عرض مشاركة واحدة
قديم 26-06-18, 09:20 PM   #4840

كاردينيا الغوازي

مراقبة عامة ومشرفة وكاتبة وقاصة وقائدة فريق التصميم في قسم قصص من وحي الأعضاء

alkap ~
 
الصورة الرمزية كاردينيا الغوازي

? العضوٌ??? » 126591
?  التسِجيلٌ » Jun 2010
? مشَارَ?اتْي » 40,361
? الًجنِس »
? دولتي » دولتي Iraq
? مزاجي » مزاجي
?  نُقآطِيْ » كاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond reputeكاردينيا الغوازي has a reputation beyond repute
?? ??? ~
من خلف سور الظلمة الاسود وقساوته الشائكة اعبر لخضرة الامل واحلق في سماء الرحمة كاردينيا الغوازي
افتراضي

قرابة المغرب ...

احد جوامع العاصمة المشهورة



يجلس تحسين عند بوابة الجامع المفتوحة للمصلين دون ان يفكر قطعاً بالدخول ..

فهذا ليس مكانه يقبل به والدعوة للصلاة لا تشمله... هو العاصي .. وكل ذنب اذنبه عصيان لرب خالقه...

يكتفي ان يستريح قليلا وهو يراقب جموع الناس التي بدأت تتوافد لاداء الصلاة ..

لا يعلم من الاساس ما الذي أتى به هنا تحديدا.. كان قد تعب وهو يجوب الحي القريب من الجامع لساعات طوال ..

يجوب الشوارع الداخلية وعيناه على الارصفة تبحثان عن ... التمر !

لكنه لم يجد اليوم الا بضع تمرات ...

حدق بالتمرات الثلاث في كفه وهو يتذكر قبل ثلاثة ايام عندما جمع التمر لاول مرة وملأ كفيه !

كانت المرة الاولى التي يفعلها كما كانت المرة الاولى التي يجوب فيها شوارع هذا الحي على هذا النحو ... حي سكني يقع على الجهة الاخرى من حي الشيخ ، بيوته صغيرة متكدسة متراصة وكأنها تسند بعضها بعضا من شدة انهاكها ..

الناس فيه ما بين فقير الى مستور الحال ... لكنه الحي عامر باشجار النخيل التي ترمي لهم بالتمر..

وعلى عكس حي الشيخ الاشد فقراً وفوضى وغوغائية فإن الشرطة تتواجد هنا ولهذا أصر عليه فالح ان يأتي معه كحماية وهو (يلتقط رزقه) من البيوت الغافلة هناك .. فيسرق ماكنة صغيرة من هنا .. اداة كهربائية من هناك .. واي شيء خفيف الحمل فيه قيمة ..

وبينما فالح يقفز فوق سياج احد تلك البيوت جذب نظر تحسين التمر الملقى بكرم على الرصيف فيتذكر انه يوماً رأى حسناء تلتقط تمرة من الارض لتأكلها ودون شعوره وجد نفسه يجمع التمر بحماس وكأنه يجمع كنزاً!

حتى انه نسي فالح تماما وبعد أن ملأ كفيه تركه وغادر الحي بمفرده عائدا لحي الشيخ..

عائدا لـ .. حُسنااا ...

لا زال يذكر اول تمرة وضعها في فمها ...

كانت اضعف من ان تمسكها باصابعها ففعل هو نيابة عنها واطعمها بنفسه ... دمعات هطلت من عينيها وهي تبتلع التمرة الاولى متمتمة بالحمد لله ...

كانت كنبتة ذابلة ضعيفة هزيلة يسقيها للمرة الاولى فتتشرب الحلال كأنه ماء زلال طيب تنتعش منه وتسترد بعض قوتها على استحياء ...

مبهورا بدمعاتها تلك ومبهورا بهذا الاصرار العجيب منها ان تفضل الموت على أكل الحرام...

وظل هكذا كل يوم يفعلها .. يجوب هذا الحي الفقير الكريم ! يجمع التمر المتساقط على الارصفة .. يجمعه ويعود به الى حسناء فيطعم فمها الجاف الذي صام عن الطعام ولم تعد تأكل الا هذا التمرات ...

