها بأن الصبر هو مفتاح الفرج و أن لا ضير
أحياناً من السير مع التيار . قد لا تحتاج أبداً أن يعلم أنها حامل
منه . هل عليها حقاً أن تخبره ؟ عندما سيفترقان , لن تراه مجدداً ,
وهي تريد طفلهما ومتلهفة إليه للغاية , ولديها الكثير الكثير من الحب
لتعطيه . وهي مستعدة لأن تقوم بأشق الأعمال لكي تمنح طفلهما بيتاً
لائقاً . كيف يبلغ بها الجبن حد البحث عن عذر لنفسها لئــلا تخبر
راوول على الفور أنها حــامل منه ؟
همست له حالمــا ابتعد البائع عنهما : (( أخبرتـــك أنني لا أريــد
شيـئـاً . ما الذي نفعله هنـا ؟ )) .
نظـر إلـيـها بـتـسليـة : (( ليس لديـك مجوهرات وقـــد حــن الوقت كي
وقفت على أطراف أصابعها لتهمس بنبرة التسلية نفسها : (( ليس من
الحكمة أن تخرج فكرة العشيقة من غرفة النوم . . . بدأت المزحة . . . )) .
ـ هذه المرة أنـا موضوع المــزاح . مــا من سـاعية خلف المـــال
أجـفلـت هيـلاري بدهشة و ألم , واتسعت عيناها واستقرتا على
ملامحه السمراء . مد ذراعه يحيط بها خصرها النحيف ليمنعها من
الابتعاد عنه وهو يحثها بصوت أجش ودود : (( فكري في ما قلته لك
لتوي . في الواقع , قد لا تجدين هذا إلا في الأفلام . أعترف بأنني
أسـأت الحكم على دوافعك منذ حوالي أربع سنوات . . . )) .
تنفست هيلاري بعمق , ثم سـألتـه : (( هل أنت جـاد ؟ )) .
واستغل صمتها ليجلسها على مقعد بجانب منضدة عرض
المجوهرات وهو يقول : (( البعض يعبر عن أسفه بتقديم الأزهار . . )).
قالت لاهثة : (( هل هذا صحيح ؟ )) .
لـم تستطع أن تفكر بـشكـل قويم , فقد أخرجها من حالة الألم
والإحباط لينقلها مباشرة إلى حالة الارتياح و السعادة .
ـ والبعض لا يعبر عن أسفه بالكلام أبداً , وآخرون مستعدون
حتى لشراء المجوهرات لك آملين ألا تتوقعي منهم تعفير وجوههم
أشرقت ابتسامتها كشمس الصباح , وكــادت تقهقه ضــاحكة لأنها
لم تنس قد ما قاله مرة عن أن تعفير الوجه بالتراب هو للفلاحين
وبعد ساعة , وبعد أن عـــادا إلى البيت , أخــذت تتمشى على
الشرفة فيما راح هو يـشرب كأساً من العصير . وكان النبات الغزير
يغطي الشرفات و الدرجــات التي تنحدر نحو التلة ومن ثم إلى
رفعت معصمها فالتمعت الساعة البلاتين في ضــوء الشمس
المتسرب من بين أوراق العريشة فوقها . وقالت تداعبه : (( الخروج
كانت تراقبه طوال الوقت مستمتعة بـقـربه , وبرجولته العنيدة
الجريئة , وحتى بإرادته العنيفة التي لا تلين و التي جرؤت على أن
تعارضها في متجر المجوهرات ذاك .
وربما أنه اعتاد أن يواجه تفحصها له , رفع حاجبه الأسود , وعيناه
اللامعتان مليئتان باللوم لعنادها في متجر المجوهرات ذاك وعدم
قبولها أكثر من تلك الساعة هدية منه . ثم قال : (( أردت أن أغطيك
فقالت ساخرة : (( ســأبــدو حمقــاء تـمامـاً )) .
ـ تبدين أشبه بإلهة وثنية , يا حلوتي .
خفق قلبها . وحده راوول يتصورها كمــا لا يستطيع أن يفعل
رجل آخر , تملكها الخجل من نظراته المقيمة , وتمتمت باضطراب :
(( لم تفسر لي بعد لماذا غيرت رأيك ولم تعد تعتبرني أسعة خلف
توتر وجهه القوي وأجاب : (( عندما ادعيت في لندن أنـك أعدت
معظم المبلغ الذي وهبتك إياه عند توقيع عقد المحاسبة وتبين أن
المال مــا زال موجوداً حيث لم يطلبه أحد وذلك منـذ حوالي أربـع
ـ لكن مــا الذي حــدث للــرســالة التي كتــبــتــهـا لبول كرويرو
ـ لم تـصله قط . حينذاك , كـان بول قد انـتـقـل إلى مكاتب محاماة
جديدة , ولابد أن رسالتك أرسلت إلى عنوانه القــديم فضـــاعت . إن
بول متـــكدر جــــداً لكل مـــــا جرى . وهو يعلم الآن أنه كان الحلقة
المفقودة في السلسلة , وهذا هو سبب سوء التفاهم الذي جرى بيننا .
كانت هيلاري مسرورة لمناقشتها موضوع المال الذي تـلـقتــها منه
أخيراً . قالت : (( لم أكن أنوي قط أخذ نقود منك , لكنني فعلت , لذا
لا يمكنك أن تلومه على الفكرة السيئة التي كونها عني )) .
ـ لم يكن لـديه الحق في أن يحكم عليك بذلك الشكل . . .
بدا الألم جـلـيــاً في عيني هيلاري , وتملكهـا إغراء في أن تقول له
إن بول كوريرو اكتسب على الأرجح هذا الموقف المتغطرس
قالت : (( أريــد أن أفســر بعض الأمور . عندما تــقابــلنــا لأول مـرة
كنا , أنا و أختي , نعيش في منطقة خطيرة . وكان رفاقها يظنـون أن
سرقة المتاجر أمــر مسل . كانت تهرب من المدرسة و كنت تعبة مـن
كن راوول يصغي إليها باهتمام بالغ : (( لم يكن لدي فكرة عن
مدى قساوة حياتك البيتية . فقد تصرفت ببشاشة على الدوام )) .
ـ العبوس لا يجعل الأمور أفضـل . منحتنا نقودك بداية جديدة
فاستأجرت شقة , وأنشـأت صالون حلاقة , ونقلت إيما إلى مدرسة
أخرى . المشاكل التي كنا نعاني منها توارت كلها . ولم أعد مضطرة
للعمل ليلاً , فاضطرت هي إلى البقاء في البيت ومراجعة دروسها .
وفي السنة التالية نالت منحة دراسية ومنذ ذلك الحين لم تعد تنظـر
ـ يجب أن تفخري بنفسك . أتمنى لو كنت أكثر صراحة معي
عندما اشتبكت نظراتها بنظراته , جف فمها وحولت نظراتها :
(( حينذاك , لم تشأ أنت أن تعرف عني شيئاً )) .
ـ لم أسمح لنفسي بأن أعرفك جيداً فدفعت أنت الثمن . لكـن
هذا كان في الماضي , أمـا هذا فهو الآن . . .
وأمسك بيدها يطبع عليها قبلة محمومة .
ارتعشت وارتجفت ساقاها . وبتمهل بالغ نزع عن كتفيها الوشاح
الحريري , فتمتمت : (( إننا في وضح النهار . . . )) .
كانت واهنة القوى مستعدة له من دون أن يقاوم بأي جهد مبالغ
راح رأسهـا يدور , ولــم تعد تستطيع أن تتنفس . ثورة مشــاعرها
جعلتها تنسى كل شيء ما عدا مشاعره العنيفة الساحقة .
بعدئذ , حمل جسدهـــا المتعب المسترخي بين ذراعيــه وأخـــذها إلى
غرفة النوم المنعشة . ابتسم لها راضياً فأرادت أن تبكي حباً وعشقاً .
أرادت أن تــــدوم هذه اللحظة من المــودة الصامتة إلى الأبــد . أزاح
شعرها عن عينيها وقبلها وضمها إليه فشعرت بالانـفعـال وودت لــو
تمضي بقية حياتها كهذه الدقائق وهي في أسعد حالاتها .
ـ أنــا أعبــد جسدك , وأقسـم أنه ازداد امتــلاءً منــذ رأيـتـك لأول
خفضت هيلاري بصرها لتخفي الذعر في عينيها , فيما عاد يقول
بصوت خافت : (( هذا لا يعني أنني أتذمر . أنت تفهمين ما أعني .
لاحظت رغبتك المتزايدة في أكل الشوكولا السويسرية . . . )) .
إنه ظنها تسكن لأنها تكثر من تـنـــاول الشوكولا . ابتعدت عنه
تأوه بصوت مرتفع , ثم شدهــا بيده يعيدها إليه : (( لا تكوني
حساسة للغاية . عن النساء يتلهفن إلى أن يكون لهن جسد كجسدك .
سيسرني للغاية أن أزودك دوماً بالشوكولا . من المنعش جداً أن
يكون المرء مع امرأة تأكل ما تريد )) .
لا يكفي أنه يراها سمينة , بل مهمة أيضاً . ليت هذا صحيحاً !
ليت ازدياد وزنها وامتلاء جسدها بسبب الشوكولا فقط .
وخلصت نفسها منه وأسرعت إلى الحمــام , فسـألها : ((أي جهنم
تجعلك لا تقديرين جمالك ؟ )) .
ـ لقد رأيت سيلاين . . . بجانبها أبدو قصية وسمينة .
التمعت عيناه غضباً وهب من السرير : (( سيلاين تطفئ رغبتي ,
أمـا أنت فتثيرينها . لا أستطع أن أبقي يدي بعيدتين عنك أكثر من
ساعة , حتى أنني تركت عملي في المصرف لأكون معك )) .
اغرورقت عيناها بالدموع : (( هذه مجرد رغبة جسدية )) .
سـاد صمت مطبق , وانتظــرت منـه أن يـخرق هذا الصمت ولو
بادلها النظـــر بعنـاد عنيف . كانت عيناه تلتمعان بغموض , وجسمه
الجبار يقف متأهباً وكأنه يستعد للدفاع عن نفسه ذد المهاجمين .
خاب أملها , وشعرت بغصة آلمتها , إذ لم ينكر قولها هذا . عليها
أن تكون أذكى من أن تظنه سيفعل . وبابتسامة سريعة أرادت لها أن
تقنعه بأن هذا النوع من العلاقات لا يناسبها , دخلت الحمام وأقفلته
خلفها , ووقفت تحت المياه المتدفقة فيما دموعها تنهمر على خديها .
كبحت شهقاتها . كل ما يمكنها ن تقدمه له علاقة مادية بحتة , و لا
يمكنه أن يقول إن لديها أي سبب لتتذمر .
مضى أسبوع منذ أحضرها إلى جزيرة سردينيا ليقيما في هذه
الفيلا الخلابة حيث يستمتعان بعزلة كاملة ورفاهية غير متكلفة .
بقيا متلازمين من دون انفصال مدة سبعة أيام . فكانا يتناولان
طعامهما على الشاطئ , ويسبحان في ضوء القمر . فضلاً عن
وجبات العشاء الشاعرية المتأخرة , والقيلولات الطويلة في الأيام
الحارة . تبادلا أحاديث طويلة في مواضيع نادراً ما كانا يتفقان
عليها . كان رفيقاً ممتعاً إلى حد لا يصدق . وعندما يحتاج أن يعمل
لساعة أو اثنتين , كانت تتكور في مقعد قريب وفي يدها مجلة , لتبقى
في رفقته . بالنسبة إليه , كانت هذه هي السعادة المثالية , لكنها أيضاً
تمثل تحدياً إذ راحت تكافح ببطء لتتعود على فكرة أنها حامل منه .
كان شعورها الجسدي رائعاً , ولكن كان عليها أن تتوخى الحذر
من ناحية الأكل و التعب . واعتاد أن يغيظها مداعباً لبطء حركتها ,
لكن جسدها كافأها على هذا الاحتراس الذي تعلمته فلم يعد الغثيان
بسبب لها مشكلة كبيرة , ولم تشعر بالدوار سوى مرة واحدة عندما
وقفت بسرعة فائقة . كما أن جسدها تغير إلى درجة أن راوول نفسه
لاحظ أنه امتلأ . لن تستطيع أن تخفي حملها أكثر إلا أن خوفاً بالغاً
تملكها من أن تخبر راوول بحملها هذا .
هذه المرة قررت ألا تبني قصوراً من رمال . كل صباح , وقبل أن
تقترب منه لتوقظه بقبلة , وهذا ما أدركت أنه يحبه , كانت تذكر
نفسها بفتور ببعض الحقائق . . .
إنه لا يحبها , وشعوره نحوها هو رغبة وحسب , وهذه الرغبة
تجعله عشيقاً لا يشبع . أمـا تمضية ساعات في الحديث معها , وأما
الحنان والاهتمام البالغ بها اللذان يظهرهما أحياناً , فهذا موضوع
آخر . على أي حال , إنه رجل محنك إلى حد كبير ولا يمكنها أن
تتصوره يتصرف بفظاظة أو بجهل . إنها ليست زوجته بكل معنى ا
الكلمة لأنه أعطاها ذات مرة أجراً للعب دور العروس .
إنها الزوجة التي اشتراها وليست الزوجة التي اختارها . كما أنها
لا تتمتع بالصفات التي في الرفيقة التي سيختارها في النهاية ! وتلك
الصفات كانت قد استخلصتها منه واحدة تلو الأخرى , من دون أن
يدرك كم المعلومات التي يكشفها , فهو يحب السمراوات الطويلات
وآخر عشيقاته كانت رائعة الجمال . إنه يعتبر الخلفية و النشأة هامتين
للغاية فضلاً عن التعليم الجامعي . وهي فاشلة من كافة النواحي
هذه . فهي ليست ولن تكون أبداً الزوجة التي سيرغب في استمرار
لهذا , سيشكل خبر حملها صدمة بالغة له وكارثة أيضاً . ولهذا
السبب راوغت طيلة سبعة أيام حيث عاشت كل لحظة ثمينة منها
وكأنها آخر لحظات ستمضيها معه . الوقت حان الآن للتحدث إليه .
ارتدت سروالاً حريرياً أزرق بلون عينيها مع بلوزة مطرزة تناسبه .
منذ شهر فقط كانت تكثر من الزينة على وجهها , لكنها خففت من
ذلك الآن . لقد قدمها راوول إلى عالم مختلف , ومن الطبيعي أن
تتفحص النساء في ذلك المجتمع الخاص . لطالما كانت شديدة
الملاحظة وسريعة التعلم , وسرعان ما أدركت كيف يمكن أن ترفع
شأن مظهرها مقارنة مع الآخرين . أطالت شعرها بحسب ذوق
راوول . . . إذ قال لها ذات مرة بإعجاب بالغ : ((إنه ذو لون خلاب
أريد أن أراه مسترسلاً على ظهرك أشبه بسلاسل من فضة يا
حينذاك , أجابته متذمرة : (( سيتطلب وقتاً طويلاً حتى يصل طوله
ـ سـأنتظر . يمكنني , إذا أردت شيئاً , أن أكون صبوراً جداً .
وكلي تسره , وعدته بألا تقص شعرها مرة أخرى . لــم تسمح
لنفسها بأن تتساءل كم من الوقت سيتطلب ترك شعرهـا الحاد
الأطراف حتى تصبح تسريحته هذه , أكثر الأمور التي سيشعر نحوها
كانت المائدة قد أعدت على الشرفة للعشاء . وكانت جميلة للغاية
بفضل فانوس الزجاج الملون المعلق على شجرة التين العتيقة
و الشموع التي تتألق في كؤوس بلورية والصحون الخزفية المذهبة .
ومن بعيد من بين النباتات الوافرة , كانت ترى بركة السباحة تتألق في
كانت هذه فيلا راوول . أحياناً كان يزورها مرة في السنة ,
وأحياناً لا يفعل . كان لديه أملاك كثيرة في أنحاء العالم , فهو لا
يحب الفنادق . حتى هنا , في أحد ابعد المساكن في الجزيرة , كان
راوول يتلقى أفضل الخدمات , فضلاً عن تواجد طاه عند الطلب
يحضر له أشهى الأطباق . ومع هذا الثراء الذي لا يمكن تصوره ,
كان راوول يعتبر تمتعه بمعدل من الحرية و الراحة لا يحلم بمثله
الآخرون أمراً مسلماً به . كان صاحب سيطرة وسلطة , فكيف سيكون
رد فعله على ما ستخبره به ؟ على وضع لم تسمح له بأن يسيطر
عليه ؟ وارتجف فمها النــاعـم للمشــاعر العنيفة التي جاهدت لكي
خرج على الشرفة وتقدم منها وهو يقول بصوت أجش : (( استديري
فأطاعته بشيء من التصلب فيما أضاف : (( تبدين جميلة . . إعتبري
نفسك محظوظة إذا استطعت التحكم في نفسي إلى ما بعد العشاء )) .
أثناء الصمت المتوتر , بللت فمها الجاف بجرعة من المياه
استقرت عيناه الذهبيتان الداكنتان عليها , والتوى فــمه الجميـــل
هازلاً : (( تقولين إنك قصيرة و سمينة . . لا أظن ذلك . . )) .
احمر وجهها تعاسة . أرادت أن تبقي شفتيها مطبقتين , و تندفع
إلى ما بين ذراعيه تحتضنه بعنف , لتتمسك بالسعادة التي منحـها
وأردف : (( كنت كئيبة متقلبة المزاج في الأيام القليلة الماضية )) .
فنظرت إليه بارتباك : (( أ . . أنــا . . )) .
ـ في لــحـظة تــضحكيـن كالمجنونة , و في اللحظة التالية تـتـملكك
الكآبـة و تـسيـل دموعك . هذه ليـست عادتـك .
أجــفلت هيلاري , ثــم شـجـعت نــفسهــا على الـــوقوف بصــلابـة
الصخر , لتقــول : (( لدي مــا أريـد أن أخبـرك به )) .
نهاية الفصل (( الثامن )) . . .