عرض مشاركة واحدة
قديم 22-12-17, 05:16 PM   #287

منال سالم

كاتبة في قسم قصص من وحي الأعضاء ومنتدى قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية منال سالم

? العضوٌ??? » 358950
?  التسِجيلٌ » Dec 2015
? مشَارَ?اتْي » 1,488
?  مُ?إني » بورسعيد - مصر
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » منال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond reputeمنال سالم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
¬» قناتك max
?? ??? ~
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً
?? ??? ~
My Mms ~
Rewitysmile9



الفصل الأربعون:

واصــــل صعوده على الدرج بخطوات متريثة ثابتة، وكأنه يتعمد التباطيء في خطاه ليستمتع بحمله لها.
كانت على عكس المتوقع منهت، ساكنة، مرتبكة، هادئة نسبياً رغم إحساسها بضربات قلبها المتلاحقة.
استشعرت طول المسافة إلى باب منزله، فهمست بصوت متوتر وهي مسلطة أنظارها أمامها:
-أنا أقدر أكمل، كفاية كده

رد عليها بصلابة كالصخر الجامد:
-مش انتي اللي تقولي !

التفتت برأسها عفويًا نحوه لترمقه بنظرات حادة وهي تهمس معترضة:
-أنا بقيت أحسن !

حدق فيها بثبات وهو يرد بتهكم:
-عاوزة تقنعيني إن رجلك خفت مسافة ما طلعت بيكي الدورين دول ؟

تحرجت من جملته تلك، وردت بإرتباك واضح:
-لأ، بس ....

قاطعها بحسم قبل أن تكمل عبارتها للأخير:
-يبقى تسكتي !

حدجته بنظرات مستشاطة، فقد أغاظتها صرامته الواثقة معها، واكتفت بإبعاد وجهها نافخة بصوت وصل إلى مسامعه، فلا فائدة من الجدال معه. هو قرر وهي عليها فقط التنفيذ جبراً ...

التوى ثغره بإبتســامة باهتة وهو يطالعها بإهتمام زائد نسبيًا، لكنه إلى الآن لم يتجاوز حدود المقبول...

وصل إلى الطابق الكائن به منزله، ورفض إنزالها على ساقيها رغم إعتراضها الشديد:
-احنا وصلنا، كفاية كده بقى !
رد عليها ببرود:
-هنزلك جوا

نظرت إليه بأعينها المحتقنتين وهي ترد بعصبية قليلة:
-تكونش مفكرني هاعرف أهرب يعني ؟

ابتسم ساخرًا:
-هو إنتي كنتي هربتي أولاني أصلًا؟

اغتاظت من ردوده المستفزة لها، فتحركت بجسدها كليًا محاولة الخلاص من حصار قبضتيه عليها قائلة برجاء:
-لو سمحت !

رمقها بنظرات قوية وهو يأمرها بجمود:
-اهدي، الموضوع مش مستاهل التشنيجة دي كلها !

تمتمت لنفسها من بين شفتيها بحرج كبير:
-هو انت حاسس بحاجة !
.....................................

اختنق صدرها، وفاض بها الكيل وهي تحترق على أعصابها منتظرة عودته من الخارج وهي معه.
دار في رأسها سيناريوهات متعددة عن كيفية إحضارها إلى هنا، وبالطبع جميعها تعني شد وجذب بينهما. وحديث مطول بين القيل والقال، إذًا فهناك جذوة شرارة ما ستشتعل بينهما. أنبئها قلبها بهذا.

التفتت برأسها ناحية والدتها الغافية، ورمقتها بنظرات مطولة محدثة نفسها بنبرة مغلولة:
-اه لو حصل بينهم اللي أنا خايفة منه !

تنهدت بعمق، وأدارت أبصارها في اتجاه رضيعتها النائمة بوجهها الملائكي، ثم أكملت ما يجيش في صدرها بضيق:
-وأنا لوحدي بس اللي شايلة الهم ! ذنبك ايه يطلع الـ ..... ده أبوكي ! هيفضل وصمة طول عمره في حياتنا احنا الاتنين

نفخت مجدداً بغيظ، ثم وضعت يدها على عنقها لتفركه.
ألحت عليها رغبتها في الإرتواء بالمياه، فقررت الخروج من الغرفة والذهاب للمطبخ.
طرحت على رأسها حجابها، ثم سارت بخطى حذرة نحوه، لكنها تسمرت في مكانها حينما سمعت تلك الهمهات الخافتة.
التفتت برأسها تلقائيًا نحو باب المنزل، وهنا صدق حدسها الأنثوي ..
قرع الجرس، فكانت الأســـرع في الوصــول إلى الباب، وبلا تردد أدارت مقبضته وفتحته لتتسع أنظارها المحتدة بصدمة جلية.

سيطر الوجــــوم على تعابير وجهها، فمنـــذر وقف قبالتها شامخاً يحمل بين ذراعيه تعيسة الحظ.
تحولت نظراتها للإظلام، وبدا العبوس هو سمتها الأساسية.
جاهدت نفسها لتبدو انفعالاتها طبيعية، وخاصة أن ما بصدرها نيران حية تستعر على أشدها.
لذلك هتفت بإبتسامة ساخطة وهي ترمق أسيف بإشمئزاز ملموس:
-أد كلمتك يا سي منذر !

ثم مررت أنظارها المستشاطة عليها ببطء لتتابع بإزدراء مهين:
-عرفت فعلًا تجيبها عند رجلين أمي زي ما قالتلك ! مافيش حاجة تستعصى عليك !

اصطبغ وجـــه أسيف بحمرة مغتاظة من عبارتها المهينة ونظراتها المحتقرة لشخصها، وتلوت أكثر بجسدها مستنكرة بقائها على تلك الوضعية المشينة – من وجهة نظرها – لأ كثر من هذا.
ابتسمت نيرمين مكملة بسخط وهي توميء بعينيها:
-وهي طبعًا ما بتصدق تلاقيك يا سي منذر عشان تتشعلق في رقبتك، كهن بنات، ما انت عارفه !

عجزت أسيف عن الرد عليها، فهي كانت محقة إلى حد ما في قولها، فرفضها لتصرفه الجريء معها وضعها في حرج كبير. والآن هي عليها أن تبرر سبب ذلك ..

حدج منـــذر نيرمين بنظرات قوية، فعباراتها اللاذعة تثير بداخله الرغبة في التشاجر معها ناهيك عن النفور منها . استطرد حديثه قائلاً بخشونة:
-طب وسعي، مش هاتخدينا صورة واحنا كده !

تنحت للجانب ليمرق من جوارها بخطى سريعة نحو أقرب أريكة لينحني بحذر واضعًا أسيف عليها برفق ..

ظلت الأخيرة متعلقة في عنقه وهي تستند بذراعها الأخر على الأريكة.
كان ذلك هو اقترابهما الثاني المقلق، فهو بقي على وضعيته المائلة عليها محدقاً فيها عن كثب.
من خلفهما وقت نيرمين على جمر متقدة ترمق الاثنين بنظرات مشتعلة، وهتفت بصوت متشنج قليلًا:
-سلامتك يا ختي، المرادي ايه عندك ايه بقى ؟ عرق النسا ولا ....

التفت منذر ناحيتها وهو يعتدل في وقفته ليحدجها بنظرات ساخطة قبل أن يصيح بها بغلظة:
-ماتدخليش في اللي مالكيش فيه !

وكأنه قذفها بحجر قاسي في وجهها، ليخرس لسانها فتصمت مجبرة غير قادرة على الرد، وغضبها المتأجج يآكلها من داخلها.
ضغطت أسيف على أصابع يدها بعصبية، فهي أتت إلى هنا قسراً، على غير رغبتها، ومضطرة أن تستمع إلى مثلك تلك الحماقات المهينة.

جذب منذر نيرمين من ذراعها للخلف بعد أن بقيت متسمرة في مكانها هامساً لها من بين أسنانه بنبرة آمرة:
-خشي عند أمك شوفيها صاحية ولا لأ ؟

نظرت هي إلى قبضته الممسكة بذراعها، وشعرت بحالة غريبة من المشاعر الفائرة تجتاحها.
هي لم تختبر قوته من قبل، لكنها استشعرت من تلك اللمسة الخشنة أنه قادر على تدمير من يتجرأ عليه.
أومــأت برأسها عفوياً وهي ترد بصوت شبه متحشرج:
-حاضر يا سي منذر !

ثم أسبلت عيناها لتتابع بنعومة غريبة:
-إنت بس تؤمرني وأنا نفذ على طول !

رمشت بعينيها عدة مرات متلذذة بوجودها على مقربة منه.
أرخى كفه عنها، فتنهدت بإرتباك ملحوظ.
حدجها بنظرات أكثر صلابة عن ذي قبل تحمل التحذير رغم انعقاد لسانه.
كانت على قدر من الغباء لكي لا تفهم أن ما ترمي إليه من إيماءات ونظرات وخنوع زائف لن يثير الشكوك نحوها ..

