عرض مشاركة واحدة
قديم 20-01-18, 05:15 PM   #28

لامارا

مراقبة عامة ومشرفة منتدى الروايات المنقولة وعضو فريق التصميم و كاتبة في قلوب أحلام

 
الصورة الرمزية لامارا

? العضوٌ??? » 216
?  التسِجيلٌ » Dec 2007
? مشَارَ?اتْي » 87,659
?  نُقآطِيْ » لامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond reputeلامارا has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل الخامس والعشرون


في الحب لا توجد تفاصيل..
الحب اثنان..
حرفان..
أنا وأنتِ..
حسن و...
مهلاً..
أين أنتِ؟!
حاء الحب اقترنت بلا شيء!
بل ربما حرف وحيد..
حسن وحيد..
هل تعلمين أنكِ امرأةٌ مخادعة؟
نعم.. مخادعة واخترتِ الهروب
أترحلين؟!
قبل أن أسرد جميع تفاصيل عشقك..
أتهربين؟!
قبل أن أُنهي الدرس..
تُراكِ نسيتِ..
كان لدي درس..
بل مجلدات ولم أنهي منها سوى كتاباً واحداً!
بالأمس اخترت بقعة سحرية..
أسطر فيها عشقي نحوك..
لا ليس فوق كتاب ولا أوراق..
هي مجرد خيالات مؤلمة..
هل تعلمين أنني اشتهيتك بالأمس؟!
نعم اشتهيتك..
بكل ما تحمله الكلمة من عبث..
حمقاء!!
لا زلتِ خجلة وحتى أنتِ بين براثن الموت!
لا زلتِ حية تنبضين في صدري..
لا زلتِ هنا وهنا..
وأفعل المستحيل كي ترحلين..
ولكنكِ امرأة قاسية..
لا ترحلين..
في الحب مؤلمة هي التفاصيل..
لحرف واحد دون اثنين!!
خاطرة الفصل بقلم:
مروة جمال..
اتكأ يزيد بكتفه على مدخل المطبخ يراقب علياء التي وقفت حافية القدمين ترتدي ذلك الثوب الفضفاض الذي وصل إلى ركبتيها بالكاد.. كانت ترفع إحدى ساقيها تداعب بها الأخرى وهي تلعق ملعقة المربى باستمتاع أشعل الدماء في عروقه.. أراد الاقتراب, ولكنه يعلم أنها غاضبة.. فتواجده يكاد يكون منعدماً منذ عودتهما من رحلة المعمورة مع مازن ونيرة.. وعندما وصل الليلة الماضية وجدها تنام وسط أولادها بغرفتهما.. وكأنها ترسل له إنذار بعدم الاقتراب.. وكأن الصغيرة أدركت مكر النساء وبدأت تعاقبه به..
ولكنه عاجز عن تغيير الوضع في الوقت الحالي على الأقل.. ريناد بدأت المتابعة مع طبيب جديد.. وأدوية جديدة.. وأنظمة ومواعيد جديدة.. وهو لا يستطيع التخلف عن كل هذا.. هي تريد طفلاً.. ولا يستطيع إنكار حقها بأن تصبح أماً.. وهي غير مقتنعة.. وغير مكتفية بما يقوم به.. أكثر من ثلاث سنوات.. دارت فيهم على جميع أطباء الخصوبة.. في مصر وخارجها.. والكل أجمع على سلامتها الجسدية.. والسبب الأرجح لتأخر الحمل هو التوتر الشديد.. ليظهر أمل كما تقول هي مع الطبيب الجديد.. والذي تطلب منه التواجد المستمر معها.. والابتعاد الإجباري عن علياء.. وهو ما يغضبها.. بشدة.. ولكنه لا يمتلك حكمة لقمان ليتمكن من مراضتهما سوياً.. ولا صبر أيوب.. حتى يبتعد عن علياء أكثر...
اقترب منها حتى التصق بها, أحاطها بذراعيه.. وجمع شعرها_الذي استطال في السنوات السابقة ليصل إلى منتصف ظهرها_ جمعه على كتف واحد ليكشف عن كتفها الآخر الذي انزاح عنه طرف الثوب.. ليطبع قبلات دافئة على كتفها.. وجانب عنقها.. هامساً:
ـ صاحية بدري؟!..
حاولت التملص من بين ذراعيه ولم تنجح سوى في الاستقرار بين ذراعيه أكثر وأكثر.. وهو مستمر في توزيع قبلاته التي أصبحت أكثر عمقاً ونهماً..
تناولت ملعقة مربى أخرى قبل أن تجبه بخفوت:
ـ عايزة أروح المستشفى لنيرة بدري..
كان يمرغ أنفه في جانب عنقها باستمتاع ويتشمم خصلاتها بهوس تقريباً.. وهو يهمس:
ـ يعني ما ينفعش تتأخري شويه؟..
أجابته بغضب مكتوم:
ـ طبعاً ما هو كله تبع مزاجك وكيفك!
همس بخشونة وهو يلفها لتواجهه:
ـ علياء.. أنتِ عمرك ما كنتِ أنانية.. ليه..
قاطعته تحول التملص من بين ذراعيه ولكنه لم يكن ليفلتها:
ـ بس أنا زهقت.. أنت عارف بقى لك قد إيه غايب.. وكله على دماغي..
التهم باقي جملتها بين شفتيه بقبلة مشتاقة وهمس أمام شفتيها:
ـ طب ما وحشتكيش..
دفعته بضعف وبالطبع لم يتزحزح:
ـ ابعد.. كده هتأخرني.. كفاية إني بسيبها تبات لوحدها.. بناء على أوامرك..
أجاب بخشونة:
ـ مش هتقضي ليلة واحدة بره البيت..
ثم تغيرت نبرته بفعل معجزة ما لشقاوة عابثة:
ـ إلا لما تولدي.. بالمناسبة صحيح.. مربى إيه دي؟..
وعاد لتقبيلها مرة أخرى حتى يتأكد بنفسه من نكهة المربى.. وهي بادلته قبلاته بقلة حيلة.. تريد أن تأخذ موقفاً حاسماً منه مرة واحدة.. ولكنه في كل مرة يكتسحها.. وينسيها غضبها وأسبابه.. ينسيها زمانها وما يحيط بها..
حاولت مرة أخرى التملص منه وهمست بتوسل:
ـ يزيد.. اعقل الله يخليك.. أم علي..
همس أمام شفتيها:
ـ هي فين؟..
سألته بلوم:
ـ لسه فاكر تسأل دلوقتِ.. أنت ناوي تفضحني معاها.. وإيه ده؟.. كمان مش لابس جاكت البيجامة؟..
سألها بعبث:
ـ أنتِ لسه واخدة بالك؟.. إيه اللي كان شغلك!
خبطته بقوة على ظهره فتظاهر بالألم:
ـ آآه.. بقيتِ قاسية يا فراشتي..
أحنى رأسه ليعاود تقبيلها, ولكنه توقف في منتصف المسافة ليسأل بتوجس:
ـ هي فين صحيح؟..
هزت كتفها بدلال:
ـ راحت السوق..
رفعها بين ذراعيه ليهتف:
ـ وقاعدة تضيعي الوقت في الكلام..
استمر بتقبيلها ورفعها بين ذراعيه ليمددها برفق فوق العارضة الرخامية وهو يسألها بعبث:
ـ فاكرة.. اليوم ده.. والرخامة..
هتفت بحنق:
ـ يزيد.. نزلني.. الولاد.. أم علي..
قطع كلماتها بقبلاته المجنونة كعادته.. يسحبها معه في دوامته ولكن تلك المرة شعر هو بمن يجذبه من سرواله:
ـ بابا.. زيد.. بتعمل إيه؟..
نظر لأسفل ليفاجئ بعلي ابنه ينظر إليه بدهشة وتساؤل عما يفعله بأمه فوق العارضة الرخامية.. بينما أكمل علي ببساطة وهو يشب على قدميه حتى يرى علياء التي كانت ذراع يزيد تمنعها من الجلوس:
ـ ماما.. لولو.. عايز كورن ليكس..
تملصت علياء من ذراع يزيد التي تكتف حركتها وهي تتمتم غاضبة من الموقف المحرج الذي وضعها به, وتحاول السيطرة على الدماء التي تتصاعد إلى وجنتيها لتفاجئ بدخول أم علي إلى المطبخ وهي تشهق عالياً:
ـ هو أنت ما تسمعش عن أوض النوم والسراير!!.. في المطبخ يا...
