عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-18, 01:12 PM   #68

هالة حمدي

كاتبة في قسم قصص من وحي الاعضاء

 
الصورة الرمزية هالة حمدي

? العضوٌ??? » 416048
?  التسِجيلٌ » Jan 2018
? مشَارَ?اتْي » 786
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Egypt
?  نُقآطِيْ » هالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond reputeهالة حمدي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
My Mms ~
افتراضي

الفصل الحادي عشر



" بداية و نهاية "



السماء مليئة بالسحب البيضاء التي تخفي النجوم فوقها .. القمر يظهر من خلفها بهالته الضوئية وليس بدائرته البيضاء ... الرياح شديدة .. ليله تتنافي كثيرا مع نهارها الحار .. ليله مخيفه من ليال شهر مارس .. النهار حار وكأنه الصيف .. و مع حلول الليل تتبدل الاحوال ... ظلت نور تنظر عبر نافذتها الي السماء والدموع تذرف من عينيها بلا توقف .. انه الاسبوع الثاني بعد فراق ابنتها أروي ...

أروي التي استيقظت يومها لتجدها نائمة جوارها وجوار كريم ... أخذت تمسح عن عينيها آثار النوم .. وتتثاءب .. أبعدت الغطاء قليلا لتعتدل من نومها لتصبح بقرب أروي .. قبلتها وأخذت تداعب شعرها .. حركت أنفها علي وجنتة ابنتها عابثة لتوقظها ... موعد العمل قد حان .. موعد حضانتها قد حان .. نظرت الي كريم المستغرق في النوم جوارهن ... كان موليا اياها ظهره وأنفاسه منتظمة ... أخذت تداعب أروي ثانية لم تستجب .. تعجبت كثيرا فمن المعتاد أن توقظها أروي لا العكس... تصعد علي رأسها .. ثم تتوالي بالضربات علي وجهها لتستيقظ نور متأففة من هذه الطريقه ...كانت تقلبها يمينا ويسارا قائلة
" هيا أروي أستيقظي حبيبتي ..."
ثم بدأت توقظ كريم أيضا بيدها الأخري قائلة
" كريم ... هيا لقد تأخرنا ..."
استجاب كريم اليها ملتفتا قائلا
" صباح الخير نور ...لقد أفقت . .."
ثم أزاح عنه الأغطية يهم بالقيام ...قائلا
" سأذهب للحمام وأعد نفسي للعمل .."
دفعت عنها الغطاء تماما وهي تحاول ايقاظ أروي مجددا قائلة
" أروي لا تستيقظ كريم .. لا أعرف ما الأمر ..؟ "
التفت اليها وملامح القلق تبدو علي وجهه .. أمسك بأبنته وأخذ يرفعها قائلا
" هيا يا صغيرة .. تأخرنا .."
لم تستجب أروي .. وجهها شاحبا .. لا نفس يدخل أو يخرج ..هزها بقوة لكنها لا تستجب ... تركها كريم علي السرير جالسا جوارها .. واضعا وجهه بين كفيه متألما... نظرت اليه نور بعدم فهم ...اقتربت من ابنتها جالسه علي ركبتيها أمامها ...اخذت تحركها بعنف علها تستيقظ... اخذت تشد جسدها بقوة علها تفيق .. لكن .. بلا جواب .. بلا حراك ...بلا جدوي ... قالت صارخه
" أروي ...."
ثم توالت اللطمات علي وجهها .. شقت جيدها .. لطمت خديها حتي تورما ... قائلة
" كيف ذلك .. ؟ كيف حدث ذلك ؟ .. لا .. لا أصدق .."

دموع لا تتوقف .. حزن لا ينتهي .. حرقة لا تهدأ .. ثم أظلمت الدنيا حولها .. لم تعد تري .. لم تعد تسمع .. لم تعد تعي وهي تغيب عن الوعي أمام عينيه .. وهو ينظر اليها بألم
ظلت نسمات الهواء تضرب وجنتيها .. برودته تتغلغل داخل أنفاسها بقوة ..ترطب قليلا بعضا من نارها المشتعله من فراق ابنتها ..أقتربت أكثر من النافذة تمسك اطارها بيدها لتعود لذكرياتها...
لم تنس في اليوم الثالث علي فراق أروي ... حيث كانت تتلقي العزاء في ابنتها لم يأت للعزاء الكثير .. جاء زملاؤها في العمل المشتركون بينها وبين كريم ..سما .. التي لم ترها منذ ان تقدمت مع أخيها اليها .. سما لم تر أروي ولو لمرة واحده .. شاهدتها عبر الصور فقط .. والآن جاءت لتقدم العزاء فيها . اخوتها الذين يملؤون المنزل .. و أولادهم .. .. دنيا ابنة أخيها وحافظة أسرارها جوارها ليل نهار لا تكل ولا تمل من الجلوس معها رغم صمتها الدائم ونحيبها الدائم.. كريم أيضا لم يتركها ظل جوارها يهدهدها يعتني بها .. لم يتركها ولو لثانية ..حصل علي اجازة من العمل له ولها .. طوال الثلاثة ايام لم يفارقها حتي ولو بأجراء مكالمة هاتفية لزوجته الأولي .. كانت دنيا خير رفيق في صمتها ... وجدتها يومها تقترب منها قائلة
" اريد التحدث معك عمتي قليلا... دون ان يسمعنا أحد.."
امتثلت لطلب دنيا بسهوله فقد أصبحت كالدمية تنتظر من يحركها ..بلا ارادة .. وبلا حياة ... دخلا سويا الي غرفة أروي ليحظين ببعض الخصوصية ..وجدت دنيا تخرج شيئا من جيبها بعد أن جلستا متقابلتين علي أريكة واسعة بالغرفة وتعطيها اياه .. قائلة
" لم يعد لك الآن سوي عمي كريم .. لا أريد تشويه صورته الآن أمامك عمتي فلم يتبق لك سواه .. أقسم أني لم أسرقهم .. لقد استعرتهم فقط .. كنت ذاهبة لعيد ميلاد ورغبت في التحلي بهذا .."
ثم رفعت اليها خاتما علي شكل ثعبان مرصع بالفصوص اللامعة .. التقطت نفسا عميقا ثم استطردت
" وهذا .."
ثم أمسكت بالخاتم الآخر بين اصبعيها .. خاتم ذهبي ثقيل ملئ بالفصوص التي تحيط بورده ناعمة بالمنتصف مردفة
"أعجبني كثيرا وودت أن أريه لصديقتي فقط .. .. أقسم أني لم أرتده .. وكنت سأعيده بنفس اليوم الا أنك اتهمت عمي كريم وقد أصبح أمر اعادته مستحيلا .."
كانت نور متسعة العينين .. لم تبك .. فقد جفت دموعها ... كانت تري كل شئ حولها صغير ولا قيمة له بعد فراق ابنتها .. ليت دنيا تأخذ كل شئ وتعيد لها ابنتها ...أمسكت نور يد دنيا تغلقها علي الخاتمين قائلة
" هما لك دنيا .. خذيهم لك ..."
ثم وقفت في محاولة للمغادرة مردفة وهي في طريقها للخروج من الغرفة
" لكن بشرط ... أعيدي الي أروي ..."

ثم غادرت تاركة دنيا لعذاب ضميرها ..
رفعت دنيا رأسها تتابع مغادرة عمتها الغرفة .. ثم عادات بنظرها تنظر الي الخاتمين بيديها وهي تعلم أنها غير قادرة علي اعادة أروي الي الحياة .. وتعلم أيضا أنها فقدت فردا مهما بعائلتها .. فردا يحمل أسرارها وتحمل أسراره .. فقدت عمتها التي لن تغفر لها ... لن تغفر لها حقدها علي كريم في ذلك الوقت وهي تشكوه اليها .. كانت عمتها لا تري شيئا سوي سرقة كريم لها التي أرقت عليها حياتها معه .. كانت تراها تعاني ولم تستطع أن تبرر ..فهي لن تغفر لها أبدا فعلتها ..ولم تستطع أن تعيد الخواتم .. ففي المرتين كان كريم هو المتهم .. وهي أبدا لن تخسر عمتها لهذا الأمر في حينها .. فتكتمت علي الأمر وخبأت الخواتم واستمرت في كذبتها ..الا أن عذاب ضميرها بعد وفاة أروي .. بعد أن رأت معاناة أشد وأقوي .. وهي تراها بهذا الضعف ..قررت أن تجعلها تسترد ثقتها بزوجها كاشفه اليها حقيقه اختفاء حليها .. ظلت تنظر اليهم بيديها ثم ذهبت لتعيدهم للمكان الذي أخذتهم منه .. وعندما عادت الي نور بالخارج أخبرتها قائلة
" لقد أعدتهم الي مكانهم .. أنا قطعا لن أستطع أن أعيد أروي فمن يستطيع .. لكني أيضا آسفه لما فعلت .. لم أستطع الكتمان أكثر من ذلك .. أعلم ما قد يكلفني ذلك .. الا أنني لن استطع أن أحيا بعذاب الضمير مدي الحياة .. آسفة .. حقا أنا آسفة"
هي حقا لم تنتوي السرقة .. كانت ستعيدهم ..الا أن المشكلات كانت تتوالي علي حياة عمتها تباعا.. حاولت دنيا اختلاق الأعذار لنفسها غافله عن أن .. الذنب يكمن في العذر
نسمات الهواء تشتد .. وتشتد .. و هي تقف صامدة لا تملك الا الذكريات الآن فبعد مرور أسبوع واحد من وفاة صغيرتها انفض الناس من حولها .. وعاد كلا الي حياته .. هو فقط من بقي .. هو فقط من اعتني بها .. كريم .. حبيبها .. لكم تحبه .. كم ندمت الآن علي أيام ضاعت في الفراق والغضب ...زوجها الذي دعم حزنها رغم حزنه هو الآخر فهي ابنته أيضا ..
تنهدت مفرغة قليلا مما يعتمل به صدرها ..انتبهت للباب يفتح ليدخل كريم الي المنزل .. لحسن الحظ كان يرتدي معطفا طويلا يتناسب مع برودة الليل ..فقد أصبحت تخشي عليه من أي شئ .. أكثر مما تخاف علي حياتها ...فلم يتبق الآن لها الا هو ....عند دخوله اقترب منها يقبل وجنتيها قائلا
" حبيبتي ... كيف حالك ... ؟ الطقس قارص البرودة .. "
ثم انتبه الي النافذة المفتوحة .. فقام بأغلاقها وهي لم تعترض ..نور الآن بين يديه كالعجين .. عليه اعادة تشكيلها .. بعد أن حقق انتقامه منها وتخلص من ابنتها .. عليه الآن أن يجعلها كالخاتم بأصبعه ..
خاصة بعد أن اقتربت منه ذات ليله لتخبره أنها عثرت علي الخواتم التي فقدتها قبلا ..الأمر الذي أعلي من شأنه أمامها دون أن يخطط لذلك .. مقبلة رأسه قائلة
" انا آسفة كريم ..لا أعرف كيف ظلمتك ..حقا آسفة لو كنا بظرف مناسب لطلبت منك أي شئ أفعله لأجلك كي تسامحني .. أما الآن .. فلا أستطيع سوي الاعتذار .."
واتبعت كلامها بدموع حارقة تلهب وجنتيها علي فراق ابنتها ... ما كان منه الا أن احتضنها قائلا
" لا تهتمي حبيبتي .. الأمر بسيط "
ومنذ وقتها وهي تتودد اليه .. دوما تختبئ بين ذراعيه .. وهو لا يمل .. بل يسعد كثيرا بذلك .. هي لم تعد للعمل منذ فراق ابنتها .. لم تمسك هاتفها حتي لتتابع الرسائل علي مواقع التواصل الاجتماعي .. هي بين ذكرياتها الآن .. هو يشعر بالامتنان لها لأنها برأته من السرقة .. لم يسأل كيف عثرت عليهم .. لم يهتم كثيرا بالأمر .. ففضيحته بالعمل لن يمحوها أي شئ فقد انتهي الأمر بوصمته الدائمة بأنه سارق و عديم الرجوله أو النخوة .. يكفيه انتقامه .
لف ذراعيه حولها ليتحرك بها بعيدا عن نافذة الصالة الكبيرة الباردة .. ليأخذها الي غرفة النوم .. هنا سحب ذراعه من حولها ليبدل ملابسه قائلا
"كيف كان يومك ..؟ "
قالت باقتضاب
" بخير .."
لولا كلمات كريم عندما استفاقت من غيبوبتها بعد أن سقطت متأثرة بفراق ابنتها لما كانت قامت لها قائمة ..عندما عادت للدنيا كانت مستلقية علي سرير أروي بغرفتها بعد أن نقلها كريم هناك بعيدا عن جسد ابنتها .. كانت متخشبة الجسد والعقل .. دموع تسقط من عينيها بلا سيطرة منها أو توقف .. تنظر لأعلي صامتة .. هو جاثيا علي الأرض جوارها قريبا من وجهها يده تعبث بشعرها هامسا بأذنها
" نور .. حبيبتي .. اهدأي ..هذا قدرها .. هذا موعد رحيلها .. سيعوضنا الله عنها حبيبتي .. أرض بقضاء الله ليس لنا في انفسنا شئ .. ستكون سببا في دخولك الجنة .. ابك كيفما شئت لكن لا تنوحي لا تشقي جيدك نور .. هذا يؤذيك حبيبتي .. أصبري .. أصبري حبيبتي "
ظل يردد الكلمة بأذنيها حتي أغمضت عينيها ظنها نامت .. ابتعد عنها ليمسك هاتفه ليتصل بأخوتها ليحضروا .. وطلب منهم كفن واشياء تستلزم الغسل .. فقد غسلها بيده ..بعد أن عادت الي الدنيا وانتبهت لما حولها أخبروها أن كريم من غسلها وكفنها بيده .. وغادر بصحبة أخويها الي المسجد للصلاة عليها ثم دفنها
قامت لتعد له الطعام فأمسكها قائلا
" لا ترهقي نفسك نور .. لا بأس سأتدبر الامر "
عادت الي جلستها .. أقترب جوارها بعد أن بدل ثيابه .. هو يحب نظافة بيته .. يحب أهتمامها به .. يحب أن يكون وحده في عالمها بلا شريك .. الآن ليس هناك تهديد من جانبها .. لو أرادت أن تخبر والده بأمر زواجهم فالأمر الآن أخف وطئا.. فلا يوجد طفله تنسبها اليه .... الآن قد يطلقها .. قد يتركها هكذا جواره بلا حول ولا قوة .. الآن هي له بمالها وكيانها .. لن تطلب منه ايجارا أو مصاريف للحضانه ..الآن هي كالدمية بين يديه بلا قوة ولا صوت