أثار حنقه ظنه أن والدته ربما قد لمحت لها بطريقة أو بأخــرى عن رغبتها في تزويجها به دون أن تخبره بهذا. وبالتالي هي تتصرف بتلك الطريقة المائعة معه، ذلك الأسلوب الذي لا يستسيغه مطلقًا.

انصرفت من أمامه لتختفي داخل غرفته، فالتفت برأسه ليحدق بأسيف مراقبًا إياها مراقبة حثيثة.
هي لا تزال على وضعها المنزعج، وجهها المتشنج، نظراتها الذابلة، تلك الهالات المتورمة أسفل عينيها تزيد من حالة بؤسها.
دنا منها هاتفًا بصوت آمر:
-وريني رجلك !

رفعت عيناها نحوه فجأة متحرجة من أمره المباغت.
تلون وجهها بحمرة عجيبة، وردت مستنكرة:
-نعم، بتقول ايه؟
أجابها ببرود متعمدًا تجاهل خجلها:
-اللي سمعتيه، عاوز أشوفها !

عفويًا سحبت ثوبها للأسفل لتغطي ساقيها تمامًا وهي ترد معترضة:
-لأ !

في تلك اللحظة خرجت نيرمين من الغرفة وعلى وجهها إبتسامة مصطنعة. ثم اقتربت منه لتهمس قائلة برقة زائفة:
-ماما في سابع نومة ! تحب أصحيهالك يا سي منذر ؟

رمقها بنظرات منزعجة من أسلوبها المستفز وهو يرد بجدية:
-لأ خليها نايمة، بس عاوز منك خدمة !

أضاءت عيناها بلمعان غريب وهي تسأله بتلهف:
-ايه هي ؟

أشــار لها بيده موضحاً بنبرته الخشنة:
-في دولاب في الحمام فيه مراهم وأدوية، شوفيلي هناك مرهم ((.... ))، وهاتيه، وهتلاقي جمبهم رباط ضاغط تقريبًا هاتيه برضوه !

ارتسمت علامات القلق على تعابير وجهها وهي تسأله بتوجس:
-انت تعبان يا سي منذر ؟ فيك حاجة ؟ طمني عليك !

أجابها باقتضاب:
-لأ، ده مش ليا !

ثم أشـــار بيده نحو أسيف متابعًا بهدوء:
-ليها !

تبدلت تعابير وجهها للضيق، واستدارت بعينيها نحوها، ثم نظرت لها شزرًا مرددة بإحتقار:
-لدي ؟

جمد منذر أنظاره عليها قائلًا بعتاب قاسي:
-اه، لبنت خالك !

استشعرت ضيقه منها، فابتسمت قليلًا، ثم وضعت يدها على فمها متنحنحة بخفوت لترد قائلة بلؤم ممزوج بالخجل:
-احم .. طيب يا سي منذر، على طول !

وعلى مضض كبير تحركت في اتجاه المرحـــاض ملبية طلبه، لكن زاد بداخل نفسها الغاضبة شعورها الحانق نحو أسيف.
.....................................

بعد برهة، عــادت نيرمين وهي حاملة في يديها ما طلبه منها منــذر. ناولته إياهم، فدنا من أسيف التي انكمشت على نفسها متساءلة بقلق:
-هاتعمل ايه ؟

أشــار لها بعينيه قائلًا بنبرة جافة:
-هاشوف رجلك، مش ورمت بسببي !

اتسعت حدقتي نيرمين على أشدهما، ولطمت على صدرها مصدومة.
فرصـــة أخرى تلوح في الأفق للتجاذب بينهما، وهي لن تسمح بحدوث هذا على مسمع ومرآى من عينيها.
ستفسد الأمر قبل أن يبدأ حتى. أفاقت من ذهولها المؤقت لتتحرك خلفه سريعًا قبل أن يفعل هذا عمدًا.
هزت أسيف رأسها بالنفي، وتراجعت بظهرها للخلف في الأريكة لتصيح بإعتراض متلعثم:
-مش عاوزة، أنا .. أنا كويسة !

وقف قبالتها تمامًا، ورمقها بنظرات ثابتة وهو يرد بصلابة معهودة منه:
-مش انتي اللي تقرري !

اندفعت نيرمين بجسدها لتنحني على الأريكة وتجلس إلى جوار أسيف هاتفة بنزق:
-عنك يا سي منذر، أنا بأفهم في الحاجات دي !

التفت برأســـه نحوها متساءلًا بإستغراب:
-بتفهمي ؟

أومــأت برأسها إيجابًا وهي ترد:
-اه، ده .. ... ده شاطرة حتى ... حتى تقدر تسأل أمي !

رفعت يدها للأعلى طالبة بما معه، فأعطاها إياهم بضجر.

ضاقت نظرات نيرمين للغاية وهي تنظر في وجـــه أسيف المرهق، وهتفت من بين شفتيها بنفور ظاهر:
-وريني رجلك ياختي !

ابتعدت عنها أسيف رافضة بإصرار شديد:
-مش عاوزة منك إنتي بالذات حاجة !

اشتعلت عيني نيرمين بحمرة متأججة، وتمتمت بصعوبة وهي تجاهد لرسم ابتسامة هادئة على ثغرها:
-أنا .. ليه بس ؟

ثم وجهت حديثها لمنذر قائلة بحزن زائف:
-شايف يا سي منذر، أديني على الحال ده معاها، بأعاملها بما يرضي الله، وهي دايمًا كده، كاسرة بخاطري

صاحت بها أسيف بنبرة محتقنة للغاية:
-بطلي كدب بقى، هو انتي عندك احساس أصلًا

ردت عليها نيرمين ببرود مستفز:
-أنا، ربنا يسامحك !

حدجتها أسيف بنظرات مزدرية وهي تردد بخفوت مغتاظة من إدعاءاتها الباطلة التي تثير الاشمئزاز في نفسها:
-بجد بني آدمة مستفزة، تفور الدم !

التقطت أذني نيرمين تلك الكلمات المبهمة، فسألتها بحدة قليلة:
-بتقولي ايه ؟

هبت أسيف واقفة وهي تصيح بعناد رافض:
-أنا كويسة، مش عاوزة حاجة منكم !

ثم ضغطت بقوة على قدمها اليسرى لتتحرك فآلمتها بشدة، فانحنت عفويًا للأمام متأوهة:
-آآآه !

مد منذر يده تلقائيًا نحوها ليسندها من مرفقها هاتفًا بتلهف:
-حاسبي

استندت هي بكف يدها الأخر على صدره – دون قصد منها – ورفعت عيناها لتنظر إليه بخجل ..
اشتد اتســـاع حدقتي نيرمين وهي ترى تصرفاتهما الطبيعية سويًا .. لم تتوقع ردة فعله فصدمت، وكتمت شهقتها بصعوبة. فأجج هذا من إحساس الغيظ بداخلها.
اعتدلت أسيف في وقفتها، وسحبت كفها للخلف. لكن بقي منذر ممسكًا بها من مرفقها.

تمتمت نيرمين بهمس من بين شفتيها بغل:
-بت كهينة بنت ......... !!!!

هتف منـــذر قائلاً بصرامة:
-اقعدي أحسن، انتي مش قادرة تدوسي على رجلك !

خرجت جليلة من غرفة نومها على إثر الجلبة الحادثة بالخـــارج، فتفاجأت بوجود أسيف، وارتسم على محياها ابتسامة سعيدة للم شمل الأسرة من جديد.
هتفت بمرح:
-حمدلله على سلامتك يا بنتي، عمتك كانت زعلانة عشانك

نظرت لها أسيف بجمود، ولم تعقب.
استقبلتها جليلة في أحضانها، فإستشعرت الفتور في ردود فعلها.
عقدت ما بين حاجبيها، وحدقت فيها متساءلة بإستغراب:
-مالك يا بنتي ؟

برر لها منذر تصرفها البارد قائلًا:
-رجلها ورمت بسببي !

لطمت جليلة على صدرها هاتفة بتوجس:
-ايه اللي حصلك ؟

ردت أسيف بحرج وهي تبتلع ريقها:
-مافيش حاجة

أجلستها جليلة عنوة هاتفة بإصرار وهي تحاول نزح ثوبها قليلًا:
-وريني كده ؟

اكتسى وجه أسيف بحمرة زائدة عقب فعلتها تلك، وقاومتها قائلة بحياء:
-مافيش .. !

لاحظ منــذر إرتباكها، وتورد وجنتيها بصورة بائنة، فتنحنح مرددًا بخشونة:
-أنا كده تميت مهمتي، شوفوا انتو هاتعملوا ايه مع بعض، سلامو عليكم

هبت نيرمين واقفة من مكانها متساءلة بنزق:
-رايح فين السعادي يا سي منذر ؟

رمقها بنظرات جافة وهو يرد بجفاء:
-هاقعد في الوكالة ! وخدوا انتو راحتكوا!

لم يمهلها الفرصة لمتابعة تساؤلاتها المهتمة حيث أســرع في خطاه متجهًا نحو باب المنزل ليخرج منه دون أن يضف المزيد.

ضاقت نظراتها نحو تلك البائسة التي تستحوذ ببراعها على انتباه من حولها، فكتفت ساعديها أمام صدرها، ونظرت لها بإزدراء قبل أن تنطق بتأفف:
-حنيتي علينا ورجعتي ؟ كنتي هترتاحي لما أمي تموت؟

تجاهلتها أسيف، فقد كانت متوقعة مثل تلك التصرفات المستفزة من قبلها.
نظرت جليلة إليها مرددة بجدية:
-خلاص يا بنتي مش وقت عتاب، خلينا نشوف مالها !

همست نيرمين بصوت مزعوج وهي مستمرة في رمقها بتلك النظرات الدونية:
-ربنا يزيحها عن طريقنا، جت وجايبة الفقر كله معاها!

تابعت جليلة حديثها الأمومي الهاديء مرددة لأسيف:
-ارفعي رجلك كده أشوفها، ربنا يستر وماتكونش حاجة خطيرة.

بتردد بائن عليها، قامت بإزاحة ثوبها قليلًا لتكشف عن ساقها، فشهقت جليلة مصدومة من ذلك التورم الواضح فيه.
وضعت أسيف يدها عليه، وضغطت على شفتيها متحملة الآلم.
هزت جليلة رأسها مستنكرة ما فعلته، وهتفت بتوجس وهي تدقق النظر في ذلك التورم المقلق:
-وكنتي مستحملاه ازاي بس ؟

ثم ضغطت بحذر عليه، وتنهدت مضيفة بإبتسامة متفائلة:
-الحمدلله إنك هنا، وإن شاء الله يطيب بسرعة !

رمقتهما نيرمين بنظراتها المحتقنة منها، وغمغمت بصوت خفيض يحمل الحقد:
-يا ريت رقبتها كانت اتكسرت عشان نرتاح !
....................................

جلس إلى جوار رفاقه بالمقهى الشعبي منفثًا دخـــان الأرجيلة بكثافة رغم تلك الساعة المتأخرة، وخلو معظمه من رواده.
لم يتوقف عقله للحظة عن التفكير فيما حدث على مدار يومه المشحون خاصة ما فعلته طليقته السابقة وزواجها السري من غريمه مـــازن.
شعر بمدى سذاجته لكونها كررت نفس الفعلة مع غيره، وأوقعته في شباكها الخبيثة دون عناء.
أخرج من صدره دخــانًا يحمل الكثير مما يكنه في صدره، فكون المرء وقع في فخ مثيلتها لمرة يجبره قسرًا على توخي الحذر مع كافة النســــاء.
ما أثلج أثلج صدره في الأخير هو عودة ابنه إلى أحضانه، تلك النبتة الطيبة التي يرجو من الله أن يحسن تربيتها.
التفت إليه رفيقه ليجده شاردًا فسأله مهتمًا:
-ايه يا عم دياب ؟ سرحان من بدري، في حاجة جت ؟

استدار هو ناحيته مجيبًا إياه بفتور:
-متاخدش في بالك

مـــال عليه رفيقه هاتفًا بمكر:
-سمعنا إن أخوك عمل السليمة مع ابن أبو النجا، معلم ابن معلم !!

التوى ثغر دياب بإبتسامة تهكمية وهو يرد:
-ده أقل حاجة، وعقبال كل مرة لما نمسح بيه البلاط

سـأله رفيقه بفضول بارز في نبرته ونظراته المدققة:
-طب اللي سمعناه صحيح ؟

ضاقت نظرات دياب وهو يرد متساءلًا:
-ايه ؟

ارتبك نوعًا ما وهو يجيبه بتوجس:
-انه .. ... انه اتجوز .... المدام

تجهمت تعابير وجهه، ورد بغلظة صـــارمة:
-ماليش فيه، يعمل اللي عاوزه، ميخصنيش !

تنحنح رفيقه مبررًا بحرج:
-احم، أنا مقصدش، لكن الناس بتكلم و...

قاطعه دياب صائحًا بحدة:
-كل واحد حر، هي خرجت ببلاويها من ذمتي !

هز رفيقه رأسه متفهمًا:
-تمام يا كبير !

ارتشف ما تبقى من فنجان قهوته، وأضــاف بجدية:
-بالحق نسيت أقولك، مجد خرج من السجن !

انتبهت حواس الأخير بالكامل، وقست نظراته وهو يردد:
-مجد أبو النجا ؟!!

أومـــأ برأسه قائلًا:
-ايوه، الناس شافوه بيتمشى في المنطقة !

شـــرد محدقًا في الفراغ أمامه بنظرات غامضة، وتمتم مع نفسه بصوت خافت ذو مغزى:
-شكلها هترجع تسخن من تاني !

ســأله رفيقه بجدية:
-بتقول ايه يا دياب ؟

انتبه له دياب، ورد عليه بعبوس:
-شوفلنا حاجة نشربها أحسن !

ابتسم رفيقه هاتفًا:
-أوامرك !

ثم لوح بذراعه في الهواء وهو يصيح بنبرة عالية للنادل العامل بالمكان:
-إنت يا بني، تعالى هنا شوية !
...................................

أثر المكوث بالوكـــالة قاضيًا ليلته هناك ليترك مساحة من الحرية للضيوف الجالسين بمنزل عائلته للتحرك بأريحية تامة دون أي شعور بالحرج.
جلس شبه مسترخياً على مقعده، واضعًا ساقيه على سطح المكتب. لم ينر الإضــاءة، واكتفى بذلك الضوء الباهت بالخـــارج.
تنفس بعمق محاولاً إراحة أعصابه المشدودة قليلًا فما مر به اليوم ليس بالهين. أغمض عيناه بتثاقل، فطـــاف في مخيلته وجهها الحزين، وعينيها الدامعتين.
هي تعد مادة خام للمصائب إن صح التعبير، فمنذ أن رأها أول مرة وهي تشده بعفويتها المهلكة ليعلق معها.
فرك منذر وجهه بتعب، ومط كتفيه بإرهـــاق منفضًا عن عقله ذلك التفكير المجهد، لكنه لم يستطع.
فهناك شيء ما يجذبه دومًا إليها، بل ظن أنه أحيانًا يرتب لهما القدر الفرص ليلتقيا سويًا في أصعب الأوقــات.
لحظات وتشنجت تعابير وجهه المرتخية حينما تذكر اسم ذلك المقيت الذي خرج من محبسه.
لفظ إسمه بنفور تــــام من بين أسنانه:
-مجد ! لينا نصيب تاني مع بعد !

فتح عينــــاه، وحدق بنظرات فارغة في الظلام متذكرًا جزءًا مما مضى.
.....................................

ركضت كالمجنونة مبتعدة عن ذلك الذي يطاردها ظلامًا، ورغم تعثرها وإصابة ركبتيها بسجحات موجعة إلا أنها نهضت سريعًا لتنجو ببدنها منه.
هي تعرفه جيدًا، وتعلم بأفعاله المشينة مع الصغيرات اللاتي يقعن صدفة في طريقه، وللأسف كانت إحدى ضحاياه.
لم تتصور أن يهاجمها أثناء عودتها من درسها الأخير محاولًا نهش لحمها.
قاومته قدر إستطاعتها لكنه كان واثقًا من حصوله على مبتغاه حتى وإن فرت منه.
سمعت صوته الثقيل يناديها من الخلف:
-هاتروحي مني فين ؟

ارتجفت أوصــالها كليًا من صوته المهدد. كادت تموت رعبًا من تخيل اقترابه منها.
للوهلة ظنت أنها حُصرت، وستهلك لا محالة، لكنها لمحت ضوء سيارته المميزة، فصرخت مستغيثة:
-الحقوني، حد يساعدني يا ناس !

أوقف سيارته أمامها ليترجل متساءلًا بتوجس:
-في ايه ؟

شعرت بالإطمئنان إلى حد ما لوجوده، فقد عرفت هويته فورًا ..
لذلك دنت منه، وأشارت بيديها بحركات عشوائية موضحة بصوت متقطع لاهث:
-عم منذر، ده هجم عليا، أنا .. في الدرس، لأ .. لأ أنا كنت راجعة من الدرس، عاوز ... هو.. مش هايسيبني !

أمسك بها منذر من مرفقيها صائحًا بصوت جاد:
-خدي نفسك وفهميني بالراحة ايه اللي حصل

دقق النظر في هيئتها المرعوبة، كانت فتاة صغيرة لا تتخطى حاجز السادسة عشر على الأرجح، ملامحها مألوفة بالنسبة له، ربما هي من إحدى قاطنات المنطقة التي يمكث بها، لأنها عرفته، ولكن ثيابها شبه ممزقة، وتعابير وجهها تشير إلى حالة الهلع المسيطرة عليها.
مرر أنظاره سريعًا على فمها الذي كان يزنف خيوطًا من الدماء، ولم يستطع أن يبعد عيناه عن تلك الخدوش البارزة في عنقها.
توجس خيفة من أن يكون قد طالها مكروه ما، وقبل أن يترك لعقله حرية التخمين، هزت الفتاة رأسها بإيماءات مذعورة وهي تتوسله بصوتها الباكي:
-ساعدني الله يكرمك، وديني لأول الشارع، أنا خايفة منه هو آ.....

قطمت عبارتها فزعاً حينما سمع كلاهما ذلك الصوت القائل
-مسكتك !
هتف بها مجد بصوته المتحشرج الثقيل وهو يلقي بزجاجة المشروب المُسكر الفارغة على الرصيف لتتهشم إلى أجزاء صغيرة.
التفت منذر ناحية صاحبة الصوت، وبالطبع لم يكن بحاجة إلى تفسير الموقف، فقد فهمه على الفور.
ضاقت نظراته الحادة بصورة كبيرة، ثم أزاح بيده الفتاة الصغيرة لتختبيء خلفه محاولًا حمايتها
انتصب بجسده الفاره أمامه، ورد عليه بنبرة قوية:
-بتعمل ايه مجد ؟

تحرك مجد صوبه بخطى ثقيلة مرددًا بمجون:
-ايه يا بن حرب ؟ في ايه يا جدع، مايصحش كده عاوز أروق مزاجي الأول، هات الـ ...... شوية ! أنا بس هـ...... !!!

اشتعلت نظراته من وقاحته الفظة، وهدر فيه بصوت جهوري خشن ساباً إياه:
-جرى ايه يا ........... ! انت اتجننت، مش شايف إنت بتكلم مين ؟

انفجر مجد ضاحكًا بصورة هيسترية وهو يرد بعبث دنيء:
-انت عاوزها لفة ؟ قولي ماتتكسفش، هاسيبهالك !

صرخت الفتاة شاهقة برعب، فصاح بها منذر بصرامة:
-خشي جوا العربية، بسرعة !

لم تتردد الفتاة في تنفيذ أمره، وأسرعت بالإختباء بداخلها.
إنتابها حالة من النفور والتقزز من وضعها الحالي، لم تتوقف عن البكاء للحظة .. فقد نال منها قسرًا على عدة لمسات محرمة استلذ بها بشهوانية حيوانية مريضة عجزت فيها عن الدفاع عن نفسها.
جفل جسدها بإرتعاشات متتالية خائفة منه، فقد كانت تخشى أن يتجاوز منذر، ويتمكن من الوصـــول إليها، ثم يعاود الكرة معها من جديد.
انكمشت على نفسها أكثر، وبكت بعجز أكبر.

وقف منذر قبالته مانعًا إياه من الوصــول إليها، وأمسك به من تلابيبه ليدفعه للخلف هادرًا بشراسة:
-عاوز منها إيه ؟

أجابه مجد بنبرة تحمل الخبث وقد أظلمت نظراته الشيطانية:
-أكمل اللي بدأته !

شعر منذر بإشمئزاز كبير من طريقته الحيوانية، وهدر بصوت صـــارم:
-مش هتلمسها، البت في حمايتي !

كركر ضاحكًا بطريقة مستفزة وهو يقول:
-انت هتعرف تحميها مني ؟

رد عليه منذر بصياح عنيف:
-ايوه، الظاهر إنت نسيت أنا مين !

رفع مجد يده أمام وجهه قائلًا بإستخفاف:
-لأ مش ناسي !

ثم تراجع خطوة للخلف وحك جبينه عدة مرات، وتابع بوضــاعة متعمدًا الإساءة له:
-طب أقولك على حاجة فيها الخلاصة، بدل ما تلف مع المودام على الدكاترة عشان تخلف، ما تيجي تجرب حظك مع دي، صدقني هاتفرق أوي، والبت جبارة ! أنا عارف كل حاجة، اطمن سرك في بير !

اشتعلت نظرات الأخير للغاية، بل تشكلت فيها خيوط حمراء مهددة بشر مستطر.
كان موضـــوع زوجته " راضية " وترددها على الطبيب النسائي أمرًا سريًا، لا يعرفه إلا أفراد العائلة فقط، وكونه قد وصل إليه، وحديثه عنه بتهكم ساخط إذًا فقد دق ناقوس الخطر.
لم يتحمل منذر أن يضف كلمة أخرى مسيئة إليه أو إلى زوجته، فكور قبضته، ولكمه بعنف في وجهه صائحًا بصراخ هــــادر لاعنًا إياه:
-اخرس يا ...............

وقع مجد أرضًا من إثر التسديدة العنيفة، وبدا كالأخرق وهو يجاهد للنهوض من جديد.
لم يمهله منذر بل ركله في بطنه، وجثى على ركبته لينهال عليه بلكمة أخرى أشد قوة وهو يسبه بكلمات نابية للغاية.
وما إن اكتفى منه حتى نهض عنه وبصق عليه متابعًا سبابه المهين.
أدرك مجد كيف تم التحقير من شأنه، فصاح مهددً بنبرة عدائية:
-مش هاعديهالك يا بن حرب !

رد عليه منذر بنبرة عدوانية غير مكترث به:
-هتتحاسب عن إساءتك لأهل بيتي، مش هافوتهالك يا ....... !!

زحف مجد على ركبتيه مبتعدًا عنه، ثم بتثاقل بائن نهض عن الأرضية وهو يترنح ..
لم يتوقف منذر عن سبه وشتمه بأفظع الكلمات حتى ركب سيارته .
نظر إلى الفتاة قائلًا بصوت متشنج:
-انتي ساكنة فين بالظبط ؟

أجابته بصوت مرتعد وهي ترمش بعينيها الدامعتين:
-عند .. آآ.(( ..... ))

أكمل قائلًا بنبرة عازمة:
-ماتخفيش منه، أنا هاجيبلك حقك، وهاربيه، خليكي بس معايا

توسلته ببكاء شديد وهي متشبثة بالمقعد:
-ساعدني يا عم منذر، أنا مش عاوزة يحصلي زي البنات اللي قبلي !

رد عليها بمرارة وهو عابس الوجه:
-اطمني، انتي معايا، ومش هايلمسك !

لم يضف المزيد بل إنطلق بالسيارة نحو عنوان مسكنها الذي كان قريبًا منه ..

لاحقًا، أوصل الفتاة إلى منزلها، فزع أهلها من هيئتها المزرية، ورغم يقينهم أنها تعرضت لمحاولة إغتصاب إلا أنهم رفضوا تحرير محضر بتلك الواقعة ضد ذلك الدنيء القذر، وأنكروا أنه المذنب، بل لاموا ابنتهم، وحملوها كل الذنب لتجاوزه معها ..
تفاجيء منذر من ردة فعلهم الغير متوقعة، ومن خذلانهم الذي يندى له الجبين.
هم خشوا من احتدام المواجهة مع مجد، خاصة أن الأمر تكرر لأكثر من مرة مع عدة فتيات من نفس المنطقة، ودومًا كان ينتهي بالأسوأ إن فكرت إحداهن في مواجهته.
انزعج هو من تخاذلهم، ولامهم بقسوة على إضاعتهم لحقها المسلوب، ورغم هذا لم يستطع إجبارهم على الأمر.

لم يعرف بعدها شيئًا عن تلك الفتاة التي لجأت إليه، وكأن أخبارها قد تلاشت تمامًا ..

مرت عدة أسابيع بعد تلك الواقعة، إلا أنه وصل إلى مسامعه أنباءًا تفيد بخطبتها إليه. فإستنكر تلك الزيجة، ونفر من تراجع أهلها وخوفهم منه.
هو متأكد من رفض الفتاة للزواج منه، لكن ليس بيده أي حيلة طالما أنها رغبة عائلتها.

ما أثار صدمته حقًا وأشعره بالذنب هو إقدامها على الانتحار في ليلة عرسها، ووفاتها بعدها في ظروف غامضة.

انتهت قصتها سريعًا مثلما بدأت .. لكنها تركت أثرًا مزعجًا في نفسه ..
كان يود لو استطاع مساعدتها قبل أن تخسر حياتها، لكنه تخاذل مثلهم، وتراجع ليقف في الصف الخلفي مشاهدًا لما سيحدث لها.
..................................

عـــاد إلى أرض الواقع مخرجًا من صدره زفيرًا عميقًا، ثم أنزل ساقيه بروية عن سطح المكتب ليحدث نفسه بنبرة عازمة:
-مش هايحصل تاني ....................... !!!
.........................................



منال سالم غير متواجد حالياً  
التوقيع
[rainbow]وفوق كل ذي علم عليم[/rainbow]
ign]






رد مع اقتباس