وسكتت لتكمل بخفوت شديد:
ـ يا مفضوح..
رفع علياء بين ذراعيه وهي تحاول التخلص منه ولكنه منعها على الفور وهتف بأم علي:
ـ فطري علي.. ومش عايز أسمع ولا كلمة..
واتجه على الفور إلى غرفته وهو يحمل علياء.. دخل وأغلق الباب بقدمه.. ليلتفت لها ويأخذها بين ذراعيه مرة أخرى..
حاولت معاتبته ولكنه لم يتح لها الفرصة وهو يهمس لها بشوقه الكبير لها..
وبعدما ارتوى قليلاً من نبعها الذي لا ينضب..
همس لها:
ـ طلعت مربى توت!..
ابتسمت برقة وهي تلومه بغضب مفتعل:
ـ كده أم علي تقول علينا إيه!..
دس رأسه في تجويف عنقها هامساً:
ـ الدكتورة قالت لك إيه؟..
دفعته بقوة وابتعدت عنه وذهبت لتجلس على الأريكة واضعة ساقاً فوق أخرى وقد نسيت ردائها القصير.. وهتفت به بحنق:
ـ لو كنت مهتم كنت جيت معايا..
تحرك ليجلس على الأريكة ويجذبها لتستقر على ركبتيه:
ـ وبعدين بقى.. علياء.. طيب أراضيكي إزاي بس..
هزت كتفيها بدلال أنثوي اكتسبته مؤخراً دفعه ليقربها منه هامساً:
ـ هو إحنا هنوصل لمرحلة البرفيوم امتى؟..
كتم شهقتها بقبلته.. ولكن لو كانت علياء تضيع وسط عاطفته.. فمنزله أصبح مليئاً الآن بمن يمكنه هدم لحظات جنونه ودفعه للتعقل.. وكانت تلك المرة الصغيرة نادية التي دخلت عليهما الغرفة وهي تمسك الهاتف بيدها الصغيرة وتتحدث مع المتكلم بود:
ـ زيد هنا.. مع لولو.. بيديها سكر.. سكر.. بيبوسها..
وأطلقت ضحكة طفولية بريئة غافلة عن نظرات والدها المذهول وعلياء التي تحول وجهها إلى لوحة من الألوان... من الأحمر القرمزي, إلى الوردي, وأخيراً الأصفر الشاحب عندما أجاب يزيد عن الهاتف لتسمعه يهمس:
ـ مين؟.. مااااااااازن!!..
قطع شهقتها المحرجة هتاف يزيد:
ـ لا حول ولا قوة الا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
****
استقرت دنيا بين ذراعي مازن.. رأسها على صدره.. أنامله تداعب شعرها بحركة رتيبة.. رغم الإجهاد الذي تصرخ به خلايا جسديهما, إلا أن النوم يجافيهما..
مازن تبنى حالة من الصمت المذهول بعد تلقيه رسالة حسن.. ولم يفتح الموضوع معها ثانية.. بينما تدبر أمر إجراءات الدفن وطقوس العزاء..
أدار الأمر بمهارة كعادته.. واسى أب مكلوم.. وقدم تعازيه لأم ثكلى.. اعتذر عن حضور شقيقه.. وبرر ذلك بانهيار أعصابه واحتجازه بإحدى مشافي باريس.. كذبة حمقاء.. ابتلعها والدي منى بدون تساؤل.. فبداخلهما يدركا عجز حسن عن مواجهتهما.. وقد منحاه طفلتهما كزهرة يانعة في ثوب زفافها الأبيض, ليعيدها إليهما ملفوفة بكفنها.. يدركا أن لا ذنب له.. ولكن يجب أن يكون هناك من يتحمل وزر كل مأساة تلم بنا.. تلك إحدى قوانين الحياة.. حتى لو كان قانوناً بلا معنى..
