عرض مشاركة واحدة
قديم 13-06-18, 03:47 AM   #26

عبير نيسان

كاتبة بمنتدى قصص من وحي الاعضاء


? العضوٌ??? » 423609
?  التسِجيلٌ » May 2018
? مشَارَ?اتْي » 174
?  نُقآطِيْ » عبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond reputeعبير نيسان has a reputation beyond repute
افتراضي

" الفصل العاشر "

في المساء وبعد تناول العشاء،تركتهم اسمي والتي حضرت الى المزرعه منذ الصباح وصعدت لغرفتها لتعد اطفالها للنوم.
جلست نوران الي كرسي مريح قبالة والدتها وكانت قد احضرت معها بعض الأوراق الخاصة بالمزرعة لمراجعتها في حين كانت والدتها تقضي وقتها باشغال الابرة.
لقد كانت والدتها تختلس النظر إليها من حين الى آخر بعد مرور قليل من الوقت سالتها نوران بغير اهتمام وقد كانت تلملم الاوراق ووضعتها في ملفاتها الخاصة بها:
" خير ياماما فيه حاجه يا حبيبتي؟ "
وهنا رمقت ابنتها بنظره كلها حنان وهيا تجيبها :
"عاوزه اعرف مالك يا نونو بقالك فتره مش في المود ومتغيره"
ابتسمت ابنتها ابتسامة خفيفة وجلست على ذراع الأريكة وهي تحتضن كتف والدتها وتربت عليه بحنان فى محاولة منها لكي تطمئنتها :
" مفيش يا دودو انا تمام الحمد لله بس زعلانة شوية علشان اسمي... مش عارفه جوزها دا بيفكر ازاي "
وعلي ذكر الزوج عادت بذاكرتها إلى يوم الاحتفال ووعد اخيها لها وها قد مرت شهور ولم ينفذ وعده لها.
لقد مرت ليالي عدة من السهر و السهد ولم يشاركها بها الا احلام اليقظة التي رسمتها لنفسها.
لكم تمنت فيها أن يكون ذاك الظل لزوجها حقا،ونسجت خيالات عدة على تلك الامنية،............. يا ليتها تتحقق.
كما شردت بتفكيرها الي ذاك الصديق الغادر الذي ائتمنته على عملها وجعلته شريكاً لها به، قام بطعنها في الظهر بكل خسة دون اعتبار لما قامت به من أجله.
صوت انين مكتوم جعلها تنتبه لواقعها، فنظرت الى والدتها متسائلة متعجبه الا ان الكلمات توقفت علي لسانها حينما وجدت علامات الالم الباديه علي وجهها، جلست امامها بلهفة جزعه وسألتها وهي تمسك بيدها :
"ماما…. مالك، انت تعبانه؟!"
جاهدت والدتها لتقوم من مجلسها وهي تطمئنها بصوت متحشرج :
"لا ياحبيبتي....،انا كويسه شويه صداع وهيروح لحاله،انا هقوم علي اوضتي ارتاح شويه"
ساعدتها نوران على الوقوف وهي تقول :
"صداع ايه دا اللي بقاله شهور......... دا من وقت ما كنا في امريكا"
داهمتها نوبة أخرى من الالم فتوقفت مكانها واخذت تضغط بقوة علي رأسها لعلها تستطيع ايقافها او الحد من شدتها،وقالت بصوت متقطع من تأثير الألم:
"خلا....خلاص.... يا نو...... نو......مش....وقته....... كلا....م......دلوقتي..ااااه........ وديني اوضتي.......ااااه......."
اسندتها نوران بكلتا يديها وساعدتها على الاسترخاء على السرير وهي ترمش بشدة لتجلي عينيها من العبرات المجمعه بها وهي تقول :
"انا اللي غلطانه اني سهيت عنك الفتره اللي فاتت سامحيني يا امي، انا هروح اكلم الدكتور….."
ذهبت لكي تتصل بالطبيب المعالج لابنها وهي تهتف باسم ابنة خالتها :
"اسمي... يا اسمي.. "
حاولت والدتها الجلوس لتمنعها لكن نوبة الم أخرى اسوأ و أقوي كانت قد داهمتها فشعرت كانها تغوص ضد التيار في ماء شديد العمق مما آلم ذراعها التي كانت ترتكز عليها، فتركت راسها يسقط بقوه علي السرير واغمضت عيناها بشده، فضوء الغرفه كان يضايقهما...... بدأ العرق يكسو جبينها، وشعرت كانها تتوسد كتلة من نار، مما ضاعف من ضربات قلبها حتى أنها شعرت به يدق برأسها لا بصدرها... فتحت عيناها تبحث عن ابنتها فشعرت بالغرفه تدور بها وتدور بشدة وفجأة انعدمت الرؤية.
وصلت أسمي اثر هتاف نوران بلهفة وجلست بجانبها تحاول التخفيف من شدة الحرارة.
*****************
فتحت عيناها ببطء ودارت بهم في الغرفه حولها لكن الرؤية كانت مشوشة لديها،اغلقت عينيها وفتحتها مره اخري وجالت بهم في الغرفه مره اخرى وقالت بوهن شدي:د
"نورا....... انت فين؟!"
قامت نوران من كرسيها متلهفه وهي تجيبها:
"ماما...... انا هنا انت سمعاني.... ماما انت كويسه؟!"
اجابتها بنبرة واهنه :
"الحمدلله! هو ايه اللي حصل؟!"
حاولت نوران ان ترسم الابتسامه واجابتها وهي تمسح دموعها :
"ابدا يا ست الكل، انت تعبتي ولما الدكتور وصل كان مغمى عليك، اداك حقنه مهدئه وقالي اسيبك ترتاحي شويه"
اقتربت منها اسمي وهي تقول:
"كده يا خالتو تقلقينا عليك"
نظرت اليها بامعان شديد وقالت بوهن
"وقال ايه تاني..يا اسمي..."
ابتسمت أسمي وقالت
"قال ان حضرتك بتدلعي علينا شوية، ايه يا خالتو هو انت مش عارفه غلاوتك عندنا ولا ايه؟"
ربتت ابنتها علي يدها وهي تقول بمرح
"خلاص يا ستي اسيبك تسافري في اي بلد تغيري جو "
استطردت نوران حديثها قائله بتردد
"انا كلمت كنان وهو قاللي انه هيحجزلك بكره تقضي اسبوع عنده "
قالت والدتها معاتبة اياها بهدوء:
"ليه كدا يا نوران، تقلقيه ليه بس"
فقالت ابنتها بمرح:
"لو مش هيقلق علشانك انت يا ست الحبايب، يقلق علشان مين يعني،انا هسييك شويه اعملك عصير فريش وهاجيلك علي طول"
تركتها ابنتها وفرت هاربة للخارج حتي لا تري والدتها دموعها.
جلست اسمي بجوارها ووضعت الحبوب التي كتبها لها الطبيب بفمها وساعدتها على تناولها وهي تقول...
"خدي دي وهتبقي كويسه ان شاء الله، الدكتور قال هتهدي الصداع شويه"
********
عندما علمت ماريا بمرض والدة نوران اتت الي المزرعه برفقة إلينا حتى تطمئن على صحتها، فهي ترى فيها الأم التي حرمت منها قبل أن ترتوي من حنانها.
وبعد أن آوت إلى فراشها، اجتمعت الاربعة فتيات حول طاولة الحديقة بالمزرعه على أمر واحد وهو قلقهن على صحة السيدة "درية "والدة نوران الا انهن اختلفن في دواخلهن فكل منهن على حدها تفكر في ما يتعلق بها ويقلقها شخصياً.
كانت نوران اول من بادرت بالحديث لانهاء هذا السكون قائله:
"عملتي ايه يا لي لي مع المجنون بتاعك"
اغمضت المعنية بالسؤال عينيها لتزيل هذا الألم الذي الم بهما، لكنها لم تستطع الاجابة عليها بسبب تلك الغصة التي المت بها فسارعت ماريا بقولها
"انا عندي الحل بس..... لو لين.. توافق عليه"
"مجنون ايه؟ "
كان هذا السؤال الذي سارعت اسمي بطرحه عليهم.
سردت عليها نوران ملخص لما حدث مع إلينا منذ خطوبتها إلى الآن واقتراح زوج والدتها بالزواج منها.
ارتسمت علامات الصدمه بوضوح علي وجهها وهي تستمع الي سرد ابنة خالتها وعلقت بذهول قائله
"ايه دا، هو احنا في اي زمن، هو مش عارف انك كده تبقي متحرمه عليه، وجهت حديثها الي ماريا قائله، حل ايه اللي عندك لبني آدم بالشكل دا غير القتل؟"
أمعنت ماريا النظر بثلاث أزواج من العيون للتأكد من حسن استماعهم لها وقالت بتردد
"فيه...... واحد من معارفي.... اولا انت عارفه يا الينا قد ايه انا بخاف عليك صح"
مدت الاخيرة يدها على الطاوله لتضعها على يد السائلة وقالت بنبرة واضحة
"انا متأكده عشان كدا طلبت مساعدتك"
تابعت ماريا حديثها بعدما سمعت حديثها ذاك قائله
"فيه واحد بيشتغل معايا انا اتقابلت معاه امبارح انا والينا وهو عرض عليها انها تمثل بأنها هتتجوز من أخوه، هو بيشتغل طيار علي فكره، ممكن تمثلي قدام هاني انه خطيبك وساعتها هو هيخاف لما يلاقي واحد واقف في طريقه فهيسيبك خالص ويمكن ينساك كمان"
بادرت اسمي الأكبر سنا فيهن قائله بغضب
"ايه دا يا ماريا؟ ازاي تقولي كلام زي دا الحل دا تقرئيه في رواية خياليه رومانسيه او فيلم كوميدي نهرب ليه من دنيتنا لكن الواقع غير كدا... انت تضمني منين البني ادم دا انه مش هيستغل الفرصه ويساومها مثلاً او الاسوأ، ساعتها تكون هربت من سيئ لأسوأ"
امنت نوران على حديثها قائله
"اسمي صح وانا معاها"
توجهت ماريا بالسؤال للمعنيه بالحوار قائله
"وانت يا الينا رأيك ايه؟"
الينا نظرت اليهن بذهن مشتت وقالت
"..............."
***************
ممسكا بعجلة القيادة وعقله يدور ويدور في حلقه مغلقه لا يدري كيف السبيل للخروج منها؟
لقد قام عقله بتحضير أكثر من سيناريو لذلك اللقاء إلا أنه لم يستقر علي واحد منهم وكان يشعر برهبة شديدة بداخله من هذا اللقاء.
ما هذا؟ هل يشعر بالرهبه من مجرد مقابلة لفتاة لن يتعدى طولها مستوى كتفه وهو الذي واجه الموت بشراسة منذ قليل.
فمنذ قليل كان على الجانب الآخر بعيداً عن العاصمة وبالتحديد في منطقة القنال وقد كان ينتظره أحد ضباط المخابرات كما كان بالمخطط وهو كالتالي :
"من المعروف ان القناة تسمح بمرور السفن بسحب أكثر من 20 متر أو بحمولة 240 طن وبأقصى ارتفاع 68 متر فوق سطح الماء وغاطس لا يزيد عن 77.5 متر تحت الظروف المحددة.
بعض الحاويات الضخمة التي تتعدى المقاييس المحددة للعبور في القناة، تقوم بإفراغ شحنتها في قواربها لتقليل السحب، وتقوم بإعادة تحميل الشحنات مرة أخرى بعد مرورها من القناة."
كانت المخابرات البحرية قد اتفقت على أن يكون التنفيذ ضمن فريق صغير حتي لا يجذبون الانتباه، وهذا ما اكد عليه كنان قائلاً
"الموضوع لازم يبان عادي، يعني ناس عاديين وارد الخطأ معاهم، لكن لو المخابرات ادخلت بشكل رسمي هتبان، وفواز هياخد حذره هو واللي وراه"

قام الضابط بالتسلل إلى قارب النقل وهناك قام بتفريغ شحنة الأسلحة والذخيرة ووضعها في حقائب تحمل على الظهر،في حين قام جواد بإفراغ محتويات الحقائب التي يحملها بداخل الصناديق بين شحنه الاغذية
عندما تمت عملية التبديل كان الضابط قد وصل إلى قاربه ينتظر جواد، إلا أن الأخير حينما قفز الى الماء كان ضباط الميناء يستعدون لإعادة تحميل السفينة بشحنتها، ولفت انتباههم ظله وهو يقفز بالماء وصوبوا أسلحتهم عليه وهو يسبح الى أن أصابته إحدى رصاصتهم بكتفه.
زاد من سرعته حتى يخرج من هناك بأسرع وقت لكي لا يجدوا لهما أثر وكان رفيقه ينتظره وعندما لاحظ كتفه المصاب قاد القارب بسرعة متوجها للشاطئ وهناك كان مأمون ينتظره وتم اسعافه الا ان الكتف كان مصاب بشدة جراء المجهود الذي بذله.
وعندما أشار عليه مأمون بالانتظار معه حتى الصباح الباكر رفض قائلاً
"مينفعش الليله دي بالذات لازم اكون في القاهرة "
حاول مأمون مرة اخرى ان يثنيه، إلا أنه
أصر بشدة على السفر.
كانت ساعة يده تشير إلى ما بعد منتصف الليل بنصف الساعة،حينما وصل إلى الxxxx الذي يسكن فيه برفقة أخيه مكرم، كان يعلم ان مأمون لن يهدأ له بال الا اذا اخبر مكرم بما حدث له وهذا ما تم بالفعل اذ وجد اخيه ينتظره عندما دخل الى شقته. قال له مكرم بعد أن اطمأن على جرحه
"أنت أغبي بني آدم شفته في حياتي، انت عارف انك بسواقتك من السويس للقاهره بحالتك دي، كدا بتجازف بدراعك كلها…. كل دا علشان ايه؟"
رفع اليه نظره بسرعه وقال
"هو اللي انت قلته دا عادي…. اني اعرف انه فيه فرصه اقابلها تاني واقرب منها… لأ وايه ممكن بقربي منها دا ترجع تفتكر حاجه… وبتسأل؟"
ابتسم مكرم وهو يقول
"للدرجه دي بتحبها؟"
نظر اليه جواد بجمود وهو يقول
"اسأل نفسك نفس السؤال، والإجابة هتكون زيك بالظبط"
********
كانت تعلم أنها محط أنظار كل رجل تمر بجواره إلا أنها شقت طريقها إلى طاولتها وهي توزع ابتسامتها الجميله الهادئه كرد علي تحيات واطراءات المحيطين بها سواء من المشتركين أو العاملين.
جلست والتوتر يكتنف جنباتها الا انها حاولت ان تبدو هادئه من الخارج حتى تنتهي من تلك المشكلة التي تنغص علي حياتها هدوئها.
رغم الواقع المرير الذي يفرض عليها مقابلته الا شعرت بقليل من الارتياح مرده لحديثها الاخير مع ماريا بالمزرعه واقتراحها الذي عرضته عليها كحل لإنهاء ذلك الاعصار المدعو هاني.
لقد كانت خلال سنوات عمرها الأربع والعشرين تنظر إلى الحياة بنظرة طفولية بريئة تقابل كل امورها بالابتسامة، الا ان الثلاث الاخيرة أبدلت تلك النظره البهيجة إلى أخرى كئيبه.
وقوع ظل ما عليها قطع عليها استرسالها في افكارها،وعندما وجدته بابتسامته الكريهة يحييها باب بادلته الابتسام بسخرية
قائله
"من امتي الادب دا"
جلس أمامها وهو يضحك بخفة
"معاك انت بس يا حبيبي، هه تشربي ايه الاول"
اعتدلت في جلستها وقالت بنفور
"انا شربت من زمان، انت عاوز ايه مني"
بابتسامه مرسومة علي جانب فمه قال
"علي طول كدا............. انت.......عاااوززززك....... انتي"
رفعت راسها بحده وحدقت اليه ذاهله من جرأته السافرة.. أرادت لنفسها بضع دقائق لتهدأ قبل ان تقول ساخرة
"انت عايش لسه في الاحلام..... يا عمو هاني... انت متجوز امي عارف يعني ايه"
اجابها ببرود
"ايوه عارف"
ردت عليه بتعجب
"يبقي مجنون او.......مريض"
"لا..مجنون ولا.....مريض...... انا ب...ح...ب....ك"
مالت الى الامام وقد بدا في صوتها رنه الجد
"بتحب بنت مراتك"
قال بسرعه
"لا بحب مراتي"
صححت له قائله
"اللي كانت مراتك، ودلوقتي بنت مراتك.... ايه مش مكفيك الذنب الاولاني جاي تعيده تاني"
رفعت يدها لتدفع خصله عن جبينها وزفرت الهواء الساخن لتهدأ من النار المتفجرة بداخلها وقالت بهدوء شديد
"عمو هاني انا بجد حزينه جدا علي التلات سنين اللي ضاعوا مني في الهوا لكن اللي معزيني اني قابلت اللي يعوضني عنهم و....هتجوزه..... "
لاحظت الشحوب الذي اعتلي وجهه فجأه وعلامات الالم التي بدأت في الظهور فالتوى فمها وقالت بلهجة تعمدت السخرية بها
"انسي بقي اللي حصل زمان وفوق لمراتك....اللي هي امي"
قامت من مقعدها والغضب قد بلغ ذروته متملكا منها وهمت بالسير بعيدا عنه فاوقفها صوته قائلاً برجاء
"ولو قلتلك انها مش امك... هترتاحي من الذنب دا... وترجعي ليا"
التفتت اليه بعينين جاحظتين من هول ما سمعته وقالت
"انت مش معقول.... مجنون... كل دا علشان....."
