ازداد صـوته برودة عندما قال : (( أريد تفتيشك لا اغتصابك )) .
ـ ولماذا لا تجمع بين الاثنين ؟ أليس هذا ما يفعله أمثالك من
الرجال عندما يريدون مأرباً ما ؟
كان صوته ناعماً . ولكن عضلة في فكه تحركت متوترة . . وأحدق
خط أبيض بفمه . وتابع يســأل :
ـ هل أنت واثقة أنك لا تطلبين هذا بالضبط . . إن للفتيات
المدللات مثيلاتك سمعة . . آه . . لا . . لن تفعلي هذا . .
أمسك يدها بسرعة عندما رفعتها لتضربه , وأنزلها إلى تحت , ثم
كان تأمله الخبير لجسدهــا أكثر التجارب إذلالاَ . . وعندما أبعد
يديه عنها كانت نظرة عينيه متجهمة .
ـ أرأيت ؟ لست ممن يسيطر على رغباته , أليس كذلك ؟
ـ أنت . . أنت . . لا تطاق ! وأنا . . أكــرهك !
أوشكت دموعها على الانهمار فارتدت عنه لئلا يراها :
أهذه مخيلتها أم أن صوته رقيق فعلاً ؟ ارتدت على عجل وارتباك ,
وكادت تقع , فامتدت يده تتمسك بها ثم التفت ذراعه على جسمها
فشعرت بما يشبه الصدمة الكهربائية تنطلق لترجفها . اتسعت عيناها
وازدادت سرعة نبضات قلبها بإثارة , وارتفع اللون الأحمر إلى وجهها
ـ أخرج من هنا ! ولا تلمسني ! لا أطيق لمستك !
ولكن قولها هذا كان غلطة فادحة إذ سرعان ما أصبحت عيناه
ـ لا ؟ . . أستطيع القول أن ذاكرتك بدأت تخونك نادين وأعتقد أن
أكثر ما يعجبك حقاً هو أن تضمك ذراعاي وتلمسك يداي .
ـ لا ؟ إذن فلنخضع هذا الإنكار للتجربة , أنفعل ؟
احتواها بين ذراعيه قبل أن تتحرك . . فأبقت شفتيها مطبقتين
بشدة , تحاول التفكير في أن لينو هو من يعانقها . ودفعت جسدها
ليحس بالاشمئزاز والثورة , لا بالسرور ولكن أصابعه الرشيقة بثت
أحست أن هذا كله لم يكن كافياً . . وتجاهل إحساس متمرد
قراراتها في المقامة والرفض . لكنها أخيراً تمكنت من انتزاع نفسها
وقد رافق ذلك صرخة احتجاج .
ابتسم سيرجيو لها عند سماعه نداء ليديا , وابتعد نحو الباب تاركاً
نادين تغلي غضباً واحتقاراً لنفسها . ماذا دهاها ؟ كيف استجابت إلى
مداعباته ؟ إنها تكرهه ! . . ومع ذلك استجاب جسدها له . لماذا ؟
حين تأكدت أنها أصبحت بمفردها , استسلمت للدموع , راحت
تبكي بصمت فانتفض جسدها وانتشرت حول وجهها خصلات شعرها
الأحمر القاتم الحريري ولكن لم يكن فقدانها شعرها الحريري الناعم
هو ما يحزنها , بل شيء أعمق , وأصعب على الفهم . عندما لمستها يدا
سيرجيو انتفض شيء ما في أعماقها والمؤسف أنه شعر به . ففي إحدى
اللحظات , قبل أن تبدي مقاومة نظر إليها وعرف أن جسمها رغم
منطقها وكبريائها يرغب في الاستجابة للأمر الرجولي الذي في يديه .
كانت حقيبة يدها معها , فتشت فيها عن مناديل ورقية . . ليتها
فكرت في وضع قميص آخر معها . . فبعد جفاف دموعها أحست
بالحرارة والعرق . كانت ساقاها متسختان ولم يكن في الغرفة ماء
لتغتسل وباستثناء سيرجيو , لم يكن آسروها يهتمون كثيراً بضروريات
المدينة والنظافة الشخصية , حتى ليديا . . ولكن نادين كانت موسوسة
بمظهرها ولأنها لم تتمكن من الاستحمام أو من تنظيف أسنانها شعرت
هناك نهر في الوادي . . شاهدته من النافذة الأمامية . ورؤية الماء
المتدفق بنعومة , زاد من شوقها إلى برودة الماء ونعومته على بشرتها . .
وتساءلت عما إذا كانت قادرة على طلب طست للاغتسال . ولكنها تعلم
أن ليديا سيسعدها رفض طلبها أما الطلب من لينو فمرفوض عندها
بسبب نظرة ذاك الرجل إليها , أما سيرجيو فتخشى إن طلبت منه ذاك
المطلب أن يظن أن لاهتمامها بالنظافة علاقة به !
ومر النهار وهي جالسة بمفردها بدون عمل يشغلها يدوياً أو
فكرياً , وهذا ما زادها خوفاً ورعباً وإحباطاً ولعل سبب الإحباط اقتناعها
بأن حياتها ستنتهي هنا في هذا لمنزل المهترئ .
بعد الظهر سمعت تحركاتهم في الطابق السفلي ولكنها لم تر أحد
منهم ومن النافذة شاهت لينو يعمل في كروم العنب , فدعت إلى
الله . . أن يرسل الشرطة الذين إن وصلوا عمدت إلى إخبارهم الحقيقة
ولو أدى ذلك إلى قتلها . وعندها تكون قد قامت بمحاولة ولكن ربما
تسببت في مقتل آخرين كذلك ! وهذا ما لن تتحمله .
كانت قد شاهدت سيرجيو ينطلق بسيارته بعد وقت قليل من تركه
لها , ثم عاد عند المغيب . لا شك في أنه ذهب ليرسل الصورة والشريط
إلى أبيها . حاولت نادين التفكير كم من الوقت سيمضي قبل أن يتلقوا
الرد منه . إنهم بالطبع لن يرسلوا الصورة والشريط مباشرة لأن ذلك
سيسهل في اقتفاء أثرها . . إذن ماذا فعل سيرجيو ؟ هل أرسلها إلى روما
لتنقل من هناك إلى عنوان والدها ؟
بعد عودة سيرجيو بنصف ساعة أتت ليديا تفتح الباب فتصاعدت
روائح تثير الشهية من الأسفل , فأدركت نادين مستغربة أنها تتضور
جوعاً . وقالـت ليديا بعدما دفع بيدرو حاجبيه تعجباً للرائحة :
ـ اشترى لنا سيرجيو المعكرونة والصلصة لنطبخها .
لاحظت نادين أن بيدرو ولينو جلسا إلى المائدة بدون أن يغسلا
أيديهما ودون أن يبدلوا الجينز المهترئ بما هو جيد أو نظيف . ولكن
سيرجيو كان يرتدي قميصاً أبيض نظيفاً , غير مزرر عند العنق , كما
لاحظت أنه استخدم الحنفية الوحيدة ليغسل يديه قبل الجلوس إلى
المائدة مع أنه لم يكن يعمل كالآخرين . . وحذت نادين حذوه بدون أن
تطلب الإذن , وعندما انساب الماء على يديها أغمضت عينيها بسعادة .
ـ حساسة جداً . . أليس كذلك ؟ تحـــاولين التأثير في سيرجيو
بتصرفـــات السيدة الأنيقـــة . . صحيح ؟
ردت نادين بــــهدوء ســاخر يحاكــي سخرية الفتاة :
ـ يحب بعضنا النظـــافة والانتعاش .
لمعت عينا الفتاة بشــــكل خطير :
ـ ماذا تعنين بالضبط ؟ سيرجيو . . أكانت سجينة أن لا . . لــن
أتحمــل إهانة هذه الفاسقة الصغيرة . . فإما أن تطلب منها المحافــظة على
أدبها أو أقوم أنا بتأديبهــا ؟
عرفت نادين أن الفتاة تعمدت إثارتها . . ولكن لماذا ؟ ألكــي تسنح
لها الفرصة لتعرضها للمزيد من العقاب الجسدي ؟
لاحظت نادين أن ما من أحد آخر تجرأ على تحدي أوامــر سيرجيو ,
وكان سيرجيو بطريقة ما بعيداً منعزلاً عنهم جميعاً بما فيهم ليديا التي
كان الطعام لذيذاً مدهشاً , فالمعكرونة طرية وزكية الرائحة ومـــا
أذهلها أن تتناول صحنها كله . . فقد يكون رأسها يائساً في تفكيره
ولكن جسمها يحتاج إلى الغداء , فيما بعد رافقها سيرجيو إلى
(( غرفتها )) . ما إن دخلتها حتى انتظرت سماع صوت إقفال الباب ,
واستدارة المفتاح في القفل . . ولكن ما أدهشها أن سيرجيو بقي واقفاً .
سمعته بعد قليل يقول متردداً , أو هكذا بدا لهــا :
ـ أستطيع إقناع ليديا باصطحابك إلى النهر لتستحمي إذا شئت ؟
فسرت نادين لهجة الإشفاق في صوته على غير محلها وهذا ما
دفعها إلى القول بمـــرارة :
ـ ما الأمر ؟ هل تزعج ثيابي القذرة وجــسدي غير النظيف أحاسيسك
المرهفة ؟ أمــر مؤســف ! يجب أن تتعلم العيش مع قذارتي .
ما إن تفوهت بالكلمات حتى ندمت عليها لأنها تمنت لو قبلت
عرضة بلا تعليق , ولكن الوقت فات على سحب قولها المتسرع , فقد
ارتد سيرجيو إلى الباب , يهز كتفيه بدون اكتراث :
ـ فليكن ما تريدين . . فكرت فقط في أنك سترحبين بفرصــة
لإنعاش نفسك . . بدءاً من مساء الغد سيرافقك أحدنــا فيجب أن
تخرجي وإن لم تخرجــي طوعاً أجبرناك .
ـ لم كل هذا الاهتمام بصحتي ! لماذا ؟ أتظــن أننــي لا أعرف أن لا
فرصة لـي بالخروج من هنا حية ؟
كان صوتها مشبعاً بالكآبة والألم وانعكس هذا في عينيها وهــي تنظر
إليه . بدا لها لهنيهة بأنه فهم , وأراد أن يواسيها , ولكن لا بد أن هذا
مجرد وهم بصري , فقد تحرك وكانت عيناه باردتين وقاسيتين كحالهما
دائماً . ويسألهــا بصوت ناعم :
ـ وإن لم تخرجــي من هنا على قيد الحياة . فماذا ستفتقدين ؟ ذراع
عشيق آخـر أم الإحساس بالحرير الفاخر على جسدك ؟ أم لمعان
ـ لا شيء من هذا كله . . ما سأفتقد إليه هو تنشق الهواء النقي مــرة
أخرى , الهواء غير الملوث بأنفــاس الحيوانات أمثالك . . حيوانات !
ـ الحيوانات لا ترتكب بحق بعضها بعضاً هذه الجرائم . هي لا
تدمر وتقتل في سبيل المال . كم من المال طلبت من والدي ؟
ـ مليون جنيه . . إنه مبلغ رائع أليس كذلك ؟
ـ وهل خططت لهذا منذ البداية ؟ منذ الحفلة الراقصة في روما ؟
كــــان الاعتراف جازماً , يرفض الإفصاح عن أي ندم أو عطف .
ـ ورغم علمك بما سيجري كنت قادراً على . . على . .
ـ العبث معك ؟ كان أمراً ضرورياً , ولم يكن صعباً .
تحركت عضلة في فكه النحيل الأسمـــر , وتابع ساخراً :
ـ أنت امرأة في غاية الجاذبية وكان الجو مؤاتياً وما من إيطالي
أصيل قد يفعل غير هـــذا ؟
صــاح بها عقلها الباطني : (( غبية . . غبية ! )) لقد صدقت أن ما جرى
بينهما عنى له شيئاً . . لقد صدقت كمراهقة مجنونة .
ـ أنــت مـجرد آلــة لا رجل !
خالته لبرهة سيضربها ولكنه نظر إليها متجهماً , وقال بهدوء :
ـ تكرهين نفسك لأنك تستجيبين لــي . لا تكرهي نفسك . .
فاستجابتك ردة فعل طبيعية في تلك الظروف . امرأة لها تجربتك لا بد
أن تستجيب , خــاصة لـرجل . .
ـ هذا يدل على براءة كلانا يعرف أنك لا تملكينها , وستكون
الأمور أسهل لو توقفت عن المقاومة . فأنا لا أرغب في إيلامك أو
أسكتته ضحكتها المريرة فمد يده إليها يمسك ذراعيها .
انتزعت نفسهــا من قبضته , وسألت بغضب :
ـ ماذا تحاول أن تفعل ؟ أن تغار ليديا ؟ لماذا لا تدعوها إلى هنا
ـ أنت مصممة على إزعاجــي . . أليس كذلك . . أم أن هذا مـا
اشتدت قبضته عليها بسرعة وشدها إلى صدره , وتحركت يداه من
كتفيها إلى ظهرها , يضمها إليه . كانت إحدى يديه تلتف على مؤخرة
عنقها تجبرها على إحناء رأسها , والأخرى تلصقها به . . فصاحت :
اختنق احتجاجها المتأوه على صدره وحينما استكانت بين ذراعيه
أدركت كم أثارت غضبه . . فمن الواضح أنه رجــل غير معتاد على أن
تنتقده امرأة . . حاولت مقاومة اللامبالاة الذائبة التي راحت تتسلل إلى
جسدها . . واستطاعت تذوق طعم الدم المالح في فمها من شدة ما
ضغط وجهها على صدره . . ولكن لم تلبث أن استرخت ذراعاه قليلاً
فعمت كيانها موجة ارتياح أفزعتها وتركتها ضعيفة مرتجفة غير قادرة
على فهم ما يحدث لها . . إنها تكرهه . . تحتقره !
ســألت بصوت متحشرج أجش : (( ماذا تحاول أن تفعل ؟ )) .
ابـتسم مكشراً عن أسنانه :
ـ قد أسألك السؤال نفســه .
أصمتها سؤاله لبرهة ثم انطلقت إلى النافذة تسير على ســاقين
تهددان بالانهيار , لتتأمــل الطبيعة خارجاً . لماذا تختبر مثل هذه الجاذبية
الغامرة كلمـا اقترب سيرجيو منها ؟ إنها تكره الرجل وتحتقره , لكـــن
قال سيرجيو يكســـر الصمت ساخراً :
ـ إن رغبت في التجربة مجدداً , فتجنبـــي أن تختاري لينو لأنك قد
تحصلين على ردة فعل لا تتوقعينها . . إلا إذا كانت ليديا على حق ,
وكانت المعاملة القاسية الخشنة هي ما تجتذبك أهذا هو الأمر ؟ أهذا ما
تأملين فيه ؟ لا ريب أنك كنت تشاهدين أفلاماً سينمائية كثيرة . قد
تكونين مرغوبة , ليس بالنسبة لي . . حين أرغب في ذلك أحب أن أكون
بين ذراعي امرأة عطرة الرائحــة .
سحب التهكم كل لون من وجه نادين , وسألت بشراسة :
ـ ألهذا تقوم بمثل هذه الأشياء ؟ لتبقى قادراً على أن تعيش في
مستوى راق ؟ إذا كان الأمر كذلك , فلماذا لا نعقد اتفاقاً مفيداً ؟
كان قد طرأ على بالها فكرة ما , وقبل أن تفقد شجاعتها حاولت
وضعها قيد التجربة . . ابتلعت الخوف المتزايد في نفسها , ومالت إلى
الأمام قليلاً , بشفتين منفرجتين وأصابع راحت تتسلل إلى الشق في
ـ مليون جنيه مبلغ كبير , إن كــــان لك وحدك .
لم يتحرك , ولم تفصح عيناه عن شيء . ســأل : (( ماذا تقترحين ؟ )) .
كان أشبه بتمثال غرانيت لا يلين , فأردف : (( الخيانة ؟ )) .
هزت كتفيها محاولة الظهور بمظهر المرأة الهادئة المسيطرة على
ـ ولمَ لا ؟ هل ستقول إنها كلمة شرف بين لصوص ؟
قالت هذا بعذوبة ولكن السهم أصاب هدفه . . فقد سارع إلى إبعاد
أناملها عن قميصه بقسوة وظهــر على وجهه التحفظ .
ـ وإذا وافقت ؟ وإذا أردتك أنت إضافة إلى المليون جنيه مثلاً ؟
استقرت غصة ثقيلة في صدرها سببت لها ألماً شديداً .
ـ أنا . . نحن . . قد تصل إلى اتفاق ما .
أخافتها نظرة عينيه , فمدت يدها إليه فوجدت أنه وضع عرض
الغرفة حاجزاً بينهما , والتوى فمه بازدراء .
ـ يا إلهي . . كل شيء سيــان عندك .
لاحظت نادين صدره يعلو و يهبط تحت القميص الأبيض الرقيق ,
وكأنه يلهث من الركض . . بعثت قوة الغضب الذي استحوذ عليه
الخوف إليها . مع أنها لا تعلم ماذا فعلت ليغضب هذا الغضب كله .
ـ من تخدعين بحسب رأيك ؟ أتحاولين القيام بتضحية ؟ يا لها من
تضحية ! أنت تريدينني . . ولكنني لن ألمسك حتى لو كنت آخر امرأة
على وجه الأرض . أتظنين أنني لا أعرف ما يدور في خلدك ؟ ألا
تعتقدين أنني أعرف كل شيء عن الإثارة التي تحصل عليها امرأة مثلك
من مجرد التفكير بأنها ستغتصب بالقوة ؟ إذا كان هذا ما تريدينه حقاً ,
فلينو هو الرجل المناسب لك , لا أنا . . فأنا أحب أن تكون علاقاتي
خرج قبل أن تتمكن من الرد تاركاً لها الإحساس بالألم والذل
بسبب رفضه . آمنت لهنيهة إنها ستتمكن من استخدام الفدية طعماً
لانقسام آسريها . . ولكنه قلب كل الطاولات في وجهها مشيراً إلى أنها
صاح بها هاتف داخلي . . لأجل ماذا كل هذا ؟ ودافعت بمرارة :
إنها لا تريده . . إنها تكرهه . . إنها تحتقره !
مضى على سجن نادين أربعة أيام . الأمل الذي تمسكت به في
البداية تلاشى تاركاً مكانه شعوراً فاتراً باللامبالاة . وجرت الأيام برتابة
مملة ففي الصباح تقفل ليديا باب غرفتها بعد أن تقدم لها الماء
للاغتسال , ثم ترافقها إلى كوخ بدائــي صغير بعيد عن المنزل . . في
البدء عانت مرارة الإحراج كلما اضطرت إلى تحمل هذه المهانة , ولكن
السجن والطعام البدائــي الذي كانت تتلقاه , سلباها قدرتها على
قبل النوم , كانت كل ليلة تغسل الثياب التي تلبسها نهاراً , ومع
أنها كانت تجف ليلاً , إلا أنها بدأت تبدو الآن رثة , وأحست بالحرمان
والوضاعة . لكن اهتمامها بمظهرها , كان قد اتخذ مقعداً خلفياً بالنسبة
كان الجميع في الأمسيات يتناولون الطـعام في الغرفة السفلى وغالباً
ما كانت نادين تحضر ذلك الطعام تحت أنظار الحرس , فاليوم كان
سيرجيو غائباً وأحست بغيابه مع أنها لم تكلمه منذ فتشها . . في البداية
جعل تجنبها الواضح له ليديا تضحك , ولكن نادين وجدت الفتاة
الأخرى تراقبها وكأنها تجد صعوبة في فهم قدرتها على اللامبالاة .
ولكنها لم تكن غير مبالية خاصة في أسرها الحالي بل كانت
كراهيتها له تتعاظم حتى تكاد تسلبها القدرة على التفكير في أي شيء
وصل سيرجيو فيما كانت نادين تتفحص العنب مع لينو . وهذه
عملية تكسر الظهر . . وما أشد ما رغبت في الاستقامة لتريح ظهرها
لولا خوفها من أن يعتبر سيرجيو حركتها انهزاماً . كان كلاهما متورط
في معركة إرادات صامتة , وكانت تعلم أن صمتها يغضبه فهذا ما تراه
وهذه المعرفـــة بعثت إليها لذة منحرفــة . كان يريد أن يحطم إرادتها ,
ويريد أن يبعث الخوف إلى قلبها . ولكنها لن تحقق له ما يريد , ولن
صاح بها لينو عندما توقفت عن العمل بدون أن تستقيم أو تتمطى .
ـ ما بك ؟ هل أنت ضعيفة أمام العمــل الشاق ؟
كان أفراد العصابة دائمي السخرية منها ولكنها تعلمت القوقعة على
نفسها بعيداً عن تهجماتهم , مع أن غريزة وليدة عميقة , كانت تحذرها
من لينو الذي كانت ليديا تتعمد تركه معها وكانت كبرياؤها تمنع نادين
من تصحيح ما تقول حين تلمح لـ سيرجيو إنها أمضت معظم يومها معه .
وفي الواقع كانت تفضل البقاء سجينة غرفتها , ولكن سيرجيو أصر
على أن تمضي نهارها في الخارج , وفي الهواء الطلق لتحرك أطرافها ,
ولم تستطع فهم السبب . لكنها باتت الآن مقتنعة بأنها لن تترك المزرعة
وهي على قيد الحياة . كان سيرجيو يذهب يومياً إلى البلدة القريبة
لتسقط الأخبار عن أبيها . . وقد حدث أن طلبوا مهلة أسبوع للرد ,
ومرت خمسة أيام منها . حاولت نادين أكثر من مرة أن تتصور حالة
والدها والتوتر الذي يعاني منه . ولكن عالمها بات مرتبطاً بحراسها ,
والتفكير في ما يحدث خارج هذا السجن أصبح مؤلماً ألماً لا تكاد
ذبحت ليديا إحدى الدجاجات التي كانت تجوب في فناء المنزل ,
وقامت نادين بطهيها جيداً وحينما دخلت ولينو إلى المنزل انبعثت
رائحة الدجاج الشهية , وكان سيرجيو يقرأ جريدة , وليديا قربه
وذراعاها حوله . . فرفع رأســه , فأشاحت نادين نظرها عنه , وفمها
مشدود قرفاً . . فقال لها :
ـ أظهر والدك على الأقــل بعض التعقل . . فليس في الصحف مــا
يشير إلى اختطافك . ثمة خبر صغير في صحيفة لندنية , يقول إنك
سخرت ابتسامته منها وأثارتها ولكنها رفضت الرد . بدأت تسير
نحو السلم وكادت تصل إليه حين امتدت يده تمسك معصمها . فذعرت
وارتدت نظرتها لتلتقي بعينيه , وتصادمت عيونهما . كانت ترى بشرته
السمراء المغطاة بالشعر تحت القميص الأبيض الشفاف فتحرك شــيء ما
في داخلها . شــيء غريب , غير مرغوب . وجذبت نفسها عنه بتوتر
ويأس لتتخلص من الإحساس بقربه . .
فسألها : (( إلى أين ؟ )) .
ـ لأننـــي أريد الانفراد بنفسي . . هل من اعتراض ؟
ـ فلنذهب سيرجيو . . لا يمكنها الفرار , ولن تحــاول . إنها أضعف
من أن تحاول . . فطوال حياتها كانت تستخدم مال أبيها واسمه لتنفتح
الأبواب لها . وها قد باتت الآن غير قادرة على فتح أي باب بنفسهــا .
تكونت الكلمات على شفتيها , ولكنها لم تتفوه بها . . فقد جعلتها
الكبرياء تلوذ إلى الصمت ومنعتها من القول بأن هذا الاتهام كــان صائباً
منذ سنة أمـــا الآن فلا .
جعل نداء بيدرو الملح من الخارج ليديا ولينو يخرجان ودفع
سيرجيو إلى أن يترك ذراع نادين وهرع إلى الباب . سمعت نادين كلمة
(( الشرطة )) فقفز قلبها أملاً . هل أتو بحثاً عنها ؟ هل بلغت باميلا عن
غيابها , وهل أدرك الشرطة ما قد حدث لها ؟ آه , ليتها تستطيع جذب
طغى التوتر على المنزل المتداعي عندما كانت سيارة الشرطة تتقدم
في الممر الضيق الموصل إليه . السلاح الذي كان دائماً ظاهراً , ابتعد
عن الأنظار , وحده لينو كان يتلاعب بسكين . وعندما سمعت السيارة
تقف جف حلقها . فجأة انفتح الباب بشدة , ودخل رجلان يرتديان
بزتيهما وراح يتأملان الغرفة العفنة .
وســأل أحدهم : (( لستم هنا منذ مدة ؟ )) .
كان سيرجيو يستند إلى الجدار أمامها مشكلاً حاجزاً بينها وبين
الشرطيين أما ليديا فتسللت إلى الطابق العلوي . . وعرفت نادين أن
سيرجيو لم يكن يبالغ في تهديداته , وأنه قد يطلق النار عليها وعلى
الرجلين ولكنها رغم ذلك لم تكن قادرة على ترك الفرصة تمر بدون
محــاولة تحذير الشرطيين .
ـ ورثت المزرعة عن خالي . . إنها مهدمة ولكننا سنصلحها .
ـ أنتم لستم من هذه المنطقة ؟
ـ نحن من روما . . لكنني أفضل الريف على المدينة . وكذلك
توجهت عينا الرجل إلى نادين حينما راح زميله يجوب الغرفة . .
كانت نادين من حسن الحظ تفهم وتتكلم الإيطالية , فتدخلت
بسرعة : (( لا , أنا . . )) .
رد سيرجيو بأسرع منهــا : (( إنها زوجتــي )) .
ارتد إلى الخلف يحيط كتفي نادين بذراعيه , ولكنها أحست بضغط
أصابعه المحذرة على لحمها , وقال مردفاً :
ـ أتبقيان لمشاركتنا طعامنا ؟
رفض الرجلان الدعوة , وعادا إلى الباب , فاستدارت نادين بفزع
في دائرة ذراعي سيرجيو . . ترجو الله أن يلاحظ أحدهما الكرب الذي
تمر به . . ولكنهما خرجا برفقة لينو إلى سيارتهما , وظلت هي في
مكانها تشعر بالغثيان يسيطر عليها . لقد ولى آخــر آمالهــا , واستحوذ
تركها سيرجيو في اللحظة التي برزت فيها ليديا من الطابق
العلوي , وعيناها مركزتان عليهما بريبة . ورأت نادين بوضوح أنها
تغار , ولكنها لم تكن تملك القدرة على الاستفادة من هذا الاكتشاف ,
إذ استحوذ عليها إحساس بأنها ستموت فمهما فعل والدها , فلن يتمكن
من إنقاذها . . . وارتجفت , فتجهم وجه سيرجيو بعبوس شديد . لماذا
يدعي الاهتمام بها ؟ يعرفون جميعهم أنها مجرد وسيلة للكسب لجمع
المال لقضيتهم . . لامست بشرة وجههــا حيث صفعها , وأحست
فقدت نادين شهيتها للدجاج المطبوخ , ولم تكن قد أكلت الكثير
وقت الفطور كذلك . وعندما أمرها سيرجيو بأن تنهي وجبتها اضطرت
ـ لماذا ؟ ستقتلوني على أي حــال , فلِمَ لا أقوم بهذا نيابة عنكم ؟
ـ إنها ليست غبية كما ظننت . . أم تراها تحــاول اجتذاب شفقتك
(( كارا )) عزيزي . . لا بد أنها قرأت الكثير عن العلاقات التي تتطور في
مثل هذه المواقف بين الآسر والضحية .
تجاهل سيرجيو كلام ليديا وقال بإصرار لـ نادين : (( يجب أن
ثم التفت إلى لينو متسائلاً : (( أحظيت بقدر كاف من التمرين ؟ )) .
هز الرجــل كتفيه : (( كانت تعمل في الحقل بعد الظهر )) .
أضافت ليديا : (( وفي كل ليلة يرافقها أحدنا عندما تسير )) .
ـ ستأكلين , وإلا اضطررت إلى إطعامك بنفســـي .
قاطعته ليديا : (( أسمعت شيئاً عن لندن ؟ أكان . . )) .
ـ ينفذ والدها حتى الآن جميع تعليماتنا حرفياً . إنه يحاول جمــع
المال , ويأمل الحصول عليه في الوقت المحدد .
لمعت عينا ليديا السوداوان :
ـ يجب عليه ذلك وإلا أرسلنا ابنته قطعة قطعة .
حين دفعت نادين بطبقها بعيداً هذه المرة , لم يحاول سيرجيو
منعها . . وأدلى لينو برأيه :
ـ كلما انتهينا من هذا بسرعة كلما كان أفضل . . ضقت ذرعاً بهذا
كان الظلام قد خيم على الطبيعة خارجاً فانبعثت أصوات الجنادب
بلا توقف , ورمت الفراشات الصغيرة بنفسها على النوافذ سعياً وراء
الضوء . ما إن انتهت وجبة الطعام , حتى قال سيرجيو لـ نادين :
ـ تعالي سأسير معك الليلة .
أرادت أن ترفض فقد أحست بعيني ليديا تخترقان ظهرها وكأنما
خنجران , وشاهدت لمعان الامتعاض في عيني لينو . . لكن ليديا
اعتادت على التسلل بعيداً في الوقت المفترض بها السير معها وكانت
تتركها وحيدة مع لينو الذي كانت عيناه تستمران بالتحديق إلى جسدها
عندما خطت إلى الخارج أحست بالعرق يبلل بشرتها فتمنت
لو تستحم مهما كلفها الأمــر . . منعت نفسها من الضحك بسخف لأنها
تذكرت نكات يدور موضوعها عن الموت . بدا لها أن دهراً قد مر منذ
ضحكت آخر مرة بشكل طبيعي , وبدأت تفهم كيف يعمل الرهبان في
أديرتهم , بعيداً عن العالم . . فتحت رحمة غرباء , كان من السهل أن
يحس المرء بحكمته تتلاشــى وبإرادته تتحطم .
وجهها سيرجيو ناحية النهر , وكأنه قرأ ما يدور في خلدها من
أفكار , فأراد أن يزيد من عذابها . كانت رائحة جسده تتناهى إليها مع
رائحة الريف . . وكانت أحاسيسها مركزة عليه حتى ضاقت منها .
لم يقترح من جديد فكرة الاستحمام في النهر , منعتها كبرياءها من
الطلب كما رفضت أن تطلب منه شيئاً , مهما كان ضرورياً .
ـ أتعلمين . . أنت مختلفة عمــا كنت أتوقع .
فاجأها التعليق الهادئ , وكادت تفقد توازنها حين وقفت فـي
الظلام تنظر إليه بحثاً عن السخرية في وجهه ولكنها لم تجد شيئاً .
جعلت , عباءة الظلام الكلام أسهل , ودفعت الكراهية بعيداً قليلاً .
ـ في كل يوم . . تبدين أكثر ضعفاً , مع ذلك أقوى , وأكثــر مرونة .
توترت نادين وتشنجت لأنها شكت في أنه ينصب فخاً لها , وقالت
ـ ألم تجد أننــي تلك المدللة الثرية التي كنت تتوقعها ؟ لست ابنة
(( دادي )) المدللة التي كنت مؤمناً أنها قادرة على شراء أي شيء ؟ لست
غبية , أعرف المواصفات , وأعرف سبب وجودي هنا . وإذا كنت تتوقع
أن أركــع أمامك متوسلة حين أعرف أنك ستقتلني . .
ـ أهذا ما تريد ؟ أن أزحف باكية ؟ لماذا ؟ أيسعدك هذا ؟ أنــا لم
أتوسل إلى رجل قط في سبيل أي شيء , ولن أبدأ بهذا الآن !
ـ ألم تتوسلي قط إلى رجل ؟
التفت إليها فشاهدت تحت نور القمر السخرية تتسلل إلى قسمات
وجهه القاسية , وقال بعذوبة :
ـ ليس هذا ما سمعته عنك . . فالكلام الذي يدور حولك يقول إنك
أسهل الفتيات على الإطلاق , وأفضلهن . . فتاة قوية , تعرف كيف
تحصل على الرجل الذي تريده .
كان الرد الأجش فظاً خالياً من الانفعال فقد آلمها مجرد الإصغاء
إلى ما قاله , كانت تعرف ما هي سمعتها بالطبع . . واستولى عليها
إحساس سقيم وهي تتذكــر كيف ظنت أن هناك شيئاً مميزاً بينهما . . .
ـ حتى المريضة جنسياً قد لا ترغب في أي رجل قد تقع عليه
عيناها . . ماذا تعمل حين لا تعتمد على الخطف من أجل معيشتك ؟
أتؤجر نفسك للمليونيرات من العجــائز ؟
شهقت حين أمسك بها تحت ذراعيها , وهزها بعنف . ثم أنبأتها
نظرة واحدة ألقتها على تعابير الغضب البارد على وجهه إلى أنها تمادت
كثيراً . . ولكن , هل تمادت إلى درجة أن يرغب في قتلها الآن ؟ فجــأة
أرادت أن تتوسل إليه لئلا يعذبها قبل أن يقتلها . اسودت عيناها بثقــــل
مشاعرها , أبرزت هذه القصة البشعة بنية وجهها وضعف جسدها شديد
النحول بعد أن خسرت بعض الوزن .
ســرعان ما أشاحت بعينيها عنه كارهة رنة الشفقة في صــوته , رافضة
ـ ماذا دهاك ؟ أتفكر ثانية ؟ لماذا لا تذكر هذا لليديا . . ستكون أكثر
من سعيدة إن تخلصت مني بل ستجد متعة عظيمة في قتلـي .
كان الغضب المرير هو ما دفعها للتفوه بهذه الكلمات ولكنها
أحست بتوتر جسده الذي تجاوب مع كلماتها , وقال بعذوبة :
ـ ربما ستفعل هذا . . وإذا كنت تحاولين دفعي إلى أن أفقد
صمت ثم تمتم بشيء من بين أسنانه في الوقت الذي كشف فيه
ضوء القمر الاحتقار في عينيها . . ثم أصبحت بين ذراعيه , تحس
بالحرارة تتصاعد من جسده كما شعرت بإحدى يديه تتعقب خطوط
عنقها , وبالأخرى تشدها إليه .
حاولت المقاومة , لكن قوته كانت عظيمة . . وتصاعد الذعر في
أعماقها حينما شعرت بيده تجول على ظهرها , لكنه كان خوفاً سرعان
ما أخلى الطريق لمشاعر أخرى .
نسيت كل ما قادهما إلى هذا العناق وكل ما حدث بينهما , وما
جعلها تكون في هذا المكان . .
أرادت أن تدفعه عنها , ولكنها بدت عاجزة , وارتفعت ذراعــاهــا
لتلتفا حول كتفيه . . وتصاعدت آهة حارة من أعماقها وراحت تشده
إليها . . وانحنى رأسه ببطء إليها , فانطلقت في جسدها كله ثورة من
التوتر , وكان أن اشتدت أناملها الظمأى على شعره الأســـود .
أجفلهمـا صوت مرتفع حــاد . وكانت ردة فعله أسرع منها . . فتركها
متراجعاً إلى الوراء في اللحظة التي وصلت فيها ليديا إليهما . . ولكن
نادين لم تظن للحظة واحدة أن الإيطالية خدعت . .
ـ قلقنا عليكما . . لقد مضى على خروجكما وقت طويل .
ـ قلقتم ؟ أم تملككــم الفضول ؟
صاحت ليديا بشراســة , تهجر ضبط النفس فجأة :
ـ كنت تغازل هذه الساقطة الصغيرة !
ـ ما ذلك بجريمة وقد نطلق على ذلك اسم الواجب . ولكنك بكل
تأكيد لا تغارين (( كارا )) ؟
كان يتعمد إغاظة الفتاة , مع أنها لم تفهم السبب , ولا فهمت
كذلك ما الذي دفعه إلى أن يعانقها بتلك الطريقة . شعرت بأنها ما زالت
تحترق بنيران ذاك العناق ولكنها مهما وبخت نفسها الآن لن تتمكن من
إنكــار تجاوبها معه . ولكن لماذا كانت هذه الرغبة من حظ سيرجيو في
وقت تشعر بالبرود تجاه جميع الرجال الذي تعرفت وتتعرف إليهم ؟
كانت في حالة شحن عاطفي قوي وقد فضحتها هذه العاطفة .
وفيما كانت غارقة في أفكارها , لم تشعر بالغضب المطل من عيني
ليديا . ولكنها شعرت أثناء العودة إلى المنزل بذلك حين دفعتها ليديا
متعمدة حتى كادت تقع . . لقد جعلت منها عدوة لدودة خطرة . أما
النظرة التي رمقتها بها عند دخولهم إلى المنزل فكانت تعد بعقاب شديد
لتجرؤها على احتلال مركزها مع سيرجيو .
قالت نادين لنفسها مبارك عليها هذا الرجل . صحيح أنها انجذبت
إليه في البدء , ولكن هذا التجاذب لم يدم بعدما عرفت طينته . راحت
رغبة الانتقام للمرة الثانية تحرق أحشاءها ولكنه انتقام لن يحدث إلا إذا
خططت للعودة من الموت , لتلاحقه . في وقت متأخر من الليل أيقنت
أنها تسير إلى حتفها لا محالة . ولكنها في بعض الأحيان كانت تفكر
بطريقة من لا يتوقع الموت أبداً . نهرت نفسهـــا فعلى المؤمن المشرف
على الموت واجب ديني ألا وهو إعداد النفس له . . ولكن كيف للمــرء
أن يهيئ نفسه ؟ بالصلاة ؟ بطلب المغفرة للأعداء ؟ ولكنها لن تقدر على
كان الفجــر قد أوشك على البزوغ حينما غلبهــا النعاس . . تهدهـــد
نفسها متظاهرة بأنها طفلة صغيرة يحتضنها والدها بين ذراعيه .
نهاية الفصل (( الرابـــع )) . . .