في وقت لاحق من ذلك النهار , كان غافن ممدداً في سريره في
المستشفى التي نُقل إليها جواً , ينتظر أن يأخذ المُسكن مفعوله . وكان قد
خضع لعملية لنزع الرصاصة من ذراعه وأُبشر بأن العظمة سليمة , كما
أن والدته زارته في المستشفى ولكنها عادت إلى كين كان لتتولى إدارة
الأمور . صحيح أن ذاكرتها ضعيفة هذه الأيام ولكن عندما تكون
واعية , تتصرف بفعالية تامة .
هذا لا يعني أنها لم تذرف دمعة أو اثنين على ابنها الذي كان يمكن أن
يموت , ولكنها سرعان ما تنشطت وغادرته قائلة: (( الأمور السعيدة في
تململ في سريره محاولاً تسوية وضعيته من دون لمس ذراعه . وقال في
سره: لا يمكن للمرء أن يطلب الزواج من امرأة ويعني ذلك حقاً ويُغمى
عليه قبل أن تتمكن من الإجابة , ويقول إن الأمر قد انتهى !
عندما استفاق من غيبوبته , وجد نفسه في طوافة تتوجه به إلى
المستشفى , ولم يكن هناك أي أثر لجو التي بقيت في المزرعة .
ولكنه تساءل لماذا كان واثقاً من أنه كان يعني حقاً ما يقول ؟ لِمَ لم يقل
لها مثلاً : أظنها فكرة جيدة لو خرجنا وتسلينا معاً يا جو لوكاس , لأنني
رغبت فيك منذ اللحظة التي قمت فيها بتفتيشك ...
صحيح أن التوقيت لم يكن مناسباً ولكن يبقى ذلك أفضل من طلب
ولكن لا ! هي شجاعة , قوية , فخورة وظريفة أحياناً ... و ما يريده
هو الزواج . ومع هذا , هل هذه الأسباب الحقيقية ؟
إنها حتماً ليست الأسباب التي دفعته للزواج بوالدة روزي , لا
ذلك الهيام والحب العاصف .
ولكنه كان أصغر سناً آنذاك , عندما تعرف على ساشا . ربما النضوج
وسنواته الخمس والثلاثين جعلته يرى الأمور بشكل مختلف الآن وربما
البحث عن الحب , كما فعل مرات عدة بعد موت ساشا , ولّد فيه شيئاً
إذاً لماذا كان مقتنعاً بأنه يجب أن يتزوج جو لوكاس ؟ لا سيما بعد أن
أخبرها بأنه لم ينو الزواج ثانية لأن ما من امرأة تضاهي زوجته
المرحومة. ثم فكر فجأة في روزي ووالدته أديل . هل سينجح ذلك
صحيح أنه في السنوات القليلة الماضية , لم تكن روزي تفهم لِما ليس
لديها أم مثل كل أصدقائها وأقربائها , وصحيح أن أديل هبة من الله
لطيبتها ولكن هل من المنصف أن يبقيها محتجزة في كين كان للأبد من
أجل روزي ؟ لا سيما الآن وقد أسست حياتها في بريزبان بعد سنوات
على وفاة والد غاف ويبدو أنها مرتاحة هناك .
ففي النهاية, تلك هي الحياة التي غالباً ما كانت تستهويها, وتناديها
للذهاب إلى بريزبان , ولم يكن من مشكلة في اصطحاب روزي معها .
ولكن روزي ستدخل المدرسة في السنة المقبلة ولن يكون من الممكن أن
تتجول مع جدتها من مكان إلى آخر , إلا إذا انتقلت إلى بريزبان مع أديل
خلال العام الدراسي وأمضت العطل في كين كان . ولكن ما رأيه في
ولِمَ لم تخطر له في هذه الفكرة من قبل بحق الله ؟ هل شعرت أديل بأنها قد
أنجزت مهمتها في كين كان وتستحق الآن أن تتقاعد وترتاح . ألهذا
السبب أمضت وقتها في المزرعة تُغير الهندسة الداخلية حتى لم يعد في
المنزل من زاوية لم يتم ترميمها أو هندستها أو طلاؤها أو تزيينها من جديد ؟
لأنها إذا لم تفعل ذلك , يتآكلها الملل , فهي في النهاية ليست ابنة الريف .
قال لنفسه : لا بد أن كل هذا كان يدور في خلدك منذ زمن يا غافن ,
ولكنك كنت من التعجرف والأنانية بحيث لم تقر بأنك بحاجة إلى
زوجة ... أنت بحاجة لأم لـ روزي وعليك أن تعطي والدتك حـــريتها ,
ومن أفضل ليقوم بكل ذلك من فتاة تحب وتفهم الأولاد ؟ في الوقت
نفسه فتاة ترغب بها كما لم ترغب بأحد منذ زمن بعيـــد ؟ .
نهاية الفصل (( الرابـــع )) ..