قاطعها قائلاً بصدق
"وحياة إلينا وحبي ليك انا بقول الحقيقه... فريال مش...... امك الحقيقيه"
***************
لم يشعر بأدنى رغبة في الذهاب لمنزله اليوم، إلا أنه مل المبيت في الفندق خاصة وانه لم يعتاد من قبل عليه فهو من عاشقي المنزل ودفء العائله،ولولا تلك المقيمة به لما فارقه يوماً.
عاد بفتور لمنزله وهو يتذكر تهديدها له هل صدقت بالفعل فيما قالته، وهل ستتزوج بغيره، أوهمه قلبه بأن لا إلا ان حدسه يخبره بل ويؤكد عليه بان الثقة التي تحدثت بها نابعة من حقيقة وصدق.بيد أن من سكنت قلبه وتمكنت منه بعد مرور تلك الثماني والثلاثون عاماً لن تكذب لمجرد الهروب منه وما بين صراع القلب والعقل دلف الي شقته فوجدها تحتضن طفليها وهي تبكي اقترب منها محييا إياها ببرود شديد، لم تجبه مما جعله يسألها قائلاً :
"ايه القطه اكلت لسانك؟…. ولا لسه مصدومه من مشهد امبارح؟"
نظرت إليه بنظرة ملؤها الحسرة وهي تقول
"مصدومة!.... انت شايف ان اللي عملته تكفيه كلمة مصدومة بس"
استطردت فريال قائلة
"اقسم بالله يا هاني… بحق الالم اللي سببته ليا امبارح…. هرده بس الطاق اتنين"
ضحك عاليا وهو يقول بصوت نافذ
"الطاق اتنين…. ازاي يعني؟ هتجيبي اتنين هنا؟"
نظرت اليه بزهو وهي تقول
"لا… هحسرك عليها…."
قاطعها بضحكاته العالية الهستيرية وهو يقول
"ههههههههه…. ولا تقدري…. لان اليوم اللي هتفكري تمدي ايدك عليها فيه… هيكون آخر يوم في عمرك"
حملت طفليها علي كتفها وهي تقول بتوعد
"بكره نشوف"
تركته ودلفت إلى غرفة أطفالها والتي اتخذتها غرفه لها هي الأخرى منذ يوم أمس.
***************
بعد ان رشف قدحين من ذلك الشراب الذهبي اللون شعر انه اكثر هدوءا ،لكن مزاجه لم يزل معتلا نظر إلى ساعته فوجدها قد تجاوزت الثانية عشر ظهرا بقليل فقرر ان يذهب الى مكتبه ..فجأة.
لعل الذهاب هناك يعدل من ذلك المزاج المتعكر.
فضلا عن انه مكبل باعمال كثيرة متأخرة اذ أضاع كثيرا من وقته على تلك المرأة وتراخي في عمله حتى تكدس.
وصل الى الشركه فتوجه رأسا إلي مكتبه وأغلقه خلفه دون أن يلتفت لأحد.
تقدم من طاولة المكتب وذهل عندما وجد كم الملفات المحتاجة للمراجعه وملفات اخرى لاعمال جديده وغيرها لتلك المناقصة التي كان يحوم حولها منذ مدة ها هي بين يديه ........أخذ يبحث بداخله عن تلك الشعلة التي كانت تدفعه للقيام بتلك الاعمال، لكن باء ذاك البحث بالفشل ....زفر بيأس وهو يرمي بتلك الاوراق وكأنها مجرد اوراق مهمله لا قيمة لها وليست مستقبله كله...
فبدون ذلك الوقود الذي يؤجج تلك الشعلة بداخله ...وجوده لا قيمة له.
ترك مكتبه وهو يفر منه بسرعه كانه مطارد أو...... لعله يطارد.
قاد سيارته بسرعة فائقه لا يعلم وجهته..ليس امامه الا العودة لبيته.....واي بيت هذا؛فمنذ مجيء اخته اليه للسكن به بعد انهيار منزل والدته وهو يشعر كأنه الضيف لا المضيف.

هبت نسمة نيلية خفيفه فلطفت من تلك النار التي تعصف به،ترك سيارته علي جانب الطريق وهبط ليسير بجوار ذاك النهر الخالد ويحاول أن يجد نفسه بين جنباته.
سار الهوينا وهو يقذف الهواء بقدمه وقد كانت هناك عائله صغيره تسير علي مقربة منه و تناهى إلى مسامعه صوت طفله صغيره تحث والدها علي السير بسرعة كي يدركوا المحلات قبل ان تغلق ووالدتها تطمئنها انهم سوف يجلبوا لها كل ماتريد وابتسم عندما سمع والدها يقول
"وانا كان مالي ومال اللف معاكم انت ورايحه حفلة المدرسه وانت وامها تشتري ليها اللي عاوزاه انا هنا ليه"
أجابته الطفلة ببراءة
"وانت وابويا تدفع ليا الفلوس وكمان تشاركني في كل حاجه دي اول مره اطلع الاولى على المدرسه ويعملوا حفلة ليا مش لازم تبقي معايا"
فأجابها مبتسماً
"طبعا.. وانت تؤمر يا قمري.....بس ناكل الاول"
أجابتها الأم بمودة
"يويو حبيبتي بابا طبعا بيحب يكون معاك في كل حاجه،بس هو دلوقتي جعان، لما بيجوع مش بيركز في حاجه"
ابتعدت الاسره عنه تاركه ضحكاتها للهواء ينقلها لذاك المهموم.
نظر الي الفراغ بحزن شديد وهو يتذكر اسرته فهو لم يشاركهم في شئ من حياتهم الخاصه.....نعم...لقد كان بعيدا جدا وان الاوان ليتقرب لهم من جديد....زوجته لن يستطيع الاستغناء عنها فهي وقوده للنجاح في هذه الحياه.
عاد الى سيارته وهو عازم على قراره ومصر إصرارا شديدا على تنفيذه مهما كانت ردود أفعال من حوله.
***********
حاولت كثيراً ان تخرجها من تلك الحاله المزرية إلا أنها فشلت، فهي منذ الليلة الماضية وهي تسجن نفسها بين جدران تلك الغرفة حتي عملها لم تخرج إليه.
اقتربت منها ببطء وهي تقول بصوت هادئ
"إلينا... بس لو تقولي مالك؟ هو قالك ايه خلاك بالحالة دي"
وهنا اسبلت جفونها غير قادره على تحمل ذاك الالم او التطلع لعيون هذه السائلة.
وهنا تأكد لماريا ظنونها بأن الامر الذي يشغل بالها عظيما جداً فاحتضنتها بين يديها لتشعرها بقربها منها، وكأنها القشة التي قسمت ظهر البعير، ذاك الحضن الدافئ دفعها للبكاء الشديد فتركتها الاخيرة تخرج ما بجعبتها من حزن في تدفق لهذا الشلال المالح.
بعد وقت قصير.... قالت بصوت باكي
"انا مش عارفه اقولك ايه بس....."
حثتها ماريا على متابعة حديثها قائله :
"الموضوع بخصوص هاني.... صح؟...هو قالك ايه؟"
علا وجهها الاصفرار وهي تقول بعيون دامعه :
"تخيلي انه بيقولي..... ان.. امي مش هي امي الحقيقية وانه عاوزني....."
جحظت عيناها وهي تقول بصوت عالي
"يااااه للدرجة دي وصلت بيه الوضاعة.... وانت صدقتيه؟"
لم تستطع اجابتها وان بإشارة من رأسها مما دفع الأخرى لتعنيفها قائله:
"لا.. لا يا الينا دي حركه مكشوفة منه بيحاول يديكي دافع انك تواصلي معاه في الخسة بتاعته... لا المفروض تكوني اذكى من كده"
نظرت اليها بوهن مرده لما يشتعل بداخلها وقالت بشرود :
"بس لما بفتكر معاملتها ليا بحس انه عنده حق.. دي عمرها ما حسستني انها امي"
قالت لها ماريا بصدق ويقين :
"دا من عمل الشيطان فوقي يا لينا، بصي انا عندي حفله بكره في الجريده ممكن تيجي معايا وهناك نقابل جواد"
رفعت عيناها بتساؤل
"جواد؟!"
اجابتها بمرح
"اه جواد.....انت نسيتي ولا ايه… هو اللي هيقدر يوقف اللي اسمه هاني دا"
****
للحظة شعرت أنها تتوهم ما تراه أمامها إلا أن صياح أطفالها المهرولين باتجاهه جعلها تتأكد أن ما تراه هو الحقيقة وليس نسيج من الخيال.
التفتت للخلف لتترك المكان،إلا أن صوته الهادئ الدافئ ترجاها أن تمكث معه ولو لدقائق.
خرجت نوران متسائلة عما يحدث بالخارج وحينما وجدته يقف في هذه الحالة التي يرثى لها وغير قادر علي إقناع ذات القلب المتحجر بالاستماع له،طلبت من الأطفال بلهجة آمره أن يوافوها للداخل.
سمعته يقول بحنان بالغ لم يسبق لها أن لاحظته في صوته :
"أنا آسف...."
رفعت عيناها المليئة بالحديث إلا أنها لم تقو علي قول شئ،تابع هو قائلا
"أنا مش عارف اقول إيه..دي اول مرة تحطيني في الموقف دا من اكتر من عشر سنين ايه اللي حصل لكل دا ؟ "
شعرت برجفه قويه تسيطر عليها وهي تجيبه بصوت قريب من الصراخ
"إنت بتسألنى...هو انت مش عارف بجد؟!.....طول العشر سنين وانت فاصل نفسك عني وعن الولاد ناسي إن لك بيت وقلت مش مشكلة لكن تجيب والدتك وتديها صلاحيات تتصرف بالطريقة دي معايا....لأ يا مؤمن البني آدم ليه طاقة"
حاول أن يتقدم منها ماداً يده باتجاهها ليضمها الا انها رفعت يدها رافضة اياه، شعر بالغضب الشديد من تصرفها لم يعتقد ان تواجهه بهذه العداوة، بل ما برح يظن انها ملك يده ورهن إشارته، الا أنه عز ذلك لاحساسها بالغضب منه.
لم ييأس من صدها له فحاول مرة أخرى أن يستميلها متصنعا النعومه
"سيما حبيبتي، انا لا يمكن اخلي حد يتصرف معاك بطريقة مش كويسة... لكن دي امي و انا مش هقدر اقولها حاجه خصوصاً لم تكون محتاجه ليا"
شردت في اسم التدليل الذي دأب على مناداتها به وبحركة مفاجئة التصق بها يحتويها بين ذراعيه بدفء وعانقها عناقا ناعما خفيفاً انتهي في لحظات قليلة الا انه اثر فيها تأثيراً عميقاً، فاستندت الي مقعد الحديقة تلتقط انفاسها المتلاحقة.
سمعته يقول بصوت أجش
"أسمي... يلا نروح بيتنا وهناك نتعاتب زي ما انت عاوزه"
نظرت اليه بشك متسائلة
"بيتنا؟!"
أكد على حديثه
"ايوه يا سيما بيتنا... انا وانت اللي قعدنا عشر سنين نبنيه"
***************

أقيم الحفل الكبير بمنزل كنان والذي لم يكن يعلم له سبباً، إلا أنه وافق حتي يعلم ما بجعبة زوجته، كانت الأخيرة قد طلبت منه ان يدعو جميع العاملين بالسفارة وهذا ما قام به بعد أن أكد علي منيرڤا أن تحاول السيطرة على انفعالاتها أمامها.
بحلول الساعة التاسعة مساء كان جميع المدعوين قد حضروا، تقدمت فتون من زوجها الذي كان يقف بعيداً عنها وقالت بابتسامة متصنعة
"ايه يا حبيبي مش ناوي تفتتح الرقص…. عيب كدا الضيوف يقولوا ايه؟"
نزل برأسه إلى مستوى وجهها وقال وهو يصر على اسنانه غضبا
"ودا يبقي ازاي اذا كانت المضيفة مش هتقدر"
ابتسمت بتهكم وقالت
"عادي اختار اجمل واحده فى الحفله وارقص معاها….. ولا اقولك هختار لك انا"
جالت بنظرها بين المدعوين ولفت انتباهها ذات الرداء الابيض بشعرها شديد السواد وبشرتها البيضاء المخالفه لسواد شعرها تماماً.
اقتربت منها وهي تمسك بيد زوجها وقالت
"السلام عليكم"
التفت المعنية بالسلام وهي تحاول السيطرة على انفعالاتها وقالت بلغة فصحى
"وعليكم السلام… من المؤكد انني اقف الان امام زوجه السفير… هل تخميني صحيح؟"
اجابتها ضاحكه
"ايوه بس ليه بتتكلمي كده"
نظرت اليها تارة وإلى زوجها تارة أخرى وقالت
"اعتذر ان كنت أسأت إليك ولكنني وبرغم أنني نصف عربية الا انني لم تتح لي فرصة تعلم اللهجات العربية"
امعنت فتون النظر بها وقالت بنبرة شك
"تعرفي انك شب…..قطعت حديثها بسرعة وهي تحاول رسم البسمة علي وجهها وتابعت قائله…. انا نسيت انا جيت ليه… اه لو سمحتي ممكن تفتتحي الرقص مع كنان لاني زي ما انت شايفه…."
تركت عبارتها مفتوحة وأشارت إلى قدميها.
لم تستطع منيرڤا التهرب من عرضها فوافقت على مضض حتى لا يتسرب الشك إلى داخلها.
*********
"حبيبي…. وحشتني"
ارتمت بين ذراعيه في لهفة وشوق اليه بينما قابلها هو بذراعين باردتين مما دفعها إلى سؤاله
"ايه يا أمير مالك… انت كويس"
انزل ذراعيها الملتفين حول رقبته وهو يقول بتبرم
"اليساندرا… مش انت كنت هنا من يومين ومسافره امبارح لحقتي ترجعي تاني…."
نظرت اليه متعجبه وهي تتساءل
"هي دي طريقة تقابل بيها حبيبت..هو انت مفيش عندك قلب ولا…. مهنة الطب علمتك البرود…."
قاطعها قائلاً
"لا يا اليسا بس… الحكايه وما فيها اني مش عاوز حد يشوفنا كتير مع بعض، فواز ممكن يعرف وساعتها…"
جاء دورها هي الأخرى لتقاطعه وإنما بمرح قائلة
"لا ما هو فواز اللي طلب مني ارجع وبسرعه… فيه صفقة جديدة وطلب مني احضرها بنفسي… فقلت آجي واشوف حبيبي الاول"
أنهت عبارتها بغمزه من عينها ابتسم لها محاولا رسم البهجة على وجهه.
**********
وقفت بين يديه لأول مرة في حياتها، هذا ما كانت تحلم به منذ أمد بعيد لكنها لم تكن تعلم أن الواقع سيكون بتلك الروعة والجمال.
أخذها بين ذراعيه برقة وضمها الي صدره بدفء وحنان، اسكن رأسها علي كتفه وتناغمت خطوات قدميها مع دقات الموسيقى الناعمة.
دار بها في خفة والقلق يتآكله إلا أنه صم اذنيه عمن حوله ولم يكن يشعر إلا بوجودها بين يديه.
هو متيقن بشكوك زوجته فيهما إلا أن تلك اللحظه التي كان ينتظرها منذ خرج بها من مكتب السفارة وهي زوجته جعلته ينحي كل شئ جانبا ليعيشها الآن وهي بين يديه.
التف المدعوين حولهم كل مع رفيقته لمشاركتهما الرقص، الا ان الاثنان كانا في عالم خاص بهما لم يشعرا بأحد من حولها ولم يستمعا لاحد الا الي دقات قلبيهما المتسارعة،وكأن الليلة هي احتفال بزواجهما الذي لم يعلم عنه احد.
انتهت الموسيقى وتلاقت نظراتهما لتقول الكثير والكثير فيما بينهم دون أن يتفوها ببنت شفة.
رفع كنان رأسه لأعلى فتشابكت نظراته مع نظرات زوجته النارية..ذهب اليها علي مضض وهو يفكر "لو كانت تعلم انها الليلة قد خدمته كثيراً لما توانت لحظة عن قتله"
فور ان وصل اليها اتاه اتصال هاتفي من قائد الحرس الخاص به فسمعته فتون وهو يقول
"وصلت…. مستشفي ازاي…. انا مش قلتلك تيجي هنا الاول… خلاص…. انا جاي علي طول."
انهي الاتصال وهو يقول لها
"انا اسف يا فتون… والدتي جت هنا في المستشفي ولازم اكون هناك حالا… اعتذري انت للحضور… سلام"
تركها في ذهولها وذهب.
********
"الو!..... انت فين يا فواز بقالي فتره بتصل بيك"
إن هذا الاسبوع من أسوأ اسابيع الروزنامه الشهرية إن لم يكن السنه كلها ولن يقدر على سماع أخبار سيئة أخرى تزيد من سوءته وفتون لن تلح علي الاتصال به إن لم يكن خبرا سيئا.
لم يسعه إلا القول بفتور
"خير يا وش الخير؟"
جاء صوتها على الطرف الاخر مرتعدا
"مش خير يا فواز...... مرات خالك هنا في المستشفى وكنان مرابط عندها بقاله يومين"
لم يستطع كبح جماح غضبه وهو يقول
"يومين يا فتون ولسه جايه تقولي..... دلوقتي قالتله علي كل حاجه....... يومين دا كفاية ساعتين"
جاءه صوتها يقتر غضبا وهي تقول
"وانا مالي انا بكلمك من زمان وانت اللي تليفوناتك مقفوله"
تابع بصراخ
"الدنيا ملخبطه هنا مفيش حاجه بتظبط معايا........ كان فيه شحنة أسلحة حد لعب فيها وبقت لعب اطفال وشحنه السودان اتسرقت عالحدود دا غير وهدان الفقري اتقبض عليه وانت كملتيها بخبرك الأسود دا"
حديثه ذاك لم يهدأ من غضبها فسألته
"وانا اللي قلبت الدنيا عليك.... انا غلطانه اني بحذرك... روح يا فواز ظبط امورك وبعدين نتحاسب"
القي الهاتف على المكتب، كان اليأس واضحاً على وجهه لا يعرف ما الذي يحدث معه؟ تناول هاتفه مرة أخرى وضغط على زر الاتصال بأحدهم آمراً اياه بسرعه المجئ اليه.
***********
'''لقد جاء اليوم الذي تغضب فيه من اتصال والدتها بها.........'''
أخذت تدور وتدور حول نفسها بالغرفه تتمنى لو تجد ما يساعدها في بتر تلك الفكرة التي تسيطر علي عقلها... كم كرهت نفسها لذلك الاعتقاد!
ظلت طوال سنوات عمرها الثلاث والثلاثون معتده بنفسها وعائلتها لم تبدلهم بأحد، فكانت لهم المنزلة الخاصه لديها.
نعم، هي ربيبة فلاحين كما تهوي حماتها ان تناديها إلا أنها تزداد فخراً وعزة عندما تسمع ذاك الاسم،لم تجرؤ علي التفكير فيهم بنقص وقد زاد ذاك الفخر عندما رفضت والدتها مساعدتها لهم بعدما تحسنت الحاله الماليه لزوجها وكان ردها لها وقتذاك :
"زي ما ربيتك وعلمتك وجوزتك هربيهم واحسن الاول كنتوا اربع بنات وولدين دلوقتي بقوا تلاته وولدين....... ولا انت شايفه اني قصرت معاكي او عجزت ومش هقدر اكمل وجايه تساعديني دلوقتي"
فما كان منها الا ان ارتمت بين يديها وأخذت تقبلها وهي تستحضر شتي كلمات وعبارات الاسف والاعتذار وتخبرها اياهم.
واليوم هاتفتها والدتها لكي تعاتبها قائله
"ابقي استني لما اموت ودوري علي اهل تانيين تغضبي عندهم لما جوزك يزعلك"
عندما سمعت معاتبة والدتها لها بتلك العباره شعرت كأن عقلها توقف فجأة عن العمل أو كأن العالم توقف عن الدوران من حولها ساحبا معه الهواء.
شعرت كأن احدهم طعنها بخنجر في صدرها ووجه للقلب مباشره.
"من هذا الذي جرؤ على اخبارها بما حدث" كان ذلك السؤال يدور ويدور من حولها باحثا عن اجابه، بيد انها شعرت بالخزي والضياع.
فبرغم صلة القرابة التي تربطها بنوران الا ان والدتها تأبى وبشدة ان يلجأ احد من اولادها لأي شخص وان كان ذاك الشخص اختها.
انها العزة، الكرامة والكبرياء هذه هي الصفات التي تربت عليها وزرعتها بأبنائها، واليوم تأتي هي وترمي بهم عرض الحائط.
عادت لواقعها علي صوت والدتها في الطرف الآخر تسألها
"خلاص يا أسمي كبرتي وبقيتي تتصرفي من دماغك؟... ولا بقينا مش قد المقام السامي لحضرتك "
حاولت اسمي اجابتها الا ان صوتها فشل في الخروج، بحثت بداخلها عنه فلم تجد الا صوره والدتها وهي حزينه كانت قابعة بداخلها، تلك الصورة جعلتها تبكي بمرارة.
تبكي ذلك الحضن الدافئ.... تبكي كاتمه الاسرار.....تبكي الاخت والصديقة والابنه والطبيبة والمعلمة..... تبكي الأم،بينما هي تبكي وتلك تسمعها علي الطرف الآخر فرت دموعها هاربة من سجنها ولم يعد يسمع علي طرفي الهاتف سوي صوت بكاء، ام تبكي طفلتها، وطفلة تبكي ذكريات لها مع امها..... وهنا انقطع الاتصال.
كقطة جريحه تكورت اسمي علي نفسها تحاول مداواة هذا الجرح وفكره واحدة تدور بعقلها "سافري اليها"
اشتد عليها الخناق اكثر فاكثر حتى شعرت بروحها تكاد تزهق.
قامت باصرار لهاتفها واتصلت به،لحظات وسمعت صوته فبادرت بسرعه قائله بصوت باكي
"مؤمن انا لازم اسافر البلد انهارده"
وما كان منه وأمام بكائها هذا الا ان وافق علي ظن منه بانه امر غايه في الاهمية.
جهزت حقيبتها الشخصيه لها ولاطفالها وتوجهت خارج الغرفه وجدتهم مندمجين بلعبهم داخل غرفتهم، وعندما عرضت عليهم مرافقتها وافقوا سريعاً.
*****************
وصل بسيارته امام مدخل القصر، آخر الأماكن التي يتمني التواجد فيها.......... خاصة بهذا اليوم.
"قصر الطاووس" اسمه كما رسمه، من الخارج زاهيا كالطاووس ومن الداخل مقبضا للروح، بناه فواز بدقه شديده وعلي هواه تماماً فهنا يشعر بمدي السلطه التي سلمه اياها والده.... هنا تزوج بمنيرڤا، قضت معه اسوأ أيام حياتها شهدها هو بنفسه.... كم من المرات التي لا يستطيع حصرها حملها بين يديه وذهب بها إلى المشفي ليعالج بها كسرا او جرحاً اصابها به ذلك السادي..... كان يراها كزهره ضعيفه سطر لها الحظ التعس حياة تقضيها بين براثن ذئب لا يعرف معني الرحمه بخاصة مع ضعيف مثلها.
صعد درجاته الحجرية وهو يتذكر تلك الليله عندما فاض به الكيل وسأله
"انت بتعمل فيها كدا ليه؟"
حينها شرد بنظراته للطابق العلوي وهو يقول
"بتفكرني بواحدة..... بس مش هقدر اطولها.... لكن طولت دي"
تساءل وقتئذ بينه وبين نفسه تري من هي بعيدة المنال تلك؟
الا انه لم يجد اجابه لسؤاله ذاك وها هو مر اكثر من عام ولم يصل لشئ مهم.
وقف بمنتصف قاعه الاستقبال وكان المعني بالزيارة هابطا للدرج الداخلي وهو يكظم غضبه الا انه كان باديا في عينيه، رسم الأخير علي وجهه علامات البلاهه التي اعتادها منذ سنوات وتقدم منه قائلاً
"ايه في حاجه مزعلاك ولا ايه؟"
صاح به غاضبا
"مش ناقصاك انت كمان.... كنت فين بقالك كام يوم؟"
ابتسم ببلاهه وهو يجيبه
"كنت في اسكندرية..... لاقيت الجو هادي قلت افسح نفسي"
اجابه بصراخ
"انت غبي..... مش انا قلتلك خليك مع شحنه الاغذيه اللي جايه من اليونان..... وتتابع شحنه السكر اللي خارجه من البلد"
رفع جواد يديه جانبا بمحاذاة كتفه وهو يقول
"لا يا فواز باشا انت قلت أمن الشحنة لما توصل المينا وهي لما وصلت انا بعت الرجاله شحنوها علي المخازن.... والسكر انا وصلته للأقصر زي ما قلت"
تناول فواز سيجارا بني اللون من علبة خشبية مطعمة بالذهب وهو يقول
"الشحنة اتبدلت قبل ما توصل القنال.. والسكر اتمسك واتحرز والرجاله شلوها لحسابهم... يعني خساير من كل جنب وانت بتتفسح"
ان الاسلوب الذي اتبعه جواد منذ بدء العمل معه كان باستخدام الغباء كدرع يجعله يفضي بمكنونات عقله امامه دون ان يشك به لذلك كانت اجابته تحمل نفس الاسلوب
"انا هنا بنفذ اللي بيطلب مني وبس وانت عارف تشغيل الدماغ عليك والتنفيذ عليا"
ابتسم فواز وهو يقول
"انا مش عارف بتسوق طياره ازاي؟
اجابه بابتسامة بهاء
"ياعم سيبها علي الله...."
قام فواز من مقعده متجها لطاوله جانبيه موضوع عليها صندوق خشبي صغير مطعم بالذهب وتناول منها سيجارا بني اللون، اشعلها ونفث دخانها لأعلي وهو يقول
"ياريتها بالبساطة دي. ....ههههه هقولك علي نكته.....انا تصدق أن فيه واحده ست تكون أم وهي عذراء لسه؟"
تقدم جواد منه وهو مصدوم فما يعرفه عن محدثه انه لا يتكلم من فراغ، تصنع عدم الفهم وهو يسأله
"فواز إنت تعبان؟ إذا كان علي السلاح يتعوض ..."
قاطعه فواز وهو يشير إليه بسبابته
"لا يا غبي...انا بكلمك عنها "ونظر لأعلي
تبعه جواد بنظره وعلم أن بالأعلى سر من أسرار هذا المجنون.......تقدم لطاوله زجاجية موضوع عليها مجموعه من أفخر أنواع الشراب.....هو يعلم ان محدثه لا يستطيع لجم لسانه حينما يشرب الخمر....
أعد له كأس به خليط منها جميعا وناوله إياه قائلاً
" امسك دي اشربها هتبقي تمام "
تناوله منه غاضبا وهو يقول
"أنا كويس جدا لكن......."جرع الكأس مره واحده ومسح فمه بظهر يده مستطردا حديثه بشرود".....بشاير الرازى !"
تساءل جواد
"بشاير الرازي...مش دي أمك؟"
كان الشراب قد سرى مفعوله فوقف فواز في مقابلته وهو يقول بعينين شاردتين
"امي؟..هه لأ انا امي كانت الشغاله بتاعتها...بشاير دي لسه زي ما هي..عذراء.....أمي بس في شهاده الميلاد "
كاد أن يقع وهو يحاول الجلوس،ساعده جواد على الجلوس بجواره وتركه يتابع اعترافه
"من أربعين سنة ابويا حبها واتجوزها بس هي من أول يوم حطت ليه حدود كانت بتقول انه اتجوزها عافية فهي محرمة...كانت بتحب شاهين....ابويا حاول. ....ضربها و..سجنها...لكن مقدرش...ف...اتجوز الشغاله علشان ولي العهد....وقتلها"
رفع جواد كفه ليحجب نظرة الاشمئزاز المرتسمه بها؛ فما سمعه يفوق حدود العقل،انتبه للغائب عن الوعي وهو يتمتم
"كان نفسي اكسرها....وا...وأوص..ل...لها "
تركه ممدا علي الاريكه واستقل سيارته حتي يعود مرة اخري للاسكندريه ليطمئن عليها ويذهب لمكرم ليطلعه علي ما توصل إليه لعلمه ان تلك ال "بشاير" في اشد الاحتياج اليهم الان بعكس ما كانوا يظنون.
********************



التعديل الأخير تم بواسطة um soso ; 23-06-18 الساعة 10:27 AM
عبير نيسان غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس