عرض مشاركة واحدة
قديم 26-04-18, 03:33 PM   #19

نغم

كاتبة في منتدى قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية نغم

? العضوٌ??? » 394926
?  التسِجيلٌ » Mar 2017
? مشَارَ?اتْي » 2,980
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » نغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond reputeنغم has a reputation beyond repute
¬» مشروبك   water
افتراضي

الفصل الثالث


شادي !
خفق قلبها بعنف و هي لا تستطيع إبعاد عينيها عن ملامحه المألوفة التي غربتها سنتان و نصف من الفراق.
شادي الذي رحل دون أن ينظر إلى الخلف .
شادي الذي أشعرها أنها عابرة سبيل في حياته المكتظة بغيرها .
ترك أثره على أيامها رغم أنها متأكدة أن مكانها لم يظل شاغرا و لو للحظة في حياته و الأرجح أنه لم يكن لها أصلا مكان لديه .
- فرح ، سمعته يقول بصوت خفيض بعد أن أطرقت برأسها أخيرا عندما اقترب منها ، كيف حالك ؟
- الحمد لله و أنت ؟
- بخير شكرا

بهذه الكلمات المختصرة و بعض الأفكار المرتبكة وصلا إلى الطابق السادس حيث توجد مكاتب الشركة ، توقفا في المساحة الفاصلة بين المصعدين المتقابلين و هما يتبادلان بعض الصمت المتوتر .
- أنا أقضي فترتي التدريبية هنا ، تكلمت أخيرا ، تجيبه على سؤاله الذي شعرت أنه لن يسأله .
- امم ، جيد ، جيد ، قال بعد أن سرح حنجرته قليلا ، لكن المفروض أنك تخرجت منذ سنتين أليس كذلك ؟

رفعت عينيها إليها بنظرة سريعة حائرة قبل أن تعود لخفضهما من جديد ، هل مازال يذكر ، هل مازال يهتم أصلا ؟
- بالفعل لكني بصدد إكمال دراستي العليا ، شرحت له و أصابعها تشتد على مقبض حقيبتها ، تحصلت على الماجستير في المحاسبة و أبحث عن أطروحة مناسبة لأبدأ رسالة الدكتوراه .
- جيد ، جيد ، قال ثانية قبل أن يضيف مبتسما : أتمنى لك إذن قضاء فترة تدريب موفقة لدينا .
- شكرا لك ، أستأذن منك الآن ، قالتها بصوت رسمي ككلماته و ابتسامته ثم استدارت تبتعد قبل أن يجيبها و قبل أن يبدأ بالتحرك ، فلتكن هي من يبدأ بالرحيل هذه المرة كرد اعتبار بسيط على رحيله في آخر مرة .
توجهت بخطوات سريعة إلى مكتب السيدة مروة التي تشرف عليها هذه المدة ، جلست على مكتبها و هي تستنشق ببطء هواء الغرفة النائم .
بآلية شغلت الجهاز ، دخلت على البرنامج و فتحت ملف عملها الذي قامت بحفظه بالأمس.
تجولت عيناها عليه بنظرات غير مستوعبة تماما بينما ذكرياتها تجرها رغما عنها إلى ذلك اليوم ، إلى آخر لقاء بينها و بين شادي ، تلك اللحظات التي تتمنى أن تمسحها من عمرها ، تلك اللحظات التي غادر بعدها و لم يعد .
و رغم ذلك هي ممتنة له ، ممتنة له أكثر من أي شخص آخر في هذا العالم فلأول مرة تتعلم درسا حقيقيا في حياتها التي أمضتها بلا اختبارات.
لا أحد يفهم معنى أن تكون الأصغر في عائلة شاسعة ، معناه ببساطة أن شخصيتك ستضيع بينهم ، الكل يتوقع أن يغرس فيك ما تعلمه من هذه الحياة دون أي جهد منك ، الكل يخاف عليك إلى درجة المرض ، الكل يريد منك أن تكون مثله أو أن تكون عكسه .
في وقت ما أحست بالضياع التام ، الضياع الكامل و لم تعد تعرف نفسها ، لم تعد لديها أفكارها الخاصة لأنه لم يكن مسموحا لها أن تكون نفسها ، أن تتخذ قراراتها .
في وقت ما شعرت أنها أصبحت إسفنجة تمتص كل ما يمر عليها ، الجيد و السيء .
و كما الضغط الكبير يولد الانفجار فإن الحماية المشددة تؤدي إلى الانفلات .
و هذا تقريبا ما حصل معها . فجأة في مواجهة أول إغراء حقيقي وجدت نفسها ضعيفة ، ضعيفة جدا في مبادئها ، في قناعاتها و خاصة في مقاومتها .
ربما لأنهم لم يسمحوا لها أن تتعمق ، لم يسمحوا لها أن تجرب أن تقع و تنهض .
و الإنسان الذي لا يتدرب على مصارعة الحياة لا يستطيع أبدا أن يواجه مغرياتها .
الصفعة التي لا يتلقاها المرء على خده لا تستطيع أن تؤلمه و لن يتعلم كيف يتجنب أمثالها في المستقبل.
و هم كانوا دائما يأمرونها بالابتعاد عن كل ما قد يؤذيها : إياك أن تفعلي هذا يا فرح ، ابتعدي عن هذا الطريق يا أختي ، اسمعي كلامي و إلا سوف ، خذيها نصيحة مني فأنا أدرى بمصلحتك أكثر منك ، و و و…
و هكذا تعودت أن لا تتكلم إلا نادرا ، طوال الوقت تسمع و توافق حتى لو هي رافضة.
و في انعزالها عنهم تعلمت أن الأفكار الصامتة أخطر بكثير من الأفكار المنطوقة .
في انعزالها عنهم وجدت نفسها تود أن تجرب ما تجربه غيرها من الفتيات ، أن تتذوق ما يتذوقنه و ما الضرر ؟ أقنعت نفسها حينها ، ستخطئ قليلا ثم تتوب كما يفعل الجميع .
و هكذا انهارت مقاومتها في ذلك اللقاء و تذوقت ما سعت إلى تذوقه و لكن مذاق المهانة و الرخص الذي تلاه كان أشد و أعمق أثرا بكثير ، بكثير.
النقطة المضيئة الوحيدة من تلك التجربة المظلمة أنها في هذه السنوات القصيرة ازدادت نضجا بوضوح و الدليل أنها لم تخطئ بعدها أبدا و الدليل كذلك أن غضبها منه اختفى تماما فلم يكن هو الملام ، لم يكن ليأخذ لو لم تكن هي مستعدة لتعطي ، اللوم كل اللوم يقع عليها وحدها .
و مع ذلك جزء صغير منها مازال يكرهه ، جزء صغير بائس لأنه أشعرها بأنها لم ترتق لما يتطلع إليه و لكن الجزء الأكبر يحفظ له الجميل لأنه أنقذها من نفسها و أوهامها و عرفها قدرها عند من كان مثله . شادي شفاها تماما من غرورها السابق.
بعد فراقه لها لم يكن أصعب شيء هو مشاهدتها لكرامتها تُهْدَرُ و تسقط عند قدميه كلا الأصعب كان أن تشاهد تلك الصورة المثالية التي رسمتها له في عقلها و وجدانها تُكسَر أمامها بقسوة و عنف .
عرفت حينها أن أختها ليلى كانت على حق عندما أخبرتها أن طريقه يوصل إلى مكان واحد . شادي كان بالفعل مجرد نذل آخر ، محاها ببساطة من حياته و أفكاره و وضعها بسهولة في خانة الذكريات المهملة المنسية .
تأكدت من هذا اليوم و هي ترى تلك النظرة الغير مصدقة داخل عينيه " كيف يعقل أنها مازالت موجودة ؟ غريب مع أني متأكد أني قمت بحذفها "
يا ليتها تستطيع هي الأخرى حذفه و حذف موقعه من فوق خريطة قلبها لكن المشكلة أن تقنية الحذف هي على ما يبدو حق حصري للرجال .
و المشكلة أنه بقبلة واحدة يتيمة جعلها هي بأحلامها و بمشاعرها حقا حصريا له دون غيره و أصبح هو الرجل الوحيد الذي تحلم أن تكون بين ذراعيه.
كان حرفيا أول و آخر رجل يلمسها في حياتها و إلى هذه اللحظة لا تستطيع أن تنسى تلك العاطفة القوية التي رأتها داخل عينيه .
هل كانت تلك النار المتقدة في نظراته هي ما يسمونه الرغبة ؟
هل كان كل ذلك الدفء الذي شعرت به يأسر قلبها مجرد أثر لحاجة جسدية عابرة منه ؟
أيعقل أن تظل تحتفظ له بمكانة خاصة في كيانها من أجل وهم زائل ؟
يعقل جدا بالطبع عندما يكون الإنسان رخيصا و نذلا مثلها لكن يا ترى هل الأنذال تؤلمهم قلوبهم كما يؤلمها قلبها الآن .
تنهدت بحزن و هي تحرك أصابعها بعد سكون طويل توقظ بلمسة خفيفة الجهاز النائم .
نظرت إلى الشاشة قليلا ثم أغمضت عينيها و هي تسمح لنفسها بفكرة واحدة أخيرة . خفق قلبها و هي تتذكر اللمعة الواضحة في عينيه عندما رآها لأول وهلة قبل أن يحتلهما ذلك التعبير البارد المهذب ، ازداد الخفقان سرعة و هي تستحضر نظرته الخاطفة إلى أصابع يدها اليسرى الخالية .
" إلى متى يا قلب ؟ إلى متى تحفظ عهد من لم يحفظ عهدك " ، تمتمت أخيرا ببطء و هي تبدأ بالاستغراق تدريجيا في روتينها اليومي .
……………………….
بعد ساعات طويلة تراوحت بين التركيز و بعض الملل انزوت برفقة أعصابها المشدودة في مكانها المعتاد عند السلم في نهاية الطابق ، وقفت قرب النافذة الزجاجية الواسعة تتأمل من خلالها عاصمتهم القديمة الحديثة و هي تنفض عنها رداء النهار لتستعد بعد قليل لاستقبال ليلة أخرى ، ليلة غير نائمة ، فهي مثل كل عواصم العالم على ما يبدو مصابة بأرق دائم.
استندت على الجدار خلفها و أخرجت مرآتها الدائرية الصغيرة من حقيبتها تتأمل فيها وجهها الذي خلا تماما من نضارته الصباحية و بدأت تكسوه علامات الإرهاق بوضوح . تأففت و هي تتصل للمرة الثالثة بأخيها تسأله عن سبب تأخره كل هذا الوقت.
- ماذا تريدين الآن يا فرح ، أجاب عصام بغضب و هو يميل بوجهه للمرة المائة ينظر بقنوت لصف السيارات الذي لا ينتهي .
وصله سيل عباراتها المتذمرة فصرخ يقاطعها بأعلى صوته :
- أخبرتك أني عالق في الزحام ألا تفهمين ؟ و الآن الزمي مكانك و لا تتصلي بي ثانية و إلا سأصب غضب اليوم كله على رأسك عندما أراك ، مفهوم ؟
أقفل المكالمة و نزع السماعات من أذنيه بعنف و قال للمرأة التي بجانبه دون أن يلتفت :
- أغلقي الهاتف يا ياسمين
نفذت ياسمين الأمر بهدوء تام ثم قالت له بلطف :
- حبيبي أقدر غضبك و لكنك تعرف أن الزحام هو قدرنا في هذا البلد و لا دخل لأختك فرح فيه .
ضرب المقود بقبضته و قال من بين أسنانه :
- لو كانت قبلت أن تقضي فترتها التدريبية في الشركة عندي لما اضطررت للمرور بهذا الجحيم يوميا و لكن طبعا حضراتكن لا تشعرن بشيء ، حضراتكن تركبن و تنزلن كالأميرات و نحن الذين يجب أن نكون دائما و أبدا في الخدمة و نتحمل مثل الحمير .
- حبيبي ! قالت تستنكر بدلال ، لا تقل هذا عن نفسك ، أنت تاج رأسي يا عمري .

التزم عصام صمتا واجما و هو ينظر بجانب عينه إلى يدها التي تمررها صعودا و نزولا على ذراعه ، لاحظت تجمد ملامحه و نظراته الحادة فسحبت يدها بحرج .


نغم غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس