عرض مشاركة واحدة
قديم 04-10-10, 01:41 AM   #2

taman

نجم روايتي

 
الصورة الرمزية taman

? العضوٌ??? » 62057
?  التسِجيلٌ » Nov 2008
? مشَارَ?اتْي » 6,430
?  نُقآطِيْ » taman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond reputetaman has a reputation beyond repute
Icon24 الماس لو بكى (احلام القديمة)- كتابة كاملة((رووووووعة))


أريدك حيـــــــــــــــــاً!


أيقظتها لمسة خفيفة كانت تتجول على وجنتيها.. وجعلها النداء الناعم باسمها تصحو بكل تنبه.. كان نور الصباح متدفقاً إلى غرفة وفيلكس جالساً على السرير قربها.. شعره أسود مبلل، ولحيته حليقة تفوح منها رائحة عطر مابعد الحلاقة.
قال بإعجاب ساخر: تستيقظين كقطة.. وأنت حذرة دوماً.. تركتك نائمة ولكن الوقت يمر، ولدينا رحلة.. ألا تذكرين؟ أنا واثق أنك لا ترغبين أن يفوتك رؤية شيء مما امتلكه بزواجك بي..
لم يعجبها بريق السخرية في عينيه.. وتساءلت لحظة عما إذا كانت ليلة أمس مجرد حلم. ثم تذكرت كلماته الشرسة عن مشروع طلاقها. إنها لا تريد منه أن يفكر بهذه الطريقة، مع أنه من الواضح أنه سيسيء الظن إن أنكرت.. ولكن فكرة الطلاق أمر مؤلم لها بشكل غريب.
مدت يدها إليه تلقائياً.. وقالت برقة: لاأظنها ممتلكات يمكن أن تختفي إن لم أشاهدها فوراً فيلكس.
حركت يدها على كتفه تداعبه بدعوة مفتوحة.. فأمسك معصمها وكادت أصابعه تسحق عظامها وأضاءت المشاعر العنيفة عينيه الخضراوين.
ـ لاأحد يدير حياتي هولي.. على الأقل امرأة. أنت الآن شريكتي قانونياً .. وقد تكونين متساوية معي.. كزوجة لي، بإمكانك المجيء معي، أو الذهاب في طريقك.. لكنني سأغادر هذا المكان بعد ساعة، ولاأنوي أن أتأخر.. وماتختارين فعله هو شأنك الخاص.
شريكة.. متساوية.. كلمات حلوة على أذني هولي. إنها تتقدم!
ـ أنت تؤلم معصمي فيلكس.
لكنها سراً كانت مسرورة لأن للمستها هذا التأثير المؤكد فيه. ذكرتها عيناه أن قوة الإثارة ليست من جانب واحد، إذ رفع يدها إليه يقبل مكان النبض في معصمها فتسارعت أنفاسها.. وسألها متهكماً: هكذا أفضل.. الآن؟
ـ يتحسن.
تركها ضاحكاً ووقف فجأة يصرف النظر عن مزيد من التقارب الحميم، وقال من فوق كتفه وهو يتجه إلى غرفة الملابس: الفطور بعد نصف ساعة.
ـ سأكون حاضرة.
ورفعت نفسها من السرير .
توقف بالباب ينظر إليها، ثم أجابها ساخراً : بطريقة ما، عرفت أنك سترغبين بمرافقتي إلى بندنير.. هولي.
لم تكن قادرة على الإحساس اللذيذ بالترقب: هذا يخدم هدفي فيلكس.
التوى فمه: دون شك.. ومن المثير للاهتمام رؤية كم سيظل هذا مناسباً لك.
ـ ربما" حتى يفرقنا الموت".. ألم تفكر في هذا فيلكس؟
أثارت ردة فعله البرد في أوصالها فقد اسود وجهه وتحجرت عيناه.. وقال بازدراء: إذا كنت تريدين كل شيء لنفسك هولي.. فستنتظرين زمناً طويلاً .. لن أموت بسهولة كما مات ايرول.. ولن تنجحي في ارتكاب جريمة قتل أخرى بين عائلتينا.. وجاك سيتأكد من هذا.
صدمها كلامه لذا لم تستطع السيطرة على نفسها بل قالت بخوف وذعر: من قتل من؟
قال بمرارة: أعتقد أن والدك ادعى أن الأمر حادثة.. فالناس قادرون على تحريف الأمور..لا أنكر أنه هوجم أولاً.. لكن والدي هو الذي انتهى ميتاً.. فلاتتغاضي عن التفكير في هذا وأنت تحسبين الغنائم التي تريدين الحصول عليها.. أما أنا فلا أتغاضى عنهـا ولن أتغاضى عنه. هزت هولي رأسها مذهولة مما قاله. وشعرت بطعنة في قلبها لأن فيلكس يفكر أنها قادرة أن تكون على هذه الدرجة من الحقارة بحيث تعتبر موته وسيلة للربح.. سحبت نفساً عميقاً لتهدىء الغثيان الذي يغلي في معدتها.. لقد تزوجت فيلكس ويستون وستسعى للاحتفاظ به مهما واجهت من مصاعب.
رفعت ذقنها بتحد بارز: المشكلة فيك فيلكس أنك لست معتاداً على نساء لايمكن شرائهن.. لكن يسرني أن أعرف أنني تجربة جديدة لك.
ضاقت عيناه وهي تتقدم إليه بثقة منحتها إياها ليلة أمس. وتوقفت أمامه ويدها تلامس ذقنه باستفزاز متعمد.
قالت:" أرجوك.. لا تضيع وقتك في القلق على روحك بسببي.. فأنا أريدك حياً.. شديد الحيوية".
ثم تجاوزته ودخلت إلى غرفة الملابس وهناك أقفلت الباب خلفها شاعرة بالرضا والنصر فقد أعطته شيئاً إيجابياً ليفكر فيه..وهو يريدها. ألم تر وميض الرغبة في عينيه عندما ابتعدت عنه؟ بينهما تجاذب كبير، لا يستطيع إنكاره.. وما داما يعرفان هذا.. فلديهما المستقبل! نظرت إلى نفسها في المرآة، ولاحظت أنها مازالت تتزيا بالألماس الذي أعطاها إياها.. الألماس لزوجته! ولن تتخلى عن هذه الممتلكات بسرعة! فلندع الماضي وشأنه!.. هذا مااتفقا عليه بالأمس. فليكن مايريد!.. هناك أكثر مما قاله فيلكس عن موت أبيه، وإلا لكانت ردة فعل دونا وجاك بالأمس مختلفة. حتى ولو كان والدها مذنباً لبعض الخطأ، فلقد دفع ثمنه وعاش منبوذاً وحيداً. لكن هذا لم يعد همها الرئيسي.. سعادتها؟ نظرت إلى نفسها في المرآة مجدداً بعينين أصبحتا فجأة أكثر بريقاً من قبل. أُيسمى هذا الجنون مع فيلكس سعادة. مقارعة مستمرة لانهايةلها لقوتها ضد قوته.. ولكن ماهي النهاية التي تريدها؟ إنها تريد أن يشعر فيلكس بأنه بحاجة إليها.. وأن يحبها.. أن يريدها في حياته إلى الأبد.. أنه الرجل المناسب لها! ولايهم لماذا تشعر بهذا! تأخرت هولي على الفطور.. كان فيلكس جالساً على المائدة وأمامه طبق لحم وبيض مقلي. يقرأ صحيفة موضوعة إلى جانبه..
قالت بإشراق: لم أجد الثياب التي كنت أرتديها ليلة أمس.
التفت إليها:" أتصور أن تريسا اعتنت بها".
طافت عيناه على جسمها ينظر إلى القميص القطن والبنطلون الجينز اللذان اختارت أن ترتديهما..كان شعرها الأسود معقوصاً خلف عنقها ووجها خال من التبرج، لكن بشرتها كانت متوهجة وعيناها تترقصان له..
التوى فمه ساخراً: تغيير كامل في الصورة؟ أهي مفاجأة أخرى لي؟
ـ لا.. بل هي ملابسي التي أرتديها عادة وقت السفر. إن لم تكن ملائمة، فقل لي هذا.
كان يرتدي قميصاً رياضياً أخضر يبرز لون عينيه.. فكرت هولي أنه أجمل رجل في العالم.. ثم تابعت تسأل: ومن هي تريسا؟
ـ إنها تريسا جوانو.. تعتني بكل شيء في هذه الشقة.. ولو ذهبت إلى المطبخ وقدمت نفسك لاهتمت بكل حاجاتك، بمافيها الفطور.. قولي لها ماترغبين فيه.
تريسا جوانو.. امرأة متوسطة العمر.. بدت مسرورة فعلاً بالتعرف إلى زوجة فيلكس الجديدة.. كانت ثياب هولي موضوعة جانباً للتنظيف.. وسرعان ما أعدت لها الفطور وقدمته لها.. راقبها فيلكس وهي تأكل بجو يوحي بنفاد الصبر.
قال مدمدماً وهي تصب فنجاناً آخر من القهوة: متى كنت حاضرة.
رفعت نظرها إليه بكل براءة: أنا جاهزة.. لم أكن راغبة في الفطور ولكنك أشرت إلي به..
قطع نظرة البراءة المزيفة وقال: بشكل غريب يكفي.. أنا أريدك حية كذلك هولي.
دار حول الطاولة يمسك لها الكرسي: على أي حال، لا يحصل المرء كل يوم على زوجة لها هذا الكم من المميزات الرقيقة.
ضحكت بمرح عندما تركا الشقة كانت روحها المعنوية مرتفعة.. توجها إلى المطار حيث الطائرة النفاثة الخاصة بانتظارهما هناك قدمها فيلكس إلى الطيار والمضيف.. كانت الطائرة مجهزة بكل وسائل الراحة: غرفة جلوس، غرفة نوم، حمام، ومطبخ صغير عصري لتحضير الوجبات.. وكانت هولي فعلاً تتطلع شوقاً لرؤية منجم الألماس وللتعرف إلى حياة فيلكس. جلست على المقعد ثم وضعت الحزام حولها استعداداً للإقلاع، ونظرت إلى فيلكس: لم تخبرني، لماذا نسافر اليوم إلى بندنير؟
ـ لا أحب أن يفوتني الجمع.
ـ ظننت أنكم تستخرجون الألماس من الأرض، ولا أعرف أن بالإمكان جمعه.
التوى فمه: ليس الألماس.. بل الماشية. التنقيب عن الألماس عملي. لكن إدارة أكبر مزرعة للماشية في العالم هي سعادتي.. خاصة في مثل هذا الوقت من السنة.
أخفت هولي ارتباكها قدر المستطاع.. إنهما مسافران إلى المنجم.. لكنه سيجمع الماشية؟
ـ لم تذكر لي هذا من قبل.
تراقصت العينان الخضراوان بمرح ساخر: إذن.. هناك مالا تعرفينه! المنجم يدير نفسه بنفسه هولي. فالكمبيوتر يسيطر على كل شيء، وفي أصعب الحالات بإمكان ستة أشخاص إدارته.. وهذا ليس قمة التحدي المطلوب.. قطع الألماس يجري في بيرت، وجاك يتولى إدارة كل شيء هناك. وأنا بحاجة للقيام بشيء، ولتحقيق شيء.. والواقع أنني أهتم بالجانب العالمي من تسويق الألماس. لكن حياتي الحقيقية هي في بندنير، فهناك أقضي معظم وقتي ولن أتخلى عن هذه الحياة من أجل أي كان أو أي شيء. أحب التحدي، وأحب التجارب وأحب أن أسيطر على مايصعب السيطرة عليه.
أخيرأ فهمت هولي الأمر. فلا علاقة لبندنير داونز بمنجم الألماس! إنها مزرعة مواشي! وهي إحدى أكبر الأملاك المفتوحة في كيمبرلي.. أرض كبيرة، واسعة الأرجاء في أرض معزولة .. وفهمت فجأة ما كانت تقوله دونا بالأمس. إنها بلاد الرجال.. ولا مكان فيها لامرأة..
كان فيلكس يراقبها ردة فعلها على ماأخبرها به.. وقال بثقة مؤكدة: إنها العشيقة التي لايمكن أن تنافسها أية امرأة.. الناس يأتون ويذهبون أما الأرض فتبقى إلى الأبد.. تختبر إلى مالا نهاية، تتطلب، تدفع الرجال إلى حدود التحمل والقدرة .. تعطي المكافآت، توقع العقوبات، ترفع شأناً وتحطم، ولكنني لا أتصور أن لمرأة من بوسطن قادرة على فهم هذا .
ابتسمت: لقد مضى زمن طويل لم أعش فيه في بوسطن.. حتى هناك، تعلمت أن أعيش في محيط مختلف.
تبدلت السخرية إلى فضول: مختلف؟
ـ في يوم ما سأخبرك بالأمر.. أما الآن فليس الوقت المناسب.
التوى فمه:" أنت تفضلين إثارة حيرتي".
فلنقل فقط إن القدرة على التحمل هي أفضل ميزاتي.
ضحك ضحكة خافتة فيها السكينة والتفوق: ربما بعد عمر مديد، قد أجد ماهي المزايا الأخرى..أما الآن فأرجو أن تتحملي الطيران مدة خمس ساعات دون أن أسليك.. فلدي أعمال أهتم بها. عندما جئت إلى سيدني لم يكن في نيتي الزواج الذي اقتضى مني وقتاً كان مخصصاً لأمور أخرى.
أقلعت الطائرة النفاثة وهما يتحدثان وفك فيلكس حزام الأمان ورفع حقيبة أوراقه إلى الطاولة أمامه.. وسألت هولي: هل هناك ما يمكنني مساعدتك فيه؟
أخرج رزمة أوراق من الحقيبة، ثم نظر إليها نظرة صاعقة: أشك أن تكوني مدربة لمثل هذا النوع من العمل.. هولي.
ـ ها قد عدت للتخمينات.. أنسيت أنني شريكتك؟
ضحك مجدداً ضحكة لامرح فيها.. وأشارإليها بتهكم أن تنضم إليه على الطاولة : بكل ترحاب.. ألقي نظرة على هذه الاتفاقات. هذا ما نحن ملتزمون بتسليمه إلى سنغافورة، ولن تمنعيني أنت أو أي شيء آخر عن الوفاء بالاتفاقية.. لم تشأ هولي التدخل بالمنجم أو بمزرعة المواشي..لكنها كانت مهتمة بمعرفة المزيد عنهما.. وتجاهلت قلة الاكتراث التي يبديها، واستقامت في جلستها أمام الطاولة وركزت اهتمامها على عمله المكتبي.
وجدت هولي بعض الأرقام في الاتفاقيات مذهلاً.. لاتستغرب الآن أن يعرض عليها خمسة ملايين دولار ثمناً للوحة دون أن يرف له جفن! وقامت ببعض الحسابات الفكرية.. لاشك أن العمل في المنجم مربح جداً وبشكل لا يصدق.
لم يكن لديها فكرة كم هو مخزون الألماس، في بندنير. ربما لا أحد يعرف لكنها كانت واثقة أن والدها هو الذي حدد مكانه، ربما بالشراكة مع جاك ويستبرون. وهذا بالتأكيد مايدل عليه كلام جاك بالأمس. بدأت تلملم المعلومات التي جمعتها من هنا أو هناك.. دونا عاشت في مزرعة المواشي المعزولة مع والد فيلكس.. ثم جاء جاك ويستبرون وايرول ماكنافش.. ولاشك أن الضيافة المفتوحة في المزراع الأسترالية النائية آوتهما، وهما يستكشفان المنطقة.. إذا كان مخزون الألماس قد وجد في بندنير داونز.. وهذا هو الأرجح.. فإن الاكتشاف أثر في الجميع.. وربما هو الذي تسبب بالأحداث الفظيعة التي وقعت.
كانت دونا " مركز" كل شيء، وهذا واضح.. امرأة جميلة تشتاق إلى حياة مختلفة، وإلى الأصحاب و الاهتمام.. امرأة لديها حاجات لا يستطيع زوجها، أو لم يرغب، في تأمينها لها.. و يبدو أنه كان هناك ثلاثة رجال يمثلون ثلاثة خيارات مختلفة.. والد فيلكس، رجل قاس لايلين.. يهتم بأرضه أكثر من اهتمامه بأرضه أكثر من اهنمامه بزوجته. ولا يريد حياة غير التي يعيشها.
جاك.. الرقيق اللطيف الحنون.. لكنه يفتقر إلى الجاذبية المطلوبة. والدها هي.. الذي كان شخصاً مميزاً حتى فقدت أمها رشدها معه. فهل فقدت دونا رشدها معه كذلك..؟ وقلبها؟ هل هذا هو السبب الذي قاد إلى اقتتال انتهى بموت والد فيلكس؟ لن تستطيع أن تسأل بسبب ظروف زواجها لكن الواضح أن شعور دونا بالذنب ما زال يعذبها.. فهل حرضت رجلاً على الآخر؟ وفقدتهما معاً؟ هل أبعدت ايرول حين شهدت موت زوجها وأصبحت غير قادرة على تحمل مغبة مناوراتها؟
جرت هولي تفكيرها من الماضي، فلن يساعدها الماضي في إحراز التقدم مع فيلكس الذي يظن أنها لن تبقى طويلاً في بندنير.. إنه يراها امرأة جميلة.. والواضح أن خبرته مع النساء الجميلات تقوده إلى الاعتقاد أنهن راغبات، مستهترات، يردن أن يعجب الناس بهن وبتبرجهن وأنهن لا يمكن أن يكن سعيدات خارج الحياة الاجتماعية البراقة .. إنه لا يدرك أنها لا تحتاج إلى أحد حولها.. والإعجاب المصطنع يعني لها أقل من لا شيء..لكنه سيتعلم في النهاية.. الوقت معها الآن وهي زوجته. فكرة أن تعيش معه في عالم خاص بهما حمل إلى شفتيها ابتسامة رضا.
علق بسخرية: أرى أن أرقام تجارتنا تبهج قلبك.
كانت تمسك أحد العقود الكبيرة.. فسألت بصوت ملؤه الفضول متجاهلة سخريته: كم ينتج المنجم فيلكس؟
قسن عيناه الخضراوان: حوالي ثلاثين مليون من قيراط من الألماس سنوياً .. فهل هذا يرضي جشعك؟
ردت بحدة: لا ترمي هذا في وجهي فيلكس! كان بإمكانك ترك الألماس حيث وجده أبي.. في الأرض.
توتر وجهه: لم يكن قرار التنقيب عنه قراري.. فيومذاك كنت مجرد صبي صغير.
ـ لكنك لم تدر ظهرك للمنجم وهو موجود.. إذن لماذا تنكر علي اهتمامي به الآن؟
ـ أكنت تفضلين تركه في الأرض هولي؟
ـ الألماس لا يهمني.. بأي شكل من الأشكال.
ردت نظرته مباشرة بعينين ثابتتين . وأضافت: وبما أنني زوجتك أعتبر عملك عملي، وشأنك شأني فيلكس.. ولن يثنيني شيء عن هذا حتى الاتهامات الشريرة التي ستختار اتهامي بها.
سألها متهكماً: أتتوقعين مني أن أصدق أنك كنت ستقومين بما قمت به حتى الآن لم لم يكن هناك منجم ألماس؟
ـ لو لم يكن هناك منجم ألماس.. أكنت تتزوجني؟
استرخى وجهه وابتسم ابتسامة ماكرة: ربما.. فأنت أكثر من وجه جميل.. مع أنني كنت سأفعل أشياء أخرى لو لم أشاهد اللوحة أولاً.
ردت بجفاء، لكن قلبها كان يتسارع بانفعال: ربما..
إنها المرة الأولى التي يقر فيها أنها أعجبته منذ الليلة الأولى.. ابتسمت بثقة بالنفس: وربما كان أملك سيخيب. فأنت محق أنني لست مجرد وجه.. لكنني لست جسداً فقط
ـ كوني واثقة أنني الآن أحترم العقل الذي يدير هذا الجسد.
اتسعت ابتسامتها رضا: ليس عليّ الآن إلا جعلك تهتم بشخصيتي.. وسيكون لديك شخص كامل.
أحست بتراجعه أمامها حتى قبل أن يتكلم: الأرض تقوم بهذا نيابة عني.. إنها تخرج أفضل وأسوأ مافي أي شخص كان.
تحدته سائلة: وأنت لا تظنني قادرة على اجتياز هذا الامتحان؟
التوى فمه:" لقد سمعت أمي.. سرعان ماتسأمين إلى درجة الجنون".
ردت :" سنرى".
برقت عيناه بغموض: أجل..سنرى.
ثم عاد للتركيز على عمله متعمداً إبقاءها.بعيدة .
فيلكس ويستون، لا يستسلم بسهولة.. ما إن يصمم رأياً حتى يصبح راسخاً كالصخر، أو كالألماس قسوة، كماهي الحال الآن .. لكنها لا تشعر بأنه أهانها بإبعادها عنه. فهي لم تقاطعه.. بل هو الذي فتح الحديث معها.. ولقد سجلت بعض النقاط لصالحها من هذا الحديث.. بعض الأشياء لا يمكن استعجالها، مثل الاحترام. إنها قانعة بانتظار الفرصة التالية.أخيراً طلب فيلكس الغداء وأبعد أوراقه وهما يتناولان سلطة الكركند.
سألت:" هل تتناول دائماً مثل هذا الطعام الفاخر؟ حتى في بندنير داونز؟".
ـ أستمتع! لدينا كل مانريد هناك، ويحتوى منزل المزرعة على كل وسائل الراحة التي تعرفها المدينة كما ذكر جاك بالأمس.. وما تفعلينه فيها هو شأنك الآن.ولكن ثمة غرفتان لاتمسهما أية أنثى.. لكن، إذا رغبت، يمكنك تغيير المنزل كله حسب ذوقك.. اشترى ما شئت..سأكون مشاهداً فقط، لأرى ماالذي يدفعك.. ماالذي يثيرك؟
أصبحت التسلية سخرية عميقة الجذور وهو يضيف: هذا قبل أن تدفعك العزلة إلى الهرب.. أو تسأمين اللعبة التي تعلبينها.
تجاهلت ملاحظته: ماهي مساحة بندنير داونز؟
ـ هي أشبه بالمستطيل الذي يبلغ طوله مئة وخمسين ميلاً وعرضه مئة.. خمسة عشر ألف ميل مربع.. وستكونين وسط الأرض.. لاشيء سوى السكون و الأرض التي لا عمر لها حولك.. ممتدة منذ آلاف السنين.. وشيئاً فشيئاً ويوماً ستطبق على قلبك.
ـ لكنها لم تفعل هذا بك.
ـ إنها أرض الرجل.
مدت يدها تمسك يده: إن ما تحتاج إليه.. هو امرأة مناسبة لتسيطر عليها.
سمعت هسيس أنفاسه، وكان في عينيه شيء خطير.. وأطبقت يده على يدها، تأسرها وتعبر عن سيطرته.
ـ منذ البداية.. الشيء الوحيد الذي أعجبني فيك، هو برودك..
استفزته قائلة:" في كل الأوقات؟".
كانت ابتسامة شيطانية بالتأكيد وهو يستخدم يده الأخرى ليضعها على خدها:أعتقد.. هولي رايدال..
ـ هولي ويستون.
إنه يريدها الآن..
ـ أعتقد هولي ويستون.. أنك بحاجة لتعلم بعض قواعد الاحترام.
تحرك عن الطاولة، وجذبها عن كرسيها. ثم جرها معه إلى غرفة النوم، وأغلق الباب وراءهما: لن يمنعني شيء عن تعليمك حتى لوكنا على ارتفاع خمسة وثلاثين ألف قدم.
ولم تحاول هولي بكل تأكيد أن تمنعه.. بل شجعته أن يعلمها كل الاحترام الذي يستطيعه.. لكن لم يكن هناك شيء من الاحترام في تفكيرهما.. ولم يقل فيلكس شيئاً عن الاحترام كذلك.. أخيراً أبعد نفسه، وخرج من السرير ليقف.. نظر إليها يهزأ رأسه: أنا لا أفهمك.. و لا أفهم ماتريدين.. أو لماذا تتصرفين هكذا.. ولاأثق بك.. ولن أثق بك أبداً.. لكنني سأقول لك هذا.. التورط معك مسألة فظيعة.
زاد اعترافه هذا من رضا هولي، لكنها كبتت تهورها واندفاعها لئلا تترك مشاعرها عادية أمام سخريته.. ابتسمت له ابتسامة بطيئة غامضة: لابأس بك فيلكس.. لست سيئاً.. تعرفت إلى من هو أسوأ منك.
تصاعد من حلقة صوت يشبه الهدير. ولكن بدا أنه لا يريد أن يتركها.. توقف بالباب ينظر إليها وعلى وجهه تعبير متجهم غامض، جعل قلب هولي يقفز أملاً.
قال:" أمامك ساعة قبل أن تحط الطائرة.. ولدي عمل أنهيه.. افعلي ما شئت".
ثم خرج إلى المقصورة الأخرى يغلق باب مقصورة النوم خلفه. لكنها لن تسمح له بإبقاء الأبواب موصدة بينهما.. أقسمت هولي على فتح الأبواب واحداً إثر الآخر.. ولو لزمها ما تبقى من حياتها!

_ خـــــــــــــائف منها!




[center]خيبت النظرة الأولى التي ألقتها هولي على المنجم أملها. فهو مجرد علامة صغيرة معزولة فوق أرض واسعة، متفكك البنية وبشع وكأنه فوهة هوة على القمر..مع ذلك فقد تقاتل الناس عليه وماتوا من أجله أو بسبب امرأة. بطريقة ما، لم يثر منظره أي شيء في نفس هولي.. فلولا ظهور الألماس لالتقت بوالدها وعرفته.
قال بصوت ساخر:" جوهرة التاج.. سأجعل أحداً يريك محتويات الأقبية".
أدارت هولي رأسها عن النافذة فالتقت ببريق عينيه الخضراوين القاسيتين.
ـ سانتظر حتى ترغب أنت في مرافقتي لإلقاء نظرة على المكان فيلكس. والواقع أن ما يهمني أكثر هو رؤية المكان الذي تعيش فيه.
ارتفع حاجباه بسخرية واضحة، لكنه تقبل كلامها دون جدال.
ـ في هذه الحالة، سأقول للطيار أن يتجه فوراً إلى مدرج منزل المزرعة.
أعادت هولي نظرها إلى مناظر الأرض تحتها.. وذكرها هذا بأرض أخرى رأتها من قبل كانت تموت عطشاً: نيفادا..أريزونا..زيمبابواي في أفريقيا.
سألت عندماعاد فيلكس إلى مقعده: كم رأساًمن الماشية لديكم في بندنير؟
ـ هذا وقف على الظروف. وهي تترواح مابين مئة ألف ومافوق.
عبست هولي فقد بدا لها العدد صغيراً.
ـ هذا يعني حوالي ستة رؤوس لكل ميل مربع.
ـ إنها أرض قاحلة.. لكن القطيع يزداد طبيعياً في السنوات التي لاتكون فيها الأرض قاحلة. ولهذا لدينا جمع منتظم للماشية.. لندفع العجول الجديدة ونبعد العجول البرية.. ماهذه هي الحياة التي تتوقعينها، أليس كذلك؟
ـ ماكنت أتوقعه فيلكس، وجدته. والآن أريد المزيد.
ضاقت عيناه:" المزيد مما؟".
ـ منك.. ولماذا تظن أنني هنا؟
تمتم بصوت ملؤه التجهم:" الله وحده يعرف!".
ستكون شكوكه المتعلقة بها عرضه للاهتزاز ولكن..
كانت الطائرة تهبط بسرعة، وأول انطباع رسخ في ذهنها عن مزرعة بندنير دوانز هو أنها بلدة صغيرة.. بدا أن كل شيء منظم بترتيب: مربعات فسيحة، مجمع الماشية، وصفوف من الأبنية ذات السقوف المصنوعة من صفائح الزنك، وخزانات من المياه موزعة بشكل موزعة بشكل مدروس، وسواق يتجمع منها الماء في الجدول.. فكرت في أنها ستتكيف مع هذه الحياة مهما يكن عليه الأمر.. وأقسمت هولي على هذا وهي تبتسم بثقة لفيلكس والطائرة تلامس المدرج الصغير.
حين ترجلت من الطائرة كان أول من رأته من الناس مجموعة من الصبية الذين من هم السكان الأصليين وكانوا يقفون على سياج قريب وعلى وجوههم ابتسامات عريضة.. ردت هولي التلويح وماهي إلا لحظة حتى قفزوا عن السياج وابتعدوا نحو المنازل..
سألت فيلكس:" من هؤلاء؟".
ـ أولاد الرعيان عندنا.. كانوا هنا من قبل أن يستعمر الرجل الأبيض هذه البلاد.. هذا وطنهم.. وهنا سيبقون.. مدى الحياة.
ونظر إلى هولي نظرة تحذير.
سارعت توافقه الرأي:" طبعاً.. هذا حقهم".
ـ دون حكم عرقي مسبق؟
ـ هذا يحدث في بوسطن.
دست ذراعها في ذراعه، ورأت التوتر يسترخي في وجهه..وأحست كأنها مرت بامتحان.
قالت:" تظاهر بأنك تحبني.. فهذا سيعطي انطباعاً أولياً حسناً".
ضحك ضحكة خافتة وما إن وصل جيب ووقف في أسفل الدرج حتى شد ذراعها إليه أكثر وتصرف معها بحب وتساهل وعمد إلى تعريفها بالسائق: هولي هذا وارن مانيج.. مدير المزرعة الدائم هنا، زوجته غير ليش، تدير مالا يستطيعه هو.
وران رجل في العقد الرابع من عمره، نحيل قوي الجسم، تلاعبت بوجهه تغيرات الطقس.. شعره رمادي حديدي وعيناه زرقاوان براقتان، وابتسامته تشع ترحيباً دون شروط. صافحت هولي اليد الممدودة إليها وقالت: أنا مسرورة جداً لمقابلتك سيد مانيج.
سأل بدهشة: " أمريكية؟ .. أتمنى أن تكوني سعيدة معنا هنا سيدة ويستون ".
ردت بحرارة : " شكراً لك.. سأكون مسرورة دون شك .. الامريكيون يحبون التحدي أيضاً..أكثر من هذا ".
ابتسم وارن مانيج موافقاً : لاأعتقد أن من الممكن أن ينتقي فيلكس من لاتستطيع الصمود هنا، سيدة ويستون .
وضعت الحقائب في الجيب وفي هذا الوقت كان وارن يعبر عن السرور الذي شعر به الجميع عندما علموا بخبر زواجهما.. وأخبرهما وارن ان كل رجل وامرأة و ولد في بندنير داونز ، مجتمعون في المنزل الكبير بانتظار لقاء المرأة التي تزوجها رئيسهم .
فكرت هولي متوترة : وليتفحصوها .. قلقت لوقت قصير بسبب ثيابها ، ثم ذكرت نفسها أنها لاتريد أن يحبها الناس من أجل ثيابها بل من أجل شخصيتها ، والكل مستعد ليحبها لأنها زوجة فيلكس . مع ذلك أدركت أن هذا امتحان آخر يجب أن تمر به لتكسب احترام فيلكس .
كانت هولي مشغولة الفكر بما ينتظرها لذا لم تنتبه جيداً للأبنية والاسطبلات ، مخازن الغلال والمنازل ، ولكن لما اقتربت السيارة من المنزل الكبير تأثرت كثيراً.
كان طوال الجزء الرئيسي من المبني حوالي مئة وعشرين قدماً من كلا الجانبين. وثمة شرفة واسعة تحيط بالمبنى من كل الجهات، ولكل عمود في الشرفة إفريز خشبي مزخرف ملاصق للسقف. وتحت الشرفة حديقة مزدانة بالأشجار المزهرة الصغيرة. بدا اتساع المنزل مناسباً للأرض التي بني عليها، وقد أثر فيها كثيراً.. لكن لم يكن لديها وقت للتفكير، لأن الناس كانوا مصطفين على الشرفة يلقون عليها التحيات بوجوه فرحة.. كانت الساعة التالية مرهقة لهولي فقد تعرفت إلى حوالي خمس عشرة عائلة، حاولت جاهدة أن تتذكر أسماءها، ولكن جميع الوجوه عبرت عن مدى فرحتهم وترحيبهم. ولعل ما ساعدها أن فيلكس دعمها وأظهر سروره.
ولكن ما إن انتهت التحيات والاحترامات، حتى قال لها إن عليه أن يناقش بعض الأمور المتعلقة بالعمل مع جوني.. ومرر هولي بلطف إلى غيرليش زوجة جوني لتعتني بها وطلب منها أن تجول بها في المنزل.
كبتت هولي احتجاجاً، وأخفت خيبتها لأن فيلكس لم ير من المناسب أن يجول هو بها في المنزل. لكن الوقت الآن غير المناسب لاتخاذ موقف أمام الكثير من الناس.. فعاجلاً أم آجلاً، ستجعله يعرف ويعترف أن هذا هو منزلها كماهو منزله ولن يستطيع إبعادها عن حياته ، وكأنها زينة لتمضية وقته .. ستكون شريكته بكل ما للكلمة من معنى . في هذه الاثناء ، تحتاج إلى أن تؤسس لنفسها مركزاً وأصدقاء مثل غيرليش كاركان، فزوجة جوني دون شك تعرف كل الأشياء التي يجب أن تتعلمها هولي.كانت المرأة الأكبر سناً ملهوفة لمعاملتها بأكبر قدر ممكن من اللطف، وأحست هولي بسرعة بالحرارة نحو شخصيتها المرحة. وكانت غيرليش فخورة بالمنزل الذي هو بطريقة ما منزلها.. لأنها تعيش و زوجها في الجناح الغربي منه..
سألتها هولي:" منذ متى تعيشين في بندنير داونز، غير ليش؟".
غيرليش امرأة ضخمة البنية، قوية، شعرها الرمادي الكثيف معقوص وعلى وجهها القوي الوسيم ملامح شخص عاش عيشة مريحة.
أجابت مبتسمة:آه! منذ عشرين عاماً تقريباً. حين عرض علينا السيد ويستبرون إدارة المكان كان أولادنا الصغار بعمر فيلكس. كان يجلب فيلكس معه من بيرت في العطلات المدرسية لكنه لم يكن يبقى هنا.. أنا وجوني ولدنا في كيمبرلي وترعرعنا فيها.. ونحب الحياة هنا، وكذلك فيلكس.. لكن..أمه..هزت غيرليش رأسها بارتباك.
ـ أتعلمين.. لم تعد إلى هنا قط.. وأفترض أنك إما أن تحبي الحياة هنا وإما أن تكرهيها.
عبست ونظرت إلى هولي بلهفة: أعتقد أنك ستجدينها حياة مختلفة عن الحياة في أمريكا.
ردت:" مختلفة كثيراً .. لكن هذا لايعني أنني لن أحبها غيرليش.. لقد أحببت كل شيء في هذا المنزل".
ولم تكن تبالغ. فالغرف كبيرة طلقة الهواء.. والأثاث مصمم للراحة لا للأناقة. لكنه مع ذلك متعة للعين..كان هناك بعض القطع الأثرية الجميلة في غرفة الجلوس.. أرض المنزل من الخشب اللامع، لكن البسط المختلفة التي كانت تزينه ذات جودة. أما المطبخ فقد كان واسعاً، ومجهزاً بطريقة لا توصف..
سألت هولي:كيف يسير كل شيء هنا؟ أعني من أين تأتي الكهرباء؟
ـ ثمة مولدات ضخمة تحت الأرض.. نحن محظوظون أكثر من معظم الناس هنا.. لأننا لا نضطر للتفكير في شيء. فيلكس يهتم بهذا.
لكن شيئاً لم يعجبها، أن لها و لفيلكس غرفتين منفصلتين يصلهما حمام مشترك، وغرفة ملابس. عندما تركتها غيرليش أخيراً لنفسها، بدأت التفكير الجاد في الوضع في هذا الوضع. بدا لها أن الغرفتين منفصلتين هما رمز لانفصال المسؤوليات في بندنير داونز.. تقسيم العمل مرسوم بدقة..النساء يدرن المنازل، والرجال يعملون مع المواشي.. ولو كان زواجهما عادياً لما اعترضت أما وزواجهما على ما هو عليه فالأمر يختلف. لن تستطيع إحراز التقدم معه إلا إذا قامت بشيء يكون له قيمة حقيقية له. شيء إيجابي يواجه تحدي الأرض ذاتها.. وهذا مايهتم به.. هذا هو مصدر سعادته.. السيطرة على مالا سبيل للسيطرة عليه، كما وصف فيلكس الأمر.. وإذا لم تجد خطة عمل يمكن تنفيذها، خطة تؤثر فيه فعلاً، فسيبقيها على هامش حياته.. مجرد امرأة مناسبة له.. ولكنها تريد بشكل يائس أن تكون في قلب كل شيء.. معه. استحمت وغيرت ملابسها ثم ارتدت بزة مؤلفة من سروال وردي و بلوزة لتظهر مختلفة وقت العشاء.. بعد ذلك ذهبت إلى غرفة نوم فيلكس تنتظره.
ما إن دخل فيلكس إلى غرفته حتى تصلب جسده كله وقال بحدة: هذه غرفتي هولي.. لديك غرفتك. قلت لك إن هناك أشياء لا يمكنك الحصول عليها، وهذه واحدة منها.. لذا إذا كنت تفكرين في التغيير.. فانسي الأمر!
ـ كنت أجرب الفراش لأرى أيهما المريح لننام عليه.. أم لعلك تفكر في النوم بمفردك فيلكس؟
التوى فمه: أنا مثلك.. أنوي أخذ أفضل ما أستطيع من هذا الزواج.. طالما هو دائم. بإمكانك المشاركة في الفراش ساعة تشائين.. لكن لا تتدخلي بأي شيء آخر في الغرفة. لا الآن، ولا حين أكون غائباً.. أبداً. هل هذا مفهوم؟
ردت بتصميم: هناك شيئان يجب أن تفهمهما فيلكس..
شد على شفتيه: لا تدفعيني كثيراً هولي.. أطلقت يدك لتفعلي ما تشائين في سائر المنزل، إلا مكتبتي التي هي أيضاً من شأني الخاص..
قاطعته: ليس هذا ما أعنيه. أنا لا أنوي البقاء هنا حين لا تكون أنت هنا، حيثما تذهب أذهب..
ـ هذا يا عزيزتي حق لك في أية رحلة أقوم بها.. لإنك لن ترافقيني عندما أجمع الماشية، وأنا أقبل أي شيء إلا اصطحاب ركاب في الهليكوبتر عندما أقوم بجولاتي.. فالأمر خطير جداً، لأنني أحتاج إلى التركيز الكامل. وهناك دائماً خطر أن يتعطل المحرك في أحد المناورات.. ثانياً ستكونين حملاً ثقيلاً على الأرض، هذا عدا عن إلهاء الرجال الذين يجب أن يبقى تفكيرهم منصباً على عملهم..و أشك أن بإمكانك الجلوس فوق سرج جواد يوماً بعد يوم، دون أن يقلق الجميع على صحتك.
لم ينتظر رداً، بل اتجه فوراً إلى الحمام و أغلق الباب بينهما.. كبحت هولي تهوراً في أن تلاحقه.. فهي لم تعرف أنه يجمع الماشية بالهليكوبتر، مع أنها ترى كم هي طريقة مفيدة مع وجود أراض واسعة للتغطية.. ربما ستتعلم قيادة طائرة، ستفكر في هذا ملياً.أما بالنسبة لركوب الخيل، فهو على حق تماماً.. فمع أنها فارسة ماهرة إلا أن الركوب يوماً بعد يوم أمر خارج السؤال في الوقت الحاضر. لكن حين يحين موعد الجمع القادم، فستكون مستعدة.. وعندئذ سيعرفها الرجال جميعاً.. ولن تكون سبباً لإلهائهم. إذن أصبح لديها شيء محدد تعمل عليه. لكن هذا لا يكفي.. فعليها التعرف إلى كيفية سير العمل حتى تستطيع التفكير في أمر مثمر.
ـ هل ندمت على قرارك بعد أن وصلت إلى هنا؟
كانت هولي غارقة في التفكير بحيث أجفلت، وكان فيلكس قد اغتسل وخرج من غرفة الملابس يزرر قميصه. ابتسمت وتقلبت فوق السرير لتنزل عنه. مقررة أن تغلق الفجوة الجسدية بينهما إذا لم تستطع القيام بشيء آخر: لا ندم فيلكس.. كنت أفكر في بضع مشاكل.
تقدمت إليه مباشرة، وبدأت تمرر يدها على صدره: أكره أن أفسد الواجهة التي أظهرناها أمام موظيفك بعد ظهر اليوم .. لذا قل لي ماذا تتوقع مني كزوجة لك؟
ـ لا أتوقع إلا أن تكلفيني ثمناً باهظاً قدر المستطاع.. لكنني سأحاول التخفيف من هذا، بمتناول يدي.
ـ هل أنت خائف مني فيلكس؟
برق شيء متوحش في عينيه: لم أخف قط من امرأة .. والجواب لا، بالتأكيد.
ـ لماذا إذن تبعدني عنك؟
اشتد فكه و كأنه يصر على أسنانه: لا تظني أنني لا أستطيع الاستغناء عنك هولي.
ذكرته برقة: لست مضطراً للاستغناء عني فيلكس.. فأنا زوجتك.
ضحك بخشونة:" إذن دعينا نراك تلعبين دور الزوجة المحبة خلال العشاء.. حبيبتي".
ردت بمكر: لن يكون هذا أمراً صعباً أكثر من الدور الذي لعبته أنت بعد ظهر اليوم.
وأظهرت له هذا.. وأمام اغتباط الزوجين كارفان اللذان دعاهما فيلكس للمشاركة في الطعام في غرفة الطعام الجميلة.. ولم تضطر هولي إلى تمثيل لأن من دواعي سعادتها أن تكشف عن مشاعرها تجاه زوجها.. وعندما اقترحت النوم باكراً لم يعترض، أما المدير وزوجته فتفهما أن يومهما كان شاقاً وطويلاً، وأن على فيلكس الاستيقاظ قبل الفجر.
كانت كل خطوة تخطوها على طول الشرفة مشحونة بالتوتر.. ولم يكن هناك مجال للشك في أن كل واحد منهما سيذهب إلى غرفته.. كان باب غرفة فيلكس الأقرب، ولكنه لم يدخل وحده إذ شدها معه بسرعة وسحقها بعناق كان ينبض برغبة لا يستطيع السيطرة عليها.
ـ ساحرة!متوحشة!
همس بالكلمات بصوت أجش، لكنهما فقدتا أي معنى لاذع أمام المشاعر التي اشتعلت بينهما.. لم تعد هولي تهتم ماذا يسميها، ما دام قريباً منها.. لكنه أبعدها عنه أخيراً وقال بصوت متوتر: قولي إنك لم تختبري شيئاً كهذا مع غيري!. قولي! قولي إنك لم تعرفي رجلاً مثلي.
صاحت:" أبداً..أبداً!".
رددت الحقيقة دونما تفكير.. ولكنها لم تكن تسمع صيحة انتصاره.. لم تدر كم مر من وقت حين أخذت تفكر في مادعاه إلى انتزاع ذلك الإقرار منها؟ هل هو الغرور؟ الكرامة؟ أم المسألة أكثر من هذا؟ لم تكن قادرة على تحمل فكرة أن تجعله امرأة أخرى يحس بأكثر مما تستطيعه هي.. ولعله يريد التأكد من هذا.. وإذا كان الأمر كذلك.. فهذا يعني أنها لم تعد امرأة مناسبة له فقط.. بل هي شخص أهم بكثير من هذا. لكن مازالت المسألة جسدية.. وعليها أن تصل إلى أبعد من هذا.. أن تجعله يرى أنها قادرة على مساواته في كل شيء.
عنت على بالها الفكرة! نعم يجب أن تحقق هذا ولكنها بحاجة إلى مال.. بل الكثير من المال. عادت الذكريات إليها متدفقة. في يوم ما، في مخيم بين الأشجار في زيمبابواي، مع جماعة من " فليق السلام" وهي مستلقية في كيس النوم.. والسماء لامعة بالنجوم، والأشكال الغربية تمر عبر سماء الليل.. وعادت الأسماء وهي تتذكر أنها سألت عنها..اندست برضا بين ذراعي فيلكس النائم.. لم تعد بحاجة إلى مزيد من التفكير فقد باتت تعرف غايتها. هذا هو فيلكس.. وكلما كبر العائق، كلما كبر التحدي، وكلما اضطرت إلى تحقيق المزيد. كلما ازداد إعجاب فيلكس بها واحترامها.هذه، على الأقل، النظرية.
صممت هولي: غداً ستطبق هذه النظرية![/CENTER




يتبـــــــــــــــــع

0ـ زوجــــــــــة جهنمية




اخترق رنين خفيف متواصل نوم هولي، فانسحب الدفء الذي كانت تشعر به.

وعندما حاولت أن تجد ذلك الدفء مجدداً، توقف الصوت، وكانت لاتزال تتحرك

متململة حين التف الغطاء حولها.. فاستيقظت ورأت انعكاس صورة سوداء تتحرك

نحو الحمام.
ـ فيلكس!
ـ عودي إلى النوم هولي.
ـ هل حان وقت ذهابك؟
ـ أجل.. عليك الذهاب إلى غرفتك لئلا تنزعجي.
ـ لا أذكر أنك اقترحت هذا ليلة أمس.
ـ بما أنك عنيدة إلى حد كبير، لم أعتقد أنني بحاجة لاقتراح شيء كهذا.
ـ أردت الاستيقاظ باكراً.. أردت أن تصغي إلى قبل أن تذهب.
ـ قولي لي وأنا أرتدي ثيابي.. وسأفكر في الأمر.
رفعت نفسها على الوسائد، وأضاءت المصباح قرب السرير، تتساءل ما هي

أفضل طريقة لتصوغ ما تريد بالكلمات.. انتظرته حتى ينتهي من الاستحمام.. خرج

من غرفة الملابس مرتدياً قميصاً وجينزاً. أملت هولي أن يجلس على السرير، لكنه

جلس في مقعد في الطرف الآخر من الغرفة، مبقياً مسافة بينهما.. سألها بشكل

مختصر:" ماذا تريدين؟".
ـ أريد حساباً مصرفياً خاصاً بي بمئة ألف دولار.
نظر إليها نظرة لاذعة: إذن.. ستبدئين منذ الآن.. وأنا دهش لأنك طلبت هذا المبلغ

البسيط فقط.
ـ قد تكون على حق.. من الحماقة أن أكون بخيلة إلى هذا الحد.. واجعل المبلغ

نصف مليون دولار فيلكس.
لن تحتاج إلى مثل هذا المبلغ، لكنه يستحق بعض العقاب لإساءته الظن بها.
قال ساخراً:" سيغطي نصف مليون نفقة كبيرة الداخلي.. فماذا تنوين؟ طلي

الجدران بالذهب؟".
ـ الواقع أنني أفكر القيام بشيء في الخارج لافي الداخل. وثمة شيء آخر.. أريد

تعلم قيادة الهليكوبتر. رفع رأسه بحدة وهو يشد حذاءه:لماذا؟
ـ ولمالا؟ بإمكانك القيادة.. وأريد أن أتعلم. ربما تعرف من يستطيع تعليمي.
أنهى شد حذاءه وبدأ بالفردة الأخرى: سأعلمك بنفسي متى أصبح لدي الوقت

الكافي.
أحست هولي بقشعريرة انتصار، إنها تتقدم الآن!
ـ سيكون هذا رائعاً فيلكس. شكراً لك.
نظر إليها بقلق وهو يقف: هل هذا كل شيء..؟
ـ وهل ستتدبر أمر المال. أريد البدء بمشروعي حالاً.
ـ أي مشروع؟
ـ لاتقلق.. أعد ألا أفسد عليك شيئاً .. وأحب أن يكون هذا مفاجأة ،ابتسمت له.
سحب نفساً ثم قال ساخراً:سأقدم لك كل مايسر قلبك. لكن تأكدي أنني سأكلم جوني

الذي سيعمل على هذا صباح اليوم.
رمى كلماته الأخيرة من فوق كتفه وهو يخرج إلى الشرفة.
ـ فيلكس!
ـ ماذا الآن؟
رمت عنها الغطاء، وركضت إليه ترمي ذراعيها حول عنقه قبل أن يتحرك ليمنعها.
ـ لن تخرج قبل أن تودعني.. أليس كذلك؟
ـ هولي!حباً بالله! هذا ليس وقت اللعب!
ـ عناق واحد لن يضرك أبداً.
ودست أصابعها في شعره الأشقر: ألم أكن زوجة صالحة لك ليلة أمس.. ألم أكن

هكذا؟
سحب نفساً غاضباً وعانقها بغضب لكن العناق لم يبق عناقاً ملؤه الغضب بل أصبح

فيه جوع وحب. وحين أبعد رأسه عنها رأت في عينيه تناقضاً غاضباً.
ـ يجب أن أذهب.. وسأذهب.
أبعدها عنه على طول ذراعيه: وداعاً..زوجتي! أراك بعد أسبوع.. هذا إذا بقيت هنا.
صفق الباب وراءه وسار وكأن كلاب الجحيم قد انطلقت في أعقابه.. ضحكت هولي

لنفسها، وعادت إلى السرير تدس جسدها تحت الأغطية مسرورة.. إنه رجلها فعلاً

.. وسرعان ما ستقنعه أنها امرأته. عادت إلى النوم، ولم تستيقظ مرة أخرى إلا في

الثامنة صباحاً.. لكن غياب فيلكس لم يبعث البهجة إلى نفسها. كان الطقس حاراً،

لكن ليس بحرارة الطقس الرطب في بورت دوغلاس حيث عاش والدها في سنواته

الأخيرة.. ارتدت هولي سروالاً قصيراً و قميصاً واسعاً ، وانتعلت خفاً، ورفعت

شعرها كذنب الحصان، وكادت ترقص وهي تخرج إلى الشرفة.
تناهت إليها رائحة الخبز اللذيذة، وصيحات الأولاد التي اختلطت مع نباح الكلاب..

لم تشعر هولي أبداً بالعزلة.. فبندنير أشبه بمملكة صغيرة ورجال فيلكس هم شعبها.

ولا يمكن أبداً أن تكون وحيدة أو سأم هنا! وجدت غيرليش في المطبخ مع فتاتين من

الأصل المحلي، تساعدانها في المنزل.. ماريا وسيليا. أصرت هولي أن تتناول

فطورها على طاولة المطبخ لتتمكن من التحدث معهن.. لكن الفتاتين كانتا تضحكان

خجلاً باستمرار، هكذا أجابت غيرليش على كل أسلتها.
قالت تسأل:" ظننتك تخبزين الخبز".
ـ ليس هنا بل في الفرن.. سأريك أين بعدما تنهين طعامك، إذا شئت.
ـ أجل.. أرجوك، إذ أتوق إلى رؤية كل شيء.
ضحكت غيرليش: والجميع يتوق إلى رؤيتك هولي.. وأخشى أن يصموا أذنيك

بكثرة أسئلتهم .
قدمت لها ماري طبقاً من الفاكهة الطازجة. بطيخ. وباباي وموز.
سألت:" هل تجلب هذه الفاكهة بالطائرة؟".
صاحت غيرليش التي عادت تضحك مجدداً: ياإلهي! نحن مكتفون ذاتياً هنا.. نزرع

كل أنواع الفاكهة والخضار.. التربة صالحة.. لكن نقص المياه مشكلة.. غير أن

فيلكس حل هذه المشكلة في محيط المنزل.. أترغبين في بعض البيض بعد الفاكهة؟

نحن نربي الطيور الداجنة هنا أيضاً.
رن جرس بصوت مرتفع واضح فأجابت غيرليش على السؤال لم تطرحه هولي:

إنه جرس المدرسة. الساعة الآن التاسعة.
ـ كم ولداً في المدرسة؟
ـ أربعة عشر هذه السنة وفي أربعة صفوف مختلفة. هكذا تضطر مايني المدرِسِة

إلى توزعيهم على المدرسة الهوائية.
ـ وماهي المدرسة الهوائية؟
ـ دروس عبر الراديو.. يذيعها أساتذة من ديرلي، وهذه هي أقرب بلدة لنا على

الساحل الغربي.
هزت هولي رأسها بذهول.. المدرسة الهوائية أمر جديد عليها.. وثار اهتمامها

لتعرف كيف تعمل .
قالت غيرليش شارحة: إنها تستمر فقط إلى الصف السادس، بعد ذلك يجب أن

يذهب الأولاد إلى مدرسة داخلية لإكمال دراساتهم. بعضهم يرفض ترك منزله، ولا

يجبرهم فيلكس على هذا.. لكنه يرتب لهم تعلم المهارات العملية هنا.. شقيق ماريا،

كال، ميكانيكي ممتاز. يمكنه إصلاح أي شيء.
قالت ماري:" سيليا تضع عبئها على كال".
وانفجرت الفتاتان بنوبة ضحك أخرى. أرسلتهما غيرليش لتنظيف الغرف بينما

أخذت هولي في جولة على الحديقة، وإلى أماكن أخرى. عادت هولي فتعرفت إلى

معظم الذين التقتهم بالأمس، واستمتعت مع الجميع.. وكانت وقفتهما الأخيرة في

الإسطبل. عادتا إلى المنزل الكبير للغداء، واغتنمت هولي الفرصة لتطلب من

جوني الانفراد به.
مكتبة فيلكس ذات طابع رجولي محض فيها منضدة ضخمة من خشب السنديان،

وبساط أخضر على الأرض.. وعلى أحد الجدران خزانة عرض ضخمة للتذكارات

و الميداليات، فوقها عدد من القلادات المعلقة في شرائط زرقاء من معارض

الماشية.. ورفوف عليها مجلات وكتب وتحت النافذة هناك خزائن مخصصة

للملفات.
قال جوني ما إن دخلا إلى الغرفة:لقد اتصلت بالمحاسب في المنجم هولي.. وهو

سيضع المال في حسابك قبل انتهاء هذا اليوم.
ـ شكراً لك جوني.. لن أحتاج إلى مثل هذا المبلغ..
قاطعها مبتسماً: لكن فيلكس لا يريد أن تحتاجي إلى شيء. و الآن ماذا غير هذا

لأقدمه لك؟ قال فيلكس إن لديك مشروعاً خاصاً في ذهنك. استغلت الفرصة: أجل



محاولة شيء ما.. تجربة قد تنجح هنا جيداً . وإن لم نحاول، فلن نعرف.. صحيح؟

هل أسماء" تولي" " بوران" تعني لك شيئاً؟ هز رأسه: لا أستطيع القول.
ـ إنه سلالات من الماشية الأفريقية.. تشبه" البراهمان" لكنها أكثر قدرة على

مقاومة الحرارة و الأمراض.. و أعرف أنها أنواع موجودة في زيمبابواي لأنني

رأيتها هناك.. الشيء الذي لفت نظري إليها هي أنها قادرة على العيش في ظروف

الجفاف لأن لها غدد تعرق متطورة.. وهي مناسبة لهذه البلاد أكثر من الماشية

الإنكليزية. وأظن أننا نقدر على زيادة الإنتاج وزيادة معدلات النمو منها..ماأريد أن

أفعله هو استيراد ثور، وقطيع صغير منها. نستطيع تسييج جزء صغير من بندنير

داونز حيث يمكن أن يرعى القطيع دون الاختلاط بالقطعان هنا. ونرى ماهي

النتيجة. بدا جوني كالأبله..ثم هز رأسه ببطء وكأنه يحتاج إلى نفض الغبار عنه.
ـ لقد ظننت..
وتوقف.. ثم أشار بيديه إشارات عجز، ثم ابتسم لها ابتسامة جانبية.
ـ يبدو لي أن فيلكس اتخذ لنفسه زوجة جهنمية. هل يعرف بهذا؟
قررت هولي أن السرية قطعاً هي أفضل شيء في هذه المرحلة.
ـ قال فيلكس إن بإمكاني القيام بكل ما يجعلني سعيدة.. وأعطاني الحرية التامة..

وهذا ما أريد أن أفعله جوني!
ـ برقت عيناه بسرور ومرح: لا تيسئي فهمي.. هولي.. أنا معك طوال الطريق..

المسألة أنه ليس هناك الكثير من النساء أو الرجال، الذين فكروا بمثل هذا .. فكرة

جديدة.. ثورية.. مبتكرة.. وتبدو لي بكل تأكيد فكرة جيدة.. وتستحق التجربة حتى

ولولم تنجح.
تنهدت هولي بعمق: شكراً لك جوني.. والآن فلنترك هذا بيننا تماماً .. فلست أدري

ما إذا كان الاستيراد ممكتاً .. أريد أن تنصحني في هذا.
ـ ثمة شيء واحد مؤكد فمهما كنت تحاولين الاستيراد، يجب أن يخضع لحجر

صحي.. ولن يكون هذا سريعاً .. ويجب أن تكوني صبورة.
ـ إذن اسأل لي عن الأمر؟ هل ستدفع الكرة للدوران؟
ـ فوراً وستكون المعلومات اللازمة عندك هذه الليلة.
صاحت هولي مسرورة: أنت رائع جوني!
ضحك لها: أعتقد أنك أنت الرائعة هنا هولي. الآن عرفت كيف قطع رأس

فيلكس..طوال سنواته لم تعن النساء له أي شيء.. لكن أنت..
مرة أخرى هز رأسه: حسناً ..حظ سعيد لك عزيزتي! وحظ سعيد له! وسأكون

سعيد برؤية هذا.
تمنت لو كان بإمكانها إقناع فيلكس بالسهولة ذاتها.لكنها كانت مسرورة بنجاح

الفكرة.. جوني الآن حليفها الثابت، ومعاً سينفذان المشروع في أسرع وقت ممكن..

وكل ماترجوه أن يتم هذا قبل عودة فيلكس من جمع الماشية..كانت تريد شيئاً مجدداً

في يدها لتظهر له أنها شريكة حقيقية له. كان الحظ إلى جانبها بالتأكيد.. فقد أعلمها

جوني تلك الليلة أن دائرة الثروة الحيوانية تجري تجارب في جزيرة " كوكوس"

لاستيراد البذار المجمد للأ صناف التي ذكرتها من زيمبابواي وتلقيح الأبقار

الأسترالية بها.. وأن مربي الأبقار في كوينزلاند يدعمون هذه التجارب. وقد تتمكن

من شراء حصة لها بسعر مناسب.. وإلا فهي مضطرة لتقديم طلب و الانتظار سنة

ونصف..
قالت دون تردد: لدينا نصف مليون دولار جوني. فلنشتر بها ما نستطيع.
في الأيام التالية انشغلت هولي.. ففي الصباح كانت تمضي الوقت مع جوني للضغط

حتى تحصل على الأبقار التي تريدها. أخيراً، حصلا على صفقة.. أربعون بقرة

وثورين. سترسل جواً من جزيرة " كوكوس" إلى بندنير دوانز في غضون شهر..

وفيما كان التفاوض جارياً عل كل هذا، تعلمت هولي الكثير عن إدارة المزرعة

تحت إشراف جوني وغيرليش.. أمابعد الظهر فكانت تمضيه على صهوة

الجواد..كان الجواد الذي اختاره لها كيم مهرة مطيعة تدعى لايدي.. واستمتعت

هولي بركوبها.
وصلت صور الزفاف في اليوم الخامس على وجودها في المزرعة.. لم يكن فيلكس

قد أختار شيئاً من الفيلم الأصلي لذا وجدت نسختين كبيرتين من كل صورة..

وكانت كلها رائعة مدهشة.. درستها هولي كلها، ثم أقنعت نفسها أن فيلكس يحبها

فعلاً. لكن الصورة قد تكذب.. رغم كل شيء، لم يكن لديها مانع من إرسال

مجموعة كاملة منها إلى أمها، لإظهارها أو استخدامها حسبما تشاء.. كتبت رسالة

مطولة أرسلتها مع الصور وأخبرتها عن طبيعة الحياة التي اختارتها مع فيلكس

علّها تفهم الأمر.. لكن أملها كان ضيئلاً في أن تفهم.. فهذا مكان بعيد كل البعد عن

بوسطن مسافة وطراز حياة. تمنت لو تعيد التواصل مع أمها، كما تمنت لو

استطاعت هذا مع والدها.. ذكرتها الصور بصور أخرى التقطتها للوحات أبيها..

ذلك المنظر، لابد أنه موجود في مكان ما من بندنير داونز.. عندما خرجت بعد ظهر

ذلك اليوم للركوب، وصفت المنظر للولدين يرافقانها عادة فقد أصر السائس على

حماية زوجة رئيسه لذا كان يرسل معها دوماً من يرافقها. سألتهما إذا كان يعرفان

مكاناً كهذا.
قال رودي وهوأحد الوالدين: ثمة أماكن كثيرة كهذه آنسة هولي، أتريدين أن نريك

أحدها؟
ـ أجل.
اعترض الصبي الآخر آنغز: المكان بعيد .
هو يدرك أنه مسؤول عن حماية زوجة رئيسه.
قال رودي: يمكننا أن نشير إلى المكان من بعيد لتراه" آنسة" هولي.. ثم نعيدها إلى

المنزل .
استقر الرأي على هذا، وماهي إلا أكثر من ساعة بقليل، حتى رأت المنظر.. السهل

الشاحب المرقط بأشجار"الباوباب". سلسلة الجبال الصخرية الرملية الكبيرة.. ولّد

المنظر في نفسها غريباً .. فأن تعرف أن والدها كان هنا قبلها.. وأن هذا المكان هو

ماعاش في ذاكرته طوال سنوات وحدته لأمر حرّك مشاعرها.. بعد قليل قررت أن

تعود لتخيم ليلة هنا حتى تراقب غروب الشمس الذي رسمه.. ربما يكون هذا أقرب

ما تستطيع التقرب به إلى والدها، الذي لم تعرفه قط.
أصر آنغر على أن يعودوا فوراً إلى المنزل. ولإنها سبق أن اتخذت قرارها لم

تجادله. وكان من حسن الحظ أنهم عادوا في ذاك الوقت.. ففي الطريق شاهدوا

الهليكوبتر تعود فأسرعت هولي تحث مهرتها لتركض فهي لاتريد أن يفوتها أي

وقت معه.. لكن لماذا عاد؟ سارعت رأساً إلى المنزل الكبير، و أعطت مهرتها إلى

الولدين اللذين أعاداها إلى الإسطبل. كان قلبها يخفق بشدة وهي تسرع في الشرفة

إلى مكتب جوني، متوقعة أن يكون فيلكس هناك يتحدثان عن جمع الماشية. لكنها لم

تجد سوى جوني وكاتب الحسابات.
سألت بأنفاس مقطوعة: فيلكس؟
ابتسم جوني: "ذهب ينظف نفسه من أجلك".
ـ هل أخبرته بأم الماشية التي سنستوردها جوني؟
ـ لا..إنها أخبار تخبرينها أنت هولي.
ـ صح!
ضحكت له ممتنة ثم هرعت إلى المطبخ لتجد غيرليش والفتاتين تحضرن الخضار

للعشاء؟
ـ هل لدينا كافيار" بيلوكا" غيرليش؟
ـ في المخزن دائماً شيئاً منه.
ـ فلنخرجه إذن ..هل عرفت لماذا عاد فيلكس باكراً؟
ـ ربما لم يستطع الابتعاد كثيراً عن الكافيار..
وانفجرت الفتاتان اللتان ضحكتا بشكل هيستري، فصاحت غيرليش تأمرهما:

ماريا.. اقطعي البصل..سيليا.. هناك بيض مسلوق في البراد.. تحركي..! تعرفان

مايحب فيلكس أن يرافق الكافيار. بعد عشر دقائق، حملت هولي صينية مليئة

بالطعام إلى غرفة فيلكس. فكرة أنه عاد لأنه لم يستطع البقاء بعيداً عنها أشعرتها

بأنها أخف من الريشة. لكنها لم تصدق هذا حقاً إذ وقود الهليكوبتر نفذ منه فاضطر

إلى العودة.. على أي حال..ستسفيد من هذا قدر المستطاع.
لم تسمع جريان الماء في الحمام فألقت نظرة لترى إن كان قد ارتدى ثيابه ولكنها

وجدت الباب إلى غرفتها مفتوحاً. وفيلكس واقف عند منضدة الكتابة، ينظر إلى

إحدى صور الزفاف.
قالت بوجه مشرق:" إنها جيدة.. ألاتظن هذا؟".
ارتد وللحظة بدا في عينيه سؤال حاد. و كأنه رأى شيئاً في الصورة جعله يتساءل

عنها، ثم تحولت نظرته إلى الصينية التي تحملها.
التوى فمه ساخراً:هل هذا ترحيب بعودتي إلى البيت.. أم يجب أن أتخذ الحيطة

والحذر؟ فعند الإغريق كان يعني حمل الهدايا الخطر الشديد.
كان يرتدي روب حمام أسود قصير، وكان حليق الوجه وقد استحم.. بدا ينضح

رجولة، فعلقت أنفاس هولي في مكان ما في حنجرتها. وتمنت بشدة لو تسنى لها

الوقت لتنظيف نفسها بعد رحلتها الطويلة.. لم تكن تقلق على مدى جاذبيتها.. ولم

تتوقف لتفكر في مظهرها.. والوقت الآن متأخر على إصلاح هذا.. فيلكس ينتظر

الرد، ويجب أن تعيد تفكيرها إلى طرق التحدي التي جعلت من زواجهما متماسكاً..

وبجهد بالغ، أعادت عقلها للتفكير.
ـ أنت تحب ركوب الأخطار فيلكس..لذا فسر كما تريد.. ولكن صدقاً إنه ترحيب

بعودتك إلى البيت.
ضحك ضحكته الخافتة وهذا ماجعله أكثر جاذبية: إذن، المسرحية مستمرة.. أليس

كذلك؟
حملت الصينية إلى الطاولة، ووضعتها من يدها. ثم التقطت الصورة التي كان

يدرسها، وقالت: صورتك رائعة.. ستظن أمي أنك فعلاً تحبني كثيراً.
دس يديه حول خصرها، وجذبها إلى الخلف نحوه: كنت أفكر في الشيء ذاته بشأنك

ولكننا نعرف أفضل من هذا..أليس كذلك؟
وحرك شفتيه حول أذنها مداعباً. انطلقت قشعريرة مثيرة إلى أوصال هولي.. ربما

عاد فيلكس فعلاً لأنه يريد أن يكون معها. حاولت أن تستدير لتحاول رؤية شيء من

المشاعر في عينيه. لكنه شد ذراعه حولها، يثبتها إليه.
ـ ابقي حيث أنت يازوجتي الساحرة الصغيرة. هذه المرة أنا الذي سأدير

المسرحية.
وكان في صوته الحاجة إل ىشيء من السيطرة عليها، لكنها عرفت من لهفته أن لا

مجال للسيطرة. لم تشعر أنها أقل قيمة لأنها تجاوبت.. لم يكن في عناقها أي عذاب

لها.. ولم تقاوم موجات السعادة التي اجتاحتها بقوة متزايدة.لكن فيلكس هو الذي فقد

القدرة على الانتظار إذ صاح بصوت مخنوق وأدارها نحوه سحقها على صدره.
لم تعد هولي تذكر فيما بعد ماذا حدث. وعندما تكلم ثانية، لم يذكر شيئاً عن إدارة "

المسرحية" .. بل قال بلهجة جافة: أعتقد أنني الآن جاهزان للطعام.
ـ أجل.. وأعتقد أنني غير بارعة بتحضيره فيلكس.
ضحك مجدداً ضحكته التي كانت تصل إلى أعماق معدتها فتقلبها رأساً على عقب..

فارتدت إلى ظهرها تراقبه بسعادة وهو يحمل الصينية إلى الطاولة قرب السرير..

رفعت هولي نفسها فوق الوسائد.. وسألها ساخراً: إذن.. ألم تتمكني من إنفاق

النصف مليون بعد؟
ـ ليس كلياً.. لكن عليّ مناقشة مسألة التسييج معك.
كرر ساخراً:" التسييج"؟.
وضع الكافيار على قطعة من الخبز المحمص وأعطاها إياها، ثم مزج أشياء أخرى

مع الكاقيار وسأل قبل أن يقضمها: ماذا تريدين أن تسيجي؟
ـ مايكفي من أرض لخمسين رأس من الماشية بشكل خاص.
التفتت العينان الخضراوان إليها بنظرة عدم تصديق.. وسأل: أي خمسين رأساً،

بشكل خاص؟
ـ أجل..! خاص جداً.! لقد كلفتني الكثير من المال.
رفع حاجبيه بسخرية متعجرفةـ فأردفت الماشية، ولماذاتخبره بالضبط ماهي تلك

الماشية، ولماذا اشترتها ، ماذا تنوي أن تفعل بها.
تلاشى عدم التصديق والسخرية بسرعة. وتصاعد مكانهما الحساب والترقب..

بعدما انتهت هولي من إخباره عن طول مغامرتها في استيلاد الأبقار، نظر فيلكس

إليها طويلاً قبل أن يتكلم.
ـ أنت .. منافسة خطيرة هولي.. وستهزمينني طوال الوقت.. أليس كذلك؟ لكنني

أعترف أنني أعجبت بهذا الاستثمار أكثر من الذهب.
ـأسمي هولي ويستون، فيلكس.. وسأستولي على هذه الأرض.. مثلك تماماً إنما لن

أكون ضدك أبداً . فعملك عملي.. وإذا كان هناك طريقة لجعل عملنا أفضل، فأنا

على الاستعداد للتجربة.. فهل لديك اعتراض؟
رمت التحدي بشكل متعمد فعلى هذا التحدي يعتمد مستقبل علاقتهما.. فلو رفض

القبول بأيهما سيكون هناك خلاف مرير بينهما. فتشت العينان الخضراوان عن

عينيها بشدة، ثم قال بصوت لا أثر فيه للعداء: هذا المشروع الذي تتطلعين إليه

طويل الأمد، هولي.
ـ أعي هذا.. وأهدف الستمراربة .. لكن الواضح أنني بحاجة لتعاونك.
هز رأسه ببطء، وكأنه يتحسس الطريق بحذر شديد: أفضل في المستقبل، ألا تتخذي

قرارات لها علاقة " بعملنا" دون معرفتي.
ـ وأنا أفضل في المستقبل أن تبادلني الاحترام.
التوى فمه بإعجاب جاف، وعرفت هولي أنهاربحت المعركة حتى قبل أن يقول: هل

نتطلع الآن إلى المستقبل طويل سيدة ويستون؟
تكورت شفتاها بانتصار: أعتقد هذا.. سيد ويستون.
ـ مشاركتك الحياة تزداد إثارة، لكن لا تتركي هذا يؤثر في رأسك هولي لأنني

سأحافظ على رأسي، مهما اخترعت من أشياء..
ردت :" أكره أن أفقد رأسك فيلكس.. فهو أهم جزء منك".
للمرة الأولى، انطلقت منه ضحكة مجلجلة. وتراقصت عيناه عليها بغبطة شريرة،

ثم رفع ذراعيها فوق رأسها وقبلها مجدداً، ثم قال: أخبريني عن خبر آخر، أيتها

الساحرة اللعنة!
ـ سأخبرك، إنما فقط، لو تركت ذراعي.
تركهما ولكنها لم تقل له إن ماترغب أن تجده هو قلبه الذي سيبقى دائماً حذراً

بشأنه.. لكنها على الأقل لم تعد مجرد زوجة بل هي شريكة مساوية له بحيث تقدر

على تأسيس مستقبل دائم .. وبهذا يمكنها أن تبدأ التفكير في الإنجاب..في تأسيس

عائلة.. على أي حال.. ما نفع المملكة دون وريث؟ كانت واثقة أنه سيوافق قلبياً

على مثل هذا التطور.. وقد لايسمح لنفسه أن يحبها أبداً.. لكن لاشك في نفسها أنه

سيحب أولادها.




يتبــــــــــــــــــع
11ـ المــــــــــــــــاضي مات...





أيقظ زمور الجيب هولي في الصباح التالي.. في الليلة الماضية نامت مع فيلكس في غرفته وكانا منشغلين ببعضهما بعضاً أكثر من أنشغالهما بضبط ساعة المنبه. سمعت فيلكس يتمتم شيئاً من بين أنفاسه، ثم التفت ذراعه حول خصرها ليشدها إلى الخلف نحوه، ومضت أكثر من ساعة فبل أن تتذكر هولي زمور الجيب.
ستلقى فيلكس فوق السرير استلقاء من تخلى عن كل الهموم و الأفكار.. حاولت هولي أن توقظه بتمرير أصابعها على صدره.
ـ سائقك منتظر منذ مدة، فيلكس.
ـ همم.. هذا الصباح، سأطيل النوم. أعتقد أنني متعب جداً.
ـ ألا تشعر بالذنب؟
ـ أحياناً من المفيد أن يكون المرء هو الرئيس.
ـ كل من في المزرعة سيعرف ما الذي أخرك، وماكنت تفعل.
ـ أجل.
لم يظهر عليه أي تأثر. ولم تستطع هولي إلا أن تضحك ضحكة، وجدها فيلكس على مايبدو استفزازية.. وكان على السائق أن ينتظر وقتاً أطول.
فقط، بعد ذهاب فيلكس، دفعت هولي نفسها للنهوض.. فعليها العمل من أجل ترتيب مسألة الماشية مرة أخرى.. ولكنها فكرت أن عليها أيضاً المضي بخطتها للعودة إلى المكان الذي رسمه أبوها والبقاء هناك ليلة. وليس هناك ماتريد فعله أكثر من هذا. لم يكن جوني وغيرليش، متحمسين كثيراً على التخييم ليلاً. لكن هولي أصرّت: سأصطحب معي الصغيرين رودي و آنغر اللذان سيعتنيان بي. لقد سافرت كثيراً، ورأيت أنحاء كثيرة من العالم.. بما فيها كيمبرلي.. وأنا معتادة على نفسي.. ولن تحدث أية متاعب، لذا لا تقلقا عليّ.
وابتسمت لهما بثقة. بعد الغداء انطلقت هولي والولدين فوق جيادهم وكانت أغراض التخييم قد وضعت فوق الجواد خاص رافقهم.. كانت معنويات الولدين عالية إذ أخذا يسليانها ويدلانها على كل السهول، وعلى الحياة البرية التي شاهداها.. وفيما كانوا يتوغلون أكثر فأكثر نحو سهل التبن الذي رسمه والدها، كان الحزن قد غمر نفس هولي، ولم تعد تستطيع الإصغاء جيداً . وأحس الولدان أن مزاجها تغير، فأخذا يتحدثان معاً فيما بينهما حتى وصلوا إلى حفرة ماء نصح الولدان هولي بأنها أفضل مكان للتخييم. ترجلوا، وأعطت زمام جوادها إلى آنغر، وقالت بثبات: أريد التنزه سيراً على الأقدام وحدي.. ابقيا هنا لإقامة المخيم.
ـ بكل تأكيد" آنسة" هولي. سنعتني بكل شيء.
تركتهما هولي ليفعلا ما أمرتهما به، وسارت ببطء نحو شجرة"باوباب" عملاقة كانت بارزة في اللوحة التي رسمها والدها. كان جذعها الغريب الشبيه بالزجاجة وأطرافها الملتوية في قمتها تبدو كمخالب تتشبت بالسماء بشوق معذب.. ترى ماذا كان عليه شعور والدها؟ هل أحب زوجة آخر حباً كان يمزق روحه؟ أم أحس بحب عميق لهذه الأرض؟
صاحت تقول بصمت لسلسلة تلال الصخور الرملية: أخبريني شيئاً عنه.. مررت يدها حول جذع شجرة" الباوباب" تضغط ظهرها إليها.. نظرت إلى الجبال العتيقة التي وقفت ثابتة.. ولم تجد صعوبة في التعرف إلى الطبقة البارزة التي اندمجت مع وجه دونا..لكنه تذكر ابنته.. وتكلم عنها مع دونا.. وترك لها هذا.. أسطورة الحب والألم.. وخز الدمع عينيها، فانزلقت على جذع الشجرة وجلست عند قاعدتها، وقد أحست فجأة بالتعب والسقم في أعماق قلبها.. لقد مضت سنوات محرومة من حب والدها ولو عرفا بعضهما لربما كانا مقربين.
ترقرقت الدموع في مآقيها وهطلت على خديها، ولم تحاول منعها.. منذ زمن وزمن وهي تخوض المعارك بمفردها مكتفية بذاتها.. لكن مازال في داخلها طفلة تبكي لمن يريدها ويحبها، مهما كانت وكيفما بدت.. إنها تريد الانتماء لشخص ما بكل بساطة، دون سؤال أو تحفظ.. لماذا مات والدها قبل أن تسمع عنه شيئاً؟ أما كان بإمكانه أن يكتب لها رسالة قبل موته؟ أما كان بإمكانه..؟
ضرب صوت محرك هليكوبتر قلبها المثقل.. وصرخ عقلها احتاجاً على ما يعنيه الصوت.. وسعى إلى تفسير السبب ففكرت أن فيلكس ربما يجمع الماشية في مكان بعيد عن هنا ولعل الصدفة هي التي جعلته يمر من هنا.. فهو لا يحتاج إليها إلى هذا الحد.. ولن يأتي من أجلها بتأكيد.. ليس للمرة الثانية في أقل من يوم.
ازداد توتر أعصابها المشحونة فقد اقترب الصوت ثم توقف..آه.. الطائرة إذن ربما قرب بركة حيث يقيم الولدان المخيم. وهذا يعني أنه سيأتي باحثاً عنها إن لم تسارع هي إلى ملاقاته.. لاشك أنه ذهب إلى المنزل وعرف أين هي .. وما إن عرف.. الله وحده يعرف بما فكر أو يفكر فيها.. أتراه أساء الظن بها؟.. فهذا موقع اللوحة.
لم تكن هولي ببساطة مستعدة للقتال في هذه اللحظات فهي في فوضى كاملة: وجهها ملطخ بالدموع ومشاعرها مشتتة.. فكيف السبيل للتعامل مع فيلكس وهي غير قادرة على السيطرة على نفسها؟ قد ترحب به في أي مكان وزمان غير هذا.. فهذه مسألة خاصة بالنسبة لها ولن يفهمها.. لن يتعاطف معها.. لن يتعاطف أبداً.. ألم يقتل أبوها أباه؟.. كيف ستشرح له الأمر؟ شعرت باليأس ولكن عليها تدبر طريقة ما.. لم يترك لها فيلكس خياراً آخر.. دفعت نفسها للوقوف واستندت إلى جذع الشجرة تمسح وجهها بكم قميصها، بعد ذلك سحبت عدة أنفاس عميقة في محاولة يائسة لتسيطر على نفسها. ثم خطت بضع خطوات حول جذع الشجرة لتستطيع إلقاء نظرة على المخيم. رأت فيلكس يقطع المسافة نحوها بخطوات طويلة رشيقة. كانت الشمس الغاربة تشع على شعره لتجعله ذهبياً.. توقف على بعد خطوات منها.. بدا وجهه القاسي، وجه المحارب، كوجه قُدّ من حجر.. العينان الخضراوان حدقتا إليها بتساؤل ومرارة، والتوتر ينضح منه بشدة كادت تخنقها.
سألها بقسوة:" ماذا تفعلين هنا هولي؟ ألم نتفق على ترك الماضي وشأنه؟".
قالت وهي تحاول التخفيف من حدة الاتهام المرير في العينين الخضراوان : لن أنبشه فيلكس.
لم يصدق :" هولي ؟".
أمسك ذراعها وأدارها لتنظر إليه. فصاحت: لاأستطيع منع مشاعري بشأن هذا وأنا لا أسبب الضرر لأحد، أو لأي شيء! أعرف أن لا سبب يدعوك للاهتمام به..لكنه أبي.. وهذا..هذا كل مابقي لي منه.
لم تعد قادرة على إيقاف الدموع التي اتخذت طريقها من جديد إلى وجنتيها.. وعضت شفتها تهز برأسها. لكن بدا كأن كل مشاعر طفولتها المكبوتة تسعى إلى مخرج تتفجرمنه، وبقيت الدموع تتدحرج: هولي..
لم تسمح لها عيناها المغرورقتان بالدموع برؤية التعبير الذي لاح على وجهه.. ولكن نبرة الاهتمام والقلق في صوته ساعدا أكثر على انهيارها.
شهقت قائلة:" أرجوك.. أرجوك.. دعني فقط..".
أحاطتها ذراعاه اللتان لم تدر ما إذا كانتا ودودتين أم لا ولم تهتم، فقد شُدت بحزم إلى فردوس دافئ من القوة والدعم الثابت كالصخر.. وداعبها بحنان ليهدئ روعها وضمها ضمة من يريد بعث الأمان إلى نفسها.. بطريقة ما لم تقلق من اعتمادها عليه لأنها كانت تشعر بالراحة لمجرد إلقاء رأسها على كتفه العريضة، وتشعر بخده يتحرك برقة على شعرها ، وبذراعيه تلتفان حولها وكأنه لن يتخلى عنها أبداً.
أخيراً انهار كل شيء.. انهارت اللعبة التي لعبتها والخدعة التي حبكتها وانهارت معركة البقاء في القمة فوق رأسها.. وأصبح كل شيء خالياً من أي معنى.. إنها تريد الحقيقة وتتوق إليها مهما كان الثمن الذي ستدفعه من أجلها.
لم ترفع رأسها :
_فيلكس .. هل كان والدي .. هل كان ملاماً فيما حدث ؟ قلت .. ألمحت .. أتصدق هذا حقاً؟
_لا!
ردّ وكأنه شخص لم يعد قادراً على كبح مشاعره في أعماقه ، وآلمه أن يعترف بها .. مع ذلك ، كانت تطالبه بالاعتراف .. أحست بصدره يتمدد وهو يسحب نفساً عميقاً .. وكان في صوته بحث مؤلم عن الحقيقة حين أضاف ببطء :
_ كيف يستطيع المرء توزيع اللوم ؟ كيف يمكنه تفكيك الخيوط التي أدت إلى المأساة ؟ شبكة
عنكبوت متشابكة من الظروف .. عواطف مشحونة ومشحونة .
تنهد ، وتلاعبت أنفاسه في شعرها ثم نطق بكلمات موزونة مدروسة :
_ قد لايكون والدك ملاماً أكثر مما هو والدي ملام .. لدى بعض النساء القدرة على لوي روح الرجال .. وأمي واحدة منهن .. حتى جاك .. المسكين تركته يجوع للفتات الذي كانت تعطيه إياه
.. وما زالت حتى الآن تعطيه إياه .. ولكم أكره رؤية هذا ! لقد كرهت ما تفعل يومذاك لكنني كنت مجرد صبي صغير .
مجرد صبي صغير عالق وسط شيء لايفهمه ، أودى إلى موت والده ..
شعرت بالشفقة على الصبي الخائف الذي خسر أباه وعانى من الألم والعذاب .
ورفعت عينيها الكئيبتين الرماديتين إلى عينيه وقالت بتفهم :
_ أنا آسفة حقاً لما حصل لأبيك فيلكس . لاشك أنك كنت على علاقة وطيدة به . الالتواء الخفيف على فمه كان سخرية بنفسه ، وليس بها :
_ كان .. كل شيء أردت أن أكونه . لكن هذا ما كان يراه صبي صغير .. حب أعمى لابن نحو
أبيه .. الذي لم يكن كل ما أرادته أمي .
_ فيلكس ..
ترددت لأنها تدرك أنها تخدش جراحاً قوية :
_ كيف مات ؟ ماذا حدث ؟ لقد ألمحت أن ما حدث لم يكن حادثة .. وأن أبي ...
اعترف بلطف :
_ هولي .. أنا لا أعرف ما حدث .. لقد وقع عراك عنيف بينهما .. وكانت أمي تصرخ .. ثم ركضت وجلبت البندقية .. أظن .. من أجل وقف العراك الدائر .. يومذاك طلبت مني استدعاء
جاك الذي كان قد ابتعد مع بدء العراك .. ثم سمعنا الطلق الناري ، وحين وصلنا كان والدي ميتاً وأمي تنتحب على جسده . كان ايرول واقفاً هناك . ينظر إليهما والبندقية في يده .. سأله جاك ماذا حدث ، فلم يرد . أعطاه البندقية فقط دون شرح ثم وضب حقيبته ورحل في غضون ساعة ومنذ ذلك الحين لم نره .. أما أمي فكانت تصيح وتبكي وتقول إن ما حصل حادثة ...
قالت إنه حدث قتال على البندقية ، وإن الرصاصة انطلقت وحدها .
كشر قليلاً كمن يعتذر :
_ وبما أن ايرول رحل مولياً ظهره لكل شيء .. اعتبرته مذنباً لكن قد تكون الصدمة هي
السبب ، هولي .
كانت تفكر في شيء آخر مختلف تماماً .. ماذا لو كان اصبع دونا هو الذي ضغط على الزناد ؟
في هذه الحالة ، قد لايكون ايرول ما كنافش الفاعل وما رحيله إلا ليحمي المرأة التي يحب . وربما تركته دونا يفعل هذا ، وبسبب هذا ظل ضميرها يعذبها طوال تلك السنوات وحتى الآن .
على أي حال ، ليس هناك ما يرتجى من طرح هذه الفكرة على فيلكس ..
مهما كانت خطايا أمه ، فقد عانت الأمرين بسببها . أما ايرول ماكنافش فقد حمل معه أسراره إلى القبر ، ومن الأفضل للجميع أن تبقى حيث هي . مع ذلك ، لم تستطيع هولي كبت فضولها بشأن أبيها . فرفعت عينيها مجدداً إلى فيلكس برجاء :هلاّ أخبرتني كيف كان أبي! من وجهة نظر صبي.. أو من وجهة نظر أي كان؟
عبس:" تعرفين أكثر مني كيف كان، هولي".
أطلقت تنهيدة عميقة متحشرجة عميقة، فالآن لم تعد تشعر بالأمان بين ذراعيه فجروحها وجروحه كانت عميقة.. أحست بضعف في ساقيها وارتجاف في جسمها، بحيث تراجعت مجدداً
إلى جذع شجرة "الباوباب" لتستند عليها.. إذا كان هناك وقت الظهور الحقيقة وقولها، فهو الآن مهما كانت العواقب: لم أعرفه قط فيلكس..لم أعرفه. ولم أعرف بوجوده إلا بعد موته.. ساعتئذ فقط تلقيت خبراً عنه، وعما تركه لي.
ذكرى الشعور بالغبن والغش والخداع تراءت في عينيها.
ـ كنت كمن يتوق إلى شيء ما دائماً وهذا الشيء كان موجوداً..لكن لم يخبرني أحد أنه في متناولي.. حتى ذهب.
ابتلعت الغصة التي تصاعدت إلى حنجرتها.. كان فيلكس ينظر إليها وكأنه لم يرها من قبل، وأرادته يائسة أن يفهمها.
ـ أترى..لم أنسجم قط مع الحياة التي كانت تعيشها عائلتي في بوسطن.. لم أكن الطفلة التي تريدها أمي.. والرجل الذي ظننته أبي لم يكن لديه الوقت الكافي للأولاد.. وأنا ..لم يكن لدي أي شيء قد يفتخر به في ابنة.. هكذا حين وجدت أنني طوال كل تلك السنوات كان لدي شخص يمكن أن يحبني.. وأن أنتمي إليه.. وأن أكون معه. ليته اتصل فقط، أوجاء ليراني!..
قاطعها:" هولي.. ايرول لم يكن قادراً على المجيء إليك لأنه كان مطوباً للعدالة.. بعد موت أبي، لم يسلم نفسه للقانون.. بل اختفى بكل بساطة.. ولو حاول مغادرة أستراليا لألقي القبض عليه بتهمة القتل، وربما كان لقى حتفه.. وكان هذا سيجر أمي وكل المأساة التعيسة إلى البروز أمام الناس. ولا أظن أنه كان يتحمل رؤيتها مجدداً. وأنا واثق أنه فكر في أنك ستكونين أفضل حالاً من دونه..".
قالت يصوت ملؤه الألم:" أعرف هذا الآن.. وأعتقد أنني كنت أعرف هذا حين انطلقت أفتش عنه وعن حياته التي عاشها .. لقد عاش في بورت دوغلاس، محروماً من أي اتصال إنساني حقيقي. كان منطوياً على نفسه ولم يختلط بامرأة، ثم رأيت تلك اللوحة فعرفت أن شيئاً فظيعاً حدث له.. ولكنني لم أعرف مدى الضرر الذي أصابك أنت فيلكس.. لم أكن أعرف حقاً. أنا آسفة.. أردت فقط..".
قاطعها وهي تبحث عن كلمات مناسبة: أن تأخذي منا ما أخذناه من أبيك.
هزت رأسها عاجزة عن الشرح بالضبط: لا!لايمكن لأحد استرجاع.. ماضاع إلى الأبد. فكرت أنني لو جئت إلى هنا.. لو راقبت غياب الشمس.
دنا فيلكس منها ورفع رأسها إليه فإذا عيناه الخضراوان تتساءلان: أنت حقاً لا تهتمين بالمال.. أو الألماس.. وليس هذا سبب زواجك بي؟
ـ لا.. ليس هذا هو السبب. أردت أشياء أخرى فيلكس. أشياء طالما بحثت عنها.. أعتقد أنني كنت أبحث عن مكان ما.. مكان ما يكون لي..مكان أعرف أني مرغوبة فيه.. إنني بحاجة أن أكون مرغوبة وأن أنتمي إلى مكان ما.
سألها بهدوء: وهل هذا هو المكان الذي تريدينه هولي؟
ـ أعتقد.. أنه أقرب ما أستطيع الوصول إلى ماأريد.
تلمس بلطف خصلات الشعر الشاردة وأرجعها إلى الوراء بعيداً عن وجهها.. كان في عينيه نظرة غريبة: ربما كان جاك مصيباً.. وهذا هو الحل.
هز رأسه قليلاً، وأصبح وجهه أكثر تصميماً.. وعندما تكلم جاء صوته عميقاً صريحاً متعاطفاً: والدك هو الذي وجد فتحة البركان التي تحتوي على الألماس هولي.. وأنا أرى أن لك كل الحق بحصة.. حصة والدك في الواقع. ولكننا لم نستطع أن نجده أبداً.. ولو فتشنا عنه جيداً ولو أراد هو إيجادنا لعرف أين نحن.. لكنه لم يحاول، واعتقدنا.. فكرنا أن نترك الماضي وشأنه.. وبدا لنا هذا الشيء الوحيد الممكن فعله.. لكنني لم أتوقع أن تكون له ابنة.. وكيف لي أن أتوقع؟ ابنة لم أكن أعرف شيئاً عنها.
مرر إبهامه برقة على خدها.
ـ لا تنفكين عن إدهاشي. ظننتك بدون أحاسيس وظننت أنك لا تسعين إلاللانتقام.. أما الآن، فعلي أن أعيد النظر.. أن أعترف أن نظرتي لم تكن صائبة.
اعتمر الإحساس بالذنب داخل هولي.. بالتأكيد، هذا ماكان يجب أن يبدو له.. نظراً للطريقة التي مارستها..والواقع أنها لم تدر ماذا كانت تفعل حتى فات الوقت.
ـ أنا آسفة، إذا كان ما فعلته...
قاطعها برقة:" أنت تحملين عبئك هولي.. وأنا أحمل عبئي".
محا تعاطفه الارتباك الذي تجمع في ذهنها.. الحاجة التي دفعتها للمجيء إلى هنا طالبتها مرة أخرى بالردود فسألت: أرجوك، إن كنت لا تمانع كثيراً.. هلا قلت لي كيف كان أبي؟
ـ من وجهة نظر صبي؟
ـ أجل..أي شيء.
ـ كان يقص علينا القصص.. كان ودوداً على الدوام. ولقد أحببناه. وأظنك كنت ستحبينه أيضاً.
نظرت إلى عينيه لترى ما إذا كان يكذب، ثم أدركت أن هذا لايهم .
فقالت بصوت أجش: شكراًلك.. أنت كريم الأخلاق لأنك قلت لي هذا وأنا ممتنة لك.
قال بصوت متجهم: يحق لك بهذا.. أنا عشت على الأقل بضع سنوات مع أبي.
ابتعد عنها.. ثم توقف ينظر إلى الجبال التي رسمها والدها: لولا أمي.. لكان والدك ووالدي صديقين مدى الحياة. كانا يحبان بعضهما بعضاً .. وهذه المحبة هي التي زادت الأمور سوءاً ، فقد جعلت الغضب أشد بكثير. أفهم كل هذا الآن.. ولم أكن أفهمه يومذاك.
حملت رنة صوته مشاعر الألم.. فاندفعت هولي بشكل لا إرادي إليه فلمست ذراعه بتعاطف واهتمام: لم أرد إحياء كل الذكريات فيلكس.
عندما نظر إليها.. رأت في عينيه الوحدة والألم اللذان عانت منهما منذ زمن بعيد. ارتفعت ذراعه تلتف على كتفيها، يجذبها نحوه.
ـ لقد جئت من الناحية الأخرى من العالم، لتشاهدي هذا الغروب هولي.. فانظري الآن.. لقد بدأ.
أحست أنها على مايرام.. برفقة رائعة.. تراقب الغروب معه.. تشاركه. لأول مرة لم يبدُ أن بينهما حواجز.. إنهما شخص واحد.. اتحدا أخيراً .. ربما هناك شيء جديد يبدأ بينهما، وأملت هولي بهذا بشدة.
عندما أخذت الشمس تتوارى خلف الجبال، اشتعلت السماء كشراع ملتهب.. وما إن غاب هذا حتى تسللت الظلالة البنفسجية القاتمة فوق الأرض. وقلب انعكاس اللهيب المتوارى السماء إلى ألوان زرقاء ووردية.. وكان المنظر مهيباً.. نار وثلج.. حب مشبوب وما يتبعه من برد.. واستطاعت أن تفهم لماذا رسم لوحته كما رسمها.. وتمنت أن يرقد الآن بسلام.

عندما أدارها فيلكس نحو المخيم كانت قانعة بالذهاب وبوضع الماضي وراء ظهرها أما فيلكس فلم يتركها حتى جلسا معاً يأكلان ما حضره لهما الولدان من طعام. أضاء القمر المهيب السماء فبدت الأرض مختلفة وكأن فيها مئات الأشباح .. أحست هولي بالبهجة لانتهاء وجبة الطعام، ودعاها فيلكس إلى مشاركته كيس النوم.. وهذا كان شيئاً مختلفاً كذلك. فهو لم يحاول التحرش بها، بل ضمها إليه بشدة وكأنها طفلة تحتاج إلى الراحة والمواساة.
تمتمت:" أنا مسرورة لأنك جئت .. ولكنني لم أعتقد أنك عائد قبل الفد".
ـ لقد أنهيت كل ماهو مطلوب مني، والرجال يعرفون أن لدي عروساً جديدة لها الأولوية على أية مساعدة أقدمها لهم.. فكان أن وافقتهم الرأي.
انضمت إليه أكثر، ومرر خده على شعرها بحنان، فسألت: ألم تعد غاضباً لأنني تزوجتك؟
لم يبدُ في صوته الكثير من الشك فيما كان يقول: قد ينتج عن هذا شيء جيد.. وإذا جمعت الوقائع بشكل صحيح فأنا الذي تزوجتك..أنا من طلب يدك.. وأنت قبلت.
ابتسمت لنفسها: لقد قومتك، حسب حجمك، بعيني أولاً.
بدا المرح في صوته: وأنا قومتك فيما بعد إذن؟
ـ عظيم..عظيم جداً.
اشتدت ذراعه حولها ثم استرخت ببطء ومد يده يعبث بشعرها: أنا مسرور لمجيئي إلى هنا الليلة..لأكون معك. شيء غريب.. لكنني أشعر أنني على مايرام مع كل شيء.. حتى مع نفسي.
تنهدت: أجل.
أحست بدفء رائع، وبتوهج رضا لأن الأمر انتهى على هذا. لم تقل المزيد، ولم تكسر هولي الصمت مرة أخرى كذلك. أخيراً نامت على وقع خفقات قلبه الرتيبة.
12ـ دعـــــــــــــــــوني أموت!





أخذ رودي وآنغر هولي معهما إلى المنزل، مرفقاً برسالة مفادها أن الرئيس وزوجته سيعودان جواً بعد وقت ما.. بعدما ترى " الآنسة" هولي كل ميل مربع من بندنير دوانز.
كانت هذه جولة تحتضنها هولي في تفكيرها وقلبها وروحها..قال لها فيلكس قبل الإقلاع من موقع المخيم" إنها أرضك"،وكان في نظرة عينيه أكثرمن دعوة للمشاركة. وكأنه يقول لها إنه يريد منها الانتماء إلى هذه الأرض، كما ينتمي هو.
لحقا مجرى النهر الذي قد يجف في موسم الجفاف. ومرا فوق مخيمات جمع الماشية ووسمها. ثم حط فيلكس قرب بعض البرك المائية الطبيعية، ليريها الحياة البرية عن قرب. ثم أخذها في جولة حول حدود الأرض، ودلها على الحمير الوحشية التي أصبحت مشكلة مزعجة لرعاة الماشية في " كيمبرلي". وقطعان الماشية التي ستحتاج إلى جمع والوشم في القريب العاجل.
عندما عادا أخيراً إلى المنزل، دخلا إلى مكتب جوني ليتكلما عن المناطق التي ستسيج لاستيلاد الماشية الجديدة.. وكان على الجدار خريطة للمزرعة كلها.. ومع أنه سبق لهولي أن درستها إلا أنها أصبحت أكثر واقعية الآن لأنها ألقت نظرة شاملة على مل معالمها.. ودفعت لفيلكس وجوني وهما يتناقشان ومع أنها لم تتطوع برأي، إلا إنهما جعلاها تشعر أنها جزء من النقاش.. حتى أنهما تطلعا إليها للموافقة على القرار الأخير.
فالإحساس بالاتحاد الذي حققته مع فيلكس لم يخف في الأيام التالية، بل بداأنه يكبر، وعملا حتى يتفاهما أكثر فأكثر. وشيئاً فشيئاً بدا حديثهما يبتعد عن القيود والحذر. عاد الرجال من جمع الماشية. وكما قالت غيرليش لهولي، أقيم حفل شواء طوال النهار في فناء المنزل. قطع ضخمة من لحم البقر أديرت فوق النار معلقة بطود، وطهيت البطاطا على الحجر المشتعل، وأعدت السلطة، وخبزت الحلوى والقوالب.. وكانت حفلة ضخمة تمتع بها الجميع.
قدم فيلكس هولي إلى جميع الرعاة وضحك بمرح للنكات الجريئة التي وجهت له. بدا واضحاً أنه سعيد وبدوا هم سعيدون من أجله! أما استقبالهم لها فكان استقبال الترحيب والمؤدة. على أي حال، المرأة التي استطاعت أن تربط الرئيس وتضع وسمها عليه لهي امرأة مميزة.
مع فلول النهار ومجيء المساء جُلبت الآلات الموسيقية: الغيتار، الأوكورديون، والأرغن.
كان أكثر الرعاة يعزفون عليها بمهارة عجيبة.. واجتمع الجميع ليغنوا الألحان القديمة الفولكلورية.. ثم عزف بعض السكان الأصليين ألحان " الديدجيريرو" وقام مجموعة من الصبيان برقصة الصيد حول النار.. كانت حفلة تسلية بسيطة، لم تستمتع هولي قط بمثلها. وعندما كانت عائدة سيراً إلى المنزل الكبير مع فيلكس، فكرت في العالم المتقدم الذي سيخسر نفسه حتى أمام عالم بندنير داونز.
بدأ فيلكس يعطيها دروساً في تقنية الهليكوبتر.. وبدأ التسييج الجديد. وتطوعت هولي لإعطاء تلاميذ المدرسة محاضرة عن" زيمبابواي" وطريقة العيش فيها. فاستمتع الأولاد بها إلى درجة دفعت مايني المدرّسة لطلب المزيد من محاضرات " الناس و المجتمعات" عن البلدان الأخرى التي تعرفها هولي.. كان هذا أشبه براوية القصص أكثر من إعطاء الدروس، وسرعان ما تحول إلى روتين منتظم ثابت في المدرسة. كانت هولي قد صرفت كل تفكير لها بالعالم الخارجي، حين تلقت مكالمة أمها. كانت وفيلكس قد أنهيا الفطور ذات صباح، وأوشكا على الجلوس لتفحص مدى التقدم الذي أحرزه تسييج الأرض حين ناداها جوني للرد على المخابرة من مكتبه.
ـ هولي.. مخابرة دولية لاسلكية لك.. من بوسطن.
ـ إنها أمي.. وهي بلاشك تريد محادثتي عن الثياب التي سترسلها إلى.. أو لتطرح المزيد من المسألة عنك.. انتظرني.
قال مداعباً، وهي تبتعد: ربما من الأفضل أن أراقب ردودك.
لكن هولي كانت مخطئة. وكانت هيذر رايدال عازمة على شيء آخر.
ـ هولي.. حجزت رحلة إلى سيدني.. وسأصل صباح الأحد.. لقد رتب لي جول أمر سيارة ليموزين لتقلني من المطار إلى " الشيراتون" وسأقضي يومي هناك لأستعيد نشاطي بعد السفر. ولكنني أريد أن أعرف كيف السبيل للوصول إلى بندنير دوانز.
ذهلت هولي لأن أمها فكرت بزيارتها في مزرعة مواشي ضائعة بالنسبة للعالم.. فتولى فيلكس الذي سمع الرسالة اللاسلكية أمر المكالمة.
ـ سيدة رايدال.. أنا فيلكس ويستون. سأرسل أحد رجالي للاتصال بك في الشيراتون ليرتب الأمر معك يوم الاثنين، وستكون طائرتي النفاثة على أتم الاستعداد لحملك إلى هنا.. نحن لانريد إلاراحتك.
ـ آه! شكراً لك.. هذا.. هذا لطف كبير منك فيلكس.
ـ أبداً.. سنتطلع شوقاً لنرحب بك هنا في بندنير داونز، سأعيد المخابرة إلى هولي الآن.
لكن هولي لم تكن قد استعادت وعيها من المفاجأة: أمي! هل تلقيت رسالتي؟
ـ أجل عزيزتي.. والصور كذلك.. لم أرك هكذا من قبل.. إنها هكذا من قبل.. إنها صور رائعة هولي.. وضبت لك جميع حاجياتك التي سأحملها معي.
قالت هولي بصوت ضعيف: شكراً لك.
مادامت أمها قد تلقت الرسالة فهذا يعني أنها لن تكون متوهمة أبداً عما تتوقع هنا.
ـ يسرني أن تقطعي هذه المسافة من أجلي.
ـ أريد أن أرى أين استقريت أخيراً هولي.. يبدو لي هذا.. مثيراً جداً. وأريد أن ألتقي بزوجك.
استجمعت هولي شتات أفكارها: طبعاً.. نتطلع شوقاً لرؤيتك أمي.
ـ اشكري فيلكس نيابة عني مجدداً . وداعاً الآن عزيزتي.
بعد انتهاء المكالمة فقط، أدركت هولي ما توحيه زيارة أمها.. نظرت إلى فيلكس بتوسل ولهفة وهما يغادران المكتب.
ـ فيلكس..ثمة أشياء يجب أن أقولها لك. أشياء يجب أن أشرحها.
رفع حاجبه متسائلاً: لاأظن أن لدى أمك ما قد يفاجئني أو مالا أستطيع معالجته يا هولي.
ـ ليس الأمر هكذا.. إنها أكثر تهذيباً من أن تنتقدك ولكنها متكبرة ومتعجرفة وذات توجه اجتماعي سيختبر مدى صبرك. لكنها لن تكون زيارة طويلة فما هذا عالمها.. هل تعرف شيئاً عن مجتمع بوسطن..
ـ هولي.. سأقدم لها كل الاحترام أما كيف ستكون ردة فعلها تجاه بندنير دوانز، فهذا شأنها. وأتمنى أن تكون ردة فعلها إيجابية. وإلا.. فلترحل متى شاءت.. لن تكون زيارتها مشكلة لي.. فلم أتزوج أمك.. والآن ماهي المشكلة بالنسبة لك؟
ـ أمي لا تعرف شيئاً عن علاقة أبي بهذا المكان، أو بعائلتك أو بمنجم الألماس. إنها تعرف فقط بأمر اللوحات.. هكذا.. لذا لا جدوى من ذكر شيء من الماضي.
ـ من الأفضل ألاتثار ذكرى الماضي. وإذا كانت أمك ستذكر ايرول..
قاطعته بحدة: هذا غير محتمل، فطالما كان والدي الشبح الذي يطارد أمي.
نظر إليها فيلكس بفضول: أتودين إخباري عن السبب؟ لوت شفتيها بسخرية ومرارة: كان زواجهما غلطة.
سحبت نفساً عميقاً، ثم حاولت صرف الصورة السلبية عن تفكيرها: لاتسئ فهمي فيلكس.. لقد بذلت أمي مابوسعها من أجلي.. لكن أفكارنا لم تكن متوافقة.. وأنا مسرورة للجهد الذي ستبذله لزيارتي مع أننا لا نتفق كثيراً حين نتقارب.
ضمها إليه بحنان وومضت عيناه بطريقة تنبئ بأشياء أخرى..أشياء جعلت قلب هولي يخفق: كيف استطاعت ساحرة متوحشة مثلك أن تعطي ألوانها الحقيقية في مجتمع بوسطن؟
ـ هذه قصة طويلة.
ـ يجب أن تخبرني إياها يوماً.
وعانقها ببطء متعمد، تعني حناناً أكثر من أن تعني رغبة. وكان في عينيه نظرة التملك و الحماية معاً.
قال آمراً، بصوت رقيق وثابت: لا تقللي من شأن نفسك، فأنت شخص مهم بالنسبة لي وبالنسبة للجميع في بندنير داونز.. وهذا هو مكانك.. احفظي هذا.. ياشريكتي.
كادت تقول له: أحبك فيلكس.. وكادت تعجز عن إيقاف الكلمات.. بعد ذلك تساءلت كيف ستكون ردة فعله لو قالت له هذا. لقد ظنت للحظة قبل أن يعانقها أنه قد أحبها.. لكن، من المشكوك به أن يعترف بمثل هذا الضعف لإمرأة، حتى ولو كان يشعر به.
مر الأسبوع الذي سبق موعد زيارة أمها بسرعة.. حين حطت الطائرة النفاثة يوم الاثنين بعد الظهر، كانت هولي وفيلكس في المطار مستعدين لملاقاة زائرتهما ونقلها إلى المنزل الكبير بسيارة الجيب..
عندما برزت هيذر من الطائرة ، بدت كعارضة أزياء إذ كانت مرتدية بزة أنيقة وكانت تعتمر
قبعة قش بيضاء ذات إطار جميل وتضع وشاحاً حريرياً طويلاً مخططاً بالأبيض والأسود .
عندما نزلت السلم ابتسمت لهولي وفيلكس ابتسامة ملؤها التردد.. ولكنها استرخت قليلاً حين ضمتها هولي وعانقتها: ماأروع أن أراك أمي!
ثم ارتدت إلى زوجها وشبكت ذراعها بكل فخر: وهذا فيلكس بدون شك.
ـ أهلاً بك إلى بندنير داونز سيدة رايدال.
ابتسم لها ابتسامة ساحرة.
نظرت هيذر إليه عدة ثوان طويلة ثم استجمعت رباطة جأشها وأخذت يده قائلة: عفواً.. لقد ذكرتني بشخص آخر. ليس بالمظهر لكن..أوه..يا إلهي! أنا أفتعل شيئاً من لاشيء.. تسرني مقابلتك فيلكس. وأرجو منك مناداتي هيذر.
ماهذا بتصرف أمها عادة ، لذا لم تستطيع هولي إخفاء دهشتها من الظهور.. وكانت هذه المفاجأة الأولى من أصل مفاجآت أخرى فلم تمر من بين شفتي هيذر رايدال أية كلمة انتقاد.. وكان المنزل الكبير "مؤثراً" وغرفة هولي"أجمل غرفة" وغير ليش وجوني" ألطف الناس" عندما أخبرها فيلكس خلال العشاء أنهم يتحضرون لاستقبال شحنة من الماشية القادرة على تحمل الجفاف وهي ماشية اقترحت أمرها هولي ابتسمت هيذر بفخر لآبنتها: حسناً.. يجب ألا تتركاني آخذ الكثير من وقتكما.. عليكما معاً المضي لإنجاز ما يلزم. أنا مفتونة بالحياة التي أخبرتني بها هولي، وسأكون سعيدة بمجرد التجول حول المنزل.
صدق فيلكس كلامها.. مع أن هولي لم تستطع في البداية. لكن في اليوم التالي خرجت أمها عن عادتها وبدأت بالتعرف إلى جميع من في المزرعة ولم يظهر عليها ولو لمرة واحدة ومضة تكبّر أو تحامل.
قالت لهولي بكل لطف: لست مضطرة للبقاء معي عزيزتي.. اذهبي مع فيلكس، فغيرليش قادرة على إيضاح أي شيء أريده.. لا تقلقي عليّ.
كانت هولي مذهولة بتصرف أمها ولكنها في الوقت ذاته مسرورة به. وللمرة الأولى بحياتها تشعر أن شيئاً آخر متوقع منها.
قالت لفيلكس تلك الليلة: لابد أن كل هذا بسببك. فبعد نظرة واحدة إليك وجدت أنك شخص يجب تجنب الاشتباك معه.
ـ همم.. على عكس ابنتها.
مد يداً مداعبة على خصرها. فضحكت: أنت كنت تتوسل حتى أشتبك معك فيلكس.. فقد كنت متعجرفاً بشكل رهيب.. ومثيراً.
ـ حسناً.. أهذه نظرتك إلي؟
في اليوم الذي سبق وصول الماشية، صحبهما فيلكس في جولة على منجم الألماس. وقدم لهيذر ماسة متعددة الألوان.. تأثرت هولي كثيراً حين اغرورقت عينا أمها بدموع عاطفية وكانت الكلمات التي تفوهت بها نابعة من القلب، دون أدني شك.
ـ شكراً لك فيلكس.. سأعتزّ بها دائماً.. لكنني أريد أن أقول إنك أعطيتني سلفاً، أفضل شيء.. وهو أن أرى هولي سعيدة فسعادتها أهم من أي شيء آخر.. كنت خائفة كثيراً.
ابتسمت لهولي من بين دموعها: لا بأس الآن. ظننت أنك لن تجدي ما تبحثين عنه.. أما الآن فأرى أنك وجدته. وأعرف أنك لن تدعيه يفلت من بين يديك..
أدارت نظرة عتب إلى فيلكس: إنها هكذا، دائماً.. أتعرف؟
رد فيلكس: أجل .. أعرف.
وتحرك ليضم هولي إليه، وابتسم لها: ابنتك هذه قاسية.. وما إن تثبت أسنانها في شيء حتى يعجز أحد عن إيقافها. إنها تستغلني لتحقق ما تريد..
ضحكت هيذر: لكنني لم ألاحظ أنك غير راض عن هذا.
ـ إنها" ساحرة" هيذر.. وترمي تعويذة سحرية علي.
بدلاً من إنكار ما قال، ضحكت هولي مع أمها. وكانت متعجبة من كل ما يجري لأن أمها تتصرف بطريقة تدل على مدى اهتمامها الكبير بابنتها.. وفيما بعد فكرت إن كان فيلكس يظن حقاً أنها تستغله.. ولكنها سارعت إلى صرف الفكرة بعيداً فهما يكن الأمر هما سعيدان معاً.
بعد ظهر اليوم التالي حين لامست طائرة الشحن من جزيرة كوكوس، أرض مدرج بندنير داونز كانت معنوياتها عالية. كان جميع العاملين في المزرعة قرب المدرج لرؤية سلالة الأبقار الجديدة.. وكان الرعاة على جيادهم مستعدين لتوجيه القطيع الصغير إلى حظيرة للمواشي قريبة حيث سيعملون على إطعامها وسقايتها. وبعد ذلك يتركونها حتى تهدأ بعد رحلتها الطويلة.. كان فيلكس وهولي واقفين في الجيب يتوقان لرؤية أولى نتائج استثمارتها في هذا المشروع.
وضع سلم الهبوط أمام باب الطائرة الذي انفتح فوراً.. فخرجت الأبقار بقرة بقرة لتتخلص من المكان الضيق الذي حشرت فيه، وتحرك الرعاة للسيطرة على سلوك القطيع. منع أحد الجياد الرؤية عن هولي، فابتعدت بضع خطوات عن الجيب ولكنها لم تدرك أن حركتها أثارت انتباه أحد الثورين الذي كان ينزل عن السلم وسرعان ما حفر الحيوان الأرض أمامه، ونظر إليها..ثم قام بهجومه غير عابئ بشيء آخر حوله. حدث كل شيء بسرعة، بحيث لم يبق في ذهنها سوى أطر متفككة من الصور المرعبة..صرخ فيلكس باسمها ثم قفز أمامها وأمسك بقرني الثور الذي ضربه بقرنيه فرفعه في الهواء ثم وقع على الأرض وأسرع الثور يغرز أحد قرنيه في وجهه، ثم سمعت دوياً عالياً وقع على إثره الثور ببطء فوقه.. هاهو فيلكس مستلق دون حراك، ينزف دماً ويبدو جامداً.. كان صوتها يصرخ باسمه والأذرع تمسك بها ترجعها إلى الخلف، والرجال يطبقون عليه يرفعون الثور عنه.. فيلكس لا يتحرك أبداً.
تخلصت من ذراعين كانتا تحاولان منعها. وهرعت إليه ثم مزقت قميصها ووضعته فوق النزف لتوقفه وراحت تصيح.. فيلكس. لم يمت.. فما زال يتنفس، لكن لاأحد حاول تحريكه.. جلست على التراب إلى جانبه، وأخذت تجفف بقميصها الجروح في وجهه.. ثم ركضت غيرليش إلى جانبها وأخذت القماش منها، وبدأت بالعمل لإيقاف النزف.. أمسكت هولي يد فيلكس تدلكها وتتوسل إليه بيأس أن يبقى حياً.. ولم تعرف كم بقيا هكذا قبل أن تتحرك أصابعه ببطء تحت أصابعها.
ـ هولي..
خرج اسمها من بين شفتيه همساً بل أقل من همس ولكنه لم يفتح عينيه ثم بدا خط متجعد على جبينه وكأنه يكافح ليستعيد وعيه.
صاحت:" أنا هنا فيلكس.. أنا هنا".
ـ لا..
أحنت رأسها لتسمعه: لا..فائدة..إصابتي بليغة..دعوني أموت..
ـ لا..؟ لن أدعك تموت..أحتاج إليك.. لن أدعك تموت.. أحبك.
فتح عينيه قليلاً فظهر فيهما الألم و العذاب..
ـ لا أستطيع العيش في "قفص".
التوت روحها ألماً لأنها فهمت قصده فهو يفضل الموت على البقاء حبيساً في قفص جسد لايستطيع أن يفعل ما يريد منه. إته يطلق الحيوانات البرية.. ويقتل الماشية التي تضعف عن أن تبقى حية بمفردها، فعل رحمة.
تأوهت:" لا..لا".
ـ هذا مكانك.. أصبح لك الآن.
ـ لاأريده.. ليس بدونك.. فيلكس..فيلكس.
وصل جوني إلى جانبه، ودس حقنة موقفة للنزيف تحت جلد ذراعه.. ثم أخرى.. وحقنة مورفين لإيقاف الألم.
توسلت هولي: أحبك فيلكس..أنا أحمل طفلك..يجب أن تعيش.
أغمض جفنيه اللذان كانا أثقل من أن يستطيع تركهما مفتوحتين.. لكنها لم تعتقد أنه سمع أهم خبر أخفته عنه حتى تتأكد من حملها.
كررت بعنف و بأس: طفلك فيلكس.
لكنه لم يتكلم ثانية فقد عاد إلى غيبوبة.. وفي هذا الوقت جُلبت الحمالة التي رفع عليها ووضعت مناشف حول جرحه لإيقاف الزيف. ثم جاءت الطائرة النفاثة من المنجم وتوقفت، فأخذ جوني يعطي تعليماته للرجال الذين كانوا ينقلون فيلكس إلى الطائرة.. رافقتها أمها التي لحقت بالحمالة.. يجب نقله إلى المستشفى بسرعة.. إلى" كونونورا" كما قال جوني، على بعد خمسمائة ميل.
كان حبها لفيلكس بثقل الرصاص على قلبها. هل يعني هذا شيئاً ؟ هل سيقارم ليعيش؟ لو سمع ما قالته من حملها، لقاوم. ابن أو ابنة تحتاج إلى أب، وهذا بالتأكيد ما سيجعل لحياته قيمة مختلفة.. حتى ولو كانت الحياة غيرالتي عاشها من قبل. قال لها يوماً إنه لن يقاتل من أجلها وإنه لن يموت في سبيلها.. لكن حين حلّت اللحظة الحاسمة، غامر بحياته لينقذها.. ربما كان يحبها، ويعتقد أنها لاتريد سوى الأرض التي يستطيع أن يعطيها إياها.. ربما رغبته في الموت ليست فقط خوفاً من أن يبقى حبيساً. ربما شعر أنه لم يعد ما تريده منه.. رجل مثير، لا يقاوم، أفضل من أي رجل آخر.. وتدفقت الذكريات في رأسها..
أقلعت الطائرة.. ابق حياً لساعة واحدة فيلكس.. حبيبي.. أرجوك! حتى نصل إلى حيث نجد من يساعدك. برزت أمامها احتياجات فيلكس.. فحتى لو استطاع الأطباء ترميم جسده، وإرجاعه إلى حالته الطبيعية فسيبقى تشوّه وجهه وهي أكثر من يفهم معنى التشوه. جاذبيتها اصطناعية، سطحية.. وليست عاملاً أساسياً في علاقتها بالناس و التفاهم معهم.. لكنها ستعاونه قدر المستطاع، مستعينة بتجربتها.
التفتت إلى جوني: قل للطيار أن يتصل بالمستشفى لتحضير أفضل جراح تجميل في البلاد، فليجدوه و ليجلبوه إلى هناك! بعدما تركها لينفذ ما تريد، أعطت أمراً صامتاً للرجل الذي أصبح كل حياتها: أحبني فيلكس.. أحبني بما يكفي لترغب أن تعيش.




يتبـــــــــــــــــــع

13ـ لو.......



دأبت هولي إقناع نفسها أن فيلكس قوي بما فيه الكافية.. ولكن أهو راغب في الحياة؟ هل يرغب بها بما يكفي. في مستشفى كونونورا نقلوا إليه دماً كثيراً ، ووضعوه في العناية الفائقة. كان نبضه صعيفاُ ومشوشاً.. وضغط دمه منخفضاً.. بعد الاستشارات، تقرر أن من الأفضل له نقله إلى المستشفى التعليمي في " أديلايد".
كم مضى من ساعات الآن؟ ثماني أم تسع ساعات؟ الرحلة إلى كونونورا.. العلاج الفوري الذي أمن بقاءه في حالة مستقرة لنقله إلى وسط أستراليا إلى مدينة أديلايد.. وإلى هذه المستشفى الضخمة..صور الأشعة.. أوراق للتو قيع تضع فيلكس بين أيدي الجراحين..أوراق ربما كان سيرفض توقيعها بنفسه.. لكنها اتخذت القرار.. أراد هذا أم لا.. ستقوم بالمستحيل ليبقى حياً.
ـ قهوة هولي.
رفعت نظرها إلى أمها التي رافقتها بصمت طوال هذه الساعات، و قامت بأشياء كثيرة لها دون طلب أو تذمر.. وأدركت فجأة أنها لم تشكرها على ما فعلت.
هزت رأسها والدموع تغرق عينيها: أنا آسفة، لم أشكرك..
ضغطت الأم على كتفها: لاأتوقع منك شكراً هولي.. خاصة وأنت تواجهين الصعاب.
ـ أنا لاأعني بهذا إبعادك ياأمي..لكنني لا أجيد التعبير عن مشاعري.
تنهدت هيذر بعمق: أعرف عزيزتي.. لا تظني أبداً أنني لاأرى أخطائي.. الوقت متأخر كثيراً على التغيير الآن.. لكن ثمة أشياء أود قولها لك.. أشياء حسبتها في داخلي طوال تلك السنين.. وقد تساعدك على التخفيف من الوحدة التي تشعرين بها.
ـ هذا لطف منك.
تأثرت بالعطف الذي رأته في عيني أمها. وارتسمت ابتسامة صغيرة على فم هيذر: أنت مثل أبيك هولي ..لك عيناه.. حتى وأنت طفلة، كنت تنظرين إلى كما كان ينظر إلي. حاولت جاهدة نسيانه، لكنك لم تساعديني قط على هذا.. كنت تشبينه حتى في أمور كنت تقولينها.. أنت مثل ايرول.. وكنت مضطرة إلى محاربة كل شيء.. وإلا لكان الخيار الذي اتخذته، لا يحتمل أبداً.
هزت هولي رأسها: أمي..لست مضطرة لشرح ماحدث بينكما من أخطاء.
ـ أعتقد أن من حقك أن تعرفي..لم يصل منذ ذلك الوقت إلى مقاييس ايرول..كان..كان مثل فيلكس.. عندما خرجت من الطائرة في بندنير داونز..انقلب قلبي رأساًعلى عقب.. كان لفيلكس الهالة التي كانت تحدق بأبيك: هناك عالم موجود للغزو.. وأنا الرجل المؤهل لغزوه.
صمتت وسرحت في الذكريات.. تذكرت هولي فقدانها الغريب لرباطة الجأش الأمر الذي صدمها في تلك اللحظات.
تابعت أمها القول: جين كتبت رسالتك تخبرينني فيها عن بندنير داونز كان علي المجيء. كل تلك السنوات دون خبر عن والدها.. يجب أن تستمع .. أن تفهم ما تقوله أمها.. فمثل هذا الإسرار قد لا يتكرر.. ويجب أن تستمع.. أن تركز.. وتفهم ما تسرّه أمها لها.
ـ أقنعت نفسي أنني أريد رؤيتك ورؤية فيلكس..لكن كيمبرلي كان المكان الذي قصده والدك.. المكان الذي أراد أن أرافقه إليه.. أن آتي معه.. لنجد ما نستطيع أن نجده. ولم أكن سمعت بمثل هذا المكان. أستراليا مكان بعيد جداً .. ولن أترك بوسطن.. وايرول لا يريد البقاء، لم يحاول حتى تكييف نفسه مع محيطه في بوسطن.. كان يسخر من الحياةالوحيدة التي أعرفها..
هزت رأسها ساخرة من نفسها، وركزت نظرها على وجه هولي: لم أفهم هذا حتىجئت إلى هنا. لم أدرك كم هذه البلاد واسعة ورحيبة.. وما أن رأيت المنجم ومزرعة المواشي حتى عرفت لماذا لم يستطع ايرول أن يقنع بحياة بوسطن.. عرفت أخيراً .. ورأيت كم هي مناسبة لك ولفيلكس.. وتساءلت عما إذا..
كشرت تكشيرة ألم: لم أكن من الشجاعة بحيث أغامر في عالم لم أكن أعرفه، لم يكن مهماً لي هولي أن أكون شريكة ايرول.. مهما كان السبب.. واتخذت خياري.. ثم انطلقت بتبرير ذلك الخيار بكل وسيلة أعرفها.. تزوجت جول..وأقمت كل الصداقات والصلات المناسبة.. وقمت بكل شيء مناسب.. وأردت منك أن تحذي حذوي.. وأن تكوني مثلي..لأن.. هذا قد يجعلني أحس أنني على صواب.
لاعجب إذن أن ترفض الكلام عن ايرول ماكنافش فالحديث عنه كان يؤلمها كثيراً .. وما إن فهمت هولي هذا حتى أصبحت مستعدة للغفران لأمها كا ما دفعها للنجاح في عالمها المختار.
ـ خيبت أملك دوماً
قاطعتها أمها بعنف: لا..لا! كان ذلك مناسباً لك! الآن أفهم.. ألاترين؟ كرهت ايرول لأنه لم يفعل ما أريد.. وأحسست بالإحباط منك عندما أدرت ظهرك للحياة التي بنيتها لك.. كنت كوالدك مجدداً.. ترفضين كل قيمي.وكان في عينيك دائماً نظرة الانزواء عن مجتمعي،وكأنك ترين عالماً آخر..أخيراً أردت أن أرى هذا العالم.. ولقد رأيته.. الآن يمكنني أن أسامح والدك الذي كان كبيراً فيما لم أكن كذلك.
من يعرف ماذا يدفع إنساناً آخر؟ من يستطيع أن يحكم على إنسان آخر؟ نظرت هولي إلى أمها بعطف لم تشعر به قط نحو المرأة التي عاشت جحيمها الخاص. وبذلت ما بوسعها، تحاول تحقيق ما يثبت لها أن الحياة تستحق العيش.
ـ أمي.. أنت لست تعيسة مع جول.. أليس كذلك؟ طالما ظننت..
ـ إننا من نوع واحد. ونحن كذلك عزيزتي.. إنه الزينة لحياتي و أنا الزينة لحياته. نحن نفهم بعضنا لكننا لم نحصل قط على ما بينك وبين فيلكس.. وما حصلت عليه لوقت قصير جداً مع أبيك.. وأنا سعيدة من أجلك هولي.. كنت رغم خلافاتنا أريد لك الأفضل.
مدت هولي يدها تضغط على يد أمها:أعرف هذا أمي. شكراً لأنك قلته لي.. ولكنني أرى أنك اتخذت القرار الصحيح ببقائك في بوسطن، حتى ولو آلمك الفراق مع أبي.. أعرف أن أم فيلكس كرهت العيش في كيمبرلي.. كرهت العزلة.. وافتقار المنطقة إلى المدينة ووسائل الراحة، والصحية. بعد موت والد فيلكس، تزوجت من رجل أعطاها ما أعطاك إياها جول.. هكذا.. من يدري ماهو الصواب وماهو الخطأ! أول ما قاله لي فيلكس: دعي الماضي وشأنه.. الماضي لم يعد مهماً أمي وما يهم هو الآن، وغداً، و..
لو مات فيلكس.. فما هو الغد الذي ينتظرها؟ أغمضت عينيها بقوة لحبس الدموع التي هددت بالظهور. لن تضعف.. يجب أن تكون قوية.. يجب أن تجعله يرغب في الحياة.
ـ هولي..أردت فقط أن تعرفي.. أنني هنا من أجلك وأنني قادرة على تفهم وضعك.. وإذا أردت الكلام فقلبي مفتوح لك.
أصاب العرض قلب هولي.. لقد عرّت أمها روحها من أجلها وإن لم تتجاوب معها فسيكون ذلك وكأنها ترفضها مجدداً.. مع ذلك غير معتادة على المشاركة في أفكارها ومشاعرها الخاصة.. ولن تستطيع المشاركة بسهولة.. لكن، هل هناك ما له قيمة يمكن أن يكون سهلاً ؟ لو أنها قالت لفيلكس إنها تحبه قبل..
ـ أنا خائفة أمي.. خائفة ألا أكون مهمة بمافيه الكفاية لفيلكس.. إنه لا يريد أن يبقى سجين جسم غير كامل.
ـ هولي.. قد لايصل الأمر إلى هذا.. هناك أمل عزيزتي..هناك دوماً أمل.
ـ قد يكرهني..
ـ لا..! تفكري هكذا.. لقد رأيت النظرة التي كانت في عينيه قبل أن يقفز لإبعاد الثور الهائج عنك. لم تكن نظرة تهور أو اندفاع عزيزتي بل كان خائفاً و مرعوباً أن يخسرك.. وبدا كل شيء حتى الموت أفضل بالنسبة له من تركك.
فتحت هولي عينيها ونظرت إلى وجه أمها بعدم اقتناع، لكنها أرادت بيأس أن تصدق.
ـ لايهمني لو أصبح كسيحاً أو مشوهاً..لأنني سأبقى على حبه، مهما يكن الأمر.
ـ أعرف هذا هولي.. وستجدين طريقة لتجعليه يصدق هذا.. وأنت أقدر الناس على هذا.
ـ حقاً..أمي؟
ابتسمت أمها بحنان: لم يسبق لك أن انهزمت أمام شيء هولي؟ حتى حين عانيت الأمرين من وجهك تحديت العالم.. وسخرت ممن قلل من شأنك.. بمن فيه أنا. لكنني أعدك ألا أرتكب الغلطة ذاتها مرة أخرى.. يمكنك الاعتماد علي في أي دعم تريدينه.
الدموع التي حاولت كبتها عادت إلى عينيها، فهمست بضعف: شكراً لك..
وحضنت أمها بقوة.. وهمست بصوت أجش: خلت أنني لن أكون أبداً على المستوى الذي تريدينه مني.
ـ عزيزتي.. أنت ماكنت أتمنى أن أكون .. تذكري هذا حين أخذلك بأية طريقة.. ولا تترددي أن تقولي لي ماهو الخطأ فيما أفعل.
تراجعت هولي وتمكنت من الابتسام: أنا لست كاملة.. لكنني لن أبتعد عنك مجدداً. أمي.. أعدك.
اقترب صوت وقع الأقدام في ممر المستشفى. فهبت هولي واقفة وتسارعت خفقات قلبها وتأرجح قلبها ما بين الخوف و الأمل، لكن اللذين ظهرا لم يكونا من الأطباء أو الممرضين..بل هما دونا وجاك ويستبرون.
كسر جاك الصمت المرتبك: لقد أتينا إلى هنا حالما سمعنا الخبر هولي.. سيدة رايدال، أنا جاك ويستبرون وهذه زوجتي دونا.. والدة فيلكس.
أخذت اليد الممدودة إليها: هيذر.. هيذر رايدال. آسفة لأننا نلتقي في مثل هذه الظروف.
لم تنظر دونا إليها بل كانت تنظر إلى هولي بعينين متهمتين: أنت السبب! أليس كذلك؟ لولا وجودك هناك..
قاطعها جاك بحدة:" دونا.. كفي عن هذا".
والتفتت عيناه تتوسلان هولي الصفح: إنها لا تعني هذا.
لكن دونا كانت مشحونة، مشتتة الفكر: أنبأني قلبي أن شيئاً فظيعاً سيحدث.. كان كل هذا كذبة..أليس كذلك؟ أنت تسعين إلى ..
قاطعتها هولي: لا تحمليني وزر شعورك بالذنب سيدة ويستبرون. لم يكن سبب الحادثة أي ضعف بشري.
لم تتوقف دونا لتستوعب ما تسمع، بل بقيت كلمات الاتهام المريرة تتدفق من شفتيها: كنت أعرف أن هذا لن ينتهي إلى خير..كنت أعرف أنه لن ينجح. لقد خدعته فقط، من أجل..
فقدت هولي السيطرة على أعصابها كلياً ، فالتوتر و الإرهاق اللذين كانت تعاني منهما ظهرا الآن على شكل كلمات مشبوبة بالعاطفة.
ـ من تحسبين نفسك؟ العالم لا يدور حولك سيدة ويستبرون.. لكن فيلكس هو كل العالم الذي أريده. ولا تتجرئي على مقارنته بعالمك.. أنا لا أهتم بألماس اللعين، ولا أهتم بما فعلته في الماضي إلا بمقدار ما يؤثر في فيلكس.. مضت الأعوام وأنت لا تهتمين بغير نفسك لذا لم تري وحدته وحاجاته.. لأنك ماكنت تهتمين إلا بحاجاتك أنت..
احتج جاك:" هولي؟".
لكنه لم يستطع منعها من المتابعة: افعلي ما شئت بحياتك.. لكنني لن أسمح لك بتسميم حياة فيلكس وحياتي! اخرجا من هنا! عودا إلى بيتكما! فلم يعد فيلكس ينتمي إليكما.. حتى ولو كان ينتمي يوماً.. وهنذا ما أشك فيه. إنه زوجي الآن ، وأنا أحبه. وسأفتديه بحياتي إن استطعت. ليتني كنت أنا هناك على طاولة العمليات.. فليساعدني الله.. إذا قال أحدكما يوماَ، أو فعل شيئاً دفع فيلكس إلى عدم التمسك بالحياة.. فلسوف..
خنقتها العبرة.. وقفزت الدموع إلى عينيها، وفتحت يديها بعجز.. فجأة وجدت نفسها بين ذراعي أمها، تهدهدها كالأطفال.
قالت هيذر رايدال بحدة وتكبر: لاأدري ما يجري هنا. لكن هولي كانت تحت ضغط نفسي كبير.. إذا كان لدى أحد منكم أي شك أن ابنتي تزوجت فيلكس لأسباب أخرى غير حبها له، فأؤكد لكما أن هناك الكثير من الرجال الأثرياء في بوسطن..
تدخل جاك بلهفة ونفاد صبر: سيدة رايدال.. دونا حباً بالله! ومن أجل ابنك.. اخرجي من هذا المزاج! ماذا تريدين أن تسمعي أو تري أكثر من هذا؟ ما تفعلينه مدمر.. وطالما كان مدمراً! أنت تهاجمين الناس حتى لايعود بوسعهم احتمالك..
ـ جاك!
ارتجف صوت دونا لأن صاحب الدعم الذي كانت تعتمد عليه دوماً انسحب بعيداً.. أضاف جاك يتوسل إليها: واجهي الأمر دونا! ولو لمرة واحدة في حياتك.. واجهي ما تفعلين.. وأوقفيه! فيلكس يحب هولي، وهولي تحب فيلكس! ولا شأن لهذا بك أو بي أو بأي أحد آخر.. هما فقط! وأنت تجعلين الأمور أسوأ مما هي.
ـ لكنك تعرف..
ـ أعرف فقط أنني تعبت من كل هذا دونا.. تعبت حتى الموت.. سأجلس هنا بكل هدوء أنتظر مع هولي وأمها.. وإ ذا كان هناك شيء أستطعيه من أجله وأجلها فسأفعله ولك أنت أن تفعلي ما شئت..فلست أهتم.. لم أعد أهتم.
ـ جاك أنا..أنا آسفة..
ـ لا يكفي أن تكوني آسفة! إن لم تستطيعي أن تكوني لطيفة، فاذهبي.. اختاري بين الأمرين! هل هذا واضح؟ كيف يمكن أن أوضح أكثر من هذا؟ فكري ولو لمرة واحدة في شخص آخر غير نفسك.
تقدم بضع خطوات و أطبقت يده القوية على كتف هولي: هل هناك ما أستطيع تقديمه لك هولي؟
هزت هولي رأسها لأنها لم تكن قادرة على التفوه بكلمة أخرى. أضاف جاك: سيدة رايدال.. ليس هناك عذر أقدمه لتصرف زوجتي.. وليتكما تتحملان معي.. إذا اختارت زوجتي البقاء.. فليكس كابني و كأنه من لحمي ودمي..و..
قاطعته هيذر بوقار: يجب أن تبقى سيد ويستبرون بالتأكيد. وأنت أيضاً سيدة ويستبرون.. أعتقد أن أوقاتاً كهذه هي التي تخرج أفضل و أسوأ مافينا .. فهل ننسى هذا.. هذا المشهد السيء وندعو الله أن يشفي فيلكس؟
لم يكن لدى هولي فكرة كم انتظروا حتى جاءهم الخبر وفي هذا الوقت لم تنطق دونا بكلمة أما جاك فكان يكلم هيذر ما بين الوقت و الآخر وترد عليه بشيء.. أحست أنها مرهقة، مخدرة! وحينما سمعوا أخيراً وقع أقدام أخرى في الممر، لم تستطع هولي الوقوف على قدميها.. ودخل رئيس الجراحين إلى غرفة الانتظار، ترافقه رئيسة الممرضات.
ـ آه.. سيدة ويستون.. زوجك يتقدم.
تهاوت هولي، فأحاطت ذراعي أمها بخصرها، تمسكها بشدة.
ـ سيبقى في غرفة العناية المركزة لبعض الوقت.. لكن حالته ثابتة.
همست:" و.. ساقاه..؟".
ابتسم الجراح: حسناً.. لن يستطيع القفز لفترة لأن حوضه مكسور.. أما الشلل المؤقت فسببه عصب تلقى ضغطاً، ولكننا خففنا الضغط وأنا لاأرى أي ضرر دائم في هذا المجال .. أما الضلعان المكسوران ، فلم يمزقا شيئاً خطيراً .. وكنا محظوظين هنا.. أما وجهه فسيتطلب المزيد من العمل ليعود إلى حالته الطبيعية. وغني عن القول، أن مظهره ليس جميلاً في الوقت الحاضر. لكنني على ثقة أنه أفضل حالاً شرط أن تقوم بنيته القوية بعملها..
قاطعته هولي: هل أستطيع رؤيته؟ أن أكون معه.
رد الجراح بلطف: لاأرى ما يمنع.. سترافقك الممرضة إلى غرفته.. لكنك تعرفين، سيدة ويستون، أنه لن يستعيد وعيه قبل ساعات.. والواقع أنه سيبقى تحت تأثير المخدر لبضعة أيام.
ـ يجب أن أبقى معه.
نظر الجراح إليها مفكراً، وهز رأسه: أيتها الرئيسة..دبري سريراً للسيدة ويستون في غرفة زوجها.
قالت أمها بسرعة: سآتيك ببعض الأشياء صباحاً هولي.
قال جاك:" وسأرافق أمك إلى الفندق".
أمسكت دونا بيدها: هولي..
ثم أرخت يدها وهزت رأسها: اذهبي.. اذهبي إليه.. أعطيه مالا أستطيع أن أعطيه إياه.
تقبل دونا لها، لم يؤثر في تفكيرهولي لأن لاشيء مهم عندها في هذه اللحظة غير البقاء إلى جانب فيلكس لدعمه. فإ استعاد وعيه، ولو لوقت قصير، قستكون موجودة معه..يجب أن يطمئن أنها موجودة هناك من أجله.
ولن تتركه أبداً.. ستمسك بيده وتبقيها.. ليعي أنها هناك. وستكلمه.. وتخبره بكل ما سيفعلانه معاً لقد بدأ السهر الطويل.

14ـ افتحــــــــــــوا الأبواب..الحب قادم!





المرة الأولى التي استعاد فيها فيلكس وعيه، لم يكن صافي التفكير كلياً.. وأخذ يتمتم دون توجيه الكلام لأحد: إنها أصعب لعبة كرة قدم لعبتها بحياتي.
ثم نظر إلى هولي دون أن يتعرف إليها: هل هزمناهم؟
أكدت له:" أجل..لقد كسبنا".
ـ هذا ما يستحقونه.
وغاب عن الوعي مجدداً.
أعلمتها الممرضة لأن فقدان التركيز أمر متوقع خاصة بعد الجراحة التي خضع لها.. عقله سليم لذا لا داعي للقلق.. من المحتمل أن تكون المرة الأخيرة التي أدخل فيها إلى المستشفى بسبب إصابته بلعبة كرة قدم. فغالباً ما يصد عقل المريض، صدمة الحادثة لأيام.
استرخت هولي قليلاً.. لكن نصيحة الممرضة جعلتها تدرك أن عليها طمأنته لذا شرعت تتحدث إليه برقة، دون أن تعرف ما إذا كان يسمع شيئاً مما تقول. في النهاية، تملكها الإرهاق. وأسندت رأسها قرب اليد التي تمسك بها.
أيقظها الضغط المؤلم على أصابعها.. راحت يد فيلكس تشد على يدها بقوة جبارة، لكن عينيه ظلتا مغمضتين وبدا فمه خطاً مشدوداً.. أهو عذاب نفسي أو جسدي؟ هذا العذاب كان يظهر على أصابعه التي سحقت أصابعها بقوة.
لكنها تجاهلت الألم، لن تهتم حتى لو كسر لها أصابعها إذا كان هذا يريحه.. تكلمت بسرعة: فيلكس.. ما أنت فيه مؤقت.. ولسوف تخرج منه سالماً معافى.. أصمد فقط حبيبي فشفاؤك سيستغرق بعض الوقت، لكنك ستنجح.. المسألة مسألة وقت قبل أن تقف على قدميك مجدداً وقبل أن تفعل ما تشاء. لن تكون مقيداً، أو عاجزاً بأية طريقة .. يجب أن تعيش يا حبي فأنا بحاجة إليك فيلكس والأهم أن طفلنا بحاجة إليك.. لايمكن أن تسمح لشيء يمنعك من رؤية ما أردته دوماً..لم تعد بمفردك.. ولن تكون بمفردك بعد الآن..
استرخت أصابعه تدريجياً وشرعت تداعب أصابعها قليلاً.. ثم استرخت مجدداً. تنهدت هولي تنهيدة عميقة، ورفعت يده إلى خدها بلطف. إنها بحاجة لاستعادة الإحساس.. مررت أصابعه على بشرتها كما كان يفعل دائماً.. وعندما عادت لتريح رأسها مرة أخرى إلى جانبه، أبقت يده على خدها.
حين استيقظت مجدداً جاء استياقظها على وقع لمسات خفيفة كالريش، فهمست دون أن تكون متأكدة ما إذا كان صاحياً أم لا: فيلكس؟
ـ أنت حقيقة؟
رفعت رأسها بحدة.. كانت عيناه شبه مفتوحتين.. لكن الألم الرازح فيهما اشتد حدة ليتحول إلى شيء آخر.
ـ كنت..معي؟ ..تتحدثين إلي؟
ردت بصوت أجش:" أجل..أجل".
ـ ظننت أنه حلم.
ـ ليس حلماً فيلكس، كل ما قلته حقيقية.
ـ هل قلت..هل تكلمت ..عن طفل..هولي؟
ردت من قلبها: أجل..سأنجب طفلاً فيلكس، بعد ثمانية أشهر.. وسأحتاج إليك لتجلس معي لأنني لاأعرف كيف أنجب طغلا، ويجب أن تمسك يدي.. و.
ارتسم شبح ابتسامة على فمه: ولن أتركك أبداً.
أكدت بشراسة: " ولن تتركني أبداً".
أغمض عينيه مجدداً.. لكن الابتسامة الضعيفة تعبت على شفتيه عدة لحظات قبل أن تتلاشى ..
أخيراً استطاعت هولي الاستراحة والاطمنئان لأنها باتت متأكدة أن فيلكس لن يترك حياته تتسلل منه .
نامت نوماً عميقاً طويلاً وكان جسمها يصرّ أن يستعيد نشاطه .لم تعِ لمدة أربع وعشرين ساعة
دخول وخروج الأطباء ، أو أي شيء آخر ... وعندما فتحت عينيها أخيراً ، وجدت أمها جالسة إلى جانبها .
قالت الأم بسرعة : لابأس عليك عزيزتي .. فيلكس يتقدم بشكل رائع .
جلست هولي بسرعة لتتأكد . وجدت أن فيلكس مايزال في الغرفة معها ، الجزء الأسفل من جسمه مربوط إلى آلة سحب .
أضافت أمها بسرعة : الأطباء راضون عن تقدمه ، ولاأثر للالتهاب في جروحه ، وكل شيء في طريقه للشفاء كما يجب .
_ شكراً أمي . الآن ، ما تحتاجين إليه هو حمام ساخن وملابس نظيفة .. لاتجادلي هولي .. يجب أن تحافظي على قواك .. سأبقى هنا مع فيلكس إن استيقظ وسأل عنك .
_ وهل فعل هذا أثناء نومي ؟.
_ لاداعي للقلق .. كل ماأراد أن يعرفه ، هو ما إذا كنت بخير.. كل من يسمعه يعتقد أنه لايهتم بأي شيء آخر .
أحست هولي بخفة قلبها ، وعانقت أمها وهي تشعر بعاطفة جياشة منعتها من التعبير عن نفسها بالكلمات . ربتت الأم ظهر ابنتها : اذهبي الآن .. وتجملي لزوجك .
ابتسمت هولي لفلسفة أمها في الحياة .. لكنها لم تنتقدها .. ليس هذه المرة .. أن تبدو جميلة لأمر صناعي لكن له مكانته الآن .. وهي مستعدة للقيام بأي شيء سيجعله أفضل حالاً .
كان مستيقظاً حين عادت منتعشة تماماً ، وتركتهما هيذر رايدال بكل لباقة بمفردهما .
قال فيلكس باستسلام :
_ سأبقى شهراً على هذا الحال .
_ تقريباً .
_ أعرف أنني سأبدو على غير ما يرام ، وسأبدو مشوهاً ، هولي .
_ على المدى القصير ..أجل .. لكنهم يقومون بالمعجزات في جراحات التجميل هذه الأيام . على أي حال ، الجروح لاتهم ، إلا إذا تركتها تؤثر في تفكيرك ... أعرف هذا .. كان لدي ندوب كثيرة .
التوى فمه : كنت أفكر ما مدى تأثرك بها فمن الصعب على الزوجة أن تحاول تخبئة زوجها .
_ أهذا كل ما أنت فيلكس ؟ مجرد وجه ؟
كانت تتحداه .. تهاجم الجدار الذي سيبنيه بينهما قبل أن يضع الأساس .
_ أتظن أن هذا كل ما يهمني ؟.
لم يرد فوراً وأحست هولي بتوتره .. لكن من المهم أن يفكر ملياً في ما قالت وأن يقيس بالضبط وزن الحقيقة وألا يسمح لشيء بالتأثير في حكمه . لذا لم تسارع للحديث عن تجربتها .
قال بجد :
_ هولي ، لست مغفلاً .. بل أنا واقعي وما زال عندي حياتي ، وهذا أمر إيجابي .. هناك أشياء أرغب في القيام بها .. وأن أكون أباً لطفلنا أحد الأشياء .. ولأجل هذا .. سأبقى دائماً ممتناً لك ، لكنني أعرف أن التغيير يولد التغيير ، في الأسباب والتأثير .. ولكن يبقى هناك بعض ردات الفعل التي لايمكن السيطرة عليها .. وبصراحة ، أفضل أن أتذكر ما كان بيننا على أن ..
_ على أن تراني أجفل من منظرك .. أليس كذلك فيلكس ؟ فهمت ما يعنيه .
_ شيء من هذا القبيل .
لوت السخرية فمها قليلاً وردت :
_ أتذكر ذلك الصباح الذي التقينا فيه على مائدة الفطور لنناقش أمر لوحة أبي .. لقد صنفتني وقلت إني إحدى الجميلات التي تؤمن أن الألماس أفضل صديق لها .. لم تكن يومذاك تعرفني . ولكنك ما زلت تجهل أشياء كثيرة عني فيلكس . أترى ، أنا لاأفكر أنني جميلة .. فأنا الشخص الذي يعيش وراء هذا الوجه ، مهما كان مظهره .. ولقد صممت الرأي على هذا منذ زمن بعيد ، منذ كانت أمي تقرف من مظهري .
_ منك ؟ لماذا ؟
_ لأنني كنت مشوهة .. ففي سنوات المراهقة لم يكن هناك ما يمكن لأحد أن يفعله من أجلي . كنت أعاني من عدم توازن هرموني جعل وجهي في أفضل الحالات ، أضحوكة اجتماعية .. حتى بعد أن توازنت هرموناتي ظلت الندوب التي محوتها أخيراً بعلاج خاص بأشعة اللايزر .
التقطت يده تمررها على خدها :
_ هذه البشرة التي تشعر بها عمرها فقط سبع سنوات .. قبل هذا .. تعلمت الكثير عن الناس ، تعلمت وسائل السيطرة التي أستطيع بها إيقاف أي شخص أو أي شيء عن سحقي . وتعلمت ما هو مهم حقاً لي .. أو تعرف ماذا وجدت أنه الأهم ؟ الأمر بسيط .. الأقل أهمية فيلكس ، هو الجمال لايتعدى عمق البشرة .
سحبت نفساً عميقاً :
_ والآن حبيبي ، ستتعلم هذا أيضاً .. وكنت أتمنى ألا تضطر إلى ذلك لأن الأمر قاس ومؤلم ولا
أتمنى هذه التجربة لأي إنسان ..لكن هناك شيئاً واحداً يمكنك الاعتماد عليه فيلكس وهو أن عيني
لن تجفلاً منك أبداً .. ولن تراني أكثر ألماً .. أو أطلب ، أو أدعو الله ، أن تكون الأمور مختلفة . لأنها ليست مختلفة .. ويجب تقبل هذا .
تمتم مستغرباً : " من هنا تعلمت السيطرة " .
_ السيطرة .. وأشياء أخرى . لقد اتخذت قراراً على قواعد خاصة بي أعيش عليها .يوم التقينا أحسست الشيء عينه فيك .
ابتسمت لأنها رأت الإعجاب يزحف إلى عينيه غصباً .
_ لقد دعوتني بالملكة المتوحشة الهمجية .. في فكري كنت أنت الملك المحارب القادر على غزو العالم وجعله ملكه ، هذا شيء في داخلك فيلكس .. شيء يثير رد فعل عميق في داخلي .. وأنت الرجل الوحيد الذي أثر بي أو سيؤثر بي يوماً .
ازداد عمق صوتها وهي تردف : أعرف أنك تحبني فيلكس . وقد لاتخبرني هذا أبداً ، ولا أهتم . ففي أعماق قلبي ، أعرف أنك تحبني .. كما أعرف أنني أحبك .. وأنت عندي مميز وشخص فريد .. وليس بمقدور أي رجل أن يحل مكانك .. أنت .. الشخص الذي يعيش وراء وجهك .. أنت هو مكاني .. وهذا هو كل المهم لي ، ولاشيء غيره . أنا أنتمي إليك وسأقوم بأي شيء ..
نعم أي شيء ممكن بشرياً ، لأبقيك معي .
اشتدت يده بقوة ساحقة على يدها.. مرة أخرى لم تحتج.. هذا وقت اتخاذ القرار، كل قوى حياتها متوقفة تنتظر رده. أغشت مشاعر متشوشة عينيه، للحظات.. لكن، حين تكلم، كان صوته رقيقاً هادئاً: سيدة ويستون.. لقد عقدت الآن اتفاقاً.. لست واثقاً إن كنت لن تندمي، لكنك مساومة رهيبة.. وامرأة شرسة. هذه المرة حققت صفقة بكل تأكيد.
ظهر ارتياحها الداخلي في ابتسامة أضاءت وجهها بجمال حبس أنفاس فيلكس، وجعله يتساءل عما إذا كان مصيباً بتمسكه بها:حسناً.. سيدة ويستون أعتقد أن الوقت حان لتتعلمي شيئاً من المساواة..من الجيد القول إنني شريكك، لكن يجب أن تعني هذا حقاً.. وأنوي إلزامك بالاتفاق، مهما يكن.. وأعتقد أننا سننجح معاً.
بعد أيام لم يعد هناك داع لبقاء هيذر.. فقد مرت الأزمة..ولاحظت هولي تململ أمها، فقالت لها إن جول ربما بدأ يشعر بالوحدة. لكن أمها كرهت الرحيل ثم ما لبثت أن وجدت الأمر منطقياً فكل شيء يسير على مايرام وهكذا عادت إلى بوسطن،آمنة في نفسها أكثر مما كانت يوماً في حياتها. وعندما ستأتي ثانية ستطلب من جول مرافقتها وسيكون ذلك عندما ترزق هولي بطفلها.
كان الشهر الذي قضاه فيلكس في المستشفى امتحاناً قاسياً للصبر، ولكن هولي بذلت ما بوسعها لإنارة أيامه.. انتزعت اللصوق عن الجروح في وجهه ودهشت هولي للعمل الرائع الذي قام به الجراح. لكن فيلكس تذمر متجهماً بأنه يبدو كابن فرنكشتاين وهذا ما أثارها.. فمن هو كي يتذمر؟ ضحكت هولي، وقبّلت الالتواء الساخر على فمه، وقبّلت الندوب التي تظهر مدى حبه لها تتركه يعرف أن لاشيء فيه ينفرها منه. ومع مرور كل يوم، لم يتغير تصرفها. وشيئاً فشيئاً أخذ الاسترخاء سبيله وبالتدريج بات يؤمن أن مظهره غير مهم بالنسبة لزوجته، حتى أنه بدأ يصرف النظر عن الندوب كأمر غير مهم له. فهذه الندوب سرعان ماتزول.. ولكنه تذكرها بحدة على يد أمه وزوجها.. وردة فعلهما.
حاول جاك إخفاء صدمته و التصرف بشكل طبيعي.. لكن الصدمة كانت في عينيه وفي تحيته.. أما أمه فقد حدقت إليه والدموع تجري على خديها.. أبعد فيلكس وجهه عنها ونظر إلى هولي الجالسة قربه.. اخترقت عيناها الرماديتان عينيه.
وعرف.. عرف ما مرت به.. وما تفوقت عليه.. قوتها الذاتية الداخلية أشعلت المعدن الذي في داخله.. فهذا شيء يجب أن يعايشه لفترة قصيرة فيما كان عليها هي أن تعايشه لسنوات. وتصاعد الاحترام الذي يكنه لهذه المرأة، زوجته، إلى درجة ملأت روحه ببهجة لم يعرفها من قبل..إنها مميزة.. فريدة من نوعها.. وهي له.. وستبقى هكذا دوماً.
قال:" أكدت لي زوجتي أن بالإمكان فعل المعجزات بالجراحة التجميلية هذه الأيام..لذا، ابتهجي أمي.. سأبدو أفضل بكثير بعد الجراحة التالية.. وإن يحدث هذا.. فماذا يهم؟ لدي حياتي ولدي أمور كثيرة أقلق عليها عدا قليل من التشوّه".
نظرت دونا بتساؤل إلى هولي، ثم هزت رأسها وسحبت نفساً عميقاً وواجهت بعمق ابنها مجدداً: أمامك حياتك.. قال لي جاك إن ماحدث كان ضرورياً.. فقد وضع أخيراً كل أشباح الماضي في مكان تستريح فيه..
قاطعها فيلكس بحزم: لا..أمي! ليست أشباح الماضي في سوى عقول الناس.. والذي حدث كان للمستقبل.. لو وصل ذلك الثور إلى هولي، لقتلها. كل مافعلته هو أنني حميت مستقبلي.. ومستقبل حفيدك.
قالت الأم بحنان: أنت محظوظ لوجود هولي كزوجة لك.. وأنا مثلك محظوظة لأنني متزوجة من شخص كجاك.
مرة نظرة استغراب وعدم تصديق على وجه جاك، الذي شعّت عيناه حتى بدا أصغر بسنوات.
قال بمرح: من الرائع أن يكون المرء حياً.
ثم عبس في وجه فيلكس: كيف تشعر الآن بعدما عرفت أنك ستصبح أباً؟
منذ تلك اللحظة أخذت الزيارة منحاها الطبيعي العائلي.. وأدهشت دونا الجميع بالقول إنها وجاك سيزوران

بندنير داونز في المستقبل لرؤية حفيدهما.. وكان هذا هو الإعلان الحقيقي أن الماضي مضى وشأنه، وأن المستقبل سيكون صافياً خالياً منه.
أحست هولي بسعادة عميقة لأن الأمر انتهى أخيراً.. ولأن جيل الألم تخلى عن مكانه لجيل جديد.. جيل يأتي فيه الاحترام والحب والعائلة في المقام الأول. وطفلهما سيولد، ويترعرع في هذا الجو. فماذا يريد أي شخص غير هذا؟ ولن يمزق غير هذا؟ ولن يمزق شيء هذا الحب. لن تسمح لهذا أن يحدث.. أبداً.
مع ذلك ، كانت هولي متعجبة في سرها للطريقة التي تصرف بها فيلكس بعد خروجه من المستشفى، ليواجه مجتمعه الحقيقي مرة أخرى. بدا أنه لم يكن يهتم بالنظرات المختلسة إلى ندوب الجروح على وجهه أبداً..كان يرفع رأسه عالياً ويسير منتصباً.. إنه رجل، وليس ولداً..رجل بين الرجال..
حين عادا إلى بندنير داونز، كان هو من أراح الجميع بمرحه وقبوله بوجهه المجروح. و انمحت الصدمة والشفقة بسرعة لتحل مكانها سعادة الجميع بأنه ما زال حياً.. واستعادت الحياة مسيرتها الطبيعية وعاد العمل وكأنه لم يتأثر بشيء. تحولت الأسابيع إلى أشهر.. وتحسرت هولي لأنها فقدت شكلها الجميل.. قالت ذات صباح: يجب أن أشتري كومة من ثياب الحمل حين ننزل إلى أيدلايد لجراحتك التالية فيلكس، لقد أصبحت سمينة.
تقدم إليها ولف ذراعيه حول وسطها وتحسس بطنها بحنان.
تنهدت بسعادة: على الأقل، مازلت تريدني.
تمتم:" سأريدك دائماً".
وداعب أذنها برقة.
ـ حتى وأنا منتفخة كثيراً؟
أدارها لتواجهه.. لم تكن عيناه مغشيتين برغبة بها لكنهما كانتا تحترقان بالمشاعر.
ـ كيفما بدوت..أو ستبدين يوماً..أنت امرأتي هولي..زوجة فكري وروحي وقلبي. ولا أحد يمكنه الحلول مكانك.. لأن هنا هو أعماق مكانك.. لم أعد أقدر أن أبعد نفسي عنك، حتى ولو أردت.. وأنا لا أريد. أعرف أنك لست بحاجة لأعترف لك بهذا..لكنني أحتاج أن أقولها.
وتابع فيلكس: أريد منك أن تعرفي أنني أحس بالشيء الذي فيك، والذي يناديني. ولهذا تزوجتك..لهذا لم أستطع إبعاد نفسي عنك مع أن تحفظي الذاتي كان يملي علي العكس.. أنت الرد على كل ما أردته يوماً.. وأن أقول لك.. أحبك..لأمر بسيط. سأحب طفلنا..أما أنت..
لف ذراعيه حولها وسحقها إليه: أنت ..من أتمسك به. أنت من لن أتركها أبداً.
وأحست بقلبه يخفق على صدرها.. مع قلبها.. وعرفت أن كل الأبواب أصبحت مفتوحة أخيراً..و أنها لن تقفل بعد اليوم أبداً.



تمــــــــــــــــت بحمد الله





ارجوا ان تحوز على اعجابك

((من فضلكم لا تنسوا التقيم))

:no no::no no::no no:



التعديل الأخير تم بواسطة Just Faith ; 29-11-17 الساعة 06:15 PM
taman غير متواجد حالياً  
التوقيع











رد مع اقتباس