وفي كل مرة تحرص ان تتأكد منه بتمتمتة مرتجفة من شدة ضعف جسدها انه جمع التمرات من الارض ولم يقطفها من شجرة احدهم ...

لقد قررت الصوم عن الحرام بشكل تام

منذ اصابة يدها وهي لا تفعل شيئا الا البقاء في السرير لا تغادره الا لاجل شرب الماء والصلاة ...

في اول يوم احضر لها الطعام والدواء لاجل الجرح فرفضت كل شيء .. اثار الزوابع غضباً وهياجاً حتى تأخذ دواءها على الاقل لكنها أبت لا تعير زوابعه اي اهمية بل تكتفي أن تغلق عينيها وهي تهمس " حسبي الله ونعم الوكيل .. انجدني يا رب.."

كانت تقتله بدعواتها تلك وتجعله كالمجنون يرفس كل شيء حوله ويكسر ويرمي حتى الطعام الذي احضره ارضا وهي لا تفعل شيئا الا تلك الهمسات وهي مستلقية بعجز على السرير النحاسي ...

وفي الليل ينام جوارها يحلم بالكوابيس ليصحو هلعاً يقترب منها اكثر ليتأكد فقط انها تتنفس وما زالت حية ...

عاد لينظر للتمرات الثلاث .. حصيلته لهذا اليوم .. يبدو ان كرم النخيل في ذاك الحي نضب ...

بدأ يرتفع اذان المغرب بصوت رخيم يغلب عليه شجن التوسل .. وكان تحسين سيقف على قدميه مغادرا عندما جذب نظره امرأة خمسينية ترتدي حجابا ابيضا وملابس فضفاضة تحمل كيسا كبيرا تجول به قريبا من المسجد وبين الفينة والاخرى تخرج من الكيس حصصا مغلفة من الطعام وتوزعها بشكل عشوائي على المارة وهي تبتسم لوجوههم ..

شيء ما دفعه ليبقى مكانه وقلبه ينتفض بانتظارها وكأن معها الفرج !

ولم يطل انتظاره كثيرا حتى وصلت اليه فتخرج من كيسها العامر وتعطيه حصة وهي تبتسم بوجهه في بشر قائلة " هذا ثواب لوالدي ... اقرأ الفاتحة لروح فلان ابن فلان رحم الله والديك .. وبالهناء والعافية لك .."

تسلمه صحن الطعام المغلف بكيس شفاف تراصت فيه قطع حلويات محلية (الجُرك والزلابية) وبعض المأكولات المالحة الجافة (الكبب والبورك) ...

ظل يحدق بهذا الرزق الذي اتاه من حيث لا يعلم ولم يبحث ولم يتوقع !

فتظن المرأة الطيبة ان تحديقه ذاك لانه يرى الطعام قليلا في الصحن ولن يكفيه فتخرج له صحناً آخر وهي تهمس له بصوت رحوم " وهذا الصحن لاهل بيتك .. رزقك الله برزقهم .."

ثم تتركه وتمضي مبتعدة لتوزع باقي ما تحمله على المارة .. اما تحسين ودون ان يفكر كانت قدماه تعدوان عدواً .. تأخذناه بفرح لم يشعره منذ سنوات طوال عائدا لـ حُسنا بالصحنين...







حي الشيخ



متخفيا يراقب بغل متفاقم عودة تحسين بخطوات متلهفة تعميه عن رؤية ما حوله وهو يحمل بيده صحنيّ طعام !

يكز فالح على اسنانه وهو يتذكر كيف تركه قبل ايام عندما كان يسرق احد البيوت العفنة فامسكه صاحب البيت واوسعه ضرباً ثم أفلت منه ليهرب باعجوبة .. او ربما الرجل اكتفى بضربه وتركه بمزاجه لحال سبيله ..

تمتم فالح بحقد " حسابك يثقل يوماً بعد يوم يا تحسين .. لكنك بدأت تدفع الثمن دون ان تدري .."

ربّت فالح على كيس الحبوب المخدرة في جيبه وابتسامة قبيحة تزيد ملامحه تنفيراً..

تحسين بدأ يأخذ من هذه الحبوب كتجربة بعد إلحاح فالح عليه مستغلا حالة اليأس والقنوط التي يعيشها بعدما حصل في السوق مع ... (ام تحسين) ... يكاد يرى يأسه يتآكله من الداخل وتجعله في حال شقاء ..

