آثرت جو عدم الخلود إلى النوم مباشرة . فارتدت سترة سميكة
وخرجت إلى شرفة غرفتها ومن ثم نزلت الدرجات الخشبية المؤدية إلى
الحديقة . لم تكن هذه الجهة هي جهة حوض السباحة , ولكنها كانت
جلست على أحد المقاعد , ضامة ساقيها إلى صدرها . فعلى الرغم من
أن الطقس بدأ يزداد دفئاً مع قدوم الربيع إلى كين كان , إلا أن هواء
الليل كان بارداً ولم يكن في السماء غيم يحبس دفء النهار أو يخفي
النجوم , وكان هناك الآلاف منهـــا .
ونظـراً لعدم وجود أنوار اصطناعية , كانت هذه المنطقة من كوينزلاند
مشهورة بجمال منظر السماء فيها ليلاً .
حدقت بالسماء لحظة متأملة بجمالها , متأثرة بجمال ما خَبرته الليلة
من أحاسيس لونت حياتها بأسرها .
صحيح أنها لطالما كرهت أن يعانقها أحد متسلحة بأسباب وجيهة .
فبين سن الثانية عشرة والثامنة عشرة عاشت مع ثلاث عائلات . اثنان
منها كانتا محبتين داعمتين وجعلتاها تشعر أنها فرد من العائلـة , أما
الثالثة فكـــانت كابوساً .
كانت في الخامسة عشرة عندما بدأ الزوج ينظر إليها بطريقة منحرفة .
في البداية كان يثن على جمال قدها ثم بدأ يلمسها . ظنت في بادئ الأمر
أنه لم يكن يقصد ذلك , ولكنه ذات يوم حشرها وعانقها عنوة محذراً
إياها بأنها لو أخبرت أحداً فـلن يصدقهــــــا .
حزمت حقائبها وهربت إلى مخفر الشرطة المحلي , من هناك أُحيلت إلى
قـسم العائلة والخدمات الاجتماعية .
في البداية . لم يصدقها أحد , حتى أن بعض الأصدقاء افترض أنها
هي من (( أغوته )) , ولكن سجلها كفتاة (( عاقلة )) أنقذها وفُتح تحقيق في
القضية , فتبين أن فتاتين أخريين عاشتا مع العائلة نفسها وحدث معهما
الأمر نفسه , ولكنهما كانتا خائفتين آنذاك من التقدم بشكوى .
بعد ما حصل في تلك العائلة , رفضت جو رفضاً قاطعاً العيش في
منزل مع رجل في الأرجاء , فانتهى بها الأمر مع أرملة متوسطة العمر
تعمل في الخدمات الاجتماعية , وابنتها التي أصبحت أعز صديقة لجو .
كان الجميع مقتنعاً بأنها سوف تنسى الموضوع البغيض وتضعه خلفها
لأنها عاقلة , قوية ومستقلة .
ولكنهم خطاً ظنوا , فقد غفلوا عن أنها حساسة أيضاً . ولن تنسى ما
حدث معها بسهولة . حتى أن تلك الذكريات المريرة وقفت بينها وبين
عدة رجال كان من الممكن أن تغرم بهم .
وربما عدم تصديق الآخرين لها في البداية هو أكثر ما ألحق بها الأذى
ولذلك باتت متعلقة باستقلاليتها , لن تعتمد على أحد من جديد .
إلا أن غافن هاستينغ قَلَبَ كل المقاييس وبدل كل المعايير .
ألأنهما عاشا الخطر نفســه ؟ أم لأنه رمى بنفسه في وجه سلاح مصوب
نحوها , شاء ذلك أو أبى ؟ أو ربما لأنها أسرا لبعضهما ببعض من
أياً يكن السبب , وحتى لو أن قلبها خفق عندما اقترح عليها
الزواج , فلا شـــيء هيأها فعلاً لدفق المشاعر التي جعلها تشعر بها الليلة .
أغمضت عينيها وفكرت في أنها وقعت في الحب , وهي سعيدة بهذه
الحالة ولكن ... كيف عساها تتكيف مع واقع أنه لن يعرف مجدداً ذلك
الحب المجنون العميق الذي عرفته هي ؟ وكيف يمكن لاستقلاليتها العاقلة
القوية العنيدة والحساسة أن تتكيف مع هذا الوضع الجديد ؟
نهاية الفصل (( الســادس ))...