عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-17, 12:43 PM   #8

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

-6-
“إياك ان تحلم إلى الدرجة التي تنسى فيها الواقع، وإياك أن يحاصرك الواقع إلى الدرجة التي تنسى فيها أحلامك.”
محمد الرطيان – وصايا
******
28 يونيو 2004، الساعة العاشرة مساءًا
القاهرة
رُغم قصر لياليه، إلا أن تلك الليلة من شهر حزيران بدت طويلة كأمد الدهر! فهاهو القمر يكشف عن شيء من وجهه الناصع باديًا وسط الغمام وكأنه ينظر إليها مشفقًا، يتأمل خطواتها البطيئة المحملة بأطنان أحلام تمطت وتحركت من مكمنها كجني مصباح حيث كان ما رأته اليوم من أحداث كفيل بفرك هاك الفانوس الصدئ بداخلها مطلقًا العنان لكل أحلامها المكبوتة التي حبستها في قمقم الاستحالة وألقته بإهمال بغياهب جُب معاناتها اليومية؛ إلا أن مياه البئر الآسنة فاضت وطفى الفانوس على سطحها لتمتد ذكرى ما حدث اليوم فتفركه بعنف لينطلق المارد من محبسه ويسيطر على وجدانها بأسره فلا تجد مفرًا من تعاطي شيء من هاك المخدر الشرعي. صوَّر لها ماردها فارس... يعشق كل تفصيلة بها... يذيبها بمعسول كلامه وشجاعة إقدامه.. يحارب العالم من أجلها... ينتشلها من بئر معاناتها الآسنةُ مائه إلى محيطٍ برحابة كون. تسير في أحد الأزقة الخلفية المقفرة لحي بولاق الدكرور.. تتأمل واحدة من تلك البنايات العشوائية التي تم وقف بنائها والتي دائمًا ما كانت تغيظها.. إلا أن أشباح الليل وغيوم القمر جعلت ماردها يصورها قصرًا تبصر به حياة هانئة بينها وبين رجل قلبه أكثر خضارًا من عينيه. أرتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيها لم تلبث أن تختفي وينقبض قلبها وهي تفتح باب منزلها عندما وصلها صوت غليظ يصيح "يعني إيييه مافيييش أكل..؟؟؟ عايز أتنيل أطفح ..!"
دخلت وأغلقت الباب وقد تبددت أحلامها كفقاقيع هواء خاوية ليصلها صوت أمها.. "والله عايز تاكل سيب فلوس أشتري بيها أكل.. قال أطبخي يا جارية يا سيدي كلف.. ويا ريتني محصلة جارية... ده أنا باخدم فيك انت وولادك ولا باخد منكم لا كلمة حلوة ولا أي حاجة عدلة.."
صاح أبيها.. "هوا أنا مش لسة سايب لك خمسين جنيه أمبارح يا ولية أنت..؟"
قالت أمها بسخرية.. "خمسييين جنيه..؟؟ ودول يقضوا إيه بقى إن شاء الله..؟؟ فطار واللا غدا واللا عشا لعيالك..؟ ما انا جبت...
- قلت لك دبري نفسك معيييش فلوس اليومين دول... لكن تدبري إيه... ما هو لو أنت ست زي بقيت الستات كان زمانك عارفة تدبري عيشتك.. لكن طول عمري عايش في القرف ده.. لا بلاقي لقمة عدلة ولا بيت متنيل نضيف... ماوراكيش غير الرغي مع الجارات وفلانة عملت وعلانة سوت...
- يا راجل اتقي الله وبوس إيدك وش وضهر إني رضيت أرجعلك أنت وعيالك.. وبدل ما تصرف فلوسك على السرمحة ورا النسوان تعالى اقعد في بيتك وحاجي على عيالك.. شوف أخواتك بيعملوا إيه مع عيالهم واتعلم منهم... ممعاكش فلوس وانت بتخرج كل يوم من صباحية ربنا لحد بالليل وقال إيه في الشغل..؟ شغل إيه ده اللي مابيأكلش عيش حاف..؟؟
صاح أبيها بغلظة أكبر: - أحترمي نفسك يا ولية احسن ليلتك مش فايتة... مين ده اللي بيتسرمح ورا النسوان..؟؟ الحق عليا إني باخرج الف على شغل هنا وهنا عشان أصرف عليكم...!!
