[القاتلة المجهولة]

ديوان "أزهار الشر "

(( إني سعيد تقريبًا لأول مرة في حياتي . فالكتاب جيدٌ تقريبًا ، ولسوف يبقى ، هذا الكتاب ، شهادةً على قرفي وحقدي على جميع الاشياء )) .
لا أوهام لديه في ذالك ، ولا رغبة في إقناع أحد بشئ ، أو تفسير شيء ، أو تبرئة نفسه من شئ ، حالة من الرواقية الواعية والغريزية في
آن (( قال بعضهم لي : إن هذه الاشعار يمكنها ان تؤذى ، فلم أبتهج بذلك ن واخرون من ذوي الأرواح الطيّبة ، قالوا : إنها قد تفعل خيرًا
وذالك لم يحزني )) لا بهجة ولاحزن. .





بعد حوالي القرن ونصف القرن من صدور الطّبعة الأولى من ((ازهار الشر)) يظل هذا الدّيوان الصّغير أكثر فعاليّة وحضورًا في الشعرية الفرنسيّة
والعالمية من كل معاصريه . ويظل بودلير أكثر حياةً وتأثيرًا من شعراء قرنه اللاّمعين .

فهذا الكتاب الصًغير ( أزهار الشر ) _و الذي لا يزيد عن ثلاثمائة صفحة_ يفوق في القيمة المعيارية الادبية أكثر الأعمال ضخامة وشهرة .و لقد ترجم
الى غالبية الّلغات الأروبية .

لم يكن أحد لسيتطيع التّنبؤ بذالك ، بل لعلّ الاستخفاف نفسه لم يكن غائّا عن بعض كتابات معاصري بودلير ازاء صدور الديوان ، إن لم نرصد التشفّي
والعدائية -التي تصل إلى حدّ الغل - لدى بعض الصحفيين ضيّقي الافق . وبالفعل كانت (( المعاصرة)) _ بالنسة لزمن بودلير _ اكثر من ((حجاب ))
يُعمي البصر ويُشوّش على البصيرة .


فخلال حياته كان معاصروه يميلون عمومًا إلى وضعه جانبًا في الركن ؛ عقاباً له ،باعتاره (( ولدا خبيثا)) او كشخص ((غريب الأطوار ))

فالقرن التاسع عشر هو قرن فيكتور هوجو ولامارتين وشاتوريان وجوتييه ودي موسيه ودي فينيي ، كقامات إبداعية شاهقة هيمنت على
النّصف الأول من القرن هيمنةً ساحقة . وفي ظل تلك الهيمنة صدرت الطبعة الاولى من ازهار الشر( 25 يونيو 1857 ) في 1100 نسخة .

فكيف كان لمعاصريه شعراء ونقّاد وصحفيين _ان يدركوا أن هذا الديوان الصغير _ للشّاعر الذي لم يتجاوز عمر الشباب _ سيكون ألمع
ما أنتجه القرن ، بما انطوى عليه من فتوحات لا تٌستنفَد ؟

لن يدرك ذالك سوى _فيكتور هوجو _ببصيرته الخارقة _ حين كتب له : (( إنك تخلق رعشة جديدة في الشعر الفرنسي )) .


واذا ما نظرنا الآن الى (( ازهار الشر)) ، وتكبدنا عناء مقارنة هذا الكتاب بأعمال شعرية أخرى من نفس المرحلة ، فلن يدهشنا
أن نجد عمل بودلير متسقا _ بصورة ملحوظة مع مفاهيم بو، ومختلفّا بالتالي عن منتجات الرومانتيكية .

(فأزهار الشر) لا يتضمن قصائد تاريخية ولا أسطورية ولاشئ ينبني على قصة . لا تحليق الى الفلسفة ولا ظهور هنا لسياسة .
والوصف نادر ودائما وثيق الصلة بالموضوع . لكن كل شي فاتن ،الموسيقى والحسية القوية المجردة .... (( نظام وجمال , ترف ،
وسكينة وشهوة )) .

والقصيدة البودليرية ليست تعبيرا عن ذات الشاعر ولا تأريخًا لمسيرته الروحية . فالانفصال صارم بين الشعر والشاعر كذاتٍ فردية
شخصية ، لتبدا مع بودلير تلك المسافة المباعدة بين القصيدة وصاحهبا ، بحيث تصح القصيدة نتاجًا إبداعيّا ،
له وجوده الموضوعيُّ المستقل .

ولهذا فهي قصيدة لا عاطفية ( ليس الشعور_ أو القلب _هو الفاعل في العمليّة الابداعية ؛ كما انه ليس العقل ؛ بل الخيال
المحكوم _او المكبوح _ بدرجة من العقلانيّة والفكر ) لا آهات ولا دموع .لا أناشيد أو مراثي . لا حزن ولابهجة .



((شعراء مشهورون تقاسموا منذ أمد بعيد أكثر الأقاليم ازدهاراّ في المجال الشعري .
لقد بدا لي ذالك سارّاً ، بل وممتعا أكثر لأن المهمة كانت أصعب ، وهي استنباط
الجمال من الشّر )) الوعي في الشّر ((لأني أريدُ أن أبحث عن خٌلاصة الشر) كما
يقول في إحدى قصائده . .



# القاتلة المجهولة
# تجميع وتنسيق