عرض مشاركة واحدة
قديم 18-12-17, 12:45 PM   #10

Just Faith

مراقبةومشرفةسابقة ونجم روايتي وكاتبة وقاصة وملكة واحة الأسمر بقلوب أحلام وفلفل حار،شاعرة وسوبر ستارالخواطر،حكواتي روايتي وراوي القلوب وكنز السراديب

alkap ~
 
الصورة الرمزية Just Faith

? العضوٌ??? » 289569
?  التسِجيلٌ » Feb 2013
? مشَارَ?اتْي » 145,786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » Just Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond reputeJust Faith has a reputation beyond repute
?? ??? ~
جروبي بالفيس (القلم وما يهوى)https://www.facebook.com/groups/267317834567020/
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

- 8 –

" قد يكون أدق خيط من خيوط آمالنا، هو أغلظ حبل من حبال أوهامنا ...! "

مصطفى صادق الرافعي، أوراق الورد

***

24 نوفمبر 2011، في الطائرة

الساعة 00:30

رفعت رأسها عن تلك الكلمات التي كلما قرأتها طارت بها دون الحاجة إلى طائرة، تنظر من النافذة لتطالعها أولى خيوط الشمس الغضة التي تجاهد لاختراق السحب المنشرة حول الطائرة كحقول بيضاء خرافية، نظرت نور إلى وجهها المنعكس بزجاج النافذة على هاك المشهد الساحر لتشعر وكأن روحها قد حررتها تلك الكلمات الفياضة بالمشاعر والأحاسيس وتخطت حدود الطائرة لترفرف بالخارج حتى أنهت آخر كلمة من كلمات الرافعي الذي كلما قرأت له كتابه هذا انتشلها من تكابل الأحزان وشيء من اليأس يتسلل إلى قلبها، أغلقت الكتاب وهبطت رحلتها الجوية الخاصة في فلك الرافعي إلى عالم الواقع. صغيرها لا يزال يغط في سبات عميق على رجليها ومقعده... أما مقعد زين فيبدو شاغرًا، لم تدر متى نهض لكنها تمكنت من التطلع إلى الطائرة الضخمة وبعض ركابها. الكثير من البشر بمختلف الجنسيات والتوجهات والأعمار قد اجتمعوا في مكانٍ واحد إلى وجهة واحدة، وأخذ كل منهم يزجي وقته بطريقته الخاصة.. منهم من يقرأ كتابًا ومنهم من يطالع جريدة ومنهم من انهمك باللعب على جواله ومنهم من راح في سبات عميق ومنهم... ومنهم من هما في عالم آخر على ما يبدو. كان يبدو أنهما زوجين شابين حديثي الزواج... كان يحيط كتفيها بذراع ويمسك بيده الأخرى كفها بينما أسندت رأسها على كتفه تتحدث حديثًا لا يسمعه إلاه. الخاتم الذهبي يتلألأ بخنصرها حيث يضغط عليه بيده ليبدو خاتمه الفضي بدوره. ارتسمت على شفتي نور ابتسامة باهتة... ابتسامة مريرة.. بينما تنهمر الذكرى كالمطر على قلبها المعبأ بالهموم.. ذكرى أول خاتم طوق خنصرها.

***

1 أبريل 2005،

منزل نور وتقى، القاهرة

الدوار.. الإغماء.. التوهان... الآلام المبرحة... كلها صارت روتينًا يوميًا لعلا التي بدأ المرض الخبيث ينتشر بجسدها ويستولي على كل منطقة به رافعًا راية الألم. تركت العمل ولم تغادر فراشها منذ أن عالجها الدكتور محمود جارهن حيث إنها لم تخرج من دوامة الآلام والإغماءات. كان قلقها على بنتيها كبير وهي تعلم يقينًا أن أيامها في الحياة صارت معدودة.. تعلم جيدًا أن الله أحن منها عليهما، فكانت تستودعهما الله وتدعو لهما أن يرزقهما من عبيده من يكون سندًا لهما في حياتهما. حتى جاء اليوم الذي ظنت به علا أن دعواتها قد استجابت عندما دخل عليها الغرفة محمود ومعه امه قدرية للاطمئنان عليها.

- لاااا شكلك أحسن النهاردة يا علا وشك منور باسم الله ما شاء الله ...

قدرية بخمارها الرمادي وعبائتها الكحلي ووجهها الأبيض الممتلئ المبتسم الذي لم يكف عن الإطلال عليها بين الحين والآخر، ابتسمت علا لتلك الجارة والصديقة التي كانت تثبت استمرارية تطبيق القاعدة التي تقتضي الحب بين الجيران والاصدقاء دون منفعة او مصلحة تذكر بعد أن كثر شواذ تلك القاعدة حتى ليظن المرء أن البعد والجفاء وعلاقات المصالح صارت هي القاعدة وأن المشاعر الطيبة لامرأة مثل قدرية هي شواذها.

- الحمد لله على كل حال وفي كل الأوقات على السراء والضراء...

انتهى محمود من فحص علا ثم قال: - ربنا يرفع عنك يا خالتي ويجعل ايامك كلها سرور..

قالها ثم جلس على مقعد مجاور للفراش بجوار أمه ناظرًا إلى الأرض، فقالت قدرية بسعادة: - لا إن شاء الله تبقى الأيام الجاية كلها فرح وسرور وشربات وزغاريد...

نظرت إليها علا بعينين منهكتين مستفهمة ثم قالت: - مش فاهمة يا قدرية قصدك إيه...؟!

ضحكت قدرية ثم وكزت ابنها وهي تقول: - ما تتكلم يا دكتور... قول لخالتك الشعر اللي سمعتهولي امبارح...

نهض محمود قائلاً: - أ ... أنا هامشي دلوقتي وهاستناكي تحت يا أمي...

ضحكت قدرية بينما قالت علا: - فيه إيه يا قدرية ماتفهميني...

- على بلاطة كدة يا علا محمود ابني عايز يخطب نور بنتك... قلتي إيييه..؟

صمتت علا وقد غمرتها الفرحة... نعم... إنها لا تتمنى لنور أكثر من ذلك... إنها تعرف محمود منذ أن كان طفلاً صغيرًا... تعرف عنه الكثير هو واسرته الطيبة... كانت تخشى أن تتزوج إحدى بناتها من شخص غريب تمامًا وتخوض تجربة مريرة لا تريد علا لأي من بنتيها أن تقع فيها بدورها، لكم جاهدت كي تحفظ قلبيهما الصغيرين كي لا يخفقا إلا للشخص الصحيح في الإطار الصحيح... وهاهو محمود... لن تطلب منه سوى أن يحافظ على ابنتها وتوقن جيدًا أنه لن يخذلها.. ستعقد آمالها عليه، فهو كما تعتقد.. رجلٌ يُعتمد عليه وهي أهم خصلة فيمن تريده زوجًا لابنتها. أبدت علا لجارتها عدم ممانعتها لطلبها، إلا أنها يجب أن تسأل ابنتها قبل أن تعطيهم ردًا نهائيًا.

وعرفت علا رد نور عندما عادت من الكلية وعرضت الأمر عليها فتورد خديها بحمرة الخجل ونظرت إلى الأرض وكادت علا أن تسمع ضجيج دقات قلبها.

- يعني موافقة..؟

لم ترفع نور عينيها من على الأرض وهي تتمتم: - اللي حضرتك تشوفيه يا ماما ...

هتفت تقى متنغمة بمرح: - اللي حضرتك تشوفيه يا ماما.. إيه ده يا ختي ده... ماهي واضحة اهه زي الشمس... مـ و ا فـ قـ ـة...

ضحكت علا قائلة: - بطلي بقى يا غلباوية عقبالك كدة ونشوف هاتقولي إيه أما حد يتقدم لك...

قالتها ثم شردت مردفة في ألم: - ده لو ربنا أحياني لحد ما اشوف اليوم ده..

هرعت كل من نور وتقى إلى أمهما يحتضناها وقالت تقى بسرعة: - ربنا يبارك في عمرك ويديكي الصحة وطولة العمر لحد ما تشوفي ولادنا وولاد ولادنا كمان...

دمعت عينا نور وهي تقول: - ربنا يخليكي لينا يا ماما..

مسحت علا الأدمع الهاربة رغمًا عنها من عينيها وهي تقول: - إيه ده.. أحنا هانحول الفرح لدموع واللا إيه..؟ ياللا يا نور صلي استخارة وبلغيني بردك النهائي عشان أبقى أرد على أم محمود أصلها موصياني أبلغها بالرد أوام أحسن الدكتور قاعد تحت على نار...

ازداد احمرار وجه نور وأشاحت بعينيها متمتمة: - حاضر يا ماما

بينما قالت تقى: - أيوة يا عم ماشية معاااك...

استأذنت نور أمها ثم خرجت من الغرفة وقلبها يخفق بجنون كطبول إفريقية.. لم تدر أهي سعيدة أم خائفة.. لكنها كانت متأكدة من شيء واحد فقط... إنها مطمئنة... مطمئنة بقلبها وعقلها معًا... محمود الذي حملها طفلة وأحاطها برعايته سيستمر في ذلك... محمود يعرف حالة أمها ولن يمانع من بقائها بجوارها أبدًا... كما إنه طبيب وسيساعدها على إتمام دراستها التي تعشقها. ذهبت نور للتوضأ كي تستخير الله في ذلك الأمر وتسأله أن يقدر لها الخير حيث كان... ويرضها به.

***

25 إبريل 2005،

منزل نور وتقى، القاهرة

وهاهي ذي نور بحجابها المحتشم الأنيق تجلس في ردهة منزلها البسيطة التي تم تزيينها ببساطة يلتف حولها أمها واختها وصديقة عمرها نهى وصديقات الكلية الجدد وجارتها إحسان وبعض الممرضات زميلات علا فوزية ونعمت واسماء وابتسام وأم هشام عاملة النظافة... بينما تجلس بجوار نور الست قدرية يليها ابنها محمود ثم أبيه الأستاذ حمدي واخته رحاب وعمته القادمة من بلدتهم بالمنصورة.

"جمع ووفق... بنت الأصول لابن الأصول

جمع ووفق.... طيب وينول طيبة وتنول

عيلة ونسب وجمال وحسب... جمع ووفق

وكفاية الاتنين عندهم الدين... ويا رب يوفق

يا رب يوفق ..."

انسابت الأناشيد العذبة من جهاز تسجيل قريب بينما تحيط أم محمود أصبع نور بخاتم الزواج الذهبي ثم تستدير لتضع في اصبع ابنها خاتمه الفضي وتطلق أم هشام الزغاريد وتقدم الشربات.

"من بين بنااات وبناات وبنااات

حبها هيا الوحيدة

وإن شالله يجيبوا صبيان وبنات

صبيان وبنات

ويعيشوا في دنيا سعيدة

جمع ووفق .."

كان الجميع يصفق مع الأناشيد ويبتسم لكن ما كانت تحمله تلك الابتسامات من مشاعر هو الأهم.. فبعضهم كان يبتسم فرحًا حقًا والبعض يبتسم حسرة وآخرون يبتسمون غلاً وحسدًا.. لم تتمكن أي من نور أو علا اكتشاف كنه تلك الوجوه الباسمة التي تحيط بهم والتي قد تصير ابتسامتها لاحقًا.. خنجرًا مسمومًا.

انتهى حفل الخطبة وبعد تناول العصير والشاي والكيك والمخبوزات التي أعدتها كل من نور وتقى رحل الجميع ثم نهضت اسرة محمود تستعد للرحيل فأخذت علا تودعهم، إلا أن محمود لم ينهض ونظر إلى نور عبر مكان أمه الفارغ بالأريكة قائلاً: - مبروك يا عروسة...

ابتسمت نور في خجل وهمست مطرقة برأسها: - الله يبارك فيك..

عبس مازحًا وهو يقول بغضب مصطنع: - كان نفسي تلبسيني الدبلة...

لم تحر نور جوابًا إلا أن خديها زادا اشتعلاً، فأردف: - خلاص يا ستي.. ملحوقة.. بعد كتب الكتاب إن شاء الله مش هاقبل إلا أنك تلبسيني دبلتي وانا البسك دبلتك...

أومأت نور في خجل شديد ألجم لسانها وجعلها غير قادرة على تبادل الحديث معه، حين نادته أمه قائلة:

- ياللا يا عريس .. والا انت ناوي تقعد هنا للصبح..؟

نهض وعينيه لازلتا معلقتين بنور قائلاً: - مع السلامة يا أحلى حاجة في حياتي.. أبقي بصي كويس على سريرك قبل ما تنامي... تصبحي على خير..

قالها ثم رحل فنهضت نور مسرعة إلى فراشها لتجد باقة ورد جميلة عليها بطاقة مكتوب عليها "إلى أجمل وردة رأتها عيناي.. تصبحي على ورد وريحان"

عقدت حاجبيها في تعجب ثم نظرت متسائلة إلى تقى التي دخلت الغرفة لتوها وهي تقول: - الواحد هلك عشان خطوبة الست نور ولاااا كأني في تالتة ثانوي ولا اي حاجة و...

قطعت حديثها عندما رأت نظرات الاستغراب على وجه نور فضحكت قائلة: - عارفة هاتسأليني إزاي وصل الورد لهنا... سي روميو بتاعك أول ما وصل قالي أحطه على سريرك من غير ما تاخدي بالك.. ممكن تسيبيني ارتاح شوية بقى..؟؟

كاد قلب نور يطير من الفرحة.. لأول مرة تتذوق طعم السعادة هكذا.. لقد جُنت دقات قلبها الرزينة وصارت تدوي بعنف من فرط السعادة. استلقت على فراشها محتضنة باقة الزهور تحلم بحياتها القادمة الممتلئة بالسعادة مع زوج يحبها ويبادلها ودًا ورحمة.

***

25 يونيو 2005،

مجمع محال أثواب الزفاف، القاهرة

الآن صارت الحياة ترتدي أروع حُللها...

الآن اختلف مذاق كل شيء... وصارت مخاوفها أشباحًا حمقاء لا تخيف دمية...

الآن لم يعد يفصلها عن أن تكون في كنف فارسها سوى أيام قليلة...

ذلك الفارس الذي أرسله القدر فجأة لتتمثل به آمالها وينتشلها من دوامة القلق والخوف الأبدية...

نعم كان محمود "على قد حاله" كما يقول وأنها ستعيش مع أبويه واخته في نفس البيت... لكن من قال أنها حلمت يومًا بكنوز كسرى أو قصور قيصر..؟؟ فكل ما تمنته من الحياة أن يرزقها الله برجل يتقيه ويحافظ على حدوده ويمكِّنها من رعاية أمها وأختها وإكمال دراستها... وهاهو محمود يأتي ويسكنها حيث أمها واختها لن يفصلها عنهم سوى بضع درجات. كانت نور تحلق في عالم من السعادة وردي اللون مخملي الملمس. منذ خطبتهما ولم يكف محمود عن محاولاته للتعبير عن مشاعره لها... كل الأفعال الصبيانية منها والمتعقلة أتاها... ورغم صدودها عنه إلا أنه كان دائمًا ما ينتزع ابتسامة شفتيها وقلبها.

- "ياللا يا نور قرري أنا تعبت من اللف والله ..."

قالتها نهى بملل.. صديقة العمر التي تقف معها دائمًا ولا تتركها لحظة... كانت ترافقها وهي تبحث في محلات إيجار أـثواب العرس لتستأجر ثوبًا لعقد زواجها الذي أصر محمود أن يتم بعد أن تنهي نور اختبارات هذا العام التي ستنتهي بعد أيام معدودة، أما تقى فقد كانت مع أمهما ترعاها بجانب استذكارها فهي في مرحلة الاختبارات بدورها.

- مش عارفة يا نهى مش لاقية حاجة شداني... الفساتين كلها مكشوفة أوي ومبالغة في الزينة...

قالت نهى: - مكشوفة أوي..؟؟ أحب افكرك يا دكتورة أن العقد هايبقى في مسجد يعني النساء في مكان والرجال في مكان تاني...

- عارفة المعلومة دي والله يا دكتورة... برضه حتى قدام النساء مايصحش العري الزائد ده... بالإضافة إلى أنه أصلاً الأذواق كلها مش عاجباني أنا بحب البساطة وكل المحلات اللي شوفناها مبالغة أوي في أشكال الفساتين وأسعارها ...

قالت نهى: - أممممم... طيب... تعالي نكلم شروق بنت عمي.. كانت مأجرة فستان بسيط وروعة في فرحها وكان سعره كويس... صحيح احنا مقاطعينهم بس عشان خاطر عيونك يا قمر أكلمهالك...

تمتمت نور: - الله يهديكي يا نهى.... ليه بس كدة..؟

قلبت نهى شفتها وهي تقول: - ماعدناش عارفين سر القطيعة بينا وبين أغلب قرايبنا... هما بابا وماما مقاطعينهم وخلاص... ما علينا... تعالي نتكلم في التليفون من الكُشك ده...

أخذت نهى العنوان من ابنة عمها ورافقت نور إليه وبالفعل كان محلاً جديدًا في منطقة بعيدة إلى حد ما وكان يحتوي على أثواب تناسب أغلب الأذواق وبأسعار مناسبة... استقرت نور على فستان و...

"تدفعي إيجاره وتسيبي بطاقتك حضرتك ... " كذا قالت البائعة لنور

ضحكت نهى قائلة: - حضرتك مافهمتينيش واللا إيه..؟ باقولك دي العروسة يعني محتاجة بطاقتها... اتفضلي بطاقتي أنا يا ستي..

احتضنت نور ثوبها الرائع الذي كان كريمي اللون في سعادة بالغة بعد أن نقدت البائعة ثمن استئجاره ورحلت مع نهى قائلة: - يااللا بسرعة عشان الحق اراجع شوية... عندي امتحان شفوي بكرة ...

وصلت إلى البيت.. دلفت مع نهى إلى مدخل بنايتها.. ثم صعدت الدرج... لم تدر نور وهي تمر محتضنة ثوبها الكريمي اللون من أمام منزل جارتها إحسان بالدور الأرضي أي حديثٍ يدور هنالك... بل أي شوكٍ يُزرع باقتدار بأيدٍ خبيثة حاقدة.

***

"مع السلامة يا نعمت ... آنستي ونورتي يا حبيبتي .."

قالتها إحسان مودعة ضيفتها التي خرجت لتوها من باب منزلها وكادت ترحل، إلا أنها توقفت ثم استدارت إلى إحسان قائلة : - والله ياختي ماكنت ناوية أفتح بقى بكلمة لولا أنها أمانة وشهادة حق لوجه الله... وحياة بنتي أنا قلبي بيتقطع وأنا بحكي لك كل كلمة...

عقدت إحسان حاجبيها في تأثر مصطنع وقالت تجاريها في تلك التمثيلية: - عارفة ياختي والنبي عارفة.... يوووه هوا أنت عشرة امبارح يا أم عصام... دي عشرة عمر... يعني هوا أنا اللي هاين عليا أسمع الكلام ده..؟ بس نقول إيه بقى أهي شهادة حق هانتحاسب عليها.. أدينا بنعمل الخير ونرميه البحر..

بدا شبح ابتسامة على وجه نعمت وهي تقول: - يعني... هاتبلغيهم...؟

رفعت إحسان أحد حاجبيها الرفيعين قائلة: - أكيد...

أومأت نعمت في رضا ثم قالت: - طيب.. أما امشي أنا بقى الحق أعمل الغدا قبل ما أبو عصام يرجع..

ودعتها إحسان ثم أخرجت مفتاح باب منزلها وأغلقت الباب خلفها و... صعدت الدرج حيث يقبع منزل محمود وأسرته. طرقت إحسان الباب لينفتح وتطالعها رحاب شقيقة محمود التي تصغره بأربعة أعوام، هتفت رحاب: - طنط إحساااان... أهلاً يا طنط... اتفضلي... اتفضلي...

قبلتها إحسان في حرارة وهي تقول كلماتها المعتادة على غرار "والله كبرتي واحلويتي... ايه الحلاوة ديه.. عقبى لما نفرح بيكي... "

- اتفضلي في الصالون على ما أنادي ماما...

دلفت إحسان إلى غرفة الضيوف التي تحوي صالونًا مغطى بكسوة صفراء وجلست متمتمة: "والله البيت شرح وبرح ومفروش أحلى من أيوها بيت في العمارة... خسارة فيها..."

- "أهلاً وسهلاً يا أم إيمان نورتينا والله.. عاش من شافك..."

أقبلت قدرية بملابس الصلاة ووجها المستدير الباسم مرحبة بجارتها في حرارة.. فقالت إحسان:

- يا سلام... ماهو لو أنا ماسألتش مابتسألوش...

ضحكت قدرية قائلة: - أعذريني والله يا أم إيمان أنت عارفة بقى كتب كتاب محمود كمان كام يوم وكنا محتاسين ببنبيض أوضته عشان أوضة النوم الجديدة هاتوصل من دمياط بعد اسبوع وبنستعد لكتب الكتاب عقبى لبناتك يا رب...

تغيرت ملامح إحسان وهي تتمتم: - ماهو أنا جايالك عشان الموضوع ده...

عقدت قدرية حاجبيها في غير فهم قائلة: - موضوع إيه..؟ كتب الكتاب ... انت طبعًا أول المعازيم.. ده أنت صاحبة الفرح يا إحسان..

زفرت إحسان قائلة: - والله ما أنا عارفة أبدأ منين واللا منين الموضوع زي صخرة تقيلة على صدري بس لازم تعرفي...

دخلت رحاب تحمل صفحة عليها أكواب عصير قائلة: - اتفضلوا..

إلا أن أحدًا لم يلتفت إليها، حيث قالت أمها في قلق: - هاتقلقيني ليه يا إحسان..؟ مالك ياختي ..؟ انت كويسة والبنات كويسين..؟

قالت إحسان بسرعة: - أحنا الحمد لله... أنا جاية اكلمك على بنت تانية مش حد من بناتي كفالله الشر...

جلست رحاب وقد شعرت بفضول لتعرف أي موضوع تحمله إحسان، فهي كلما أتت كانت تتحدث عن أهل الحارة كلهم وتعرف عنهم أسرارًا لا يعرفها أحد وكانت رحاب تستمتع بحكاياها.

- بنت مين ديه اللي جاية تتكلمي عنها يا إحسان..؟ ماتوضحي كلامك وبلاش ألغاز...

وضعت إحسان يدها على رجل قدرية قائلة: -أيوااااا... عليكي نور... بنت مين... أنت تعرفي هيا بنت مين واللا أصلها وفصلها إيه...؟

زفرت قدرية قائلة: - اللهم طولك يا روح... أنت بتتكلمي عن مين يا إحسان والله مانا فاهمة حاجة...

أرجعت إحسان ظهرها واستندت إلى ظهر الأريكة وعقدت ذراعيها على صدرها ثم مصمصت شفتيها قائلة: - الدكتورة... عروسة ابنك يا قدرية...

اقتربت رحاب تستمع في اهتمام بينما توتر وجه قدرية وهي تقول: - بتقولي إيه...؟ قصدك إيه..؟ مالها نور..؟

عادت إحسان تنحني نحو قدرية الجالسة على الكرسي المجاور لها وتهمس بلهجة توحي بالخطورة: - أنتوا تعرفوا مين أبوها...؟ مين عيلتها...؟

قالت قدرية وقد زاد توترها: - ما الكل عارف أن ابوها ميت وكان فيه مشاكل بينه وبين أهله فـ...

قاطعتها إحسان: - لا.. لا... سيبك من الحكاية الفارغة دي اللي ماتقنعش عيل صغير وفكري معايا بالعقل... الست علا كانت عايشة مع الحاجة أمها فوق وفجأة.. اختفت... سمعنا كام زغرودة كدة وقالوا اتجوزت... ورجعت جارة عيل تعيش مع امها تاني وبدأت تشتغل في المستشفى وبعدها برضه فجأة... أختفت وسابت الشغل شوية صغيرين ورجعت البيت والشغل وكان معاها بنتين والعيل الأولاني مالوش أثر... كانوا بناتها وقتها واحدة حتة لحمة حمرا والتانية سنتين واللا زيادة حاجة بسيطة وأسمع أن كان فيه راجل أستغفر الله العظيم بيشوفوه أحيانًا طالع ونازل من عندها و...

- ما يمكن يكون جوزها ...!

كانت هذه هي رحاب التي قالت تلك الجملة، فاستدارت إليها المرأتان وكأنهما يلاحظا وجودها لأول مرة، همت قدرية على تعنيف بنتها وإخراجها من الغرفة، إلا أن إحسان ربتت على فخذ رحاب وهي تقول:

- لا يا حبيبتي ... جوزها كان أبيض وقمر إيمة وسيمة وطول بعرض ناس من الحتة أول مرة بعد الزغرودتين شافوهم مع بعض وعرفتهمم عليه أنه جوزها إنما دوكها... بيقولوا أسمر ومش طويل...

قالتها ثم ألتفتت إلى قدرية مكملة: - وماتت الحاجة أم علا وقعدت علا لوحدها مع البنات وكان اللي يسألها على جوزها تقول أنه مات وما رضيتش تتجوز أبدًا...

بُهتت قدرية ولم تستطع أن تنبس ببنت شفة، بينما أكملت إحسان وقد اسعدها أثر حديثها على وجه جارتها:

- الكل في المستشفى بيجمع أنها كل الدكاترة والعمال بيعملولها حساب وهيا أصلاً على قدها في الشغل... احتاروا في تفسيره... لحد ما أكتشفت زميلتها نعمت والبت ابتسام أنها بتراضي كل دكتور وموظف شويتين عشان تمشي حالها... وإلا تفسري منين انها تدخل بنتها كلية طب اللي محتاجة مصاريف ياما ومرتبها أصلا ما بيكفيهمش لحد آخر الشهر أكل وشرب..؟؟

تمتمت قدرية بصوت مبحوح: - تمشي حالها...؟ تراضي كل دكتور...؟

وخزتها إحسان بيدها قائلة: - يوووه يا ختي تمشي حالها... أفهميها بقى البت قاعدة...

ضحكت رحاب قائلة: - يعني تصاحبهم يعني يا ماما وتمشي معاهم وممكن تبات معاهم...

أخرجت قدرية كل ما يفتعل في صدرها وصبت جام أنفعالاتها على ابنتها وهي تصرخ بها: -أمشي أطلعي برة يا قليلة الحيا ... أمشي من هنا وأقفلي الباب وراكي وإلا هاوريكي...

نهضت رحاب في ميوعة وهي تقول: - حاضر حاضر ماتزقيش...

وضعت قدرية يديها على رأسها وهي تقول لإحسان: - شوية شوية عليا يا إحسان أحسن دماغي لفت والله..

تناولت إحسان كوبًا من العصير وأخذت ترشف منه عدة رشفات ثم قالت: - إيه اللي يأكد لك أن بناتها دول بنات حلال مصفي...؟ إيه اللي يأكد لنا أنها اتجوزت أصلاً..؟؟ ليه دايمًا مقفلة على نفسها وبناتها كدة..؟ خايفة الناس تعرف إيه عنهم..؟ ليه ترفض عرسان تتمناهم أي بنت مش أرملة..؟!! أي واحدة طبيعية مكانها كانت أتجوزت راجل يحاجي عليها وعلى بناتها... لكن دي... أبدًا... طبعًا... ماهي عايزة تبقى حرة... المشي البطال بيكسب أكتر...

كادت عيني قدرية تدمع وهي تقول: - يا إحسان... الست مريضة مرض قاتل...

مصمصت إحسان شفتيها قائلة: - أهي دي أخرة المشي البطال... ربنا يمهل ولا يهمل...

تسائلت قدرية وهي تكاد تجن: - طب والحجاب والصلاة ..؟

هتفت إحسان: - كل ده تمثيل في تمثيل... تمويه كدة بس عشان تاخد راحتها في اللي بتعمله في السر... ياختي باقولك كانوا بيشوفوا راجل غريب طالع نازل عندها... أستغفر الله العظيم... الواحد جسمه بيقشعر أما يفكر ايه اللي عملته ده في بيت الحاجة امها الله يرحمها..!

لم تستطع قدرية أن تتحدث... هربت منها الكلمات أمام تلك الصدمات، أكملت إحسان عصيرها قائلة:

- أنا قولت أبلغك بس من باب الأمانة ده جواز يا أختي آه أمال إيه... الست نعمت الله يبارك فيها وفي بنتها القمر منى وعيتني وفطمتني على سيرة اللي اسمها علا دي في المستشفى...

قالتها ثم نهضت مكملة: - أسيبك أنا بقى يا أم محمود... فتك بعافية...

صافحتها قدرية بحركة آلية ومازالت واجمة لا تتكلم... حتى إنها لم ترافقها إلى الباب فتوجهت إليه إحسان وفتحته لتجد محمود أمامها ينظر إليها بعينيه البرسيميتين وابتسامته المشرقة فقال حيث رآها: - أهلاً أزيك يا خالتي أنت ماشية واللا إيه..

قالت في توتر: - أ.. أه يا محمود يا بني عن إذنك...

قال لها: - أكيد جيتي تشوفي لون دهان أوضة نومي الجديد مافيش حاجة تخفى عليكي طبعًا... حلو جدًا مش كدة..؟ ده ذوق نور اللي هاتبقى في خلال يومين مراتي حبيبتي... طبعًا أنت جاية كتب الكتاب يا خالتي مش محتاجة عزومة... شوفي أنا جبت البدلة خلاص..

كان يرفع يده إلى كتفه يحمل بها جرابًا أنيقًا يتدلى خلف ظهره به حُلة العرس على ما يبدو، أنسلت إحسان من الباب وتمتمت وهي تخرج: - إن شاء الله ... ربنا معاك.. آ.. آ... مبروك..

ثم هرولت تنزل درجات السلم نحو منزلها، دخل محمود متعجبًا وهو يقول: - مالها دي..؟

وقع نظره على أمه الجالسة في الصالون القريب فذهب إليها وهو يضحك قائلاً: - مالها الست إحسان يا أمي..؟ مش على بعضها كدة وبتتكلم كلام مش مفهوم...

أنتبه محمود إلى الحالة التي عليها أمه من الوجوم وملامح وجهها التي يبدو عليها الحزن وآثار الدموع بمقلتيها، فهتف في قلق: - ماما... مالك فيه إيه..؟ أنت كويسة يا أمي..؟

رفعت عينيها إليه غير قادرة على النطق، فعاد يتسائل: - يا ماما.. أرجوكي قولي لي مالك يا حبيبتي...؟؟ إيه اللي حصل لك..؟

"أصلها عرفت قصة الست هانم اللي هاتبقى مراتك يا دكتور..."

كذا قالت رحاب التي كانت واقفة بجوار باب الغرفة تضع يدًا على خاصرها وترفع الأخرى مستندة إلى الباب وقد عقدت رجليها وأرتسمت في عينيها نظرات التشفي.

*****


Just Faith غير متواجد حالياً  
التوقيع
//upload.rewity.com/uploads/157061451865811.jpg[/IMG]ستجدون كل ما خطه قلمي هنــــــاااااااااااا[/URL][/FONT][/SIZE][/B]
الشكر لصديقتي أسفة التي دائماً تشعرني بأن هناك من يشعر بدون شكوى



سلسلة حد العشق بقلوب أحلام

رواياتي السابقة بقلوب أحلام
أنتَ جحيمي -- لازلت سراباً -- الفجر الخجول
هيـــامـ في برج الحمـــامـ // للكاتبة: Just Faith *مميزة
فراء ناعـــمــ (4)- للكاتبة Just Faith-

عروس الأوبال - ج2 سلسلة فراء ناعم- * just faith *
سلسلة عشاق صنعهم الحب فتمردوا "ضجيج الصمت"

ودي مشاركاتي في سلسلة لا تعشقي اسمرا
https://www.rewity.com/forum/t326617.html
https://www.rewity.com/forum/t322430.html
https://www.rewity.com/forum/t325729.html
ودي رسمية
https://www.rewity.com/forum/t350859.html

خواطري في دعوني أتنفس
ديوان حواء أنا !!

شكرا نيمو على خاطرتك المبدعة
رد مع اقتباس