- هي هيء.. شغل..؟ سلامات يا بو شغل.. ده أنا اللي شايلة مصاريف البيت ده من زماان.. دايمًا ذاللني وحاوجني ومخليني أمد إيدي للي يسوى واللي مايسواش لحد ما خلاص مابقاش حد يديني حاجة ولا يبص في وشي..
حاولت نهى سد أذنيها وكتم ادمعها بداخل المقل... تمنت لو تمتلك ترف فقدان الوعي... تمنت لو طار عقلها أو فقدت القدرة على الاستيعاب.. إلا أنها لازال صوت أبيها الغليظ المرتفع يصلها وهو يصرخ:
- ما تهرتليش في الكلام وتكذبي على نفسك... طول عمري وأنا باصرف عليكم... ولمي نفسك وقولي يا مسا احسن لك...
- لا والله..؟ ناوي تعمل فيا إيه أكتر من كدة..؟ كل يوم طولة لسان وشتيمة وإهانة وأنت المفروض تحمد ربنا وتبوس ايدك وش وضهر انك متجوز واحدة زيي ماتطولهاش ولا حتى في أحلامك... أحسن منك ويتمنى لي الرضا أرضى بس أعمل إيه في قسمتي...
صاح أبيها بهياج: - مين ده اللي أحسن مني..؟ أنطقي ...
صرخت أمها: - بترفع إيدك عليا .. ياللا كملها وأضربني اضربني يا إسماعيل ..
انتفضت نهى لصراخ أمها وخرجت من غرفتها التي لاذت بها مسرعة لتجد أخاها الأكبر قد أمسك بذراع أبيهم المرفوعة على أمهم محاولاً تهدئته وهو يقول : - خلاص يا حج بقى خلاص حقك عليا كبر دماغك...
دفعه أبيه بعنف ليسقط على الأرض ويصيح به: - مين ده اللي يكبر دماغه ياض يابن الـ***... أحترم نفسك وكلم أبوك عدل ..
ثم قام أبوها بخلع حزام بنطاله وهوى به على أخيها صارخًا: - مش بكفاية عمال تسقط لي في الكلية اليتيمة اللي قبلتك وولا هامك.. عامل زي العجل ماوراكش غير الأكل والشرب يا ***.. أكل ومرعى وقلة صنعة... وفي الآخر جاي تقولي كبر دماغك يا ابن الـ***....
جرت اختها الصغرى هاتفة: - يا بابا سيب أخويا حرام عليك... كفاية كدة بقى...
دفعها أبوها هي الأخرى بقوة لتسقط أرضًا فأخذت أمهم تصرخ وهي تلطم وجهها: - ألحقوووني يا ناااس هايضيع لي عيالي... يا مصيييبتيييي.... منك لله يا إسماعيل...
نهض أخوها مهانًا وعيناه تطق شرارًا ثم توجه مهرولاً نحو بابا المنزل، أسرعت نهى بارتداء حجابها مرة أخرى لتخرج من المنزل جريًا وراء أخيها خوفًا من أن يصيبه مكروه بعد ما فعله به أباه، وجدته ينضم إلى زمرة أصدقاء، فاقتربت أكثر دون أن يراها تحاول الاطمئنان عليه..
- ماااجد باشا أزيك يا اسطى... مستنينك من بدري... كنت فين..؟
قال أخوها ماجد : - مافيش.. أبويا بس كان في البيت.. المهم جبت الحاجة..؟
أخرج احدهم ورق ما أخذ يلف بداخله مسحوق لم تتبينه جيدًا قائلاً: - أمسك يا معلم .. أضرب دي وهاتنسيك نفسك.. مش سيجارة عادية دي... أمسك يا غالي... ولع له ياض يا عدلي...
أمسك أخوها السيجارة بين أصبعيه وقام آخر بإشعالها وهو يقول: - تعالى معانا بقى نعرفك على البت ناني صاحبة جي جي صاحبتي... بت صاروخ وهاتعجبك..
ضحك ماجد قائلاً وهو يسير معهم: - ياللا بينا على نااااانيييي ... أاناااني ...
سار مبتعدًا عنها وهو يصيح بطريقة غريبة مع أولئك الأشخاص... لا... بل مع أولئك الشياطين. فاضت عيناها بالدمع وقد أشتعل قلبها بنيران تلك السيجارة. إنها تشهد شقيقها ينزلق في هوة سحيقة ولا توجد ثمة يد تمتد لتخرجه منها. دومًا هارب من بيت يلفظه بكل من فيه ليتسكع في الطرقات تتقاذفه الأزقة الضيقة يبحث عن حياة.. أي (حياة) يهرب بها من موتٍ في صورة بيت. وأول حياة وقع في براثنها يبدو أنه وجدها مع تلكم الرفقة التي اتسعت لطيبته وسذاجته وصار هو يعلق عليهم كما يبدو سعادته.
عادت أدراجها إلى المنزل وهي تفكر ماذا عساها أن تفعل..؟ أتخبر أباها الذي لن يعرف سوى ضرب شقيقها الذي تخطى العشرين من العمر..؟ أم تخبر أمها التي لا تملك أن تفعل شيئًا ولن يزيدها هذا الأمر سوى المزيد من الحزن وندب الحظ السيء..؟!! صعدت السلم متحاشية النظر إلى تلك الجارة.. لا تريد أن تعرف هل تنظر إليها بشفقة أم بشماتة..! فتحت باب منزلها ودخلت لتجد أن أصوات أبويها قد اختفت ليحل محلها الصوت المرتفع للتلفاز الذي جلس أمامه أبيها وناداها قائلاً: - بت يا نهى.. أنتِ يا بت يا نهى..
ذهبت إلى أبيها قائلة بوجع: - نعم يا بابا...
قال لها: - كنتي فين..؟
أجابته: - كنت بحاول اطمن على ماجد..
صاح أبيها في حدة: - ماتجيبيليش سيرته خالص الواد ده.. ولا تجبي لي سيرة البت بنت الـ*** التانية دي اللي لسانها مترين زي أمها مش عايز اشوفها ولا أشوف أمك الساعة دي.. ولية هم وغم ونكد لازم على طول ترفع لي الضغط ...
ردت عليه بصمت موجوع وعين يكسرها الألم، فقال بحدة: - فهمتي..؟
كادت تصرخ به كيف تريدني ألا أتحدث معك عن ابنائك وزوجتك..؟ رعيتك..!! كيف تريد أن تنسى ابنك الذي ستُسأل عنه يوم القيامة..؟ كيف ستقف أمام رب العباد..؟ ماذا ستقول له عندما يسألك عن برك بأبنائك...؟ إلا أنها تمتمت بخفوت: - أيوة..
أسند ظهره إلى الأريكة قائلاً بكلمات كالخناجر تمزق قلبها: - كويس.. روحي بقى شوفي لي أي طفح أطفحه.. حسبي الله ونعم الوكيل في امك مش عاملة لقمة عدلة ناكلها... هاتي لي أي حاجة إن شاالله لقمة بجبنة وشوية فول ماكلتش من صباحية ربنا....
حبست أدمعها وهي تقول بخفوت: - حاضر...
سارت مبتعدة عنه ودخلت تطمئن على أخيها الأصغر لتجده منزويًا في سريره يبكي ويئن وقد التف على نفسه متخذًا وضع الجنين، لم تجد بها القدرة على أن تحتضنه وتربت على كتفه في حين تحتاج هي إلى من ترتمي في حضنه وتبكي بكاءًا طويلاً.. تحتاج إلى من يربت على كتفها هي فقد امتلأ قلبها عن آخره بالألم والوجع والحسرة. أنطلقت إلى غرفة أمها المغلقة تفتحها لتجد اختها تربت على كتف أمها الباكية التي تولول: - معلش يا ولاد... أنا السبب.. أنا اللي وكستكوا بأب مبيعرفش يشيل مسئولية.. راجل ميهمهوش غير بطنه وشهواته وبس.. حسبي الله ونعم الوكيل فيه... ربنا ينتقم منه...
خرجت بهدوء وأغلقت الباب مرة أخرى ذاهبة إلى المطبخ.. حاولت الإمساك بالأطباق أو الطعام إلا أن يداها المرتعشتان أخبرتاها أنها لن تستطيع منعها أكثر من ذلك.. فالهطول آتٍ لا محالة... فتهاوت على الأرض في زاوية من المطبخ وضمت رجليها إلى صدرها وأخذت تبكي بكاءًا مريرًا وتنتفض. أخذت جاهدة تحاول طرد ما سمعته ورأته منذ قليل من مخيلتها، أخذت تضرب رأسها بكلتا يديها بقوة علَّ تلك الأفكار تختفي ... إلا أنها انتفضت عندما جاءها صوت أبيها يصيح بغلظة:
- أنت يا بت يا نهى... فيييين الأكللل...؟؟
نهضت بسرعة تعد لأبيها الطعام بيد مرتعشة، متمنية أن ترحل في أقرب وقت عن هذا المنزل.. كانت تبكي دون توقف حتى أن الطعام قد امتزج ببعض دموعها الحارة.
*******
29 يونيو 2004، الساعة الثانية فجرًا
منزل نور وتقى، القاهرة
أخذت نور تذرع الردهة بمنزلهمن جيئة وذهابًا في توتر حتى سمعت من يفتح الباب فهرعت نحو تقى التي دخلت لتوها لاهثة ثم بادرتها قائلة: - كنت فين كل ده..؟
- بادور على الحقنة ماحدش راضي يديهاني ...
صاحت نور بحدة: - يعني إيه ماحدش راضي يديهالك..؟ ماتروحي للصيدلية بتاعة الدكتور يعقوب..!
قالت تقى: - والله روحت بس الدكتور يعقوب مش موجود.. وكل الصيدليات التانية اللي فاتحة دلوقت بيقولوا لي المُسكن ده مابيتباعش إلا بروشتة... تعالي نروح لأي دكتور في المستشفى يكتب لنا روشتة وخلاص...
قالت نور بقلق: - دكتور مين اللي هايكتب على مسكن زي ده دلوقتي من غير كشف..؟ أقولك .. ياللا نجيب تاكسي ونشيل ماما عالمستشفى ...
كانت تقى خائفة جدًا فأخذت تبكي قائلة: - طب لحد ما نروح المستشفى عايزين نلحق نديها حقنة مسكن..
هتفتت نور بعصبية: - هانعمل إيه يعني إذا كانوا مش راضيين إلا بوصفة عليها إمضاء وختم طبيب والروشتة بتاعة ماما مش لاقيينها... نجيب روشتة منين دلوقت..؟ خلينا نوديها المستشفى ...
صاحت تقى: - روشتة.. روشتة... أنا هانزل عند طنط قدرية اخلي محمود يكتب لنا روشتة مش هوا دكتور...؟ وممكن كمان يكون عنده الحقن أصلاً...
قالت نور في تردد: - ماشي.. ياللا بسرعة وانا هادخل أطمن على ماما...
دخلت نور إلى أمها التي وضعتها منذ قليل في فراشها؛ كان ذعرهما شديدًا عندما سمعتا صوت ارتطام خارج غرفتيهما فخرجتا لتجدا أمهما فاقدة الوعي، حملتها نور بين ذراعيها ووضعتها على أقرب فراش، كانت أمها خفيفة الوزن إلى حد كبير فمنذ أصابها ذلك الداء اللعين وهي تخسر وزنها شيئًا فشيئًا حتى صارت نحيفة جدًا.
جلست نور جوار عُلا على فراش تلك الأولى تمسح على رأس أمها المغطى بالحجاب متأملة وجهها الأبيض الشاحب وتنشج في صمت.. أدمعها تنهمر كغيثٍ مالحٍ على صفحة هاك الوجه شديد الامتقاع أمامها بينما لسانها لا يفتر عن دعاء واستجداء ممن وحده بيده الشفاء بعدم طي صفحة العُمُر الآن. حاولت استدعاء أمانيها الخائفة.. وبث شيء من الأمل بأحلامها التالفة، إلا أن مساعيها كانت تُمنَّى بالفشل القاتل كلما حانت منها ألتفاتة إلى أمها المسجاة والتي يبدو جليًا عليها كم أرتشف المرض من وجنتي روحها. لم تجد سوى أن ترفع رأسها وترسل بصرها خارج النافذة حيث جنح الليل الهادئ... تبتهل في سكون... أنا في رحابك يا إلهي ضعيفةٌ... مأسورةٌ بخوفٍ عقيم، فهب لي رحمةً يا ربِ ونجها من هاك المرض المرير.
نعم.. فعُلا يسري عبد العال ليست مجرد أم بل هي دائمًا شمسٌ مشعةٌ عَشِقَت الحياة رغم آلامها فبددت كل الظلمات التي قد تكتنف طريقها أو طريق فتاتيها.. هي قلبٌ محبٌ يمنحهما شعورًا بالأمان.. صدرٌ واسعٌ يبتلع كل همومهما ومخاوفهما.. روحٌ تصيخ السمع لنبض قلبيهما كل صباح وتلف روحيهما بالدعاء والصلاة عند المساء.
من لي سواكِ يا أماه يكون لي قلبًا راحمًا كلما أشتد البلاء؟ من ذا يدللني كطفلةٍ صغيرةٍ مهما كبرتُ وسار بي طيف الحياة؟ من من شأنه يسابقني في صيامٍ ودعاءٍ وصلاة..؟
لم تملك سوى قلبها الذي توضأ بمزن المآقي وأرتفع فوق حدود الغيوم والقمر، وأطلق سهام دعائه حارة.. صادقة..
.. ترتفع صوت طرقات على باب المنزل.. تعجبت.. إن تقى تملك مفتاحًا فمن عساه يطرق بابهن في ذلك الوقت...؟؟ سارت نحو الباب في حذر متسائلة: - مين...؟
أتاها صوت تقى قائلة: - أنا تقى يا نور..
فتحت الباب قائلة: - ايه يا بنتي مش معاكي المفتـ....
قاطعتها تقى وهي تمسك بالباب تمنعه من أن يُفتح: - معايا ناس البسي الحجاب..
ارتدت نور عبائتها الفضفاضة المخصصة للصلاة بسرعة ثم فتحت الباب لتجد تقى يقف معها جارهن الدكتور محمود مرتديًا منامة سوداء وخف منزلي يقف على مسافة معقولة من تقى ناظرًا إلى الأرض. عقدت حاجبيها في شدة فقالت تقى بتوتر: - الـ.. الدكتور محمود أما عرف اللي حصل صمم أنه يجي يشوف ماما بنفسه ويكشف عليها ..
بسرعة البرق دارت بعقلها معادلات المكان وحيثيات الجيران.. فتاتان وأم لا يعلم بمرضها القاتل أحد وحدهن وشاب يقبل عليهن بجنح الليل والنتيجة.. سيرتهن هي قصة السمر لهذا الصيف تلوكها ألسنة قاطني وقاطنات حيهن الشعبي. سمحت نور لاختها بالدخول ثم قالت لمحمود في حزم: - أنا آسفة يا دكتور... حضرتك ممكن تديني الحقن لو موجودة معاك أنا باديهالها على طول؛ أو تكتب لي روشتة بيهم. هيا أكيد فقدت وعيها من الألم لأنها بصراحة بقالها كام يوم مابتنامش ولا بتاكل كويس من ساعة جلسة الراديوثيرابي..
رفع محمود رأسه نحوها قائلاً وقد لفت انتباهه عيناها الحمراوين وقد بدا عليهما أثر البكاء:
- معلش يا دكتورة.. لازم أفحصها الأول قبل ما اكتب الدوا.. انتِ عارفة انه مورفين.. مش حاجة بسيطة..
قالت بعند وهي تنظر أرضًا:
- خلاص مش مشكلة أحنا هناخدها المستشفى.. آسفين عالإزعاج.. سلام عليكم...
نعم.. عنيدةٌ هي ورأسها يابس، تلك التي يحفظها كظهر يده.. فكم حملها وهي ابنة العامين عندما عادت عُلا عقب وفاة زوجها إلى بيت أمها. تذهب عُلا إلى العمل.. تهتم الجدة بالرضيعة ويهتم هو بصغيرته ذات الجدائل الطويلة يأخذها ليبتاع لها حلوى فلا يعجبها شيء وتجعله يدور على كل المتاجر حتى تجد بُغيتها؛ هو فتى العاشرة الذي كان يحكي لها الأقاصيص متقمصًا دور الكبار، أصبح بعد ثلاثة أعوام فقط ينبهر بخيالها وهي تقف بشرفتها - المجاورة لشرفة منزله غير أنها أعلى- تحكي له حكايا من نسج خيالها عن أميرة جميلة دون أمير... عن سندريلا لم تفقد حذائها.. عن فتاة العسل التي لا تفقد جرتها الأثيرة من العسل مهما واجهت من صعاب ومن شدة عشقها للعسل ورثت عينيها لونه الصافي وتبعثرت بشعرها الحالك خصلاتٍ تلبست بنفس اللون، وتلك كانت حكايته لها التي حفظتها عن ظهر قلب. نعم.. نور طفلته التي بدأت تنأى في خجل كلما كبرت حتى باتت تختبئ خلف ألف حاجز شيدته حول ذاتها، لكنها – بالنسبة له - مجرد حواجز زجاجية غاية في الشفافية.. لقد كبرت على يديه، مهما اختبأت.. سيعرف متى تكون غاضبة.. خائفة... بل متى تقول "لا" وبداخلها ألف نعم..!
كادت تغلق الباب إلا أنه أمسك به قائلاً في صرامة: - أستني يا نور... ماينفعش تنزلوا لوحدكوا كدة الساعة دي... ماتتحركيش من مكانك.. هانزل أصحي ماما ونطلع .. ماشي..؟
تعلقت عينيه بها وهي تومئ في استسلام قائلة دون أن ترفع نظرها إليه: - ماشي.. متشكرة أوي ..
وما هي إلا دقائق معدودة حتى كانت طرقات الباب تتناهى إلى سمعيهما، فتحت تقى لتدخل جارتهن قدرية بوجهها الأبيض المستدير وجسدها الممتلئ إلى حد ما واضعة حجابًا كيفما أتفق على جلبابها منزلي وقد كان القلق باديًا على وجهها الذي لازالت آثار النعاس متعلقة به.
- "كفى الله الشر يا بنتي سلامة ماما ألف سلامة.." كذا بادرت قدرية تُقى محتضنة إياها، ثم تبعتها هي وابنها حيث قادتهما تقى إلى غرفتها هي ونور حيث تستلقي أمها على سرير تلك الأخيرة. شعر محمود بمدى معاناة نور التي كانت تجلس جوار أمها بنظراتٍ تائهة ممسكة بيدها، لم يملك سوى أن يحتضنها بعينيه مع امه التي احتضنتها فعليًا قائلة: - تعالي يا حبيبتي تعالي يا بنتي خير إن شاء الله.. دلوقت محمود يكشف عليها وتفوق وتبقى زي الفل..
أفسحت نور المجال ليمر محمود ويضع حقيبته مخرجًا سماعته الطبية وجهاز قياس الضغط ويبدأ في فحص أمها، وعندما انتهى قال: - النبض ضعيف جدًا والضغط منخفض... لازم نعلق محلول الأول ونشوف كدة هل هاتحتاج تتنقل للمستشفى واللا لأ.. أنا هانزل اشتري اللازم وأرجع فورًا..
نهضت نور توصله إلى باب المنزل المفتوح أصلاً، فاستدار قبل أن ينزل ونظر إليها بعمق قائلاً بصدق:
- ماتخافيش يا نور..
حانت منها التفاتة لتلمح عيناه الخضراوان اللتان طالما سخرت منهما وهي صغيرة...
عيناه اللتان كانتا منبعًا للأمان بالنسبة لطفلة لا أب لها ولا أخ، طفلة لم تجد في حياتها سواه يحنو عليها..
عيناه اللتان عادتا يشملانها بنظراتٍ عميقة حاولت تلاشيها منذ زمن إلا أن تلك الألتفاتة السريعة كانت كافية...
كافية ليعاودها شعور الطفلة ذات الخمس سنوات المتشبثة بيد محمود الكبيرة في أمان..
كافية لتبدد جبال الجليد التي انتشرت بكيانها وتهبها دفئًا عجيبًا، حيث أخذت بقايا الأمل المحطمة بداخلها تنفض عن نفسها البرد وتزدهر في هذا الدفئ المفاجئ. قرع قلبها طبول الإنذار، فخفضت رأسها في خجل متمتمة: - شكرًا..
هبط الدرج بسرعة مُخلِّـفًا بقايا عطره لتعود إلى أمها محملة بها، تنظر إليها ثم تنحني إلى أذنها هامسة:
- "قلتي لي أثق في سهام الليل يا أمي.. وأنا واثقة.. أنك راجعة... مطمنة.. وهاطمنك.."
***


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس