****************************
ابتعلت ريقها ازاء فعله انه على حق ماكانت لتاتي لرؤيته لو لم تكن يائسة.
موت امها تركها وحيدة ولم يعد لديها من يساعدها في رعاية طفلتيها اثناء تلقيها العلاج.
عليها ان تطلب العون ان لم يكن الرحمة.
ـ قليلا . لانك على صواب .وانت تعرف كم اكره ان اكون مخطئة لاسيما اذا كان هذا يعني انك مصيب.
_الكبرياء مشكلتي دوما ,لعل نشاتي الفقيرة هي السبب ,ربما لان الكل يعلم ان ابي هجر امي .......
وسكتت فجاة ومذاق المرارة يملا فمها .
بقي والداها شهورا حتى بدا وكان شيء يطير باستمرار في غرفة الجلوس .......الكتب ومحافظ النقود والاحذية ومفاتيح السيارة ثم يوم توقف الصياح لم يصفق احد الباب قط بعد ذلك ,الوالد رحل وقد عرف الكل ذلك.
جلست بايتون على مقعد في الحديقة
" لقد عرف الكل انك تزوجتني لاشباع نزوة . كرهت ذلك كرهت اولئك الناس كما اني اشفقت عليك ؟
اومات وقد تصلب جسدها ... وردت :
" انت كنت ماركو دانجيلو، و بإمكانك ان تتزوج اي فتاة . كنت تنوي الزواج من اميرة . لكنك ، وبدلا من ذلك ، تزوجت مني .
نظر اليها طويلا قبل ان يسير بعيدا الى اخر الفناء
قالت لتملأ الصمت المتوتر :
"ما يدعو الى السخرية ، انه لم يبق لدي اي كبرياء تمنعني من الكلام . انني يائسة . وبحاجة اليك ، الى عونك ".
حدق بصمت فشعرت بالغضب والاحباط يعودان اليه لقد عاوده الشعور بانه وقع في الشرك .
_ارجوك ياماركو ساعدني في جعل مرحلة الانتقال هذه ناجحة من اجلهما ساعدني على ان اشعر بانني قمت بعمل واحد صائب في حياتي .
اجابها بحدة بعد ان لم يعد يحتمل كل هذا الكلام :
_لقد قمت بعمل صائب في حياتك .
كيف تصاب بالسرطان و هي شابة ؟ كما ان المرض لا يبدو عليها في الواقع لم يرها من قبل بهذا التألق.
جمالها الآن حبس انفاسه . كما فتنته جمال وجنتيها وخطوط فكها وتقوس حاجبيها وكانها من صنع فنان ورغم عدم اتفاقهما و رغم المشاكل بينهما ، الا انه لا يمكن ان يتمنى لها المرض ابدا .... ابدا .
راحت تنظر اليه والقلق في عينيها الداكنتي الزرقة انهما عينا ليفيا ,التي تنظر اليه طلبا للاطمئنان والصفح وقد جرحه ذلك ,هل تظن انها بحاجة الى صفح.........ومنه هو من بين كل الناس ؟؟؟؟
انها ليست من نسل ملكي وليست منضبطة المشاعر مثل ماريلينا ,لكنها دافئة ومرحة ومحمومة المشاعر ومولعة بالحياة.كانت مثيرة بشكل لايمكن نسيانه انجذب اليها منذ البداية ....وقد حدث هذه مرة اخرى هذه الليلة الانجذاب والرغبة في امراة واحساس غريب تماما عنه.
_عليك ان تعلم انني لم اشا ان يحدث هذا ابدا .......لم اشا ان اؤلم الطفلتين او اسبب لك اي ازعاج.
ثلاث سنوات من الوقت الضائع.
ليته يقول اي شيء ! وهمست وقد اختنق صوتها بدموع لم تنهمر :
_اذا كانتا سعيدتين فانا سعيدة ,لو عرفت انهما تحبان ان تكونا معك فهذا يجعلني راضية وقادرة على العودة الى موطني لاقوم بما علي القيام به.
ـ حجزت لبعد اسبوع اعتبارا من يوم الثلاثاء .
ـ بعد اسبوعين من ذلك .ثمة تفاصيل علي الاهتمام بها كاجراء مزيد من الاختبارات وتحديد مواعيد المستشفى.
اخذ ماركو يتمشى نحو آخر الفناء و قد بدا غرقا في افكاره.
ـ اتريدين ان تبقى الطفلتان هنا معي اثناء علاجك ؟
ـ اظن ان هذا هو الخيار الافضل .
ـ ستخافان من البقاء وحدهما .
ـ ربما لكنني اظن ان بإمكاننا تخفيف ذلك اذا تعاونا و كنا متوادين و ادركت الطفلتان انهما لن تهملا .
اخذ يروح ويجيء وراسه ينبض بالالم ,ومرت في ذهنه السنوات الاربع الاخيرة اشبه بفيلم سريع.
بايتون الموظفة الاميركية الشابة والرائعة الجمال في ثوب جريء في قصر تروساردي ,وتذكر رقصه معها والنظر الى بريق عينها وهي تضحك.
ذكرته الحديقة بماريلينا فتراجع مدركا انه نسي ان يتصل بها . كما نسي ان يمر بها بعد العشاء كما وعدها.
استدار على الجدار ثم نظر الى بايتون :
ودس يديه في جيبه وثقل العالم يضغط عليه بايتون ماريلينا ....... الطفلتان العمل ,لاتاتيك الحياة باجوبة سهلة ....مامن اتجاه مباشر او حل واضح بل على المرء ان يصغي الى صوت ضميره وان يتبع نداء لبه.
_اعرف ان لديك خطة ,وقد تصورت كيف تريدين ان تسير الامور ,ماذا تريدين ؟كيف يمكنني ان اساعدك؟
اصغى اليها وسمع ماقالته وعندما تعبت اخيرا من الكلام اوما قائلا :
لم يزر ماركو ماريلينا قط من دون اشعار مسبق و نادرا ما فعل ذلك قبل الظهر . ولكن اذا دهشت لرؤيته في الساعة التاسعة صباحا ، فهي لم تظهر ذلك .
" صباح الخير يا حبيبتي . كيف حال رأسك ؟
ـ فأجابت و هي تفسح له مجالا ليجلس بقربها في الصالون :
"انني اتحسن لكنني استحق ما جرى لي لتجاهلي الضوء الاحمر . كنت غبية .
احضرت الخادمة القهوة ، فسألته و هي تتناول فنجانها :
ونظر اليها فراها تتامله مقطبة الجبين ثم قالت بلط :
ـ بايتون مريضة ... انها تعاني من السرطان .
اتسعت ماريلينا و فغرت فمها :
شعر انه اصاب في اخبارها اذا يجب ان تعرف ان عليه ان يساند بايتون قدر الامكان
" و الطفلتان ؟ هل تعلمان ؟ ماذا ستفعلان ؟ ".
اخذ يبحث في جيوبه عن سيكارة كالمجنون:
" انا اعرف ما تريده بايتون . انها تريد ان تبقي الطفلتين معي ".
لم تتحرك ماريلينا . بل نظرت اليه :"ان تبقيا معك؟بايتون ايضا.
ـ لا ,البنتان فقط , بايتون تريدنا ... انا و انت ، ان نحتفظ بهما ريثما تعود للعلاج الكيميائي
وقفت واستدارت اليه بقوامها الرشيق فقال :
_ارى انها مذعورة كليا انها شغوفة بهما للغاية ,وهما عالمها كله,فعلا.......
_لديها وظيفة ياماركو وظيفة جيدة جدا في تصميم الازياء عند كالفانتي.
_لكنها حصلت على اجازة ولن تذهب الى العمل ,ليس في المرحلة الاولى من العلاج على الاقل ,وهي تتصور نفسها ملقاة في السرير مريضة والبنتان تعانيان معها.
_لقد كانت صريحة معك اليس كذلك؟
نظرت اليه و هي تدعك صدغها :
_وماالذي تقترحه انت ؟ماذا عن العرس ؟ وشهر العسل ؟وعنا نحن ؟
ـ نحن مازلنا نحن ، قد نحتاج الى اجراء بعض التغيرات ولكن الامور على مايرام سنتزوج ، و نسافر في شهر العسل في شهر عسل .... لكن هذا سيتأخر اسابيع او اشهر عما قررناه.
رآها تعقد حاجباها و تعض شفتيها :
" و لكن سيكون لدين التوأمان "
ـ قبل شهر العسل ام بعده ؟
و رأى من ملامحها انه مهم حقا ، فانتصب في جلسته قليلا ، شاعرا ببرودة غريبة في صدره :
_انهما طفلتان ظريفتان وحلوتان لكنني حلمت بان اكون عروسا قبل ان اكون اما ".
لم يقل شئ. فيما تابعت تقول بهدوء :
" يسعدني ان اساعد بايتون قدر امكاني ، لكنني اظن ان علينا ان نكون حذرين . لطالما تحدثنا عن انشاء اسرأة معا ، وعن اطفال من صلبنا " .
لكن الطفلتان من صلبه ايضا ، و هما تحتلان قسما كبيرا من قلبه ومن حياته . انهما ابنتاه .
و ضعت ماريلينا يدها على كمه :
" يسعدني ان اكون زوجة اب . و ليس لدي مشكلة في ان اراهما في العطل الاسبوعية و الاجازات . و لكن ان اكون اما طوال الوقت لاولاد ليسو اولادي ، و جنسيتهم اميركية ! هذا امر غير عملي و لا معنى له ".
عندئذ ، اخرج مفاتحه و قال :
" علي ان اعود الى البيت ".
" ماركو اريد ان اتزوج ، ان اكون زوجتك انها خطتنا اليس كذلك ؟
لكن تلك الخطة ، كما خطر له و هو يسير الى سيارته ، قد تكون غير مناسب .
دخل ماركو الى بيته فوجد بايتون و طفلتيها يتناولن الفطور .
كانت الستائر مرفوعة واشعة شمس الصباح تتالق على المائدة المصقولة,وازهار الاقحونة البهيجة في اناء من الماء.
و عاودته كلمات ماريلينا و هو يقف عند العتبة :
" ليسا ولدي . انهما امركيتان " .
فرفعت بايتون بصرها فرأته ... و تقوس فمها ، فيما بدا شيء من الاحمرار في عينيها الزرقاوين . و مع ذلك
كان في ملامحها من الدفءو الحنان اكثر مما لدى عشرون امرأة معا .
وخطر له وهو يدخل انه يحب اسرته الاميركية هذه ,كان مسرورا لان ابنتيه نصفهما اميركي ورثتاه عن امهما بايتون .
لم تشعر بايتون قط بمثل التفاهة التي شعرت بها الان وهي جالسة الى هذه المائدة الفخمة وقد املا ماركو المفاجئ الغرفة بالحيوية ,لم يعد الفضاء الفسيح فارغا,بل اصبح مليئا بالحياة والنشاط.
سألها و هو يلقي بمفاتحه جانبا :
" من اين اتت بهذه الازهار" ؟
ـ جمعتها البنتان من الطريق عندما خرجنا نتمشى هذا الصباح .
والقت نظرة على الطفلتين اللتين بدتا فجأة منتبهتين تماما ، وتابعت :
"ظننا انك ذهبت الى مكتبك ".
ـ كان لدي مهمة قصيرة انجزتها ، ثم فكرت في ان اتناول الافطار معكن اولا.
و سحب كرسيا جلس عليه ، فأقبلت الخادمة على الفور بكوب عصير وسكة خبز طازج .
اخذت بايتون تنظر اليه بمرح وهي تسمح الخبز بالزبدة ، ثم قالت شاعرة بحاجة الى خرق الصمت
" الجو سيكون دافئا اليوم ... ففكرت في ان نأخذ البنتين في نزهة "
" لم اكن اعلم ان ثمة كرنفال " في المدينة".
" انه المهرجان السنوي الذي يقام عند اقنعة الملاحة. ولقد اخذتني اليه مرة منذ سنوات,فرأت ان البنتين ستبتهجان بالعرض".
" نعم انه الصيف ، هل يمكنك ان تأتي معنا؟.
ابتسم للفتاتين ، بدا مرتاحا جدا بالنسبة الى رجل لم ينم الليلة البارحة الا قليلا ، و قال :
" لدي رأي آخر,ماذا لو ذهبنا الى احب مكان لدي في العالم ؟
ونظر الى بايتون ، فتشابكت نظرتهما . و تابع بحزم و كأنه يتوقع منها ان تجادله :
" سنذهب جميعا وسنمضي اسبوعا معا . اظننا سنستمتع بالشمس و الهواء النقي ، وتغير الجو ".
صعدت الى الطابق العلوي تجمع امتعتها ، محاولة ان تركز على مهمتها هذه ، لكنها وجدت صعوبة في ذلك لا سيما و ان ضميرها يخزها .
قال ماركو انهم سيسافرون الى نابولي والي حيث يمضون الليلة ثم ينتقلون الى كابري اما بالقارب واما بالطائرة هيلكوبتر . لكن بايتون لا تستطيع ان تقبل بكل هذا ، فليس صوابا ان يترك كل شيء من اجلها
بدا وكأنه قرأ أفكارها ، ان وقف بجانبها و سألها :
ـ لا . انني منزعجة للقيام بكل هذا في وقت واحد.
_لماذا ؟انك منظمة في العادة .
التفتت اليه و عيناها قلقتان :
" لا استطيع ان اطرد فكرة ان هذه ليست فكرة جيدة".
هل عليه ان يتظاهر بالغباء الآن ؟ وكبحت تنهدها المتعب :
" الرحلة ان نذهب نحن الاربعة الى "كابري معا فأنا اعلم انك مشغول للغاية . لماذا لا تتركنا في نابولي ؟ بإمكاننا ، انا والطفلتان ، ان نأخذ زورقا الى كابري ".
ـ اترككن في نابولي ؟ مستحيل ، انها رحلة عائلية ، و سنذهب جميعا .كما ستكونون بحاجة الي ... اعني انني اريد ان اكون هناك .
هذا هو ماركو الذي يشيع الثقة . الرجل الذي يعرف ما هو المهم .
تملكها الارتياح البالغ و شعرت بازدياد في طاقتها. عند عودتها من اميركا كان متصلبا معها ؛ و بالغ الجفاء و عديم الاهتمام بها ؛ لكن الجدار البارد انهار ليمنحها و مضة من الضوء و الدفء.
لقد جاء من اجل الطفلتين و هو سيفعل المناسب للطفلتين ، و لهذا عليها الا تقلق كتيرا عليهما ؛ لان الامور ستكون على ما يرام .
ـ ماذا عن مجموعة الأزياء ؟
ـ لكن هذا غير صحيح . مجموعة الربيع هي لب العمل . لن اموت غدا ، ياماركو . لا يمكنك ان تترك كل شيء . عدني بأن تكمل المجموعة حتى النهاية .
_لديك موهبة و خيال خصب و انا اكره ان اقف عائقا بينك و بين عملك .
قطب حاجبيه و نظر اليها بإمعان ، بدا جو الغرفة مشحونا و لم تستطع احتمال هذا التوتر .
_لا افهمك . و لكن ، متى فهمتك على اي حال ؟ .
ـ اذا كان الامر يمنحك السكينة فسأستمر في العمل في المجموعة عبر الهاتف واذا اقتضى الامر فسأستقل الطائرة من اجل القيا س الاخير .
التفت يواجهها و عدم التصديق على وجهه :
ـ لأنك كنت طيبا وبالغ العطف .
"العطف ؟ انا لست عطوفا ابدا .وما فعلته ليس عطفا بل ضروره انه الشئ الوحيد الذي يمكنني فعله ".
ومع ذلك ، ما زالت شاكرة راضية اكثر مما يدرك لقد اراحها ان تعلم ان ماركو تفهم و قبل التحدي
ستكون البنتان بحاجة الى الكثير ، ستحتجان الى القوة و الشجاعة و الى قدر غير محدود من المحبة .
قالت و هي تنتفي كلماتها :
هل هي راضية عن اصطحاب لنا ؟
ـ انها بأحسن حال ، يا بايتون
انقبض قلبها بمرارة لم تعرف مثلها :
" انا آسفة ، يا ماركو ..."
ـ لا تعتذري فانت لم ترغبي في ذلك ولم تطلبيه ,انا لاااريدك ابدا ان تعتذري على شئ خارج عن سيطرتك
ـ حسنا ، فليكن ! انا رجل ، يا بايتون و لست طفلا . انني اتوقع الصعوبات في الحياة ، و اتقبل تحدياتها ، وما فيها من خيبة امل
وتقابلت اعينهما ، فتوهجت عيناه بشعور حار:
" لكنني لا اقبل الهزيمة وانت ستهزمين هذا ، يا بايتون ، و ستستمر الحياة".
*********نهاية الفصل السادس*********