لا تنكر أن يزيد كان نعم الصديق.. جاور مازن في كل خطوة.. تقبل تفسيره عن غياب حسن_وقد أخبره الحقيقة_ بصمت تام.. لم يزعج مازن بتساؤل بلا معنى.. علياء كانت موجودة أيضاً.. تبدو جميلة بصورة غير اعتيادية.. استطاعت بحنانها الفطري احتواء والدة منى ومواساتها ولو قليلاً.. إلا أنه رغم كل النضوج الذي بدا أنها اكتسبته لم تستطع إخفاء دهشتها من وجودها هي.. "دنيا"!!!..
لا تنكر أنها تتعجب من إصرار مازن على الظهور برفقتها.. هناك في باريس أمام صبا وفريدة.. وفي عزاء منى أيضاً.. لا تدري_للمرة الأولى_ فيما يفكر.. ويخطط.. رغم تفهمها لعدم إخباره لنيرة بوفاة منى, بل أنه لم يخبرها بعودته من الأساس.. ولم يكن السبب وعده لحسن فقط.. حاستها الأنثوية أخبرتها أن نيرة لن تستطيع مواساته كما ينبغي.. كما يريد.. تتفهم ذلك.. كما تتفهمه دائماً.. وتستطيع معرفة ردود أفعالة حتى قبل أن يفكر بها..
شعرت بتوقف حركة أنامله في شعرها فرفعت رأسها قليلاً.. لتراه أغمض عينيه.. طبعت قبلة رقيقة على جبينه.. وتحركت من الفراش لترتدي روباً خفيفاً وتذهب لتحضير كوب من اللبن الدافئ.. عله يساعدها على النوم..
كادت أن تخرج من الغرفة حين استوقفتها صورتها المنعكسة في المرآة..
وقفت تتأمل نفسها قليلاً.. مازالت تتمتع بذلك الجمال الوحشي.. تحسست ملامح وجهها بإجهاد.. وهي تميز ظهور بعض التجاعيد الخفيفة.. الزمن بدأ يترك بصماته.. وستمر السنوات سريعاً وستتزايد تلك البصمات بسرعة أكبر.. لا تخيفها تلك التجاعيد, بل تخيفها الوحدة.. أن تنتهي وحيدة.. ألا تترك أثراً ورائها..
اسمها كأشهر مصممات الأزياء!..
الآن.. لا تعده شيئاً أمام رغبتها الجامحة لتكون أم.. نعم أم.. رغبة لم تظن أن تراودها يوماً.. ولكنها أصبحت الآن هاجساً مسيطراً عليها بقوة.. وما مرت به في اليومين السابقين؛ وفاة منى.. المرأة الشابة المليئة بالحيوية.. التي انتهت.. بلا أثر.. لم تبقِ ورائها شيئاً إلا ذكرى في قلب عاشق قرر أن يتناسى تلك الذكرى ولو كانت روحه الثمن.. كل تلك الأمور تدفعها دفعاً للاستجابة لرغبة الحياة.. تريد طفلاً.. طفله.. وبداخلها تعلم أنها لن تستطيع الاحتفاظ بالاثنين معاً.. الرجل والطفل.. عليها مواجهة نفسها.. مصارحة قلبها بما تهربت منه كثيراً.. عليها الانسحاب كما أخبرته يوماً.. فهي بكل حماقة الأنثى وقوتها سقطت في حبه.. عليها مصارحته والانسحاب.. ولكن قبلها.. عليها أن تسأله.. فهي لا تتحمل أن يكون لطفلها أباً غيره..
رأت صورته تنعكس أمامها في المرآة وهو يلتصق بها من الخلف.. يضمها إليه بقوة وهو يطبع قبلة خفيفة جنب أذنها ويهمس لها:
ـ زي القمر..
ابتسمت برقة وهي تسأله بشك:
ـ فعلاً!!
قبلة رقيقة أخرى على عنقها صاحبها سؤاله:
ـ في إيه يا دنيا؟.. أنتِ مش طبيعية..
التفتت له وهي تضم نفسها له.. وتضع رأسها على كتفه:
ـ وهو في إيه في الدنيا طبيعي!..
علم أنها تشير إلى وفاة منى وزواج حسن السريع.. فدس أنامله في خصلاتها ليرفع لها رأسها:
ـ غريب أنك بتقولي كده.. مع أنكِ شرحتِ لي تفهمك لسبب جواز حسن السريع..
ـ أتفهمه شيء.. وأنه يسبب لي الغضب شيء تاني..
حاول أن يتكلم فوضعت أناملها على شفتيه لتمنعه هامسة:
ـ مش هقدر أتكلم عن حسن ومنى.. لأني عاوزة أكلمك في موضوع تاني..
وضع ذراعه فوق كتفها واصطحبها ليجلسا سوياً فوق الفراش.. أراح جسده إلى ظاهر الفراش وثنى أحد قدميه وبسط الأخرى وجذبها لتجلس بينهما فالتصق ظهرها بصدره.. وارتكز بذقنه على قمة رأسها وتنهد هامساً:
ـ أيوه كده.. دلوقتِ نقدر نتكلم.. بس وأنتِ في حضني..
ابتسمت وهي تترك نفسها له لترتاح على صدره.. وتتساءل بداخلها.. إذا كان يدرك ما بها بالفعل.. ولهذا يبقيها بين أحضانه.. تعلم تشبثه بها.. هل يحاول أن يجعل الأمر أكثر صعوبة مما هو..
خيم الصمت عليهما لعدة دقائق.. اكتفت فيها بالإمساك بكف يده وتوزيع قبلات رقيقة عليه.. وأخيراً همست له:
ـ أنت إنسان جميل يا مازن..
قاطعها:
ـ دنيا.. أنا..
التفتت له لتضع أناملها على شفتيه مرة أخرى:
ـ أنا بحبك..
راقبت اتساع عيناه ذهولاً من اعترافها.. ثم ارتسم الذهول والغضب على كل ملامحه وهي تكمل:
ـ لازم ننفصل..
انتفض لينهض من الفراش بينما استندت هي على ركبتيها لتتمسك بكتفيه قبل أن يبتعد وتحيط صدره بذراعيها:
ـ مازن.. أرجوك افهمني..
التفت لها يهتف بغضب:
ـ أفهم إيه!.. بتحبيني وعاوزة تنفصلي في نفس الجملة.. وفي اكتر ليلة أنا محتاج لك فيها..
نزلت من فوق فراشها ومازالت ذراعيها تحيط بعنقه وهمست:
ـ لأن دي أكتر ليلة أنت محتاج فيها تسمع الحقيقة مني.. أنا بحبك يا مازن.. حبيتك.. امتى وازاي؟.. مش عارفة.. أنا أخدت عهد على نفسي.. على قلبي.. أنه يبعد عن الحب.. يهجره.. لكن أنت.. أنت من غير ما أحس.. وضد إرادتي اقتحمت قلبي.. دخلت تحت جلدي.. بقيت بتسري في دمي..
أغمض عينيه وهو يسمع اعترافاتها الصادقة.. لقد كانت محقة.. هو بحاجة لسماع ذلك.. سمعها تكمل:
ـ يمكن وفاة منى أجبرتني إني أواجه نفسي.. العمر قصير.. الحياة بتجري.. لا.. دي بتتبخر.. وممكن أموت في لحظة..
أسكتها بقبلة نهمة تركتهما يلهثان معاً.. وأكملت:
ـ أنا كنت محتاجة إني أقولك إني بحبك.. زي ما أنت بالظبط محتاج انك تسمعها..
امسك وجهها بكفيه متسائلاً بحيرة:
ـ ومع الحب ده كله.. بتطلبي الانفصال؟!..
أومأت لتهمس بألم:
ـ أنا قلتها مرة يا مازن.. يوم ما هبدأ أغير من نيرة.. يبقى هنسحب من حياتك.. ودلوقتِ..
هزت كتفيها بعجز.. ليهتف هو بتوسل:
ـ دنيا.. أنا ما اقدرش..
لم يكمل جملته بل التهم شفتيها بقبلة مفترسة.. شرحت عنه حاجته اليائسة لها.. تركت شفتيها له.. جسدها.. ومن قبلهما روحها وقلبها.. سلمت راياتها واحدة بعد الأخرى وهي تعترف لها بالسيادة الكاملة...
شعرت به يحملها ليضعها فوق الفراش بنعومة.. فاعتدلت جالسة وهي تبعد خصلاتها عن وجهها وتضع يدها على صدره لتوقف اقترابه وتهمس:
ـ مازن.. أرجوك.. اسمعني للآخر..
