عرض مشاركة واحدة
قديم 06-02-18, 09:39 PM   #356

ملاك علي

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاءوقلم مشارك بمنتدى قلوب أحلام وحارسة سراديب الحكايات

 
الصورة الرمزية ملاك علي

? العضوٌ??? » 412135
?  التسِجيلٌ » Nov 2017
? مشَارَ?اتْي » 1,270
?  نُقآطِيْ » ملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond reputeملاك علي has a reputation beyond repute
افتراضي

الفصل السادس و العشرون

قراءة ممتعة 💋

***************

كان جالساً في سيارته يراقب باب منزل يوسف..... يفكر في زوجته.... أسبوعان وهي بعيدةٌ عنه....إشتاق لها جداً، رغم أن بعد ثورتها عليه كانت متباعدة روحاً عنه....لكن جسديا كانت دائماً معه......حاول أن يحدثها، يشرح لها أنه بين نارين أحلاهما مر....لكنها أصرت على عنادها..... هو لا يلومها فما رأته من عائلته ليس بقليل...لكنه يشتاق إليها.... و لبطنها التي تزداد تكوراً مع الوقت.... يريدها..... يشتاق للمستها، ندوبه تؤلمه بعيداً عنها... لا يستطيع أن يمر يوم دون أن يرسل لها رسالة....يذكرها أن تأخذ البسكويت المالح في الصباح.... و كل وقتٍ يذكرها بميعاد دوائها....يعرف أن تعاني كثيراً في حملها، لكنه سعيد أنها سترتبط به بطفلين للنهاية..... سيكونان وشمه عليها، هي امرأته هو، أم أطفاله.....ورغم أنها لا ترد عليه، و هاتفها مغلق طوال الوقت، لكنه مطمئن أنها بخير.... و في مأمن عند يوسف.

نظرت للهاتف الذي أرسله لها مع يوسف بعد ثلاثة أيام من خروجها من المستشفى و اتجاهها مباشرة لمنزل يوسف..... منذ أسبوعين و هي في بيته و مرح، لكنها منغلقة على نفسها لا تخرج من الغرفة.... خجِلة أنها عبء عليهما. رغم أن يوسف يحاول ألا يظهر ذلك....عكس زوجته التي لا تضحك أبداً.
حملت الهاتف بسرعة لتفتحه..... ثواني لتنهال عليها عدة رسائل و المرسل واحد
( إشتقت لكِ....) ( لا تنسي دواءك.... أحبك)
( طول اليوم و أنا أفكر بك....أحبكِ حمرائي) ... و تليها عدة رسائل أخرى، يحكي عن تفاصيل يومه.... ليتوقف قلبها على رسالة ( اليوم في العمل....تعرضتُ لإصابة..... ) لم تكمل بقية الرسالة، لتتصل به و قلبها يوشك على التوقف.

كان متكئاً للوراء في سيارته...... ينظر لصورتها....كانت نائمةً في المستشفى و شعرها الأحمر يحيط بها....
" حكم علي بالإحتراق...يوم عشقتك يا شُعلة ".... إهتز هاتفه، لتظهر صورتها هذه المرة بعبائتها المضحكة....و تُخرج لسانها له..... لم يصدق أنها تتصل به....فتح الخط.... كان يعتقد أنها ستعاتبه، او ربما لن تتكلم، ستقطع عليه الخط....لكنها صدمته عندما قالت بلوعة
- " هل أنت بخير.... مصطفى هل أصبت؟" لم يجبها....و هو يغلق عينيه يتلذذ بصوتها الذي اشتاقه حد الألم
- " أرجوك مصطفى.. أجبني، قلبي يؤلمني...." قالت لتنخرط في بكاءٍ مرير.
- " سلامة قلبك حبيبتي... أنا بخير"
- "أقسم أنك كذلك...."
- " أقسم لك....ثم من أخبركِ أنني مصاب؟"
- " قرأتُ رسالتك...و خفت أن تكون تأذيت "... كان يحاول تذكر عن أية رسالة تتحدث، ليضرب جبينه و هو يتذكر حادثة التمرين، عندما كان سارحاً يفكر فيها، ضرب رأسه مع عمود التمرين..... إبتسم بشيطنة، ليغير نبرة صوته...لتحمل الآلام
- " جميلة....لا أحس أنني بخير، الإصابة كانت خطرة...و قلبي يؤلمني....أرجوكِ، دعيني آتِ و أحضركِ...." قالت بهدوء
- " أنت لستَ مصاب، أليس كذلك؟"
- " قليلا فقط....لكنه يؤلمني جداً.... لأنك لم تقبليه.... " سكت يسمع انتظام تنفسها
- " جميلة؟" نادها بهمس لكنها لم تجب
- " هل تعلمين أن ندوبي خمِدت نارها فقط عندما قبلتها؟" شهقتها أخبرته أنها كانت تبكي بصمت...همس
- " كل ليلة قبل أن تدخلي حياتي....كنت أتلوى بنارها..... و كأن النيران ما زالت تلتهم جسم ذلك الطفل الصغير....أنتِ فقط من جعلها تختفي....."
- " مالذي حدث لك مصطفى؟ " سألته بصوت مخنوقٍ.... وهي تحاول ألا تبكي.... رد عليها برقة
- " عندما سأخبركِ.....أريد أن تكوني بقربي....تضمينني إليك، لأنني خائف....خائف من تلك الذكريات..." أطلقت العنان لدموعها....تبكي ذلك الطفل الذي عاش طفولةً صعبة....
- " يا ليتك معي الآن..... لأمسح دموعك كما أشتهي...."
- " كيف..." قالت تغيضه...وهي تعلم انه حُرم عليه الدخول منزل صديقه.
- " لا تختبري صبري جميلة... أقسم أن ما يمنعني عن القدوم، رغبتك فقط....فلا تعتقدي أنك بمأمن مني عند يوسف....."
- " أنت لا تجرؤ....." قالت تتحداه
- " هل تراهنين...؟" سكتت تعرف أنه مجنون و سيفعلها
- " مصطفى.... ماذا فعلت بموضوع جدتي؟"
- " ملفها الآن عند المحكمة....يبدو أنها كانت تدير وكراً للدعارة، لتتوقف مدة... ثم تحاول العودة الآن، لا أعتقد أن سنها ولا إعاقتها سيشفع لها أمام التهم الخطيرة الموجهة إليها....و ذلك النذل أحد زبائنها، لكنه خرج بكفالة...." اضطربت أنفاسها و هي تتذكر المسمى سعيد.... أحست بألم أسفل بطنها لتئن بضعف
- " هل أنتِ بخير؟ " عرفت قصده.... لكن ما تُحسُّ به في قلبها... أكبر
- " لا أعرف.... أحس بفراغٍ..... و كأنني وحيدة "
- " لا تقولي ذلك حبيبتي.... أنا معك...." قال بثقة
- " لم أعد أعرف.... مصطفى.... صدقاً لم أعد أعرف...." لتغلق الخط....و تنخرط في بكاءٍ مرير.... أصبحت أتفه الأشياء تجعلها تبكي، دخلت عليها مرح بالعشاء.... لتمسح دموعها.... و تتظاهر بالنوم


دقات على زجاج النافذة...... أيقظته من تحليل كلماتها....هل خسرها؟ بعدما كان منارتها صارت تتخبط بعيداً عنه...... أنزل زجاج النافدة وهو يلمح يوسف، الذي قال بفكاهة:
- " يا قيسَ زمانك.... ماذا تفعل مجدداً هنا؟" صاح مصطفى بغضب....و هو يقول بغيرة
- " إضحك....فزوجتك تنام بين ذراعيك كل ليلة....وأنا المسكين المحروم هنا....." ليزفر بإحباط.....و عيونه تحدق في الجهة المقابلة حيث زوجته.....

- " هذا لأنني أعرف كيف أتعامل مع النساء.... ولستُ جلفاً مثلك...." نظر باتجاه المنزل المقابل لمنزله " هل رأيت صاحبه؟ " هز مصطفى رأسه.... ليقول بهدوء
- " غداً سيصبح ملكاً لها و لأطفالنا.....أريدها أن تعرف أن لها مأواً خاصٍ بها.....لا أعرف لماذا لم أفكر في ذلك من قبل" ربت يوسف على ذراعه....التي تستريح على نافذة السيارة
- " خطوة جيدة.....رغم أنها متأخرة.... لكن أن تأتي متأخرة خيرٌ من ألا تأتي أبداً..... " مرر يده على جبينه بتعب ليقول "هل تعلم أن خال مرح يحتضر، و أخبرني أنه يريد رؤيتها؟؟.... لا أعرف كيف سأخبرها بالأمر.... كيف تظن...." سكت لينظر لصديقه الذي كان مركزاً على جهة منزله..... ولا يهتم بما يقول.... قال غاضباً
- " مصطفى.... " ليسكته هذا الأخير و هو يهمس
- " ششش....لا تلتفت....أظن أن هناك رجلا يستقصد بيتك.... فقد لاحظت أنه مر أكثر من مرة..... وفي كل مرة يقف ينظر إليه....بطريقة مريبة" أحس يوسف بالرعب.... مرح و جميلة فقط من يوجد في البيت....قال مصطفى بعملية وهو يعيد تشغيل سيارته
- " لا تذهب مباشرة لمنزلك.....إذهب بهذا الإتجاه....و أنا سأذهب بالإتجاه المعاكس.....لنحاول محاصرته بيننا" وافقه يوسف بهزة رأس ليسلمه محفظة حاسوبه..... ثم اتجه كما اتفق مع مصطفى.... لمح الرجل الذي كان متوقفاً مباشرةً أمام منزله.....ونظراته مسلطة عليه.....بعد أن تحرك مصطفى بسيارته.... أسرع يوسف باتجاهه، ليهرول الرجل باتجاه باب الحي....لكن سيارة مصطفى أوقفت تقدمه....أمسكه يسنده من الأمام على سيارة مصطفى
-" أيها الحقير.... ماذا كنتَ تفعل أمام منزلي.... " ضغط عليه بقوة...و مصطفى يقف بجوارهما.....و مستعد لأي توقف بينهما....ليقول الرجل بصوت مرتجف
- " أنا...أنا أحمد الوفاق.... أبُ مرح..." أداره يوسف بقوة.....ليُسْمَع صوت ارتطام ظهره بالسيارة
- " تباً.... " لعن بقوة و هو يبتعد عنه.... صاح بغضب وهو يمسك بتلابيبه
- " ماذا تفعل هنا؟" كان مختلفاً عن الرجل الذي التقاه سابقاً... كان يبدو أكبر عمراً و أنحف....يكاد لا يتعرف عليه أبداً.
- " أريد رؤية ابنتي...." قال بصوتٍ كسير
- " ابنتك.....ابنتك، بعد أن أردت أن تعيدها لذلك.... " سكت عندما تذكر أن جعفر في عداد الأموات " أستغفر الله " همس...... ليقول بهدوء " إبنتك قد ماتت سيد أحمد .....هيا مصطفى " تحرك باتجاه منزله، لكن أحمد الوفاق أسرع يمسك بيده.... يريد تقبيلها لولا أن نفضها بعيداً...
- " أرجوك سيد العالمي.... أريد أن أراها...أن أطلب منها السماح.... و أخبرها أن أختها قد ماتت " قال ليخر على الأرض يبكي.....وهو يتذكر ابنته الصغيرة.... التي ماتت بعد شهور من المرض، مرضت مباشرةً بعد انتقالهم للمنزل... بحمى قاتلة.... و كل ما تهذي به هو إسم شقيقتها الكبرى " مرح" رغم أنه اصبح أباً لذكر....إلا أن حزنه على بناته أنساه لهفة رغبته بمولود يحمل إسمه...."أتوسل إليك"
إقترب منه يوسف يوقفه...... ليقول
- " سأخبرها.....وهي من سيقرر، و عليك أن تحترم رغبتها...."ثم سار مبتعداً....يلحقه أحمد و مصطفى يتجه نحو سيارته مغادراً.

دخل للمنزل.....ليلمح مرح خارجةً من غرفة جميلة....تحمل صينية عشاء..... إقترب منها، ليأخذها منها.... همس وهو يقبل وجنتها بحرارة
-" كيف حالها؟ "
قالت بعد أن عادت دقات قلبها للإنتظام.....فاقترابه منها كان مهلكاً لمشاعرها..... لمسةٌ منه..... تجعلها تدوب و ترغب بالمزيد منه.....لكنه توقف عن تقبيلها و هي توقفت عن المطالبة بها.....فكبرياؤها كأنثى يمنعها من الذهاب إليه و مطالبته.....بجرعةِ مسكنها.
- " هي ليست بخير.....الغثيان قد زاد كثيراً.... وهي لا تفعل شيئاً سوى النوم و الإستفراغ....أخاف أن يصيبها مكروه.... " رن هاتفه ليضع الصينية على الطاولة القريبة منه و استنذ على الأريكة ليجذبها معه....يحاصرها بيده... همس وهو يتحقق من المتصل
- " أعرف علاجها.....نعم مصطفى..... " سكت قليلا يلعب بأصابع يد مرح....ليقول بتوثر " دعه هناك قليلا....و إبقى معه.... ريثما أخرج" أنهى المكالمة ليقربها منه.....قال قبل أن يستلم شفتيها
- " إشتقت إليك كثيراً.... كثيراً " قبلها برقة.....كأنه يخشى من خدشها..... إبتسم بسعادة و هي تتجرأ على إحاطة عنقه بذراعيها....تقترب منه أكثر بحميمية لطالما حلم بها....
كانت تحس بقبلته وكأنه يحاول حمايتها من شئ ما.....لكنها حاولت أن تُظهِر له أنها لا تخشاه....هو ملاكها..... " أنت ملاكي يوسف.... ملاكي أنا فقط " لم تعرف أنها نطقت بها.... إلا حين وقف بقوة....يطل عليها.... و يقبلها بقوة... إستقبلتها بترحابٍ.
مشاعرهما كانت تظهر على ملامحهما.... كان يستند جبينه على جبينها بتعبٍ......وكأنها مركز ثقله..... قوته تكمن بها.
- " ماذا هناك يوسف.....فقط أخبرني" همست وهي تمرر يدها على لحيته.....تتخللها بأصابعها....فتح عيونه ليقول بدون مقدمات
- " والدك هنا....." نظرت إليه برعب...لتلتفت تنظر حولها
- " هنا....هنا....ماذا تعني أنه هنا؟" وضع ذراعه على عنقها يغرسها في حضنه بقوة....
- " لا تخافي.....يريد أن يطلب منكِ السماح.... و يخبرك... " سكت لينظر في عيونها....."أن أختك ماتت" حبست أنفاسها....تنظر إليه، تتأكد من صحة ما يقوله من خلال نظراته.....وضعت يدها على فمها.....لا تريد أن تسأل من منهن، فرغم كل شئ هن اخواتها من أبيها....و رابط الدم أقوى من كل خلاف حدث بينهن يوماً.... إندست أكثر في حضنه.... تخشى السؤال...لكنها همست بحزن
- " من؟! "
- " لا أعرف حبيبتي.... هو لم يخبرني " قالت وهو يمرر يده على ظهرها
- " إنا لله وإنا إليه راجعون.... " همست بحزن
- " هل أدعه يدخل؟! " حركت رأسها بتعب.... و هي تبتعد عنه.....لكنه لم يسمح لها
- " هل أنتِ متأكدة؟ .... يمكنني أن أطلب منه المغادرة " نظرت إليه بامتنان....فهو لا يتوانى على إشعارها أنها الأهم عنده.....
- " لا.... أريد أن أراه....أحتاج أن أعرف ذنبي ليعاملني بتلك الطريقة" وقبل أن تتحرك قال
- " هل تسمحين لمصطفى.... أن يدخل لرؤية زوجته....فحالته أسوأ من حالتها..... و كأنه الحامل و ليس هي" ابتسمت له بتوتر .... لا تريد أن تحسسه أن عقدة الأصدقاء مازالت تؤرقها، لكن طوال الأشهر السابقة، لم يتوانى مصطفى عن إظهار تشجيعه لها، حتى القضية التي أُغلقت، و عُلِّقت بموت زوجها....مازال يضع أصدقائه تحت ناظريه، ينتظر فقط هفوة منهم ليجعلهم يدفعون الثمن
- " بالطبع...." قالت و هي تلتفت عنه....كي لا يرى ملامحها، التي أصبحت مقروءة له....
- " ليس عليك أن تمثلي أنكِ لست مرعوبة من الفكرة مرح.... أنت تخصينني الآن....و أقسم أن أدفن من يحاول جرحك... "
- " أعلم حبيبي.... " قالت بخجل، لتستطرد بقوة تحاول مداراة احمرار و جنتها....ما جعله يبتسم " دعه يرى زوجته....فحالتها لا تسر عدوٌ.... و أخبره أن يجبرها على الأكل........ سأذهب لأغير ملابسي... "


*******************

إلتفت باتجاه مقعد السائق ..... ليلمح حاسوب يوسف الذي سلمه له سابقاً.... ليعود أدراجه، و يجد اب مرح مازال واقفاً على الباب
- " السلام عليكم... " قال وهو يقف بجانبه
أخرج هاتفه يطلب من يوسف الخروج.....لكنه طلب منه أن ينتظر مع الرجل...... بعد نصف ساعة، انفتح الباب، ليطلب يوسف من الرجل أن يدخل....ليلتفت إليه
- " مصطفى دع الحاسوب فوق الطاولة... " و أشار إلى طاولةٍ بجانب الباب " و ادخل.... زوجتك تنتظرك بالغرفة " وقف كالصنم.... يحاول أن يستوعب.... يوسف الذي منعه سابقاً بشدة، يطلب منه الذهاب لرؤيتها
- "أغلق فمك يا رجل.....لا تعتقد أني أخون عهدي لها لأنك أخي....فقط لأنها لا تأكل، و حالتها النفسية ليست بخير بعيداً عنك...." اهتزت حدقتا مصطفى رعباً.... ليدخل المنزل، لكنه وقف في الردهة ينتظر أن يدله يوسف على الاتجاه الذي سيسلكه....
- " إذهب يمينا....الباب الثاني بعد الصالة...." ضحك يوسف و هو يلمحه يجري كطفلٍ صغير...." يا إلهي.... أنت حقاً مجنون جميلة"


دخل بهدوء ليتشنج جسد جميلة.....الذي كان متكوراً على نفسه..... أغلق الباب بهدوء ليتجه إليها، سمع شهقتها، ليلعن نفسه أكثر، إستلقى على الجزء الآخر من السرير....و جذبها لحضنه.....لم تقاومه....لكن شهقاتها ازدادت حدة.
- " ششش حبيبتي.... أنا هنا" همس وهو يقبل أعلى رأسها
- أنا وحيدة مصطفى.... " قالت بين شهقاتها.... جذبها برقة لتنام على ظهرها.... قال وهو يعلوها
- " لا تقولي ذلك حبيبتي.... أنا هنا، أطفالنا كذلك" قال وهو يمرر يده على بطنها
- " أنا أحس بفراغٍ في قلبي....أنت لا تحبني"
- " أقسم بالله أنني أعشقكِ جميلتي.... أنت الحياة بالنسبة لي.... دعيني فقط أريك إلى أي درجةٍ أحتاجكِ....." أنزل رأسه باتجاهها.....يقبلها برقة، يخبرها مدى حبه لها..... لتنسجم بلا إرادةٍ مع لمساته..... كان يبثها حبه و عشقه
- " أنا دائماً أعشقك مصطفى.....لكني مازلت أكرهك أيضاً "
- " إكرهيني.....فقط كوني معي....ولا تتركيني" قال وهو يحس أنه عاد للحياة و هي بين ذراعيه..... همست تترجاه، تريد أن تحس أنها محبوبة....أن شخصاً في الوجود يهتم لها
-" أخبرني... أنك تحبني.....و دائما ستحبني" إبتعد عنها قليلا، ينظر إليها و إلى بشرتها الموردة...... و التي أصبحت حمراء من خدش لحيته...... كانت رائعةً، و كأنه أول مرة يلمحها، زمجر و هو يعود إليها.....يبثها أشواقه، و عشقه لها.... بعد مدةٍ طويلة.....إستيقظ على لمساتها على طول ندوب ظهره
- " مرحباً.... " همس بتعب وهو يبتسم لها، نزلت تقبل نذوبه....لتقول
- " لا أعلم مالذي يحدث لي.....أنا أكره إحساسي هذا....يجب أن أكرهك....و ليس أن أحبك أكثر.... كل هذا بسبب بناتك..."
- " ماذا؟!" قال بصدمة...التي تحولت لغضب...ليجلس بقوة
- " بناتي؟!....متى عرفتِ بذلك؟؟!" أبعدت نظراتها التي تحمل الذنب.... عن نظراته
- " منذ أسبوع..... ذهبت للطبيب مع مرح و هو أخبرني أنني حامل بطفلتين...." قالت بتوثر
- " هل تمزحين معي جميلة.....تعرفين أهمية ذلك بالنسبة لي.....لا يحق لكِ أن تستثنيني من حدث مهم كهذا....." قال بغضب و عيونه السوداء تصبح أكثر قتامة....أعطاها ظهره.... يلبس ملابسه.....لكنها تعلقت بعنقه....وهي تهمس تترجاه
- " أرجوك حبيبي لا تغضب.....لم أقصد ذلك..."، لكنه غاضب بشدة....هي دائماً ما تقصيه عن أهم لحظات حملها
- " بلى جميلة.... كنتِ تقصدين....هذا جزء من عقابك لي...و كنت راضٍ عنه من قبل.....لا تعرفين العذاب الذي عشته بعيداً عنك....و أنا أفكر في الأسوأ.....لم أكن أنام..... "
إستدار ينظر إليها....و هو يبعدها عنه
- " لا يحق لكِ.....أن تعاقبيني بحرماني من لحظاتي الأولى كأب.....لا يحق لك أبداً..... " أمسكت بيده تمنع وقوفه.....لتقترب منه بجرأة.... تقبله، وهي تهمس بأسفها.... ضعفه و عشقه لها جعله يستسلم للمساتها....رغم أن الغصة في قلبه لم تختفي.....حاول ألا يكون معها عنيفاً.... لكنه غاضبٌ منها.... وهي تقبلت ذلك بصدرٍ رحب.
الساعة تكاد تصل للفجر..... جلس ينظر إليها.... جمالها الفتان يجعله يُسبح كل مرةٍ للذي خلقها.....للآن لا يصدق أنها امرأته....يعشقها بكل صفاتها....بطفوليتها، أنوثتها...بطيبوبتها و قسوتها..... مزيج متناقض... مزيج بين النار و الماء.... تلسعه بقوة لتبرد مكان اللسعة و كأنه لم يكن.
أحس بالغضب من نفسه، و هو يمرر يده على أثرٍ مؤلم في جهة صدرها..... وكأنه يحاول عقابها.... وضع يده الضخمة على بطنها.....ليغلق عيونه برهبة... بعد أقل من ستة أشهر ستشرفه شعلتان.... سيصبح كالمجنون و هو يحاول أن يسيطر عليهن..... إبتلع ريقه وهو يتخيل حاله و هو محاط بثلاث فاتنات..... يفكر جدياً بحبسهن..... فقلبه لن يتحمل، أن يتضاعف ما يكنه للحمراء ثلاث مرات....قبلها، ليخرج بهدوء.

إلتقى بيوسف يجلس في المطبخ....ليبادر ما إن لمحه
- " صباحية مباركة.... يا عريس...." احمر مصطفى خجلا....و هو يتمتم بالتحية، كان مرتبكاً....و يشعر بالخجل من يوسف....الذي قهقه.... عالياً
- " إهدأ يا أخي....فأنا أعرف أنك عريس مع وقف التنفيذ... "... قال مصطفى بغضب مصطنع يخفي ارتباكه
- " هل ستتوقف عن مزاحك الثقيل و تتركني أذهب لمنزلي....." لم ينتظر إذنه...و خرج قاصداً شقته...و يفكر بحلٍّ جدري مع الحمراء.

إلتفتَ حيث تقف زوجته...... كانت ذابلةً، و عيونها متورمةٌ من البكاء، يعرف أن المقابلة لن تكون سهلة عليها....أشار لها أن تتقدم نحوه..... لتلبي نداؤه....أسرعت تندس في أحضانه....لتقول بصوت أجش من البكاء
- " لقد ماتت ليلى" كان يمرر يده على شعرها الأسود.... تشبثت به بقوة.... كانت تُحس و كأن أي شخص أحبته يذهب بعيداً عنها.... ولا تريد ليوسف أن يكون التالي.

مازالت تتذكر ليلى أختها الطيبة.....التي لم تتوانى في الدفاع عنها رغم سنها الصغيرة.....و دائماً ما كانت تقاسمها حصتها من الأكل.... تذكرت أول دخولها على والدها..... كان هزيلا و كأن السنوات ما مرت على آخر لقائهما و ليست فقط أشهر..... ابتسم لها بارتباك و هو يتمتم
- " مرحبا إبنتي.... كيف حالك؟ " كان يمد يده نحوها.....نظرت إليه ببرود لتقول
- " من؟ " أبعد يده بإحباط.....ليقول رداً على سؤاله
- " ليلى...." إرتخى جسدها لتسقط على الكرسي وراءها.....
- " أصابتها حمى شديدة..... ولم تسلم منها، كانت تهدي باسمك حتى فارقت الحياة....كانت متأثرة بما حدث لكِ" قال والدها.......كانت مصدومة، ليلى تلك النسمة لم تعد معهم في الوجود... وقفت مغادرةً و عيونها تغشاها الدموع....
- " مرح.... " همس والدها، لتلفت إليه بعنف
- " ماذا تريد؟.... أنا سامحتك، لكن لا أريد رؤيتك مجدداً.... ليلى التي جمعتنا يوماً قد ماتت، هي الوحيدة و يوسف من أدين لهما بحياتي....فقط هل تسمع.... فقط" قالت بصراخ..... هرع إليها يوسف يمسكها، و يحاول أن يهدئها..... لكنها كانت فاقدةً للسيطرة على أعصابها
- " هي رحمة من الله.... نعم، رحمةً بها أخذها لمكان أفضل، بعيداً عنكم....كلكم السبب، أنتم السبب في موتها أنتم السبب في قتلي، كلكم مجرمون..... سنلتقي أمام الله، سأخبره بكل ما فعلتم بي....سأخبره أنك طعنتي، قتلتني مئة مرة.....سأخبره بكل شئ....أقسم بذلك....أقسم..." كانت تعيدها و يوسف يحضنها بشدة.... إلى أن أختفى صوتها في حظنه.....ولا يُسمع إلا أنينها.....و شهقات والدها....كان يبكي بحرقة لا تناسب رجل في عمره....وهو يتمتم
- " سامحيني.... أرجوكِ سامحيني"
كان يوسف يهمس لها بكلماتٍ مهدئة......
- " لقد قتلوني يوسف.... بعثروني.... "
- " و أنا هنا لألملم شتاتك حبيبتي.... أنا هنا"
هدأت ليفلتها قليلا.....إستدارت قليلا....وهي ما زالت متشبثةً بذراع يوسف
- " إذهب أبي....أنا أسامحكم كلكم.....ليس من أجلكم بل من أجلي أنا.... فأنا أستحق"
لمستُ يوسف أرجعتها إلى الحاضر....

- " حبيبتي... مازال الوقت باكراً.... لما لا تعودين للنوم بعد الصلاة... فالجلسة لن تكون إلا بعد الظهر...."
- " أنا بخير.....سوف أقوم بتحضير بعض المخبوزات...."
دائماً ما تلجأ إلى هوايتها كلما أحست بالضيق..... تحاول ألا تجعل الأفكار السوداء تسيطر على تفكيرها..
- " إذهب للصلاة... سأجهز لك فطورك " قبل جبينها، لينهض حاملا إياها....
- " سأشتاق إليكِ....." قبلها....وضعها أرضاً.... لتقول بهمس و هي تحاول تمالك أنفاسها....
- " و أنا...."

****************

بينما هي تلوم نفسها....لم يتوانى عن بدء حياته...كانت تنظر عبر نافذة منزل العائلة.... التي اتخدوه للسكن..... و دموعها تجري....وهي تتذكر ما حدث قبل أسبوع..... عندما ذهبت مع والدها لميعاد الفحص الدوري..... إلتقت به يتضاحك مع أخرى، بكل أريحية و كأنه لم يدمر عالمها للتو..... وقفت تنظر إليه بصدمة، و رغبة بقتل تلك التي تلتصق بذراعه، و بكل صفاقة إقتربا منهما
- " السلام عليكم عمي.... كيف حالكم" قال دون أن يهتم لها او ينظر باتجاهها
- " بخير إبني....كيف حال والديك...." أجابه والدها بهدوءه المعتاد
- " لقد غادرا للقرية....منذ ذلك الوقت لم أسمع أخبارهما" قال، ليلتفت إليها....ومضت نظراته، ليختفي فجأة كما ظهر فجأة....و هو يرى بطنها الظاهرة من بلوزتها الضيقة.... بلع ريقه ليقول بهدوء مصطنع....عكس ما يعتمل في نفسه....كانت قد اكتسبت وزناً إضافياً.... و بطنها الظاهرة زادتها فتنة....
- " كيف حالك يا...." سكت قليلا ليستطرد.... يحاول أن يخفي توتره " يا ورد..." أغمضت عيونها....لتنفلت دمعة من عينها....تبعها بحرقة إلى أن استقرت بجانب شفتها....كان يتمنى أن يمسحها بشفتيه.... و يقبلها إلى أن يبدل دمعتها لفرح.... لم تجب في بادئ الأمر....حتى ظن أنها لم تستمع لسؤاله....فتح فمه ليعيد السؤال لكنها أوقفته و هي تشير إلى علا الواقفة بعيداً عنهما.... و هي تتمسك بيد والدها
- " بالإذن...رفيقتك يبدو عليها الإستعجال، و نحن لا نريد تأخيرك أكثر.... " تقدمت للمصعد و هي تستند بتعبٍ على والدها.... المصدوم من تصرفاتهما....إن كانا عاشقين لهذه الدرجة، مالذي يجعلهما يكابران.... وقفت تنظر للأرقام التي تمر على لوحة أعلى المصعد.... و والدها واقفٌ وراءها..... فتح الباب لتدلف بهدوء.... لكنها صرخت برعب و جسدٌ يندفع نحوها و يدخلها بقوة للمصعد.... عرفت أنه معاد.... و هو يقول لوالدها
- " أعتذر عمي...."
أحست بالغضب و والدها يشير له برحابة صدر.....رفعت حقيبة يدها و هوت بها على رأسه
- " أيها الغبي.....ألا ترى أنني حامل، و تصرفاتك الأغبى منك لا تناسبني" كانت تضربه و هو واقف ينظر إليها.... لتنهار في بكاءٍ مرير.... حضنها بقوة.....و يحاول أن يهدئها
- " إهدئي ورد.... " همسته جعلته تنفعل أكثر....
- " إبتعد عني...أنت لم تعد زوجي... " قالت و هي تحاول ألا تبكي مجددا
- " مازلت زوجتي ورد....العدة لم تنتهي بعد.....ما زلت أستطيع أن أعيدك إلي" أبعدته بعنف، لتصرخ بأقصى طاقتها
- " تعيدني.... هل أصبحتُ دمية بين يديك....أنا لا أريدك في حياتي.... إذهب إليها أيها الخائن.....إذهب لا أريد رؤيتك مجدداً "
- " أنتِ من سعى إلى طلب الطلاق.... " قال بهدوء وهو يحدق بها
- " أنت لم تتشبث بي.... طلقتني فقط لأنني طلبت ذلك، لم تقاوم".... مرر يده على شعر رأسه بحيرة، لم يعد يفهم أي شئ، هل كان تحت اختبار و فشل أم ماذا؟
- " ماذا تريدين ورد و سأنفذه...." حاصرها في زاوية المصعد.... فتحت فمه تنوي إخباره، أن يعود إليها.....هي تشتاق إليه، حتى عائلتها لم تستطع أن تملأ فراغه في حياتها.... لكنها أغلقت فمها، لتقول بهدوء
- " لا أريد شيئا معاذ.... فقط إبتعد عن طريقي..."
حاصرها أكثر....لينزل و يقبلها بقوة....ليقول بعد أن تمالك نفسه
- " ولكِ ما تريدين... الآن فقط" قال بهدوء ليضغط على زر المصعد....الذي انفتح و خرج.....كانت تنظر لظهره إلى أن انغلق المصعد مجددا.

وضع والدها عليها اللحاف....لتمسح دموعها بظهر يدها.... و استقبلته بابتسامة هادئة
- " حبيبتي... أنتِ أقوى من أن تجلسي تتحسرين على الذي فات... " نكست رأسها بخجل، فلأول مرة يحدثها والدها بهذه الحميمية... رفع وجهه بأصبعه ليمسح دمعتها قائلا
- " كنتِ دائماً فخري....الولد الذي لم أنجبه.....عندما أراكِ تجابهين عمك بقوة..... أفتخر....." مد لها بكأس الحليب ليستطرد " أنت مزيج بيننا....قسوته التي تربى عليها....و حنيتي التي تسيطر علي، فلا تجعلي جانباً يغالب الجانب الآخر.....وازني بينهما لتستطيعي التعامل مع معاذ...." قاطعته
- " لكني لا....." وضع يده على يدها.... لتسكت، وهو يشير لخاتمه الذي لم تنزعه بعد
- " حبيبتي.... أنت تحبينه و هو كذلك....و الشهر الذي مر لم يمر يوم لم يسألني عنك....." لمعت عيونها ليبتسم..... " هذا ما أتحدث عنه.... عيونك لا تستطيع أن تنكر.... " ابعدت نظراتها عنه لتقول بخفوت
- " أنا لا أعرف كيف أتعامل معه.... "
- " ما رأيكِ أن تبدآ من البداية.... تعارفا على بعضكما....إكتشفا نقاط القوة و الضعف في شخصيتكما.... التقيا في نقطة وسط.... "
-" أنا لا أعرف كيف.... " همست بحزن
- " هو طلب مني أن أسألكِ إن تقبلين دعوته غداً على العشاء " نظرت إليه بصدمة ليهز رأسه ضاحكاً
- " أنا أيضاً كنتُ يوماً شاباً..... لكن لا تخبري والدتك " قال بفكاهة.... ضحكت ليعانقها بقوة.... وهو يخبرها إلى أي درجة هو آسف أنه لم يكن بجوارها سابقاً.


****************

صوت المشرفة جعلها ترفع رأسها.....لتفطن أن دعاء الإفتتاح قد توقف.....لكن السكينة التي يحملها لقلبها ما زالت تحوم حوله....تتذكر دورها في إلقاءه.... كانت ساكتةً، تنظر للنساء حولها.... لا تعرف ماذا تقول....إحدى زميلاتها ضغطت على يدها و هي تهمس " تكلمي مع الله....إنسي وجودنا حولك" لتغلق عيونها و تبدأ مناجاتها له.... لن تنسى أبداً الشعور بالسعادة و الفخر و هي تتشارك معهن دعواتها....فالحلم واحد.... أن يستبدل الله همهن بفرجٍ قريب.

- " دعاء رائع كلثوم....جعله الله في ميزان حسناتك.... وقبل البداية كالعادة، لا يجب أن ننسى أن الله لا يبتلي عبداً إلا ليجازيه....من منكن ستشاركنا رحلتها اليوم" عم الصمت.... لتسمع سلمى التي تقابلها.... تجلس بصعوبة لانتفاخ بطنها الكبير....
- " مرح " التفتت الرؤوس إليها.....لكنها لم تبعد عيونها عن سلمى.... تلك الطفلة التي علمتها أن الإرادة تنبعث منا.... لم تستسلم، وهي الحامل في شهورها الأخيرة....تسعى أن ينال والدها أقسى العقوبات، شاركت في مظاهرات لتغيير قانون الإغتصاب في المغرب.... لم تترك مجلساً حقوقيا إلا و حكت عن قصتها التي تحولت لقضية رأي عام....ليعاد البث في محكومية والدها.....و يحكم عليه في الإستئناف بثلاثين سنة عوض عشر سنوات....... رغم أنها كانت تطمح للإعدام، لكنها تنفست قليلا الصعداء، فهو سيكون بعيداً عنها و هي تعيد ترتيب حياتها..... خططت لكل شئ، بعد ولادتها.... ستسلم طفلها لإحدى الجمعيات، و ستواصل نضالها.... و ستجعل من قضيتها مُنطلقها....إن لم تكن بالقوة الكافية لتغيير ماضيها....فهي قادرة على تغيير مستقبل أخريات....
حركت سلمى رأسها تشجعها.....لكنها غفلت عن ومضة الرعب التي ظهرت في مقلتي مرح....
- " مرح هل أنت مستعدة للحديث.... إن لم تكوني كذلك فلا بأس " قالت المشرفة بحنية
- " أنا.... أنا أريد ذلك.... لكن...." نظرت إلى سلمى التي ابتسمت لها بتشجيع.... لتهز رأسها موافقةً.... بعد نفسٍ طويل قالت بهمس مرتجف
- " أنا مرح...." إهتزت القاعة بصوت الجالسات
- " مرحباً مرح" رفعت نظراتها تمررها فيهن....أغلبهن استمعت لقصصهن، تختلف نظرتهن باختلاف مدة تواجدهن في هذا المكان.... لترجع نظراتها لسلمى
- " ربما لستُ قديمةً هنا.... لكنه مر شهر و أنا مستمعة....شهر و أنا أستنبط من كل حكاية موعظة....شهر و أنا أعرف إلى أي درجةٍ أنا محظوظة..... شهر لأعرف أن المجتمع لم يخذلني كما كنتُ أعتقد....أنا من كانت ضعيفة، و متخاذلة........ أنا تعرضت للإغتصاب من طرف خمسة.... " سكتت لتبتلع ريقها " من طرف خمسة أشخاص، و من بينهم زوجي.... الذي كان قبلها يقوم باغتصابي يومياً....رغم ذلك لم أسعى لتغيير الأمر....." وجهت كلامها لأقصى اليسار حيث بشرى" تعلمت من بشرى.... القوة في قول لا....حتى لو جاءت متأخرة فأنا سأقول لا لكل شئ لا أريده " نظرت إليها بشرى بامتنان....تلك المرأة السمراء جداً.... في منتصف الثلاثين التي تمردت على عادات و تقاليد أجبرتها على الخضوع لزوجٍ سادي... يتفنن بممارسة ساديته و شواذه عليها....هربت لجمعية نسائية لتتكفل بخلعها ثم معاقبة الجاني....والآن تعيد ترميم نفسها.
طال سكوتها لتقول وهي تنظر لناديا...التي رافتقها لكل جلساتها....ليست كطبيبة بل كضحية سابقة للإغتصاب
- " و تعلمتُ من ناديا أن الزواج حب و مودة.....صداقة قبل كل شئ......" سكتت قليلا لتقول بصوتٍ كسير.... و كأنها تستهزئ من مرح القديمة " كنتُ أعتبر الزواج هو حل لكل المشاكل...... إرتضيت بأقل الأشياء و لم أشتكي.... و لأنني لم أثور كان يتفنن بتعذيبي....." تغيرت وثيرة تنفسها لتقول بصوت موجوع
- " منذ اليوم الأول و أنا أتعرض للإنتهاك بأبشع الصور...." إبتلعت ريقها، و هي ترفض أن يعود عقلها إلى هناك....حيث الألم، و الذل.....لكن هيهات....و الذكريات تهاجمها بضراوة، تتذكر الفستان القصير الذي كانت ترتديه....و الذي أصبح بعد فترة قصيرة مجرد قطعة قماش....لهثت أنفاسها و قلبها يضطرب بعنف.....و كأن الآلام مازالت طرية، تحس بكل جسدها يؤلمها.....و دماؤها تسيل....كانت تنزف ولا معين لها.....و جسده مستلقي بجانبها، تخاف أن يستيقظ مجدداً..... ليواصل انتهاكها، كانت تحاول أن تكتم نفسها و بكاءها كيلا تجعله يستيقظ....فتحت عيونها بقوة، لتقول ساخطةً بقوة... وهي تضرب فخذها " كنت أفكر كالغبية ألا أجعله يستقظ و لم تأتني الفكرة أبداً في تغيير ذلك....." أخذت نفساً طويلا....لتهدئ نفسها.....فما حدث قد ولَّى، لتقول بهدوء
- " بعد تلك الليلة، لم أستطع أن أتركه يقترب مني.....كنت خائفة و مشوهة.....و الآلام تكاد تفتك بي.....كنت أقاتله ألا يقترب مني....و كنتُ أستسلم بعدما يهدُّ جسدي بالضرب، لأتركه يعاشر جثة.....كلما أتذكر الليلة الأولى أصبح كتلةً متجمدة...... ثم جاءت الأيام التي كنتُ فيها مستسلمة و بدون شخصية، فقط كي أسلم من الضرب، فجسدي لم يعد يحتمل..... لأشهر تحملت الإهانات و الطعن في أنوثتي، كنتُ ألوم نفسي و أنا أرى أزواجاً يعيشون بطبيعية....." إبتسمت بحزن لتقول " كنتُ أقول عن العلاقة الطبيعية...... هي المبنية على استسلام المرأة و آلامها مقابل سعادة الزوج، لهذا صبرت كي أنقذ زواج.....فاشل من البداية..... و كأن الأمر كتب علي و يجب أن أعيشه بحذافيره.....ما حدث بعد ذلك كان متوقعاً حصوله....لو فقط جلستُ مع نفسي و حللت الحياة التي أعيشها..." رفعت نظراتها تنظر إليهن " كنت سأعرف أن نهايتي ستكون كذلك......ماذا سأنتظر من زوج مخمور كل ليلة، مدمن مخدرات، و لا يعرف حتى اتجاه القِبلة....إنسان لا يتقي الله في نفسه و كنت أريده أن يتقي الله فيَّ ....." سكتت.... سكوت إمتد لدقائق، قلبها ازدادت ضرباته.....لتتحرك يدها باتجاه بطنها......و كأن تعيش ذلك الإحساس مرةً أخرى " في ذلك اليوم، سمعت لأول مرة دقات قلب طفلتي....أحسست بشعورٍ رائع، وكأنني احلق في السماء الصافية....و كأن كل شئ بخير، اول دقة سمعتها، ضخمت قلبي أضعافاً....و جعلت الإيمان بالحياة يتسلل إلي، بعدما فقدته طوال الثلاثة أشهر الماضية.....في دقائق كنتُ قد خططتُ لكل شئ من أجلها، ستكون لي مصدر قوة...و أكون سندها....." شهقت بقوة....و كأنها كانت تختنق....لتقول " لم أكن أعلم أنني أستقلبها و أودعها في نفس اللحظة....." تغيرت نظرة عيونها إلى الغضب و هي تقول " إتصلت....به.....ليرافقني عند الطبيبة....لأعلم أنه عاد لمجالستهم.....و عاد لمعاقرة السموم معهم.....لم يكن قد توقف في الفترة التي بعد عنهم، لكنه كان يحاول .... لم يكن يضربني أو يطالب بحقوقه، كانت فترة راحةٍ بالنسبة إلي، ما جعل يقيني يزداد أن حملي سيغير حياتنا...." إرتعش جسدها و هي تقول بهمس " دخلت المنزل....لأجده مظلماً، خانقاً بالدخان.... حاولت التراجع لكنني اصطدمت بأحدهم....كان عائداً إلى الشقة....ليدفعني داخلها، كنت أبحث بين الوجوه عن زوجي.... أنتظر أن يخبرهم أنه وقت الخروج، فزوجتي الحامل قد عادت.....لكن كل ما فعله... أن حاول النهوض بتثاقل ليسقط أرضاً .... و تنطلق موجهة الضحك....من أصدقائه....سأله أحدهم و هو يقترب مني....
-" هل هذه الجميلة زوجتك... " ليجيبهم بذهنٍ غائب
-" نعم....لا.... ربما....لم أعد أذكر" ليزداد صخبهم، و هو يضحك بغباء و كأنه ألقى مزحةً أعجبت قائدهم.
إستغللت فرصة انشاغلهم ....لأتجه إلى غرفة النوم، جلستُ أرضا....أستند على الباب....أنتظر أن تنتهي السهرة....." كانت تحاول أن تتنفس..... وكأنها قد عادت لتلك الغرفة المظلمة، تنتظر سماع حفيف خطواتهم....باتجاه الغرفة.... صرخت بقوة و هي تحس بالباب يُدفع بقوة ليندفع معه جسدها..... لتزداد صرخاتها أكثر...
- " باسم الله.... لا حول ولا قوة إلا بالله...." فتحت عيونها لتلمح المشرفة و ناديا تعانقها..... "أنتِ بخير.....إشربي هذا" كانت شاحبةً جداً..... جسدها متيبساً، و العرق البارد يجعل ملابسها تلتصق بها......اسنانها تصطك ببعضها....وكأنها في أحد القطبين.... كانت ترتعش.... لتجذب ناديا باتجاهها... لتهمس لها بضعف
- " أريد...يوسف " نظرت إليها ناديا... لتومئ برأسها و تنهض تستدعيه.....

***********

إنتهى الفصل


ملاك علي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس