عرض مشاركة واحدة
قديم 14-07-18, 06:55 PM   #1435

moshtaqa

نجم روايتي وكاتبة وقاصة في قسم قصص من وحي الأعضاء وبطلة اتقابلنا فين ؟

 
الصورة الرمزية moshtaqa

? العضوٌ??? » 105077
?  التسِجيلٌ » Dec 2009
? مشَارَ?اتْي » 2,935
?  نُقآطِيْ » moshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond reputemoshtaqa has a reputation beyond repute
افتراضي

************************************
الأعظمية... المنطقة التي ولدت فيها زنبق... والتي يقيم فيها الآن.... ليتعرف على بغداد، المدينة التي جاء منها والده والتي ينتمي بالوراثة اليها...... والتي لم يزرها منذ وفاة والده قبل سنوات طويلة.... حتى أنه يشعر بأنه يزورها للمرة الأولى... لربما لأنه هذه المرة يريد أن يتعرف عليها حقاً دون ان يشعر بأن زيارته ما هي الا محض واجب يفرضه عليه والده ليجبره على العودة الى جذوره....... ها هو يعود الى بغداد ليكتشف نفسه... ثم يكتشف أمل.... ويقرر أي الحياتين يريد... الحياة التي لا انتماء فيها... حيث يسطع نجمه... وتدوي شهرته وتضرب وسامته قلوب النساء..... الحياة التي تلاحقه فيها أهم وكالات الأزياء وشركات التجميل والعطور لكسب رضاه علّه يشارك في عرض ازياء او يتولى بطولة إعلان.... الحياة التي يعيش فيها ملكاً ...... لكنه ملك وحيد !
أم يختار حياة الانتماء... الحياة التي لا أضواء فيها.. سوى ضوء أمل.... ولا شهرة فيها ولا نساء.... حياة لا يسيطر فيها شكله الخارجي.. بل تفيض فيها مشاعره الداخلية.... حياة تعزله عن العالم الملّون الذي يعرفه وتمنحه دائرة معارف صغيرة وحميمة.... حياة ينزع فيها درع البرود العاطفي.... ويرتدي فيها قلبه ويغامر به .......
ولأنه محتار بين الابقاء على كل ما يملك وخسارة أمل وبين خسارة كل ما يملك والابقاء على أمل... فقد قرر أنه ليحسم الأمر عليه ان يعيد اكتشاف الجذور التي رفضها.... فإن بقي على رفضه علم بأن أمل لن تكون له مهما بلغ حبه لها.... ولو قبل الوطن فهذا يعني بأنه قبل أمل كما هي .....
أخذ يتمشى في شوارع المنطقة المزدحمة... الحياة تتدفق من كل ركن فيها.... النساء يمشين ببطيء ويتوقفن من حين لآخر أمام محلات الملابس او المجوهرات.... صوتهن متداخل بضحكاتهن..... بعضهن يرتدين الحجاب واخريات يظهرن شعورهن.... البعض يبالغن في زينتهن والبعض لا يتزيّن سوى بعيونهن الواسعة ..... لقد بدت له جميع النساء سعيدات !...... كأن واحدة منهن ليست أخت شهيد او مخطوف او مهاجر.... ليست زوجة ضابط رمى نفسه في الحرب ضد الارهاب..... ليست أم صبي يذهب الى مدرسةٍ قد لا يعود منها بسبب انفجار او مواجهة مسلحة ........ للمرة الأولى يفكر مراد كم ان نساء وطنه شجاعات..... مثل أمل تماماً...!
اصطدم دون ان يقصد بامرأة متقدمة في السن تحمل كيساً كبيراً وترتدي عباءة رأس سوداء تحتها ثوب من قماش صيفي اسود اللون بورود بنية ناعمة ...
اعتذر من السيدة بعراقيته الركيكة نوعاً ما:
-اسف يا خالة
فأجابته بابتسامة:
-لا عليك "يومّة"
كانت تلك نسخة مُعرّقة لكلمة "ماما"... دخلت الكلمة الى قلبه مثل سهم من المشاعر لما حملته من حنان ومحبة لربما لم تكونا مقصودتان من قبل السيدة لكنها كانت دون ان تدري تنقط عطفاً....
لذلك وجد نفسه يلحق بالسيدة ويقول لها:
-دعيني أساعدكِ يا خالة
وقبل ان تعترض كان قد تناول الكيس الثقيل من يدها وراح يمشي معها فأخذت تتشكره بكثرة أخجلته....
خاض مع الخالة حديثاً بسيطاً وما هي الا بضع دقائق وصلا الى ساحة ترابية تستخدم كموقف للسيارات حيث كان زوجها ينتظرها وحالما رآها قال:
-أين كنتِ يا أم حسن... لقد تأخرتِ
ابتسم مراد لشكل الرجل الذي بدا قلقاً ونزقاً في نفس الوقت.... كان يرتدي ثوب الرجال الطويل التقليدي والذي يرتبط دوماً في عقله بأهل الخليج العربي... لكنه لاحظ بأن الرجال كبار السن في العراق يرتدونه كزي يومي ....
حين رآه الرجل حاملاً أغراض زوجته تقدم منه وقال بلهجة شكر:
-بارك الله فيك يا ولدي .. اتعبناك معنا
هز رأسه نافياً:
-لا أبداً.... كنت سعيداً بمساعدة الخالة
تدخلت الخالة أم حسن قائلة:
-أبا حسن .. مراد جاء الى بغداد حديثاً وهو لا يعرف أحداً هنا
صافحه العم ابو حسن وقال مبتسماً:
-اذن انت ضيفنا على العشاء...
حاول مراد ان يعتذر لكن اصرارهما وحرارة دعوتهما التي شعر بها صادقة جداً قادته بالنهاية الى القبول والصعود معهم في السيارة الصغير الغير مكيفة... كان الحر شديداً بالنسبة اليه ولاحظ قطرات العرق تنساب من وجه الزوجين لكنهما مع هذا بدوا سعيدين وهما يتحدثان اليه ويسألانه عن مكان اقامته وعمله .. فأخبرهم بأنه يعمل كموظف في شركة ... لم يكن يريد ان يخبرهم بمهنته الحقيقية ولم يكن يعرف السبب... للحظة شعر بالخجل من مهنته اذ انها تبدو تافهة وسط مجتمع يعاني ما يعانيه....
توقفت السيارة أمام بيت صغير قديم الطراز في شارع ضيق... ترجل الثلاثة من السيارة وأصر مراد على حمل الأغراض التي تسوقها الزوجين في حركة شهامة لم يكن مضطراً قبلاً لممارستها.....
حين دخل البيت اخذ العم ابو حسن يرحب به بحرارة في بيته الذي رغم تواضعه لكنه كان جميلاً بالنسبة لمراد... وهذا أمر آخر أخذ يستغربه في نفسه .. اذ انه في العادة يهتم كثيراً بأن يكون البيت حديثاً ومكيفاً وأثاثه باهظ الثمن.... لكنه وجد نفسه يقع في حب الأريكة الخشبية القديمة ... والحصيرة الملونة على الأرض وأصص الزرع المتناثرة في غرفة الجلوس كنوع من الزينة .......
حالما جلس ذهبت الخالة ام حسن لتصنع الشاي فجلس العم ابا حسن وقال:
-الله بالخير يا ولدي
ابتسم مراد دون ان يعرف بماذا يرد... فهو لم يسمع هذه العبارة من قبل ... ويبدو ان عدم الفهم قد بدا جلياً على وجهه اذ قال العم ابو حسن مبتسماً:
-انها عبارة ترحيبية نستخدمها في العراق مع ضيوفنا... يمكنك ان ترد قائلاً "الله بالخير والعافية"
اتسعت ابتسامة مراد وكرر قول العم ابو حسن
-الله بالخير والعافية عماه
بعد ذلك دار حوار ممتنع بينه وبين الزوجين اثناء شربهم الشاي العراقي الثقيل اللون والطعم.... وبعدها بربع ساعة انصرفت الخالة ام حسن لتحضر العشاء الذي كان عبارة عن سمك مشوي ومقبلات كثيرة ...... وأمام المنظر المشهي للطعام ضرب مراد قواعد حميته الغذائية عرض الحائط وراح يأكل بشهية مفتوحة مع العم والخالة وهو جالس بكل اريحية على سفرة من النايلون البلاستيكي وعلى الأرض........
لم يكن الطعام مطبوخاً على يد شيف ماهر .. ولا مقدم بأواني باهظة الثمن على طاولة مزينة بدقة في مطعم خمس نجوم كما أعتاد مراد..... لكنه كان في تلك اللحظة يتناول أشهى وجبة في حياته .... ذكرته نوعاً ما بنفس بساطة وجباته مع أمل ...... لكنه هذه المرة كان مستمتعاً جداً وهو يكتشف جمال البساطة ودفئها ......
بعد العشاء الذي لم يتركه مراد الا عندما شعر بالتخمة ... قدمت الخالة ام حسن الشاي مرة اخرى كعادة عراقية اصيلة في شرب الشاي بعد كل وجبة........... ووسط الأحاديث سأل مراد مشيراً الى صورة شاب جميل في أوائل عشرينه معلقة على الحائط
-هل هذا هو ابنك حسن يا عمي؟
عندها فقط لاحظ كيف خيم الحزن على وجهي الزوجين وأخذا ينظران الى الصورة بابتسامة حسرة وشوق....... ساور احساس سيء قلب مراد.. وقد صدق احساسه حين قال العم:
-أجل يا بني... هذا حسن ابني رحمه الله
ضرب قلب مراد حزن بثقل مطرقة ... قال بنبرة تأثر وتعاطف صادقة:
-رحمه الله... أنا آسف جداً....
هز العم رأسه:
-الحمد لله على كل حال...
صمت الثلاثة وهم يطالعون الصورة بحزن... كان مراد يشعر بالألم المختلط بالإعجاب... فهو يتألم لخسارة العم والخالة ابنهما الشاب لكنه معجب بقدرتهما على المواصلة من بعده وهما ما يزالان يحملان قلباً طيباً وروحاً محبة رغم كل الحزن الذي يعتريهما......
جاء صوت الخالة يقول بحزن:
-كنت ذاهبة معه لزيارة أهلي في الكاظمية... وقد بتنا هناك ... خرج في الصباح ذاهباً الى الجامعة ولم يعد..... حصل انفجار قرب الجامعة وكان هو أحد ضحاياه....
دون ارادة اغرورقت عيناه بالدموع فسجنها بين جفنيه.... كانت مجرد كلمات قليلة تلك التي قالتها لكنها حملت من الألم ما لا تحمله عشرات الصرخات .....
لم يجد ما يقوله سوى:
-رحمه الله ... انا آسف جداً
أمسك العم يد زوجته وشد عليها... رفعت وجهها وتبادلا ابتسامة تفطر القلب لفرط حزنها ... بعدها غير العم الموضوع ...
دعاه في التاسعة ان يذهب معه الى المقهى القريب للعب "الطاولي" وهي لعبة لم يكن يعرفها مراد... لكنه رافقه بسعادة ... في المقهى القديم اجتمع رجال الحي .... جلس بينهم فرحبوا به ايما ترحيب... أحدهم تكفل بدفع تكاليف مشاريبه والآخر دعاه لحضور حفلة خطوبته .... بينما كانت الأسئلة تنهال عليه عن حياته في أمريكا وكيف وجد البلد...... تداخلت المواضيع ما بين السياسة والأوضاع المأساوية للبلد والوضع الاقتصادي وقلة فرص العمل وانقطاع الكهرباء ثم تحول الحديث عن النساء والحب تطايرت النصائح والنظريات من كل جانب حول الزواج والعلاقات.......
جلس حولهم يحصي خسائرهم... لقد علم بأن أحمد المهندس الذي قارب على الثلاثين عاطل عن العمل... وأبو عمار له ذراع اصطناعية لأنه فقد ذراعه أثناء خدمته في الجيش... وأبو ايناس له ابنة تم اختطافها منذ خمس سنوات ولا يعلم عنها شيئاً.... وسليم المراهق الذي يرافق والده ترك المدرسة ليعمل مع والده في النجارة حين صارت صحة والده لا تساعده على العمل الشاق......... كلهم من حوله كانوا محملين بالخسائر والمآسي.... معبأين بالغضب على الحكومة والأوضاع .. لكنهم يبجلون العراق وكأنهم لم يذوقوا وبال انتمائهم اليه........ ورغم كل شيء كانوا يضحكون بكثرة وكان يضحك معهم كما لم يضحك من قبل.... هؤلاء الرجال الذين لا يملكون ربع ما يملك ... كلهم وعلى رغم مآسيهم... أسعد منه وأكثر رضا ... وأدرك بأن كل نجاحاته لم تحقق له ذرة رضا مما حققته خسارات المحيطين به لكل واحد منهم....
.................................................. ....
بعد عشرة أيام .... غادر مراد السالم بغداد رجلاً غير الذي عرفه....... وعندما رحب به موظف المطار في نيويورك بعد ان تعرف عليه قائلاً:
-مستر "مارت".... ابنتي من اشد المعجبين بك...
ابتسم له مراد وقال بلطف:
-ابلغ تحياتي لابنتك... قل لها بأن "مراد السالم" يرسل لها سلامه !
********************************
-مريم..
لم تلتفت اليه.. بقيت تواجه القبور الثلاثة لعائلتها وكتفاها يهتزان في بكاء صامت....... كان قد استغل فرصة انها قد بدت أهدأ حالاً هذا اليوم ففاتحها بموضوع الزواج..... لم يكن عرضه رومانسياً بل كان عملياً أكثر.... قال لها بأنه يعرض عليها الأمان وجنسية سوف تسحب عنها لقب لاجئة... أخبرها بأنه يفعل ذلك لأنها بقيت دون عائلة ولأنه يشعر بأنه مسؤول عنها.... كما أكد لها بأنه لا يتوقع منها شيئاً من ذلك الزواج ملمحاً الى عدم وجود أي تقارب من أي نوع بينهما....... كان يسرد عليها الأمر بعملية جعلته يعود الى تلك الأيام التي كان يناقش فيها بنود عقود العمل مع رجال الأعمال ... مما أدخل الجليد الى روحه....... هو لا يستطيع ان يقول لها بأنه يتزوجها لأنه يحبها.... لأنه يعلم تماماً ان مريم لا تستحق حبه.... لقد تخلت عنه في أول أزمة... كما انها لم تكتفِ بذلك بل خُطبت لشخص كانت تحترق اعصابه كل يوم من فكرة انه قد يظهر أمامه فجأة مطالباً بها.......
حالما أخبرها بعرضه نظرت اليه بعيون دامعة وهزت رأسها بالرفض وخرجت ..... وها هو يجدها تجلس هناك تبكي أمام خساراتها الكبرى فتلوى قلبه وجعاً....
كرر الهمس باسمها:
-مريم
هذه المرة التفتت ليجد وجهها وقد تحول الى اللون الأحمر القاني من البكاء بينما تبلل خداها بملح دموعها....
جلس بجانبها وامتدت يده يمسح عنها دموعها....
-لا تبكي.....
ثم اشار الى القبور أمامه وقال:
-انهم ليسوا هنا مريم... انهم هنا (وأشار الى قلبها)
ثم أكمل:
-هذه الحياة مجرد محطة.... بعضنا يغادرها الى الوجهة الأخيرة أسرع من الآخرين..... لقد ذهبت عائلتكِ قبلكِ الى هناك... ويوماً ما أتمناه بعيداً... ستلتقين بهم .... وحتى ذلك اليوم احفظيهم في قلبك.....
ازدادت دموعها انهماراً.... هي تعلم بأنه على حق... لكنها لا تستطيع ان توقف هذا الحزن الذي يمزقها...... كان العالم يبدو مقفراً تماماً دون وطن وعائلة.... حين رحلت عن سوريا شعرت باليتم لكن عزائها كان ان عائلتها بخير.... ولكن حين رحلت عائلتها... لم يبقَ لها عزاءٌ في شيء..... كان كل شيء داخلها يقيم حداداً على أحبائها....... لقد ذبلت الياسمينة الشامية التي رباها اخوها..... وماتت الطفلة الصغيرة التي أنجبها والدها...... لم يبقَ منها سوى امرأة لا حياة فيها... لكنها لا تموت!...........
ثم جاء عرض آدم لها... بارداً كأنه تأدية واجب... وشعرت بأن ما تشاركاه على الحدود التركية – السورية كان مجرد لحظة تأثر وقتية من جانبه بينما عنت لها ما تبقى من العالم............
وهو يحدثها بذلك الصوت العملي تذكرت أحلامها التي تبدو الآن بعيدةً جداً حول لحظات السعادة التي ستعيشها معه خصوصاً بعد اعترافه لها بالحب..... لكنها دمرت كل ذلك بتصرفها.... هو لم يعد الا لأنه رجل نبيل... وهو لا يتقدم للزواج منها الا لنفس السبب لأنه يدرك بأنها وحيدة ومعرضة للخطر.......
لم يؤلمها ذلك فقط... بل آلمها ان تفكر بأنها بزواجها منه سيتحتم عليها ان تترك عائلتها هنا وتترك الشام التي تواسي نفسها بقربها من تركيا....... ستذهب الى مجتمع لا تعرفه وتواجه والداه اللذان شهدا موقفها المخزي معه ...... كيف يمكنها ان تقبل؟....
سمعته يقول:
-تعلمين يا مريم بأن لا خيار آخر لديكِ..... إذا رفضتي الزواج مني.... ستضطرين لعبور البحر من جديد.... وهذا ما لن اسمح به
تذكرت البحر.. الموج... المركب... عائلتها... الموت ..... شعرت بجسدها يرتعش دون ان تستطيع السيطرة عليه .. فكرة ان تخوض البحر من جديد ارعبتها... صار تخيل البحر وحده كفيل بأن يوقظ كل خلية خوف داخلها.....
احاط آدم كتفها بذراعه محاولاً السيطرة على ارتجافها.... ورغم كل شيء... شعرت بالأمان لقربها منه ......
همس لها:
-تزوجي بي... لأستطيع منحك الأمان والحماية يا مريم
الامان.... الحماية .......
هذا كل ما ارادتهما مريم في تلك اللحظة .... بالإضافة الى آدم ميلر !
********************************************


moshtaqa غير متواجد حالياً  
التوقيع
رد مع اقتباس