" كيف حال زوجتك النظيفة بني ؟ "
نظر كريم الي والده قائلا
" بخير أبي .. الأولاد مرضي .. بكتريا المعده كالمعتاد.. حمدا لله "
ابتسم الأب بسخرية قائلا
" هذا أقل شئ يصيبهم من قذارة والدتهم .. هي لا تهتم بالنظافه في أيا من نواحي حياتها .. البيت .. الطعام .. الملابس .. ألم أكن أري بنفسي ؟.."
هكذا دوما والده .. فمنذ زواجه بمني وهو لا يحبها .. خاصة بعد أن مكث عنده أسبوعا كاملا الي أن ينتهي من تجديد شقته .. من وقتها وهو لا يحبها .. رأي قلة نظافتها بكل شئ .. حتي هو نفسه عاني من الآم معدته في ذلك الأسبوع ..ومن هنا الوقت استشعر معاناة ولده مع زوجته .. فهي بلا عقل لا تجيد الحديث .. لا تفقه شيئا بالحياة سوي أسعار الخضروات .. أو النميمة والغيبة علي جيرانها و عائلتها ..
ظهر الامتعاض علي وجه والده الذي يجلس أمامه بالمتجر .. فعلم كريم أنه يتذكر شيئا خاصا بزوجته ..

كان كريم يبيع هاتفا .. سمع والده يقول
" اهتم بصحتك كريم .. وزنك ينخفض بشكل ملحوظ بني .."
ابتسم كريم قائلا لنفسه
" مما أعيش فيه .. "
قال لأبيه
" سأقوم ببعض التحاليل بمعامل تابعة للشركة .. أنا أيضا أشعر بالتعب قليلا .."
قال والده
" كيف حال سما .. أتراها .."
تشاغل بأكسسوارات أمامه..فقد كانت آخر مرة يري سما في عزاء ابنته .. كانت تأتي يوميا خلال الثلاث أيام .. أجابه بعدم أكتراث
" لا أراها كثيرا بسبب انشغالي معك .. لكني اهاتفها يوميا لأطمئن عليها وعلي صغارها "
هز والده رأسه علامة استحسان ما يقوله كريم .. ربت علي كتفه قائلا
" بارك الله لي بكم انتما الاثنان .."
ظل مع والده حتي نهاية اليوم ..تناولا العشاء سويا تلاه الحلوي ثم أعطاه والده المال وهو مغادرا ليشتري لصغاره ما يحتاجون.. أغلق المتجر .. معلنا انتهاء العمل لهذا اليوم..
هذه الليلة عليه أن يذهب لمني .. فهو مقصر في حقها كثيرا .. رغم أنه يسد فاها بالمال .. الا أنه لا يريدها أن تشك بشئ ..فهو يعلم أن زوجة أخيها لا تترك أذنيها فتقذف فيها بالسموم .. وأيضا والدها الذي بدأ يعبث خلفه ليجد دليلا حول زواجة ..فيسأل هذا وذاك من أصدقائه .. فيخبروه أصدقائه ليأخذ حذره ..

هو لا يريد أن يغلق النار من ناحية .. فتفتح عليه من ناحية أخري..ليهنأ بالهدوء ولو قليلا في حياته
ما ان دلف الي المنزل حتي شعر بالأرهاق .. شعر بالدنيا تميد به .. وآخر ما شعر به ارتطام وجهه بالأرض بقوة .
حاول أن يفتح عينيه فلا يري سوي خيالات .. عاد لاغلاقها وفتحها ثانية بقوة .. وجد أمامه مني وسما وزوجها عصام .. نظر حوله وجد محلولا يسير عبر أنبوب دقيق متصل بذراعه ..عقد حاجبيه قائلا
" ما الذي حدث ؟ "
اقتربت منه مني باكية وهي تقول
" لماذا لم تخبرنا أنك مريض سكر كريم ..؟ "
تلقي الصدمة فاتحا فمه ليقول بأستغراب
" ماذا .. سكر ..! انا لم أشكو منه من قبل .."
قالت سما بحزن وهي تجلس علي كرسي جواره
" الطبيب أخبرنا أنك أصبت بغيبوبة سكر نتيجه لارتفاعه .. أخبر مني أن عليه نقلك للمشفي ..تحتاج لعقاقير و تحاليل .. اتصلت بي مني علي الفور وحضرت انا وعصام .. حمد لله علي سلامتك كريم .."
لازال لا يفهم .. هو مريض سكر .. كيف .. هو لم يعان من أي شئ من قبل ولا حتي شعر بالغثيان مره أو بألم في أي جزء منه .. رأي الطبيب يقترب منهم قائلا
" كيف حالك سيد كريم الآن ؟ "
سأل الطبيب متعجبا
" أنا مريض بالسكر .. كيف ؟.."
سأله الطبيب عن بعض الأعراض التي لم ينتبه اليها من قبل .. كان يظن أن الأمر عاديا .. كثرة دخوله للحمام .. نقص وزنه .. احتياجه الدائم للسكر .. ثم تذكر أنه قبل أن يسقط شعر بالارهاق والغثيان أيضا
اقتنع بما قاله الطبيب في النهاية.. لكن مع صدمته من الأمر .. استمع الي الكلام الطبي الذي استرسل به الطبيب محدثا سما وعصام .. ثم التفت اليه قائلا ..
" ماحدث اليوم كان نتيجة تناولك جرعة زائده من السكريات .. عليك أن توازن بين طعامك .. الخضروات أهم الاطعمة .. أنتبه للخبز والارز .."
بعد أن فرغت محاليله التي تحوي الدواء .. قام مع أخته وزوجها ومني مغادرا الي بيته .. القت عليه سما التحية مغادرة تعده بأنها ستزوره غدا ثم همست له
" سأخبر نور بالأمر حتي لا تقلق "
ثم ربتت علي كتفه مغادرة



كانت توقظه كل يوم ليذهب الي عمله .. تقترب من خده تطبع قبله دافئة هامسة بأذنه
" هيا وليد .. استيقظ .. ستتأخر علي عملك .."
ثم تذهب لتعد له افطاره .. كم مر من الوقت وهو يستيقظ وحده .. بل ويفطر خارجا بعد أن تكون هي اما بعملها أو لم تستيقظ بعد .. أما الآن فهو يستمتع بهذا الوقت من الصباح .. يستمتع بأقترابها منه ليشتم رائحة الورد من شعرها القصير ..
رغم حملها الذي تجاوز الثلاثة اشهر الآن .. الا انها لا تقصر بشئ ..يعود من عمله الصباحي .. يجد الغداء معدا ليتناولوه سويا .. هي لم تعد تعمل .. اهتمامها اليومي به وببيتها فقط .. جودي لم تنساها .. بل تخبره كل ليلة قبل نومها أنها تحدثت اليها .. و أخبرتها أنها اشتاقت لها وتختتم كلماتها قائلة
" تري .. هل سنجدها وليد ..؟ "
وتكون اجابته دوما
" نعم "
هو الآن بطريقه الي المكتب .. بعد أن تناول غداءه بصحبتها التي لم يعد يمل منها .. لم يعد ينظر للنساء كذي قبل وانما أقل ليكون صادقا.. فهو يسعي الي أن يكون رجلا لامرأة واحدة .. فقد عاد قلبه الي حب سارة مجددا بعد أن نفض التراب عن قلبه أخيرا .. وتوصل الي أنها تذوب بين أنسجة قلبه الآن .. تخطو نحوه لتحظي به كاملا كما السابق..

وصل الي المكتب .. الذي جلب له سكرتيرا لتسلم القضايا في غيابه .. المكتب استعاد سمعته بعد انهياره أثناء غيابه عنه في وقت بحثه عن جودي ومن قبلها تعلقه برحيق .. هو الآن لا يهتم الا ببيته وزوجته وبناء ذاته ليؤمن لأسرته حياة طيبة.. وليد لا يقبل الا قضايا حقيقية .. يناصر المظلوم .. لا يقبل قضايا المخدرات .. لا يقبل قضايا يشك بكنها ..مع بضعة قضايا تتعلق بأنهاء أوراق أو قضايا غير جنائية ...يري الكثير في مهنته .. يري من يطلقها زوجها ويأخذ صغارها منها في حين أنه سكير .. عربيد ولا يهتم لأمر اطفاله من الأصل .. يري الخائنة المتبجحة التي تريد كل شئ الزوج والمال والأطفال ..يري الأطفال المشردة بين أحقاد وضغائن الوالدين .. يري زوج يقتل زوجته بسبب غياب عقله بالمخدر .. يري الكثير والكثير مما جعله يحمد الله علي ما هو فيه ...جلس علي مكتبه ينظر الي ملف لقضية أمامه .. ولا زال ذهنه شاردا .. رغم فقده لجودي الا أن الله رد له زوجته .. رد لها عقلها .. رغم فقده لجودي الا أن الله أعطاه جنينا آخر ينمو الآن داخل رحم سارة .. رغم أنه انتهك عرض امرأة .. الا أن الله من عليه بالعمل و ازدهر أسم مكتبه .. ظل يفكر .. هكذا هو الله يعطي .. ونحن نعصي ..يكرم ..ونحن نبخل .. يغفر .. ونحن نأثم .. لا نكترث بعقابه .. الا أنه يرحم ..
ارتسمت ابتسامة رضا علي وجهه يستقبل بها عمله يحمل الأمل في كرم وعطاء الله أن يتم نعمته برؤية ابنته جودي ثانية.. لقد مر أربعة أشهر الآن .. ابنته الآن أتمت عامها الأول .. هل تكلمت الآن ؟ .. ما صوتها .. هل بدأت في المشي .. هل أكملت طاقم أسنانها ..؟ ابتسم وليد رغما عنه لتذكره أسنانها الصغيره التي رآها ذات مرة .... هو يشتاق لسماع كلمة بابا من بين شفتيها بصوتها الذي لا يعلمه ..يشتاق لضمها بين ذراعية لينعم بدفئ جسدها الصغير ... لم تعد ذكراها مؤلمة كما كانت .. تغير كل شئ حوله منحه احساسا بالرضا بقضاء الله .. بل ويمنحه الأمل .. ويصر علي أن يصبر ويثق بربه ..لم يعد الشعور مؤلما .. بل آملا ..

فكر قليلا كيف يمكنه أن يهنأ قليلا بصحبة سارة بعيدا عن العمل والأفكار والآلآم .. أخذ يفكر ويفكر .. الي أن توصل الي مفاجأة ستسعد بها ...
مساءا
بعد أن عاد وليد من مكتبه .. وجدها نائمة .. اقترب منها ليوقظها .. لكنهاكانت تغط في نوم عميق ...قرر عدم مفاجأتها اليوم .. ليكن غدا بعد أن يعد للأمر جيدا .. حظي بحمام دافئا واستلقي جوارها في هدوء.

استيقظ صباحا كعادته علي قبلتها ..كانت تهم بالمغادرة لتعد الافطار .. أمسك كفها لتعود جواره ثم اضاءت نورا ضعيفا جوارها ..ابتسمت قائلة
" ما الأمر .. ؟ استيقظت اليوم بسرعة .."
اعتدل ساندا رأسه الي وسادته وما زال يمسك بيدها قائلا
" لا أطيق صبرا لأخبرك .. سأذهب اليوم الي عملي ثم أحصل علي عطلة يومين ..ويومي والجمعة والسبت عطلة رسمية بطبيعة الحال .. ما رأيك أن نسافر بعيدا ..نهنأ براحة وهدوء .. لقد ضجرت من ضغوط العمل ما رأيك ..؟"
كان جوابها أن سقطت بين ذراعيه ..تحتضنه بشده قائلة
" أحتاج لذلك حقا ... شكرا لك وليد .. شكرا لك .."
نسمات الورد هاجمته مجددا.. ماذا تضع زوجته بشعرها لتنعم بهذه الرائحة .. لماذا لم يكن يشتمها من قبل .. أزاحها عن صدره لينظر الي عينيها الواسعة قائلا وهو يملأ عينيه برؤيتها
" ماذا تضعين بشعرك سارة ..؟ رائحة الورد هذه تلهب مشاعري .. تجعلني أريدك كل يوم .. بل كل ثانية .. بل الآن .."
جذبها اليه ثانية فأخذت تضحك قائلة
" لا ليس الآن .. الآن عمل ..سنبدأ اجازتنا غدا وليد .. هيا .."
ثم تركته لتعد الافطار .. بينما هو يزيح الغطاء متأففا وهو يكتم رغبته بها.
عاد من عمله ثم بدل ثيابه متجها نحو مائدة الطعام حيث أعدت له غداء فخما يليق بخبر الاجازة .. جلست جواره وهو يتفرس في شعرها القصير المرفوع من احدي جانبيه ..والي شفتيها الوردية .. تناول كوب العصير مقربا اياه من شفتيها قائلا
" اشربي .. "
كانت تري نظراته لها .. وتعرف ما يريد .. فوليد بطبيعته واضح لا يستطيع اخفاء رغبته بشئ .. قالت
" سأشرب من كأسي "
قال متلهفا
" لا .. من نفس كأسي سارة .. حتي أتلمس موضع شفتيك "
قرب اليها الكوب .. لم تكد تأخذ رشفتها حتي قربه من فمة قائلا
" كم هو مغوي أن ألمس موضع شفاهك أريدك أن تتغلغلي بشرايني سارة .. أحبك .. غاب عنا الكثير في خضم الحياة وأمتلائها بالمتاعب .. لكني حقا أحبك ..تجددي بداخلي مشاعر قديمة لم تكن الا لك .. حبيبتي .. زوجتي .. أميرة قلبي و رفيقتي.. أحبك .."
ابتسمت له متعجبة من هذا الكائن الحساس أمامها .. ابتسمت لرقة تعلم نهايتها جيدا .. سمعته يقول
" هل ننام قليلا .. ؟"
أمسك يديها ليحثها علي القيام فقالت
" ألن نأكل .. ؟ "
حملها عندما عاندته قائلا
" الطعام سينتظر .. أما أنا فلا "
هل محنة اختفاء جودي خلقت منهم أشخاصا جدد ؟.. هل قربتهم من بعضهم البعض بدلا من ابعادهم .. ؟هل رققت مشاعرهم لهذا الحد .. ؟ هو لم ينتظر جوابا لأسئلتها .. حملها مسرعا الي غرفتهم .. ليسأل هو أسئلة أخري تليق بيوم ملئ بالشوق والحب ..
كانت تجلس جواره بالسيارة متجهين الي شرم الشيخ ... هذا الوقت من العام ممتع كثيرا ..ليس باردا ولا حارا .. أمسك يديها وهو يقود ليشعر معها بالمعني الحقيقي للاحتواء والتلاحم الجسدي في كل وقت .. المسافة بعيدة من العاصمة الي شرم الشيخ .. الا أنه أصر أن يسافر بسيارته .. بعد مرور الوقت شعر بتعبها فأرخي كرسي السيارة قليلا .. مرجعا اياه الي الخلف .. قائلا
" استريحي قليلا ...."

اومأت موافقه .. مستسلمة للنوم .. عله يقلل من وقت الرحلة .. .. ظل منتبها للطريق .. لا زال في أوله .. صحراء حوله من كل صوب طريق سريع طويل أرغمه علي الشرود بأفكاره حول الأمس القريب ..حول محبوبته التي ملئت قلبه حبا و عشقا .. شرد حول نعومتها ورائحة الورد التي تفوح منها فتسكره .. الي أن مرت بجواره سيارة مسرعه جذبت انتباهه لشدة سرعتها .. نظر جواره ...لا .. لا .. هو لا يصدق نفسه .. اليسوا هؤلاء جيرانهم .. من اختطفوا جودي .. يا الهي .. أليست هذه جودي ابنته .. مها كبرت ستظل ملامحها ثابتة.. نعم هي ابنته .. انها جودي .. لازال يري السيارة رغم سرعتها وابتعادها عنه .. زاد من سرعة سيارته ليلحق بها .. لم يأبه بسارة النائمة جواره .. لم يهتم بالسرعة الزائدة ..لم يهتم بمن حوله علي الطريق .. لم يهتم الا بأبنته التي خطفت قلبه في أقل من الثانية وعليه أن يستردها بأي شكل كان ليزرعها بين اضلعه



صباحا

بعد ان غادر ماجد الي عمله و أوصلت صغارها الي المدرسة ...قامت بلملمة أغراضها هي وأطفالها .. بل وأغراض زياد أيضا .. هي لن تتركه خلفها وحده علي كل حال ..كان زياد يلعب بغرفته ...لم ير ما تفعل الا عندما عادت لغرفته لتعد أغراضه ...اعتدل قائلا
" ماذا تفعلين امي ..؟ "
تركت ما بيدها لتجلس أمامه .. تحتوي وجهه بين كفيها .. قائلة
" سنمكث قليلا في بيتي زياد .. ألا ترغب في رؤيته ..؟"
ابتسم زياد قائلا
" وأبي .."
قالت مسرعة
" سيلحق بنا ..لا تقلق .."
ثم عادت لتكمل ما بدأته وعند انتهائها طلبت سيارة أجرة لتنقل أغراضها الي بيتها .
دلف أربعتهم الي منزلها بعد أن جلبت صغارها من مدرستهم .. حمدت ربها أنها تعطي المفتاح لسيدة أمينة لتنظف لها المنزل بصفه دورية .. لكانت الآن منشغله بالتنظيف والترتيب... استغرب ولديها كثيرا فسأل أحمد
" ما الأمر أمي .. لما نحن هنا ؟ "
أحتضنته قائله
" سنمكث هنا قليلا .. أنا بحاجة لترتيب أفكاري .."
تركتهم ليبدلو ثيابهم ... وذهبت لتعد لهم الطعام ...
جلس أحمد جوار أخيه بعد أن بدل ثيابه بغرفتهم ... الغرفة تجمع ألعابهم .. تحتوي علي سريرين منفصلين .. لا تحوي أثاثا وانما غرفه للعبهم ونومهم فقط ..فمنزلهم يصغر منزل زياد الواسع بغرفه الثلاثة وصالته الكبيرة ..كان زياد بصحبتهم يلهو بالهاتف عندما سمع أحمد يقول
" يبدو أن هناك خلاف بين والدك وأمي زياد "
ترك زياد الهاتف قائلا
" لقد أخبرتني أمي أن أبي سيلحق بنا "
ابتسم محمد مقتربا من زياد ليأخذ الهاتف من يده قائلا
" يبدو أنك لا تعرف أمي بعد .."
اتصل برقم من هاتف زياد .. وما ان أتاه الرد حتي قال
" مرحبا أبي ..وددت أن أخبرك أننا بشقتنا القديمة .. لقد عدنا اليها "
ثم صمت قليلا .. بعدها أجاب ..
" أمي بالمطبخ تعد لنا الغداء .. وزياد هنا أمامي تريده "
ناول محمد الهاتف الي زياد .. استمع زياد لوالده ثم أجاب
" حاضر يا أبي "
ثم أغلق الهاتف .. كانت تقترب لتخبرهم بأنها أنهت اعداد الطعام ..فأستمعت لما يقولون .. وشاهدت متلصصة ما يفعلون .. اذا فلقد أخبروه أنها بمنزلها .. فوتوا عليها متعة تشتيته في البحث عنهم .. لقد كانت تنتوي أن تغلق هاتفها ..وهاتف زياد .. لكن لا بأس .. لقد علم وانته الأمر .. عليها أن تواجة الأمر .. وتطرق علي الحديد وهو ساخن .

كان الوقت متأخرا ..أطفالها جميعهم امتثلوا الي النوم .. تركتهم جميعهم بغرفه واحده .. ونامت بمفردها في غرفتها القديمة .. لقد بدلت الكثير من الأثاث فلم تعد شقة الزوجية القديمة.. فبدت جديده لا تحوي ذكريات لزوجها السابق ..
كان زواجها منه تقليديا .. لم يجمع بينهم حب أو مشاعر ملتهبه .. تزوجت وأنجبت سريعا .. وانتقل هو بنظام عمله الي المساء .. وأحيانا ما كان يبيت بعمله .. ويأتي نهارا ليحظي بالنوم والراحة .. وكأن الله يرتب لها تحمل المسؤلية حتي وهي متزوجة .. كانت مسؤلة عن كل شئ .. حتي تعب ولديها ليلا .. كانت هي من تذهب بهم الي لطبيب و ان كان الوقت متأخرا..لم يساعدها بتربيتهم أحد .. لا بوجود زوجها ولا بعد وفاته .. ظلت الذكريات تهاجمها ..وهي مستلقيه تنتظر النوم..
تذكرت يوم أجازاته .. كانوا يذهبون برفقته الي بيت عائلته .. وتلقي عذابا في التنظيف والترتيب بحكم صغر سنها .. فلن يخدمها الكبار سواء أخته .. أو زوجة أخيه ..كان ينالها التقريع اذا ما قصرت بشئ أو ان أبدت تعبها من كثرة العمل .. لا تنس أبدا كلمات أخت زوجها
" تتدللين رحيق .. لقد حملنا أثقالا تفوق أعبائك .. فليشتد عودك صغيرتي .. هيا .. أطباق كثيرة تنتظرك بالمطبخ .."
كانت والدة زوجها هي الرحيمه بها .. دوما تدللها .. وتنهر ابنتها لأجلها .. لكنها لم تمكث طويلا فقد توفاها الله سريعا .. لقد تزوجت وبحوزتها مال كثير فهي من عائلة ثريه ..كان لديها ذهبها ومالها الخاص ومحلها الذي ورثته عن أبيها ...تملك شقتها التي هي بها الآن ...لديها كل شئ .. الا الحب .. لا تذكر يوما أنها القت همومها علي زوجها يوما.. أو تذكر له كلمة شكر علي اعتنائها بالصغار .. كان دوما مشغول بين عمله وارضاء عائلته

أما ماجد .. شئ آخر ..تذكرت يوم خرجا سويا مع الصغار .. يوم اهتم بها وأحضر لها مثلجات مثلهم .. تتذكر يوم زواجهم ومنحه لها الحب كما يجب .. حب لم تتعلمه الا علي يديه .. كم كان حنونا معها..وهل تستطيع نسيان صدره ودفئ ذراعيه !.. تذكرت احتوائه لأطفالها وتفهمه لصغر سنهم ..تذكرت يوم حضر أهل زوجها السابق لزيارة ولديها .. تذكرت اهتمامه بها أمامهم.. تذكرت نظرة الحقد بين عيني عمتهم .. وكأنها تستكثر عليها حياة هنيئة.. استمعت لنقر خفيف علي باب شقتها .. قامت مرتديه روبا ثقيلا ليستر جسدها من البرد .. نظرت عبر عينا بالباب .. وجدته.. انه هو .. ماجد.. هل خرج من بين أفكارها .. فتحت الباب مستقبلة اياة برباطة جأش.. فاجأها وهو يمسك بحقيبة كانت خلف ظهره .. نظرت اليه منتظره قوله .. هو أيضا يتفرس ملامحها مضيقا عينيه ..قائلا
" هل لي أن أدخل ؟"
أفسحت له الطريق .. فدخل وأغلق الباب خلفه قائلا
" خرجت من بيتي دون أذن .. حزمت حقائبك .. وحقائب الصغار .. دون أن تهتمي لرأيي ..؟ "
قالت من فوق كتفيها وهي توليه ظهرها
" وما رأيك ..؟ "
جلس علي أقرب كرسي واجهه قائلا
" لماذا لم تحزمي امتعتي معكم ..؟ "
التفتت اليه متعجبة من سخريته قائلة
" هل جئت لتعبث معي .. أنا أريد الطلاق .. وكيف أحزم أمتعتك وأنا أنتوي هجرك ! "
رفع نظره اليها .. قائلا ببرود
" ستهجريني ومعك طفلي .. هل ستقاضيني أيضا لتضمي اليك حضانته رحيق .."
فهمت ما يرمي اليه .. كلماته مقتضبة لكنها تحمل بين طياتها السخرية .. هو يشير الي عدم أحقيتها بزياد ...اذا فلتكشف الأوراق الآن
قالت وهي تتخذ مقعدا يواجهه .. هي الآن لا تخشاه .. هي الآن تحبه ..ولأنها تحبه وجب الطلاق .. لن تحتمل كلمة أخري تحمل معني تفريطها بشرفها وعرضها ..أو تلميحا بسيطا يرمز لزلتها .. هو لا يعلم كم ندمت علي الأمر .. هي من تمسكت بحجابها منذ أن وجب عليها أن ترتديه .. هو لا يعلم كيف تؤنب نفسها كل ليلة علي ما فعلت .. حجابها عفتها الذي لم تتخل عنه يوما ... ندمت كثيرا .. كثيرا جدا ..

ظلت تناظرة قوة وغضبا .. فغضبها منه لم يهدأ بعد .. هو يعاملها كفتاة ليل لا يأبه بما يجتلج قلبها به .. لا يأبه بمشاعرها .. كل ما يريده الأنتقام .. اذا فلتبدأ المعركة
قالت
" ما الذي تحتم علي فعله عندما أود مغادرة منزلك ماجد .. هل أترك زياد بالمنزل وحده .. ام آتي اليك بالعمل وأتركه لك .. أم كان يتوجب علي أن انتظرك حتي تأتي لأخبرك أني سأترك بيتك وأنتقل الي شقتي حتي تطردني أنت بنفسك .. أخبرني بأي الحلول كنت سترضي ...ام آخذه معي وتأتي انت لتسترده ولأعطيك رأيا أخيرا فيما يتعلق بنا وتعطيني ما أرغب.."
استمع لكلماتها بجديه قائلا
" وما رأيك بحياتنا سيدة رحيق..؟"
أجابت بقوة دون مواربه وهي تنظر بعينية .. وعرقا برقبتها يتضخم
" رأيي انها حياة بائسة .. يشك كلا منا في الآخر .."
هل ما سمعته ضحكاته .. نعم هو يضحك .. يجلس أمامها رأسه منسابة الي الخلف من شدة ضحكه .. يا الهي .. هل اخيرا يضحك..و بموقف كهذا .. غمازة وجنته ظهرت .. عينيه تلمع .. أسنانه النظيفة الصغيرة تظهر من بين شفتيه .. شفتيه .. لعقت شفتيها تكتم شوقها اليه .. نظرت الي اللأرض في محاولة لأستعادة سيطرتها قائلة
" نعم .. أنا أيضا أشك بك ماجد .. لماذا تذهب الي هويدا .. لماذا تهتم بها .. تقتطع الوقت من أسرتك لأجلها .. أتظنني لا أري .. أتظنني لا أشعر ..."
ازدادت ضحكاته ..أمسك صدره ليلتقط أنفاسه .. هل هي حقا تشك به .. هو لم يفعل شيئا مشينا مع هويدا .. لا أمامها ولا من خلف ظهرها ..لم يلامسها .. لم يعانقها .. لم يقبلها كمان كان يفعل في صغرهما ..هدأت ضحكاته ثم أخذ يحرك رأسه يمينا ويسارا ليسترد جديته .. تنحنح قائلا
" أبي سيصل غدا الي بيتي .. أنت تعلمين أنه كان مسافرا مع أختي .. هي للعمل .. وهو ليعتني بها ..هما آتون الينا في اجازة .. وكي يباركوا لنا زواجنا .. أظن من الغباء أن أخبرهم بأن حياتنا علي المحك .. ونحن مقبلين علي الطلاق .."
انتبهت لما يرمي اليه .. فقالت
" اذا أنت تريدني أمثل أمام عائلتك اننا زوجان سعيدان .. ينقصنا عصافير ترفرف فوق رؤسنا بسعادة .."
قال بأقتضاب وقد قام واقفا يتجول بالمنزل
" نعم .. هذا ما أريد .."
" وما الذي يضمن لي عدم اقترابك مني ؟ "
" أقسم أني لن اقربك رحيق "
جلست تفكر في الأم قليلا
" موافقة بشرط واحد "
" ستنالين طلبك .. الطلاق "
انتفضت لسماعها الكلمة بصوته المحبب .. تجرعت حزنها في صمت قائلة
" ولم أنت هنا بحقيبة ملابسك ؟ "
كان قد وصل لغرفة الاطفال فتحها ليطمئن عليهم .. ألقي نظرة خاطفه .. نظرة سعيدة و هو يجد زياد ينام بين ولديها والاثنان يحتضنونه .. أغلق الباب بهدوء ملتفتا اليها وما زالت تجلس مكانها
" أنا هنا بحقيبتي لأنني سأترك شقتي لأبي وأختي لينعموا بالخصوصية .."
ثم غمز بعينيه لها في نظرة أذابت عظامها
" وكذلك نحن .. "
ابتلعت ريقها .. ما باله اليوم رقيق هكذا .. ماباله اليوم يبدو كمن يريد اللهو .. وهل ستتنازل هي عن طلبها للطلاق لمجرد ضحكة .. أو رقة معاملته .. أو لأجل غمازته .. قطعا لا لقد أهانها وأهدر كرامتها .. ألم يقسم منذ قليل أنه لن يقربها ؟
أمسك حقيبته متجها نحو غرفة نومها .. وجد حقيبتها بركن بالغرفة يبدو أنها لم تفرغ متاعها للآن .. أقترب من خزانة الملابس ليرتب ملابسه فقالت عابسة
" هل أعد لك طعاما ..؟ "
قال وهو يرتب ثيابه
" لا .. فالمسرحية لم تبدأ بعد .. انتظري للغد وأبدعي في التمثيل رحيق .."
اذا هو يريدها أن تمثل .. فليكن .. لتنعم قليلا بقربه قبل أن تنفصل عنه .. هي تحب .. تحب كل جزء من وجهه .. من جسده .. تحب التفاتته .. تحب صوته ..لكن الفراق محتوم ماجد .. الفراق محتوم ..
" لقد اطمئننت علي الصغار نهارا .. لقد أخبرني محمد بوجودكم هنا "
انتهي من ترتيب ثيابه في الخزانة مقتربا منها
" تفكرين بالهرب مني ومعك ولدي .. يؤثرني ذكائك رحيق "
" بم أخبرت زياد عندما تحدثت اليه ؟ "
علم أنها استمعت لحديث الصغار فقال هامسا بأذنيها
" أستمع الي كلام ماما أنا آت اليكم "
ثم ابتعد عنها ليعد نفسه للنوم
احتارت بين سخريته وبين همسه .. أنفاسه الدافئة قرب أذنيها اججت شوقها له .. ابتلعت ريقها ثم توجهت الي سريرها لتنهي هذا اليوم الشاق
نام جوارها مبتعدا عنها .. فهو لا يحتمل لهيب جسدها ..هي بالنسبة اليه نارا .. ان اقترب منها احترق .. وان ابتعد عنها مات بردا...
ظل يفكر بعودة والده .. هو لم يره منذ آخر اجازة له منذ ما يقرب من عامين ..قبل وفاة حنان .. هو لم يحضر للعزاء .. لم يحضر عند زواجه من رحيق .. بل تلقي اتصالا هاتفيا منه بكلمات مقتضبه
" البقاء لله "
" مبارك الزواج "
الأولي عند وفاة حنان .. والثانية عند زواجه برحق ...بين الحنان والرحيق ضاع عمره ..بين رقة حنان ونعومتها ..بين قوة رحيق وجرأتها ..شتان بين الاثنتين ..كيف يقارن بينهن ..ولم يقارن من الاساس ! .. لكلا منهما كيان مختلف عن الأخري ..رحيق تشده اليها بطريقة مختلفه هو لا يعلمها .. يؤلمه ما فعلت .. يؤرق عليه نومه .. لكنه لا يستطيع الابتعاد عنها فعندما واجهته برغبتها في الطلاق أظلمت الدنيا أمامه .. أراد أن يدمغها بختمه حتي لا تضيع منه .. كان أعمي في غضبة .. لم يستطع السيطرة علي ذاته وخاصة بعد مواجة وليد .. لقد انهكته هذه المواجهة حقا .. صامدة اذا رحيق وقبلتي بالعرض .. اذا فلنمرح قليلا.. فلتريني صمودك أمام والدي ..فلنر رحيق .. كيف ستجابهين جفاء أبي



هالة حمدي غير متواجد حالياً  
التوقيع
اللهم جنة ♥♥
رد مع اقتباس