قبل بضع ليال كانت الحبة الاولى التي جعلته يشعر بالتوهان عما حوله وهدأت من حالة غضبه وهياجه ... وسيأخذ ربما الليلة حبته الثانية ثم .. الثالثة... والرابعة ... حتى ينسى الحسناء وينسى نفسه حتى ....

وعندها ... سيحصل كل ما يريده و.. أكثر..







في شقة حسناء..



ينظر اليها وهي تأكل من الصحن بنفسها نصف مضطجعة على السرير بينما يجلس هو على الاريكة قبالتها عيناه لا تنزاحان عنها وهو يمج من سيجارته ..

اليوم وجهها عاد منيراً .. ابيضا .. فاتنا ..

ترتجف السيجارة في يده وكل مشاعره كرجل تتحرك بقوة .. لقد اشتاقها .. اشتاق رائحتها .. اشتاق نظافتها روحاً وجسداً ...

يقف .. يقترب .. خطوة تجذب خطوة ..

وكلما اقترب يشعر بتوترها يزداد واللقمة تتباطأ قبل ان تصل فمها ...

يرمي السيجارة ارضا ويدعسها بقدمه دون اكتراث بنظافة المكان ثم يميل ليجلس جوارها على السرير وهي تنكمش تلقائيا ..

ومع اول لمسة من اصابعه الخشنة وهي تتخلل ضفائر شعرها سقطت يدها التي تحمل اللقمة فوق الصحن في قنوط وقهر ..

يهمس بخشونة " هل شبعتِ يا حُسنا ...؟ "

تتمتم " الحمد... لله ..."

شفتاه تسعيان فوق خدها بظمأ بحثاً عن ارتواء يضنيه.. وكأنه يريد أن يرتشف من رحيق عفتها .. رحيق يحرق آثامه ...

كفه تتحرك بعنف فوق جسدها دون ارادة منه حتى اوجعها فتتأوه تتوسله التوقف لكنه لم يفعل بل ازداد عنفاً خارجاً عن ارادته فتزداد هي وجعاً وفاضت اوجاع الجسد والروح لتصرخ برفض مباغت اشد عنفاً من عنفه معها

" توقف .. ابتعد عني .. توقف .. لا اطيق ما تفعله .. لا اطيق .."

وكأنه أفعى لدغته وجعلته يرتد مبتعدا عنها يلهث بجنون وهو يحدق في وجهها المشمئز المحيا .. اشمئزاز وغضب ونفور .. كلها موجهة له ولم تعد تبالي ان تخفيهم عنه ...

انفجرت صراخاً به " لقد كرهت نفسي .. كرهت جسدي .. كرهت رائحتي بسببك .. لماذا ابتليت هذا الابتلاء ؟! فقط لو اعرف وافهم .. "

ثم تزداد هستيرية وهي تحدق في السقف وترفع كفيها عالياً تهتف بعلو صوتها موجهة الكلام لرب السموات والارض

" اخبرني يا ربي لماذا ابتليتني هكذا بما لا اطيق ؟ هل هو عقاب ام ماذا يا رب ؟!! يا رب .. يا رب .. يا رب .. انا الطاهرة العفيفة يا رب .. لماذا يا رب ... "

ظلت تهتف وتصرخ هكذا حتى كادت ان تفقد الوعي وتحسين يحدق فيها بعينين جاحظتين لاترمشان ...

لم تكن تشعر بوجوده فكل حواسها تصرخ تستنجد وتطلب الفهم لماذا ابتليت .. به ... هو تحسين بلاؤها الاعظم ...

تحرك مفزوعا مُزلزلا ليترك السرير وحسناء ما زالت في نداءاتها التي زلزلته ...

يغادر بخطوات واسعة وهو يصم اذنيه دون ان يشعر .. وما زالت عيناه جاحظتان وكأن الموت يلاحقه ... لا ... بل الموت هو .. هو نفسه الموت ... !






انتهى الفصل الخامس عشر
اتمنى تعجبكم احداث الفصل وتسعدوني بتعليقات مميزة كما عودتموني ..
دعواتكم بتيسير الحال
الف شكر لكم للمتابعة والتفاعل

قراءة ممتعة اتمناها لكم


كاردينيا الغوازي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس