عرض مشاركة واحدة
قديم 25-04-18, 07:03 PM   #11

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي


الفصل الثاني



تأملت الرجل العابس الواقف أمامها بملامحه التي بدت مألوفة لعينيها المتفحصتين . ازدادت نظراتها حدة و هي تتذكره أخيرا :
المعدم شقيق المعدمة !
هذا ما كان ينقصها في هذه اللحظة ، ما الذي يفعله هنا ؟ ألا يكفي أن أخته الصغرى دائمة التواجد حتى يأتي هو أيضا و يحتل بيت ابن خالتها.
هنيئا لهم ، يحق لهم هم من قضوا عمرهم محرومين من مباهج الحياة ، يحق لهم أن يرتموا في أحضان نعيمه و خيراته ، هو من فتح أبواب بيته على مصراعيه أمام أطماعهم و وصوليتهم.
واجهت العداء في نظراته بعداء أكبر و لم تنس أن تضيف إليه جرعة قاتلة من الاحتقار و الاستصغار .
لثوان طويلة ظلت المباراة قائمة بين عينيه و عينيها ، مباراة صامتة من الكلام متفجرة بالمشاعر الغير منطوقة .
و أخيرا حين لم تعد تستطيع الاكتفاء بالنظرات لوت شفتيها باشمئزاز بينما راقب هو ردة فعلها دون تعبير في وجهه ، فقط رفع حاجبه الأيسر قليلا في تساؤل بارد ثم عادت ملامحه إلى جمودها قبل أن يلتفت إلى الخلف و ينادي بصوت حازم :
- ياسمين تأخرنا

ياسمين ، اسم جديد انضم لقافلة الجوعى مقتنصي الفرص .
تظاهرت بفعل شيء ما بهاتفها حتى ترضي فضولها بشأن هذه الياسمين ، سمعت صوت كعبها العالي الرخيص يعلن عن قدومها ثم ظهرت في آخر قاعة الاستقبال تسرع بخطاها ، تلبي نداء سيدها بينما كل شيء فيها يرتجف : رموشها ، ابتسامتها و صوتها الناعم و هي تقول :
- آسفة حبيبي ، اعذرني ، أخذني الكلام مع ليلى فلم أنتبه إلى الوقت.

حبيبي ؟ إذن صاحبة الوجه الجديد تكون المعدمة زوجة المعدم شقيق المعدمة. زمت شفتيها بضيق و هي تلاحظ بعينيها الخبيرتين أن حذاءها ماركة معروفة و حقيبتها الصغيرة كذلك و حذاءه هو أيضا للأسف .
و لكن ما فائدة الماركات إن تزينت بها أجساد لا تليق إلا بالخرق.
رأت الفتاة تتوقف حائرة أمامهما ، تنتظر ربما أن يقوم بتعريفهما إلى بعضهما البعض .
" فقط في أحلامك عزيزتي يكون لك الشرف في أن تتعرفي إلى من هي مثلي " ، فكرت في ترفع و هي تتخيل بسخرية ماذا عساه يقول كجملة تعريفية :
" زوجتي المعدمة أعرفك على شاهيندا بنت الأكابر التي رفضها ابن خالتها ليتزوج أختي المعدمة و شكرا "
أخيرا أنهى هو الإحراج حين خطى خارج الباب و خارج أفكارها الغاضبة ، تبعته جاريته في تردد و هي تلتفت إليها أكثر من مرة بنظرات اعتادتها من بنات جنسها ، نظرات تتراوح بين الانبهار و الحسد و الغيرة الواضحة .
أشارت بيدها بحركة خالية من المعنى بعد اختفائهما ثم تنفست بعمق و أسرعت إلى خالتها .
قابلتها في منتصف المسافة و هي تبحث عنها بدورها.
- ما الذي أخرك يا شاهي ، بادرتها بقلق لم تحاول إخفاءه
- لا تخافي خالتي لم أقابلها ، قالت و هي تتطلع إليها بعتاب حزين ، تأخرت لأن شقيقها و زوجته اعترضا طريقي عند دخولي
- عصام أتى ؟

رفعت السيدة ثريا حاجبيها في استغراب أنيق ثم أضافت و هي تتقدمها إلى الغرفة المنزوية :
- و تلك خطيبته بالمناسبة ، لم يتزوجا بعد
" زوجته ، خطيبته ، زفتته و كأني أهتم " ، تمتمت في سرها قبل أن تتنهد بعمق و تلقي حقيبتها بلا مبالاة على الأريكة الجلدية الداكنة و تجلس على طرفها بتوتر.
- ما الخبر يا شاهي ؟ سألتها خالتها و هي تجلس بجانبها و تشاركها التنهد
- خبران يا خالتي
- اِبْدَئِي بالخبر السيء
- كلاهما سيئ
- أمرنا لله ، تمتمت بهدوء ، اِبْدَئِي بالأسوأ
- فسخت خطوبتي
- مرة أخرى ! قالتها دون اندهاش كبير ، و الخبر الثاني ؟
- منذ أيام و أنا أشك بأن أبي يخون أمي و اليوم تأكدت
- مرة أخرى ، قالتها دون أي اندهاش هذه المرة لكن باستسلام.

استسلام تحول إلي شيء من الأسى و هي ترى دموع ابنة أختها تغدرها و تفضح تماسكها الزائف
و تسيل في صمت أبلغ من ألاف الكلمات .
ضمتها إليها بلطف بينما أصابعها تتخلل شعرها الناعم في حركة رتيبة ، تحاول أن تمتص قليلا من غضبها ، من ثورتها و خاصة من ألمها.
هكذا اعتادت أن تفعل معها منذ تجاوزت الفتاة أعتاب طفولتها لتغرق فورا في مستنقع أبيها القذر و تبدأ بفهم معنى ألفاظ مشتقة من قاموس الخيانة و العشيقات.
كلمات كبيرة على فتاة في تلك السن و معاناة أكبر و أثقل .
لذلك حملت بشدة على عاتقها مهمة حمايتها و احتوائها و الحمد لله أنها فعلت فلولا وجودها لكانت البنت ضاعت تماما خاصة و أن أختها شمس انشغلت عن ابنتها بمحاولاتها الفاشلة لإصلاح ما لا يمكن إصلاحه : أخلاق زوجها.
كان دورا صعبا بالفعل و لكن من قال أنها ثريا خلقت لتعيش حياة سهلة ، هي تعرف أن الله لم يخلقها و يهبها كل ما تتميز به عن سواها لتنظر و تصمت بل لتتكلم و تقول رأيها بصراحة دون اعتبار لتلك الآراء التافهة التي تقول " لا تتدخل فيما لا يعنيك فتسمع ما لا يرضيك " ، كلا هي تتدخل بل و تسمعهم ما لا يرضيهم أيضا ، لن تصبح شيطانا أخرسا لأجل خاطرهم .
و لطالما قالت بصراحة لأختها ، قالت و أعادت عليها مرارا تكرارا أنها كانت ستضيع ابنتها تماما بإهمالها و بتفكيرها الصبياني الضيق .
خاصة و أن و البنت جميلة بل جميلة جدا في الواقع . و رغم انها كأم تحب ابنتيها أكثر من ابنة أختها بالطبع إلا أنها تعترف أن شاهيندا تتفوق جمالا عليهما ، أصلا هي الوحيدة بين البنات التي ورثت جمالها و جمال أختها شمس لكنها للأسف الأسوأ حظا بينهن كذلك .
لهذا السبب حاولت بشدة أن تغير هذا الحظ السيء الملازم للفتاة المسكينة .
تنهدت و هي تتذكر كيف سعت بكل جهدها أن تزوجها من ماهر ابنها بعد تَرَمُّلِه لأنه حسب رأيها حينها كان الوحيد المناسب لها .
و لأنها تثق في أخلاق ابنها ، تؤمن أنه أبدا لن يخون زوجته ليس و هو تربية يديها و يدي ممدوح . ماهر رجل يخشى ربه ليس مثل أولئك الأنجاس ، ليس مثل زوج أختها .
كان أكثر ما تمنته في ذلك الوقت هو أن تضم ابنة أختها إلى عائلتها و يهنأ بالها و فكرها من ناحيتها .
و لكن كان للقدر تصاريف مختلفة و لابنها ماهر رأي آخر ، إلى الآن تتذكر الاستنكار على ملامحه عندما طرحت عليه الموضوع لأول مرة .
- شاهيندا من التي تريدين مني الزواج منها يا أمي ؟ شاهيندا التي تصغرني بخمسة عشر سنة ، هل سأتزوجها أم سأتبناها ؟

و لكنها لم تبالي حينها و استمرت متشبثة بمحاولة إقناعه و استمر هو عنيدا صلبا في رفضه.
و الآن بعد ثلاث سنوات تعترف أنه كان محقا ، الآن فقط عرفت أن ما يبحث عنه ماهر لا تملكه شاهيندا .
شاهيندا غاضبة ثائرة تحتاج إلى من يروضها ، إلى من يمتص منها ألمها و تعبها و ماهر لن يفعل هذا من أجلها ، ماهر سبق و أن خاض حروبه الخاصة و يحتاج إلى مرفأ ليرسي سفينة حياته عليه.
و ليلى التي اختارها له القدر و اقتنع هو نفسه بها ، كانت له المرفأ و الحضن الدافئ .
ليلى هي من تحتمل منه دائما نوبات بروده و تباعده و بحنانها و حبها تعيده إليها في كل مرة . نعم عليها أن تعترف بهذا و لو مكرهة .
نظرت إلى وجه ابنة أختها الشاحب و إلى الدموع الملتمعة في عينيها و تأكدت أن شاهيندا لم تكن لتتصرف بتلك الطريقة معه ، شاهيندا تفهم الجفاء و البرود بشكل واحد لا بديل له ، تفهمه على أنه مقدمة لخيانة لها .
تنهدت مرة أخرى و هي تدعو لها من قلبها و عيناها تلتمعان بدموع أكبر سنا : " يا رب اجبر بخاطرها يا رب ، يا جابر الخواطر يا رب "
هي أكثر من يعرف أن وراء الواجهة المغرورة الباردة ، فتاة مكسورة إلى آلاف القطع.
و كأن شاهيندا قرأت أفكارها فهمست بحزن في نفس اللحظة :
- أشعر بأن قلبي مكسور يا خالتي
أشعر أني أضيع رغم أن المفروض أني كبرت على الضياع
- لا أحد يكبر على الضياع يا بنتي ، لا أحد
إلا من يتشبث بالحق و الله هو الحق
- و نعم بالله يا خالتي ، و نعم بالله

غمرتهما السكينة لدقائق احترمت فيها المرأة الأكبر سنا صمت الشابة التي أخفت وجهها بين كفيها حتى سمعت ضحكتها الخافتة تقطعه ، ثم سمعتها تقول بصوت بلا روح :
- أذكر و أنا طفلة أني كنت مرة مع أبي في أحد المحلات و انحنت امرأة تقبلني و تخبرني كم أنا جميلة و كل ذلك الهراء ، هل تدرين ماذا قال لها ؟
- ماذا قال عديم الأخلاق ؟
- قال لها : على فكرة البذور التي أنتجتها مازالت موجودة ، تصوري يا خالتي
- طوال عمره و هو سافل يا ابنتي

زمت شاهيندا شفتيها بمرارة ثم قالت و هي تطرق برأسها :
- تعبت يا خالتي ، تعبت و احترت
…………………………………


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس