5- الجــــــــــــرح * *أصمت نادين أذنيها عن إهانات ليديا الحادة وردعت نفسهـــــا
كالعادة عن الإحساس بالمهانة عندما تراقبها وهي تخلع ملابسها
لتغتسل بالماء الذي تزودها به في طست صغير قائلة في كل مرة
ـ لم تعتادي على هذا الأمـــر , أليس كذلك ؟
لكن , هذا الصباح أحست في صوتها بغيظ يفوق المعتاد وعرفت
عانت ليديا منذ البدء الأمرين لتلمح لـ نادين أنها و سيرجيو
حبيبان . . لكن نادين أحست فيما بعد أن الإيطالية لم تكن واثقة من
سخرت ليديا منها حين لم ترد عليها : (( إنه تغيير كبير بالنسبة
كانت نادين تعلم أن ردها سيثير ضربة من نوع ما من ليديا , لذلك
ـ أنت الآن لست سيدة مجتمع . . أليس كذلك ؟ لن يرغب فيك أي
معجب إن شاهدك على هذه الحال . هذا إذا كانوا يرغبون فيك , لا في
وقعت كلماتها الأخيــرة على جرح مؤلم , لم يندمل بعد . فقد
كانت تشك دائماً أن الكثير من معارفها لا يتوددون إليها حباً بها بل
طمعاً بوالدها . لذلك ردت لا إرادياً وهي تقصد الهزء بـ ليديا :
ـ ما بالك ؟ أخائفة أن يرغب سيرجيو في مال أبي فيخونك ؟
كانت تعرف أن هذا الإدعاء سخيف ولكنه يستحق مشقة قوله
لرؤية غضب ليديا التي انقضت على نادين , وأظافرها تنهش بشرتها
الناعمة , تصيح بهــــــــــا بشراسة .
ـ لن يجرؤ . . فستقتله المنظمة . . كما أنه لا يرغب فيك . لقد
أخبرني أنه يسلي نفسه بك ليرى ما إذا كنت بارعة في الفراش كما هو
شدتها من شعرها بشراسة قبل أن تدفعها بقوة كادت ترسلها إلى
الأرض . ولكن نادين ردت بخبث لئيم وهي تقف مستعيدة توازنهــا :
ـ وأنت , ألا تعترضين ؟ أم تراك لا تجرؤين على الاعتراض ؟
عرفت أن سهمها أصاب هدفه حين اسودت عينا ليديا , ولكن قبل
أن ترد ناداها لينو من الأسفــل , فتمتمت ليديا وهي تدفعها إلى الخارج :
ـ حذار , حذار ! وتــذكري أن سيرجيو لــي !
كانت نادين تسير بين أغراس الكرمة المغبرة , تشعر بلينو يراقبها
من ورائها وكانت نظراته التي لا تلين قد بدأت تفقدها أعصابها . . لم
يكن قد تحرك ليلمسها , ولكنها تعرف أنه يرغب فيها . تعرف وتخــاف
من هذه المعرفة فهي تشعر بأنه خطير ككلب مسعور . . وكانت بشرتها
تقشعر كلما شعرت بعينيه على جســـدها .
وقت الغداء أحــست بالحرارة والتعب من الانحناء على غرسات
العنب , لذا عندما قال لها لينو إن باستطاعتها التوقف عن العمل تنفست
قال لها لينو وهمــا يقصدان المنزل :
ـ عندما يدفع لنا والدك المــال , قد أشتري مزرعة كهذه وسأتخــذ
كانت تعرف أنه يضايقها بكلامه , ولكنها لم تستطع أن تكبح رداً
ـ ظننت أن المــال عائد إلى القضية . .
لم تكن تشعر بأن ليديا تتعقبهمــا إلا بعدما ردت بشراسة :
ـ قضيتنا هي تنظيف العالم من الأثرياء الطفيليين أمــثــالك
في الوادي قرب النهر لفتت حركة مفاجئة نــظر نادين فوقفت تصغي
إلى ليديا , وتراقب سيرجيو وهو يخرج من الماء حيث كانت بشرته
تلمع تحت الشمس . كان يدير ظهره لهم ولكن نادين شعرت بأنفاسها
تنحبس في حلقها وراقبته وهو يسير نحو سيارته . كان رشيقاً كنمر في
غابة , بشرته براقة كقماش من الساتان البني . ويبدو أنها أصدرت صوتاً
صغيراً فضحهــا , فقد خطت ليديا فجأة أمامها , والكراهية الفجة في
عينيها , وقالت من بين أنفاسها :
ـ أنت تريدينه . أرى هذا في عينيك . . لكنـــــــه لـي !
ـ أترى , إنها ترغب فيه كــالــساقطات !
كانت كلماتها اللاذعة أكثر مما تستطيع نادين أن تتحمــل . وإذا بردة
فعلها تجعلها تتحرك بشــكل غير طبيعي , فخطت إلى الأمـــام , ترفع
يدهـــــا . . . أمسك لينو بيدها , وجذب ذراعها بشكـــل مؤلم خلف
مبتسماً الابتسامة المثيرة الشهوانية التي طالما أوقفت شعر رأس نادين
استطاعت أن تفلت منه صــــائحة :
أعطاها الخوف القدرة على التحرر منه ولكن خوفها ظل يطــاردها
طول الطريق بسبب الطريقة التي كان الرجل والمرأة ينظران إليها .
وقت الغداء توقعت نادين أن تقول ليديا بعض الملاحظات بــشــأن ما
حــدث ولكنها لم تقل شيئاً , بل راحت تتحدث إلى لينو و بيدرو أكثر مما
تحدثت إلى سيرجيو . فتساءلت نادين عما إذا كانت تحاول إثارة
غيرته . . ولكن , لم يكن في تصرفاته ما يدل على أنهما حبيبان . . مع
أن نادين شكت أنهما ربما كانا حبيبين في وقت ما , وأن ليديا
تحاول يائسة تجديد علاقتهما الحميمة .
بعدما زار الشرطة المزرعة سمح لـ نادين بمزيد من الحرية , فمن
غير المحتمل أن يعود رجال الشرطة ولم يعد في الحراسة المسلحة
سوى شخص واحد . وقد قيل لها إن الحارس سيطلق النار عليها فيما
لو حاولت الفرار . ومع أنها تعلم أن مقتلها هو النتيجة الحتمية , إلا أنها
لم تستطع دفع نفسها إلى المحاولة التي تعلم أنها ستضع حداً لحياتها .
بعد الغداء أعلن سيرجيو عن حاجته للذهاب إلى البلدة . ولاحظت
نادين أنه الوحيد الذي يتصل بروما وبوالدها , ولكنها كانت تشعر
بكراهية الآخرين لهذا التدبير ومع ذلك لم يتساءل أي منهم عن حقه في
هذا . كان يحكمهم بتأثير الخوف , وهذا سلاح حقير , ولكنه ســــــلاح
كان قد مضى على خروج سيرجيو ربع ساعة عندما أنهت نادين
تنظيف المائدة . في هذا الوقت أعلنت ليديا أن سيرجيو أعطاها
تعليمات بأن تحرسها أثناء الاستحمام . وكان رد فعل نادين الاحتجاج .
ـ ولمَ يخبرك ؟ لا يحق لك أن تناقشــي أوامره , كما أنك ستوفرين
على بيدرو حمـــــــل الماء .
اعترفت نادين بأنها ترحب بهذه الفرصة التي ستخولها الارتماس
في الماء . فالغسل البسيط الذي كانت تقوم به في طست الماء الصغير
كان أفضل من لا شيء ولكنه لم يكن يفي حاجتها إلى الاغتســال .
كانت المياه منعشة كما تصورت وكانت قد نسيت ما يشعر به
المرء عندما يكون نظيفاً فعلاً . وما أشد ما كانت سعادتها غامرة عندما
وقفت المياه تغمرها حتى الصدر . زودتها ليديا بالصابون وببعض
الشامبو لتغسل شعرها , الذي مازال متلبداً منذ القصة الإجبارية .
حين تخطت المياه باتجاه ليديا , لم تكن ليديا موجودة . وهذا أمر
غريب فليست الإيطالية على هذه الدرجة من الإهمال ولكن نادين كانت
مسرورة لأنها وجدت نفسها بعيداً عن وجود تلك المرأة الكريهة . كانت
تجفف نفسها حين برز شخص من بين ظلال الزيتون , فشدت منشفتها
إلى جسمها تحميه . . وشاهدت لينو يتحرك إليها ببطء .
كان أول ما فكرت فيها هو الفرار ولكن الخوف سمرها في مكانها
فراته يبتسم ويمد يده إلى المنشفة مهدداً :
ـ لا تزعجي نفسك بالصراخ , فلن تسمعك ليديا أو بيدرو . ما كان
يجب أن تضعي عينيك على سيرجيو , لأن ذلك لا يعجب ليديا .
إذن , لقد تعمدت تلك المرأة جرهـــا إلى هذا الفخ . وكانت تعلم أن
ارتعشت ارتعاشة عنيفة وارتدت على عقبيها تتأوه ولكنها لم تكن
سريعة كفاية فأمسكها لينو بأقل جهد , وبدأ يتلاعب بها كما يتلاعب
القط بالفأر وطفقت يداه تشدان خصرها , وانحنى إليهــــا .
فكرت في أنها ستموت إن عانقها , فلن تطيق ذلك , كانت يداه
تمسكان بالمنشفة , فجعلها الخوف والذعر تقاتل كحيوان مذعور ,
وأخذت أظافرها تغرز عميقاً في بشرته . فاجأته ردة فعلها العنيفة التي
دفعته مكرهاً إلى تركها جزئياً ولكنها شاهدت يده الطليقة تمتد إلى
حزامه . ماذا يعني بحركته ؟ لم تفهم ما يفعل إلا عندما شاهدت بريق
سرعان ما تقوقعت على نفسها , كانت عيناها مشمئزتين ومسمرتين
في آن واحد . وأحست بالخوف يعضها عضات هائلة تكاد تمزق
صدرها وتشل فكرها وحركتها . تحرك لينو إليها كالمنوم مغناطيسياً
وكان تركيزها منصباً على النصل الرفيع اللامع الحاقد .
ضحك لينو ضحكة عميقة متمتعاً بخوفها , متلاعباً بها . ارتدت
تستعد للعدو ولكن ما إن تحرك حتى أمسك بها . .
مزق الأمر الجاف الأجش الصمت , فالتفتت نادين بحدة بحثاً عن
صاحبه فرأت سيرجيو يركض إليها والغضب يستعر في وجهه .
أعطى وصوله نادين الشجاعة فقاتلت لينو وتحررت من قبضته ,
ولكنهـا أساءت الحكم على ردة فعله , فظهور سيرجيو المفاجئ ,
جعله يتمتم بوحشية من بين أنفاسه ثم أنزل السكين التي قطعت المنشفة
من الأمام تاركة خيطاً رفيعاً أحمــر راح يتسع وينتشر وسط نظراته . أما
آخــر ما سمعته فكان صوت سيرجيو الذي صاح بحدة :
ـ بيدرو . . أبعده عن نظري وإلا لن أكون مسؤولاً عما أفعله به !
حين استردت وعيها , كانت مستلقية في اللاندروفر مع شخص . .
إنه سيرجيو , في مقعد السائق وهو يتشاجر مع ليديا , التي كان صوتها
ـ لماذا تصطحبها إلى البلدة ؟ إنه مجرد خـــدش !
ـ إنه أكثر من خدش ليديا . . ولا نريد أن تموت من التسمم بسبب
الالتهاب . والآن أسأل ماذا كانت تفعل بمفردها مع لينو أصلاً ؟ لقد
أعطيتك تعليمات صارمة . . .
ـ ربما كان يجب أن تعطي هذه التعليمات لها (( كارا )) عزيزي لا
لــي . . دعني أهتم بجرحها . . ماذا إن حاولت الفرار وهي في البلدة ؟ .
رد بثقة باردة هادئة جعلت نادين تقشعر :
ـ لن تفعل . . ويجب أن يعاين الطبيب الجرح . . قد يحتاج إلى
قطب كما أننا لن تستفيد منها ميتة . والدها يطالب بدليل على أنها ما
تزال على قديد الحياة وهو لن يرسل لنا المال إلا إن حصل على هذا
ـ لم تقل شيئاً عن هذا من قبل ؟ قلت لنا إن كل شيء يسير حسب
ـ وهذا صحيح . . ولكنك لست عديم الخبرة في هذه الأمور لتعلم
أن رجل أعمال ماكراً لن يدفع إلا إن حصل على الدليل الذي يؤكد أن
ـ نجعلها تقرأ فقرة من جريدة الصباح .
ـ وبعدها يرسل المال ؟ ألهذا طلبت أن نتركها على قيد الحياة ؟
أصر سيرجيو على المحافظة على حياتها . أيعني هذا أن الآخرين
كانوا يضغطون عليه لقتلها ؟ ضغطت على وجهها المحترق إلى المقعد
القاسي . وحاولت ألا تظهر لهم أنها استردت وعيها .
ـ بدا لي ذلك هو الشيء المعقول المنطقي وقد أكدت لي روما
أنكم خبيرون في هذه الأمور . . ولكنني وجدتكم مهملين وكأنكم
أطفال غير مجربين . يجب أن أرفع بكم تقريراً لدى انتهاء هذه
المهمة . . لقد تجاهل لينو تعليماتي قبل هذه المرة .
عرفت نادين حتى بدون أن تنظر إليهم أن ليديا و بيدرو مرعوبان من
كلامه , فتعجبت من قدرة سيرجيو في السيطرة على الموقف وعلى
أفراد العصابة . كان يديرهم كما يدير الدمى . شعرت بأن شهوة الانتقام
التي ساعدتها ومنعتها من الانهيار تتلاشى منها لأنها وجدت نفسها
عاجزة عن الانتقام من رجل حصن نفسه من كل ما قد يوجهه إليه
القدر . ولكن , لكل رجل نقطة ضعف , غير أن حدساً ما أنبأها بأن
المرء قد يقضي عمره كله في البحث عن نقطة ضعف سيرجيو ولا
حين شغل سيرجيو محرك اللاندروفر القديم , أرسل الارتجاج
ألماً في جرح نادين وكان أن فقدت الوعي ثانية . ولم تسترد وعيها إلا
بعدما تجاوزوا الطريق الترابية . فأوقف سيرجيو السيارة ونظر إليها :
لم تكن يدها تبرح المنشفة الملتفة حول جسمها فعبس وكــأنه
يعرف هذا للمرة الأولى . خلع قميصه بسرعة :
ـ هاك من الأفضل أن ترتدي هذا .
ثم استدار إلى الخلف وأخرج جينز نظيفاً مطوياً أعطاها إياه .
ـ وهذا أيضاً ربما هذه الملابس كبيرة ولكنها أفضل من لا شيء .
أمسكت بالقميص والسروال ونظرت إليه بجمود فسألها :
ـ ما الأمر الآن . ألن ترتديها لأنها لــي ؟ أتفضلين البقاء عارية . .
ـ كنت . . أتساءل إن كان بإمكانك إشاحة وجهك بعيداً .
دهشت من سرعة استدارته أما هي فتعثرت الأزرار بين يديها
وتدفق الدم ببطء من جرحها , قال ببرود :
ـ تدركين ما كان سيحدث لولا عودتي التي كان سببها ثقب في
الإطــــار . . أليس كذلك ؟
وجدت الشجاعة لترد : (( أجــــــــل كان سيغتصبني لينو )) .
ـ يغتصبك ؟ لم تكن هذه هي القصة التي سمعتها من ليديا . ألست
ـ لا ؟ وهـــل ستدعين جهلك برغبته الشديدة بك ؟
ـ بل أعرف ذلك ولا أجهلـــه .
كانت كلماتها الهادئة أكثر من همس بقليل . . ولكنها لن تخبره
عن خدعة ليديا , فليظن بها ما يشاء لأنها لا تكترث أو تعبأ .
ـ تعرفين ومع ذلك عرضت نفسك أمامه بتلك الطريقة ؟
جعلتها لهجته الحادة القاسية تنتفض ذهولاً . . وأردف يســأل
ـ ومن خلته ؟ أحد زملائك في المجتمع الراقي ؟ حسناً . . سأظهر
لك من هو . إن تسمية لينو بالحيوان لظلم وإجحاف بحق مملكة
الحيوانات . إنه أحد الساديين . أعرف أن بعض النساء يجدن هذا النوع
من الرجال مثيراً . . حسناً . . أنت لست منهن ولكنك ذات تجربة
تجعلك تعرفين أمثاله وتعرفين أن عليك ألا تشجعيه .
أشجعه ! تدفقت الدموع التي لم تستطع منعها :
ـ لا ؟ ليس هذا ما سمعته . تعرفين خير معرفة التأثير الذي يتركه
مظهرك . إن الرجل الذي لا يتأثر عندما يراك هو رجل قد قُد من حجر ,
ورغم معرفتك وخبرتك عرضت نفسك بتباهٍ .
ـ كنت أستحم في النهر , وفي ظني أن ليديا تحرسني على الضفة .
ولكن ماذا عنك ؟ هل يختلف الأمر حين تكون مكاني ؟
ذكرها بريق التسلية في عينيه بالليلة التي التقيا فيها للمرة الأولى .
ـ هكذا إذن . . رأيتني هذا الصباح . . أقول رداً على سؤالك ,
ودفاعاً عن نفسي أن ما من امرأة استطاعت حتى الآن اغتصاب رجل .
وإن حدث ذلك فاعلمي أننا حصلنا على مساواة كاملة بين الجنسين .
ولكن حتى يحدث هذا , سنضطر ببساطة إلى تقبل الوضع الراهن ,
الذي يقول إن الأمرين مختلفان كل الاختلاف .
كادت نادين توشك أن تقول له إن أحد أهداف منظمتهم هو فرض
المساواة الكاملة . ولكنها تذكرت أن سيرجيو لا يقضي الوقت في ذكر
وصايا منظمتهم , فنادراً ما كان سيرجيو يذكر سياستها أو يحاول توجيه
التعاليم لها كما يفعلون . بل هو في الواقع في واد وزملاؤه في وادٍ آخر .
جعلتها حفرة مفاجئة في الطريق تقفز من مكانها وتلتصق به
وعادوها الألم مجدداً . . وتسللت الفكرة من رأسها , وهي تحـــاول
التركيز على ما تبقى من وعيهـــا .
نـهاية الفصل (( الخامس )) . . .