هز رأسه رافضاً:
ـ مش عاوز اسمع كلمة انفصال.. أنا بخطط من مدة أني أعلن جوازنا..
قاطعته والكلمات تجري على لسانها بلا إرادة منها:
ـ أنا عاوزة أكون أم يا مازن.
هتف بغضب:
ـ عايزة تطلقي عشان....
قاطعته حتى لا يجرحها بكلمات لا يقصدها:
ـ عاوزة يكون لنا طفل يا مازن.. عاوزاك توافق أنك تكون أب.. لطفل لنا إحنا الاتنين..
أغمض عينيه.. لا يستطيع تصديق أذنيه.. انها تتوسله طفل.. تحتاج طفله هو.. تريده أن يجعلها أم.. ويعلم أنها ستكون أم رائعة.. مجنونة قليلاً ربما.. ولكنها مذهلة.. وصالحة..
اقترب منها برغم منعها له وأمسك بوجهها بين كفيه وهو يهز رأسه بالموافقة فقد منعته قوة مشاعره من الإجابة.. بينما همست هي له بتوسل:
ـ وبعد الولادة.. هنتطلق..
********
فتح حسن عينيه ببطء.. رمش عدة مرات يحاول إدراك ما حدث ويحدث.. يعلم أنه مستلقِ على فراش ضيق.. فراش غريب.. جدران ذات لون أزرق فاتح جداً.. سجاد وستائر في غاية الفخامة بلون أكثر زرقة..
أين هو؟.. كيف وصل إلى هنا؟.. أين ومتى وكيف؟.. كلها كانت أسئلة بديهية.. لكن لا إجابة في عقله المشوش..
اعتدل جالساً وتلفت حوله عدة مرات.. محاولاً بضراوة التذكر.. لكن .. لا شيء.. ذاكرته صفحة بيضاء تماماً..
صفحة تلونت بالسواد.. بل تلطخت به.. تمزقت وتبعثرت وتناثرت قصاصتها.. عندما دوى في ذهنه السؤال الأهم؟..
مَن؟..
مَن أنت بدونها؟.. لا شيء.. قلب مبعثر بلا معنى.. بلا هدف.. روح هائمة.. ضالة وضائعة.. دائماً كانت هي الأقوى.. الأشجع.. للنهاية.. اختارت الرحيل بشجاعة.. بشموخ وكبرياء كما اعتاد منها.. لم تضعف ولم تنحنِ للمرض.. فقط.. اختارت الرحيل قبل أن يزداد العذاب فلا تتحمله روحها البريئة, أو فليقُل.. قُدِر لها الرحيل بكبرياء.. واستجابت دعوتها.. بألا يزداد العذاب.. فالمرض هاجمها بسرعة وشراسة كما أخبرته لورا..
لورا!!!..
لقد سطعت الإجابة في رأسه على الفور.. كانت لورا هي إجابة تساؤلاته العصية..
مد يده يلتقط علبة سجائره ليشعل إحداها, ومع شعلة اللهب البسيطة للقداحة هاجمته ذكريات ثلاثة أيام مضت.. ثلاثة أيام وهو يعيش الغيبوبة..
غيبوبة رمادية.. قاتمة.. بلا ملامح.. مشاهد وصور هلامية تتكاثف في عقله ليسترجع أحداث أيامه السابقة.. وكيف انتهى به الأمر بفراش لورا..
فبعد أن ترك المشفى هائماً على وجهه.. لم يحتمل الابتعاد.. لم يستطع.. فتهالك على أقرب مقعد خارج المشفى.. يراقب مدخله.. ينتظر آخر نظرة.. وآخر وداع.. مرت ساعات تجمد بها على وضعية واحدة.. عيناه شاخصة لباب المشفى.. ويداه تهدلت بجواره.. وقد ابتل حتى عظامه.. فالمطر لم يكف عن الانهمار وكأن السماء تبكيها بدلاً منه.. فدموعه تحجرت في مآقيه تأبى الهطول.. وكأنه ذرف كل ما يملك منها.. وكأنه يخشى أن يبكي مجدداً فيتأكد أنه يعيش حقيقة.. وليس كابوس قاتل..
دقائق من جحيم عاشها وهو يلمح سيارة الإسعاف تتحرك بها.. وخلفها سيارة فريدة.. لم يهتم بمن في السيارة.. فقط شعر بروحه تنتزع انتزاعاً لتحوم فوق منى لتصاحبها في رحلتها الأخيرة.. قلبه رحل معها.. لقد ناشدته تحرير قلبها.. ولكن ماذا عنه هو؟.. مَن يمنحه الخلاص؟.. مَن يريح ذلك الألم؟..
ألم!!.. إن أقل ما يشعر به هو الألم.. هو كالطائر المذبوح.. ولكنهم أساءوا ذبحه.. فلم يمت.. ولم يحيا أيضاً.. بقي على خط رفيع بين الحياة والموت.. عاجزاً عن التعبير حتى عما يشعر به فقط دمعة وحيدة.. ثقيلة.. جرحت جفنيه وهطلت بقوة.. لينتبه على يد رقيقة تربت على كتفه.. وبطرف عينه لمح لورا تجلس بجانبه وقد أمسكت بمعطف واقي من المطر تعرضه عليه..
هز رأسه رافضاً.. فهو يريد برودة تلك الأمطار.. يحتاجها.. بل يسعى إليها.. فقد تجمد مشاعره.. وقد تحييها..
وصله صوت لورا الهامس:
ـ حسن.. لماذا لم تسافر معها؟..
رمقها بنظرة مذبوحة ليهمس بالعربية وهو يشير إلى صدره:
ـ هي هنا.. ما بعدتش.. ولا عمرها هتبعد..
أومأت برأسها لتوضح أنها فهمت كلماته.. وأخبرته بشرود:
ـ قصتكما رائعة.. أنت عاشق متفاني, حسن..
أجابها بالعربية مرة أخرى:
ـ هي اللي عملت مني عاشق.. أنا زعلتها كتير.. وأذيتها كتير.. منى حكيت لك وصورتني بطل, لكن الحقيقة.. أنها هي.. هي منى..
غص بكلماته ولم يستطع إكمالها, ولم يتمكن من البكاء أيضاً.. ما بال تلك الدموع تعانده بحماقة..
صمت خيم عليهما طويلاً.. لتقطعه لورا بشهقة حزينة:
ـ حسن.. أنت مبتل تماماً.. هيا.. تعالى معي.. سأدعك تبقى في غرفتي بالمشفى حتى انتهي من مناوبتي..
مدت يدها لتساعده على النهوض وهي تتخيل أنه سيقاومها ولكن لدهشتها وجدته يتحرك معها بسهولة ويسر.. اصطحبته إلى غرفتها.. وهناك عرضت عليه أن يبدل ملابسه وينام حتى تأتي إليه...
غابت عدة ساعات.. وعادت لتجده على حاله كما تركته.. جالساً على الفراش.. يبدو كتمثال حجري بعينيه الساهمتين الشاردتين.. وهو ينظر إلى اللاشيء..
اقتربت منه ببطء وجلست إلى جانبه تهمس بعربية ضعيفة:
ـ حسن.. ليه مش تنام؟..
ظل على وضعه.. ولم يبدِ أي رد فعل.. فاقتربت منه أكثر تداعب شعره بأناملها وهي تهمس بجوار أذنه:
ـ حسن..
كانت همستها خافتة.. واقترابها بطئ ولكن موحي.. شفتيها تحركت على صدغه ببطء وإغراء شديد.. قبلات صغيرة دافئة.. عناق حنون.. رأسه يرتاح على كتفها براحة.. يدها تتحرك ببطء على ظهره تقربه منها.. ثوانٍ وكانت تداعب بشرة ظهره وكتفيه بعد أن خلصته من قميصه.. كانت تريد منحه الراحة.. السلام.. ولم تعرف سبيلاً آخر سوى ذلك.. قبلاتها توزعت على وجهه حتى وصلت لشفتيه.. وهو لم يقاومها.. تجاوب معها.. بضعف في البداية.. ثم بقوة.. ضراوة وشراسة.. بيأس جعله يستلقي فوقها ويلتهمها بشراهة.. بعنف.. عنف تألمت منه بضعف فانتفض بقوة.. ليبتعد عنها وهو يدرك ما كاد أن يحدث..
ابتعد قليلاً عن الفراش وكانت شفتيه تردد بهمس..
"آسف"..
ولكن لورا لم ترد اعتذاره.. أرادت منح الراحة.. السلام.. لذلك العاشق المكلوم.. تريد مواساته.. وتلقِي دموعه بين ضلوعها.. ذلك الفارس العاشق لا يجب أن يترك مهجوراً.. محروماً.. ومنبوذاً بعيداً عن الجميع..
نهضت من الفراش وهي تقترب منه ببطء وتمنعه من ارتداء قميصه هامسة:
ـ Hassan... plz... I know what i’m doing... I want to be with you.
نظر حسن إليها بيأس.. عاجز عن اتخاذ قرار.. هل يجاريها ويخسر ذاته معها.. هل بقي من حسن شيء بعدما فقد قلبه وكيانه؟..
أغمض عينيه بألم.. ليجدها تحاول تقبيله مرة أخرى.. قبلة.. وأخرى.. وأخرى.. ليهمس بضياع:
ـ marry me... marry me, Loraa.. now!...
حاولت لورا الاعتراض.. ولكنه اقترب هذه المرة ملتهماً شفتيها بعنف:
ـ أرجوكِ..
همسها كمن يلقي بنفسه من جرف عالٍ.. كمن أراد الخلاص من حياته.. أنه ظالم.. يظلم لورا.. يظلمها وهو يتزوجها ليموت بين ذراعيها.. لن يستطيع قتل نفسه.. يعجز عن الانتحار الفعلي.. لكن يمكنه قتل ألمه.. أن ينسى..
وهل يستطيع نسيانها؟.. كلا.. فلينسى فقدانها.. مستحيل آخر.. كيف يتجاهل ذلك الخواء بداخله.. دوامة سوداء تبتلعه ببطء.. وبقدر عجزه عن مقاومة الغرق بها, بقدر عجزه عن مقاومة النجاة منها..
فلينسى أن يتذكر.. ليستخدم ذراعي لورا.. وشفتيها.. وجسدها.. كممر للهروب.. الهروب من الذكريات.. الهروب من الضياع بضياع آخر..
ضياع استمر إلى الآن لثلاث أيام طويلة.. ثلاثة أيام لم يسمح لها فيهم بالابتعاد عنه.. يسكر بخمر شفتيها ويغيب عقله في طيات شعرها.. يضيع جسده معها كما أضاع قلبه مع منى..
وقفت بباب الغرفة تتأمل شروده.. تعلم أنه غارق مع غيرها.. ولكنها ستنتظره.. ستطهره من ذلك الحزن القاتل لتنال جائزتها.. فارسها العاشق الذي سقطت غارقة في غرام عينيه منذ اللحظة الأولى.. لقد أحبته حتى أنها صلت لتعيش منى.. لتجنبه وجع القلب.. فهي تدرك أنه ضائع بدون محبوبته.. تدرك أنه سيتشبث بها بخوف طفل يحتمي بأمه.. وسيرفضها بقوة عاشق ينتمي لامرأة غيرها..
انطلقت بدون إرادة منها همسة عاشقة:
ـ I love you Hassan...
فاجأته.. بل صدمته.. فقد أدخلت قلبها في المعادلة.. وهذا ما لم يضعه في حسبانه..
****
استعجلت الرحيل ياعمري
فما زلت لليوم أذكر نفسي
أن حب عمري قد أصبح
حلمي
وأضحى بين يدي عشقي
وأمسى ذكرى تتلاحقها الدموع
أتتركيني ها هنا أبكي على ضحكة
وأذكر منك تلك الكلمة
ويناديك ذلك الخافق الرابض في صدري
أيا روحه.. أيا نصفه
أيا دمي الذي يضخه قلبي
عبر شرياني
ليصب في قلبك
فبالله عليكِ قولي أنني
أحلم
وسوف أصحى مفزوعاً
وتصحين لتلميني في حضنك
وتهديني ترنيمة عشق
بأنني هنا أسكن في صدرك
الخاطرة الأخيرة
بقلم: نداء الحق



التعديل الأخير تم بواسطة لامارا ; 20-01-18 الساعة 05:39 PM
لامارا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس